ﰡ
وردّ هذا ابن عطية بقوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ). وعادتهم يَردون على الزمخشري بما هو أبين من ردّ ابن عطية، وهو قوله تعالى: (وقال الذين كفروا لولا نُزِّل عليه القرآن جملة واحدة).
وأجيب: بأن ذلك حيث يؤتى باللفظ مطلقًا غير مقيد، وهنا قيده بقوله: (جملة واحدة).
وأجاب الزمخشري هتاك: بأن (نزَّل) بمعنى (أنزل) وردوا عليه بأن ذلك إنما هو في الفعل المتعدي لواحد إذا أضعف يُكْسبه التضعيف معنى التفريق مثل (وغلَّقت الأبواب)؛ لأن " غلَّق " - يتعدى غير مضاعف - وأمَّا غير المتعدي فإن التضعيف فيه إنما هو " للتعدية " كالهمزة لا أنه يكسبه معنى آخر.
وزعم الزمخشري: أَن بين التعديتين فرقاً فقال: لما نزَّل القرآن منجمًا، والكتابان جملة جيء ب (نزَّل) في الأول، و (أنزل) في الثاني.
وإنما كان في خطبة " الكشاف ": (الحمد للَّه الذي أنزل الفرقان) كلامًا مؤلفًا منظمًا، ونزَّله بحسب المصالح منجمًا؛ لأنه أراد بالأول إنزاله من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وهو الإِنزال المذكور في (إنَّا أنزلناه في ليلة القدر)، وفي قوله تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن).
وأما قول القفال: إن المعنى الذي أُنْزِل في وجوب صومه أو الذي أُنْزِل في شأنه. فتكلف لا داعي له. وبالثاني تنزيله من السماء الدنيا إلى رسول الله ﷺ في ثلاث وعشرين سنة.
ويشكل على الزمخشري (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً). فقيد (نُزِّلَ) بـ (جُمْلَةً وَاحِدَةً)، وقوله تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ
- (مُصدّقًا). إن قلت: قول ابن عطية: أنها حال مؤكدة. يردّ بأن الكلام الحق في نفسه قد يكون مصدقًا، لغيره، وقد لا، فلا يلزم من كونه حقا التصديق.
فالجواب: أن ابن عطية: اعتبر الحق من حيث. رجوعه إلى الكتاب وارتباطه به فلا بدّ أن يكون مصدقًا، ولم يعتبره في نفسه. ومعنى تصديقه: أي لأصول ما فيها من الشرائع، والأحكام لا أنه مصدق لأشخاص تلك الأحكام، وجزئياتها، بل هو ناسخ لها أو المراد دلالتها على صحة كونها مُنزلة من عند الله لما ذكر إنزاله القرآن على محمد ﷺ أتى بالتوراة، والإِنجيل على معنى الاستدلال على صحة نزول القرآن عليه فكأنه يقال: لا تنكروا نزول القرآن عليه فقد نزل على موسى، وعيسى، وغيرهما.
٤ - فإن قلت: ما افاد (من قبل) وهو معلوم؟. قلت: للدلالة على أوّل أزمنة القَبْلَية إشارة إلى أن هذا أمر معهود فيما سبق، وأنه ليس بأوّل ما نزل، بل تقدمه كُتُب قبله، واستدام حكمها إلى أوّل أزمنة القَبْلِية، ويحتمل تعلقه بـ (هدى) أي: أن هداية التوراة، والإِنجيل كانت للناس من قبل، وهذا غير معلوم.
وقيل: إن المراد هنا الهداية الأعمِّية كما في قوله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا). وهناك خاصة بالتوفيق والإِرشاد إلى طريق الحق، وهي تطلق على الأمرين.
- (بآيات اللَّه..) المعجزات، أو آيات القرآن، وهو عام خرج على سبب، وفيه عند الأصولين خلاف لكن قالوا: إن السبب يجب دخوله فيه، والصحيح أنه عام فيه، وفي غيره وحيث يكون في اللفظ وصف مناسب للسبب فإنه يقصر على ذلك السبب، وإلَّا فهو عام، والآية هنا ليس فيها وصف مناسب فهي عامة فيه، وفي غيره.
- (لهم..). جرى مجرى التهكم؛ لأن اللام تقتضي الملك، والإِنسان إنما يملك ما يلائمه لا ما لا يلائمه، والأصل: " على ".
وشدة العذاب باعتبار الكمية، والكيفية، والدوام الأبدي.
٥ - (إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (٥). يدل على أنه يصح أن ينفى عن الذات ما يتحقق عدم اتصافها به، ولا يلزم منه تحصيل
إن قلنا: إن العلم بالكليات من لوازمه الجهل بالجزئيات فنقول: إنها تدل على تعلق علمه بالجزئيات، وإلا فلا وهو مذهب المتأخرين، وذهب " المقترح " إلى أن الخلق يقتضي العلم وإن كان قبيحًا.
وقال غيره: إنما يقتضيه الإتقان لا نفس الخلق.
فإن قلت: التقييد بالمجرور يخرج علمه تعالى بذاته؛ لأنها لا في الأرض ولا في السماء!.
٦ - (هو الذي يصوركم..) البناء على المضمر يفيد الحصر، وكذا
تعريف الخبر، وأتى ب (يصوركم) بصيغة المضارع، وإن كان التصوير ماضيًا، لأن المراد به التعجب كقوله تعالى: (فتصبح الأرض مخضرة).
وعبر عن المشيئة بصيغة المضارع أيضا، وهي حاصلة أولاً باعتبار ظهور أثرها، لأنه مستقبل، وفيه ردّ على الطبايعية.
- (لا إله إلا هو). كالنتيجة لما ذُكِرَ من المقدمات.
ابن التلمساني في أول " شرح المعالم الفقهية ": قال ابن عباس، والزجاج: القرآن [كله] محكم إلا آيات القيامة فإنها متشابهة إذ لم يكشف الغطاء عنها.
وقيل: المتشابه ما ورد عليه النسخ، والمحكم ما عداه ". انتهى.
فعلى هذا يكون في القرآن ما هو محكم متشابه كالمتعة فإنها أجيزت ثم نسخت ثم نُسخ الناسخ.
انظر قوله: نزول عيسى فليس في القرآن.
وقال واصل بن عطاء، وعمر بن عبيد المعتزليان: المحكم: الوعيد الوارد على الكبائر: والمتشابه: ما ورد على الصغائر. وهذا أول من زاد درجة بين الإِيمان، والكفر سموها فسقًا، وجعلوها مخلدة في النار إن مات قبل التوبة فاعتزلهما الحسن البصري لهذه المقالة، واعتزلا مجلسه فسموا معتزلة ". انتهى.
وقال بعض شُرَّاح " المحصول ": أما بالنسبة إلى الكلام القديم الأزلي فلا خلاف فيه في امتناع ذلك.
قال: وإنما الخلاف في الألفاظ المعبر بها عنه، والتقسيم المذكور في الآية الظاهر أنه غير مستوفٍ؛ لأن الأقسام ثلاثة منها: ما هو نص في معناه، ولا يصح صرفه عنه بوجه.
ومنها: الظاهر.
ومنها: المحتمل. فالمحكم هو النص الذي لا احتمال فيه والمتشابه هي: الألفاظ المحتملة التي يحتاج في ردها إلى الصواب دليل عقلي أو سمعي ويبقى ما هو ظاهر في معناه.
وعلى قول ابن مسعود أيضا القائل: أن المحكم الناسخ، والمتشابه المنسوخ يبقى قسم آخر وهو ما ليس بناسخ ولا منسوخ، وذلك أكثر القرآن.
و (آيات) جمع سلامة، ونص سيبويه على أنه جمع قلة إذا لم يدخل عليه " أل "، و " ضميرهن " الذي هو ضمير جماعة المؤنث إنما يكون لما دون العشرة، فكيف عبّر عنه بجمع القلة، وأعيد عليه ضمير (آيات) القليل؟.
والجواب: أنه قد يطلق جمع القلة، ويراد به الكثرة كما يوضع جمع الكثرة موضع جمع القلة، وأعيد الضمير على (آيات) باعتبار لفظها
- و (متشابهات) جمع قلة، وأفرد (أُم) وهو خبر عن جمع لوجهين:
الأول: أنه لما كانت المحكمات متحدة المعاني، ولا تنافي بينهما ولا اختلاف صارت كالآية الواحدة.
الثاني: أنه على التوزيع، والمراد أن كل آية (أُم).
٧ - (فأمَّا الذين في قلوبهم زيغٌ..). دليل على أن العقل في القلب.
قال الطيّبي في " التبيان ": هذا من باب الجمع، والتقسيم، قوله: (منه
٧ - (والراسخون في العلم). كان بعضهم يجري الخلاف في عطفه، واستئنافه على الخلاف، هل بين العلم القديم، والعلم الحادث اشتراك أم لا؟.
- (يقولون..) أي: بقلوبهم؛ لأن من آمن بقلبه داخل في هذا، وَذكرُ لفظ (الربِّ) مناسب أي: لورود المحكم، والمتشابه في الكتاب رحمة من الله بنا؛ لننظر في الأدلة، ونتدبر بعقولنا فنخرجه عن ظاهره الحقيقي إلى مجازه دفعًا للحكم بالباطل فيحصل لنا الأجر، والمثوبة بذلك عند الله عزّ وجلّ.
وقول أبي حيان هو مثل: " لا أَرَينَّك ها هنا ". إنما يتم على قول المعتزلة: أن العبد يخلق أفعاله، فيقولون: كيف يطلب من الله ترك ما ليس من فعله فيحتاجون إلى أن يجعلوه مثل: " لا أرينّك ها هنا "؛ لاستحالة نهي الإِنسان نفسه ألَّا يخلق لها أسباب الزيغ، فتزيغ.
- وقوله: (إذ..) هنا اسم. يريد اسم للزمان الماضي.
قال: وليست بظرف، لأن الظرف لا يضاف إليه. إن أراد أنها لا
ابن هشام: زعم الجمهور أن (إذ) لا يقع إلا ظرفًا، أو مضافًا إليها اسم زمان صالح للاستغناء عنه، نحو: " يومئذٍ "، و " حينئذٍ " أو غير صالح نحو قوله تعالى: (بعد إذ هديتنا..).
وفي الآية سؤال، وهو لِمَ أضيف الزيغ للقلوب، والهداية لجميع الذات؟.
وجوابه: من وجوه:
الأول: أنهم طلبوا نفي الزيغ عن العضو الأخص الذي هو القلب؛ لأن حصول الزيغ فيه سبب في عمومه في جميع البدن، ونفي السبب يستلزم نفي المسبَّب، والهداية حاصلة عامة في سائر البدن فأخبروا بذلك رغبة في دوامها كذلك.
الثاني: أن الزيغ يحصل للقلب بأوَّل وهلة، والهداية إنما تحصل غالبًا بعد تأمل، ونظر، واستدلال، فحصولها يشترك فيه جميع الحواس.
فإن قلت: قد ينظر في الشبهة فيضل فقد حصل الزيغ بالتأمل؟.
والجواب: أنه لم ينظر، ليضل، وإنما نظر ليهتدي فضل.
فالجواب: إنما المراد في الآية إنما هو الزيغ المسبَّب عن الاعتقاد؛ لأن ذلك بدء سياق الآية لا عن الأفعال وهو في الغالب يحصل من غير نظر إذ الإِنسان إذا ترك النظر، والاستدلال ضل فهو قد زاغ بالترك.
الثالث: إن الزيغ من أفعال القلوب، والهداية عامة في أفعال القلوب، وأفعال الأبدان، وهذا إن كان من قول الراسخين في العلم فهي هداية خاصة، وإن كان أمرًا لجميع الناس أن " يقولوه "، فهي هداية عامة.
- (وهب لنا). جاء على الأصل في تقديم دفع المؤلم على جلب الملائم، وقدم المجرور على المفعول به مع أن الأصل العكس؛ لأن تعدي الفعل إلى المفعول به أقوى من تعديه إلى المجرور؛ لأن الأهم المقصود حصول الهبة لهم.
ابن عطية: المراد (هب لنا) نعيمًا صادرًا عن الرحمة، لأن الرحمة راجعة إلى صفات الذات فلا يتصور فيها الهبة ". انتهى. ومعنى الآية متضح بما قرَّره الآمدي في " أفكار الأبكار " قال: اختلفوا إذا ورد ما يستحيل على اللَّه الإِتصاف به فمنهم: من رده، لصفة الفعل فإن رددته، لصفة
٩ - (ربنا إنك جامع الناس..). خبر في معنى الإِقرار، والتذلل، واللام في (ليوم) إمّا للتوقيت أو للتعليل على حذف تقديره: لجزء يوم.
و (الميعاد) مصدر " أَوْعد " في الشر، والآية تضمنت " الوعد " و " الوعيد "، وغلب فيها معنى التخويف.
١٠ - (إن الذين كفروا..) المناسب تفسيرهم بنصارى نجران؛ لموافقة سبب النزول.
فإن قلت: وكذلك المؤمنون لا تغنى عنهم أموالهم، ولا أولادهم من الله شيئًا، قال تعالى: (وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا..).
قال: فالجواب: أن المؤمنين ينفعهم مالهم بإنفاقه في سبيل الله والولد الصالح يدعو لأبيه بعد موته، فينتفع بدعائه بخلاف الكافر.
فالجواب: أنه عام في الأشخاص، لا في الأزمنة، والأحوال.
قيل: ورد تخفيف العذاب عن أبي لهب ليلة الاثنين، ويومه؛ لكونه اعتق الخادم التي بشرته بولادة النبيّ صلى الله عليه وسلم. ، وكذلك أبو
- (هم وقود النار). إن كان لفظ (الذين كفروا) للعموم فالمضمر، هنا للحصر، وإلّا فللتأكيد.
١١ - (كدأب..). انظر: إعرابه في أبي حيان.
قيل: لِمَ شبههم ب (آل فرعون) دون غيرهم؟.
وقول الفخر: إضافة (دأب) للفاعل، أو للمفعول،. يرد بأن فعله غير متعد فلا يصح إضافته للمفعول.
١٢ - (قل للذين كفروا ستغلبون) في الآية سؤال وهو ما الحكمة في إتيان الفعل مبنيًا للمفعول مع أن الأولى ههنا ذكر الفاعل لا سيما مع
وجوابه: أن هذا تنبيه على التنفير من الدعوى، وأنه ينبغي للإِنسان أن لا يدعى شيئًا.
قال الفخر: في الآية حجة بجواز تكليف ما لا يطاق؛ لأن هؤلاء خوطبوا بأنهم يغلبون، ويعذبون، ومع هذا فهم مكلفون بالإِيمان. انتهى. يردّ بأن المعنى إن دمتم على دينكم، والحكم عليهم بأنهم يغلبون ويعذبون معلل بكفرهم، لأن ذكر الحكم عقب الوصف المناسب يشعر بالغلبة.
١٣ - (فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ). في الآية سؤالان:
الأول: أن المطابقة في كلام العرب معتبرة، وهو نوع من أنواع البديع فالأصل أن يقال: فئة تقاتل في سبيل الله، وأخرى تقاتل في سبيل الطاغوت، أو فئة مؤمنة، وأخرى كافرة، فلا بدّ في العدول عن هذا من حكمه. وما هي؟.
السؤال الثاني: لِمَ عبر في الأول بالفعل، وفي الثاني بالاسم، وهلا قيل: فئة مقَاتِلة في سبيل الله، وأخرى كافرة، أو فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى تكفر؟!.
والجواب من وجهين:
الأول: أن القتال أمر فعلي متجدد فناسب التعبير عنه بالفعل المضارع، والكفر أمر اعتقاديِّ قلبي فهو ثابت، فناسب التعبير عنه، بالاسم المقتضى للثبوت.
الثاني: أن في الآية حذف التقابل أي: فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله، وأخرى كافرة تقاتل في سبيل الطاغوت.
- (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ). فيها أوجه:
أحدها: ترون المشركين مثليّ المشركين. وقد يُشْكل مع ما في سورة الأنفال: (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا..).
وجوابه: أن المسلمين يرون المشركين قبل القتال مثليهم ابتلاءً من اللَّه لهم فإذا شرعوا في القتال يرونهم قليلين فهزموهم، وهذه الرؤية إن كانت
- (لأولى الأبصار). قيل: (لعبرة الأولي الأبصار)؛ لأنه قد ينظر، ولا يعتبر!.
أجيب: بأن " بَصيرة " يجمع على " أبصار ". انظره.
١٤ - (زُيِّن للناس). مناسبتها لما قبلها أن ما تقدم اقتضى الحض على الجهاد، ومدح المتصف به، ومن خالف نفسه في ميلها إلى الراحة، وأتت هذه في معرض الذم لمن لم يتصف بذلك، وطاوع نفسه في ميلها إلى الشهوات. وقيل: المزين هو الله. وقيل: الشيطان. فعلى الأول هو تزيين خلق، وعلى الثاني تزيين وسوسة، فهو مشترك فإن قلنا: بتعميم المشترك صح حمله على الأمرين، وإلَّا فنجعله، للقدر المشترك بينهما، وهو مطلق الحمل على حب الشهوات خلقًا، وإبداعًا، أو وسوسة، وكسبًا. والتزيين
والتزيين متعلق بالحب.
- و (الناس) عام في الأولياء، والصالحين، وغيرهم لكن غيرهم يتبعونه في تزيينه، وهم لا يتبعونه.
قيل: " الألف واللام " لا يصح كونها؟ للعهد إذ لم يتقدم معهود، ولا للجنس بمعنى العموم لقوله: (من النساء والبنين) فهم غير داخلين في العموم.
أجيب: بأنها للجنس، وقد يَرِدُ التخصيص مصاحبًا للعام. وقول أبي البقاء: حُركَتْ الهاء في الشهَوات؛ لأنه اسم غير صفة. يوهم أنه لا يصح فيها إلا الفتح، وليس كذلك، بل يجوز فيها الإسكان، والفتح.
وقال ابن عصفور في " باب التثنية والجمع ": إن الاسم إذا كان على وزن " فِعْل " أو " فُعْل " أو " فِعْله " أو " فُعْله " فإن كان صحيحًا جاز فيه ثلاثة أوجه: بقاء العين ساكنة كهنْدات جمع هِنْد، وجَمْل، وجمْلات، وفتحها
- و (شهوات) جمع شهوة، وهو معتل اللام، وليست لامُه ياءً فيجوز فيه ثلاثة أوجه: يتفق فيها وجهان يرجعان إلى وجه واحد وهما: اتباع العين الفاء، وفتح العين. ويبقى وجه آخر وهو: الإسكان.
وفي الدرة الألفية ومثل: " خطوة "، و " سدره " أتت في جمعها الفاء ثلاث روايات. وتقديم (النساء) على (البنين) من باب التقديم بالرتبة، والأصالة، وتقديم ذلك على (الذهب والفضة)؛ لأنه أهم.
فإن قلت: في سورة الكهف قدم " المال " فقال: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا).
فالجواب: أن آية الكهف اقتضت الحكم بإسناد الزينة بهما إلى (الحياة الدنيا)، ولا شك أن المال في ذلك مقدم؛ لأنه إن كان المال كان الولد معه زينة، وإن لم يكن فالأولاد محنة، وعذاب. وهذه الآية أُسندت الزينة فيها إلى النفس وشهوتها، ولا شك أنها إلى الأولاد، والنساء أميل منها إلى المال، لأنها تبذل المال في تحصيل ذلك، والعطف يدل؛ لأن شهوة النساء عامة التعلق إذ لم يلزم من شهوة البنين شهوة النساء دون العكس.
لولا بُنيَّات كزغب القطا... رددن من بعض إلى بعض
لكان لي مضطرب واسع... في الأرض ذات الطول والعرض
وإنما أولادنا بنينا... أكبادنا تمشي على الأرض
والنساء أقعد من الأولاد في الشهوة الجبلية، والبنون أقعد من الأموال، والذهب أقعد من الفضة، والفضة أقعد من الأنعام، أو وسيلة إلى تحصيلها، فلما صُدِّرت الآية بالأهم، وكان المحبوب مختلف المراتب، اقتضت حكمة الترتيب أن يقدم ما هو الأهم فالأهم، انتهى.
فإن قلت: بَقِيَ اللِّباس!.
فالجواب أن اللِّباس أمْر حاجيّ ضروري لكل الناس لا تتعلق الشهوة إلّا بأخصه، فليس اللباس كله مزينا.
وأجاب الفخر: بأن اللباس يشترى بالذهب، والفضة فذكْرهما يغني عنه. ويقال: له، وكذلك الخيل المسومة، والأنعام، والحرث تشترى بالذهب، والفضة.
- (ذلك متاع الحياة الدنيا). إن قلت: أليس هو أيضا متاع الآخرة لمن يتزوج ليكثر سواد المسلمين، وينفق ماله في سبيل الله، ويكسب الخيل للجهاد؟!.
فالجواب: أن الحكم عليه في الآية بأنه متاع الحياة الدنيا معناه: من حيث التزيين، والشهوة.
- (والله عنده حسن المآب). (عنده) تشريف؛ لأن عنده أيضا شرّ المآب.
١٥ - (قل أؤنبئكم...) لما تضمن الكلام السابق تزيين الأمور المذكورة الدنيوية، وتحسينها، قد يُتَوَهم أن يكون لمن يشتهيها، ويحبها عذر في محبته لها، وهجومه عليها، فعقبه بهذا نفيًا لذلك العذر، وأكده بثلاثة أمور:
الثاني: دخول أداة الاستفهام تنبيهًا للمخاطب، واستحضاراً لذهنه؛ ليفهم ما يلقى له.
الثالث: لفظ (قل) مع أن القرآن كله هو مأمور بتبليغه للناس، فهو دليل على الاعتناء بالمبلَّغ، وتعظيم أمره. وذِكر لفظ (الرب) مناسب: إشارة إلى أن هذا الثواب تفضل من الله تعالى ليس باستحقاق بوجه.
وقول أبي حيان: لا يصح كون (خير) فعلًا لئلا يكون بعض ما بَقيَ خير منه، بناءً على أن (مِن) للتبعيص، وهي محتملة للسببية أي: بخير سببه ذلك المتقدم، وقد تقدم تقرير السببية، وهو توهم العذر مُظْهِرة حبًّا.
١٦ - ومعنى (الذين يقولون..) الزمخشري: (الذين) نَصْب على المدح، أو رَفْع، ويجوز الجر صفة للمتقين، أو للعباد. انتهى.
فاختلف أهل السنة، والمعتزلة في القول هل هو حقيقة في النفسي مجاز في اللساني، أو العكس، أو مشترك؟.
فالجواب أن المخاطب إذا لم يكن مُنْكِرًا، ولا ظهرت عليه مخايل الإِنكار، وبموضع الخطاب من ينكر فإنه يؤكد.
فإن قلت: لمَ عبر عن قولهم بالمضارع فقال: (الذين يقولون) وقال: وقيل: (للذين اتقوا..) بلفظ الماضي؟.
فالجواب: أن المطلوب تحصيل التقوى فأتى بها بصيغة المضي إشعارًا بتأكد الأمر بها، والمبادرة إلى فعلها كأنها واقعة. والدعاء المطلوب أسند: لأمته لكثرة الذنوب فهو مأمور بتكرر الاستغفار منها في كل وقت. وأيضا فالإِيمان وقع منهم في الماضي لقولهم: (آمنا)، ونقول التقوى هي تفسير الإِيمان.
واختلف القرويون: هل يجوز أن يقول الإِنسان: " أنا مؤمن، أو لابد أن يضيف إلى ذلك " إن شاء الله "؛ لأنه لا يقطع بحقيقة إيمانه.
والآية تدل على الأول؛ لأنها أتت في معرض المدح لمن قال هذه
فسُئل عن ذلك سيدي أبو عبد الله بن سلامة فقال: يريد اعتقاد أنه كامل الإِسلام، وأمّا الإِسلام فلا شك في حصوله.
وقال غيره: أرادها في الحديث: " المسلم من سلم الناس من لسانه
الاستثناء، وهو قول ابن عبد الحكم، وحمديس، وابن عبدوس، وأحمد بن صالح الكوفي. قال أبو عبيد وجماعة من الفقهاء: يأتون به من غير
قال القاضي عياض: وهذا خلاف لفظي لا حقيقة فمن التفت إلى مغيب الحال، والخاتمة، وما سبق به القدر. قال: بالاستثناء. ومن التفت إلى حال يقينه، وصحة معتقده في ذمته لم يقل به. ثم نشأ بينهم بعدُ اختلاف آخر بعد ثلاثمائة سنة في القول في الغير هل يقال: هو مؤمن عند اللَّه أم لا؟. وجرى فيه بين ابن التبان وابن أبي زيد، والشبيبي، وأبي
يردّ بأن هذا ليس من علمه، وإنما هو من علم البيان، وقالوا: فيه عطف الصفات يقتضي ذلك. وقول ابن عطية: الصدق في القول، والفعل، هو بناء على استعمال اللفظ في حقيقته، ومجازه لأنه حقيقة في القول.
- و (شهد) هنا بمعنى أعلم. والشهادة يراد بها التحمل، ويراد بها الإِعلام، وهو المعبر عنه في غير هذه بالآداء.
وقال أبو عبيدة: (شهد اللَّهُ) معناه: قضى، وحكم.
وقال ابن عطية: وهذا مردود من جهات. انتهى؛ لأن الحكم أمر جعلي، والتوحيد عقلي، ولا يصح تفسيره، ولأن الشهادة ليست بعض الحكم بالشيء، بل هي سبب فيه، وموجب له، فهي غيره، وأيضا فتعلق الحكم حادث لا يقال: حكم فلان بأن (لا إله إلا هو)؛ ولأن لفظ: " الشهادة بعيد من لفظة " القضاء "، ولا علاقة بينهما تبيح الإطلاق المجازي بوجه.
- (قائمًا..) في إعرابه وجهه أحسنها عند الزمخشري: أنه. منصوب على المدح، أو صلة لقوله: [(لا إله إلا هو)]، وتعقبه أبو حيان بأن فيه
فإن قلت: ما أفاد تكرار (لا إله إلا هو)؟.
فالجواب: من وجهين:
الأول: أن المذكور أولًا كالمقدمتين.
والثاني: كالنتيجة لا سيما على تفسير الزمخشري.
فنقول المراد: أن الله تعالى أعلم بذلك بنصب الدلائل الدالة عليه فعلمها الملائكة، والعلماء كعلمهم بالمقدمتين، ثم لما علموا تلك الدلائل وتحققوها حكموا بأن " لا إله إلا اللَّه ".
الجواب الثاني: أنه كرره لقوله (العزيز الحكيم) أي: تيقنوا ذلك بهاتين الصفتين. وعبر عنه الفخر بعبارة لا تفي بهذا المعنى فقال: الأول أتوا به على معنى الشهادة، والثاني: إخبار بما في نفس الأمر، أو كما قال.
١٩ - (وما اختلف..)، لمَّا تقدَّم ذكرُ الوحدانية؟ والثناء على من آمن عَقْبَه ببيان أن كفر من كفر لم يكن لشبهة عرضت، ولا لخفاء الدلائل، ولا لغموض المعجزة، بل لمجرد البغي، والعناد. وقال البيانيون: إن ذكر المحكوم عليه مع الحكم يكون لأحد ثلاثة أمور:
إما: لمطلق البيان كقولك: " أكرم زيد بن عمرو " أو للإِعلام باستحقاقه له، وهو الذي عبر عنه الأصوليون بقولهم: ذكر الحكم عقيب الوصف المناسب يشعر بأنه علة فيه كقولك: " أكرم المحسن إليك "، وإما لبيان مناقضته له كقولك: " أكرم من أساء إليك "، والآية من هذا القسم؛ لأن مجيء العلم لهم موجب للاتفاق على الإِيمان فجعلوه هم موجبًا؛
- (فإن اللَّه سريع الحساب). لازمه هو جواب الشرط أي: فإن الله يعاقبه سريعًا، وأما مدلول اللفظ فثابت في نفس الأمر آمن، أو كفر.
٢٠ - (حاجوك..) بدأ أولًا بالمحاجة، والحجّة الدليل الصحيح الصدق بالنسبة إلى دعوى المدعي.
- (فقل أسلمت). إمَّا متاركة، وإعراض عنهم كما يقول الفخر: هذا تشكيك في البديهيات، والضروريات فلا يستحق جوابًا. فمحاجتهم له مباهتة في أمر بديهي، وإما مناظرة أي: فقل: أنتم مشتغلون بدنياكم، وأنا أسلمت قصدي للَّه، وما حقكم أن تحاجوني في هذا فإنني ما أتيت بما هو غريب، فلا نسلم وجهي إلى مشاركتكم في شيء من أمور دنياكم.
فالجواب: أن المحاجة إنما تقع من رؤسائهم، فلو قيل: وقل لهم لكان خاصًّا بهم دون غيرهم، وهو مأمور بأن يقول: ذلك، للجميع، وهذا السؤال إنما يَرِدُ على أن قوله: (وما اختلف فيه إلا الذين أوتوا الكتاب) عام فِي اليهود، والنصارى باتفاق.
- (فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا..). هذه الآية تدل على (إن) بمنزلة " إذا " بدليل المعاندة بينهما فهما إما متساويان أو أحد الأمرين أرجح فقد دخلت (إن) إما الأولى أو الثانية على الأرجح، وهذا خلاف قولهم إن كلمة (إن) لا تدخل إلَّا على ما ليس بمحقق الوقوع مما هو ممكن، أو مما يفرض وقوعه، وليس بممكن بخلاف " إذا ".
- (فإنما عليك البلاغ). الحصر هنا بحسب السياق فيما بينه، وبينهم أي: فلا يلحقك ضرر من أجلهم (إنما عليك البلاغ) فلا تكون منسوخة بآية السيف كما فهم ابن عطية؛ لأنه على ما قررنا لا منافاة بين حصر أمره
٢١ - (بغير حق..). قال الزمخشري: في سورة البقرة آية: ٦١،: قتل النبيين لا يكون إلا بغير حق فما أفاد ذكره؟!.
وأجاب: بأن المراد أنهم لم يستندوا في قتلهم إياهم لشبهة بوجه، وإنما ذلك عناد منهم.
فإن قلت: لمَ نكَّر " الحق " هنا، وعرّفه في البقرة؟.
فالجواب أن هذه نزلت قبل آية البقرة كجواب الزمخشري في (رب اجعل هذا بلدًا آمنًا).
وأجاب ابن الزبير: بأن هذه في متقدمي بني إسرائيل كلهم كانوا
- (ويقتلون الذين يأمورون بالقسط). إذا طُبقت على سبب نزولها على ما حكى ابن عطية كان فيها دليل على أن الأمر بالشيء نهي عن ضدّه؛ لأن ابن عطية نقل حديثًا أنهم " قتلوا ثلاثة وأربعين نبيًا فاجتمع من عبادهم وأحبارهم مائة وعشرون، ليغيروا وينكروا عليهم فقتلوهم أجمعين " فعّبر في الآية عن النهي عن المنكر بأنهم آمرون بالقسط، ووجه ذلك أن امتثال النهي عن المنكر أشد على النفوس من امتثال الأمر بالقسط فإذا كانوا يقتلونهم من حيث اتصافهم بالإنكار فيما هو أخف عليهم، فأحرى أن
٢٢ - (أولئك) الإِشارة بلفظ البعد، للقريب للتعظيم في المدح، أو الذم.
وقال الطيّبي: إمّا للتعظيم مثل (فذلكن الذي لمتنني فيه)، أو للإبعاد كهذه الآية.
- (وناصرين). جَمْعُه بمعنى التوزيع أي كل واحد ليس له ناصر.
٢٣ - (وهم معرضون). إما أن المراد: وحالهم، وشأنهم الإِعراض بدليل إتيانه بلفظ الاسم، والأول بلفظ الفعل، أو المراد: أنهم يتولون عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ويعرضون عن الإِيمان.
ابن هشام المصري: عطف الجملة الاسمية على الفعلية، وبالعكس فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: الجواز مطلقًا، وهو المفهوم من قول النحويين في باب الاشتغال في مثل: " قام زيد وعمرو أكرمته " إن نَصَب "عمرو " أرجح؛ لأن تناسب الجملتين المتعاطفتين أولى من تخالفهما.
الثاني: المنع مطلقا حكى ابن جنيّ، ويلزم إيجاب النصب في مسألة
الثالث: لأبي علي يجوز في الواو فقط نقله عنه أبو الفتح في " سرّ الصناعة "، وبنى عليه مَنْعَ كون الفاء في " خرجتُ فإذا الأسد حاضر " عاطفة.
وأضعف الثلاثة القول الثاني وقد لهج به الرازي في تفسيره، وذكر
قال: فقلت: لهم لا دليل فيها، بل هي حجة للشافعي، وذلك أن الواو ليست، للعطف لتخالف الجملتين الاسمية، والفعلية ولا للاستئناف؛ لأن أصل الواو أن يرتبط ما بعدها بما قبلها فبَقِي أن تكون للحال، فتكون جملة الحال مقيدة للنهي، والمعنى لا تأكلوا منه في حالة كونه فسقًا، ومفهومه جواز الأكل إذا لم يكن فسقًا. والفسق فسَّره الله تعالى بقوله: (أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ). فالمعنى لا تأكلوا منه إذا سُمي عليه غيرُ الله، ومفهومه كلوا منه إذا لم يُسمَّ عليه غيرُ اللَّه ".
ْانتهى ملخصا موضحًا. ولو أبطل العطف بتخالف الجملتين بالإِنشاء، والخبر لكان صوابا.
٢٦ - (قل اللهم مالك الملك..). إن أريد ب (الملك) العلم يتعلق ولا يؤثر فهو عام، وإن أريد به التأثير وهو القدرة فيمتنع حمله على العموم؛ لأن " الملك " الذي يشتق منه " مالك " لا يدخل فيه.
- (وتنزع الملك) وَضَع الظاهر موضع المضمر؛ لأن النزع يقتضي سَبْقِيْة
(وتعزُّ من تشاء). انظر ما ذكره الفخر فهو لا يتم؛ لأنه فرق بين العزة
٢٧ - (تولج الليل في النهار..) ابن عطية معناه: ما ينتقص من النهار يزاد في الليل، والعكس في كل فصل من السنة. انتهى. بل ذلك في كل يوم لكن عبر ابن عطية بما يفهمه العوام ونقص كل يوم وزيادته إنما يفهمه العلماء.
ولذلك كان بعضهم يقول: إن القرآن يشتمل على ألفاظ يفهمها العوام، وألفاظ يفهمها الخواص، وعلى ما يفهمه الفريقان وهو شأن الكلام الوجيز البليغ، ومنه هذه الآية؛ لأن الإيلاج يشمل الأيام التي لا يفهمها إلا الخواص، والفصول التي يدركها العوام، وكذلك المخلوقات تدرك العوام دلالتها على خالقها بتغيرها الحسيّ، وهو الإحياء، والإماتة ونحوهما، وبروز الثمرة، والنبات حالتي الوجود، والعدم، ويدرك العالم وجه دلالتها بأدق من ذلك من جهة أن العرض لا يبقى زمانين فلابدّ للجوهر في كل زمن من عرض يخلقه الله فيه. والآية دالة على أن النهار متقدم على
قيل: وفي الآية رد على " قول " المنجمين باستواء زمني الليل، والنهار في وسط الأرض، وهو موضع خط الاستواء.
وقولهم: إن بعض المواضع يكون فيها النهار دائمًا، وبعضها يكون الليل دائمًا على ما اقتضته الهيئة عندهم.
وأجيب بوجهين:
الأول: أن تلك المواضع خالية لا عمارة فيها، والآية خطاب لنا فيما نشاهده، وتتعلق به الأحكام، والخالي لا تكليف فيه.
الثاني: الآية مطلقة فتصدق بصورة. وُردَّ بأنها مطلقة في الإِيلاج لا في لفظ الليل، والنهار؛ لأنه معرّف بـ (أل) فيعم.
- (وتخرج الحي من الميت). ابن عطية: قيل: الميْت بالتخفيف إنما يستعمل فيما قد مات، ومشددًا يستعمل فيهما. انتهى.
عادتهم ينتقدون على الشاطبي قوله:
وميْتًا لدى الأنعام والحجرات خُذْ | [وما] لم يمت للكل جاء مثقلًا |
- (وترزق من تشاء). استدل بها المعتزلة. على أن الرزق إنما يطلق على الحلال؛ لأنها خرجت مخرج الامتنان، ولا يكون إلّا بالحلال.
ويجاب بمنع كونها للامتنان، بل للإِخبار بكمال قدرة اللَّه تعالى، وأنه يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
- (بغير حساب). أي: تفضلا منك.
فإن قلت: قوله: (من تشاء)، يدل على تخصيص الرزق بالبعض دون البعض، فما الجمع بينه، وبين قوله: (وما من دابة في الأرض إلا على اللَّه رزقها) سبق تخريجها.
فالجواب: أن المشيئة هنا قيدت بقوله: (بغير حساب) فبعض الناس يرزقه الرزق الكثير، وبعضهم يقدر عليه رزقه كما قال: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا..).
قال صاحب " المثل السائر " وهو ابن الأثير ما نصه: التجريد إخلاص الخطاب لغيرك، وأنت تريد نفسك من جردت السيف إذا نزعته من غمده، وله فائدتان:
طلب التوسع في الكلام، وتمكن المُخَاطَبْ من إجراء أوصاف مقصودة له من مدح، وغيره على نفسه، وهو قسمان: محض، وغير محض. المحض: أن تأتي بالكلام خطاب: لغيرك تخاطب به نفسك فتكون جردت الخطاب عن نفسك لغيرك، وأنت تريد به نفسك كقوله:
إلَامَ يراك المرءُ في زِيِّ شاعر | وقد نَحَلْت شوقًا فروعُ المنابر |
كتمت بصيت الشعر علما وحكمة | ببعضها ينقاد صعب المفاخر |
أما وأبيك الخير إنك فارس الـ | مقال ومحْي الدَّارِسات الغَوَابر |
وَإنَّك أعييت المَسَامِع والنُّهَى | بقولك عمَّا في بطون الدَّفاتر |
الثاني: غير المخص: وهو خطاب لنفسك لا لغيرك، ولئن كان بين النفس، والبدن فرق إلَّا أنَّهما كأنهما شيءٌ واحدة لعلاقة أحدهما بالآخر، وبين هذا القسم، والذي قبله فرق ظاهر، وهو أولى بأن يسمى تجريدًا. وهذا هو نصف تجريد؛ لأنك لم تجرد به عن نفسك شيئًا بل خاطبتها كأنك فصلتها عنك وهي منك كقوله:
أقول لها وقد جَشَأَت وجَاشَتْ | مكانكِ تحمدي أو تستريحي |
وأجاب صاحب " الفلك الدائر ": بأن هذا خلاف في التسمية، فيقول الفارسي: ومن أنبأك أن التجريد ما قلت أنت، فلعله ما قلت أنا فكما سميت أنت ذلك تجريدًا أسمي أنا " هذا " كذلك ". انتهى.
فانظر كلام ابن عطية ما يوافقه من القولين المذكورين.
٢٨ - (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء). أتى النهي هنا بلفظ: الغَيْبة، وفي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) بلفظ الخطاب؟
وقالوا: النهي بلفظ الغَيْبة أشد، وأبلغ، وهذا اللفظ يحتمل أربع معانٍ على استواء. إما اتحاد مجموع المؤمنين لمجموع الكافرين، أو اتحاد كل فرد لكل فرد، أو المجموع لكل واحد، أو العكس.
ابن عطية: هذا النهي إنما هو فيما يظهره المرء فأما في النية فلا يفعله مؤمن ". انتهى.
وإنما يجيء تأويل ابن عطية على قراءة الخَفض، لأنه نهي خوطب به المؤمنون، ومن مال إليهم بقلبه لم يدخل تحت الخطاب؛ لأنه غير مؤمن، وأما على قراءة الرفع فيتناول ذلك اتخاذهم أولياء في الظاهر، والميل إليهم بالقلب، ومعناه: لا يصدر ذلك من المؤمنين.
- (من دون المؤمنين). ذكر ابن عطية فيه تأويلات، ويظهر فيه تأويل آخر نظير ما تقدم في قوله: (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) فانظره.
يا مَلِكاً طاعتهُ عصْمة... وحُبْه مفترض واجب
إن الذي شرفت من أجله... يَزْعُم هذا أنه كاذب
فأبعد اليهودي، ونبذه.
- (إلا أن تتقوا..). ذكر ابن عطية هنا وجوه الإكراه وبماذا يكون.
قال شيخنا: وكان الشيوخ يحكون في باب الإِكراه عن بعض فقهاء المشارقة
- (ويحذركم اللَّهُ نفسه). اختلف الأصوليون هل يطلق على ذات الباري تعالى نفس أم لا؟!. واستدل من أجاز بقوله تعالى: (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ).
وأجاب المانع بأن المراد: " ولا أعلم ما في نفسي "، الإِضافة على معنى الملك، والخلق، والاختراع أي: ولا أعلم في نفسك التي خلقتها واخترعتها وهي ذاتي.
٢٩ - (قل إن تخفوا.. ). إن قلت: هذا يردّ على ابن عطية في حمله الولاية على الأمر الظاهر دون الباطن.
وفي الآية سؤال وهو أنه إذا اجتمع لفظان أحدهما يستلزم الآخر، ويدل عليه - اكْتُفِي بذكر الدال عن ذكر الآخر، فإن ذُكِرَ معا بُدِئ بالمدلول، وأُخر الدال عليه فِرارًا من التأكيد، وجاء قوله: (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة..)، على خلاف هذا الأصل، وكذا هذه الآية، فما أفاد (أو تبدوه)؟!. فكان الأشياخ يقولون: إن ابن زيتون كان يقول: المراد المبالغة في بيان أن علم اللَّه متعلق بجميع الكائنات، فلما قال: (إن تخفوا) دلّ على تعلق علمه تعالى بالخفي مطابقة وبالظاهر التزامًا ثم قال: (أو تبدوه) ليدل على تعلق علمه بالظاهر مطابقة؛ لأن دلالة المطابقة اقوى من دلالة الالتزام إذ هي دالة بالمنطوق، ودلالة الالتزام تدل بالمفهوم.
انتهى.
فإن قلت: لِمَ قدم (إن تخفوا) وجعل (أو تبدوه) تأكيدًا ولو عكس لكان تأسيسًا؟.
فالجواب: أن ذلك ليدل اللفظ دلالتين: بالمطابقة، واللزوم، وذلك أبلغ من دلالته دلالة واحد.
وأجيب: أيضا بأن حصول المعلومات في الخارج مسبب عن حصولها في الباطن، والسبب متقدم على مسببه وحصول الأقوال في الظاهر مسَّبب عن كونها كانت خفية في الباطن. وذكر الأصوليون أن المتقدم على ستة أقسام: بالذات، وبالشرف، وبالرتبة، وبالزمان، وبالمكان، وبالسبب، وفي الآية سؤال آخر، وهو لِمَ قال: (في صدوركم)، ولم يقل: في قلوبكم؟.
والجواب: أن ذلك ليدل على القلب بالمطابقة، ومعنى (تخفوا) أي تدوموا على إخفائه؛ لأن ما في الصدر قد أخفى، والمراد نوعه لا شخصه؛ لأن العرض لا يبقى زمنين.
(ويعلم ما في السماوات وما في الأرض). كالدليل على ما قبله؛ لأن ما في الصدور من جملة ما في السماوات، والأرض، وكل ما في السماوات، والأرض معلوم لله فما في صدوركم معلوم لله، وهو قياس من الشكل الأول.
وقول ابن عطية: الشيء في كلام العرب هو الموجود. يَرِدُ عليه أن تعلق القدرة بالموجود يستلزم تحصيل الحاصل إلَّا أن يريد التعلق باعتبار دوام وجوده ثم جعل ابن عطية من أقسام الموجود: الممكن، وإنما يتقرر ذلك على قول ابن سيناء. في صادقية العنوان على الذات أنه بالفعل خلافًا لقول الفارابي أنه بالقوة.
٣٠ - (ويوم تجد.) قيل: العامل فيه (ويحذركم)، وردّه أبو حيان
ويجاب: بأنه على حذف مضاف أي: عقابه.
فإن قلت: عقاب مصدر موصول لا يصح إضماره، وإبقاء عمله.
أجيب: بجوازه مع الظرف.
- (محضرا). تأكيد، وإطناب ووهم ابن عطية هنا في قوله بحدوث التعلق، وأشد منه غلطاً الفخر في المعالم الدينية. واختلفوا هل تكتب الحفظة المباحات أم لا؟. وهذه الآية تدل على أنها لا تكتب؛ لأنه تعالى ذكر أولًا تعلق علمه بجميع الكائنات كلها ذوات، ومعان، ومأمورات، ومنهيات ثم ذكر:
أن الخير الواقع يوجد، والشرّ كذلك، ولم يذكر المباح فدل على أنه لا يكتب.
- (ويحذركم اللَّه نفسه). الزمخشري: (نفسه) هي ذاته المميزة من سائر الذوات متصفة بعلم ذاتي لا يختص بمعلوم، وبقدرة ذاتية لا تختص بمقدور ". انتهى.
قال شيخنا: هذا يحقق قولهم إنه جاهل بأصول الدين، ويقال: نصف نحوي يُلحن جميع الناس، ونصف أصولي يُكفر جميع الناس، فإنه
٣١ - (قل إن كنتم تحبون اللَّه..). ذكر الزمخشري هنا كلامًا لا ينبغي كتبه. وأنكره عليه ابن الخطيب - ومحبة العبد للَّه من الناس من أنكرها - قال: ؛ لأن المحبة هي الميل، والميل يستدعي مُمالًا إليه، وهو من عوارض الأجسام حسبما ذكره ابن الخطيب هنا، وعياض في " الإِكمال "، وغيرهما.
ابن مالك: قد يستعمل مفعول عِوضا عن " مَفْعَل ". قالوا: " محبوب "، ولم يقولوا: مُحَب.
قلت: إلَّا فيما أنشده ابن عصفور:
ولقد نزلتِ فلا تظنى غيره | مني بمنزلة المُحَب المُكْرَمِ |
٣٣ - (إن اللَّه اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران).
دلت الآية بالمطابقة على اصطفاء الأول، وباللزوم على اصطفاء إبراهيم، وعمران؛ لدلالة القرينة على أن اصطفائهما كان بسببهما.
فإن قلت: لأي شيء خصّ آل إبراهيم، وآل عمران بالاصطفاء ولم يذكر آل آدم، وآل نوح!.
فالجواب من وجهين:
الأول: أن الآل: هم القرابة، وآدم، ونوح وكل الناس قرابتهم
الثاني: أن يكون من باب حذف التقابل أي: أن الله اصطفى آدم، وآله، ونوحًا، وآله، وإبراهيم، وآل إبراهيم، وعمران، وآل عمران.
فإن قلت: في آل آدم من ليس بمصطفى. قيل: وكذلك آل إبراهيم، والظاهر أن عمران الأول هو والد موسى، وليس هو أبو مريم إذ لو كان هو لقال: إذ قالت امرأته؛ لأن وضع الظاهر موضع المضمر على خلاف الأصل.
الزمخشري: وقيل: بين العمرانين ألف وثمانمائة سنة " انتهى.
(على العالمين). أي: عالمي زمانهم من الآدمين فلا يؤخذ منه تفضيلهم على الملائكة.
لو ناسَبَتْ قَدْرَة آياتِه عِظَمًا | أُحْيَ اسْمُهُ حِينَ يُدْعَى دَارِسَ الرِّمَمِ |
إذا لم يكن في مجلس العلم نكتةٌ | بتقرير إيضاح لمشكل صُورَة |
وعَزْوِ غريبَ النقل أو حلَّ مشكلٍ | أو إشكال أبدته نتيجة فكرة |
فدع سَعْيَه وانظر لنفسك واجتهد | وإيَّاك تركاً فهو أقبح خُلْةٍ |
يميناً بمن أولاك أرفع رتبة | وزان بك الدنيا بأكمل زينة |
لمجلسك الأعلى الكفيل بكلها | على حين ما عنها المجالس وَلَّت |
فأبقاك من رقاك، للخلق رحمة | وللدين سيفاً قاطعاً كل بدعة |
وما حال من يهجو أخاه بلفظة | كذا ذاكرُ المرويِّ عنه الأئمة |
وعلم أصول الفقه والبحث والنظر | سواء حال من قد ساءه قلب نكتة |
فباء بفسق قاله سيدٌ أتى | بذكر وقرآن ووعظ وحكمة |
روى مسلم عن شيخه عند قوله | سباب لدى الإسلام فسق بحجة |
بصغرى وكبرى ينتجان فسمومه | فباللَّه أعرض عنه وادفعه بالتي. |
ولم يقل: وما كان مشركاً، كما قال: (ما كان يهوديًا ولا نصرانيًّا) أو يقول: وما كان من اليهود، ولا من النصارى كما قال: (من المشركين)؟!.
وجوابه: أن اليهودية، والنصرانية طريق واحد؛ لأن لهما كتابًا يرجعان إليه، وطرق الشرك كثيرة متشعبة لا تنحصر، فناسب الجمع وهو جواب الزمخشري في قوله تعالى: (وجعل الظلمات والنور..)، قال: لمَ جمع (الظلمات)، وأفرد (النور)؟. فأجاب: بأن الظلمات كثيرة مختلطة، والنور واحد.
الثاني: المناسب أن يقال: ما كان يهوديًا أو نصرانيًا وما كان من المشركين، ولكن كان حنفيا مسلمًا، فيذكر النفي مع النفي ثم يثبت!.
وأجيب بوجهين:
الأول: لما كانت الآية ردًا على اليهود، والنصارى، وكان الكلام معهم نفى أولًا: كونه منهم، " ثم " أثبت له الإِسلام؛ لأنه الأهم، والمقصود بالذات ثم بالغ فنفى عنه الشرك.
السؤال الثالث: لمَ أثبت ياء النسب في يهودي، ونصراني وحذفها من حنيف؟.
والجواب: أن هذا هو المناسب لادعاء اليهود، والنصارى أنه على دينهم، وأنه نسب إليه، والمسلمون ما ادعوا ذلك وإنما قالوا: إنهم على دين مثل دينهم.
٦٨ - (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه..)، أورد الفخر هنا سؤالاً، وأجاب: وهو أنه عليه السلام إمّا أن يكون متبعًا، لإِبراهيم في أصول الشريعة، أو في فروعها، فإن كان الأول فلا خصوصية له بذلك على غيره من البشر. وإن كان في الفروع فيلزم أن يكون مقررًا لشريعته لا ناسخًا.
وأجاب بوجهين: إمّا إنه مُتّبع له في أكثر الفروع وزاد عليه بأشياء
اختص بها. وإمّا أن شريعة موسى، وعيسى نسخت شريعة إبراهيم ثم نسختها شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم، وقرَّرت شريعة إبراهيم.
٦٩ - (ودت طائفة من أهل الكتاب). أبو حيان (مِن) للتبعيض، وأجاز ابن عطية كونها لبيان الجنس، قال أبو حيان: وفيه بعد ". انتهى.
٧١ - (وأنتم تعلمون). قيل: لِمَ قال أولا: (وأنتم تشهدون).
وثانيا: (وأنتم تعلمون)؟!.
أجيب: بأن المراد أولاً حضورهم، لصدور المعجزات. والكفر: الجحد، والتغطية. فناسب ذلك، وهنا التلبيس، والكتم يناسب العلم.
قال ابن عطية: وفي قوله: (وأنتم تعلمون) توقيف على العناد ظاهرًا " انتهى.
اختلف في وقوع الكفر عنادًا، والصحيح جواز وقوعه، وعليه يدل كلام ابن عطية هنا، وهذا إنما هو باعتبار الحكم الشرعي مثل الذي يعلم الحق، ويحيد عنه في الظاهر، فهذا هو الكفر عنادًا. وأما عقلًا فيستحيل الكفر عنادًا؛ لأنه يستحيل أن يجتمع في عقله، وباطنه الحق، وعدمه؛ لأن ما في الباطن شيء واحد.
(والطائفة): حكى فيها أهل أصول الفقه خلافا ذكره الفخر في المسألة الرابعة من باب الأخبار من " معالمه الفقهية ".
٧٧ - (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا) فيها أسئلة: الأول: ِ لمَ أضيف (العهد) إلى اللَّه، و (الأيمان) إليهم، والأصل المشاكلة؟!.
وجوابه: أن المراد (بعهد اللَّه): آياته، ويدل عليه قوله في سورة براءة (اشتروا بآيات اللَّه ثمنًا قليلًا)، وإحدى الآيتين تفسر الأخرى.
الثاني: لمَ جمع (الأيمان)، وأفرد العهد؟.
وجوابهَ: أنه إشارة إلى اتحاد طريق الحق، وتشعب طرق الباطل كما أجاب الزمخشري في جمع (الظلمات) وتوحيد (النور)،
الثالث: قال في براءة: (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم).
فأضاف العهد إليهم، وهنا أضافه للَّه تعالى.
وجوابه: أن المراد (بالعهد) المذكور في براءة المصدر، وإضافته إليهم بمعنى عهدهم اللائق بهم. والمراد به هنا الآيات كما تقدم، والآيات مضافة إلى اللَّه تعالى لا غير.
٧٩ - (ما كان لبشر..). هذا كما يقوله المنطقيون من أن الموجبة الجزئية تناقضها السالبة الكلية؛ لأنهم إنما ادعوا عبادة " عزير "، و " المسيح "، فأتى بالنفي عامًا.
- (من دون الله). أتى به، وإن كان النفي " دونه " أبلغ؛ لأنه الواقع منهم.
الزمخشري: الأمر بالمعروف تابع للمأمور به إن كان واجبًا، فواجب وإن كان ندبًا فندب، وأما النهي عن المنكر فواجب كله؛ لأن ترك المنكر واجب؛ لاتصافه بالقبح " انتهى كلامه.
قال ابن بشير في الصلاة: الثاني: " لما تكلم على الوتر "، اختلف الأصوليون هل يجب الأمر بالمعروف فيما طريقه الندب، أو يكون الأمر بذلك مندوباً.
١٠٥ - (أولئك لهم عذاب عظيم). يحتمل أن يكون من حذف التقابل والتقدير: وأولئك لهم أجر كريم، وهم المفلحون، وأولئك لهم عذاب عظيم، وهم الخاسرون.
١٠٦ - (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ). يحتمل كونه من آثار الوضوء قاله ابن عطية، ويلزم عليه أن من لم يتوضأ قط وهو غير جاحد الوجوب أن
الزمخشري: من كان من أهل الحق وُسم ببياض اللون، وإشراقه، وابيضت صحيفته، وسعى النور بين يديه بيمينه، ومن كان من أهل الباطل وُسم بسواد اللون، وكسوفته، وكمده، واسودت صحيفته.
- (فاما الذين اسودت وجوههم..) ابن عطية: بدأ بذكر البياض لشرفه فلما فُهِم المعنى، وتعين به الكفار، والمؤمنون أبدأ، بذكر الذين اسودت وجوههم للاهتمام بالتحذير من حالهم.
السماكي: لو بدأ بحكم الأول لزم منه أن ينفصل الحكم عن كل واحد منهما وهو تفسير لا لف ونشر، قال: وإنما اللف، والنشر: أن يَذْكرَ شيئين ثم يُرْمى بتفسيرهما جملة ثقة بأن السامع يرد كل تفسير إلى اللائق به كقوله تعالى: (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ).
قال: ونظير هذه قوله تعالى: (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا..).
قال: ومعنى التفسير: أن يذكر شيئًا لم يقصد تخصيصه، فيعيده مع ذلك
١١١ - (ثم لا ينصرون). جعل المفسرون المهلة معنوية، ويحتمل أن تكون زمانية، وهو أبلغ؛ لأن من هُزِمَ حين المقاتلة يتوقع نصره بعد ذلك، ولا يقطع بأنه لا ينصر على من هزمه، فأفادت (ثم) أنهم لا ينصرون بعد الانهزام بوجه.
١١٢ - (إلَّا بحبلٍ..) من باب تأكيد الذم بما يشبه المدح (وكانوا يعتدون). الاعتداء أخص، قال المَازَري في " كتاب النكاح " من " المُعْلِم ": قال بعض البغداديين: لا يمنع أن يطلق على من أخل بالمندوب أنه عاص؛ لأن المعصية مخالفة الأمر، والمندوب مأمور به ". انتهى.
١١٧ - (مثل ما ينفقون..). إن قلت: لمَ عبر في المشبه بلفظ المضارع فقال: (ينفقون)، وفي المشبه به بلفظ الماضي فقال: (أصابت)؟.
١٢٠ - (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ..). في الآية أسئلة الأول: لمَ كان الشرط ب (إن) دون (إذا) المقتضية لتحقيق الوقوع؟.
وجوابه: أنه إشارة إلى تأثرهم و (لو) بما لا يتحققونه.
الثاني: لمَ قدم " الحسنة " على " السيئة "؟.
وجوابه: أن تأثرهم لها أشد.
الثالث: لمَ نكرهما؟.
وجوابه: أَنه إشارة إلى التقليل، وأنهم يتأثرون لأدنى شيء.
الرابع: لمَ عبر في الأولا بالمس "، والثاني بالإِصابة؟.
وجوابه: أن ابن عطية قال: المس: هو أوائل الملاقاة، والمخالطة.
والإِصابة: منتهى ذلك ". انتهى كلامه.
الخامس: لِمَ قال في الثاني: يفرحوا بها، ولم يقل تسرهم في مقابلة (تسؤهم)؟ يقتضي - اغتمامهم لذلك، وإخفاؤهم إياه حسدًا؛ لأن العادة أن الإِنسان إذا سمع بحسنة نالت عدوه فإنه يغتم لذلك، ويخفيه، ولا يتحدث به حسدًا له. وإذا سمع بمصيبة نزلت به فإنه يفرح بها، ويظهرها، ويتحدث بها تشفيًا فيه.
وأجاب الزمخشري: عن هذا بأن المس مستعار، لمعنى الإِصابة فالمعنى فيهما واحد.
وقال بعضهم: الإِصابة أعم؛ لاستعمالها في الحسيّ، وفي المعنوي، ومنه قول الأصوليين: اختلف هل كل مجتهد مصيب، أو المصيب واحد.
و" المس " خاص بالمحسوسات. وفرق ابن راشد في " المقدمات " بين المس، واللمس فجعل اللمس: لا يكون عن قصد. والمس: يكون مقصوداً، أو غير مقصود. تقول: " تماس الحجران " ولا يقال: " تلامس الحجران ".
وفي سورة براءة نظير هذه الآية (إن تصبك حسنة).
١٢١ - (مقاعد للقتال...) الزمخشري: اتُسع في " قعد "، و " قام " حتى أُجْريا مجرى " صار ". واستعمل " المقعد "، و " المقام " في معنى المكان كقوله:
على ما قام يشتمني لئيم... انتهى.
وكذا ابن مالك في " تسهيل الفوائد " في أفعال المقاربة قال: منها: للشروع في الفعل " طَفِق "، و " جعل "، و " أخذ "، و " علق "، و " هبّ "، و " قام ".
١٣٥ - (إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم..) يحتمل أن يكون المراد (الفاحشة): المعاصى المتعدية؟ للغير. و (الظلم): المعاصي القاصرة
- (ولم يصروا على..). عدم الإِصرار شمل ما إذا نوى عدم العودة إلى الذنب، أو لم يستحضر ذلك.
فإن قلت: ما أفاد (ولم يصروا) بعد قوله: (ذكروا اللَّه فاستغفروا..) وفي الحديث: " ما أصر من استغفر.. "؟.
فالجواب: أن المعنى (لم يصروا) على ما فعلوه في الماضي، وحالهم في المستقبل أنهم إذا فعلوا فاحشة فإنهم يستغفرون اللَّه منها، وهذا نحو جواب الفخر: في قوله تعالى: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون..)، أو يجاب: بأن الأول أفاد استغفارهم عن الفعل الواقع منهم، ويبقى اللمم بالفعل، والعزم على العودة، فأفادهم قوله: (ولم يصروا) أو يجاب: بأنهم إذا فعلوا واستغفروا لا
- (وهم يعلمون). قال الزمخشري: حال من فعل " الإِصرار "، وحرف النفي منصب عليهما معا، وفسره بوجوه:
منها: قول بعضهم (وهم يعلمون) أن باب التوبة مفتوح ". انتهى. النفي على هذا التفسير منصب على الأول فقط دون الثاني.
١٣٦ - (ونعم أجر العاملين). الفخر: عن القاضي عبد الجبار من المعتزلة: فيها دليل عك أن الثواب مرتبط بالعمل. انتهى. إنما يدل على أن هذا الثواب الخاص على العمل لا على أن لا ثواب إلا على العمل. وأيضا العمل يصدق على الإِيمان، ونحن نقول: إذا لم يحصل الإِيمان فلا ثواب.
واعتزل الزمخشري هنا ورقق على مذهبه بآثار ذكرها، وخلط الصحيح منها
ترجو النجاة..................
قال الطيِّبي قبله:
ما بال نفسك تبغي أن تدنسها | وثوب جسمك مغسول من الدنس |
ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها | إن السفينة لا تجري على اليبس |
فأجاب أبو جعفر الزبير: بأن هنا وقع ذكر الجزاء مفصلًا، ومعطوفَّا فناسب العطف بخلافه في آية العنكبوت.
١٣٨ - (هَذَا بَيَانٌ). كقول سيبويه هذا باب كذا قيل: فيه دليل على امتناع، ورود المجمل فيه.
١٣٩ - (ولا تهنوا..) ابن عطية: هو من " وهن "، ومن كلامهم لا المؤمن هين لين، انتهى. يردّ بأن " وهن " معتل الفاء " وهن " معتل العين فالمادة مختلفة. والعجيب من أبي حيان كيف سكت عنه، ولم يتعقبه.
وقول ابن عطية: ومنه فعل عمرو بن سعيد مع عبد الملك بن مروان عند قتله إياه، يوهم أن عمرًا مكر بعبد الملك، وليس كذلك، بل المنقول العكس فالصواب العكس وهو أن يقول: فعل عبد الملك بعمر.
١٤٠ - (إِنْ يَمْسَسْكُمْ..) فعل الشرط مستقبل وهو هنا ماضٍ، لأن
- (وليعلم الله الذين آمنوا..) قول الزمخشري: أي ليعلمهم علمًا يتعلق به الجزاء، يوهم أن ثم علمًا لا يتعلق به الجزاء. وقوله: الفرق بين العلم، والمعرفة أن المعرفة من التصورات. والعلم: تصديق.
إن قيل: يُردّ بأن قولك: " عرفت زيدًا " تصديق، لا تصور. أجيب: بأن مراده: أن متعلق العلم التصديق، ومتعلق المعرفة تصور.
فإن قلت: قال الفخر: هي خاصة بكفار بدر. ففيها امتحق الكافرون!.
فأجيب: بأن المحق قسمان: حسيّ، ومعنوي؛ لأن محق البعض يوجب إذلال الباقين، وحسرتهم، فهو محق لهم بالمعنى.
١٤٣ - (ولقد كنتم تمنون الموت..). إن قلت: هذا كيف يفهم مع قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تمنوا لقاء العدو وسلوا اللَّه العافية "؟.
فالجواب: أن ذلك كان في أول الإِسلام حيث كان الكفر كثيرًا، والإِسلام قليلًا فنهوا عن تمني لقاء العدو، أو المراد هنا: أن الشهادة
١٤٤ - (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ..). تضمنت أمرين: كونه من البشر، وذم من همّ بالردّة يوم أحد.
قيل: الحصر على بابه، وحقيقته؛ لأن وصف الرسالة يستلزم جميع أوصاف الكمال. ورُدَّ بأنه لم يكن قبل البعثة رسولا فالقضية حينية، لا دائمة.
- (أفإن مات..). قول أبي حيان: الشرط ب (إن) دخل على (انقلبتم) لا على (موته). يرُدُّ بأنه دخل على مجموع القضية؛ لأن أصله " إن مات انقلبتم "، وهذا شرط لازم قد دخل عليه الاستفهام بمعنى الإنكار على الملازمة الشرطية، وموته ممكن، وقتله ممكن، غير واقع؛ لقوله تعالى: (واللَّه يعصمك من الناس..).
- (شيئًا) تأكيد بالمصدر دخل على النفي فهو نفي أخص.
١٤٦ - (وكأين..). أنشد ابن عطية هنا:
وكأين ترى من صامت لك مُعْجبِ | زيادَتُهُ أو نَقْصُهُ في التَّكلًّمِ. |
لسانُ الفَتى نِصْفٌ ونِصْفٌ فؤادهُ | فلم يَبْقَ إلَّا صُورَةُ اللَّحم والدّمِ |
وكأين بالأباطح من صديق | يراني لو أُصِبْتُ هو المصابا |
ابن هشام المصري، (كأين): اسم مركب من كاف التشبيه وأيّ المنونه؛ ولذا جاز الوقف عليها بالنون؛ لأن التنوين لما دخل في التركيب أشبه النون الأصلية؛ وكذا رُسِمَ في المصحف نونا، ومن وقف حذفه اعتبر حكمه في الأصل، وهو الحذف في الوقف. وتوافق " كأيّ "، " كم " في خمسة أمور: الإِبهام، والافتقار إلى التمييز، والبناء، ولزوم التصدير، وإفادة التكثير تارة وهو الغالب نحو: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ)، والاستفهام أخرى، وهو نادر، ولم يثبته إلا ابن قتيبة، وابن عصفور، "
وتخالفها في خمسة أمور: أنها مركبة، وكم بسيطة على الصحيح خلافًا لمن زعم أنها مركبة من الكاف، و " ما " الاستفهامية ثم حذفت ألفها؛ لدخول الجار، وسُكِنَتْ ميمها؛ للتخفيف؛ لثقل الكلمة بالتركيب. وكون مميزها مجرورًا بـ " من " غالبًا حتى زعم ابن عصفور لزوم ذلك ويرُده قول سيبويه: " وكأيّ رجلًا قد رأيت " زعم ذلك يونس إلا أن أكثر العرب لا يتكلمون
- (فما وهنوا..). الضمير إمّا عائد على لفظ: " الربيين " دون معناه مثل: " عندي درهم ونصفه "؛ لأن من مات لا يوصف بعدم الوهن، وإما عائد عليه لفظًا، ومعنى، والمعنى: أنهم ماتوا على حالة التجلد، والشدّة من غير ضعف في قلوبهم، وجاءت الآية على أحسن ترتيب؛ لأن الوهن أشدّها، ويليه الضعف، ويليه الاستكانة فنفى أولا الأبلغ ثم ما دونه ثم ما دونه؛ لأن نفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، وفيه الحذف من الثاني؛ لدلالة الأول عليه وهو (لما أصابهم)، ويدل على أن من فعل شيئًا من الطاعات، وترك شيئًا من المعاصي من غير مشقة عليه في ذلك أنه يسمى صابرًا؛ لأن هؤلاء لم ينلهم وهن، ولا خوف فسماهم صابرين.
١٤٧ - (.. وإسرافنا.). يحتمل أن يكون المراد بالإِدراف: عدم اجتناب النواهي؛ لأنه لغة: الزيادة على الشيء. قال تعالى: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا)، وقال تعالى: (وكذلك نجزي من
والجواب: إما أنه على قراءة الرفع وهي الشاذة يكون الخبر أعم من المبتدأ فيصح الإِخبار به عنه؛ لأنه أعم منه؛ لأن قولهم مضاف لضميرهم، وإن قالوا أعم منه، والتقدير: وما كان قولهم إلَّا قول (ربنا اغفر لنا ذنوبنا) و " قول " أعم من " قولهم "، وأمّا على القراءة المشهورة فيكون من باب " فأنكرت الوجوه "، وقلت: " هم هم "، ومثل " جَدّ جدّه " فهو تأكيد، وإطناب.
١٥٢ - (.. وَعْده إذ تحسونهم..). قول أبي حيان: العامل في (إذ)، (وعده)،. يرد بأن الوعد قديم. فإن قلت: المراد متعلقه. قلنا:
فالعامل فيه صدق مع أن الصدق قديم، لكن المراد ظهور الصدق للوجود.
- (منكم من يريد الدنيا..) المناسب أن يكون المعنى يريد الدنيا والآخرة؛ لأنهم مسلمون (ومنكم من يريد الآخرة) فقط.
١٥٣ - (إذ تصعدون..). ضعف أبو حيان كون العامل في (إذ) اذكر " مقدر، بأن " اذكر " مستقبل و (إذ تصعدون) ماضٍ!.
ويجاب بجوابين:
أحدهما: أنه عامل فيه عمل الفعل في المفعول به لا عمله في الظرف.
الثاني: أنه عامل فيما يتعلق به أي: اذكر حالكم (إذ تصعدون).
- (والرسول). أي رسول الله ﷺ أو رَسُوله (في أخراكم)؛ لأنهم لما انهزموا، ورجعوا وثبت هو في موضعه صار في أخراهم بعد أن كان في وَسَطهم، ومقدمهم.
قيل: مذهب الأشعرية: أن لا فاعل حقيقة إلَّا الله تعالى، ونسبة الفعل إلى العبد مجاز.
أجيب: بأن المفعول من أجله إنما ينسب الفعل لمن يصح وقوع الحدث منه. والنعاس يستحيل وقوعه من الله تعالى، وفي الأنفال (إِذْ يَغْشَاكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ)، فقدم النعاس!.
والجواب: أن الفاعل هناك هو النعاس، وقدم، وفاعل الإِنزال هنا هو اللَّه، والمنزَّل هو النعاس لم يكن إنزاله لذاته، بل لكونه أمنا.
واختلف الزمخشري، وابن عطية نقل الزمخشري: أن النعاس غشيهم في مصافهم. وقال ابن عطية: أن ذلك كان بعد ارتحال أبي
- (وطائفة قد أهمتهم أنفسهم..). الزمخشري: (قد أهمتهم) صفة لـ (طائفة) و (يظنون) صفة أخرى، أو حال بمعنى ظانين، أو استئناف على وجه البيان للجملة قبلها.
- و (يقولون). بدل من (يظنون). ابن هشام: كأنه نسي المبتدأ فلم يجعل شيئًا من هذه الجملة خبرًا له، فلعله رأى أن خبره محذوف أي: ومنكم طائفة صفتهم كيت، وكيت. والظاهر أن الجملة الأولى خبر، وأن الذي سَوَّق الابتداء بالنكرة صفة مقدرة أي: وطائفة من غيركم مثل: " السمن مَنَوانِ بدرهم " أي: منوان منه. واعتماده على واو الحال كما جاء في الحديث وهو قوله: " دخل وبُرْمةٌ على النَّارِ.. ".
فالجواب: أن الإِخفاء قد يكون بين رجلين يُسِر أحدهما إلى الآخر حديثاً أخفياه عن غيرهما، وقد يكون في حديث النفس.
- (يقولون). ليست مفسره للتي قبلها؛ لأن القول في الاصطلاحِ حقيقة في النطق اللفظىِّ، وكذلك قال الفقهاء: إذا حلف ألَّا يقول شيئًا فإنه لا يحنث إلا بالنطق " اللفظي " فهما جملتان مستقلتان.
- (قل لو كنتم في بيوتكم..) هذا إمّا تكذيب للقضية المتقدمة بصدق نقيضها، وإمّا إبطال لإِحدى مقدمتي القياس، وهي الكبرى فمعنى الأول: لو كان لنا من الأمر شيء لما خرجنا، ولو لم نخرج ما قتلنا، فأبطلت القضية كلها.
فإن قيل لهم: بل لو كان لكم من الأمر شيء لخرجتم. ومعنى الثاني: أن تمنع الكبرى، وهي كلما لم يخرجوا لم يقتلوا بصدق ما هو أخص منها؛ لأن كونهم في بيوتهم أخص من قولهم (لو كان لنا من الأمر شيء) فإذا ترتب الموت على كونهم في بيوتهم فأحرى أن يترتب على عدم خروجهم.
قال ابن عطية: هذا من المنافقين قول بأن للإِنسان أجلين. انتهى. إنما هو منهم وقوف مع الأمور العادية، فلعلهم لم يعتقدوه مذهبًا.
" فالجواب أن الابتلاء " هو الاختبار فهو إشارة إلى كمال تعلق علم الله تعالى، وعمومه فناسب أن يسند إلى الأعم، وهو الصدر. وأما التمحيص: فهو: تخليص شيء من شيء، وتصفيته. فناسب تعلقه بالمقصود من الإِنسان، وهو القلب.
١٥٥ - (إن الذين تولوا..). في هذه الآية من التلطف ما ليس في آية الأنفال وهو قوله: (ومن يولهم يومئذ دبره..).
ذكر في تلك لفظ: " الدبر " دون هذه، وعبر هنا ب (تولوا) الدال على تكلف الفعل إشارة إلى أن لهم في ذلك عذرًا للفرق بين " ولى " و " تَوَلى " كما فرقوا بين " كَرُم "، و " تَكَرَّم "، فلذلك رتب عليه الوعيد الأخف مع العفو، وأيضا فهذه إخبار عمّا وقع فناسب التلطف، وتلك تقدير، للوقوع فناسب التخويف، والتشديد فِي الوعيد.
- (إنما استزلهم..). قال الفخر: احتج به الكعبيّ من المعتزلة على أن الشرك لا يقع من الله تعالى لأجل أداة الحصر.. ". انتهى.
قال الزمخشري: لِمَ قيل: ب (بعض ما كسبوا)؟. وأجاب: بأنه كقوله تعالى: (ويعفو عن كثير..)، وهو بناء منه على أن المعنى ما كسبوه من الشر. ونقول: لفظ (كسبوا) صادق على كل مكسوبهم خيرًا، أو شرًا. فالشّر بعضه فلا يَرِدُ السؤال.
١٥٦ - (لا تكونوا كالذين كفروا..). إذا نُهي الإِنسانُ عن الشبه بمتصف بوصفين صرف النهي لأخصهما، وهو هنا القول، ولأجله وقع النهي. وجملة (إذا ضربوا) حكاية حال ماضية.
الفخر: الآية حجة على الكرَّامية القائلين: بأن مجرد النطق بالشهادتين كاف في حصول الإِيمان، وإن لم يصحبه الاعتقاد القلبي " انتهى.
قال بعضهم: إذا عوقّد بين أمرين بـ " أو " ثم رُتب عليهما أمران آخران جاز عطف أحدهما على الأخر بـ " أو " أو " الواو ".
- (وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ...) إن قلت: ما أفاد ذكر الإِحياء، وسياق الكلام في الإِماتة؟. قلت: فائدته التسوية أي: كما شاهدتم الإحياء دون سبب كذلك هو تعالى قادر على إماتتهم دون سبب.
١٥٧ - (أو متم..). إما أنه حذف من الثاني لدلالة الأول عليه، أو كما قال ابن بشير فى " كتاب الطهارة فى التيمم ": إن الأصوليين اختلفوا في العطف هل يقتضي التشريك في المعنىّ كما يقتضيه في الإِعراب أم لا؟.
وأشار إليه ابن التلمساني في المسألة الرابعة من الباب الثالث في العطف على العام هل يفيد العموم أم لا؟.
وفائدة الإطلاق في (أو متم)؟ ليتناول من مات قبل حضور القتال، وبعده، ولم يُقْتل فيه.
وقال في " المدونة " في الأول: لا يسهم له.
- (خير) على قراءة الغَيبة " فَعْل "، وعلى قراءة الخطاب " أَفْعَل ".
فإن قلت: كيف خوطب بها من مات؟. قلت: هي حكاية حال ماضية أي: خير من جمعهم المال لو عاشوا، وجمعوه. وبدأ بالقتل؛ لأنه أغلب، وأعم، ليرتب عليه الوصف العام.
١٥٩ -.. (لِنْتَ لَهُمْ..). يدل على أنه في مقام التوسط بين الشدة، واللين؛ ولذا لم يقل: كنت لينًا. قال أبو حيان: (ما): زائدة، قيل: فيلزم عليه أن القرآن مخلوق؛ لأن الحروف، والألفاظ مخلوقة إلا أن يريد أن الحروف مخلوقة، والمعنى قديم. ومنع بعضهم ورود الزيادة في القرآن كما منع إطلاق التهكم فيه. وقيل: فائدته التأكيد بمنزلة تكرير اللفظ بعينه. وقيل:
- (فاعف). الفاء للتسبيب لا عاطفة؛ لأن الطلبية لا تعطف على الخبرية. وتقدير السببية بتمهيد أنه لين الجانب قابلة للعفو.
والظاهر أنهم ثلاثة أقسام: فريق فروا، ولم يرجعوا فهؤلاء أمر بالعفو عنهم.
وفريق فروا فلما قال لهم: ارجعوا رجعوا فهؤلاء، أمر بالاستغفار لهم.
وفريق ثبتوا، ولم يفروا فهؤلاء أمر بمشاورتهم في الأمر.
فإن قلت: قال الفخر: المشاورون أبو بكر، وعمر. وعمر لم يثبت!.
قيل: عمر منصبه معلوم. قال ابن عطية: ومن لا يستشير أهل العلم، والدين، فعزله واجب بلا خلاف. قال شيخنا ابن عرفة: هذا غير صحيح، ولم أره لغيره، والمسألة مذكورة في أصول الدين في باب
١٦٠ - (إن ينصركم الله..) أتى ب (إن) دون (إذا) إشارة لتساوي الأمر، وأن نُصْرَتَهم، وخُذْلانهم بالنسبة إلى قدرة الله تعالى متساويان. فإن قيل: لفظ الآية ليس صريحًا في غلبتهم، فهلاّ قيل: إن ينصركم الله تُنْصَروا أو تَظْفُرُوا؟.
فالجواب: أن المذكور مستلزم لذلك، وأفاد مع ذلك انتصارهم في المستقبل.
وأجيب أيضا: بأن نصرة الله بأحد وجهين: إمّا بأن يغلبوا عدوهم.
وإما بممانعته، ومساواته إذا كان العدو أكثر، وأقوى: فيكون نصرهم بمعنى: منع عدوهم من غلبتهم.
فإن قلت: لِمَ لم يقل في الثاني: وإن يخذلكم فلا ناصر لكم؟.
والجواب: إذا كان المخاطب موافقًا على ما خوطب به فيؤتى في خطابه بحرف الاستفهام.
والمراد: أن جميع ما يصدر منه عليه السلام ليس بغلول؛ لأنه مشرع.
الزمخشري: وعن بعض جفاة العرب أنه سرق نافجة مسك فتُليت عليه الآية فقال: إذًا أحملها طيبة الريح خفيفة الحَمْل. قال الطيِّبي: هذا منه كفر.
١٦٢ - (أفمن.). قال أبو حيان: هذه تدلك على أن مثل هذا التركيب في العطف، أو المعطوف عليه مقدر قبل الهمزة ". انتهى.
فإن قلت: لم أضيف الرضوان دون المسخط؟.
فالجواب من وجهين:
الأول: إضافة الرضى تشريفًا، ولم يضف السخط تأدبًا كقوله: (الذي خلقني فهو يهدين) ثم قال: (وإذا مرضت فهو يشفين).
الثاني: أن تنكير السخط للتعظيم أي: ليس من اتبع أدنى شيء من رضى اللَّه كمن باء بسخط عظيم من الله فأحرى من اتبع أعلى الرضىّ.
فإن قلت: يبقى من " باء " بأدنى السخط!.
قلت: الآية إنما خرجت مخرج التنفير، والوعظ، فالمناسب التعليل في جانب الرضى بمعنى أن قليله لا يقارب عظيم السخط، ولا يدانيه فهو نفي تشبيه، أو يجاب بأن أدنى السخط، وإن قل فهو من العظيم عظيم فيستوي في ذلك أعلاه، وأدناه بخلاف الرضى.
١٦٣ - (هم درجاتٌ عند اللَّهِ..). جعلوه على حذف مضاف من الثاني أي " ذو درجات "، وإن شئت قدَّرته في الأول أي: " منازلهم درجات "، والضمير قيل: عائد على المؤمنين، وقيل: على النوعين. فإن قلت: يترجح عوده على الكافرين، لأنه أقرب. فأجاب الفخر: بذكر عاقبة الكافرين،
١٦٤ - (لقد مَنَّ..). المنُّ يطلق بمعنى: التذكير بالنعمة، ويطلق على التفضل بالنعمة. وهو المراد هنا. قيل: فيه دليل لأهل السنة أن بعث الرسل محض تفضل لا واجب. وردّ بأن المنّ على المؤمنين، والبعثة للجميع. وأجيب: بأن المنّة للمؤمنين باعتبار المثال، والعاقبة. وردّ أيضا بأن المنّ عليهم بكونه منهم. وهذا على قراءة ضم الفاء (من أنفُسهم).
فالجواب: أن تلك في مقام التنفير، والتخويف فإذا نهوا عن نسبة الغلول " للنبيّ " فأحرى " الرسول "، وهذه في مقام التذكير بالنعمة، فناسب فيها لفظ، " الرسول "؛ لأنه أبلغ في الإِنعام عليهم.
١٦٥ - (أَوَلَمَّا..). ابن عطية: الهمزة إمّا للإِنكار، أو للتقرير " انتهى. كونها للتقرير ضعيف؛ لأنه غالبًا إنما يكون بأمر ملائم كقولك: " ألم أحسن إليك ".
فإن قلت: إصابتهم مثليها ملائم!.
قلت: الهمزة إنما دخلت على قولهم. وقول الفخر: احتج بها المعتزلة على أن العبد يخلق أفعاله. يردّ بأنه لم يقل أحد أن العبد يخلق أفعال غيره.
والمصيبة التي أصابتهم بفعل الكافرين، وإنما فعلهم السبب في ذلك فإن استدلوا بالسبب قلنا: يرده قوله: (إن اللَّه على كل شيء قدير).
١٦٦ - (وما أصابكم..). قول ابن عطية: فيها تقديم، وتأخير أي:
- (وليعلم..) أي: ليظهر متعلق علمه وهو: وعد ووعيد، وعّبر عن المؤمنين بالاسم، وعن المنافقين بالفعل إشارة إلى أن ذلك الوعد إنما هو لمن ثبت له الإِيمان. والوعيد لمن اتصف بأدنى نفاق فأجرى الأول مجرى الأمر، والثاني مجرى النهي.
١٦٧ - (يقولون بأفواههم..) يحتمل أن يريد نطقهم بكلمة " الإِيمان " أو قوهم (لو نعلم قتالًا)، وهو الظاهر؛ لأنه لو أريد الأول لقيل: يقولون بأفواههم ما في قلوبهم نقيضه، بل عبَّر بالأعم.
- (والله اعلم بما يكتمون). تسجيل عليهم بالكفر.
١٦٨ - (لإِخوانهم:.). إن أريد بإخوانهم الموتى فاللام، للتعليل، وإن أريد الأحياء فللتعدية، ويحتمل جعل (قل فادرءوا) خبر (الذين) بمعنى: قل لهم. وصيغة " أَفْعل " هنا للتعجيز.
قال الزمخشري: فإن قلت: فقد كانوا صادقين في دفعهم القَتْل عن أنفسهم بالقعود. وأجاب بوجهين:
الأول: أن النجاة من القتل يجوز أن يكون سببها القعود، وأن يكون
فإن قلت: إنما نفوا القَتْل فلِمَ ذكر في الردّ الموت؟.
فالجواب: أن الموت أعم فعجْزِهم عن دفعه يستلزم عَجْزِهم عن دفع الأخص منه. وقال: (ادرءوا) وَلم يقل: لا يموتون، إشارة إلى ملازمة الموت لهم.
١٦٩ - (ولا تحسبُن..) قول ابن عطية: أرى، القراءة بضم الباء. إنما تحسن على أن السبع غير متواتر.
- (وبنعمة من اللَّه وفضل..) الأمر الملائم إن اعتبر من حيث ذاته فهو نعمة، ومن حيث سببه فهو فضل؛ لأن سببه من الله، ولذا قيد النعمة بقوله: (من اللَّه)، ولم يقيد الفضل. والآية صريحة في مذهب أهل السنة في قولهم: إن الثواب محض تفضل.
- (وأن الله..). على قراءة الكسر يحتمل كونها جملة اعتراض، وذكر ابن هشام المصري: أنه يجوز اقتران جملة الاعتراض بالواو، وبالفاء. ولم يحك في ذلك خلافًا.
١٧٢ - (للذين أحسنوا منهم واتقوا..). هو على التوزيع فمنهم من بلغ درجة الإِحسان كأبي بكر، وعمر، ومنهم دون ذلك فهو في رتبة المتقين.
١٧٣ - (فزادهم إيمانا..) هذا يشبه قلب النكتة، وهو الاحتجاج بدليل الخصم على نقيض دعواهم وذكر ابن عطية الخلاف فِي زيادة الإِيمان. والتحقيق أن القدر المجزئ منه لا يزيد، ولا ينقص، والإِيمان
فالجواب: أن إمام الحرمين قال: الإِيمان عَرَضٌ لا يبقى زمنين فيخلف بعضه بعضًا. فعلى هذا لا تجتمع الأمثال بوجه، والآية تدل على أن الزيادة في نفس الإِيمان لا باعتبار الأعمال؛ لأنهم حين قيل لهم: هذا.
كانوا جلوسًا غير منتصبين للقتال فزادهم ذلك قوة في الاعتقاد القلبي ثم بعد ذلك تحركوا: للخروج والمبارزة.
وحكى ابن عطية: أنهم تحرجوا من الخروج. والذي في السير أنهم اختلفوا: فمنهم من عزم على الخروج، وهان عليه. ومنهم من شق عليه.
١٧٦ - (في الكفر..). عزاه ب (في) دون " إلى "؛ لأنه أبلغ في دخولهم في الكفر.
- (ولهم عذاب عظيم) تأسيس؛ لأن نفي حظ الآخرة لا يلزم منه تعذيبهم.
١٧٨ - (ولهم عذاب مهين). مناسب للاملاء؛ لأنه باعتبار ظاهر الأمر إكرام لهم؛ فناسب لفظ المهانة، والذلة.
١٧٩ - (يميز الخبيث من الطيب). قيل: القاعدة أن القليل هو الذي يميز من الكثيرة فتقتضي هذه الآية أن الخبيث أقل. فما الجمع بينها، وبين قوله تعالى: (ولو أعجبك كثرة الخبيث)؟.
وجوابه: أن ذلك شرطية لا تدل على الحصول. قيل: ويدل على مذهب أبي حنيفة في أن الأصل في الناس العدالة؛ لأن العميدي قال:
وأجيب: بأن الخطاب بالآية للصحابة وكلهم عدول. والأصل إذ ذاك في الناس العدالة، ويتقرر مفهوم الغاية بأنه يحصل معرفة المؤمن من الكافر، ولا يزالون مختلطين بالمعاشرة، والسكنى، وغير ذلك.
- (أجر عظيم). يدل على أن وصف التقوى أخص من وصف الإِيمان.
١٨٠ - (يبخلون..). قال: قيل (ولا يحسبن الذين كفروا..)، بلفظ الماضي مع أن المحكوم عليه واحد!.
وجوابه: أن الكفر متعلقه شيء واحد، وهو ما أتى به الرسول
١٨١ - (سنكتب..). عبر عنه بالمستقبل، وعن السمع بالماضي؛ لأن المراد بالكَتْب الجزاء، وهو مستقبل، وأكدوا نسبة الفقر إلى اللَّه دون نسبة الغنى إليهم كان ذلك عندهم أمر جليّ بين. وهذا من خبثهم.
- (وقتلهم الأنبياء). إما على حذف مضاف أي: قتل أنبيائهم، أو نُسِب إليهم مجازا، فتعارض المجاز، والاضمار.
١٨٢ - (.. بما قدمت أيديكم..). يتناول القول، والفعل، أو الفعل ويدل على القول من باب أحرى، لأن الفعل أقل من القول فإذا عوقبوا على الأقل فأحرى " على " الأكثر. والقول أشد من الفعل بدليل الكفر.
١٨٣ - (الذين قالوا إن اللَّه عهد إلينا.). الآية فيها إشكال وهو أن اليهود ينكرون النسخ حسبما تقرَّر في أصول الفقه، وهذا القول منهم
فإن أجيب: بأن المراد رسول تكون شريعته موافقة لشريعتهم. " ردّ بأن هذه مقاولة بينهم، وبين النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم، وقد أتاهم بشريعة ناسخة، لشريعتهم ". وكذلك عيسى قبله.
١٨٥ - (كُلُّ نَفْسٍ..). إن قلنا: إن ذاتة تعالى لا يطلق عليها
نفس فهو باق على عمومه. وإن قلنا: يطلق عليها نفس ة لظاهر قوله: (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ..) فيكون مخصوصًا.
وجعله الفخر: متناولًا للجَمَادات. بناء منه على أن المراد بالنفس: الذات. وأنه من باب السلب لا العدم والمَلَكة.
قال ابن التلمساني: الأديان ثم النفوس " ثم الأنساب " ثم الأعراض ثم العقول ثم الأموال. وظاهر الآية مخالف لذلك فيما بين قوله: (وأنفسكم) مع قوله: (ولتسمعُنَّ) الآية، فظاهره أن حفظ الأعراض آكد من حفظ النفوس، ولمس كذلك؛ لأن الأعراض إنما فيها حد القذف، والنفوس فيها القصاص في الدنيا، والعذاب في الآخرة حتى قال ابن عباس، وغيره: إنه مخلد في النار ولا تنفعه التوبة.
فإن قلت: (ولتسمعُنَّ) مستقبل، وما ذكروه في سبب نزول الآية يقتضي أنه ماض!. قيل: هو ماضٍ، ويتزايد في المستقبل.
- (وإن تصبروا..). عبر بـ " إن " دون " إذا " مع أن الصبر مطلوب مراد وقوعه إشارة لإِمكان المراد المتعسر منه المشكوك في وقوعه، فيدل على طلب المتيسر منه من باب أحرى.
وجواب الشرط محذوف أي: تؤجروا أجرًا عظيماً، فإن ذلك من عزم الأمور، فالمذكور دليل الجواب، وعلته. والأمور جمع أمر بمعنى الشأن، وجمعه باعتبار اختلاف أنواعه.
١٨٧ - (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ..). إن قلت: المناسب باعتبار الفَهْم العكس في الترتيب، لأن عدم كتمانه إنما يفيد إلْقاءه فقط مبينًا، أو غير مبين، والأمر بتبيانه يفيد الأمر بالإلقاء المفهوم من قوله (ولا تكتمونه)، وزيادة فلو عكس لكان العاطف تأسيسًا، وهو أن يلقى أولًا غير مُبيَّن ثم يُبين في ثاني حال.
فالجواب: أنه رُوعي فيه ما تقرّر من أن نفي الأعم يستلزم نفي الأخص، وثبوت الأخص يستلزم الأعم؛ لأن البيان، وعدم البيان إما بكتم الكتاب عنهم من أصل. وإمّا بإلقائه لهم مبهمًا غير مُبينَّ، فلما أمر بالبيان توهم أنهم ما بينوا للأمة إلّا ما سمعوه منهم. وأمّا ما لم يبلغ الناس فلا يلزمهم تبيانه لهم. فقيل: ولا تكتموا عنهم ما بلغكم منهم، ولم يشعروا هم به؛ لئلا يقال: أنهم ما يجب عليهم أن يُبلغوا للناس إلّا آيات التكليف،
وأجيب أيضا: بأن المراد: ليبيننه لعوام الناس، ولا يكتمونه عن
خواصهم أي: ألقوه مبيَّنًا، وغير مبيّن بحسب الحاضرين، أو أمروا ببيان ما نُزِّل منه، أو ألقوه؛ لأنهم كانوا يلقونه لهم غير مُبيَّن، وأن لا يكتموا عنهم ما يُنزَل منه فى المستقبل.
- (فنبذوه وراء ظهورهم..) كان الفقيه " أبو العباس أحمد بن علوان يقول: وراء الظهر هو الوجه فهم طرحوه أمامهم.
١٨٨ - ابن عطية: قرأ حمزة (لا تحسِبَن) بالتاء، وكسر السين، وفتح الباء " انتهى. الذي ذكر عنه القراء: فتح السن، وتنكير (مفازة)؛ للتقليل، ويدل على نفي الكثير من باب أحرى.
١٨٩ - (ولله ملك السماوات والأرض) قيل: يؤخذ منه أن الحوز دليل الملك، وانظر في أواخر سورة البقرة.
- (واللَّه على كل شيء قدير). حكى ابن عطية عن الباقلاني: أنه عام مخصوص بالمستحيل. فظاهره أن المستحيل يطلق عليه شيء. وأكثر
أحدهما: هل يطلق على المعدوم شيء؟. مذهبنا المنع، ومذهب المعتزلة: أنه شيء، ولا نبني عليه كفر، ولا إيمان.
الثانية: هل المعدوم تقرر في الأزل أم لا؟. فنحن ننفيه، وهم يثبتونه، ويلزمهم قدم العالم. فعلى الثاني ليس المحال بشيء باتفاق، وعلى الأول هو شيء.
وقال سراج الدين في " الحاصل "، والسِّراج في " اختصار المحصول ": اتفق أهل السنة، والمعتزلة على أن المعدوم المستحيل لا يطلق عليه شيء، وإنما الخلاف في المعدوم الممكن. وحكى الشيرازي " شارح ابن الحاجب ": الإِجماع على أنه لا يطلق على المستحيل شيء. وحكى
فظاهره صحة إطلاق لفظ (شيء) عليه.
وقال الشيرازي " شارحه " في حدّ القياس: وهو حمل معلوم على معلوم. وإنما لم يقل: حمل شيء ليدخل المعدوم، والممكن عندنا، والمستحيل عندنا، وعند المعتزلة، فظاهره الاتفاق على أنه ليس بشيء. وكذا قال ابن التلمسانى في " شرح المعالم الدينية "، وظاهر كلامه في " شرح المعالم الفقهية " في حدّ القياس أن المعدوم ليس بشيء، فإنه قال: حمل معلوم على معلوم، وإنما لم يقل: حمل شيء ليدخل المعدوم " انتهى.
وأما الحال عند أهل أصول الدين فهي باعتبار ذاتها " ليست بشيء "؛ لأنها لا موجودة، ولا معدومة، وباعتبار ما هي تابعة له فهي شيء.
وأجاب الآخرون: بأنه لو كان نفسه، للزم عليه إضافة الشيء إلى نفسه في هذه الآية، وأمثالها. والتحقيق: أنه في الشرع يطلق ويراد به نفس المخلوق كقوله تعالى: (ثم أنشأناه خلقًا آخر..)، ويطلق على الإِنشاء، والاختراع والتكوين، كهذه الآية، والتأكيد بـ (إن)، للتنبيه، لغفلة الناس عن ذلك غالبًا، وذكر هنا (الليل والنهار)، وفي سورة نوح ذكر لازمهما (الشمس والقمر) اكتفاء.
- (لآيات..). أي: في كل واحدة آيات، قال ابن عطية: المراد: العقل
١٩١ - (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا..). قال شيخنا رحمه الله: كان بعضهم يستشكل فَهْم هذه الآية على مذهب أهل السنة في نفي العلة، والغرض، والتحسين، والتقبيح، وسألني عن ذلك؟.
فقلت له: معنى الآية ما خلقت هذا مخالفًا لِمَا أَنْبأَتنا به الرُسُل عنك من الحشر، والنشر، والإعادة، والثواب، والعقاب، بل هو موافق لذلك ودليل عليه لا أنه لأجله وعلة فيه، ومثله (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق..).
والارتباط عندنا في ذلك عادي شرعي، وأفعال الله تعالى غير معللة، ولابن سلامه هنا كلام ضعيف، وما قلناه أصوب.
١٩٢ - (رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ..). هذا الدعاء تلطف من وجهين: تكرار
وأجيب: باحتمال كونه تعليلًا لقوله: (فقنا عذاب النار). وذكر أبو حيان في إعراب (من) ثلاثة أوجه. ويحتمل وجهًا رابعًا، وهو أنه مبتدأ، و (تدخل) وحده خبرها على الوجه الضعيف الذي ذكر في قوله: " كله لم أصنع " بالرفع، وفي قوله: فثوب لَبسْتُ وثوب أجر ". واستدل بها الزمخشري على نفي الشفاعة، لأن الخزي يقتضي عدم خروجهم منها.
ويردّ بصحة صدق الخزي على كل من دخلها على أن الوقف على (النبي) في قوله تعالى: (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ..).
- والمراد ب (الظالمين): الكفار، أو ما لهم أنصار ابتداءً، قبل دخولهم النار، وبعد ذلك تنفع الشفاعة فيمن هو مؤمن، أو نقول: نفي الأنصار لا ينافي ثبوت الشفاعة، لافتقار شفاعتهم إلى القبول.
قال الزمخشري: والذنوب الكبائر، والسيئات الصغائر. والصواب العكس لأجل الترتيب لئلا يكون تكرار لغير فائدة؛ لأن مغفرة الكبائر يستلزم مغفرة الصغائر من باب أحرى ألَا ترى أن الصغائر مغفورة باجتناب الكبائر، ويؤيد هذا قوله بعد: (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ).
فالمراد: بالسيئات الكبائر، والمغفرة: الستر. فلا يلزم منها المحو، فلذلك قال: (وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا)؛ ليفيد محو الذنوب من أصل، وكذلك
والداعي بالمغفرة فقط يقصد بها الستر في الدنيا، والآخرة وإن قرنها بالتكفير فيزيد الستر في الدنيا، والمحو في الآخرة.
- (فقنا عذاب النار..). ترقٍ؛ لأنه دفع مؤلم، وهو آكد من جلب الملائم.
١٩٤ - (ربنا وآتنا ما وعدتنا..) أي ما وعدتنا به لا الميعاد بالإطلاق.
قيل لشيخنا: قد قالوا: إن الإِيمان لا يوزن نص عليه أبو طالب، وصاحب " موازنة الأعمال "، وغيرهما، قالوا: ؛ لأنه لو وزن الإِيمان لرجح بجميع السيئات، وذكروا في ذلك حديثًا.
فردّ شيخنا: بأن الإِيمان يوزن، ولا يلزم أن يرجح بالسيئات.
والمسألة علمية فلا يحتجُّ فيها بخبر الآحاد كما قال شيخ المَازَري في
القيامة "، مع أنه حديث صحيح أخرجه البخاري، ومسلم، فكيف
- (من ذكر أو أنثى..). احترس بأن لا يتوهم تفضيل أحد صنفي الذكور، والإِناث على الآخر.
- (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ..). يدل على أن المراد بالسيئات الكبائر كما سبق لا الصغائر كما قال الزمخشري؛ لأنها مغفورة باجتناب الكبائر، وغفران الكبائر إما بالتوبة، أو بالموازنة مع هذه الأفعال فترجح بها.
وقال الأصوليون: فائدة الترتيب في الكليات الخمس التي أَوَّلها، وآكدها حفظ الأديان إذا ظهر الفسوق، وتُعدى الحدود من الخلفاء، فإن الإِنسان يهاجر من البلد الذي فِسْقُهم فيها بأشدها إلى الذي فِسْقُهم فيها بأخفها، والعطف فيما بين الأول، والثاني تدلي، وفيما بعده ترقى.
١٩٦ - (لَا يَغُرَّنَّكَ..). حاصل ما ذكره الزمخشري هنا أن الأمر الملائم إن اعْتُبر من حيث ذاته مع قطع النظر عن عاقبته ومآله فهو غرور، وإن رُوعي " مآله " فليس بغرور.
الزمخشري: قِلَّته بالنسبة إلى الثواب الأخروي "، انتهى. هو بالنسبة إليه عدم فيكون كقول سيبويه: " قلَّ رجل فعل ذلك، وأنشده: مررت بأرض قل ما تنبت البقلا.
ابن العربي في " سراج المريدين " في الاسم الحادي، والثلاثين وهو الزاهد.
١٩٨ - (لكن الذين..) كان الصعلوكي، الفقيه الحنفي من
- (اتقوا ربهم لهم..). عبر بلفظ: " الرب " دون لفظ: " اللَّه "؛ لأنهم إذا اتقوه مع استشعار الحَنَان، والشفقة فاحرى مع استحضار مقام الجلال.
- (خالدين). أعربه مكيِّ: حالًا من ضمير (لهم) بناء على أنه خبر، و (وجنات) مبتدأ.
- (عند اللَّه خير..). الفخر: احتج أهل السنة بهذه الآية، على إثبات الرؤية. لأنه ليس ثَمَّ ما هو خير من الجنة إلَّا النظر إلى وجه اللَّه عزّ وجل.
١٩٩ - (لَمَن يؤمن باللَّه..). عبر بالمضارع مع أنهم كانوا آمنوا، إما للتصوير على أن المراد بالآية النجاشيِّ، وإما للتجدد على أن المراد: غيره؛ لأن النجاشي قد مات.
فإن قلت: المُنَزَلُ إليهم متقدم في النزول على المنزل إلينا فهلا قدم في اللفظ!.
فالجواب: أنه قدم ما هو مستبعد الوقوع فكان تصوير الإِخبار بأن إيمانهم به أهم، وهذا كما قالوا في قوله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ..)، فقدم تحرير الرقبة؛ لأنها
- (لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا..). تعريض بأحبار اليهود فإنهم كانوا يقبلون الرَّشاء.
- (قليلاً..). لا مفهوم له؛ لأنه لايقع إلا قليلاً لفنائه.
- (وسريع الحساب). الأظهر أن المراد قرب وقته. وقيل: قصر مدته. وإذا كان المخلوق يقول: (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك..)
، ثم وفَّى به، وقدر عليه فما بالك بالخالق؟!.
٢٠٠ - (وصابروا..) أي: صابروا بعضكم بعضًا؛ ليكون كل واحد منكم أصبر من صاحبه، أو من جميع أصحابه.
الزمخشري: أي: صابروا أعداء الله في الجهاد أي: غالبوهم في الصبر على شدائد الحروب، ولا تكونوا أقل صبرًا منهم. وزاد ابن عطية صابروا أنفسكم أي: عاقبوها فأَكْرِهُوها على الصبر.
قال شيخنا: وهو الصحيح أَلَا ترى أن مالكًا قال في " المدونة ": لا بأس أن يخرج الرجل بأهله إلى مثل السواحل لا إلى دار الحرب في الغزو إلّا أن يكون في عسكر عظيم لا يخاف عليهم. وكان السلطان أبو الحسن المُريني إذا خرج للجهاد يبحث على من عنده زوجة حرَّة فيأمره بإخراجها معه، وإذا كان الإِنسان " يؤجر على اللقمة يجعلها في فيّ امرأته "، كما في الحديث الصحيح فأحرى أن يؤجر على مجاهدته عن امرأته. وكذا الرباط فإنه يكون حرص الإِنسان حينئذ على السلامة أشد؛ لأنه يناضل عن نفسه، وعن حريمه، وعن المسلمين. ولمَّا عَرَّف عياض في " المدارك " بسعيد بن
- (واتقوا الله..). حجة للمتأخرين في أن المتقي أخص من المؤمن؛ لأن المقصود أخص وصف التقوى.
* * *
سورة آل عمران
اتصَلتْ سورةُ (آلِ عِمْرانَ) من حيث الفضلُ بسورةِ (البقرة)؛ فقد وصَفهما الرسولُ ﷺ بـ (الزَّهْراوَينِ)؛ لِما احتوتا عليه من نورٍ وهداية.
وجاءت هذه السُّورةُ ببيانِ هداية هذا الكتابِ للناس، متضمِّنةً الحوارَ مع أهل الكتاب، مُحاجِجَةً إياهم في صِدْقِ هذا الدِّين وعلوِّه على غيره، مبرهنةً لصِدْقِ النبي ﷺ بهذه الرسالة، وهَيْمنةِ هذا الدِّينِ على غيره، ونَسْخِه للأديان الأخرى؛ فمَن ابتغى غيرَ الإسلام فأمرُه ردٌّ غيرُ مقبولٍ، كما أشارت إلى غزوةِ (أُحُدٍ)، وأمرِ المسلمين بالثَّبات على هذا الدِّين.
ترتيبها المصحفي
3نوعها
مدنيةألفاظها
3501ترتيب نزولها
89العد المدني الأول
200العد المدني الأخير
200العد البصري
200العد الكوفي
200العد الشامي
200* قوله تعالى: {إِنَّ اْلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اْللَّهِ وَأَيْمَٰنِهِمْ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمْ فِي اْلْأٓخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اْللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٞ} [آل عمران: 77]:
ورَد عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ - رضي الله عنه -، عن النبيِّ ﷺ، قال: «مَن حلَفَ على يمينٍ يقتطِعُ بها مالَ امرئٍ مسلمٍ، وهو فيها فاجرٌ: لَقِيَ اللهَ وهو عليه غضبانُ»، ثم أنزَلَ اللهُ تصديقَ ذلك: {إِنَّ اْلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اْللَّهِ وَأَيْمَٰنِهِمْ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمْ فِي اْلْأٓخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اْللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٞ} [آل عمران: 77]، ثم إنَّ الأشعَثَ بنَ قيسٍ خرَجَ إلينا، فقال: ما يُحدِّثُكم أبو عبدِ الرَّحمنِ؟ قال: فحدَّثْناه، قال: فقال: صدَقَ؛ لَفِيَّ نزَلتْ، كانت بيني وبين رجُلٍ خصومةٌ في بئرٍ، فاختصَمْنا إلى رسولِ اللهِ ﷺ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «شاهِدَاكَ أو يمينُهُ»، قلتُ: إنَّه إذًا يَحلِفُ ولا يُبالي، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «مَن حلَفَ على يمينٍ يستحِقُّ بها مالًا، وهو فيها فاجرٌ: لَقِيَ اللهَ وهو عليه غضبانُ»، ثم أنزَلَ اللهُ تصديقَ ذلك، ثم اقترَأَ هذه الآيةَ: {إِنَّ اْلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اْللَّهِ وَأَيْمَٰنِهِمْ ثَمَنٗا قَلِيلًا} إلى قوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٞ} [آل عمران: 77]. أخرجه البخاري (٢٣٥٦).
* قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اْللَّهُ قَوْمٗا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَٰنِهِمْ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ اْلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ اْلْبَيِّنَٰتُۚ وَاْللَّهُ لَا يَهْدِي اْلْقَوْمَ اْلظَّٰلِمِينَ ٨٦ أُوْلَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اْللَّهِ وَاْلْمَلَٰٓئِكَةِ وَاْلنَّاسِ أَجْمَعِينَ ٨٧ خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ اْلْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ٨٨ إِلَّا اْلَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اْللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 86-89]:
صحَّ عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما -، قال: «كان رجُلٌ مِن الأنصارِ أسلَمَ، ثم ارتَدَّ ولَحِقَ بالشِّرْكِ، ثم نَدِمَ، فأرسَلَ إلى قومِه: سَلُوا رسولَ اللهِ ﷺ: هل لي مِن توبةٍ؟ فجاء قومُهُ إلى رسولِ اللهِ ﷺ، فقالوا: إنَّ فلانًا قد نَدِمَ، وإنَّه قد أمَرَنا أن نسألَك: هل له مِن توبةٍ؟ فنزَلتْ: {كَيْفَ يَهْدِي اْللَّهُ قَوْمٗا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَٰنِهِمْ} [آل عمران: 86] إلى {غَفُورٞ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 89]، فأرسَلَ إليه قومُهُ، فأسلَمَ». أخرجه النسائي (٤٠٧٩).
* قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ءَايَٰتُ اْللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُۥۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاْللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسْتَقِيمٖ ١٠١ يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْتَّقُواْ اْللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ١٠٢ وَاْعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اْللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَاْذْكُرُواْ نِعْمَتَ اْللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنٗا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٖ مِّنَ اْلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَاۗ} [آل عمران: 101-103]:
عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما -، قال: «كان الأَوْسُ والخَزْرجُ يَتحدَّثون، فغَضِبوا، حتى كان بينهم حربٌ، فأخَذوا السِّلاحَ بعضُهم إلى بعضٍ؛ فنزَلتْ: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ءَايَٰتُ اْللَّهِ} [آل عمران: 101] إلى قوله تعالى: {فَأَنقَذَكُم مِّنْهَاۗ} [آل عمران: 103]. "المعجم الكبير" للطبراني (١٢٦٦٦).
* قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ اْلْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَٰلِمُونَ} [آل عمران: 128]:
صحَّ عن أبي هُرَيرةَ - رضي الله عنه - أنَّه قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يقولُ حين يفرُغُ مِن صلاةِ الفجرِ مِن القراءةِ ويُكبِّرُ ويَرفَعُ رأسَه: «سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ربَّنا ولك الحمدُ»، ثم يقولُ وهو قائمٌ: «اللهمَّ أنْجِ الوليدَ بنَ الوليدِ، وسلَمةَ بنَ هشامٍ، وعيَّاشَ بنَ أبي ربيعةَ، والمستضعَفِينَ مِن المؤمنين، اللهمَّ اشدُدْ وَطْأتَك على مُضَرَ، واجعَلْها عليهم كَسِنِي يوسُفَ، اللهمَّ العَنْ لِحْيانَ، ورِعْلًا، وذَكْوانَ، وعُصَيَّةَ؛ عصَتِ اللهَ ورسولَه»، ثم بلَغَنا أنَّه ترَكَ ذلك لمَّا أُنزِلَ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإنَّهُمْ ظالِمُونَ}». أخرجه مسلم (675).
وعن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أنَّه سَمِعَ رسولَ اللهِ ﷺ إذا رفَعَ رأسَه مِن الرُّكوعِ مِن الركعةِ الآخِرةِ مِن الفجرِ يقولُ: «اللهمَّ العَنْ فلانًا وفلانًا وفلانًا» بعدما يقولُ: «سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ربَّنا ولك الحمدُ»؛ فأنزَلَ اللهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ اْلْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَٰلِمُونَ} [آل عمران: 128]. أخرجه البخاري (٤٠٦٩).
* قوله تعالى: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنۢ بَعْدِ اْلْغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغْشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمْۖ وَطَآئِفَةٞ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ} [آل عمران: 154]:
عن أنسِ بن مالكٍ - رضي الله عنه -، أنَّ أبا طَلْحةَ قال: «غَشِيَنا النُّعَاسُ ونحن في مَصافِّنا يومَ أُحُدٍ، قال: فجعَلَ سيفي يسقُطُ مِن يدي وآخُذُه، ويسقُطُ وآخُذُه؛ وذلك قولُه عز وجل: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنۢ بَعْدِ اْلْغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغْشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمْۖ وَطَآئِفَةٞ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ} [آل عمران: 154]، والطائفةُ الأخرى: المنافقون، ليس لهم إلا أنفسُهم؛ أجبَنُ قومٍ وأرعَبُهُ، وأخذَلُهُ للحقِّ». أخرجه البخاري (٤٠٦٨).
* قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٖ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161]:
صحَّ عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما - أنَّه قال: «نزَلتْ هذه الآيةُ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ} في قَطيفةٍ حَمْراءَ فُقِدتْ يومَ بدرٍ، فقال بعضُ الناسِ: لعلَّ رسولَ اللهِ - ﷺ - أخَذَها؛ فأنزَلَ اللهُ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٖ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161]». أخرجه أبو داود (٣٩٧١).
* قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اْلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ أَمْوَٰتَۢاۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]:
عن مسروقٍ، قال: سأَلْنا عبدَ اللهِ - هو ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه - عن هذه الآيةِ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اْلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ أَمْوَٰتَۢاۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، قال: «أمَا إنَّا قد سأَلْنا عن ذلك، فقال: أرواحُهم في جوفِ طيرٍ خُضْرٍ، لها قناديلُ معلَّقةٌ بالعرشِ، تَسرَحُ مِن الجَنَّةِ حيث شاءت، ثم تَأوي إلى تلك القناديلِ، فاطَّلَعَ إليهم ربُّهم اطِّلاعةً، فقال: هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: أيَّ شيءٍ نشتهي ونحن نَسرَحُ في الجَنَّةِ حيث شِئْنا؟! ففعَلَ ذلك بهم ثلاثَ مرَّاتٍ، فلمَّا رأَوْا أنَّهم لن يُترَكوا مِن أن يَسألوا، قالوا: يا ربُّ، نريدُ أن ترُدَّ أرواحَنا في أجسادِنا؛ حتى نُقتَلَ في سبيلِك مرَّةً أخرى، فلمَّا رأى أنْ ليس لهم حاجةٌ، تُرِكوا». أخرجه مسلم (١٨٨٧).
سُمِّيتْ (آلُ عِمْرانَ) بهذا الاسم لذِكْرِ (آلِ عِمْرانَ) فيها، وثبَت لها اسمٌ آخَرُ؛ وهو (الزَّهْراءُ):
لِما جاء في حديث أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ يقولُ: «اقرَؤُوا الزَّهْراوَينِ: البقرةَ، وسورةَ آلِ عِمْرانَ». أخرجه مسلم (804).
يقول ابنُ منظورٍ: «والزَّهْراوانِ: أي: المُنِيرتانِ المُضِيئتانِ، واحدتها: زَهْراءُ». لسان العرب (4 /332).
وقد عدَّ بعضُ العلماء أنَّ ذِكْرَ (الزَّهْراوانِ) في هذا الحديثِ هو من بابِ الوصف، لا التسمية. انظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (3 /143)، "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (1 /20).
* تُحاجُّ عن صاحبِها:
صحَّ عن أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «اقرَؤُوا القرآنَ؛ فإنَّه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابِه؛ اقرَؤُوا الزَّهْراوَينِ: البقرةَ، وسورةَ آلِ عِمْرانَ؛ فإنَّهما تأتيانِ يومَ القيامةِ كأنَّهما غَمَامتانِ، أو كأنَّهما غَيَايتانِ، أو كأنَّهما فِرْقانِ مِن طيرٍ صوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصحابِهما، اقرَؤُوا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أَخْذَها برَكةٌ، وتَرْكَها حَسْرةٌ، ولا تستطيعُها البَطَلةُ». أخرجه مسلم (804).
* كان يعظُمُ بين الصحابةِ قارئُ سورةِ (آلِ عِمْرانَ):
فعن أنسٍ رضي الله عنه، قال: «كان الرَّجُلُ إذا قرَأ البقرةَ وآلَ عِمْرانَ، جَدَّ فينا - يعني: عظُمَ -»، وفي روايةٍ: «يُعَدُّ فينا عظيمًا»، وفي أخرى: «عُدَّ فينا ذا شأنٍ». أخرجه أحمد (12236).
* ورَدتْ قراءتُه ﷺ لسورة (آل عِمْران) في قيام الليل:
فعن حُذَيفةَ بن اليمانِ رضي الله عنهما، قال: «صلَّيْتُ مع رسولِ اللهِ ﷺ ذاتَ ليلةٍ، فاستفتَحَ بسورةِ البقرةِ، فقرَأَ بمائةِ آيةٍ لم يَركَعْ، فمضى، قلتُ: يَختِمُها في الرَّكعتَينِ، فمضى، قلتُ: يَختِمُها ثم يَركَعُ، فمضى حتى قرَأَ سورةَ النِّساءِ، ثم قرَأَ سورةَ آلِ عِمْرانَ، ثم ركَعَ نحوًا مِن قيامِهِ، يقولُ في ركوعِهِ: سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، ثم رفَعَ رأسَهُ، فقال: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ربَّنا لك الحمدُ، وأطال القيامَ، ثم سجَدَ، فأطال السُّجودَ، يقولُ في سجودِهِ: سبحانَ ربِّيَ الأعلى، سبحانَ ربِّيَ الأعلى، سبحانَ ربِّيَ الأعلى، لا يمُرُّ بآيةِ تخويفٍ أو تعظيمٍ للهِ عز وجل إلا ذكَرَهُ». أخرجه النسائي (١١٣٢).
* كان النبيُّ ﷺ يَقرأُ خواتمَها منتصَفَ الليلِ عندما يستيقظُ مِن نومِه:
فممَّا صحَّ عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: أنَّه باتَ عند مَيْمونةَ زَوْجِ النبيِّ ﷺ - وهي خالتُهُ -، قال: «فاضطجَعْتُ في عَرْضِ الوِسادَةِ، واضطجَعَ رسولُ اللهِ ﷺ وأهلُهُ في طُولِها، فنامَ رسولُ اللهِ ﷺ حتى انتصَفَ الليلُ - أو قَبْله بقليلٍ، أو بعده بقليلٍ -، ثم استيقَظَ رسولُ اللهِ ﷺ، فجعَلَ يَمسَحُ النَّوْمَ عن وجهِهِ بيدَيهِ، ثم قرَأَ العَشْرَ الآياتِ الخواتِمَ مِن سُورةِ آلِ عِمْرانَ، ثم قامَ إلى شَنٍّ معلَّقةٍ، فتوضَّأَ منها، فأحسَنَ وُضُوءَهُ، ثم قامَ يُصلِّي، فصنَعْتُ مِثْلَ ما صنَعَ، ثُمَّ ذهَبْتُ فقُمْتُ إلى جَنْبِهِ، فوضَعَ رسولُ اللهِ ﷺ يَدَهُ اليُمْنى على رَأْسي، وأخَذَ بأُذُني بيدِهِ اليُمْنى يَفتِلُها، فصلَّى ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم أوتَرَ، ثم اضطجَعَ حتى جاءه المؤذِّنُ، فقامَ فصلَّى ركعتَينِ خفيفتَينِ، ثم خرَجَ فصلَّى الصُّبْحَ». أخرجه البخاري (٤٥٧١).
جاءت مواضيعُ سورةِ (آل عِمْرانَ) مُرتَّبةً على النحوِ الآتي:
مقدِّمات للحوار مع النَّصارى (١-٣٢).
إنزال الكتاب هدايةً للناس (١-٩).
تحذير الكافرين وحقيقةُ الدنيا (١٠-١٨).
انتقال الرسالة لأمَّة الإسلام (٢٩-٣٢).
اصطفاء الله تعالى لرُسلِه (٣٣-٤٤).
حقيقة عيسى عليه السلام (٤٥-٦٣).
الإسلام هو دِين الحقِّ، وهو دِينُ جميع الأنبياء (٦٤-٩٩).
إبراهيم عليه السلام كان حنيفًا مسلمًا (٦٤-٦٨).
مخاطبة فِرَق أهل الكتاب، وبيان حقائقهم (٦٩-٨٠).
وَحْدة الرسالات، والدِّين الحق هو الإسلام (٨١- ٩٢).
صلة المسلمين بإبراهيم، وافتراء أهل الكتاب (٩٣-٩٩).
بيان خَيْرية هذه الأمَّة، وتحذيرها من أعدائها (١٠٠-١٢٠).
التحذير من الوقوع في أخطاء السابقين (١٠٠-١٠٩).
خيرية هذه الأمَّة وفضلها (١١٠-١١٥).
تحذير الأمَّة من المنافقين (١١٦-١٢٠).
معركة (أُحُد) (١٢١-١٤٨).
مقدِّمات معركة (أُحُد) (١٢١-١٢٩).
أهمية الطاعة ومواعظُ (١٣٠-١٣٨).
تعزية المسلمين، والنهيُ عن الهوان (١٣٩-١٤٨).
دروس مستفادة من الهزيمة (١٤٩-١٨٩).
التحذير من طاعة الأعداء والتنازل (١٤٩-١٥٨).
أهمية الشورى وطاعة الرسول (١٥٩-١٦٤).
أسباب الهزيمة وفوائدها (١٦٥-١٧٩).
تحذير المنافقين والبخلاء (١٨٠-١٨٩).
أولو الألباب يستفيدون من الآيات الكونية (١٩٠-١٩٥).
الأمورُ بخواتيمها (١٩٦-٢٠٠).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (1 /426).
افتُتِحت السُّورةُ بمقصدٍ عظيمٍ؛ وهو التنويهُ بالقرآن، وبمحمَّدٍ ﷺ، وتقسيمُ آيات القرآن، ومراتبُ الأفهام في تَلقِّيها، والتنويهُ بفضيلة الإسلام، وأنه لا يَعدِله دِينٌ، وأنه لا يُقبَل دِينٌ عند الله بعد ظهور الإسلام غيرُ الإسلام.
ومِن مقاصدِها: مُحاجَّةُ أهلِ الكتابينِ في حقيقة الحنيفيَّة، وأنهم بُعَداءُ عنها، وما أخَذ اللهُ من العهد على الرُّسلِ كلِّهم: أن يؤمنوا بالرسول الخاتم.
واشتملت على أمرِ المسلمين بفضائلِ الأعمال: مِن بذلِ المال في مواساة الأمَّة، والإحسان، وفضائل الأعمال، وتركِ البخل، ومَذمَّةِ الربا.
وخُتِمت السُّورةُ بآياتِ التفكير في ملكوت الله.
ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (3 /145).