تفسير سورة الزمر

إيجاز البيان

تفسير سورة سورة الزمر من كتاب إيجاز البيان عن معاني القرآن المعروف بـإيجاز البيان.
لمؤلفه بيان الحق النيسابوري . المتوفي سنة 553 هـ

وَالْحَقَّ أَقُولُ: اعتراض أو قسم «١»، كقولك: عزمة «٢» صادقة لآتينّك.
ومن سورة الزمر
١ لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ: ما لا رياء له «٣». وقيل «٤» : الطاعة بالعبادة المستحق بها الجزاء لأنه لا يملكه إلّا هو.
إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي: لحجته، أو لثوابه.
٦ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ: ظلمة البطن والرحم والمشيمة «٥».
٩ أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ: استفهام محذوف الجواب، أي: كمن هو غير قانت «٦».
(١) معاني القرآن للفراء: ٢/ ٤١٢، والبيان لابن الأنباري: ٢/ ٣٢٠، والتبيان للعكبري:
٢/ ١١٠٧.
(٢) أشار ناسخ الأصل إلى نسخة أخرى ورد فيها «عزيمتي».
وانظر هذه العبارة في معاني الفراء: ٢/ ٤١٢.
(٣) ذكره الماوردي في تفسيره: ٣/ ٤٦٠.
(٤) تفسير الطبري: ٢٣/ ١٩١، وزاد المسير: ٧/ ١٦١.
(٥) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ٢٣/ ١٩٦ عن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، والضحاك.
وذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ٣٨٢، والزجاج في معانيه: ٤/ ٣٤٥، والماوردي في تفسيره: ٣/ ٤٦١.
وأورده ابن الجوزي في زاد المسير: (٧/ ١٦٣، ١٦٤)، وقال: «قاله الجمهور».
(٦) معاني القرآن للفراء: ٢/ ٤١٧، والبيان لابن الأنباري: ٢/ ٣٢٢، والبحر المحيط:
٧/ ٤١٩.
١٥ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ: بإهلاكها في النّار، وَأَهْلِيهِمْ: بأن لا يجدوا في النّار أهلا مثل ما يجد أهل الجنة «١». أو أهليهم الذين كانوا أعدّوا لهم من الحور «٢».
١٦ لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ: الأطباق والسّرادقات.
وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ: الفرش والمهاد، وهي ظلل وإن كانت من تحت لأنّها ظلّل من هو تحتهم «٣».
١٩ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ: معنى الألف هنا التوقيف «٤»، وألف أَفَأَنْتَ مؤكدة معادة لما طال الكلام، ومعنى الكلام: إنّك لا تقدر على إنقاذ من أضلّه الله.
٢١ يَهِيجُ: ييبس «٥»، حُطاماً: فتاتا متكسرا «٦».
(١) نقله الماوردي في تفسيره: ٣/ ٤٦٤ عن مجاهد، وابن زيد. وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: ٧/ ١٦٩.
(٢) نقله الماوردي في تفسيره: ٣/ ٤٦٤، وابن الجوزي في زاد المسير: ٧/ ١٦٩ عن الحسن، وقتادة، ونقله أبو حيان في البحر: ٧/ ٤٢٠ عن الحسن رحمه الله.
(٣) تفسير البغوي: ٤/ ٧٤، والمحرر الوجيز: (١٢/ ٥١٨، ٥١٩)، وزاد المسير: ٧/ ١٦٩، وتفسير القرطبي: ١٥/ ٣٤٣، والبحر المحيط: ٧/ ٤٢٠.
(٤) عن معاني الزجاج: ٤/ ٣٤٩، ونص كلام الزجاج هناك: «هذا من لطيف العربية، ومعناه معنى الشرط والجزاء وألف الاستفهام ها هنا معناها معنى التوقيف، والألف الثانية في أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ جاءت مؤكدة معادة لمّا طال الكلام، لأنه لا يصلح في العربية أن تأتي بألف الاستفهام في الاسم وألف أخرى في الخبر. والمعنى: أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذه؟ ومثله: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ [المؤمنون: ٣٥]، أعاد أَنَّكُمْ ثانية، والمعنى: أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما مخرجون... ».
وانظر تفسير الطبري: ٢٣/ ٢٠٨، والمحرر الوجيز: ١٢/ ٥٢١.
(٥) تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٣٨٣، وتفسير الطبري: ٢٣/ ٢٠٨، واللسان: ٢/ ٣٩٥ (هيج). [.....]
(٦) معاني القرآن للزجاج: ٤/ ٣٥١، والمفردات للراغب: ١٢٣.
٢٢ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ: أي: للقاسية من ترك ذكر الله.
٢٣ كِتاباً مُتَشابِهاً: يشبه بعضه بعضا، مَثانِيَ: ثنّي فيها أقاصيص الأنبياء، وذكر الجنّة والنّار «١». أو يثنّى فيها الحكم بتصريفها في ضروب البيان، أو يثنّى في القراءة فلا تملّ «٢».
٢٨ غَيْرَ ذِي عِوَجٍ: غير معدول به عن جهة الصّواب.
٢٩ مُتَشاكِسُونَ: متعاسرون «٣»، خلق شكس.
ورجلا سالما «٤» : خالصا ليس لأحد فيه شركة، ليطابق قوله:
رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ، وسَلَماً «٥» : مصدر سلم سلما: خلص خلوصا.
٤٢ وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها: أي: يقبضها عن الحسّ والإدراك مع بقاء الروح.
قال عليّ «٦» رضي الله عنه: «الرؤيا من النّفس في السّماء، والأضغاث
(١) ذكره ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن: ٣٨٣، ونقله الماوردي في تفسيره: ٣/ ٤٦٧ عن ابن زيد.
(٢) نقله الماوردي في تفسيره: ٣/ ٤٦٧ عن ابن عيسى، وذكره الزمخشري في الكشاف:
٣/ ٣٩٥، والقرطبي في تفسيره: ١٥/ ٢٤٩.
(٣) هذا قول المبرد، وهو من: شكس يشكس فهو شكس، مثل: عسر يعسر عسرا فهو عسر.
(إعراب القرآن للنحاس: ٤/ ١٠).
وانظر تفسير المشكل لمكي: ٣٠٣، واللسان: ٦/ ١١٢ (شكس).
(٤) بالألف وكسر اللام، وهي قراءة ابن كثير، وأبي عمرو كما في السبعة لابن مجاهد: ٥٦٢، والتبصرة لمكي: ٣١٤، والتيسير للداني: ١٨٩.
(٥) قراءة نافع، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وابن عامر.
وانظر توجيه القراءتين في معاني القرآن للزجاج: ٤/ ٣٥٢، وإعراب القرآن للنحاس:
٤/ ١٠، والكشف لمكي: ٢/ ٣٣٨.
قال الزمخشري في الكشاف: ٣/ ٣٩٧: «وقرئ سَلَماً بفتح الفاء والعين، وفتح الفاء وكسرها مع سكون العين، وهي مصادر «سلم»
، والمعنى: ذا سلامة لرجل، أي:
ذا خلوص له من الشركاء، من قولهم: سلمت له الضيعة».
(٦) أورده الماوردي في تفسيره: ٣/ ٤٧١ مع اختلاف في بعض ألفاظه.
منها قبل الاستقرار في الجسد يلقيها الشّياطين».
وقال ابن عبّاس «١» رضي الله عنهما: «لكلّ جسد نفس وروح، فالأنفس تقبض في المنام دون الأرواح».
٤٥ اشْمَأَزَّتْ: انقبضت «٢».
٤٩ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ: أي: سأصيبه «٣»، أو بعلم علّمنيه الله «٤».
أو على علم يرضاه عني «٥».
٥٦ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ: لئلا تقول «٦»، أو كراهة أن تقول/ «٧». [٨٥/ أ] يا حَسْرَتى: الألف بدل ياء الإضافة لمدّ الصّوت بها في الاستغاثة «٨».
فِي جَنْبِ اللَّهِ: في طاعته «٩»، أو أمره «١٠».
يقال: صغر في جنب ذلك، أي: أمره وجهته لأنّه إذا ذكر بهذا الذكر دلّ على اختصاصه به من وجه قريب من معنى صفته.
(١) ذكره الماوردي في تفسيره: ٣/ ٤٧٠، وأورده السيوطي في الدر المنثور: ٧/ ٢٣٠، وعزا إخراجه إلى ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(٢) تفسير الطبري: ٢٤/ ١٠، وإعراب القرآن للنحاس: ٤/ ١٥، وتفسير القرطبي: ١٥/ ٢٦٤.
(٣) نقل الماوردي هذا القول في تفسيره: ٣/ ٤٧١، وقال: «حكاه النقاش».
(٤) نقله الماوردي في تفسيره: ٣/ ٤٧١ عن الحسن، وكذا القرطبي في تفسيره: ١٥/ ٢٦٦.
(٥) ذكره الماوردي في تفسيره: ٣/ ٤٧١ عن ابن عيسى.
(٦) ذكره الطبري في تفسيره: ٢٤/ ١٨، ونقله النحاس في إعراب القرآن: ٤/ ١٧ عن الكوفيين.
(٧) قال الزجاج في معانيه: ٤/ ٣٥٩: «المعنى: اتبعوا أحسن ما أنزل خوفا أن تصيروا إلى حال يقال فيها هذا القول، وهي حال الندامة... ». [.....]
(٨) ينظر تفسير الطبري: ٢٤/ ١٨، وتفسير القرطبي: ١٥/ ٢٧٠، والبحر المحيط: ٧/ ٤٣٥.
(٩) نقل البغوي هذا القول في تفسيره: ٤/ ٨٥ عن الحسن رحمه الله، وكذا ابن الجوزي في زاد المسير: ٧/ ١٩٢، والقرطبي في تفسيره: ١٥/ ٢٧١.
(١٠) أخرج الطبري هذا القول في تفسيره: ٢٤/ ١٩ عن مجاهد، والسدي.
السَّاخِرِينَ: المستهزئين.
٦١ بِمَفازَتِهِمْ: ما فازوا به من الإرادة «١».
٦٧ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ: في حكمه وتحت أمره «٢».
٦٨ فَصَعِقَ: مات «٣»، أو غشي عليهم «٤».
إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ: من الملائكة «٥».
ثُمَّ نُفِخَ: يقال: بين النّفختين أربعون سنة «٦».
٧١ زُمَراً: أمما.
(١) تفسير الماوردي: ٣/ ٤٧٣.
(٢) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: ٧/ ١٠٤: «وقد وردت أحاديث كثيرة متعلقة بهذه الآية الكريمة، والطريق فيها وفي أمثالها مذهب السلف، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تحريف».
(٣) ذكره الطبري في تفسيره: ٢٤/ ٣٠، والزجاج في معانيه: ٤/ ٣٦٢، والماوردي في تفسيره: ٣/ ٤٧٤، وقال: «وهو قول الجمهور».
ينظر أيضا تفسير البغوي: ٤/ ٨٧.
(٤) ذكره الماوردي في تفسيره: ٣/ ٤٧٤، وقال: «حكاه ابن عيسى».
(٥) راجع الاختلاف في المستثنين في هذه الآية عند تفسير قوله تعالى: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ [النمل: ٨٧].
ورجح الطبري في تفسيره: ٢٤/ ٣٠ القول الذي أورده المؤلف رحمه الله.
(٦) ورد هذا القول في أثر طويل أخرجه ابن أبي داود في كتاب البعث: ٨٠ عن أبي هريرة مرفوعا، وأخرجه ابن مردويه كما في فتح الباري: ٨/ ٥٥٢، والدر المنثور: ٧/ ٢٥٢ عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا.
قال الحافظ ابن حجر: «وهو شاذ».
وأخرج الإمام البخاري والإمام مسلم رحمهما الله تعالى عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال:
«بين النفختين أربعون. قالوا: يا أبا هريرة! أربعون يوما، قال: أبيت. قال: أربعون سنة، قال: أبيت، قال: أربعون شهرا، قال: أبيت... ».
ينظر صحيح البخاري: ٦/ ٣٤، كتاب التفسير، باب قوله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ.
وصحيح مسلم: ٤/ ٢٢٧٠، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب «ما بين النفختين».
٧٣ وَفُتِحَتْ أَبْوابُها: واو الحال، أي: يجدونها عند المجيء مفتّحة الأبواب، وأمّا النّار فمغلقة لا تفتح إلّا عند دخولهم «١».
٧١ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ: ظهر حقّها بمجيء مصداقها.
٧٤ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ: أرض الجنّة «٢» لأنّها صارت لهم في آخر الأمر كما يصير الميراث «٣».
٧٥ حَافِّينَ: محدقين مطيفين «٤».
ومن سورة المؤمن
في الحديث «٥» :«مثل الحواميم في القرآن مثل الحبرات في الثياب».
٣ وَقابِلِ التَّوْبِ: جمع «توبة» ك «دومة» ودوم، و «عومة» وعوم. أو
(١) ينظر معاني القرآن للزجاج: ٤/ ٣٦٤، وإعراب القرآن للنحاس: ٤/ ٢٣، وزاد المسير:
٧/ ١٩٩، والمحرر الوجيز: ١٢/ ٥٧١، وتفسير القرطبي: ١٥/ ٢٨٥.
(٢) هذا قول أكثر المفسرين كما في تفسير غريب القرآن لابن قتيبة: ٣٨٤، وتفسير الطبري:
٢٤/ ٣٧، ومعاني القرآن للزجاج، ٤/ ٣٦٤، وتفسير الماوردي: ٣/ ٤٧٦، وتفسير القرطبي: ١٥/ ٢٨٧.
(٣) عن تفسير الماوردي: ٣/ ٤٧٦.
(٤) ينظر مجاز القرآن لأبي عبيدة: ٢/ ١٩٢، وتفسير الطبري: ٢٤/ ٣٧، ومعاني الزجاج:
٤/ ٤٦٣.
(٥) ذكره الزجاج في معانيه: ٤/ ٣٦٥ مرفوعا، وكذا القرطبي في تفسيره: ١٥/ ٢٨٨، وعزاه إلى الثعلبي.
وهو أيضا في المحرر الوجيز: ١٤/ ١١١ (ط. المغرب)، والبحر المحيط: ٧/ ٤٤٦.
والحبرات جمع حبرة: ضرب من برود اليمن، والحبير من البرود ما كان موشيا مخططا.
النهاية لابن الأثير: ١/ ٣٢٨، واللسان: ٤/ ١٥٩ (حبر). [.....]
سورة الزمر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الزُّمَر) من السُّوَر المكية، وقد جاءت بدلائلَ كثيرةٍ على وَحْدانية الله، واستحقاقه للألوهية، وذكَرتْ آياتٍ لله عز وجل في هذا الكون، وبيَّنت مآلَ مَن آمن واتقى، ومآلَ من عصى وكفَر بالله؛ مِن تقسيمِ الله لهم إلى زُمَرٍ: زُمْرة إلى الجنة والسعادة، وزُمْرة إلى النار والشقاء، وقد أُثِر عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الزُّمَر) قبل النوم.

ترتيبها المصحفي
39
نوعها
مكية
ألفاظها
1177
ترتيب نزولها
59
العد المدني الأول
72
العد المدني الأخير
72
العد البصري
72
العد الكوفي
75
العد الشامي
73

* قوله تعالى: {يَٰعِبَادِيَ اْلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اْللَّهِۚ إِنَّ اْللَّهَ يَغْفِرُ اْلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ اْلْغَفُورُ اْلرَّحِيمُ ٥٣ وَأَنِيبُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُۥ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ اْلْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ٥٤ وَاْتَّبِعُوٓاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ اْلْعَذَابُ بَغْتَةٗ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الزمر: 53-55]:

عن عُمَرَ بن الخطَّابِ رضي الله عنه، قال: «لمَّا اجتمَعْنا للهجرةِ، اتَّعَدتُّ أنا وعيَّاشُ بنُ أبي ربيعةَ وهشامُ بنُ العاصِ المِيضأةَ، مِيضأةَ بني غِفَارَ فوقَ سَرِفَ، وقُلْنا: أيُّكم لم يُصبِحْ عندها فقد احتبَسَ؛ فَلْيَمضِ صاحِباه، فحُبِسَ عنَّا هشامُ بنُ العاصِ.

فلمَّا قَدِمْنا مَنزِلَنا في بني عمرِو بنِ عوفٍ، وخرَجَ أبو جهلِ بنُ هشامٍ والحارثُ بنُ هشامٍ إلى عيَّاشِ بنِ أبي ربيعةَ، وكان ابنَ عَمِّهما وأخاهما لأُمِّهما، حتى قَدِمَا علينا المدينةَ، فكلَّماه، فقالا له: إنَّ أُمَّك نذَرتْ ألَّا تَمَسَّ رأسَها بمُشْطٍ حتى تَراكَ، فرَقَّ لها، فقلتُ له: يا عيَّاشُ، واللهِ، إن يريدُك القومُ إلا عن دِينِك؛ فاحذَرْهم؛ فواللهِ، لو قد آذى أمَّك القَمْلُ لَامتشَطتْ، ولو قد اشتَدَّ عليها حرُّ مكَّةَ، أحسَبُه قال: لاستَظلَّتْ، قال: إنَّ لي هناك مالًا فآخُذُه، قال: قلتُ: واللهِ، إنَّك لَتَعلَمُ أنِّي مِن أكثَرِ قُرَيشٍ مالًا؛ فلك نصفُ مالي، ولا تَذهَبْ معهما، فأبى إلا أن يخرُجَ معهما، فقلتُ له لمَّا أبى عليَّ: أمَا إذ فعَلْتَ ما فعَلْتَ، فخُذْ ناقتي هذه؛ فإنَّها ناقةٌ ذَلُولٌ؛ فالزَمْ ظَهْرَها، فإن رابَك مِن القومِ رَيْبٌ، فانْجُ عليها.

فخرَجَ معهما عليها، حتى إذا كانوا ببعضِ الطريقِ، قال أبو جهلِ بنُ هشامٍ: واللهِ، لقد استبطأتُ بعيري هذا، أفلا تَحمِلُني على ناقتِك هذه؟ قال: بلى، فأناخَ وأناخَا؛ ليَتحوَّلَ عليها، فلمَّا استوَوْا بالأرضِ عَدَيَا عليه، فأوثَقاه، ثم أدخَلاه مكَّةَ، وفتَنَاه فافتتَنَ، قال: فكنَّا نقولُ: واللهِ، لا يَقبَلُ اللهُ ممَّن افتتَنَ صَرْفًا ولا عَدْلًا، ولا يَقبَلُ توبةَ قومٍ عرَفوا اللهَ ثم رجَعوا إلى الكفرِ لبلاءٍ أصابهم.

قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسِهم، فلمَّا قَدِمَ رسولُ اللهِ ﷺ المدينةَ، أنزَلَ اللهُ عز وجل فيهم وفي قولِنا لهم وقولِهم لأنفسِهم: {يَٰعِبَادِيَ اْلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اْللَّهِۚ إِنَّ اْللَّهَ يَغْفِرُ اْلذُّنُوبَ جَمِيعًاۚ إِنَّهُۥ هُوَ اْلْغَفُورُ اْلرَّحِيمُ} [الزمر: 53] إلى قولِه: {وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الزمر: 55].

قال عُمَرُ: فكتَبْتُها في صحيفةٍ، وبعَثْتُ بها إلى هشامِ بنِ العاصِ، قال هشامٌ: فلَمْ أزَلْ أقرَؤُها بذِي طُوًى أصعَدُ بها فيه حتى فَهِمْتُها، قال: فأُلقِيَ في نفسي أنَّها إنَّما نزَلتْ فينا، وفيما كنَّا نقولُ في أنفسِنا، ويقالُ فينا، فرجَعْتُ فجلَسْتُ على بعيري، فلَحِقْتُ برسولِ اللهِ ﷺ بالمدينةِ». أخرجه البزار (١٥٥).

* قوله تعالى: {وَمَا قَدَرُواْ اْللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِۦ وَاْلْأَرْضُ جَمِيعٗا قَبْضَتُهُۥ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِ وَاْلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبْحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر: 67]:

عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجُلٌ مِن أهلِ الكتابِ، فقال: يا أبا القاسمِ، أبلَغَك أنَّ اللهَ عز وجل يَحمِلُ الخلائقَ على إصبَعٍ، والسَّمواتِ على إصبَعٍ، والأرَضِينَ على إصبَعٍ، والشَّجَرَ على إصبَعٍ، والثَّرى على إصبَعٍ، قال: فضَحِكَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى بدَتْ نواجذُه، قال: فأنزَلَ اللهُ تعالى: {وَمَا قَدَرُواْ اْللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِۦ وَاْلْأَرْضُ جَمِيعٗا قَبْضَتُهُۥ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِ} [الزمر: 67] إلى آخرِ الآيةِ». أخرجه البخاري (٧٤١٥).

* سورة (الزُّمَر):

سُمِّيت سورةُ (الزُّمَر) بهذا الاسم؛ لأنَّ اللهَ ذكَر فيها زُمْرة السُّعداء من أهل الجنة، وزُمْرة الأشقياء من أهل النار.

* كان صلى الله عليه وسلم لا ينامُ حتى يَقرأَ (الزُّمَر):

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان النبيُّ ﷺ لا ينامُ حتى يَقرأَ الزُّمَرَ، وبني إسرائيلَ». أخرجه الترمذي (٣٤٠٥).

1. القرآن تنزيلٌ من الله تعالى، والعبادة له وَحْده (١-٤).

2. آيات الله تعالى في الآفاق والأنفس (٥-٧).

3. مقارنة بين المؤمن والكافر (٨-٩).

4. إرشادٌ للمؤمنين، ووعيد لعبَدةِ الأصنام (١٠-٢٠) .

5. دلائل وَحْدانية الله تعالى، وقُدْرته (٢١).

6. حال المؤمنين مع القرآن، عذاب الكافرين (٢٢-٢٦).

7. ضَرْبُ الأمثال للتذكير (٢٧-٣١).

8. وعيدٌ للمشركين، ووعد للمؤمنين (٣٢-٣٧).

9. ضَلال المشركين، وتهديد الله لهم (٣٨-٤٠).

10. مظاهر قدرة الله تعالى (٤١-٤٨).

11. الإنسان بين الضَّراء والسَّراء (٤٩-٥٢).

12. دعوة للرجوع إلى الله تعالى (٥٣-٥٩).

13. دلائلُ ألوهية الله تعالى، ووَحْدانيته (٦٠-٦٧).

14. أهوال الآخرة، ومآل الأشقياء والسُّعداء (٦٨-٧٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /478).

مقصدُ سورة (الزُّمَر) هو الدَّلالة على صِدْقِ الله عزَّ وجلَّ في وعدِه؛ فحاشاه أن يفُوتَه شيء، أو أن يُخلِفَ وعدَه، وقد أعذَرَ إلى الكفار بإنذارِهم بالحشر، وهو واقعٌ حاصل بتقسيم الناس إلى زُمَرٍ على ما يستحِقُّون من أعمالهم: زُمْرة المتقين الأبرار، وزُمْرة الكفار الأشرار.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /423).