تفسير سورة الجن

أوضح التفاسير

تفسير سورة سورة الجن من كتاب أوضح التفاسير المعروف بـأوضح التفاسير.
لمؤلفه محمد عبد اللطيف الخطيب . المتوفي سنة 1402 هـ

﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ﴾ استمعوا لرسولالله، وهو يقرأ القرآن في صلاة الفجر
﴿وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ الجد: العظمة والغنى ﴿مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً﴾ زوجة ﴿وَلاَ وَلَداً﴾ كما يزعمون
﴿وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا﴾ أي جاهلنا. أو هو إبليس؛ إذ لا سفيه فوقه ﴿شَطَطاً﴾ كذباً. والشطط: الغلو في الكفر. وشطت الدار: بعدت. وصف به قولهم؛ لبعده عن الصواب. وهو نسبة الصاحبة والولد إلى الله تعالى
﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ﴾ كان الرجل إذا أمسى في واد قفر، وأدركه الخوف؛ قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه. يريد بذلك الجن وكبيرهم؛ فإذا سمع الجن ذلك استكبروا ﴿فَزَادوهُمْ رَهَقاً﴾ أي زاد الإنس الجن إثماً - باستعاذتهم بهم - لأنهم تكبروا وعتوا؛ وقالوا: سدنا الإنس والجن. ويجوز أن يكون المعنى: فزاد الجن الإنس رهقاً؛ بأن أغووهم وأضلوهم. هذا ولا يجوز الاستعاذة بغير الله تعالى؛ فهو وحده القادر على الحفظ، القاهر فوق عباده، السميع، البصير، العليم وعن الصادق المصدوق صلوات الله تعالى وسلامه عليه: «إذا أصاب أحداً منكم وحشة، أو نزل بأرض مجنة؛ فليقل: أعوذ بكلمات الله التامات؛ التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر؛ من شر ما يلج في الأرض، وما يخرج منها، وما ينزل من السماء، وما يعرج فيها، ومن فتن النهار، ومن طوارق الليل؛ إلا طارقاً يطرق بخير»
﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً﴾ أي إن الجن كانوا ينكرون البعث كإنكاركم؛ فلما سمعوا القرآن اهتدوا؛ فهلا اهتديتم؟
﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَآءَ﴾ تحسسنا الطريق إليها كعادتنا. والمراد: طلبناها ﴿فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً﴾ من الملائكة؛ يمنع كل من يقترب منها ﴿وَشُهُباً﴾ أي وملئت نجوماً محرقة؛ تحرق كل من اقترب من السماء. وهذا على خلاف العادة: قبل بعثته
﴿وَأَنَّا كُنَّا﴾ قبل ذلك ﴿نَقْعُدُ مِنْهَا﴾ أي نقعد بقرب السماء ﴿مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ﴾ فنسمع بعض ما يدور فيها، وما يصدر من الأوامر؛ أما الآن ﴿فَمَن يَسْتَمِعِ﴾ أي من يحاول الاستماع من السماء ﴿يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً﴾ شهاباً ينتظره بالمرصاد
﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ﴾ المؤمنون الطائعون ﴿وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ﴾ الكافرون العاصون ﴿كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً﴾ مذاهب متفرقة، وأدياناً مختلفة، وأهواء متباينة
﴿وَأَنَّا ظَنَنَّآ﴾ تأكدنا ﴿أَن لَّن نُّعْجِزَ اللَّهَ فِي الأَرْضِ﴾ أي لن نفوته، ولن ننجو من عقوبته إذا أراد
﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى﴾ القرآن ﴿فَلاَ يَخَافُ بَخْساً﴾ نقصاناً من ثوابه ﴿وَلاَ رَهَقاً﴾ أي ولا يخاف إثماً، ولا ترهقه ذلة
﴿وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ﴾ الكافرون، الجائرون. قسط: جار. وأقسط: عدل
﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ المثلى؛ وهي الإيمان ب الله تعالى ﴿لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً﴾ أي كثيراً من الإغداق. والمراد بذلك سعة الرزق؛ حيث إن الماء سبب للخصب والرخاء
﴿لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ لنختبرهم: أيشكرون أم يكفرون؟ ﴿يَسْلُكْهُ﴾ يدخله ﴿عَذَاباً صَعَداً﴾ شاقاً
﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ المساجد: موضع السجود ﴿فَلاَ تَدْعُواْ﴾ لا تعبدوا
﴿وَأَنَّهُ لَّمَا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ﴾ محمد عليه الصلاة والسلام ﴿يَدْعُوهُ﴾ أي يدعو ربه ﴿كَادُواْ﴾ أي كاد الجن ﴿يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً﴾ جماعات؛ لاستماع القرآن، والاتعاظ به. أو كاد المشركون يجتمعون على تسفيهه والاستهزاء به و «لبداً» جمع لبدة؛ وهو ما تلبد بعضه فوق بعض من الله
﴿ضَرّاً وَلاَ رَشَداً﴾ أي ولا نفعاً
﴿وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ﴾ غيره ﴿مُلْتَحَداً﴾ ملجأ؛ لأن الملتحد: اسم الموضع
﴿إِلاَّ بَلاَغاً﴾ أي لا أملك إلا إبلاغكم ما أوحي إلي
﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ﴾ من العذاب يوم القيامة ﴿فَسَيَعْلَمُونَ﴾ يومئذٍ ﴿مَنِ﴾ منا ﴿أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً﴾ أقل أعواناً من الآخر: نحن أم هم؟
﴿قُلْ إِنْ أَدْرِي﴾ ما أدري ﴿أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ﴾ به من العذاب ﴿أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً﴾ أجلاً. والأمد لا يطلق إلا على المدة الطويلة
{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً *
إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} فإنه يظهره على ما شاء من ذلك. والغيب هنا: الوحي؛ فيظهره عليه: بما يوحيه إليه من غيبه. أي لا يطلع على غيبه أحداً؛ إلا بعض الرسل الذين يرتضيهم؛ فإنه يطلعهم على بعض غيبه الذي يكون متعلقاً برسالاتهم؛ ليكون معجزة لهم لدى أقوامهم (انظر آية ٤٤ من سورة آل عمران)
﴿فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً﴾ أي يرسل أمام الرسول الذي يطلعه على الغيب وخلفه حرساً من الملائكة: يحوطونه من كل جانب؛ يحرسونه من تعرض الشياطين؛ لئلا يتشبهوا له في صورة الملك الموحى، ويحفظونه؛ حتى يبلغ إليه، ما أمر بتبليغه إلى الناس، و ﴿لِّيَعْلَمَ﴾ الله تعالى علم ظهور - لأنه تعالى يعلم ما كان، وما يكون، وما هو كائن - ويصير هذا العلم حجة على الخلق الذين ينكرون مجيء الرسل إليهم، ومجيء الملائكة إلى الرسل؛ وهو كقوله تعالى: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ﴾ وهوأعلم بهم قبل خلقهم
«ليعلم» ﴿أَن قَدْ أَبْلَغُواْ﴾ أي أبلغ ملائكته إلى رسله ﴿رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ﴾ أو ليعلم الرسول أنه قد أبلغ الملائكة رسالات ربهم بلا تحريف، ولا تغيير. أو ليعلم محمد أن الملائكة «قد أبلغوا رسالات ربهم» لمن تقدمه من الأنبياء، مثل تبليغهم له ﴿وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً﴾ أي أحاط الله تعالى بما لدى الرسل، والمرسل إليهم، والملائكة، والرصد؛ وعلم ما يخفون وما يكتمون
715
سورة المزمل

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

716
سورة الجن
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الجِنِّ) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الأعراف)، وقد جاءت على ذِكْرِ شرفِ النبي صلى الله عليه وسلم، وتحقُّقِ الكرامة له بعد أن رفَضه أهلُ الأرض وآذَوْهُ، فليَّنَ اللهُ له قلوبَ عالَم الجِنِّ؛ فاستمَعوا لهذا القرآن، وآمنوا به، وبرسالة مُحمَّد صلى الله عليه وسلم؛ لِما لهذا القرآن من عظمة وهداية وبيان واضح، والإنس أدعى أن يؤمنوا بهذا الكتابِ العظيم.

ترتيبها المصحفي
72
نوعها
مكية
ألفاظها
285
ترتيب نزولها
40
العد المدني الأول
28
العد المدني الأخير
28
العد البصري
28
العد الكوفي
28
العد الشامي
28

قوله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اْسْتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ اْلْجِنِّ} [الجن: 1]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «انطلَقَ النبيُّ ﷺ في طائفةٍ مِن أصحابِه عامِدِينَ إلى سُوقِ عُكَاظَ، وقد حِيلَ بَيْنَ الشياطينِ وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ، وأُرسِلتْ عليهم الشُّهُبُ، فرجَعتِ الشياطينُ إلى قومِهم، فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حِيلَ بَيْننا وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ، وأُرسِلتْ علينا الشُّهُبُ، قالوا: ما حالَ بَيْنَكم وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ إلا شيءٌ حدَثَ، فاضرِبوا مشارقَ الأرضِ ومغاربَها، فانظُروا ما هذا الذي حالَ بَيْنَكم وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ، فانصرَفَ أولئك الذين توجَّهوا نحوَ تِهامةَ إلى النبيِّ ﷺ، وهو بنَخْلةَ، عامِدِينَ إلى سُوقِ عُكَاظَ، وهو يُصلِّي بأصحابِه صلاةَ الفجرِ، فلمَّا سَمِعوا القرآنَ استمَعوا له، فقالوا: هذا واللهِ الذي حالَ بَيْنَكم وبَيْنَ خَبَرِ السماءِ، فهنالك حينَ رجَعوا إلى قومِهم، وقالوا: يا قومَنا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبٗا ١ يَهْدِيٓ إِلَى اْلرُّشْدِ فَـَٔامَنَّا بِهِۦۖ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَدٗا} [الجن: 1-2]؛ فأنزَلَ اللهُ على نبيِّه ﷺ: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اْسْتَمَعَ نَفَرٞ مِّنَ اْلْجِنِّ} [الجن: 1]، وإنَّما أُوحِيَ إليه قولُ الجِنِّ». أخرجه البخاري (٧٧٣).

* سورة (الجِنِّ):

سُمِّيت سورة (الجِنِّ) بهذا الاسم؛ لاشتمالها على أحوالهم وأقوالهم، وعلاقتهم بالإنس.

* سورة {قُلْ أُوحِيَ}:

سُمِّيت بذلك؛ لافتتاحها بهذا اللفظِ.

1. الافتتاحية (١-٢).

2. الجِنُّ ورحلة الإيمان (٣-١٥).

3. من صفاتِ الرَّكْبِ، والداعي إليه (١٦-٢٥).

4. الخاتمة (٢٦-٢٨).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (8 /397).

يقول البِقاعيُّ: «مقصودها: إظهارُ شرفِ هذا النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث لُيِّنَ له قلوبُ الجِنِّ والإنس وغيرِهم، فصار مالكًا لقلوب المُجانِس وغيره؛ وذلك لعظمة هذا القرآنِ، ولُطْفِ ما له من عظيم الشأن.
هذا، والزمانُ في آخره، وزمان لُبْثِه في قومه دون العُشْرِ من زمن قوم نوح عليهما السلام، أولِ نبيٍّ بعثه اللهُ إلى المخالفين، وما آمن معه من قومه إلا قليلٌ.
وعلى ذلك دلَّت تسميتُها بـ(الجِنِّ)، وبـ {قُلْ أُوحِيَ}». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /127).