ﰡ
مكّية وهى اربع «١» وثلاثون اية ربّ يسّر وتمّم بالخير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ ذى حكمة او وصف الكتاب بصفة الله عز وجلّ على الاسناد المجازى والاضافة بمعنى من.
هُدىً وَرَحْمَةً قرأ حمزة بالرفع على انه خبر بعد خبر لتلك او خبر لمحذوف اى هى هدى ورحمة والحمل على المبالغة كزيد عدل او بحذف المضاف اى ذات هدى والباقون بالنصب على الحال من الآيات والعامل فيه معنى الاشارة لِلْمُحْسِنِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ بيان لاحسانهم او تخصيص بهذه الثلاثة من شعبه لفضل اعتداد بها وتكرير الضمير للتؤكيد ولما جعل بينه وبين خبره.
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فائزون مقاصدهم لاستجماعهم العقيدة والعمل الصالح.
اخرج جويبر عن ابن عباس قال اشترى النضر بن الحارث قينة فكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام الا انطلق به الى قينة فيقول أطعميه واسقيه وغنيه هذا خير مما يدعوك اليه محمد من الصلاة والصيام وان تقاتل بين يديه فنزلت.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ اى ما تلهى وتشتغل عما يفيد من الأحاديث التي لا اصل لها والأساطير التي لا اعتبار فيها والمضاحيك وفضول الكلام- والاضافة بيانية بمعنى من ان أراد بالحديث المنكر او تبعيضية ايضا بمعنى من ان أراد به الأعم منه. واخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس انها نزلت فى رجل من قريش اشترى
(مسئلة) :- اتخاذ المعازف والمزامير حرام باتفاق فقهاء «١» الأمصار عن ابى
وفينا نبى يعلم ما فى غد فقال دعى هذه وقولى ما كنت تقولين رواه البخاري وروى ابن ماجة نحوه وفيه اما هذا فلا تقولوه لا يعلم ما فى غد الا الله- وعن عائشة قالت زفت امرأة الى رجل من الأنصار فقال نبى الله ﷺ ما كان معكم لهو فان
نحن جوار من بنى نجار | يا حبذا محمدا من جار |
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع | وجب الشكر علينا ما دعى الله داع |
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى لا يتوجه اليه مُسْتَكْبِراً متكبرا الجملة الشرطية عطف على يشترى كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها حال من المستكن فى ولّى او مستكبرا او استئناف كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ قرأ نافع اذنه «٣» بلفظ المفرد على ارادة الجنس وَقْراً ثقلا مانعا من السماع بدل من كان لّم يسمعها او حال من المستكن فى لم يسمعها او استئناف فَبَشِّرْهُ اى أخبره وذكر البشارة على التهكم بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٧) يحيق به.
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨) اى نعيم الجنات عكس للمبالغة.
خالِدِينَ فِيها حال مقدر من الضمير فى لهم او من جنات والعامل ما تعلق به اللام اى مقدرا خلودهم فيها إذا دخلوها وَعْدَ اللَّهِ اى وعد الله وعدا
(٢) هذا سهو لان يعقوب قرأ بالرفع بلا خلاف كابى عمرو- ١٢ ابو محمد عفا الله عنه
(٣) هذا ليس بشئ قرأ نافع اذنيه بإسكان الذال لا بالإفراد. ١٢ ابو محمد عفا الله عنه-
خَلَقَ السَّماواتِ صفة للحكيم بحذف الموصول تقديره الذي خلق او حال من الضمير المستتر فيه بتقدير قد او استئناف فى محل التعليل بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها جملة ترونها صفة لعمد والضمير راجع اليه وهو صادق بان لا عمد لها أصلا او الضمير راجع الى السموات والجملة لا محل لها من الاعراب وقد سبق فى الوعد وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ جبالا راسخات كراهة أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ او لان لا تميد بكم وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (١٠) اى من كل صنف حسن كثير المنفعة فيه التفات من الغيبة الى التكلم كانه استدل به على عزته التي هى كمال قدرته وحكمته التي هى كمال العلم ومهّد به قاعدة التوحيد وقررها بقوله.
هذا اى ما ذكرت مما تعاينون خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ الفاء للسببية يعنى كل ما ترونه مخلوق لله تعالى فماذا خلق الهتكم حتى استحقوا مشاركته فى العبادة ماذا منصوب بخلق او ما استفهام انكار مبتدا وذا بمعنى الذي مع صلته خبره فارونى معلق عن العمل وما بعده سد مسدّ المفعولين بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١١) إضراب عن تبكيتكم الى التسجيل عليهم بالضلال الذي لا يخفى على من له ادنى تأمل ووضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على انهم ظالمون.
وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ بن باعور بن ناخور بن تارخ وهوازر كذا قال البغوي وقال قال وهب كان ابن اخت أيوب عليه السلام وقال مقاتل ذكر انه كان ابن خالة أيوب عليه السّلام- وذكر البيضاوي وغيره انه عاش حتى أدرك داود عليه السلام وأخذ منه العلم وكان يفتى قبل مبعثه ثم ترك الفتيا بعد مبعثه وقال الا اكتفى إذا كفيت وقال الواقدي كان قاضيا فى بنى إسرائيل وفى الدر المنثور اخرج ابن ابى شيبة واحمد فى الزهد وابن ابى الدنيا فى كتاب المملوكين وابن جرير وابن المنذر وابن ابى حاتم عن ابن عباس كان لقمان عبدا حبشيا نجارا وكذا ذكر البغوي عن خالد الربعي وقال قال مجاهد كان عبدا اسود عظيم الشفتين متشقق القدمين وقال قال سعيد بن المسيب كان خياطا
وقال اكثر المفسرين ان مفسرة فان فى إيتاء الحكمة معنى القول- قلت وتوجيه ذلك ان إيتاء الحكمة عبارة عن تعليمها والتعليم يكون بالقول غالبا فالمعنى اتيناه الحكمة اى أمرناه بالشكر وهذا يدل على ان الحكمة هو الشكر وإيتاء الحكمة الأمر بالشكر والمراد بالأمر الأمر التكويني دون التكليفي فان امر التكليفي يعم لقمان وغيره وهو لا يستلزم حصول الشكر بخلاف التكويني فانه يستلزمه كما يستلزم إيتاء الحكمة حصولها وتفسير الحكمة بالشكر مبنى على المجاز فان الشكر لازم للحكمة فيجوز اطلاق أحدهما على الاخر مبالغة مجازا والشكر عبارة عن اظهار النعمة وضده الكفران وهو ستر النعمة وفى القاموس الشكر بالضم عرفان الإحسان قيل هو مقلوب عن الكشر اى الكشف فانه اظهار النعمة وهو ثلاثة اضرب شكر القلب تصور النعمة وشكر اللسان الثناء على النعمة وشكر الجوارح مكافات النعمة بالطاعات- قيل أصله من عين شكر اى ممتلية فالشكر على هذا الامتلاء من ذكر النعم ونعمته ومن أجل هذا قال الله تعالى وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ووصف الله تعالى فى القران رجلين من عباده بالشكر أحدهما ابراهيم قال فيه شاكرا لّانعمه وثانيهما نوح حيث قال إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً قال فى النهاية الشكر مقابلة النعمة بالقول والفعل والنية فيثنى من المنعم بلسانه ويديب نفسه فى طاعته ويعتقد انه مولاها وهو من شكرت الإبل شكرا إذا أصاب مرعى فسمنت عليه- وجاز
وَاذكر إِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ اسمه أنعم او اشكم او ماثان وَهُوَ يَعِظُهُ حال من لقمان يا بُنَيَّ تصغير اشفاق قرأ ابن كثير بإسكان الياء وحفص بفتح الياء والباقون بكسرها لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ متعلق بلا تشرك وجاز ان يكون قسما جوابه ما بعده قيل كان ابنه كافرا فلم يزل به حتى اسلم إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣) تعليل للنهى الظلم وضع الشيء فى غير موضعه المختص به اما بنقصان او بزيادة واما بعدول عن وقته او مكانه- ويقال على التجاوز عن الحق قليلا كان التجاوز او كثيرا ولهذا يستعمل فى الذنب الصغير والكبير ولا شك إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ فانه وضع العبادة فى موضع لا يحتمل صلاحيتها أصلا وتسوية من لا نعمة الا منه بمن لا يصلح الانعام مطلقا.
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ اى أمرناه ان يبرّهما ويشكرهما جملة معترضة بين قصة لقمان حَمَلَتْهُ أُمُّهُ معترضة فى معترضة مؤكدة للتوصية فى حق الام خاصة عن ابى هريرة قال قال رجل يا رسول الله من أحق بحسن صاحبتى قال أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم أدناك فادناك متفق عليه وقال عليه السّلام ان الله حرم عليكم عقوق الأمهات متفق عليه فى حديث للمغيرة وَهْناً كائنا عَلى وَهْنٍ صفة لوهن وهو حال من فاعل حملته تقديره ذات وهن او يوهن وهنا قال ابن عباس معناه شدة على شدة وقال الضحاك ضعفا على ضعف وقال مجاهد مشقة على مشقة فان المرأة إذا حملت توالى عليها الضعف والمشقة الحمل ضعف والطلق ضعف والوضع ضعف والرضاع ضعف وَفِصالُهُ اى فطامه فِي عامَيْنِ اى فى انقضاء عامين وكانت ترضع فى تلك المدة واحتج بهذه الاية الشافعي وابو يوسف ومحمد ان أقصى مدة الرضاع حولان وقد ذكرنا مسئلة الرضاع فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى
وَإِنْ جاهَداكَ عطف على قوله ان اشكر عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ باستحقاق الإشراك يعنى فكيف وأنت تعلم بطلان الإشراك بالادلة القاطعة فَلا تُطِعْهُما فى ذلك فان حق الله غالب على حق كل ذى حق قال رسول الله ﷺ لاطاعة للمخلوق فى معصية الخالق- رواه احمد والحاكم وصححه عن عمران والحكيم ابن عمرو الغفاري وفى الصحيحين وسنن ابى داؤد والنسائي عن علىّ نحوه وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا صحابا مَعْرُوفاً يرتضيه الشرع والعقل.
(مسئلة) يجب بهذه الاية الانفاق على الأبوين الفقيرين وصلتهما وان كانا كافرين عن اسماء بنت ابى بكر قالت قدمت علىّ أمي وهى مشركة فى عقد قريش فقلت يا رسول الله ان أمي قدمت علىّ وهى راغبة أفأصلها قال نعم صليها- متفق عليه- وقد مرّ فى سورة العنكبوت ان هاتين الآيتين نزلتا فى سعد بن ابى وقاص وامه.
وَاتَّبِعْ سَبِيلَ دين مَنْ أَنابَ اى اقبل إِلَيَّ وأطاعني وهو النبي ﷺ وأصحابه قال عطاء عن ابن عباس يريد الله سبحانه به أبا بكر وذلك حين اسلم أتاه عثمان وطلحة والزبير وسعد بن ابى وقاص وعبد الرحمان بن عوف وقالوا قد صدّقت هذا الرجل وامنت به قال نعم هو صادق فامنوا به ثم حملهم الى النبي ﷺ حتى اسلموا فهؤلاء سالفة الإسلام اسلموا بإرشاد ابى بكر قال الله تعالى وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ يعنى أبا بكر.
(مسئلة) لا يجوز إطاعة الوالدين إذا امرا بترك فريضة او إتيان مكروه تحريما لان ترك الامتثال لامر الله والامتثال لامر غيره اشراك معنى ولما روينا من قوله عليه السّلام لاطاعة للمخلوق فى معصية الخالق- ويجب إطاعتهما إذا امرا بشئ مباح لا يمنعه العقل والشرع- وهل يجب إطاعتهما ان امرا بترك إكثار الذكر
يا بُنَيَّ قرأ حفص بفتح الياء والباقون بكسرها إِنَّها اى الخصلة من الاساءة او الإحسان وقال قتادة الضمير راجع الى الخطيئة وذلك ان ابن لقمان قال لابيه يا أبت ان عملت الخطيئة حيث لا يرانى أحد كيف يعلمها الله فقال انها إِنْ تَكُ فى الصغر مثلا مِثْقالَ وزن حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ اسم تك ضمير مستتر وخبره مثقال على قراءة الجمهور بالنصب وقرأ نافع «وابو جعفر- ابو محمد» مثقال بالرفع على انه اسم تك وهى تامة وتأنيث الفعل
يا بُنَيَّ قرأ حفص والبزي «وقتل باسكاء ابو محمد» بفتح الياء والباقون بكسرها أَقِمِ الصَّلاةَ تكميلا لنفسك وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ تكميلا لغيرك وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ من الشدائد والأذى بسبب الأمر والنهى او غير ذلك إِنَّ ذلِكَ اى الصبر او كل ما امره مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) اى من الأمور التي عزمه الله اى قطعه قطع إيجاب قال رسول الله ﷺ خير الأمور عوازمها اى فرائضها التي عزم الله عليك بفعلها والعزم فى الأصل عقد القلب على إمضاء امر فالعزم على هذا مصدر بمعنى المفعول او المعنى من الأمور التي يعزم عليها بجد لوجوبها.
وَلا تُصَعِّرْ قرأ نافع وابو عمرو «وخلف- ابو محمد» وحمزة والكسائي ولا تصاعر من المفاعلة وابن كثير وابن عامر وعاصم وابو جعفر ويعقوب بتشديد العين من غير الف خَدَّكَ لِلنَّاسِ اى لا تمل عنهم ولا تولهم صفحة وجهك تكبرا قال ابن عباس تقول لا تتكبر فتحقر وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً اى فرحا وبطرا مصدر وقع موقع الحال اى يمرح مرحا او العلة اى لاجل المرح إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ متبختر فى مشيه فَخُورٍ (١٨) على الناس علة للنهى نشر على غير ترتيب اللف لرعاية القافية.
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ اى توسط فيه فوق الدبيب
وَاغْضُضْ قال مقاتل اى اخفض مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ يعنى أوحشها لَصَوْتُ الْحَمِيرِ تعليل لغضّ الصوت يعنى ان صوت الحمير منكر جدّا لكونه جهيرا جدّا فلا يكن صوتك مثل صوتها أول صوتها زفير وآخرها شهيق وهما صوت اهل النار قال موسى بن أعين سمعت سفيان الثوري يقول فى قوله تعالى إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ هى العطسة القبيحة المنكرة قال وهب تكلم لقمان باثنى عشر الف باب من الحكمة وأدخلها الناس فى كلامهم وقضاياهم..
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ لاجل نفعكم ما فِي السَّماواتِ من الشمس والقمر والنجوم والبحار والجبال من الأرض وَما فِي الْأَرْضِ من المعادن والنباتات والحيوانات بان مكّنكم من الانتفاع بها بوسط او بغير وسط وَأَسْبَغَ اى أتم وأكمل عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ قرأ اهل المدينة وابو عمرو وحفص بفتح العين وضم الهاء على الجمع والاضافة والباقون بسكون العين وبالتاء منونة على صيغة الواحد بارادة الجنس ظاهِرَةً مع ما عطف عليه حال من نعمه والنعمة الظاهرة هى المحسوسة من حسن الصورة وتسوية الأعضاء والرزق والعافية وغيرها من نعماء الدنيا والإسلام والرسول والقران وتخفيف الشرائع وتوفيق اتباع الرسول وظهور الإسلام والنصر على الأعداء وَباطِنَةً من القلب والعقل والحواس الباطنة وحسن الأخلاق والامداد
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا لانتبع ما انزل الله بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا فيه منع من التقليد فى اصول الدين قال الله تعالى أَيتبعون بتقدير يعنى قل ايتبعون آباءهم وَلَوْ كانَ الواو للحال او للعطف على مقدر يعنى لو لم يكن ولو كان الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ الضمير اما لهم او لابائهم إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١) بإلقاء حسن التقليد او حسن الإشراك فى قلوبهم والاستفهام للانكار والتعجب.
وَمَنْ يُسْلِمْ «١» وَجْهَهُ اى توجهه إِلَى اللَّهِ واقبل بشراشره عليه يعنى لا يفعل فعلا ولا يترك شيئا الا ابتغاء مرضاته ويفوض امره اليه وَهُوَ مُحْسِنٌ فى اعماله قال رسول الله ﷺ الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه يعنى بالحضور التام فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى يعنى تمسك باوثق ما يتمسك به واعتصم باقوى ذريعة لا يحتمل انقطاعه تمثيل لطيف للمتوكل على المتشبث بالعروة الوثقى وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢) إذا لكل صائر اليه.
وَمَنْ كَفَرَ ولم يسلم وجهه الى الله فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ تقديره فقد أضرّ نفسه وأوبقه ولا يضرك شيئا لا فى الدنيا ولا فى الاخرة ولمّا كان عدم الضّرر موجبا لعدم الحزن أورده فى مورده قرأ نافع لا يحزنك بضم الياء وكسر الزاء من الأحزان إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فى الدارين فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا بالتعذيب إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٣) من الاعتقادات والخطرات فضلا عما فى الظاهر فيجازى كلّا على حسب اعتقاده وعمله.
نُمَتِّعُهُمْ اى نملهم ليتمتعوا قَلِيلًا اى تمتيعا قليلا او زمانا قليلا فى الدنيا الى انقضاء اجالهم ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ اى نلجئهم ونردهم فى الاخرة إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ اى عذابا يثقلهم ثقل الاجرام الغلاظ وهو عذاب النار.
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ
لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ملكا وخلقا فلا يستحق العبادة غيره إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ عن حمد الحامدين الْحَمِيدُ (٢٦) المستحق للحمد وان لم يحمد اخرج ابن إسحاق عن عطاء بن يسار وكذا ذكر البغوي انه قال نزلت بمكة وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا- فلمّا هاجر رسول الله ﷺ الى المدينة أتاه أحبار اليهود فقالوا الم يبلغنا عنك انك تقول وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا- إيانا تريد أم قومك فقال كلّا عنيت قالوا الست تتلو فيما جاءك انا أوتينا التورية وفيها تبيان كل شىء فقال رسول الله ﷺ هى فى علم الله قليل فانزل الله تعالى.
وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ يعنى لو ثبت كون الأشجار كلها أقلاما وتوحيد شجرة لان المراد تفصيل الآحاد وَالْبَحْرُ المحيط يَمُدُّهُ اى يزيده وينصب فيه مِنْ بَعْدِهِ اى من خلفه سَبْعَةُ أَبْحُرٍ فاعل يمدّه قرأ ابو عمرو يعقوب البحر بالنصب عطفا على اسم انّ او بإضمار فعل يفسره يمدّه والباقون بالرفع عطفا على انّ ومعمولها وعلى هذا يمدّه حال- وجاز ان يكون البحر مبتدأ وما بعده خبره والجملة مستانفة او فى محل النصب على انه حال فان قيل ليس فيه ضمير راجع الى ذى الحال قلت هو كقولك جئت الجيش قادم ونحو ذلك من الأحوال التي حكمها حكم الظرف وكان مقتضى الكلام ان يقال ولو ان الأشجار أقلام والبحر مداد يمده من بعده سبعة أبحر لكن اغنى عن ذكر المداد قوله يمدّه لانه من مد الدوات وأمدها- وقال البغوي فى الاية إضمار تقديره وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ يكتب بها كلمات الله ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ المعبر بها عن معلومات الله بتلك الأقلام وبذلك المداد ولا بأكثر من ذلك بالغا ما بلغ لان معلوماته تعالى غير متناهية لا يمكن نفادها ولذلك اختار صيغة جمع القلة للاشعار بان ذلك لا يفئ بالقليل فكيف بالكثير إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ لا يعجزه شىء حَكِيمٌ (٢٧) لا يخرج عن علمه وحكمته امر واخرج ابن جرير عن عكرمة قال سال اهل الكتب رسول الله ﷺ عن الروح فانزل الله
ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ أجمعين إِلَّا كَنَفْسٍ اى الا كخلق نفس واحِدَةٍ وبعثها إذ لا يشغله شأن عن شأن ويكفى لوجود الكل تعلق إرادته مع قدرته الذاتية فلا يتعذر عليه خلق الكل كما لا يتعذر عليه خلق نفس واحدة إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ يسمع كل مسموع بَصِيرٌ (٢٨) يبصر كل شىء لا يشغله ادراك بعضها عن ادراك بعض اخر فكذلك الخلق او المعنى انّ الله سميع لاقوال المشركين ان لا بعث بصير بأعمالهم.
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ عطف على يولج او حال بتقدير قد الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ واحد من النيرين يَجْرِي فى السماء إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى اى وقت معين وهو يوم القيامة الفرق بينه وبين قوله لِأَجَلٍ مُسَمًّى ان الاجل منتهى الجري وثمه غرضه حقيقة او مجازا وكلا المعنيين حاصل فى الغايات وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) عطف على قوله أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ وجملة أَلَمْ تَرَ متصل بقوله أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ مقرر له.
ذلِكَ الذي ذكر من سعة عمله وشمول قدرته وعجائب صنعه بِأَنَّ اى بسبب ان اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الثابت اى الواجب وجوده وجميع كمالاته او الثابت ألوهيته وَأَنَّ ما يَدْعُونَ قرأ ابو عمرو وحفص وحمزة «ويعقوب وخلف- ابو محمد» والكسائي بالياء على الغيبة والباقون بالتاء على الخطاب مِنْ دُونِهِ من الالهة الْباطِلُ المعدوم فى حد ذاته او الباطل دعوى الالوهية فيه وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ المترفع على كل شىء والمتسلط عليه الْكَبِيرُ (٣٠) الظاهر الباهر كبرياؤه ومن كان هذا شأنه يجب ان يكون علمه وقدرته شاملا لجميع الأشياء..
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ متصل بقوله أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ | بِنِعْمَتِ اللَّهِ اى بإحسانه فى تهية أسبابه وهو استشهاد اخر على باهر قدرته و |