تفسير سورة آل عمران

التبيان في تفسير غريب القرآن

تفسير سورة سورة آل عمران من كتاب التبيان في تفسير غريب القرآن
لمؤلفه ابن الهائم . المتوفي سنة 815 هـ

التوراة " معناها الضياء والنور قال البصريون وورية فوعلة من وري الزند ووري لغتان أي خرجت ناره ولكن الواو الأولى قلبت تاء كما قلبت تاء في تولج وأصله وولج من ولج أي دخل والياء قلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها
وقال الكوفيون توراة أصلها تورية على وزن تفعلة إلا أن الياء قلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ويجوز أن تكون تورية على تفعلة فنقل من الكسر إلى الفتح كما قالوا جارية ثم قالوا جاراة وناصية وناصاة - زه - وقيل مشتقة من التورية لأن فيها كنايات كثيرة وهي اسم لكتاب موسى عليه السلام.
( الإنجيل ) إفعيل من النجل وهو الأصل فالإنجيل أصل لعلوم وحكم يقال هو من نجلت الشيء إذا استخرجته وأظهرته فالإنجيل مستخرج به علوم وحكم - زه - وقيل مشتق من النجل والنجل بمعنى السعة من قولهم نجلت الإهاب إذا شققته ومنه عين نجلاء واسعة والإنجيل الذي هو كتاب عيسى عليه السلام تضمن سعة لم تكن لليهود وقرأ الحسن الأنجيل بفتح الهمزة قال أبو البقاء ولا يعرف له نظير إذ ليس في الكلام أفعيل إلا أن الحسن ثقة فيجوز أن يكون سمعها انتهى قال الزمخشري وتكلف اشتقاقهما ووزنهما إنما يصح بعد كونهما عربيين وقال الكرماني والأصح عند النحاة أن لا يوزنا لأنهما أعجميان انتهى وقراءة الحسن دليل العجمة وجمع توراة توار وجمع إنجيل أناجيل، " الكتاب " أصل الكتاب يعني اللوح المحفوظ.
" زيغ " ميل عن الحق، " تأويله " ما يئول إليه من معنى وعاقبة وفلان تأول الآية أي نظر إلى ما يئول معناها والتأويل المصير والمرجع والعاقبة والراسخون في العلم " الذين رسخ علمهم وإيمانهم وثبت كما يرسخ النخل في منابته.
" لا تزغ " لا تمل.
" الميعاد " مفعال من الوعد.
" كدأب آل فرعون " كعادتهم أو كأشباههم بلغة جرهم يقال مازال ذاك دأبه ودينه وديدنه أي عادته
" عبرة " أي اعتبار وموعظة.
" والقناطير " جمع قنطار وقد اختلف في تفسيره فقال بعضهم ملء مسك ثور ذهبا أو فضة وقيل ألف مثقال وقيل غير ذلك وجملته أنه كثير من المال، " المقنطرة " المكملة كما تقول بدرة مبدرة وألف مؤلفة أي تام وقال الفراء المقنطرة المضعفة كأن القناطير ثلاثة والمقنطرة تسعة - زه - وقال السدي المضروبة بدراهم ودنانير، " المسومة " تكون من سامت أي رعت فهي سائمة وأسمتها أنا وسومتها وتكون مسومة معلمة من السيماء وهي العلامة وقيل المسومة المطهمة والتطهيم التحسين
" الأنعام " الإبل خاصة وقيل جمع نعم وهي الإبل والبقر والغنم، " والحرث " البساتين والزرع، " المآب " المرجع
" رضوان " رضي.
" القسط " العدل.
" أسلمت وجهي لله " أخلصت عبادتي لله.
" تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل " تدخل هذا في هذا فما زاد في واحد نقص في الآخر مثله - زه - وقيل يأتي به بدل الآخر والولوج الدخول في الشيء والإيلاج إدخال الشيء في الشيء وهو هنا مجاز وقيل في بمعنى على. " وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي " أي المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، وقيل الحيوان من النطفة والبيضة وهما ميتان من الحي، وقال أبو عبيدة الطيب من الخبيث والخبيث من الطيب ومعنى الإخراج في الآية التكوين وحقيقة الإخراج إخراج الشيء من الظرف، " وترزق من تشاء بغير حساب " أي بغير تضييق وتقتير.
" تقاة " وتقيه بمعنى واحد وهو إظهار اللسان خلاف ما ينطوي عليه القلب للخوف على النفس والتقاة مصدر كالتؤدة والتخمة ويجوز أن يكون جمع تقي ككمي وكماة.
" أمدا بعيدا " زمانا طويلا والأمد الغاية.
" محررا " عتيقا لله عز وجل - زه - قال مجاهد خادما للمسجد، وقيل عتيقا من أمر الدنيا مشتق من الحرية حررته تحريرا أعتقته، وقيل من تحرير الكتاب وهو إخلاصه من الفساد.
" مريم " اسم أعجمي وقيل عربي جاء شاذا كمدين ومعناه في اللغة التي تغازل الفتيان.
" وكفلها زكريا " أي ضمها إليه وحضنها، " المحراب " مقدم المجلس وأشرفه وكذلك هو من المسجد والمحراب الغرفة أيضا والجمع المحاريب قال الشاعر، " أنى لك هذا " من أين لك هذا.
" هنالك " يعني في ذلك الوقت وهو من أسماء المواضع ويستعمل في أسماء الأزمنة - زه -، " زكريا " يمد ويقصر غير منصرف وزكريا منون بالتشديد لغة فيه.
" ويحيى " قيل اسم أعجمي وقيل عربي سمي به لأن الله أحياه بالإيمان، وقيل حيى به وعمر وقيل سمي به لأنه استشهد والشهداء أحياء، وقيل معناه يموت فسمي يحيى تفاؤلا كالمفازة والسليم، " وحصورا " يأتي على أوجه ثلاثة الذي لا يأتي النساء لا حاجة له فيهن بلغة كنانة والذي لا يولد له ولد والذي لا يخرج مع التداني شيئا.
" الكبر " الكبر ويقال الكبر مصدر الكبير من الأشياء وبالضم الكبير السن، " عاقر " العاقر والعقيم بمعنى واحد وهي التي لا تلد والذي لا يولد له.
" إلا رمزا " الرمز تحريك الشفتين باللفظ من غير إبانة بصوت وقد يكون إشارة بالعين والحاجبين.
بعد العصر وقيل بعد الزوال والعشي آخر النهار والعشاء من وقت غروب الشمس إلى أن يمضي صدر من الليل، " والإبكار " الليل والنهار
" نوحي " نلقي والإيحاء إلقاء المعنى إلى صاحبه والإلهام والإيماء والكتابة فيأتي لهذه المعاني الأربعة غالبا، " أقلامهم " قداحهم يعني سهامهم التي كانوا يجيلونها عند العزم على الأمر - زه - وقيل هي الأقلام التي كانوا يكتبون بها التوراة وكل ما قطع طرفه فهو قلم.
" اسمه المسيح " فيه ستة أقوال قال الشيخ مجد الدين في القاموس فيه خمسون قولا قال وذكرتها في شرح البخاري، قيل سمي عيسى مسيحا لسياحته في الأرض وأصله مسيح مفعل فأسكنت الياء وحولت حركتها إلى السين، وقيل مسيح فعيل من مسح الأرض لأنه كان يمسحها أي يقطعها وهو قول جماعة من المتقدمين فيه، وقيل سمي مسيحا لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن، وقيل لأنه كان أمسح الرجلين ليس لرجليه أخمص والأخمص ما جفا عن الأرض من باطن الرجل، وقيل سمي مسيحا لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برىء وقيل المسيح الصديق.
زه - وقيل المسيح مشيخ بالعبرانية، " وجيها في الدنيا والآخرة " أي ذا جاه في الدنيا بالنبوة وفي الآخرة بالمنزلة عند الله والجاه والوجه المنزلة والقدر.
" ويكلم الناس في المهد وكهلا " أي يكلمهم في المهد آية وأعجوبة ويكلمهم كهلا بالوحي والرسالة والكهل الذي انتهى شبابه يقال اكتهل الرجل إذا انتهى شبابه.
" أني أخلق لكم من الطين " أي أقدر مثلا من قدر شيئا وأصلحه أي خلقه وأما الخلق الذي هو الإحداث فلله وحده، " الأكمه " الذي يولد أعمى - زه - وقيل الأعمى مطلقا وقيل الأعمش وقيل الأعشى، " والأبرص " الذي به وضح، " تدخرون " تفتعلون من الدخر تثقل بلغة تميم وتخفف بلغة كنانة.
" أحس " علم ووجد - زه - وقيل رأى وسمع والإحساس العلم بإحدى الحواس تقول أحسسته فهو محسوس كأحببته فهو محبوب، " أنصاري " أعواني - زه - وهو جمع ناصر كأصحاب وقيل جمع نصير كأشراف، " الحواريون " صفوة الأنبياء عليهم السلام الذين خلصوا وأخلصوا في التصديق بهم ونصرتهم وقيل إنهم كانوا قصارين فسموا حواريين لتبييضهم الثياب ثم صار هذا الاسم مستعملا فيمن أشبههم من المصدقين وقيل كانوا صيادين وقيل كانوا ملوكا - زه - وقيل الحواري الناصر وقيل الصديق وهو منصرف.
" ومكر الله والله خير الماكرين " اختلف فيه في حق الله تعالى فقيل هو من المتشابه، وقيل الأوجه الأولى أنه عبارة عن الاحتيال في أفعال الشر وذلك على الله سبحانه محال، وذكروا في تأويله وجهين :
أحدهما أنه سمي جزاء ومكرا استهزاء بهم،
والثاني أن مقابلته لهم شبيهة بالمكر.
والوجه الثاني أن المكر عبارة عن التدبير المحكم الكامل ثم اختص في العرف بالتدبير في إيصال الشر إلى الغير وذلك في حق الله تعالى لا يمتنع.
" فلا تكن من الممترين " أي الشاكين.
" ثم نبتهل " أي نلتعن ندعو الله سبحانه على الظالم - زه -
" القصص " الخبر الذي تتابع به المعاني وأصله اتباع الأثر.
" أولى الناس بإبراهيم " أحقهم به - زه -
" طائفة " تطلق على الثلاثة فأكثر، وقيل مراد بها الواحد والإثنان، قال النووي المشهور إطلاقها على الواحد فصاعدا ويجوز تذكيرها وتأنيثها.
" وجه النهار " أوله.
" يلوون ألسنتهم بالكتاب " يقلبونها ويحرفونها.
" ربانيين " هم كاملو العلم، قال محمد بن الحنفية : حين مات ابن عباس اليوم مات رباني هذه الأمة. وقال أبو العباس ثعلب : إنما قيل للفقهاء الربانيون لأنهم يربون العلم أي يقومون به - زه - وقال مجاهد : الربانيون فوق الأحبار لأن الأحبار العلماء والرباني الجامع إلى العلم والفقه البصير بالسياسة والتدبير بأمر الرعية منسوب إلى الرب والألف والنون للمبالغة كلحياني وشعراني لعظيم اللحية وكثير الشعر. وقال أبو عبيدة : الرباني العالم، قال وأحسب الكلمة عبرانية أو سريانية، والرباني عند أهل الكتاب العالم المعلم. وعن الحسن أيضا : هم الذين يربون الناس بصغار العلم وقيل كباره.
" إصري " عهدي.
" طوعا " انقيادا بسهولة.
" ببكة " اسم لبطن مكة لأنهم يتباكون فيها أي يزدحمون ويقال بكة مكان البيت ومكة سائر البلد لاجتذابها الناس من كل أفق يقال امتك الفصيل ما في ضرع الناقة إذا استقصاه فلم يدع منه شيئا - زه - وقيل الباء بدل من الميم كضربة لازم ولازب فهما مترادفان.
" عوجا " اعوجاجا في الدين ونحوه وعوج ميل في الحائط والقناة ونحوهما
" يعتصم " يمتنع - زه - والعصام حبل يمتنع المتمسك به عند الوقوع
" بحبل الله " بعهده - زه - الحبل العهد والذمة والأمان، " شفا حفرة " شفا الشيء حرفه والحفرة المحفورة، " فأنقذكم منها " فخلصكم منها، " آناء الليل " ساعاته بلغة هذيل واحدها أنى وإني وإني.
" فلن يكفروه " أي فلن يجحدوه أي فلن يمنعوا ثوابه.
" صر " برد شديد - زه - وقال الزجاجي صوت لهيب النار التي في تلك الريح.
" بطانة من دونكم " دخلاء من غيركم وبطانة الرجل وأخلاؤه أهل سره ممن يسكن إليه ويثق بمودته - زه - مشتقة من البطن، " لا يألونكم خبالا " أي فسادا يعني لا يقصرون في فساد دينكم والعرب تقول ما ألوته خيرا أي ما قصرت في فعل ذلك به وكذلك ما ألوته شرا.
" كيدهم " مكرهم وحيلتهم وأصله المشقة يقال فلان يكيد بنفسه عند الموت " تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال " تتخذ لهم مصافا ومعسكرا - زه - وقيل معنى تبوىء توطن تقول بوأته وأبأته إذا وطنته والمباءة التبوء
" همت " الهم قربان الشيء في القلب، " أن تفشلا " تجنبا بلغة حمير - زه - والفشل الجبن، " وليهما " حافظهما وناصرهما.
" ببدر " بدر ماء بين مكة والمدينة سمي باسم صاحبه وقيل بدر علم للماء.
" يمددكم " الإمداد إعطاء الشيء حالا بعد حال،
" من فورهم هذا " من وجههم هذا بلغة هذيل وقيسى عيلان وكنانة ويقال من فورهم من غضبهم يقال فار فهو فائر إذا غضب - زه - وقال ابن جرير أصل الفور ابتداء الأمر يؤخذ فيه ثم يوصل بالأمر، " مسومين " معلمين بعلامة يعرفون بها في الحرب ومن كسر الواو جعل الفعل لهم - زه -
" طرفا " قيل جماعة وقيل ركنا من أركان الشرك وقيل يعني بالطرف ما يليكم لقوله " قاتلوا الذين يلونكم من الكفار "، " يكبتهم " يغيظهم ويحزنهم ويقال يكبتهم يصرعهم لوجوههم - زه - قال ابن عيسى حقيقة الكبت شدة وهو يقع في القلب، " خائبين " فاتهم الظفر - زه -
" أضعافا مضاعفة " أي بالتأخير أجلا بعد أجل زيادة بعد زيادة.
" عرضها السماوات والأرض " أي سعتها ولم يرد العرض الذي هو خلاف الطول - زه - وقيل المراد العرض الذي هو خلاف الطول وقيل غير ذلك.
" في السراء " والسر والسرور بمعنى واحد، " والضراء " الضر أي الفقر والقحط وسوء الحال وأشباه ذلك - زه - وقال ابن عباس في اليسر والعسر وهما مصدران، " والكاظمين الغيظ " أي الحابسين وقيل الممسكين عن إمضائه مع قدرتهم على من أغضبهم من كظمت القربة إذا سددت رأسها ومنه كظم البعير مجرته إذا ردها إلى جوفه ومنه الكظامة لمجرى الماء من بئر إلى بئر.
" ولم يصروا على ما فعلوا " لم يقيموا عليه - زه - والإصرار الإقامة على الذنب من غير إقلاع عنه بالتوبة منه وأصله الشد من الصر.
" سنن " جمع سنة قال المفضل السنة الأمة أي أمم وأنشد :
ما عاين الناس من فضل كفضلكم ولا رأوا مثله في سالف السنن
وقيل غير ذلك، " عاقبة المكذبين " العاقبة ما يؤدي إليه السبب المتقدم.
" ولا تهنوا " لا تضعفوا بلغة قريش وكنانة
" قرح " القرح والقرح جراح وقيل القرح بفتح القاف الجراح والقرح بالضم ألم الجراح وهو بالفتح لغة الحجاز وبالضم لغة تميم - زه - وأصل الكلمة الخلوص ومنه ماء قراح لا كدرة فيه وأرض قراح خالص من الطين وقريحة الرجل خالص طبعه، " نداولها بين الناس " نظفر قوما بقوم ثم نظفر الآخرين على الأولين
" وليمحص الله الذين آمنوا " يخلص الله الذين آمنوا من ذنوبهم وينقيهم منها يقال محص الجمل يمحص محصا إذا ذهب منه الوبر حتى يتخلص ويتملص
وحبل محص وملص وأملص وقولهم ربنا محص عنا ذنوبنا أي أذهب ما تعلق بنا من الذنوب، " ويمحق الكافرين " يهلكهم وقيل ينقصهم والمحق نقصان الشيء قليلا قليلا.
" وكأين من نبي " وكائن وكئن على وزن كعين وكاع وكع ثلاث لغات بمعنى كم - زه - أصل كأين أي دخل عليها كاف التشبيه وزال معنى التشبيه والنون هي التنوين أثبتت في الخط على غير القياس، " ربيون " علماء بلغة حضرموت وجماعات كثيرة واحدهم ربي - زه - هذا قول أبي عبيدة أعني الربى الجماعة وقال الأخفش هم الذين يعبدون الرب فنسبوا إليه وكسر كإتبى وظهري أي مما غير في النسب وقيل منسوب إلى التأله والعبادة وقال الزجاج الربة الجماعة ونسب إليها ثم جمع وقيل يقال لعشرة آلاف ربة، " استكانوا " خضعوا - زه - هذا قول الزجاج أي ما خضعوا لعدوهم وقال ابن عيسى الاستكانة إظهار الضعف قال وقيل الخضوع لأنه يسكن لصاحبه ليفعل به ما يريده قال الكرماني لم يتعرض أحد من المفسرين لهذه اللفظة وظاهر لفظ علي بن عيسى يدل على أنه جعله من السكون فيكون وزنه افتعال من سكن ويكون الألف فيه كما في قول الشاعر :
وأنت من الغوائل حين ترمى ومن ذم الرجال بمنتزاح
وفيه بعد لشذوذه وقال الأزهري هو من قول العرب بات فلان بكينة سوء وبخيبة سوء أي بحال سوء وأكانه يكينه إذا أخضعه والكين كين المودة من هذا وإليه ذهب أبو علي أيضا وقيل استفعل من كان يكون أي لم يكونوا بصفة الوهن والضعف وكذلك قوله فما استكانوا لربهم أي لم يكونوا له بمؤمنين.
" وإسرافنا " إفراطنا.
" تحسونهم " تستأصلونهم قتلا - زه - قال ابن عيسى حسه إذا أبطل حسه بالقتل.
" تصعدون " الإصعاد الابتداء في السفر والانحدار الرجوع وقيل الإصعاد المبالغة في الذهاب في صعيد الأرض وأصل الإصعاد الذهاب تقول أصعدنا إلى بلد كذا أي ذهبنا، " ولا تلوون على أحد " لا يقف أحد لآخر وقيل لا تعطفون، " في أخراكم " أي في آخركم - زه - وقيل المعني والرسول ينادي من ورائكم وهو صلى الله عليه وسلم في الفرقة الآخرة منهم وأخرى كما يكون أنثى آخر بالفتح يكون أنثى آخر بالكسر وهو كالرجعى.
" أو كانوا غزى " جمع غاز - زه - كصائم وصوم.
" فظا " سيء الخلق جافي الفعل وأصل الفظاظة الجفوة ومنه الافتظاظة لشراب الكرش وهو الفظ سمي بذلك لجفائه انفضوا " تفرقوا وأصل الفض الكسر، " وشاورهم في الأمر " أي استخرج آراءهم واعلم ما عندهم مأخوذ من شرت الدابة وشورتها إذا استخرجت جربها وعلمت خبرها، " فإذا عزمت " صححت رأيك في إمضاء الأمر
" يغل " يخون ومن يغلل يخن يأت بما غل خان - زه - والغول الخيانة في الغيبة خاصة وأصل الباب الخفاء ومنه الغل الحقد والغلل الماء الجاري في أصول الشجر.
" هم درجات عند الله " الجنة درجات أي منازل بعضها فوق بعض.
" فادرؤوا " فادفعوا.
" يستبشرون " يفرحون وقيل ينالون البشرى قال ابن عيسى الاستبشار السرور بالبشارة.
" استجابوا " أجابوا.
" حسبنا الله " كافينا، " الوكيل " الكفيل وقيل الكافي - زه - وقيل الحافظ وقيل غير ذلك " أنما نملي لهم " نطيل لهم المدة.
" يميز الخبيث من الطيب " أي يخلص المؤمنين من الكفار - زه - ونميز ونمير بمعنى نجتبي ونختار وأصل الاجتباء الجمع ومنه الجابية كأنه يجعل الشيء لك بأجمعه.
" سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة " قال النبي صلى الله عليه وسلم يأتي كنز أحدهم يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان فيتطوق في حلقه فيقول أنا الزكاة التي منعتني ثم ينهشه - زه - قال المؤرج يلزمون أعمالهم مثل ما يلزم الطوق العنق وقال ابن بحر سيكون عليهم وباله فيصير طوقا في العنق.
" بقربان " القربان ما تقرب به إلى الله عز وجل من ذبح أو غيره وهو فعلان من القربة.
" الزبر " الكتب جمع زبور - زه - قال الزجاج كل كتاب ذي حكمة فهو زبور من الزبر وهو الكتابة والقراءة وقيل من زبره إذا دفعه والزبر الإحكام أيضا.
" فمن زحزح عن النار " نحي وبعد عنها.
" بمفازة من العذاب " أي بمنجاة مفعلة من الفوز يقال فاز فلان نجا والفوز الظفر
" قياما " القيام على ثلاثة أوجه جمع قائم كما هنا ومصدر قمت قياما وقيام الأمر وقوامه ما يقوم به الأمر.
" أخزيته " أهلكته.
" ثوابا " الثواب الجزاء على العمل.
" ورابطوا " اثبتوا وداوموا وأصل المرابطة والرباط أن يربط هؤلاء خيولهم وهؤلاء خيولهم في الثغر كل يعد لصاحبه فسمي القيام بالثغور رباطا.
سورة آل عمران
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

اتصَلتْ سورةُ (آلِ عِمْرانَ) من حيث الفضلُ بسورةِ (البقرة)؛ فقد وصَفهما الرسولُ ﷺ بـ (الزَّهْراوَينِ)؛ لِما احتوتا عليه من نورٍ وهداية.

وجاءت هذه السُّورةُ ببيانِ هداية هذا الكتابِ للناس، متضمِّنةً الحوارَ مع أهل الكتاب، مُحاجِجَةً إياهم في صِدْقِ هذا الدِّين وعلوِّه على غيره، مبرهنةً لصِدْقِ النبي ﷺ بهذه الرسالة، وهَيْمنةِ هذا الدِّينِ على غيره، ونَسْخِه للأديان الأخرى؛ فمَن ابتغى غيرَ الإسلام فأمرُه ردٌّ غيرُ مقبولٍ، كما أشارت إلى غزوةِ (أُحُدٍ)، وأمرِ المسلمين بالثَّبات على هذا الدِّين.

ترتيبها المصحفي
3
نوعها
مدنية
ألفاظها
3501
ترتيب نزولها
89
العد المدني الأول
200
العد المدني الأخير
200
العد البصري
200
العد الكوفي
200
العد الشامي
200

* قوله تعالى: {إِنَّ اْلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اْللَّهِ وَأَيْمَٰنِهِمْ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمْ فِي اْلْأٓخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اْللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٞ} [آل عمران: 77]:

ورَد عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ - رضي الله عنه -، عن النبيِّ ﷺ، قال: «مَن حلَفَ على يمينٍ يقتطِعُ بها مالَ امرئٍ مسلمٍ، وهو فيها فاجرٌ: لَقِيَ اللهَ وهو عليه غضبانُ»، ثم أنزَلَ اللهُ تصديقَ ذلك: {إِنَّ اْلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اْللَّهِ وَأَيْمَٰنِهِمْ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمْ فِي اْلْأٓخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اْللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٞ} [آل عمران: 77]، ثم إنَّ الأشعَثَ بنَ قيسٍ خرَجَ إلينا، فقال: ما يُحدِّثُكم أبو عبدِ الرَّحمنِ؟ قال: فحدَّثْناه، قال: فقال: صدَقَ؛ لَفِيَّ نزَلتْ، كانت بيني وبين رجُلٍ خصومةٌ في بئرٍ، فاختصَمْنا إلى رسولِ اللهِ ﷺ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «شاهِدَاكَ أو يمينُهُ»، قلتُ: إنَّه إذًا يَحلِفُ ولا يُبالي، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «مَن حلَفَ على يمينٍ يستحِقُّ بها مالًا، وهو فيها فاجرٌ: لَقِيَ اللهَ وهو عليه غضبانُ»، ثم أنزَلَ اللهُ تصديقَ ذلك، ثم اقترَأَ هذه الآيةَ: {إِنَّ اْلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اْللَّهِ وَأَيْمَٰنِهِمْ ثَمَنٗا قَلِيلًا} إلى قوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٞ} [آل عمران: 77]. أخرجه البخاري (٢٣٥٦).

* قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اْللَّهُ قَوْمٗا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَٰنِهِمْ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ اْلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ اْلْبَيِّنَٰتُۚ وَاْللَّهُ لَا يَهْدِي اْلْقَوْمَ اْلظَّٰلِمِينَ ٨٦ أُوْلَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اْللَّهِ وَاْلْمَلَٰٓئِكَةِ وَاْلنَّاسِ أَجْمَعِينَ ٨٧ خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ اْلْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ٨٨ إِلَّا اْلَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اْللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 86-89]:

صحَّ عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما -، قال: «كان رجُلٌ مِن الأنصارِ أسلَمَ، ثم ارتَدَّ ولَحِقَ بالشِّرْكِ، ثم نَدِمَ، فأرسَلَ إلى قومِه: سَلُوا رسولَ اللهِ ﷺ: هل لي مِن توبةٍ؟ فجاء قومُهُ إلى رسولِ اللهِ ﷺ، فقالوا: إنَّ فلانًا قد نَدِمَ، وإنَّه قد أمَرَنا أن نسألَك: هل له مِن توبةٍ؟ فنزَلتْ: {كَيْفَ يَهْدِي اْللَّهُ قَوْمٗا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَٰنِهِمْ} [آل عمران: 86] إلى {غَفُورٞ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 89]، فأرسَلَ إليه قومُهُ، فأسلَمَ». أخرجه النسائي (٤٠٧٩).

* قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ءَايَٰتُ اْللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُۥۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاْللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسْتَقِيمٖ ١٠١ يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْتَّقُواْ اْللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ١٠٢ وَاْعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اْللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَاْذْكُرُواْ نِعْمَتَ اْللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنٗا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٖ مِّنَ اْلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَاۗ} [آل عمران: 101-103]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما -، قال: «كان الأَوْسُ والخَزْرجُ يَتحدَّثون، فغَضِبوا، حتى كان بينهم حربٌ، فأخَذوا السِّلاحَ بعضُهم إلى بعضٍ؛ فنزَلتْ: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ءَايَٰتُ اْللَّهِ} [آل عمران: 101] إلى قوله تعالى: {فَأَنقَذَكُم مِّنْهَاۗ} [آل عمران: 103]. "المعجم الكبير" للطبراني (١٢٦٦٦).

* قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ اْلْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَٰلِمُونَ} [آل عمران: 128]:

صحَّ عن أبي هُرَيرةَ - رضي الله عنه - أنَّه قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يقولُ حين يفرُغُ مِن صلاةِ الفجرِ مِن القراءةِ ويُكبِّرُ ويَرفَعُ رأسَه: «سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ربَّنا ولك الحمدُ»، ثم يقولُ وهو قائمٌ: «اللهمَّ أنْجِ الوليدَ بنَ الوليدِ، وسلَمةَ بنَ هشامٍ، وعيَّاشَ بنَ أبي ربيعةَ، والمستضعَفِينَ مِن المؤمنين، اللهمَّ اشدُدْ وَطْأتَك على مُضَرَ، واجعَلْها عليهم كَسِنِي يوسُفَ، اللهمَّ العَنْ لِحْيانَ، ورِعْلًا، وذَكْوانَ، وعُصَيَّةَ؛ عصَتِ اللهَ ورسولَه»، ثم بلَغَنا أنَّه ترَكَ ذلك لمَّا أُنزِلَ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإنَّهُمْ ظالِمُونَ}». أخرجه مسلم (675).

وعن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أنَّه سَمِعَ رسولَ اللهِ ﷺ إذا رفَعَ رأسَه مِن الرُّكوعِ مِن الركعةِ الآخِرةِ مِن الفجرِ يقولُ: «اللهمَّ العَنْ فلانًا وفلانًا وفلانًا» بعدما يقولُ: «سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ربَّنا ولك الحمدُ»؛ فأنزَلَ اللهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ اْلْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَٰلِمُونَ} [آل عمران: 128]. أخرجه البخاري (٤٠٦٩).

* قوله تعالى: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنۢ بَعْدِ اْلْغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغْشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمْۖ وَطَآئِفَةٞ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ} [آل عمران: 154]:

عن أنسِ بن مالكٍ - رضي الله عنه -، أنَّ أبا طَلْحةَ قال: «غَشِيَنا النُّعَاسُ ونحن في مَصافِّنا يومَ أُحُدٍ، قال: فجعَلَ سيفي يسقُطُ مِن يدي وآخُذُه، ويسقُطُ وآخُذُه؛ وذلك قولُه عز وجل: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنۢ بَعْدِ اْلْغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغْشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمْۖ وَطَآئِفَةٞ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ} [آل عمران: 154]، والطائفةُ الأخرى: المنافقون، ليس لهم إلا أنفسُهم؛ أجبَنُ قومٍ وأرعَبُهُ، وأخذَلُهُ للحقِّ». أخرجه البخاري (٤٠٦٨).

* قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٖ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161]:

صحَّ عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما - أنَّه قال: «نزَلتْ هذه الآيةُ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ} في قَطيفةٍ حَمْراءَ فُقِدتْ يومَ بدرٍ، فقال بعضُ الناسِ: لعلَّ رسولَ اللهِ - ﷺ - أخَذَها؛ فأنزَلَ اللهُ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٖ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161]». أخرجه أبو داود (٣٩٧١).

* قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اْلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ أَمْوَٰتَۢاۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]:

عن مسروقٍ، قال: سأَلْنا عبدَ اللهِ - هو ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه - عن هذه الآيةِ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اْلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ أَمْوَٰتَۢاۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، قال: «أمَا إنَّا قد سأَلْنا عن ذلك، فقال: أرواحُهم في جوفِ طيرٍ خُضْرٍ، لها قناديلُ معلَّقةٌ بالعرشِ، تَسرَحُ مِن الجَنَّةِ حيث شاءت، ثم تَأوي إلى تلك القناديلِ، فاطَّلَعَ إليهم ربُّهم اطِّلاعةً، فقال: هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: أيَّ شيءٍ نشتهي ونحن نَسرَحُ في الجَنَّةِ حيث شِئْنا؟! ففعَلَ ذلك بهم ثلاثَ مرَّاتٍ، فلمَّا رأَوْا أنَّهم لن يُترَكوا مِن أن يَسألوا، قالوا: يا ربُّ، نريدُ أن ترُدَّ أرواحَنا في أجسادِنا؛ حتى نُقتَلَ في سبيلِك مرَّةً أخرى، فلمَّا رأى أنْ ليس لهم حاجةٌ، تُرِكوا». أخرجه مسلم (١٨٨٧).

سُمِّيتْ (آلُ عِمْرانَ) بهذا الاسم لذِكْرِ (آلِ عِمْرانَ) فيها، وثبَت لها اسمٌ آخَرُ؛ وهو (الزَّهْراءُ):

لِما جاء في حديث أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ يقولُ: «اقرَؤُوا الزَّهْراوَينِ: البقرةَ، وسورةَ آلِ عِمْرانَ». أخرجه مسلم (804).

يقول ابنُ منظورٍ: «والزَّهْراوانِ: أي: المُنِيرتانِ المُضِيئتانِ، واحدتها: زَهْراءُ». لسان العرب (4 /332).

وقد عدَّ بعضُ العلماء أنَّ ذِكْرَ (الزَّهْراوانِ) في هذا الحديثِ هو من بابِ الوصف، لا التسمية. انظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (3 /143)، "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (1 /20).

* تُحاجُّ عن صاحبِها:

صحَّ عن أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «اقرَؤُوا القرآنَ؛ فإنَّه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابِه؛ اقرَؤُوا الزَّهْراوَينِ: البقرةَ، وسورةَ آلِ عِمْرانَ؛ فإنَّهما تأتيانِ يومَ القيامةِ كأنَّهما غَمَامتانِ، أو كأنَّهما غَيَايتانِ، أو كأنَّهما فِرْقانِ مِن طيرٍ صوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصحابِهما، اقرَؤُوا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أَخْذَها برَكةٌ، وتَرْكَها حَسْرةٌ، ولا تستطيعُها البَطَلةُ». أخرجه مسلم (804).

* كان يعظُمُ بين الصحابةِ قارئُ سورةِ (آلِ عِمْرانَ):

فعن أنسٍ رضي الله عنه، قال: «كان الرَّجُلُ إذا قرَأ البقرةَ وآلَ عِمْرانَ، جَدَّ فينا - يعني: عظُمَ -»، وفي روايةٍ: «يُعَدُّ فينا عظيمًا»، وفي أخرى: «عُدَّ فينا ذا شأنٍ». أخرجه أحمد (12236).

* ورَدتْ قراءتُه ﷺ لسورة (آل عِمْران) في قيام الليل:

فعن حُذَيفةَ بن اليمانِ رضي الله عنهما، قال: «صلَّيْتُ مع رسولِ اللهِ ﷺ ذاتَ ليلةٍ، فاستفتَحَ بسورةِ البقرةِ، فقرَأَ بمائةِ آيةٍ لم يَركَعْ، فمضى، قلتُ: يَختِمُها في الرَّكعتَينِ، فمضى، قلتُ: يَختِمُها ثم يَركَعُ، فمضى حتى قرَأَ سورةَ النِّساءِ، ثم قرَأَ سورةَ آلِ عِمْرانَ، ثم ركَعَ نحوًا مِن قيامِهِ، يقولُ في ركوعِهِ: سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، ثم رفَعَ رأسَهُ، فقال: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ربَّنا لك الحمدُ، وأطال القيامَ، ثم سجَدَ، فأطال السُّجودَ، يقولُ في سجودِهِ: سبحانَ ربِّيَ الأعلى، سبحانَ ربِّيَ الأعلى، سبحانَ ربِّيَ الأعلى، لا يمُرُّ بآيةِ تخويفٍ أو تعظيمٍ للهِ عز وجل إلا ذكَرَهُ». أخرجه النسائي (١١٣٢).

* كان النبيُّ ﷺ يَقرأُ خواتمَها منتصَفَ الليلِ عندما يستيقظُ مِن نومِه:

فممَّا صحَّ عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: أنَّه باتَ عند مَيْمونةَ زَوْجِ النبيِّ ﷺ - وهي خالتُهُ -، قال: «فاضطجَعْتُ في عَرْضِ الوِسادَةِ، واضطجَعَ رسولُ اللهِ ﷺ وأهلُهُ في طُولِها، فنامَ رسولُ اللهِ ﷺ حتى انتصَفَ الليلُ - أو قَبْله بقليلٍ، أو بعده بقليلٍ -، ثم استيقَظَ رسولُ اللهِ ﷺ، فجعَلَ يَمسَحُ النَّوْمَ عن وجهِهِ بيدَيهِ، ثم قرَأَ العَشْرَ الآياتِ الخواتِمَ مِن سُورةِ آلِ عِمْرانَ، ثم قامَ إلى شَنٍّ معلَّقةٍ، فتوضَّأَ منها، فأحسَنَ وُضُوءَهُ، ثم قامَ يُصلِّي، فصنَعْتُ مِثْلَ ما صنَعَ، ثُمَّ ذهَبْتُ فقُمْتُ إلى جَنْبِهِ، فوضَعَ رسولُ اللهِ ﷺ يَدَهُ اليُمْنى على رَأْسي، وأخَذَ بأُذُني بيدِهِ اليُمْنى يَفتِلُها، فصلَّى ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم أوتَرَ، ثم اضطجَعَ حتى جاءه المؤذِّنُ، فقامَ فصلَّى ركعتَينِ خفيفتَينِ، ثم خرَجَ فصلَّى الصُّبْحَ». أخرجه البخاري (٤٥٧١).

جاءت مواضيعُ سورةِ (آل عِمْرانَ) مُرتَّبةً على النحوِ الآتي:

مقدِّمات للحوار مع النَّصارى (١-٣٢).

إنزال الكتاب هدايةً للناس (١-٩).

تحذير الكافرين وحقيقةُ الدنيا (١٠-١٨).

انتقال الرسالة لأمَّة الإسلام (٢٩-٣٢).

اصطفاء الله تعالى لرُسلِه (٣٣-٤٤).

حقيقة عيسى عليه السلام (٤٥-٦٣).

الإسلام هو دِين الحقِّ، وهو دِينُ جميع الأنبياء (٦٤-٩٩).

إبراهيم عليه السلام كان حنيفًا مسلمًا (٦٤-٦٨).

مخاطبة فِرَق أهل الكتاب، وبيان حقائقهم (٦٩-٨٠).

وَحْدة الرسالات، والدِّين الحق هو الإسلام (٨١- ٩٢).

صلة المسلمين بإبراهيم، وافتراء أهل الكتاب (٩٣-٩٩).

بيان خَيْرية هذه الأمَّة، وتحذيرها من أعدائها (١٠٠-١٢٠).

التحذير من الوقوع في أخطاء السابقين (١٠٠-١٠٩).

خيرية هذه الأمَّة وفضلها (١١٠-١١٥).

تحذير الأمَّة من المنافقين (١١٦-١٢٠).

معركة (أُحُد) (١٢١-١٤٨).

مقدِّمات معركة (أُحُد) (١٢١-١٢٩).

أهمية الطاعة ومواعظُ (١٣٠-١٣٨).

تعزية المسلمين، والنهيُ عن الهوان (١٣٩-١٤٨).

دروس مستفادة من الهزيمة (١٤٩-١٨٩).

التحذير من طاعة الأعداء والتنازل (١٤٩-١٥٨).

أهمية الشورى وطاعة الرسول (١٥٩-١٦٤).

أسباب الهزيمة وفوائدها (١٦٥-١٧٩).

تحذير المنافقين والبخلاء (١٨٠-١٨٩).

أولو الألباب يستفيدون من الآيات الكونية (١٩٠-١٩٥).

الأمورُ بخواتيمها (١٩٦-٢٠٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (1 /426).

افتُتِحت السُّورةُ بمقصدٍ عظيمٍ؛ وهو التنويهُ بالقرآن، وبمحمَّدٍ ﷺ، وتقسيمُ آيات القرآن، ومراتبُ الأفهام في تَلقِّيها، والتنويهُ بفضيلة الإسلام، وأنه لا يَعدِله دِينٌ، وأنه لا يُقبَل دِينٌ عند الله بعد ظهور الإسلام غيرُ الإسلام.

ومِن مقاصدِها: مُحاجَّةُ أهلِ الكتابينِ في حقيقة الحنيفيَّة، وأنهم بُعَداءُ عنها، وما أخَذ اللهُ من العهد على الرُّسلِ كلِّهم: أن يؤمنوا بالرسول الخاتم.

واشتملت على أمرِ المسلمين بفضائلِ الأعمال: مِن بذلِ المال في مواساة الأمَّة، والإحسان، وفضائل الأعمال، وتركِ البخل، ومَذمَّةِ الربا.

وخُتِمت السُّورةُ بآياتِ التفكير في ملكوت الله.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (3 /145).