وهي مائتا آية، وهي مدنية في قول الجميع
ﰡ
أحدهما : بالعدل مما استحقه عليك من أثقال النبوة.
والثاني : بالعدل فيما اختصك به من شرف الرسالة.
وإن قيل بأنه الصدق ففيه وجهان :
أحدهما : بالصدق فيما تضمنه من أخبار القرون الخالية والأمم السالفة.
والثاني : بالصدق فيما تضمنه من الوعد بالثواب على طاعته، والوعيد بالعقاب على معصيته.
﴿ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ أي لما قبله من كتاب ورسول، وإنما قيل لما قبله ﴿ بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ لأنه ظاهر له كظهور ما بين يديه.
وفي قوله :﴿ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ قولان :
أحدهما : معناه مخبراً بما بين يديه إخبار صدق دل على إعجازه.
والثاني : معناه أنه يخبر بصدق الأنبياء فيما أتوا به على خلاف من يؤمن ببعض ويكفر ببعض.
أحدهما : بدلائله وحججه.
والثاني : بآيات القرآن، قال ابن عباس يريد وفد نجران حين قَدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحاجّته.
﴿ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ يعني عذاب جهنم.
﴿ وَاللهُ عَزِيزٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : في امتناعه.
والثاني : في قدرته.
﴿ ذُو انتِقَامٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ذو سطوة.
والثاني :١ذو اقتضاء.
﴿ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُّحْكَمَاتُ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾ اختلف المفسرون في تأويله على سبعة١ أقاويل :
أحدها : أن المحكم الناسخ، والمتشابه المنسوخ، قاله ابن عباس، وابن مسعود.
والثاني : أن المحكم ما أحكم الله بيان حلاله وحرامه فلم تشتبه معانيه، قاله مجاهد.
والثالث : أن المحكم ما لم يحتمل من التأويل إلا وجهاً واحداً، والمتشابه ما احتمل أوجهاً، قاله الشافعي ومحمد بن جعفر بن الزبير.
والرابع : أن المحكم الذي لم تتكرر ألفاظه، والمتشابه الذي تكررت ألفاظه، قاله ابن زيد.
والخامس٢ : أن المحكم الفرائض والوعد والوعيد، والمتشابه القصص والأمثال.
والسادس : أن المحكم ما عرف العلماء تأويله وفهموا معناه وتفسيره، والمتشابه ما لم يكن إلى علمه سبيل مما استأثر الله بعلمه، كقيام الساعة، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج عيسى ونحوه، وهذا قول جابر بن عبد الله.
والسابع٣ : أن المحكم ما قام بنفسه ولم يحتج إلى استدلال.
ويحتمل ثامناً : أن المحكم ما كانت معاني أحكامه معقولة، والمتشابه ما كانت معاني أحكامه غير معقولة، كأعداد الصلوات، واختصاص الصيام بشهر رمضان دون شعبان٤.
وإنما جعله محكماً ومتشابهاً استدعاء للنظر من غير اتكال على الخبر، وقد روى معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" القرآن على ثلاثة أجزاء : حلال فاتبعه، وحرام فاجتنبه، ومتشابه يشكل عليك فَكِلْه إلى عالمه " ٥.
وأما قوله تعالى :﴿ هُنَّ أُمُّ الْكِتَاِب ﴾. ففيه وجهان :
أحدهما : أصل الكتاب.
والثاني٦ : معلوم الكتاب.
وفيه تأويلان :
أحدهما : أنه أراد الآي التي فيها الفرائض والحدود، قاله يحيى بن يعمر.
والثاني : أنه أراد فواتح السُّوَر التي يستخرج منها القرآن، وهو قول أبي فاختة.
ويحتمل ثالثاً : أن يريد به أنه معقول المعاني لأنه يتفرع عنه ما شاركه في معناه، فيصير الأصل لفروعه كالأم لحدوثها عنه، فلذلك سماه أم الكتاب٧.
﴿ فَأََمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : ميل عن الحق.
والثاني : شك، قاله مجاهد.
﴿ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنه الأجل الذي أرادت اليهود أن تعرفه من الحروف المقطعة من حساب الجُمّل٨ في انقضاء مدة النبي صلى الله عليه وسلم.
والثاني : أنه معرفة عواقب القرآن في العلم بورود النسخ قبل وقته.
والثالث : أن ذلك نزل في وفد نجران لمَّا حاجّوا النبي صلى الله عليه وسلم في المسيح، فقالوا : أليس كلمة الله وروحه ؟ قال :" بلى " فقالوا : حسبنا، فأنزل الله تعالى :﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وابْتَغَآءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ وهو قول الربيع.
وفي قوله تعالى :﴿ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ ﴾ أربعة تأويلات :
أحدها : الشرك، قاله السدي.
والثاني : اللّبْس، قاله مجاهد.
الثالث : الشبهات التي حاجّ بها وفد نجران.
والرابع٩ : إفساد ذات البَيْن.
﴿ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ في التأويل وجهان :
أحدهما : أنه التفسير.
والثاني : أنه العاقبة المنتظرة١٠.
﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : تأويل جميع المتشابه، لأن فيه ما يعلمه الناس، وفيه ما لا يعلمه إلا الله، قاله الحسن.
والثاني : أن تأويله يوم القيامة لما فيه من الوعد والوعيد، كما قال الله تعالى :
﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَومَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ﴾
[ الأعراف : ٥٣ ] يعني يوم القيامة، قاله ابن عباس.
والثالث١١ : تأويله وقت حلوله، قاله بعض المتأخرين.
﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يعني الثابتين فيه، العاملين به.
والثاني١٢ : يعني المستنبطين للعلم والعاملين، وفيهم وجهان :
أحدهما : أنهم داخلون في الاستثناء، وتقديره : أن الذي يعلم تأويله الله والراسخون في العلم جميعاً.
روى ابن أبي نجيح عن ابن عباس أنه قال : أنا ممن يعلم تأويله.
الثاني : أنهم خارجون من الاستثناء، ويكون معنى الكلام : ما يعلم تأويله إلا الله وحده، ثم استأنف فقال :﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾.
﴿ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِندِ رَبِّنَا ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : علم ذلك عند ربنا.
والثاني : ما فصله من المحكم والمتشابه، فنزل من عند ربنا١٣.
٢ - هذا الوجه سقط من ق..
٣ - وهذا الوجه سقط أيضا من ق..
٤ - سقط من ق..
٥ - سقط من ق..
٦ - سقط من ق..
٧ - سقط أيضا من ق..
٨ - الجمل: في ك المجمل، وانظر أول سورة البقرة..
٩ - هذا الوجه سقط من ق..
١٠ - سقط أيضا من ق..
١١ - هذا القول سقط من ق..
١٢ - سقط من ق..
١٣ - سقط من ق.
.
أحدهما : أن الدأب : العادة، ( أي ) كعادة آل فرعون والذين من قبلهم.
والثاني : أن الدأب هنا الاجتهاد، مأخوذ من قولهم : دأبت في الأمر، إذا اجتهدت فيه.
فإذا قيل إنه العادة ففيما أشار إليه من عادتهم وجهان :
أحدهما : كعادتهم في التكذيب بالحق.
والثاني : كعادتهم من عقابهم على ذنوبهم.
وإذا قيل إنه الاجتهاد، احتمل ما أشار إليه من اجتهادهم وجهين :
أحدهما : كاجتهادهم في نصرة الكفر على الإِيمان.
والثاني : كاجتهادهم في الجحود والبهتان.
وفيمن أشار إليهم أنهم كدأب آل فرعون قولان :
أحدهما : أنهم مشركو قريش يوم بدر، كانوا في انتقام الله منهم لرسله والمؤمنين، كآل فرعون في انتقامه منهم لموسى وبني إسرائيل، فيكون هذا على القول الأول تذكيراً للرسول والمؤمنين بنعمة سبقت، لأن هذه الآية نزلت بعد بدر استدعاء لشكرهم عليها، وعلى القول الثاني وعداً بنعمة مستقبلة لأنها نزلت قبل قتل يهود بني قينقاع، فحقق وعده وجعله معجزاً لرسوله.
﴿ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ ﴾ يعني مشركي قريش.
﴿ يَرَونَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ﴾ وفي مثليهم قولان :
أحدهما : أنهم مثلان زائدان على العدد المُتَحَقِّق، فيصير العدد ثلاثة أمثال، قاله الفراء١.
والثاني : هو المزيد في الرؤية، قاله الزجاج.
اختلفوا في المخاطب٢ بهذه الرؤية على قولين :
أحدهما : أنها الفئة المؤمنة التي تقاتل في سبيل الله، بأن أراهم الله مشركي قريش يوم بدر مثلي عدد أنفسهم، لأن عدة المسلمين كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، وعدة المشركين في رواية عليٍّ وابن مسعود ألف، وفي رواية عروة، وقتادة، والربيع ما بين تسعمائة إلى ألف، فقلَّلهم الله في أعينهم تقوية لنفوسهم، قاله ابن مسعود، والحسن.
والثاني : أن الفئة التي أراها الله ذلك هي الفئة الكافرة، أراهم الله المسلمين مثلي عددهم مكثراً لهم، لتضعف به قلوبهم. والآية في الفئتين هي تقليل الكثير في أعين المسلمين، وتكثير القليل في أعين المشركين، وما تقدم من الوعد بالغلبة، فتحقق، قتلاً، وأسراً، وسبياً.
﴿ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ ﴾ يعني من أهل طاعته. وفي التأييد وجهان :
أحدهما : أنه المعونة.
والثاني : القوة.
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُولِي الأبْصَارِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن في نصرة الله لرسوله يوم بدر مع قلة أصحابه عبرة لذوي البصائر والعقول.
والثاني : أن فيما أبصره المشركون من كثرة المسلمين مع قلتهم عبرة لذوي الأعين والبصائر٣.
٢ - المخاطب: في ق: المخاطبة..
٣ - سقط من ق..
(غلامٌ رماه اللهُ بالحُسْن يافعاً | له سيمياء لا تَشُقُّ على البصر) |
أحدها : الصابرين عما نهوا عنه من المعاصي.
والثاني٢ : يعني في المصائب.
والثالث : الصائمين.
ويحتمل رابعاً٣ : الصابرين عما زُيِّن للناس من حب الشهوات.
﴿ وَالصَّادِقِينَ ﴾ فيه وجهان٤ :
أحدهما : في قولهم.
والثاني٥ في القول والفعل والنيَّة، والصدق في [ القول ] : الإخبار بالحق، والصدق في الفعل : إتمام العمل، والصدق في النية : إمضاء العزم.
﴿ وَالْقَانِتِينَ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : يعني المطيعين، قاله قتادة.
والثاني : معناه القائمون٦ على العبادة، قاله الزجاج.
﴿ والْمُنفِقِينَ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : في الجهاد.
والثاني : في جميع البِرِّ.
﴿ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بالأْسْحَارِ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني المصلين بالأسحار، قاله قتادة.
والثاني : أنهم المستغفرون قولاً بالأسحار٧ يسألون الله تعالى المغفرة، قاله ابن عمر، وابن مسعود وأنس بن مالك.
والثالث : أنهم يشهدون الصبح في جماعة، قاله زيد بن أسلم. والسحر من الليل هو قبيل الفجر.
٢ - هذا التأويل سقط من ق..
٣ - سقط من ق..
٤ - سقط من ق..
٥ - سقط أيضا من ق..
٦ - القائمون: في ق القائلون..
٧ - روى النسائي عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن الله عز وجل يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر مناديا فيقول هل من داع يستجاب له، هل من مستغفر يغفر له، هل من سائل يعطي"..
أحدهما : أن المتدين عند الله بالإِسلام من سلم من النواهي.
والثاني : أن الدين هنا الطاعة، فصار كأنه قال : إن الطاعة لله هي الإِسلام.
وفي أصل الإسلام قولان :
أحدهما : أن أصله مأخوذ من السلام وهو السلامة، لأنه يعود إلى السلامة.
والثاني : أن أصله التسليم لأمر الله في العمل بطاعته.
﴿ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ في أهل الكتاب الذين اختلفوا ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم أهل التوراة من اليهود، قاله الربيع.
والثاني : أنهم أهل الإِنجيل من النصارى، قاله محمد بن جعفر بن الزبير.
والثالث : أنهم أهل الكتب كلها، والمراد بالكتاب الجنس من غير تخصيص، وهو قول بعض المتأخرين.
وفيما اختلفوا فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : في أديانهم بعد العلم بصحتها.
والثاني : في عيسى وما قالوه فيه من غلو وإسراف.
والثالث : في دين الإِسلام.
وفي قوله تعالى :﴿ بَغْياً بَيْنَهُمْ ﴾ وجهان :
أحدهما : طلبهم الرياسة.
والثاني : عدولهم عن طريق الحق.
أحدهما : أي أسلمت نفسي، ومعنى أسلمت : انقدت لأمره في إخلاص التوحيد له.
والثاني : أن معنى أسلمت وجهي : أخلصت قصدي إلى الله في العبادة، مأخوذ من قول الرجل إذا قصد رجلاً فرآه في الطريق هذا وجهي إليك، أي قصدي١.
﴿ وَالأُمِّيِّينَ ﴾ هم الذين لا كتاب لهم، مأخوذ من الأمي الذي لا يكتب، قال ابن عباس : هم مشركو العرب.
﴿ ءَأَسْلَمْتُمْ ﴾ هو أمر بالإِسلام على صورة الاستفهام.
فإن قيل : في أمره تعالى عند حِجَاجِهمْ بأن يقول :﴿ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ ﴾ عدول عن جوابهم وتسليم لحِجَاجِهم، فعنه جوابان :
أحدهما : ليس يقتضي أمره بهذا القول النهي عن جوابهم والتسليم بحِجَاجِهم، وإنما أمره أن يخبرهم بما يقتضيه معتقده، ثم هو في الجواب لهم والاحْتِجَاج على ما يقتضيه السؤال.
والثاني : أنهم ما حاجُّوه طلباً للحق فيلزمه جوابهم، وإنما حاجُّوه إظهاراً للعناد، فجاز له الإِعراض عنهم بما أمره أن يقول لهم٢.
٢ - سقط من ق..
أحدها : أنها الأيام التي عبدوا فيها العجل وهي أربعون يوماً، قاله قتادة، والربيع.
والثاني : أنها سبعة أيام، وهذا قول الحسن.
والثالث : أنها متقطعة لانقضاء العذاب فيها، وهذا قول بعض المتأخرين.
﴿ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : هو قولهم نحن أبناء الله وأحباؤه، قاله قتادة.
والثاني : هو قولهم لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات، قاله مجاهد.
(ليس من مات فاستراح بميت | إنما المْيتُ ميّت الأحياء) |
(إنما الميْتُ من يعيش كئيباً | كاسفاً بالُه قليل الرجاء) |
أحدهما : معناه تدخل نقصان الليل في زيادة النهار، ونقصان النهار في زيادة الليل، وهو قول جمهور المفسرين.
والثاني : أن معناه تجعل الليل بدلاً من النهار، وتجعل النهار بدلاً من الليل، وهو قول بعض المتأخرين.
﴿ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ﴾ قرأ نافع وحمزة والكسائي : الميّت بالتشديد، وقرأ الباقون بالتخفيف.
واختلفوا في معناها بالتخفيف والتشديد، فذهب الكوفيون إلى أن الميْت بالتخفيف الذي قد مات، وبالتشديد الذي لم يمت بعد.
وحكى أبو العباس عن علماء البصريين بأسرهم أنهما سواء، وأنشد لابن الرعلاء١ القلابي :
ليس من مات فاستراح بميت | إنما المْيتُ ميّت الأحياء |
إنما الميْتُ من يعيش كئيباً٢ | كاسفاً بالُه قليل الرجاء |
أحدهما : أنه يخرج الحيوان الحي في النطفة الميتة، ويخرج النطفة الميتة من الحيوان الحي، وهذا قول ابن مسعود، ومجاهد، وقتادة، والسدي.
والثاني : أنه يخرج المؤمن من الكافر، ويخرج الكافر من المؤمن، وهذا قول الحسن.
وقال قتادة : وإنما سَمَّى الله يحيى بن زكريا بيحيى لأن الله عز وجل أحياه بالإيمان.
﴿ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل مضت.
٢ - كئيبا: في اللسان شقيا، وبعد هذا البيت:
فأناس يمصصون ثمادا وأناس حلوقهم في الماء.
أحدهما : أنه موسى وهارون ابنا عمران.
والثاني : أنه المسيح، لأن مريم بنت عمران، وهذا قول الحسن.
وفيما اصطفاهم به ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه اصطفاهم باختيار دينهم لهم، وهذا قول الفراء.
والثاني : أنه اصطفاهم بتفضيلهم في الأمور التي ميزهم بها على أهل زمانهم.
والثالث : أنه اصطفاهم باختيارهم للنبوة، وهذا قول الزجاج.
أحدهما : أنهم صاروا ذرية بالتناصر لا بالنسب، كما قال تعالى :
﴿ المُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم من بَعْضٍ ﴾
[ التوبة : ٦٧ ] يعني في الاجتماع على الضلال، وهذا قول الحسن، وقتادة.
والثاني : أنهم في التناسل والنسب، إذ جميعهم من ذرية آدم، ثم من ذرية نوح، ثم من ذرية إبراهيم، وهذا قول بعض المتأخرين.
ثم قال تعالى :﴿ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ ﴾ قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم بضم١ التاء، فيكون ذلك راجعاً إلى اعتذارها بأن الله أعلم بما وضعت، وقرأ الباقون بجزم التاء، فيكون ذلك جواباً من الله تعالى لها بأنه أعلم بما وضعت منها.
ثم قال تعالى :﴿ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى ﴾ لأن الأُنثى لا تصلح لما يصلح له الذكر من خدمة المسجد المقدس، لما يلحقها من الحيض، ولصيانة النساء عن التبرج، وإنما يختص الغلمان بذلك.
﴿ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : معناه : من طعن الشيطان الذي يستهل به المولود صارخاً، وقد روى ذلك أبو هريرة مرفوعاً.
والثاني : معناه من إغوائه لها، وهذا قول الحسن، ومعنى الرجيم المرجوم بالشهب.
أحدهما : أنه جبريل وحده، وهو قول السدي.
والثاني : جماعة من الملائكة.
﴿ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى١ ﴾ قيل إنما سمّاه يحيى لأن الله تعالى أحياه بالإيمان، وسماه بهذا الإسم قبل مولده.
﴿ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : بكتاب من الله، وهذا قول أبي عبيدة وأهل البصرة.
والثاني : يعني المسيح، وهذا قول ابن عباس، وقتادة، والربيع، والضحاك، والسدي.
واختلفوا في تسميته كلمة من الله على قولين :
أحدهما : أنه خلقه بكلمته من غير أب.
والثاني : أنه سُمِيَ بذلك لأن الناس يهتدون به في دينهم كما يهتدون بكلام الله عز وجل.
﴿ وَسَيِّداً ﴾ فيه خمسة أقاويل :
أحدها : أنه الخليفة، وهو قول قتادة.
والثاني : أنه التقي، وهو قول سالم.
والثالث : أنه الشريف، وهو قول ابن زيد.
والرابع : أنه الفقيه العالم، وهو قول سعيد بن المسيب.
والخامس : سيد المؤمنين، يعني بالرياسة عليهم، وهذا قول بعض المتكلمين.
﴿ وَحَصُوراً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه كان عِنَّيناً لا ماء له، وهذا قول ابن مسعود، وابن عباس، والضحاك.
والثاني : أنه كان لا يأتي النساء، وهو قول قتادة، والحسن.
والثالث : أنه لم يكن له ما يأتي به النساء، لأنه كان معه مثل الهْدبة٢، وهو قول سعيد بن المسيب.
٢ - في ق النواة، وروى أبو صالح عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه إلا يحيى بن زكريا فإنه كان سيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ثم أهوى النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى قذاة من الأرض فأخذها وقال: كان ذكره مثل هذه القذاة..
﴿ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ﴾ أي لا تلد.
فإن قيل : فَلِمَ راجع بهذا القول بعد أن بُشَّرَ بالولد، ففيه جوابان :
أحدهما : أنه راجع ليعلم على أي حال يكون منه الولد، بأن يُردّ هو وامرأته إلى حال الشباب، أم على حال الكبر، فقيل له : كذلك الله يفعل ما يشاء، أي على هذه الحال، وهذا قول الحسن.
والثاني : أنه قال ذلك استعظاماً لمقدور الله وتعجباً.
﴿ قَالَ : ءَايَتُكَ ألاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : تحريك الشفتين وهو قول مجاهد.
والثاني : الإشارة، وهو قول قتادة.
والثالث : الإيماء، وهو قول الحسن.
﴿ وَاذْكُرْ رَّبَّكَ كَثِيراً ﴾ لم يمنع من ذكر الله تعالى، وذلك هي الآية.
﴿ وَسَبِّحْ بِالْعَشِّيِ وَالإِبْكَارِ ﴾ والعشي : من حين زوال الشمس إلى أن تغيب، وأصل العشي الظلمة، ولذلك كان العشي ضعف البصر، فَسُمَّي ما بعد الزوال عِشاءً لاتصاله بالظلمة. وأما الإبكار فمن حين طلوع الفجر إلى وقت الضحى، وأصله التعجيل، لأنه تعجيل الضياء.
(فكلتاهما خَرّت وأسجّدّ رأسُها | كما سَجَدتْ نصرانةٌ لم تحنف) |
(.... أوحى لها القرار فاستقرّت)
﴿وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنهم تشاجروا عليها وتنازعوا فيها طلباً لكفالتها، فقال زكريا: أنا أحق بها لأن خالتها عندي، وقال القوم: نحن أحق بها لأنها بنت إمامنا وعالمنا، فاقترعوا عليها بإلقاء أقلامهم وهي القداح مستقبلة لجرية الماء، فاستقبلت عصا زكريا لجرية الماء مصعدة، وانحدرت أقلامهم فقرعهم زكريا، وهو معنى قوله تعالى: ﴿وَكَفَّلَهَا﴾ وهذا قول ابن عباس، وعكرمة، والحسن، والربيع. والقول الثاني: أنهم تدافعوا كفالتها لأن زكريا قد كان كفل بها من غير اقتراع، ثم لحقهم أزمة ضعف بها عن حمل مؤونتها، فقال للقوم: ليأخذها أحدكم فتدافعوا كفالتها وتمانعوا منها، فأقرع بينهم وبين نفسه فخرجت القرعة له، وهذا قول سعيد.
أحدها : يعني أخلصي لربك، وهو قول سعيد.
والثاني : معناه أديمي الطاعة لربك، وهو قول قتادة.
والثالث : أطيلي القيام في الصلاة، وهو قول مجاهد.
﴿ وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ وفي تقديم السجود على الركوع قولان :
أحدهما : أنه كان مقدماً في شريعتهم وإن كان مؤخراً عندنا.
والثاني : أن الواو لا توجب الترتيب، فاستوى حكم التقديم في اللفظ وتأخيره، وأصل السجود والانخفاض الشديد والخضوع، كما قال الشاعر :
فكلتاهما خَرّت وأسجد رأسُها | كما سَجَدتْ نصرانةٌ لم تحنف |
وفي قوله تعالى :﴿ وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ قولان :
أحدهما : معناه وافعلي كفعلهم.
والثاني : يعني مع الراكعين في صلاة الجماعة.
﴿ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ﴾ وأصل الوحي إلقاء المعنى إلى صاحبه، والوحي إلى الرسل الإلقاء بالإنزال، وإلى النحل بالإلهام، ومن بعض إلى بعض بالإشارة، كما قال تعالى :﴿ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيٍّا ﴾. قال العجاج :
…………………………. *** أوحى لها القرار فاستقرّت
﴿ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنهم تشاجروا عليها وتنازعوا فيها طلباً لكفالتها، فقال زكريا : أنا أحق بها لأن خالتها عندي، وقال القوم : نحن أحق بها لأنها بنت إمامنا وعالمنا، فاقترعوا عليها بإلقاء أقلامهم وهي القداح مستقبلة لجرية الماء، فاستقبلت عصا زكريا لجرية الماء مصعدة، وانحدرت أقلامهم١ فقرعهم زكريا، وهو معنى قوله تعالى :﴿ وَكَفلَهَا ﴾ وهذا قول ابن عباس، وعكرمة، والحسن، والربيع.
والقول الثاني : أنهم تدافعوا كفالتها لأن زكريا قد كان كفل بها من غير اقتراع، ثم لحقهم أزمة ضعف بها عن حمل مؤنتها، فقال للقوم : ليأخذها أحدكم فتدافعوا كفالتها وتمانعوا منها، فأقرع بينهم وبين نفسه فخرجت القرعة له، وهذا قول سعيد.
أحدهما : لتنزيه أمه مما قُذِفَتْ به.
والثاني : لظهور معجزته.
واختلفوا هل كان في وقت كلامه في المهد نبياً على قولين :
أحدهما : كان في ذلك الوقت نبياً لظهور المعجزة منه.
والثاني : أنه لم يكن في ذلك الوقت نبياً وإنما جعل الله ذلك تأسيساً لنبوتّه.
والمهد : مضجع الصبي، مأخوذ من التمهيد.
ثم قال تعالى :﴿ وَكَهْلاً ﴾ وفيه قولان :
أحدهما : أن المراد بالكهل الحليم، وهذا قول مجاهد.
والثاني : أنه أراد الكهل في السنّ.
واختلفوا في حده على قولين : أحدهما : بلوغ أربع وثلاثين سنة.
والثاني : أنه فوق حال الغلام ودون حال الشيخ، مأخوذ من القوة من قولهم اكتهل البيت إذ طال وقوي.
فإن قيل فما المعنى في الإخبار بكلامه كهلاً وذلك لا يستنكر ؟ ففيه قولان :
أحدهما : أنه يكلمهم كهلاً بالوحي الذي يأتيه من الله تعالى.
والثاني : أنه يتكلم صغيراً في المهد كلام الكهل في السنّ.
أحدها : يعني من أنصاري مع الله.
والثاني : معناه من أنصاري في السبيل١ إلى الله، وهذا قول الحسن.
والثالث : معناه من ينصرني إلى نصر الله.
وواحد الأنصار نصير.
﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ : نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ ﴾ اخْتُلِف في تسميتهم بالحواريين على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم سُمُّوا بذلك لبياض ثيابهم، وهذا قول سعيد بن جبير.
والثاني : أنهم كانوا قَصارين يبيضون الثياب، وهذا قول ابن أبي نجيح٢.
والثالث : أنهم خاصة الأنبياء، سموا بذلك لنقاء قلوبهم، وهذا قول قتادة، والضحاك. وأصل الحواري : الحور وهو شدة البياض، ومنه الحواري من الطعام لشدة بياضه، والحَوَر نقاء بياض العين.
واختلفوا في سبب استنصار المسيح بالحواريين على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه استنصر بهم طلباً للحماية من الكفار الذين أرادوا قتله حين أظهر دعوته، وهذا قول الحسن، ومجاهد.
والثاني : أنه استنصر بهم ليتمكن من إقامة الحجة وإظهار الحق.
والثالث : لتمييز المؤمن الموافق من الكافر المخالف.
٢ - ق: ابن جريج والصواب ما أثبتناه عن نسخة ك وهو كذلك في تفسير القرطبي..
أحدهما : يعني صِلْ ما بيننا وبينهم بالإخلاص على التقوى.
والثاني : أثْبِتْ أسماءنا مع أسمائهم لننال ما نالوا من الكرامة.
أحدهما : أنهم مكروا بالمسيح عليه السلام بالحيلة عليه في قتله، ومكر الله في ردهم بالخيبة لإلقاء شبه المسيح على غيره، وهو قول السدي.
والثاني : مكروا بإضمار الكفر، ومكر الله بمجازاتهم١ بالعقوبة، وإنما جاز قوله :﴿ وَمَكَرَ اللَّهُ ﴾ على مزاوجة الكلام٢ وإن خرج عن حكمه، نحو قوله :
﴿ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ﴾
[ البقرة : ١٩٤ ] وليس الثاني اعتداءً، وأصل المكر : الالتفاف، ولذلك سمي الشجر الملتف مكراً، والمكر هو الاحتيال على الإنسان لالتفاف المكروه به.
والفرق بين المكر والحيلة أن الحيلة قد تكون لإظهار ما يعسر من غير قصد إلى الإضرار٣، والمكر : التوصل إلى إيقاع المكروه به.
٢ - سقط من ك ويعبر عن هذا أيضا بلفظ "المشاكلة" أي الإتيان بما هو على شكل اللفظ المقابل دون قصد معناه الحرفي..
٣ - في ك الأطوار..
(... نظر الدهر إليهم فابتهل)
أي دعا عليهم بالهلاك. فلما نزلت هذه الآية أخذ النبي ﷺ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم
والثاني : في الحق.
﴿ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ : تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾ والذين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المباهلة هم نصارى نجران. وفي قوله :﴿ نَبْتَهِلْ ﴾ تأويلان :
أحدهما : معناه نلتعن١.
والثاني : ندعو بهلاك٢ الكاذب، ومنه قول لبيد :
………………… *** نظر الدهر إليهم فابتهل٣
أي دعا عليهم بالهلاك.
فلما نزلت هذه الآية أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ثم دعا النصارى إلى المباهلة، فأحجموا٤ عنها، وقال بعضهم لبعض : إن باهلتموه اضطرم الوادي عليكم ناراً.
٢ - هذا مروي عن ابن عباس..
٣ - صدر البيت: في كهول سادة من قومه..
٤ - وبعد أحجامهم عن المباهلة رضوا بدفع الجزية وانصرفوا إلى بلادهم على أن يؤدوا في كل عام ألف حلة في صفر وألف حلة في رجب..
﴿ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ ﴾ يعني من شأن إبراهيم.
﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ يعني شأن إبراهيم.
﴿ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ فالتمسوه من عِلَلِه١.
أحدها : وأنتم تشهدون بما يدل على صحتها من كتابكم الذي فيه البشارة بها، وهذا قول قتادة، والربيع، والسدي.
والثاني : وأنتم تشهدون بمثلها من آيات الأنبياء التي تقرون بها.
والثالث : وأنتم تشهدون بما عليكم فيه١ الحجة.
أحدهما : تحريف التوارة والإنجيل، وهذا قول الحسن، وابن زيد.
والثاني : الدعاء إلى إظهار الإسلام في أول النهار والرجوع عنه في آخره قصداً لتشكيك الناس فيه، وهذا قول ابن عباس، وقتادة.
والثالث : الإيمان بموسى وعيسى والكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ ﴾ يعني ما وجدوه عندهم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم، والبشارة به في كتبهم عناداً من علمائهم.
﴿ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ يعني الحق بما عرفتموه من كتبكم.
أحدهما : معناه لا تصدقوا إلا لمن تبع دينكم.
والثاني : لا تعترفوا بالحق إلا لمن تبع دينكم.
واخْتُلِفَ في تأويل ذلك على قولين :
أحدهما : أنهم كافة اليهود، قال ذلك بعضهم لبعض، وهذا قول السدي، وابن زيد.
والثاني : أنهم يهود خيبر قالوا ذلك ليهود المدينة، وهذا قول الحسن.
واختلف في سبب نهيهم أن يؤمنوا إلا لِمَنْ تَبعَ دينهم على قولين :
أحدهما : أنهم نُهُوا عن ذلك لِئَلاً يكون طريقاً لعبدة الأوثان إلى تصديقه، وهذا قول الزجاج.
والثاني : أنهم نُهُوا عن ذلك لِئَلاَّ يعترفوا به فيلزمهم العمل بدينه١ لإقرارهم بصحته.
﴿ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن في الكلام حذفاً، وتقديره : قل إن الهدى هدى الله ألا يُؤْتَى أحدٌ مثل ما أوتيتم أيها المسلمون، ثم حذف " لا " من الكلام لدليل الخطاب عليها مثل قوله تعالى :
﴿ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ﴾
[ النساء : ١٧٦ ] أي لا تضلوا، وهذا معنى قول السدي، وابن جريج. والثاني : أن معنى الكلام : قل إن الهدى هدى الله فلا تجحدوا أن يُؤْتى أحد مثل ما أوتيتم.
﴿ أَوْ يُحَآجُّوكُم عِندَ رَبِّكُم ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يعني ولا تؤمنوا أن يُحَاجّوكم عند ربكم لأنه لا حجة لهم، وهذا قول الحسن، وقتادة.
والثاني : إن معناه حتى يُحَاجُّوكم عند ربكم، على طريق التبعيد، كما يقال : لا تلقاه أو تقوم الساعة، وهذا قول الكسائي، والفراء.
أحدهما : أنها النبوة، وهو قول الحسن، ومجاهد، والربيع.
والثاني : القرآن والإسلام، وهذا قول ابن جريج.
واختلفوا في النبوة هل تكون جزاءً على عمل ؟ على قولين :
أحدهما : أنها جزاء عن استحقاق.
والثاني : أنها تفضل لأنه قال :﴿ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ﴾.
(وكنت امرءَاً أفضت إليك ربابتي | وقبلك ربتني - فضعت - ربوبُ) |
وكنت امرءَاً أفضت إليك ربابتي | وقبلك ربتني - فضعت - ربوبُ |
والثاني : أنه مضاف إلى عالم الرب، وهو علم الدين، فقيل لصاحب العلم الذي أمر به الرب ربّاني.
أحدها : أنهم اليهود كفروا بالمسيح ثم ازدادوا كفراً بمحمد لن تقبل توبتهم١ عند موتهم، وهذا قول قتادة.
والثاني : أنهم أهل الكتاب لن تقبل توبتهم من ذنوب ارتكبوها مع الإقامة على كفرهم، وهذا قول أبي العالية.
والثالث : أنهم قوم ارتدوا ثم عزموا على إظهار التوبة على طريق التورية، فأطلع الله نبيه على سريرتهم، وهذا قول ابن عباس.
والرابع : أنهم اليهود والنصارى كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم٢ به قبل مبعثه، ثم ازدادوا كفراً إلى حضور آجالهم، وهذا قول الحسن.
٢ - به: سقطت من ك..
﴿ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ﴾ معناه أنه عطف عليه قلوب العرب في الجاهلية فكان الجاني إذا دخله أمِنَ.
وأما في الإسلام ففيه قولان :
أحدهما : أنه آمن من النار، وهذا قول يحيى بن جعدة.
والثاني : من القتال بحظر الإيجال١ على داخليه، وأما الحدود فتقام على من جنى فيه.
واختلفوا في الجاني إذ دخله في إقامة الحد عليه فيه قولان :
أحدهما : تقام عليه، وهو مذهب الشافعي.
والثاني : لا تقاوم حتى يُلجأ إلى الخروج منه، وهو مذهب أبي حنيفة.
﴿ وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً ﴾ وفي الاستطاعة ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها بالمال، وهي الزاد والراحلة، وهو قول الشافعي.
والثاني : أنها بالبدن، وهو قول مالك.
والثالث : أنها بالمال والبدن٢، وهو قول أبي حنيفة.
﴿ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ وفيه ثلاثة تأويلات٣ :
أحدها : يعني [ من كفر ]٤ بفرض الحج فلم يره واجباً، وهو قول ابن عباس.
والثاني : هو ٥لا يرى حَجَّهُ براً ولا تركه مأثماً، وهو قول زيد بن أسلم. والثالث : اليهود، لأنه لما نزل قوله تعالى :
﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنهُ ﴾ فقالواْ نحن مسلمون فأُمِرُوا بالحج فلم يحجوا، فأنزل الله هذه الآية.
٢ - سقطت من ق..
٣ - سقط من ك..
٤ - زيادة اقتضاها السياق وقد أخذناها من تفسير القرطبي..
٥ - سقط من ك، وفي الحديث أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقال "من حج لا يرجو ثوابا أو جلس لا يخاف عقابا كفر به". أنظر تفسير القرطبي جـ٤ ص ١٥٣..
أحدهما : أن صدهم عن سبيل ما كانوا عليه من الإغراء بين الأوس والخزرج حتى يتذكروا حروب الجاهلية فيتفرقوا، وذلك من فعل اليهود خاصة، وهو قول ابن زيد.
والثاني : أنه تكذيبهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وإنكارهم ثبوت صفته في كتبهم، وذلك من فعل اليهود والنصارى، وهذا قول الحسن.
﴿ تَبْغُونَهَا عِوَجاً ﴾ أي تطلبون العِوَجَ وهو بكسر العين العدول عن طرائق الحق، والعَوَج بالفتح ميلُ منتصب من حائط أو قناة.
﴿ وَأَنتُمْ شُهَدَاءُ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يعني عقلاء، مثل قوله تعالى :
﴿ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾
[ ق : ٣٧ ]. والثاني : يعني شهوداً على ما كان من صَدّهم عن سبيل الله، وقيل من عنادهم وكذبهم.
أحدها : الحبل : كتاب الله تعالى، وهو قول ابن مسعود، وقتادة والسدي. روى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" كِتَابُ اللهِ هُوَ حَبْلُ اللهِ المَمْدُودُ مِنَ السَّماءِ إَلى الأرْضِ " ١.
والثاني : أنه دين الله وهو الإسلام، وهذا قول ابن زيد.
والثالث : أنه عهد الله، وهو قول عطاء.
والرابع : هو الإخلاص لله والتوحيد، وهو قول أبي العالية.
والخامس : هو الجماعة، وهو مروي عن ابن مسعود.
وسُمَّي ذلك حبلاً لأن المُمْسِكَ به ينجو مثل المتمسك بالحبل ينجو من بئر أو غيرها.
﴿ وَلاَ تَفَرَّقُواْ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : عن دين الله الذي أمر فيه بلزوم الجماعة، وهذا قول ابن مسعود، وقتادة.
والثاني : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَينَ قُلُوبِكُمْ ﴾ وفيمن أريد بهذه الآية قولان :
أحدهما : أنهم مشركو العرب لِمَا كان بينهم من الصوائل، وهذا قول الحسن.
والثاني : أنهم الأوس والخزرج لِمَا كان بينهم من الحروب في الجاهلية حتى تطاولت مائة وعشرين سنة إلى أن ألَّفَ الله بين قلوبهم بالإسلام فتركت تلك الأحقاد، وهذا قول ابن إسحاق.
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُم تَكْفُرُونَ ﴾ وفي هؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم أربعة أقاويل :
أحدها : أنهم الذين كفروا بعد إظهار الإيمان بالنفاق، وهو قول الحسن.
والثاني : أنهم الذين كفروا بالارتداد بعد إسلامهم، وهو قول مجاهد.
والثالث : هم الذين كفروا من أهل الكتاب بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بِنَعْتِهِ ووصفه، وهو قول الزجاج.
والرابع : هم جميع الكفار لإعراضهم عما يوجبه الإقرار بالتوحيد حين أَشْهَدَهُم الله تعالى على أنفسهم
﴿ أَلسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ﴾
[ الأعراف : ١٧٢ ] وهو قول أبي بن كعب.
أحدهما : أنها نزلت في أبي سفيان وأصحابه يوم بدر عند تظاهرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني : أنها نزلت في نفقة المنافقين مع المؤمنين في حرب المشركين على جهة النفاق.
وفي الصّرِّ تأويلان :
أحدهما : هو البرد الشديد، وهو قول ابن عباس، والحسن، وقتادة، والسدي.
والثاني : أنه صوت لهب النار التي تكون في الريح، وهو قول الزجاج، وأصل الصر صوت من الصرير.
وفي قوله تعالى :﴿ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : معناه أن ظلمهم اقتضى هلاك زرعهم.
والثاني : يعني أنهم ظلموا أنفسهم بأن زرعوا في غير موضع الزرع وفي غير وقته فجاءت ريح فأهلكته فضرب الله تعالى هذا مثلاً لهلاك نفقتهم.
أحدهما : أنهم بنو سلمة وبنو حارثة من الأنصار، وهو قول ابن عباس، وجابر بن عبد الله والحسن وقتادة.
والثاني : أنهم قوم من المهاجرين والأنصار.
وفي سبب همّهم بالفشل قولان :
أحدهما : أن عبد الله بن أبي سلول دعاهما إلى الرجوع عن لقاء المشركين يوم أحد، فهمّا به ولم يفعلا، وهذا قول السدي وابن جريج.
والثاني : أنهم اختلفوا في الخروج في الغدو والمقام حتى همّا بالفشل، والفشل الجبن.
وفي قوله تعالى :﴿ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾ قولان :
أحدهما : الضعف عن مقاومة العدو.
والثاني : قلة العدد وضعف الحال.
قال ابن عباس : كان المهاجرين يوم بدر سبعة وسبعين رجلاً، والأنصار مائتين وستة وثلاثين رجلاً، وكان المشركون ما بين تسعمائة وألف.
أحدهما : يعني من وجههم هذا، وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة.
والثاني : من غضبهم هذا، وهو قول مجاهد والضحاك وأبي صالح، وأصل الفور فور القدر، وهو غليانها عند شدة الحمى، ومنه فَوْرُ الغضب لأنه كَفَوْرِ القِدْر.
﴿ يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسِةِ ءالآفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴾ قرأ بكسر الواو ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، ومعناها : أنهم سوّموا خيلهم بعلامة، وقرأ الباقون بفتح الواو، ومعناها : أنها سائمة وهي المرسلة في المرعى.
واختلفوا في التسويم على قولين :
أحدهما : أنه كان بالصوف في نواصي الخيل وآذانها، وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد والضحاك.
والثاني : أن الملائكة نزلت يوم بدر على خيل بلق وعليهم عمائم صفر، وهو قول هشام بن عروة.
واختلفوا في عددهم فقال الحسن : كانواْ خمسة آلاف، وقال غيره كانواْ ثمانية آلاف.
قال ابن عباس لم يقاتل الملائكة إلا يوم بدر.
أحدهما : أنه كان يوم بدر بقتل صناديدهم وقادتهم إلى الكفر، وهذا قول الحسن وقتادة.
والثاني : أنه كان يوم أحد، كان الذي قتل منهم ثمانية عشر رجلاً، وهذا قول السدي.
وإنما قال :﴿ لِيَقْطَعَ طَرَفاً ﴾ ولم يقل وسطاً لأن الطرف أقرب للمؤمنين من الوسط، فاختص القطع بما هو إليهم أقرب كما قال تعالى :
﴿ قاتلوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ الْكُفَّارِ ﴾
[ التوبة : ١٢٣ ] ﴿ أَوْ يَكْبِتَهُم فَيَنقَلِبُوا خَآئِبِينَ ﴾، وفي ﴿ يَكْبِتَهُم ﴾ قولان :
أحدهما : يحزنهم، وهو قول قتادة، والربيع.
والثاني : الكبت : الصرع على الوجه، وهو قول الخليل.
والفرق بين الخائب والآيس أن الخيبة لا تكون إلا بعد أمل، واليأس قد يكون قبل أمل.
أحدها : ليس لك من الأمر شيء في عقابهم واستصلاحهم، وإنما ذلك إلى الله تعالى في أن يتوب عليهم أو يعذبهم.
والثاني : ليس لك من الأمر شيء فيما تريده وتفعله في أصحابك وفيهم، وإنما ذلك إلى الله تعالى فيما يفعله من اللطف بهم في التوبة والاستصلاح أو في العذاب والانتقام.
والثالث : أنزلت [ الآية ] على سبب لما كسرت رباعيته صلى الله عليه وسلم.
واختلفوا في السبب فيه على قولين :
أحدهما : أن قوماً قالوا بعد كسر رباعيته : كيف يفلح قوم نالوا هذا من نبيهم، وهو حريص على هدايتهم فنزلت هذه الآية، وهذا قول ابن عباس، وأنس بن مالك، والحسن وقتادة، والربيع.
والثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم هَمَّ١ بعد ذلك بالدعاء فأستأذن فيه، فنزلت هذه الآية فكف وإنما لم يؤذن فيه لما في المعلوم من توبة بعضهم.
واختلفوا في نار آكل الربا على قولين :
أحدهما : أنها كنار الكافرين من غير فرق تمسكاً بالظاهر.
والثاني : أنها ونار الفجار أخف من نار الكفار، لما بينهما من تفاوت المعاصي.
أحدهما : الكبائر من المعاصي.
والثاني : الربا وهو قول جابر والسدي.
﴿ أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُم ﴾ قيل المراد به الصغائر من المعاصي.
﴿ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِم ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنهم ذكروه بقلوبهم فلم ينسوه، ليعينهم ذكره على التوبة والاستغفار.
والثاني : ذكروا الله قولاً بأن قالوا : اللهم اغفر لنا ذنوبنا، فإن الله قد سهل على هذه الأمة ما شدد على بني إسرائيل، إذ كانوا إذا أذنب الواحد منهم أصبح مكتوباً على بابه من كفارة ذنبه : إجدع أنفك، إجدع أذنك ونحو ذلك، فجعل [ لنا ] الاستغفار، وهذا قول ابن مسعود وعطاء بن أبي رباح.
﴿ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُواْ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : أنه الإصرار على المعاصي، وهو قول قتادة.
والثاني : أنه مواقعة المعصية إذا هم بها، وهو قول الحسن.
والثالث : السكوت على المعصية وترك الاستغفار منها، وهو قول السدي.
والرابع : أنه الذنب من غير توبة.
﴿ وَهُم يَعْلَمُونَ ﴾ أنهم قد أتوا معصية ولا ينسونها، وقيل : معناه وهم يعلمون الجهة في أنها معصية.
(من معشر سنت لهم آباؤهم | ولكل قوم سُنَّةٌ وإمامها) |
(فإن الألى بالطف من آل هاشمٍ | تآسَواْ فسنوا للكرام التآسيا) |
(تقول وقد درأتُ لها وضيني | أهذا دينه أبداً وديني) |
أحدهما : ليرى المؤمنين.
والثاني : ليُمَيزُوا من المنافقين.
﴿ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ ﴾ يعني جاهدوا.
﴿ أَوِ ادْفَعُوا ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يعني تكثير السواد وإن لم يقاتلوا وهو قول السدي وابن جريج.
والثاني : معناه رابطوا على الخيل إن لم تقاتلوا، وهو قول ابن عوف الأنصاري.
﴿ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ ﴾ قيل إن عبد الله بن عمرو٢ ابن حزام قال لهم :[ اتقوا الله ولا تتركوا نبيكم فقال له ابن أبي ] : عَلاَمَ نقتل أنفسنا ؟ ارجعوا بنا لو نعلم قتالاً لاتبعناكم.
﴿ هُمْ لِلْكُفْرِ يومئِذٍ أَقْربُ مِنهُم لِلإِيمَانِ ﴾ لأنهم بإظهار الإيمان لا يحكم عليهم بحكم الكفار، وقد كانوا قبل ذلك بإظهار الإيمان أقرب إلى الإيمان، ثم صاروا بما فعلوه أقرب إلى الكفر من الإيمان.
﴿ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ يعني ما يظهرونه من الإسلام وليس في قلوبهم منه شيء.
وإنما قال :﴿ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم ﴾ وإن كان القول لا يكون إلا به لأمرين :
أحدهما : التأكيد.
والثاني : أنه ربما نسب القول إلى الساكت مجازاً إذ كان به راضياً.
٢ - في الأصول: عبد الله بن عمرو بن حزم وهو تحريف واضح، وقد جاءت هذه العبارة مضطربة في الأصول وفيها سقوط، وقد صوبناها من تفسير القرطبي ٤/ ٢٦٦ وسيرة ابن هشام ٣/ ٦٨..
﴿ قُلْ فَادْرَؤُوا عَن أَنفُسِكُم الْمَوتَ ﴾ أي ادفعوا عن أنفسكم الموت، ومنه قول الشاعر١ :
تقول وقد درأتُ لها وضيني | أهذا دينه أبداً وديني |
أحدهما : يعني في خبركم أنهم لو أطاعوا ما قُتِلوا.
والثاني : معناه إن كنتم محقين في تثبيطكم عن الجهاد فراراً من القتل.
أحدهما : يقولون : إخواننا يقتلون كما قتلنا فيصيبون من كرامة الله ما أصبنا، وهو قول قتادة، وابن جريج.
والثاني : أنه يؤتى الشهيد بكتاب فيه ذكر من يقدم عليه من إخوانه فيبشر بذلك فيستبشر كما يستبشر أهل الغائب في الدنيا بقدومه، وهذا قول السدي.
أحدهما : هو أعرابي جُعِل له على ذلك جُعْل، وهذا قول السدي.
والثاني : هو نعيم بن مسعود الأشجعي، وهذا قول الواقدي.
والناس الثاني أبو سفيان وأصحابه. واختلفوا في الوقت الذي أراد أبو سفيان أن يجمع لهم هذا الجمع على قولين :
أحدهما : بعد رجوعه على أُحُد سنة ثلاث حتى أوقع الله في قلوب المشركين الرعب كفّوا، وهذا قول ابن عباس، وابن إسحاق، وقتادة.
والثاني : أن ذلك في بدر الصغرى سنة أربع بعد أحد بسنة، وهذا قول مجاهد.
أحدهما : أنه يخوف المؤمنين من أوليائه المشركين، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.
والثاني : أنه يخوف أولياءَه المنافقين ليقعدوا عن قتال المشركين، وهذا قول الحسن، والسدي.
أحدهما المنافق، وهو قول مجاهد.
والثاني : الكافر، وهو قول قتادة، والسدي.
واختلفوا في الذي وقع به التمييز على قولين :
أحدهما : بتكليف الجهاد، وهذا قول من تأوّل الخبيث بالمنافق.
والثاني : بالدلائل التي يستدل بها عليهم وهذا قول من تأوله للكافر.
﴿ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيبِ ﴾ قيل إن سبب نزول هذا أن قوماً من المشركين قالواْ : إن كان محمد صادقاً فليخبرنا من يؤمن ومن لا يؤمن، فنزلت هذه الآية.
قال السدي : ما أطلع الله نبيه على الغيب، ولكنه اجتباه فجعله رسولاً١.
أحدهما : أنهم مانعو الزكاة، وهو قول السدي.
والثاني : أنهم أهل الكتاب وبخلوا أن يُبيِّنوا للناس ما في كتبهم من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو قول ابن عباس، قال ألم تسمع أنه قال :﴿ يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ﴾، أي يكتمون ويأمرون الناس بالكتمان.
﴿ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَومَ الْقِيَامَةِ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن الذي يطوَّقونه شجاع أقرع١، وهذا قول ابن مسعود.
والثاني : أنه طوق من النار، وهذا قول إبراهيم.
أحدها : ما روى أن كعب بن الأشرف كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ويحرض عليهم المشركين حتى قتله محمد ابن مسلمة، وهذا قول الزهري.
والثاني : أن فنحاص اليهودي سيد بني قينقاع لما سئل الإمداد قال : احتاج ربكم إلى أن نمده، وهذا قول عكرمة.
والثالث : أن الأذى ما كانوا يسمعونه من الشرك كقول اليهود : عزيز ابن الله، وكقول النصارى : المسيح ابن الله وهذا قول ابن جريج.
أحدهما : أنهم أهل الكتاب فرحوا بالاجتماع على تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم وإخفاء أمره، وأحبواْ أن يحمدوا بما ليس فيهم من أنهم أهل نسك وعلم، وهذا قول ابن عباس، والضحاك.
والثاني : أنهم أهل النفاق فرحوا بقعودهم عن القتال وأحبواْ أن يحمدوا بما ليس فيهم من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وهذا قول أبي سعيد الخدري، وأبي زيد.
(أوحى لها القرار فاستقرت | وشدها بالراسيات الثُّبّتِ) |
أحدهما : أنه القرآن وهو قول محمد بن كعب القرظي قال : ليس كل الناس سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني : أنه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قول ابن جريج وابن زيد.
وقوله تعالى :﴿ يُنَادِي لِلإِيمَانِ ﴾ أي إلى الإيمان، كقوله تعالى :
﴿ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذا ﴾
[ الأعراف : ٤٣ ] بمعنى إلى هذا. ومنه قول الراجز١ :
أوحى لها القرار فاستقرت | وشدها بالراسيات الثُّبّتِ |
﴿ بِأنَّ ربكَ أوحى لها ﴾
[ الزلزلة : ٥ ] أي إليها.
أحدها : أن المقصود به، مع العلم بإنجاز وعده، الخضوع له بالدعاء والطلب.
والثاني : أن ذلك يدعو إلى التمسك بالعمل الصالح.
والثالث : معناه اجعلنا ممن وعدته ثوابك.
والرابع : يعني عجل إلينا إنجاز وعدك وتقديم نصرك.
أحدها : اصبروا على طاعة الله، وصابروا أعداء الله، ورابطوا في سبيل الله، وهو قول الحسن، وقتادة، وابن جريج، والضحاك.
والثاني : اصبروا على دينكم، وصابروا الوعد الذي وعدكم، ورابطوا عدوي وعدوكم، وهو قول محمد بن كعب.
والثالث : اصبروا على الجهاد، وصابروا العدو، ورابطوا بملازمة الثغر، وهو مأخوذ من ربط النفس، ومنه قولهم ربط الله على قلبه بالصبر، وهو معنى قول زيد بن أسلم.
والرابع : رابطوا على الصلوات بانتظارها واحدة بعد واحدة : روى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أَلاَ أَدُلَّكُم عَلَى مَا يَحِطُّ بِه اللهُ الخَطَايَا ويَرْفُعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ قَالُواْ بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ : إِسْبَاغِ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرةُ الخُطَا إلىَ المَسَاجِدِ وَانتِظار الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذلِكُمُ الرباط " ١.
سورة آل عمران
اتصَلتْ سورةُ (آلِ عِمْرانَ) من حيث الفضلُ بسورةِ (البقرة)؛ فقد وصَفهما الرسولُ ﷺ بـ (الزَّهْراوَينِ)؛ لِما احتوتا عليه من نورٍ وهداية.
وجاءت هذه السُّورةُ ببيانِ هداية هذا الكتابِ للناس، متضمِّنةً الحوارَ مع أهل الكتاب، مُحاجِجَةً إياهم في صِدْقِ هذا الدِّين وعلوِّه على غيره، مبرهنةً لصِدْقِ النبي ﷺ بهذه الرسالة، وهَيْمنةِ هذا الدِّينِ على غيره، ونَسْخِه للأديان الأخرى؛ فمَن ابتغى غيرَ الإسلام فأمرُه ردٌّ غيرُ مقبولٍ، كما أشارت إلى غزوةِ (أُحُدٍ)، وأمرِ المسلمين بالثَّبات على هذا الدِّين.
ترتيبها المصحفي
3نوعها
مدنيةألفاظها
3501ترتيب نزولها
89العد المدني الأول
200العد المدني الأخير
200العد البصري
200العد الكوفي
200العد الشامي
200* قوله تعالى: {إِنَّ اْلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اْللَّهِ وَأَيْمَٰنِهِمْ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمْ فِي اْلْأٓخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اْللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٞ} [آل عمران: 77]:
ورَد عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ - رضي الله عنه -، عن النبيِّ ﷺ، قال: «مَن حلَفَ على يمينٍ يقتطِعُ بها مالَ امرئٍ مسلمٍ، وهو فيها فاجرٌ: لَقِيَ اللهَ وهو عليه غضبانُ»، ثم أنزَلَ اللهُ تصديقَ ذلك: {إِنَّ اْلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اْللَّهِ وَأَيْمَٰنِهِمْ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمْ فِي اْلْأٓخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اْللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٞ} [آل عمران: 77]، ثم إنَّ الأشعَثَ بنَ قيسٍ خرَجَ إلينا، فقال: ما يُحدِّثُكم أبو عبدِ الرَّحمنِ؟ قال: فحدَّثْناه، قال: فقال: صدَقَ؛ لَفِيَّ نزَلتْ، كانت بيني وبين رجُلٍ خصومةٌ في بئرٍ، فاختصَمْنا إلى رسولِ اللهِ ﷺ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «شاهِدَاكَ أو يمينُهُ»، قلتُ: إنَّه إذًا يَحلِفُ ولا يُبالي، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «مَن حلَفَ على يمينٍ يستحِقُّ بها مالًا، وهو فيها فاجرٌ: لَقِيَ اللهَ وهو عليه غضبانُ»، ثم أنزَلَ اللهُ تصديقَ ذلك، ثم اقترَأَ هذه الآيةَ: {إِنَّ اْلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اْللَّهِ وَأَيْمَٰنِهِمْ ثَمَنٗا قَلِيلًا} إلى قوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٞ} [آل عمران: 77]. أخرجه البخاري (٢٣٥٦).
* قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اْللَّهُ قَوْمٗا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَٰنِهِمْ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ اْلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ اْلْبَيِّنَٰتُۚ وَاْللَّهُ لَا يَهْدِي اْلْقَوْمَ اْلظَّٰلِمِينَ ٨٦ أُوْلَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اْللَّهِ وَاْلْمَلَٰٓئِكَةِ وَاْلنَّاسِ أَجْمَعِينَ ٨٧ خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ اْلْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ٨٨ إِلَّا اْلَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اْللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 86-89]:
صحَّ عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما -، قال: «كان رجُلٌ مِن الأنصارِ أسلَمَ، ثم ارتَدَّ ولَحِقَ بالشِّرْكِ، ثم نَدِمَ، فأرسَلَ إلى قومِه: سَلُوا رسولَ اللهِ ﷺ: هل لي مِن توبةٍ؟ فجاء قومُهُ إلى رسولِ اللهِ ﷺ، فقالوا: إنَّ فلانًا قد نَدِمَ، وإنَّه قد أمَرَنا أن نسألَك: هل له مِن توبةٍ؟ فنزَلتْ: {كَيْفَ يَهْدِي اْللَّهُ قَوْمٗا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَٰنِهِمْ} [آل عمران: 86] إلى {غَفُورٞ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 89]، فأرسَلَ إليه قومُهُ، فأسلَمَ». أخرجه النسائي (٤٠٧٩).
* قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ءَايَٰتُ اْللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُۥۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاْللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسْتَقِيمٖ ١٠١ يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْتَّقُواْ اْللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ١٠٢ وَاْعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اْللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَاْذْكُرُواْ نِعْمَتَ اْللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنٗا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٖ مِّنَ اْلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَاۗ} [آل عمران: 101-103]:
عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما -، قال: «كان الأَوْسُ والخَزْرجُ يَتحدَّثون، فغَضِبوا، حتى كان بينهم حربٌ، فأخَذوا السِّلاحَ بعضُهم إلى بعضٍ؛ فنزَلتْ: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ءَايَٰتُ اْللَّهِ} [آل عمران: 101] إلى قوله تعالى: {فَأَنقَذَكُم مِّنْهَاۗ} [آل عمران: 103]. "المعجم الكبير" للطبراني (١٢٦٦٦).
* قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ اْلْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَٰلِمُونَ} [آل عمران: 128]:
صحَّ عن أبي هُرَيرةَ - رضي الله عنه - أنَّه قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يقولُ حين يفرُغُ مِن صلاةِ الفجرِ مِن القراءةِ ويُكبِّرُ ويَرفَعُ رأسَه: «سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ربَّنا ولك الحمدُ»، ثم يقولُ وهو قائمٌ: «اللهمَّ أنْجِ الوليدَ بنَ الوليدِ، وسلَمةَ بنَ هشامٍ، وعيَّاشَ بنَ أبي ربيعةَ، والمستضعَفِينَ مِن المؤمنين، اللهمَّ اشدُدْ وَطْأتَك على مُضَرَ، واجعَلْها عليهم كَسِنِي يوسُفَ، اللهمَّ العَنْ لِحْيانَ، ورِعْلًا، وذَكْوانَ، وعُصَيَّةَ؛ عصَتِ اللهَ ورسولَه»، ثم بلَغَنا أنَّه ترَكَ ذلك لمَّا أُنزِلَ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإنَّهُمْ ظالِمُونَ}». أخرجه مسلم (675).
وعن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أنَّه سَمِعَ رسولَ اللهِ ﷺ إذا رفَعَ رأسَه مِن الرُّكوعِ مِن الركعةِ الآخِرةِ مِن الفجرِ يقولُ: «اللهمَّ العَنْ فلانًا وفلانًا وفلانًا» بعدما يقولُ: «سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ربَّنا ولك الحمدُ»؛ فأنزَلَ اللهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ اْلْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَٰلِمُونَ} [آل عمران: 128]. أخرجه البخاري (٤٠٦٩).
* قوله تعالى: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنۢ بَعْدِ اْلْغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغْشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمْۖ وَطَآئِفَةٞ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ} [آل عمران: 154]:
عن أنسِ بن مالكٍ - رضي الله عنه -، أنَّ أبا طَلْحةَ قال: «غَشِيَنا النُّعَاسُ ونحن في مَصافِّنا يومَ أُحُدٍ، قال: فجعَلَ سيفي يسقُطُ مِن يدي وآخُذُه، ويسقُطُ وآخُذُه؛ وذلك قولُه عز وجل: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنۢ بَعْدِ اْلْغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغْشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمْۖ وَطَآئِفَةٞ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ} [آل عمران: 154]، والطائفةُ الأخرى: المنافقون، ليس لهم إلا أنفسُهم؛ أجبَنُ قومٍ وأرعَبُهُ، وأخذَلُهُ للحقِّ». أخرجه البخاري (٤٠٦٨).
* قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٖ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161]:
صحَّ عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما - أنَّه قال: «نزَلتْ هذه الآيةُ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ} في قَطيفةٍ حَمْراءَ فُقِدتْ يومَ بدرٍ، فقال بعضُ الناسِ: لعلَّ رسولَ اللهِ - ﷺ - أخَذَها؛ فأنزَلَ اللهُ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٖ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161]». أخرجه أبو داود (٣٩٧١).
* قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اْلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ أَمْوَٰتَۢاۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]:
عن مسروقٍ، قال: سأَلْنا عبدَ اللهِ - هو ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه - عن هذه الآيةِ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اْلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ أَمْوَٰتَۢاۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، قال: «أمَا إنَّا قد سأَلْنا عن ذلك، فقال: أرواحُهم في جوفِ طيرٍ خُضْرٍ، لها قناديلُ معلَّقةٌ بالعرشِ، تَسرَحُ مِن الجَنَّةِ حيث شاءت، ثم تَأوي إلى تلك القناديلِ، فاطَّلَعَ إليهم ربُّهم اطِّلاعةً، فقال: هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: أيَّ شيءٍ نشتهي ونحن نَسرَحُ في الجَنَّةِ حيث شِئْنا؟! ففعَلَ ذلك بهم ثلاثَ مرَّاتٍ، فلمَّا رأَوْا أنَّهم لن يُترَكوا مِن أن يَسألوا، قالوا: يا ربُّ، نريدُ أن ترُدَّ أرواحَنا في أجسادِنا؛ حتى نُقتَلَ في سبيلِك مرَّةً أخرى، فلمَّا رأى أنْ ليس لهم حاجةٌ، تُرِكوا». أخرجه مسلم (١٨٨٧).
سُمِّيتْ (آلُ عِمْرانَ) بهذا الاسم لذِكْرِ (آلِ عِمْرانَ) فيها، وثبَت لها اسمٌ آخَرُ؛ وهو (الزَّهْراءُ):
لِما جاء في حديث أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ يقولُ: «اقرَؤُوا الزَّهْراوَينِ: البقرةَ، وسورةَ آلِ عِمْرانَ». أخرجه مسلم (804).
يقول ابنُ منظورٍ: «والزَّهْراوانِ: أي: المُنِيرتانِ المُضِيئتانِ، واحدتها: زَهْراءُ». لسان العرب (4 /332).
وقد عدَّ بعضُ العلماء أنَّ ذِكْرَ (الزَّهْراوانِ) في هذا الحديثِ هو من بابِ الوصف، لا التسمية. انظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (3 /143)، "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (1 /20).
* تُحاجُّ عن صاحبِها:
صحَّ عن أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «اقرَؤُوا القرآنَ؛ فإنَّه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابِه؛ اقرَؤُوا الزَّهْراوَينِ: البقرةَ، وسورةَ آلِ عِمْرانَ؛ فإنَّهما تأتيانِ يومَ القيامةِ كأنَّهما غَمَامتانِ، أو كأنَّهما غَيَايتانِ، أو كأنَّهما فِرْقانِ مِن طيرٍ صوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصحابِهما، اقرَؤُوا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أَخْذَها برَكةٌ، وتَرْكَها حَسْرةٌ، ولا تستطيعُها البَطَلةُ». أخرجه مسلم (804).
* كان يعظُمُ بين الصحابةِ قارئُ سورةِ (آلِ عِمْرانَ):
فعن أنسٍ رضي الله عنه، قال: «كان الرَّجُلُ إذا قرَأ البقرةَ وآلَ عِمْرانَ، جَدَّ فينا - يعني: عظُمَ -»، وفي روايةٍ: «يُعَدُّ فينا عظيمًا»، وفي أخرى: «عُدَّ فينا ذا شأنٍ». أخرجه أحمد (12236).
* ورَدتْ قراءتُه ﷺ لسورة (آل عِمْران) في قيام الليل:
فعن حُذَيفةَ بن اليمانِ رضي الله عنهما، قال: «صلَّيْتُ مع رسولِ اللهِ ﷺ ذاتَ ليلةٍ، فاستفتَحَ بسورةِ البقرةِ، فقرَأَ بمائةِ آيةٍ لم يَركَعْ، فمضى، قلتُ: يَختِمُها في الرَّكعتَينِ، فمضى، قلتُ: يَختِمُها ثم يَركَعُ، فمضى حتى قرَأَ سورةَ النِّساءِ، ثم قرَأَ سورةَ آلِ عِمْرانَ، ثم ركَعَ نحوًا مِن قيامِهِ، يقولُ في ركوعِهِ: سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، ثم رفَعَ رأسَهُ، فقال: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ربَّنا لك الحمدُ، وأطال القيامَ، ثم سجَدَ، فأطال السُّجودَ، يقولُ في سجودِهِ: سبحانَ ربِّيَ الأعلى، سبحانَ ربِّيَ الأعلى، سبحانَ ربِّيَ الأعلى، لا يمُرُّ بآيةِ تخويفٍ أو تعظيمٍ للهِ عز وجل إلا ذكَرَهُ». أخرجه النسائي (١١٣٢).
* كان النبيُّ ﷺ يَقرأُ خواتمَها منتصَفَ الليلِ عندما يستيقظُ مِن نومِه:
فممَّا صحَّ عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: أنَّه باتَ عند مَيْمونةَ زَوْجِ النبيِّ ﷺ - وهي خالتُهُ -، قال: «فاضطجَعْتُ في عَرْضِ الوِسادَةِ، واضطجَعَ رسولُ اللهِ ﷺ وأهلُهُ في طُولِها، فنامَ رسولُ اللهِ ﷺ حتى انتصَفَ الليلُ - أو قَبْله بقليلٍ، أو بعده بقليلٍ -، ثم استيقَظَ رسولُ اللهِ ﷺ، فجعَلَ يَمسَحُ النَّوْمَ عن وجهِهِ بيدَيهِ، ثم قرَأَ العَشْرَ الآياتِ الخواتِمَ مِن سُورةِ آلِ عِمْرانَ، ثم قامَ إلى شَنٍّ معلَّقةٍ، فتوضَّأَ منها، فأحسَنَ وُضُوءَهُ، ثم قامَ يُصلِّي، فصنَعْتُ مِثْلَ ما صنَعَ، ثُمَّ ذهَبْتُ فقُمْتُ إلى جَنْبِهِ، فوضَعَ رسولُ اللهِ ﷺ يَدَهُ اليُمْنى على رَأْسي، وأخَذَ بأُذُني بيدِهِ اليُمْنى يَفتِلُها، فصلَّى ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم أوتَرَ، ثم اضطجَعَ حتى جاءه المؤذِّنُ، فقامَ فصلَّى ركعتَينِ خفيفتَينِ، ثم خرَجَ فصلَّى الصُّبْحَ». أخرجه البخاري (٤٥٧١).
جاءت مواضيعُ سورةِ (آل عِمْرانَ) مُرتَّبةً على النحوِ الآتي:
مقدِّمات للحوار مع النَّصارى (١-٣٢).
إنزال الكتاب هدايةً للناس (١-٩).
تحذير الكافرين وحقيقةُ الدنيا (١٠-١٨).
انتقال الرسالة لأمَّة الإسلام (٢٩-٣٢).
اصطفاء الله تعالى لرُسلِه (٣٣-٤٤).
حقيقة عيسى عليه السلام (٤٥-٦٣).
الإسلام هو دِين الحقِّ، وهو دِينُ جميع الأنبياء (٦٤-٩٩).
إبراهيم عليه السلام كان حنيفًا مسلمًا (٦٤-٦٨).
مخاطبة فِرَق أهل الكتاب، وبيان حقائقهم (٦٩-٨٠).
وَحْدة الرسالات، والدِّين الحق هو الإسلام (٨١- ٩٢).
صلة المسلمين بإبراهيم، وافتراء أهل الكتاب (٩٣-٩٩).
بيان خَيْرية هذه الأمَّة، وتحذيرها من أعدائها (١٠٠-١٢٠).
التحذير من الوقوع في أخطاء السابقين (١٠٠-١٠٩).
خيرية هذه الأمَّة وفضلها (١١٠-١١٥).
تحذير الأمَّة من المنافقين (١١٦-١٢٠).
معركة (أُحُد) (١٢١-١٤٨).
مقدِّمات معركة (أُحُد) (١٢١-١٢٩).
أهمية الطاعة ومواعظُ (١٣٠-١٣٨).
تعزية المسلمين، والنهيُ عن الهوان (١٣٩-١٤٨).
دروس مستفادة من الهزيمة (١٤٩-١٨٩).
التحذير من طاعة الأعداء والتنازل (١٤٩-١٥٨).
أهمية الشورى وطاعة الرسول (١٥٩-١٦٤).
أسباب الهزيمة وفوائدها (١٦٥-١٧٩).
تحذير المنافقين والبخلاء (١٨٠-١٨٩).
أولو الألباب يستفيدون من الآيات الكونية (١٩٠-١٩٥).
الأمورُ بخواتيمها (١٩٦-٢٠٠).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (1 /426).
افتُتِحت السُّورةُ بمقصدٍ عظيمٍ؛ وهو التنويهُ بالقرآن، وبمحمَّدٍ ﷺ، وتقسيمُ آيات القرآن، ومراتبُ الأفهام في تَلقِّيها، والتنويهُ بفضيلة الإسلام، وأنه لا يَعدِله دِينٌ، وأنه لا يُقبَل دِينٌ عند الله بعد ظهور الإسلام غيرُ الإسلام.
ومِن مقاصدِها: مُحاجَّةُ أهلِ الكتابينِ في حقيقة الحنيفيَّة، وأنهم بُعَداءُ عنها، وما أخَذ اللهُ من العهد على الرُّسلِ كلِّهم: أن يؤمنوا بالرسول الخاتم.
واشتملت على أمرِ المسلمين بفضائلِ الأعمال: مِن بذلِ المال في مواساة الأمَّة، والإحسان، وفضائل الأعمال، وتركِ البخل، ومَذمَّةِ الربا.
وخُتِمت السُّورةُ بآياتِ التفكير في ملكوت الله.
ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (3 /145).