تفسير سورة لقمان

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة لقمان من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه ابن الفرس . المتوفي سنة 595 هـ
هذه السورة مكية. قال قتادة غير آيتين، أولهما :﴿ ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام... ﴾ إلى آخر الآيتين. وقال ابن عباس إلا ثلاث آيات أولهن :﴿ ولو أنما في الأرض ﴾ إلى آخر ثلاث آيات. وفيها مواضع من الأحكام ١.
١ "من الأحكام" كلام ساقط في (أ)، (ز). وقد أوصلها ابن الفرس إلى ثلاث آيات..

– قوله تعالى :﴿ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ﴾ :
اختلف في سببها. فقيل نزلت بسبب قريشي اشترى جارية مغنية لتغني بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم ١. ولم يسم بعضهم القريشي، وسماه بعضهم فقال هو ابن خطل ٢ وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " شراء المغنيات وبيعهن حرام " ٣. وقرأ هذه الآية وقال في هذا المعنى نزلت، وبهذا فسر ابن عباس وغيره الآية ٤. وقيل نزلت في النضر بن الحارث لأنه اشترى كتب رستم وأسفندياز وكان يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحدثهم بتلك الأباطيل ويقول : أنا أحسن حديثا من محمد ٥. وقيل الشراء في الآية مستعار وإنما نزلت الآية في أحاديث قريش وتلهيهم بالإسلام وخوضهم في الأباطيل ٦. وأحسن ما تفسر به الآية – وإن كانت خرجت على سبب – أن لهو الحديث كل ما يلهي من غناء أو خناء ونحوه. فكل ما ألهى محرم بهذه الآية ونحوها. ولا خلاف أن الغناء بالآلة محرم وإنما اختلف فيه بغير آلة. وظاهر الآية تحريمه إلا أن يتأول. فقال مكحول من كانت له جارية مغنية فمات لم أصل عليه لقول الله عز وجل :﴿ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ﴾ إلى قوله :﴿ عذاب ﴾ ٧. ورجح أبو الحسن القول بأن لهو الحديث ما قاله الحسن إنه الكفر والشرك، وما قاله غيره من قصة النضر بن الحارث ونحو ذلك وأبعد أن يكون الغناء. قال لأن الغناء لا يطلق عليه أنه حديث ولا أنه إضلال عن الدين ٨. وقد تقدم الكلام على كثير من معاني هذه الآية.
١ راجع أسباب النزول للواحدي ص ٢٦٠..
٢ ابن خطل: وهو الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله يوم فتح مكة مع ابن أبي السروح وفرتنا وابن الزبعري. انظر طبقات ابن سعد ٢/ ١٤١..
٣ وقد نسب القرطبي هذا الحديث إلى الترمذي وذكره بلفظ: "لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلمهن، ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام". راجع الجامع لأحكام القرآن ١٤/ ٥٠..
٤ وابن مسعود وجابر بن عبد الله ومجاهد، راجع الجامع لأحكام القرآن ١٤/ ٥١..
٥ نسبه القرطبي إلى الفراء والكلبي. راجع م. س. ، ن. ص..
٦ راجع القول في م. س. ، ن. ص..
٧ عملا بالحديث الذي رواه عن عائشة عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "من مات وعنده جارية مغنية لا تصلوا عليه" ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٤/ ٥٤..
٨ راجع أحكام القرآن للكيا الهراسي ٤/ ٣٤٢..
– قوله تعالى :﴿ ووصينا الإنسان بوالديه... ﴾ إلى قوله :﴿ ثم إلي مرجعكم ﴾ :
في هذه الآية وجوب بر الوالدين. وقد تقدم الكلام عليه.
– وقوله :﴿ وفصاله في عامين ﴾ إشارة إلى تقدير مدة الرضاع فعبر عنه بغايته. والناس متفقون على تحديد العامين في مدة الرضاع في باب النفقات والأحكام المتعلقة. وأما في تحريم اللبن فقد مر الكلام عليه مستوعبا ١.
١ في (أ)، (ز): "مستوفى"..
– قوله تعالى :﴿ وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم... ﴾ الآية : نزلت في شأن سعد بن أبي وقاص ١ وذلك أنه حين أسلم حلفت أمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية أن لا تأكل ولا تشرب حتى يرجع إلى دين قومه، فلج سعد في الإسلام، وكانت إذا أفرط عليها الجوع والعطش فتحوا فاها وصبوا فيه ما يمسك رمقها فلما طال عليها ورأت سعدا لا يرجع أكلت. فنزلت الآية. قاله سعد بن أبي وقاص ٢ ولما تقدم في الآية ما يقتضي طاعة الوالدين مطلقا، واحتمل أن يطاعا ولو في معصية، بين الله تعالى أن الآية على غير ذلك وأنهما لا يطاعان في الكفر ونحوه من المعاصي. فقال تعالى :﴿ وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم.... ﴾ الآية فعلى هذا تلزم طاعتهما في المباحات، وأما المندوبات – كالجهاد إذا كان على الكفاية وإجابة الأم في الصلاة إذا خيف عليها هلكة مع إمكان الإعادة أو المشي إلى الصلاة في الجماعة ونحو ذلك – فالأكثر على أنها تلزم طاعتهما ٣ في ذلك كله. وخالف الحسن فقال : إن منعته أمه من شهود العشاء الأخيرة شفقة فلا يطعها ٤ والأول أجرى على ظاهر الآية. وكذلك اختلف في تأخيره الحج إن لم يأذن له فيه أحد الأبوين.
وقوله تعالى :﴿ وصاحبهما في الدنيا معروفا ﴾ :
يعني الأبوين الكافرين، أي صلهما وادعهما برفق. ومن ذلك حديث أسماء بنت أبي بكر حين قدمت عليها خالتها، وقيل إنها من الرضاعة، فقالت يا رسول الله إنها قدمت علي وهي راغبة أفأصلها ؟ قال : " نعم " ٥. وقد قال العلماء إن الابن تلزمه نفقة أبويه وإن كانا كافرين. قاله مالك وغيره.
١ سعد بن أبي وقاص: هو أبو إسحاق سعد بن مالك بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن أبي وقاص. صحابي جليل، اختلف في تاريخ وفاته بين ٥٥هـ/ ٦٧٥م و ٥٨هـ/ ٦٧٨م. انظر الإصابة ٢/ ٣٠..
٢ راجع أسباب النزول للواحدي ص ٢٥٦..
٣ "في المباحات.. إلى: طاعتهما" كلام ساقط في (أ)..
٤ ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن ١٤/ ٦٤..
٥ الحديث أخرجه البخاري، كتاب الهبة، باب: الهدية للمشركين ٣/ ١٤٢..
سورة لقمان
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (لُقْمانَ) من السُّوَر المكية، وقد جاءت ببيانِ عظمة هذا الكتاب، واتصافه بالحِكْمة، ومن ثَمَّ إثبات صفة الحِكْمة لله عز وجل، كما ذكرت السورةُ الكريمة وصايا (لُقْمانَ) الحكيمِ لابنه، التي يجدُرُ بكلِّ مَن آمَن بهذا الكتاب أن يأخذ بها، وقد تعرَّضتِ السورةُ لدلائلِ وَحْدانية الله وعظمته في هذا الكون، وبيان أقسام الناس، وموقفهم من الكتاب؛ من مؤمنٍ به وكافر.

ترتيبها المصحفي
31
نوعها
مكية
ألفاظها
550
ترتيب نزولها
57
العد المدني الأول
33
العد المدني الأخير
33
العد البصري
34
العد الكوفي
34
العد الشامي
34

* قوله تعالى: {يَٰبُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاْللَّهِۖ إِنَّ اْلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٞ} [لقمان: 13]:

عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتِ: {اْلَّذِينَ ‌ءَامَنُواْ ‌وَلَمْ ‌يَلْبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82]، شَقَّ ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، أيُّنا لا يَظلِمُ نفسَه؟ قال: «ليس ذلك؛ إنما هو الشِّرْكُ؛ ألَمْ تَسمَعوا ما قال لُقْمانُ لابنِهِ وهو يَعِظُه: {يَٰبُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاْللَّهِۖ إِنَّ اْلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٞ} [لقمان: 13]؟!»». أخرجه البخاري (٣٤٢٩).

* سورة (لُقْمانَ):

سُمِّيتْ سورةُ (لُقْمانَ) بهذا الاسم؛ لذكرِ (لُقْمانَ) فيها، ولم يُذكَرْ في سورة أخرى.

* قراءة النبيِّ صلى الله عليه وسلم لها في صلاة الظُّهْرِ:

عن البَراء بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي بنا الظُّهْرَ، فنَسمَعُ منه الآيةَ بعد الآياتِ مِن سورةِ لُقْمانَ، والذَّاريَاتِ». أخرجه النسائي (٩٧١).

اشتمَلتْ سورةُ (لُقْمانَ) على الموضوعات الآتية:

1. المحسِنون: تعريفٌ وجزاء (١-٥).

2. فريق اللَّهْوِ من الناس (٦-٧).

3. آية الحِكْمة والقُدْرة (٨-١١).

4. نعمة الحِكْمة، والدعوةُ إلى شُكْرها (١٢-١٩).

5. إسباغ النِّعَم (٢٠-٢١).

6. الإنسان بين الكفرِ والإيمان (٢٢-٢٦).

7. كلمات الله التى لا تَنفَدُ (٢٧- ٢٨).

8. نعمة التسخير (٢٩- ٣٢).

9. المُغيَّبات وغُرور الحياة (٣٣-٣٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (6 /27).

جاءت سورةُ (لُقْمانَ) بمقاصِدَ عظيمةٍ؛ منها: إثباتُ الحِكْمة للكتاب، التي يلزم منها حِكْمةُ مُنزِلِه في أقواله وأفعاله؛ وهو اللهُ عزَّ وجلَّ.

ومنها: تذكيرُ المشركين بدلائلِ وَحْدانية الله تعالى، وبنِعَمِه عليهم؛ من خلال وصايا (لُقْمانَ) عليه السلام لابنه، وذكَرتْ مزيَّةَ دِين الإسلام، وتسليةَ الرسول صلى الله عليه وسلم بتمسُّك المسلمين بالعُرْوة الوثقى، وأنه لا يُحزِنه كفرُ مَن كفروا.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /356)، "التحرير والتنوير" لابن عاشور (21 /139).