تفسير سورة آل عمران

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة آل عمران من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه البيهقي . المتوفي سنة 458 هـ

«ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ خَاصَّةِ صَفْوَتِهِ، فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً، وَآلَ إِبْراهِيمَ، وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ: ٣- ٣٣) فَخَصَّ «١» آدَمَ وَنُوحًا:
بِإِعَادَةِ ذِكْرِ اصْطِفَائِهِمَا. وَذَكَرَ إبْرَاهِيمَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، فَقَالَ:
(وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا: ٤- ١٢٥). وَذَكَرَ إسْمَاعِيلَ بْنَ إبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ: إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ، وَكانَ رَسُولًا نَبِيًّا: ١٩- ٥٤).»
«ثُمَّ أَنْعَمَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، وَآلِ عِمْرَانَ فِي الْأُمَمِ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً، وَآلَ إِبْراهِيمَ، وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).»
«ثُمَّ اصْطَفَى «٢» مُحَمَّدًا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْ خَيْرِ آلِ إبْرَاهِيمَ وَأَنْزَلَ كُتُبَهُ- قَبْلَ إنْزَالِ «٣» الْقُرْآنِ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بِصِفَةِ فَضِيلَتِهِ «٤»، وَفَضِيلَةِ مَنْ اتَّبَعَهُ «٥» فَقَالَ: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَالَّذِينَ)
(١) هَذَا إِلَى قَوْله: (عليم) غير مَوْجُود بالسنن الْكُبْرَى.
(٢) فى الْأُم زِيَادَة: «الله عز وَجل، سيدنَا». وراجع نسبه الشريف، فى الْفَتْح (ج ٧ ص ١١٢- ١١٣).
(٣) فى الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى: «إنزاله الْفرْقَان». وَلَا فرق فى الْمَعْنى. [.....]
(٤) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى السّنَن الْكُبْرَى: «بِصفتِهِ». وفى الأَصْل. «ثمَّ بضعه فضيله» وَالزِّيَادَة والتصحيف من النَّاسِخ.
(٥) فى السّنَن الْكُبْرَى: «تبعه». وفى الْأُم زِيَادَة: «بِهِ» أَي: بِسَبَبِهِ.
«وَقَالَ «١» اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ: مَا هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ: ٥٨- ٢).»
«يَعْنِي: أَنَّ اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ: أُمَّهَاتُهُمْ «٢» بِكُلِّ حَالٍ الْوَارِثَاتُ [وَ «٣» ] الْمَوْرُوثَاتُ، الْمُحَرَّمَاتُ بِأَنْفُسِهِنَّ، وَالْمُحَرَّمُ بِهِنَّ غَيْرُهُنَّ: اللَّائِي لَمْ يَكُنَّ قَطُّ إلَّا أُمَّهَاتٍ «٤». لَيْسَ: اللَّائِي يُحْدِثْنَ رَضَاعًا لِلْمَوْلُودِ، فِيكُنَّ بِهِ أُمَّهَاتٍ [وَقَدْ كُنَّ قَبْلَ إرْضَاعِهِ، غَيْرَ أُمَّهَاتٍ لَهُ «٥» ] وَلَا: أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ [عَامَّةً:
يَحْرُمْنَ بِحُرْمَةٍ أَحْدَثْنَهَا أَوْ يُحْدِثُهَا الرَّجُلُ أَوْ: أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ «٦» ] حَرُمْنَ «٧» :
بِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).».
وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ «٨» ثُمَّ قَالَ: «وَفِي «٩» هَذَا: دَلَالَةٌ عَلَى أَشْبَاهٍ لَهُ فِي «١٠» الْقُرْآنِ، جَهِلَهَا مَنْ قَصُرَ عِلْمُهُ بِاللِّسَانِ وَالْفِقْهِ «١١»
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: «وَذَكَرَ عَبْدًا أَكْرَمَهُ، فَقَالَ «١٢» :
(وَسَيِّداً، وَحَصُوراً: ٣- ٣٩) ».
(١) فى الْأُم: «قَالَ»، وَمَا فى الأَصْل هُوَ الظَّاهِر وَالْأَحْسَن.
(٢) هَذَا خبر «أَن»، فَتنبه.
(٣) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
(٤) فى الأَصْل: «لامهات»، وَهُوَ خطأ وتحريف. والتصحيح عَن الام. [.....]
(٥) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
(٦) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
(٧) كَذَا بِالْأُمِّ، وفى الأَصْل: «حرمهن»، وَمَا فى الام أولى.
(٨) انْظُر الْأُم (ج ٥ ص ١٢٦).
(٩) بِالْأُمِّ: «فى».
(١٠) بِالْأُمِّ: «من».
(١١) انْظُر مَا ذكره بعد ذَلِك، فى الام (ج ٥ ص ١٢٦) : فَفِيهِ فَوَائِد جليلة.
(١٢) فى الْأُم (ج ٥ ص ١٢٩) :«قَالَ» وَمَا فى الأَصْل أحسن.
«مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي الْقُرْعَةِ، وَالْعِتْقِ، وَالْوَلَاءِ، وَالْكِتَابَةِ»
وَفِيمَا أَنْبَأَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ (إجَازَةً) : عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْأَصَمِّ، عَنْ الرَّبِيعِ، عَنْ الشَّافِعِيِّ (رَحِمَهُ اللَّهُ)، قَالَ «١» :«قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
(وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ: أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ؟ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ: ٣- ٤٤) وَقَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَساهَمَ: فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ: ٣٧- ١٣٩- ١٤١)

«فَأَصْلُ الْقُرْعَةِ- فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ-: فِي قِصَّةِ الْمُقْتَرِعِينَ «٢» [عَلَى مَرْيَمَ]، وَالْمُقَارِعِينَ «٣» يُونُسَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : مُجْتَمِعَةٌ.»
(١) كَمَا فى الْأُم (ج ٧ ص ٣٣٦- ٣٣٧). وَقد ذكر بعضه فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ١٠ ص ٢٨٦- ٢٨٧). وَتعرض لهَذَا بِاخْتِصَار: فى الْأُم (ج ٥ ص ٩٩).
(٢) فى الأَصْل: «المقرعين». وَهُوَ تَحْرِيف. والتصحيح وَالزِّيَادَة من الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى.
(٣) كَذَا بالسنن الْكُبْرَى. وفى الأَصْل: «وللقارعين» وَهُوَ محرف عَنهُ. وفى الْأُم «والمقارعى» على الْحَذف: بِالْإِضَافَة اللفظية.
(٤) رَاجع مَا روى فى ذَلِك: عَن ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة، وَالْحسن، وَعِكْرِمَة، وَمُجاهد، وَالضَّحَّاك، وَغَيرهم- فى السّنَن الْكُبْرَى، وَتَفْسِير الطَّبَرِيّ (ج ٣ ص ١٦٣ و١٨٣- ١٨٥ وَج ٢٣ ص ٦٣). ثمَّ رَاجع الْخلاف فى مَشْرُوعِيَّة الْقرعَة: فى تَفْسِير الْقُرْطُبِيّ (ج ٤ ص ٨٦ ٨٧)، وَالْفَتْح (ج ٥ ص ١٨٥- ١٨٦)، وَطرح التثريب (ج ٨ ص ٤٨- ٤٩) فَهُوَ مُفِيد فِيمَا سيأتى: من الْقسم للنِّسَاء فى السّفر. وَانْظُر الطَّبَقَات (ج ٢ ص ٢٠٩).
157
«وَلَا تَكُونُ «١» الْقُرْعَةُ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) إلَّا بَيْنَ الْقَوْمِ «٢» : مُسْتَوِينَ فِي الْحُجَّةِ «٣»
«وَلَا يَعْدُو (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) الْمُقْتَرِعُونَ عَلَى مَرْيَمَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ)، أَنْ يَكُونُوا: كَانُوا سَوَاءً فِي كَفَالَتِهَا «٤» فَتَنَافَسُوهَا: لَمَّا «٥» كَانَ: أَنْ تَكُونَ «٦» عِنْدَ وَاحِدٍ «٧»، أَرْفَقَ بِهَا. لِأَنَّهَا لَوْ صُيِّرَتْ «٨» عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ «٩» يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ، وَعِنْدَ غَيْرِهِ مِثْلِ ذَلِكَ «١٠» -: أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ أَضَرَّ بِهَا مِنْ قِبَلِ: أَنَّ الْكَافِلَ إذَا كَانَ وَاحِدًا: كَانَ «١١» أَعَطَفَ لَهُ عَلَيْهَا، وَأَعْلَمَ
(١) كَذَا بالسنن الْكُبْرَى. وفى الْأُم: «فَلَا تكون». وفى الأَصْل: «وَلَا يكون» وَلَعَلَّ مصحف.
(٢) فى الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى: «قوم»، وَمَا فى الأَصْل أحسن.
(٣) كَذَا بِالْأُمِّ وَالسّنَن الْكُبْرَى، وَذكر فِيهَا إِلَى هُنَا. وفى الأَصْل: «مستويين فى الْجِهَة» وَهُوَ تَصْحِيف.
(٤) قَالَ فى الْأُم (ج ٥) - بعد أَن ذكر نَحْو ذَلِك-: «لِأَنَّهُ إِنَّمَا يقارع: من يدلى بِحَق فِيمَا يقارع». وراجع بَقِيَّة كَلَامه: فقد يعين على فهم مَا هُنَا.
(٥) أَي: فى هَذِه الْحَالة، وبسبب تِلْكَ الْعلَّة. لِأَنَّهُ لَو كَانَ وجودهَا عِنْد كل مِنْهُم، مُتَسَاوِيا: فى الرِّفْق بهَا، وَتَحْقِيق مصلحتها-: لما كَانَ هُنَاكَ دَاع للقرعة الَّتِي قد تسلب بعض الْحُقُوق لِأَنَّهَا إِنَّمَا شرعت: لتحقيق مصلحَة لَا تتَحَقَّق بِدُونِهَا. وَعبارَة الأَصْل وَالأُم:
«فَلَمَّا» ونكاد نقطع: بِأَن الزِّيَادَة من النَّاسِخ.
(٦) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «يكون عَنهُ» وَهُوَ تَصْحِيف. [.....]
(٧) فى الْأُم زِيَادَة: «مِنْهُم».
(٨) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «صبرت» وَهُوَ تَصْحِيف. وَلَا يُقَال: إِن الصَّبْر يسْتَعْمل بِمَعْنى الْحَبْس لِأَنَّهُ لَيْسَ المُرَاد هُنَا.
(٩) فى الْأُم زِيَادَة: «مِنْهُم».
(١٠) فى الْأُم زِيَادَة: «كَانَ».
(١١) أَي: كَانَ كَونه وَاحِدًا مُنْفَردا بكفالتها فَلَيْسَ اسْم «كَانَ» رَاجعا إِلَى «وَاحِدًا»، وَإِلَّا: لَكَانَ قَوْله: «لَهُ» زَائِدا.
158
[لَهُ «١» ] بِمَا فِيهِ مُصْلِحَتُهَا-: لِلْعِلْمِ: بِأَخْلَاقِهَا، وَمَا تَقْبَلُ «٢»، وَمَا تَرُدُّ «٣» وَ [مَا «٤» ] يَحْسُنُ [بِهِ «٥» ] اغْتِذَاؤُهَا.- وَكُلُّ «٦» مَنْ اعْتَنَفَ «٧» كَفَالَتَهَا، كَفَلَهَا: غَيْرَ خَابِرٍ بِمَا يُصْلِحُهَا وَلَعَلَّهُ لَا يَقَعُ عَلَى صَلَاحِهَا: حَتَّى تَصِيرَ إلَى غَيْرِهِ فَيَعْتَنِفُ: مِنْ كَفَالَتِهَا [مَا اعْتَنَفَ «٨» ] غَيْرُهُ.»
«وَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ: يَصِحُّ وَذَلِكَ: أَنَّ وِلَايَةَ وَاحِدٍ «٩» إذَا كَانَتْ «١٠» صَبِيَّةً: غَيْرَ مُمْتَنِعَةٍ مِمَّا يَمْتَنِعُ مِنْهُ مَنْ عَقَلَ-: يَسْتُرُ «١١» مَا يَنْبَغِي سِتْرُهُ.-:
كَانَ أَكْرَمَ لَهَا، وَأَسْتَرَ عَلَيْهَا: أَنْ يَكْفُلَهَا وَاحِدٌ، دُونَ الْجَمَاعَةِ.»
«وَيَجُوزُ: أَنْ تَكُونَ عِنْدَ كَافِلٍ، وَيَغْرَمُ مَنْ بَقِيَ مُؤْنَتَهَا: بِالْحِصَصِ.
كَمَا تَكُونُ الصَّبِيَّةُ عِنْد خَالَتهَا، و «١٢»
عِنْدَ أُمِّهَا: وَمُؤْنَتُهَا: عَلَى مَنْ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهَا.»
(١) زِيَادَة حَسَنَة: لَيست بِالْأَصْلِ وَلَا بِالْأُمِّ.
(٢) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: بِالْيَاءِ وَهُوَ تَصْحِيف.
(٣) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: بِالْيَاءِ وَهُوَ تَصْحِيف.
(٤) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
(٥) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
(٦) هَذَا مَعْطُوف على قَوْله: الكافل. وفى الْأُم: «فَكل». وَهُوَ من تَمام التَّعْلِيل:
فَلَا تتوهم أَنه جَوَاب «لما» فَتَقول: إِن زِيَادَة الْفَاء الَّتِي حذفناها، زِيَادَة صَحِيحَة.
(٧) أَي: ابْتَدَأَ أَو: ائتنف (على عنعنة بعض بنى تَمِيم). انْظُر شرح الْقَامُوس.
(٨) هَذَا: من إِضَافَة الْمصدر إِلَى فَاعله.
(٩) أَي: الْمولى عَلَيْهِ المكفولة. [.....]
(١٠) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
(١١) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «لستر»، وَهُوَ تَصْحِيف، وَالظَّاهِر: أَن ذَلِك صفة لقَوْله: من عقل لَا لقَوْله: وَاحِد.
(١٢) الْوَاو بِمَعْنى: «أَو». وَلَو عبر بِهِ لَكَانَ أظهر.
159
«قَالَ: وَلَا يَعْدُو الَّذِينَ اقْتَرَعُوا عَلَى كَفَالَةِ مَرْيَمَ (عَلَيْهَا «١» [السَّلَامُ] ) :
أَنْ «٢» يَكُونُوا تَشَاحُّوا عَلَى كَفَالَتِهَا- فَهُوَ «٣» : أَشْبَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- أَوْ:
يَكُونُوا تَدَافَعُوا كَفَالَتَهَا فَاقْتَرَعُوا: أَيُّهُمْ تَلْزَمُهُ «٤» ؟. فَإِذَا رَضِيَ مَنْ شَحَّ «٥» عَلَى كَفَالَتِهَا، أَنْ يَمُونَهَا-: لَمْ يُكَلِّفْ غَيْرَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ: مِنْ مُؤْنَتِهَا شَيْئًا. بِرِضَاهُ «٦» : بِالتَّطَوُّعِ بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ.»
«قَالَ: وَأَيُّ الْمَعْنَيَيْنِ كَانَ: فَالْقُرْعَةُ تُلْزِمُ أَحَدَهُمْ مَا يَدْفَعُهُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ تُخَلِّصُ «٧» لَهُ مَا تَرْغَبُ «٨» فِيهِ نَفْسُهُ وَتَقْطَعُ «٩» ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ: مِمَّنْ هُوَ فِي مِثْلِ حَالِهِ.»
«وَهَكَذَا [مَعْنَى «١٠» ] قُرْعَةِ يُونُسَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : لَمَّا وَقَفَتْ بِهِمْ السَّفِينَةُ، فَقَالُوا: مَا يَمْنَعُهَا أَنْ تَجْرِيَ إلَّا: عِلَّةٌ بِهَا وَمَا عِلَّتُهَا إلَّا: ذُو ذَنْبٍ
(١) هَذِه الْجُمْلَة لَيست بِالْأُمِّ وَالزِّيَادَة سَقَطت من النَّاسِخ.
(٢) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «بِأَن» وَالزِّيَادَة من النَّاسِخ.
(٣) فى الْأُم: بِالْوَاو وَهُوَ أحسن.
(٤) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: بِالْيَاءِ وَلَعَلَّه مصحف.
(٥) أَي: قبل الْقرعَة.
(٦) كَذَا بِالْأُمِّ. وَهُوَ تَعْلِيل لقَوْله: لم يُكَلف. وفى الأَصْل: «يرضاه» وَهُوَ تَصْحِيف.
(٧) فى الأَصْل: «أَو يخلص» وَهُوَ تَصْحِيف. وفى الْأُم: «وتخلص».
وَمَا ذَكرْنَاهُ أظهر وَالْكَلَام هُنَا جَار على كلا الْمَعْنيين.
(٨) عبارَة الْأُم: «يرغب فِيهِ لنَفسِهِ» وهى أحسن.
(٩) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «وَيقطع» وَهُوَ تَصْحِيف.
(١٠) زِيَادَة عَن الْأُم: ملائمة لما بعد.
160
فِيهَا فَتَعَالَوْا: نَقْتَرِعُ. فَاقْتَرَعُوا: فَوَقَعَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى يُونُسَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) :
فَأَخْرَجُوهُ مِنْهَا، وَأَقَامُوا فِيهَا.»
«وَهَذَا: مِثْلُ مَعْنَى الْقُرْعَةِ فِي الَّذِينَ اقْتَرَعُوا عَلَى كَفَالَةِ مَرْيَمَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) لِأَنَّ حَالَةَ «١» الرُّكْبَانِ كَانَتْ مُسْتَوِيَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا «٢» حُكْمٌ: يُلْزِمُ «٣» أَحَدَهُمْ فِي مَالِهِ، شَيْئًا: لَمْ يَلْزَمْهُ قَبْلَ الْقُرْعَةِ وَيُزِيلُ عَنْ أَحَدٍ «٤» شَيْئًا: كَانَ يَلْزَمُهُ-: فَهُوَ يَثْبُتُ عَلَى بَعْضِ الْحَقِّ «٥»، وَيُبَيِّنُ فِي بعض: أَنه بريىء مِنْهُ. كَمَا كَانَ فِي الَّذِينَ اقْتَرَعُوا عَلَى كَفَالَةِ مَرْيَمَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ) : غُرْمٌ، وَسُقُوطُ غُرْمٍ» «قَالَ: وَقُرْعَةُ «٦» النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) - فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَقْرَعَ فِيهِ-: [فِي «٧» ] مِثْلِ مَعْنَى الَّذِينَ اقْتَرَعُوا عَلَى كَفَالَةِ مَرْيَمَ (عَلَيْهَا السَّلَامُ)، سَوَاءً: لَا يُخَالِفُهُ «٨»
«وَذَلِكَ: أَنَّهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَقْرَعَ بَيْنَ مَمَالِيكَ: أُعْتِقُوا مَعًا فَجَعَلَ الْعِتْقَ: تَامًّا لِثُلُثِهِمْ وَأَسْقَطَ عَنْ ثُلُثَيْهِمْ: بِالْقُرْعَةِ. وَذَلِكَ: أَنَّ الْمُعْتِقَ
(١) فى الْأُم: «حَال». [.....]
(٢) أَي: فى قرعَة يُونُس.
(٣) فى الأَصْل زِيَادَة: «من» وهى من عَبث النَّاسِخ.
(٤) فى الْأُم: «آخر» وَهُوَ أحسن.
(٥) فى الْأُم: «حَقًا».
(٦) هَذَا إِلَى قَوْله: لَا يُخَالِفهُ ذكر فى السّنَن الْكُبْرَى.
(٧) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى
(٨) فى السّنَن الْكُبْرَى: بِالتَّاءِ وَهُوَ أحسن.
161
- فِي مَرَضِهِ- أَعْتَقَ مَالَهُ وَمَالَ غَيْرِهِ: فَجَازَ عِتْقُهُ فِي مَالِهِ، وَلَمْ يَجُزْ فِي مَالِ غَيْرِهِ. فَجَمَعَ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الْعِتْقَ: فِي ثَلَاثَةٍ «١» وَلَمْ يُبَعِّضْهُ «٢».
كَمَا يُجْمَعُ: فِي الْقَسْمِ بَيْنَ أَهْلِ الْمَوَارِيثِ وَلَا يُبَعِّضُ عَلَيْهِمْ.»
«وَكَذَلِكَ: كَانَ إقْرَاعُهُ لِنِسَائِهِ: أَنْ يَقْسِمَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ:
فِي الْحَضَرِ فَلَمَّا كَانَ فِي «٣»
السَّفَرِ: كَانَ مَنْزِلَةً «٤» : يَضِيقُ فِيهَا الْخُرُوجُ بِكُلِّهِنَّ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ: فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا: خَرَجَ بِهَا «٥»، وَسَقَطَ حَقُّ غَيْرِهَا: فِي غِيبَتِهِ بِهَا فَإِذَا حَضَرَ: عَادَ لِلْقَسْمِ «٦» لِغَيْرِهَا، وَلَمْ يَحْسِبْ عَلَيْهَا
(١) فى الْأُم: «ثلثه» وَعبارَة الأَصْل أحسن فَتَأمل
(٢) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ص ٢٨٥- ٢٨٧) : حديثى عمرَان بن الْحصين، وَابْن الْمسيب وَأثر أبان بن عُثْمَان: فى ذَلِك. وراجع شرح الْمُوَطَّأ (ج ٤ ص ٨١- ٨٢)، وَشرح مُسلم (ج ١١ ص ١٣٩- ١٤١)، ومعالم السّنَن (ج ٤ ص ٧٧- ٧٨).
وَانْظُر مَا تقدم (ج ١ ص ١٥٠- ١٥١)، وَالأُم (ج ٧ ص ١٦- ١٧) والرسالة (ص ١٤٣ ١٤٤). وَقد ذكر فِي الْأُم- عقب آخر كَلَامه هُنَا-: حَدِيث عمرَان وَغَيره وَتعرض لكيفية الْقرعَة بَين المماليك وَغَيرهم ورد على من قَالَ بالاستسعاء: ردا مُنْقَطع النظير.
فراجع كَلَامه (ص ٣٣٧- ٣٤٠)، وَانْظُر الْمُخْتَصر (ج ٥ ص ٢٦٩- ٢٧٠). ثمَّ رَاجع السّنَن الْكُبْرَى (ص ٢٧٣- ٢٨٥) وَشرح الْمُوَطَّأ (ج ٤ ص ٧٧- ٨٠) ومعالم السّنَن (ص ٦٨- ٧٢) وَشرح وَمُسلم (ج ١٠ ص ١٣٥- ١٣٩) وَطرح التثريب (ج ٦ ص ١٩٢- ٢٠٩) : فستقف على أجمع وأجود مَا كتب فى مَسْأَلَة الِاسْتِسْعَاء.
(٣) هَذَا لَيْسَ بِالْأُمِّ وزيادته أحسن.
(٤) كَذَا بِالْأُمِّ، أَي: فى حَالَة. وفى الأَصْل: «منزله» وَهُوَ تَصْحِيف.
(٥) فى الْأُم، زِيَادَة: «مَعَه».
(٦) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «الْقسم» وَهُوَ تَصْحِيف. وَإِلَّا: كَانَ قَوْله: عَاد محرفا عَن «أعَاد». أنظر الْمِصْبَاح.
162
(ظُهُورُهُما، أَوِ الْحَوايا، أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ: جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ: ٦- ١٤٦).
قَالَ الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) : الْحَوَايَا: مَا حَوَى «١» الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، فِي الْبَطْنِ».
«فَلَمْ يَزَلْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) عَلَى بَنِي إسْرَائِيلٍ-: الْيَهُودِ خَاصَّةً، وَغَيْرِهِمْ عَامَّةً.- مُحَرَّمًا: مِنْ حِينَ حَرَّمَهُ، حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ (تَبَارَكَ وَتَعَالَى) مُحَمَّدًا (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : فَفَرَضَ الْإِيمَانَ بِهِ، وَأَمَرَ «٢» : بِاتِّبَاعِ نَبِيِّ «٣» اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَطَاعَةِ أَمْرِهِ: وَأَعْلَمَ خَلْقَهُ: أَنَّ «٤» طَاعَتَهُ: طَاعَتُهُ وَأَنَّ دِينَهُ: الْإِسْلَامُ الَّذِي نَسَخَ بِهِ كُلَّ دِينٍ كَانَ قَبْلَهُ وَجَعَلَ «٥» مَنْ أَدْرَكَهُ وَعَلِمَ دِينَهُ-: فَلَمْ يَتْبَعْهُ.-: كَافِرًا بِهِ. فَقَالَ: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ: الْإِسْلامُ: ٣- ١٩ «٦» ).»
«وَأَنْزَلَ «٧» فِي أَهْلِ الْكِتَابِ-: مِنْ الْمُشْرِكِينَ.-: (قُلْ: يَا أَهْلَ)
(١) كَذَا بِالْأُمِّ وَالسّنَن الْكُبْرَى. أَي: من الأمعاء. وفى الأَصْل وَالْمَجْمُوع: «حول» وَهُوَ تَصْحِيف على مَا يظْهر. والحوايا جمع: «حوية». وراجع فِي الْفَتْح (ج ٨ ص ٢٠٥) تَفْسِير ابْن عَبَّاس لذَلِك وَغَيره: مِمَّا يتَعَلَّق بالْمقَام.
(٢) هَذَا إِلَى: أمره لَيْسَ بالسنن الْكُبْرَى.
(٣) فى الْأُم: «رَسُوله».
(٤) عبارَة السّنَن الْكُبْرَى هى: «أَن دينه: الْإِسْلَام الَّذِي نسخ بِهِ كل دين قبله فَقَالَ» إِلَخ.
(٥) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «وجمل» وَهُوَ تَصْحِيف.
(٦) فى الْأُم زِيَادَة: «فَكَانَ هَذَا فى الْقُرْآن».
(٧) فى الْأُم زِيَادَة: «عز وَجل».
96
(الْكِتابِ، تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ: أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ، وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) الْآيَةَ، إلَى: (مُسْلِمُونَ: ٣- ٦٤) وَأَمَرَ»
بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ «٢» : إنْ لَمْ يُسْلِمُوا وَأَنْزَلَ فِيهِمْ: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ: الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ: فِي التَّوْراةِ، وَالْإِنْجِيلِ) الْآيَةَ «٣» :(٧- ١٥٧). فَقِيلَ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) : أَوْزَارَهُمْ «٤»، وَمَا مُنِعُوا-: بِمَا أَحْدَثُوا.- قَبْلَ مَا شُرِعَ: مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «٥»
«فَلَمْ يَبْقَ خَلْقٌ يَعْقِلُ-: مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.-:
كِتَابِيٌّ «٦»
، وَلَا وَثَنِيٌّ، وَلَا حَيٌّ بِرُوحٍ «٧» -: مِنْ جِنٍّ، وَلَا إنْسٍ.-:
بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إلَّا قَامَتْ عَلَيْهِ حُجَّةُ اللَّهِ: بِاتِّبَاعِ دِينِهِ وَكَانَ «٨» مُؤْمِنًا: بِاتِّبَاعِهِ وَكَافِرًا: بِتَرْكِ اتِّبَاعِهِ.»
(١) فى الْأُم: «وأمرنا».
(٢) فى الْأُم زِيَادَة: «عَن يَد وهم صاغرون» وَهُوَ اقتباس من آيَة التَّوْبَة: (٢٩).
(٣) فى الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى: «إِلَى قَوْله: (وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ).».
(٤) كَذَا بِالْأُمِّ وَالسّنَن الْكُبْرَى. وفى الأَصْل: «أَو زادهم» وَهُوَ تَصْحِيف.
(٥) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى، أثر ابْن عَبَّاس: فى ذَلِك.
(٦) عبارَة السّنَن الْكُبْرَى: «من جن وَلَا إنس بلغته دَعوته». [.....]
(٧) فى الْأُم: «ذُو روح».
(٨) عبارَة السّنَن الْكُبْرَى: «وَلزِمَ كل امْرِئ مِنْهُم تَحْرِيم» إِلَخ.
97
«وَلَزِمَ كُلَّ امْرِئٍ مِنْهُمْ-: آمَنَ بِهِ، أَوْ كَفَرَ.- تَحْرِيمُ «١» مَا حَرَّمَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كَانَ «٢» مُبَاحًا قَبْلَهُ فِي شَيْءٍ:
مِنْ الْمِلَلِ أَوْ «٣» غَيْرَ مُبَاحٍ.- وَإِحْلَالُ مَا أَحَلَّ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : كَانَ «٤» حَرَامًا فِي شَيْءٍ: مِنْ الْمِلَلِ [أَوْ غَيْرَ حَرَامٍ «٥» ] » «وَأَحَلَّ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) : طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَدْ «٦» وَصَفَ ذَبَائِحَهُمْ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهَا شَيْئًا.»
«فَلَا يَجُوزُ أَنْ تَحْرُمَ «٧» ذَبِيحَةُ كِتَابِيٍّ وَفِي الذَّبِيحَةِ حَرَامٌ- عَلَى «٨» كُلِّ مُسْلِمٍ-: مِمَّا «٩» كَانَ حَرُمَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، قَبْلَ مُحَمَّدٍ
(١) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «يحرم» وَهُوَ تَحْرِيف.
(٢) هَذَا إِلَى قَوْله: «مُبَاح» لَيْسَ بالسنن الْكُبْرَى.
(٣) هَذَا إِلَى قَوْله: الْملَل غير مَوْجُود بِالْأُمِّ. ونرجح أَنه سقط من النَّاسِخ أَو الطابع.
(٤) هَذَا إِلَى قَوْله: الْملَل لَيْسَ بالسنن الْكُبْرَى. وراجع فِيهَا: حديثى جَابر وَمَعْقِل ابْن يسَار.
(٥) هَذِه زِيَادَة حَسَنَة ملائمة للْكَلَام السَّابِق فَرَأَيْنَا إِثْبَاتهَا: وان كَانَت غير مَوْجُودَة بِالْأُمِّ وَلَا غَيرهَا.
(٦) عبارَة السّنَن الْكُبْرَى: «فَكَانَ ذَلِك- عِنْد أهل التَّفْسِير-: ذَبَائِحهم، لم يسْتَثْن» إِلَخ.
(٧) كَذَا بِالْأُمِّ بِزِيَادَة: «مِنْهَا». وَهُوَ صَحِيح ظَاهر فى التَّفْرِيع، وملائم لما بعده.
وَعبارَة الأَصْل وَالسّنَن الْكُبْرَى: «فَلَا يجوز أَن تحل». وَالظَّاهِر: أَنَّهَا محرفة. وَقد يُقَال:
«إِن مُرَاده- فى هَذِه الرِّوَايَة- أَن يَقُول: إِذا حدثت ذَبِيحَة كتابى قبل الْإِسْلَام، وادخر مِنْهَا شىء محرم، وَبَقِي إِلَى مَا بعد الْإِسْلَام-: فَلَا يجوز للْمُسلمِ أَن يتَنَاوَلهُ لِأَن الذّبْح حدث: وَالْحُرْمَة لم تنسخ بعد.». وَهُوَ بعيد، وَيحْتَاج الى بحث وَتثبت من صِحَّته.
(٨) هَذَا مُتَعَلق بقوله: تحرم. وَلَو قدم على مَا قبله: لَكَانَ أحسن وَأظْهر.
(٩) كَذَا بِالْأُمِّ وَالسّنَن الْكُبْرَى وَهُوَ بَيَان لقَوْله: حرَام. وفى الأَصْل: بِمَا» وَهُوَ خطأ وتصحيف
98
(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). وَلَا «١» يَجُوزُ: أَنْ يَبْقَى شَيْءٌ «٢» : مِنْ شَحْمِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ. وَكَذَلِكَ: لَوْ ذَبَحَهَا كِتَابِيٌّ لِنَفْسِهِ، وَأَبَاحَهَا لِمُسْلِمٍ «٣» -: لَمْ يَحْرُمْ عَلَى مُسْلِمٍ: مِنْ شَحْمِ بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ مِنْهَا، شَيْءٌ «٤» ».
«وَلَا يَجُوزُ: أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ حَلَالًا-: مِنْ جِهَةِ الذَّكَاةِ «٥».-
لِأَحَدٍ، حَرَامًا عَلَى غَيْرِهِ. لِأَنَّ اللَّهَ (عَزَّ وَجَلَّ) أَبَاحَ مَا ذُكِرَ: عَامَّةً «٦» لَا: خاصّة.»
«و «٧» هَل يَحْرُمُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، مَا حَرُمَ عَلَيْهِمْ [قَبْلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «٨» ]-: مِنْ هَذِهِ الشُّحُومِ وَغَيْرِهَا.-: إذَا لَمْ يَتَّبِعُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ؟»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَدْ «٩» قِيلَ: ذَلِكَ كُلُّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يُؤْمِنُوا.»
(١) هَذَا إِلَى آخر الْكَلَام، لَيْسَ بالسنن الْكُبْرَى.
(٢) أَي: على الْحُرْمَة. وَقَوله: شىء لَيْسَ بِالْأُمِّ.
(٣) أَي: أعطَاهُ إِيَّاهَا، أَو لم يمنعهُ من الِانْتِفَاع بهَا. [.....]
(٤) هَذَا: مَذْهَب الْجُمْهُور وروى عَن مَالك وَأحمد: التَّحْرِيم. رَاجع فِي الْفَتْح (ج ٩ ص ٥٠٣) : دَلِيل عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم على ذَلِك، وَالرَّدّ عَلَيْهِ. وراجع فى السّنَن الْكُبْرَى: حَدِيث عبد الله بن الْمُغَفَّل الَّذِي يدل على الْإِبَاحَة.
(٥) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «الزَّكَاة لآخر» وَهُوَ تَصْحِيف.
(٦) أَي: إِبَاحَة عَامَّة، لَا إِبَاحَة خَاصَّة. وفى الْأُم: «عَاما لَا خَاصّا» وَهُوَ حَال من «مَا».
(٧) عبارَة الْأُم: «فَإِن قَالَ قَائِل: هَل».
(٨) زِيَادَة جَيِّدَة، عَن الْأُم.
(٩) فى الْأُم: «فقد».
99
وَذَكَرَ حَدِيثَ الْعُرَنِيِّينَ «١» : فِي بَوْلِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا، وَإِذْنَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : فِي شُرْبِهَا، لِإِصْلَاحِهِ لِأَبْدَانِهِمْ «٢»
(أَنَا) أَبُو سَعِيدٍ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «٣» :
«قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ، إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ) «٤» الْآيَةَ: (٣- ٩٣) وَقَالَ: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا، حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ: ٤- ١٦٠) «٥» يَعْنِي (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) :
طَيِّبَاتٍ: كَانَتْ أُحِلَّتْ لَهُمْ. وَقَالَ تَعَالَى: (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا، حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ «٦» الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا: مَا حَمَلَتْ
(١) نِسْبَة إِلَى: «عرينة». انْظُر الْكَلَام عَنْهَا فى الْمِصْبَاح (مَادَّة: عرن). وَمَا تقدم بالهامش (ج ١ ص ١٥٤).
(٢) رَاجع هَذَا الحَدِيث، وَالْكَلَام عَنهُ-: فى الْأُم، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٨ ص ٢٨٢ وَج ١٠ ص ٤)، وَالْفَتْح (ج ١ ص ٢٣٣- ٢٣٧ وَج ٧ ص ٣٢١- ٣٢٢ وَج ٨ ص ١٩٠ وَج ١٢ ص ٩٠- ٩١)، وَشرح مُسلم (ج ١١ ص ١٥٤)، وَشرح الْعُمْدَة (ج ١١ ص ١٥٤). فَهُوَ مُفِيد فى مبَاحث كَثِيرَة، وفى قتال الْبُغَاة وقطاع الطَّرِيق خَاصَّة.
(٣) كَمَا فى الْأُم (ج ٢ ص ٢٠٩- ٢١١). وَقد ذكر أَكْثَره: فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ١٠ ص ٨- ٩) مُتَفَرقًا. وَقد نَقله عَنْهَا فى الْمَجْمُوع (ج ٩ ص ٧٠- ٧١) بِتَصَرُّف.
(٤) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى، مَا روى عَن ابْن عَبَّاس: فى سَبَب نزُول ذَلِك. وراجع أَسبَاب النُّزُول للواحدى (ص ٨٤).
(٥) عبارَة السّنَن الْكُبْرَى: «وَهن يعْنى» إِلَخ. [.....]
(٦) فى الْأُم: «إِلَى: (وَإِنَّا لصادقون).». وَذكر فى السّنَن الْكُبْرَى إِلَى: (بِعظم).
وراجع فِيهَا: أثر ابْن عَبَّاس، وَحَدِيث عمر: فى ذَلِك.
«مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي الْحَجِّ»
وَفِيمَا أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ (إجَازَةً) : أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ، حَدَّثَهُمْ، قَالَ: أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ (رَحِمَهُ اللَّهُ) :«الْآيَةُ الَّتِي فِيهَا بَيَانُ فَرْضِ الْحَجِّ عَلَى مَنْ فُرِضَ عَلَيْهِ، هِيَ «١» : قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ: حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا: ٣- ٩٧). وَقَالَ تَعَالَى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ: ٢- ١٩٦) «٢»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) الْآيَةُ «٣».- قَالَتْ الْيَهُودُ «٤» : فَنَحْنُ مُسْلِمُونَ فَقَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : فَحُجَّهُمْ «٥» فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : حُجُّوا «٦» فَقَالُوا: لَمْ يُكْتَبْ عَلَيْنَا وَأَبَوْا أَنْ يَحُجُّوا. فَقَالَ «٧» اللَّهُ تَعَالَى: (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ)
(١) فى الأَصْل: «فى قَول». وفى الْأُم (ج ٢ ص ٩٣) :«قَالَ». وَلَعَلَّ مَا أَثْبَتْنَاهُ هُوَ الظَّاهِر. [.....]
(٢) انْظُر- فى كَون الْعمرَة وَاجِبَة- مُخْتَصر الْمُزنِيّ (ج ٢ ص ٤٨- ٤٩)، وَالأُم (ج ٢ ص ١١٣).
(٣) تَمام الْمَتْرُوك: (وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ: ٣- ٨٥).
(٤) انْظُر- فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٤ ص ٣٢٤) - مَا ذكره مُجَاهِد.
(٥) فى السّنَن الْكُبْرَى: «فاخصمهم) يعْنى بحجتهم) ».
(٦) عبارَة السّنَن الْكُبْرَى: «إِن الله فرض على الْمُسلمين حج الْبَيْت: من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا.».
(٧) بِالْأَصْلِ وَالأُم وَالسّنَن: «قَالَ»، وَلَعَلَّ زِيَادَة الْفَاء أظهر.
111
(الْعالَمِينَ: ٣- ٩٧). قَالَ عِكْرِمَةُ: وَمَنْ كَفَرَ-: مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ «١».-: فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ.».
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالَ عِكْرِمَةُ، بِمَا قَالَ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) -:
لِأَنَّ هَذَا كُفْرٌ بِفَرْضِ الْحَجِّ: وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَالْكُفْرُ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ:
كُفْرٌ.»
.
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، وَسَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ ابْنِ «٢» جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ مُجَاهِدٌ- فِي قَوْلِ اللَّهِ: (وَمَنْ كَفَرَ).- قَالَ: هُوَ «٣» فِيمَا: إنْ حَجَّ لَمْ يَرَهُ بِرًّا، وَإِنْ جَلَسَ لَمْ يَرَهُ إثْمًا «٤»
«كَانَ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ، يَذْهَبُ: إلَى أَنَّهُ كُفْرٌ بِفَرْضِ الْحَجِّ. قَالَ «٥» :
وَمَنْ كَفَرَ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ-: كَانَ كَافِرًا.»
«وَهَذَا (إنْ شَاءَ اللَّهُ) : كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَمَا قَالَ عِكْرِمَةُ فِيهِ: أَوْضَحُ وَإِنْ كَانَ هَذَا وَاضِحًا.».
(أَنَا) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ)
(١) فى الأَصْل: «الْملك» وَهُوَ تَحْرِيف ظَاهر، والتصحيح عَن الْأُم وَالسّنَن الْكُبْرَى.
(٢) فى السّنَن الْكُبْرَى: «عَن سُفْيَان عَن ابْن أَبى نجيح».
(٣) فى الْأُم: «هُوَ مَا إِلَخ»، وفى السّنَن الْكُبْرَى: «من إِن حج.. وَمن تَركه..».
(٤) أخرجه فى السّنَن الْكُبْرَى أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس بِلَفْظ: «من كفر بِالْحَجِّ: فَلم يرجحه برا، وَلَا تَركه إِثْمًا».
(٥) فى الْأُم: «قَالَ الشَّافِعِي»، وَالظَّاهِر أَن الْقَائِل سعيد. فَلْيتَأَمَّل.
112
(مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا). وَالِاسْتِطَاعَةُ- فِي دَلَالَةِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ-: أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ يَقْدِرُ عَلَى مَرْكَبٍ وَزَادٍ: يُبَلِّغُهُ ذَاهِبًا وَجَائِيًا وَهُوَ يَقْوَى عَلَى «١» الْمَرْكَبِ. أَوْ: أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ، فَيَسْتَأْجِرَ بِهِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ. أَوْ:
يَكُونَ لَهُ مَنْ: إذَا أَمَرَهُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ، أَطَاعَهُ «٢».». وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ «٣».
وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ: الِاسْتِطَاعَةَ الَّتِي هِيَ سَبَبُ وُجُوبِ «٤» الْحَجِّ. فَأَمَّا الِاسْتِطَاعَةُ- الَّتِي هِيَ: خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى، مَعَ كَسْبِ الْعَبْدِ «٥».-: فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ (الرِّسَالَةِ) «٦» :
«وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا يُؤَدَّى شُكْرُ نِعْمَةٍ- مِنْ نِعَمِهِ- إلَّا بِنِعْمَةٍ مِنْهُ:
تُوجِبُ عَلَى مُؤَدِّي مَاضِي نِعَمِهِ، بِأَدَائِهَا-: نِعْمَةً حَادِثَةً يَجِبُ عَلَيْهِ شُكْرُهُ [بِهَا] «٧»
.».
وَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: «وَأَسْتَهْدِيه بِهُدَاهُ «٨» : الَّذِي لَا يَضِلُّ مَنْ أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ.».
وَقَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ «٩» :«النَّاسُ مُتَعَبَّدُونَ: بِأَنْ يَقُولُوا، أَوْ يَفْعَلُوا
(١) أَي: على الثُّبُوت عَلَيْهِ.
(٢) انْظُر السّنَن الْكُبْرَى (ج ٤ ص ٣٢٧- ٣٣٠ وَج ٥ ص ٢٢٤- ٢٢٥).
(٣) اُنْظُرْهُ فى الْأُم (ج ٢ ص ٩٦- ٩٨ و١٠٤- ١٠٧) ومختصر الْمُزنِيّ (ج ٢ ص ٣٩- ٤١). [.....]
(٤) بِالْأَصْلِ: «وجود»
وَهُوَ تَحْرِيف من النَّاسِخ.
(٥) بِالْأَصْلِ: «الْعَهْد» وَهُوَ تَحْرِيف أَيْضا.
(٦) ص (٧- ٨).
(٧) الزِّيَادَة عَن الرسَالَة.
(٨) فى الأَصْل: «بهداية» والتصحيح عَن الرسَالَة.
(٩) أَي: كتاب أَحْكَام الْقُرْآن.
113
سورة آل عمران
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

اتصَلتْ سورةُ (آلِ عِمْرانَ) من حيث الفضلُ بسورةِ (البقرة)؛ فقد وصَفهما الرسولُ ﷺ بـ (الزَّهْراوَينِ)؛ لِما احتوتا عليه من نورٍ وهداية.

وجاءت هذه السُّورةُ ببيانِ هداية هذا الكتابِ للناس، متضمِّنةً الحوارَ مع أهل الكتاب، مُحاجِجَةً إياهم في صِدْقِ هذا الدِّين وعلوِّه على غيره، مبرهنةً لصِدْقِ النبي ﷺ بهذه الرسالة، وهَيْمنةِ هذا الدِّينِ على غيره، ونَسْخِه للأديان الأخرى؛ فمَن ابتغى غيرَ الإسلام فأمرُه ردٌّ غيرُ مقبولٍ، كما أشارت إلى غزوةِ (أُحُدٍ)، وأمرِ المسلمين بالثَّبات على هذا الدِّين.

ترتيبها المصحفي
3
نوعها
مدنية
ألفاظها
3501
ترتيب نزولها
89
العد المدني الأول
200
العد المدني الأخير
200
العد البصري
200
العد الكوفي
200
العد الشامي
200

* قوله تعالى: {إِنَّ اْلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اْللَّهِ وَأَيْمَٰنِهِمْ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمْ فِي اْلْأٓخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اْللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٞ} [آل عمران: 77]:

ورَد عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ - رضي الله عنه -، عن النبيِّ ﷺ، قال: «مَن حلَفَ على يمينٍ يقتطِعُ بها مالَ امرئٍ مسلمٍ، وهو فيها فاجرٌ: لَقِيَ اللهَ وهو عليه غضبانُ»، ثم أنزَلَ اللهُ تصديقَ ذلك: {إِنَّ اْلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اْللَّهِ وَأَيْمَٰنِهِمْ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ لَا خَلَٰقَ لَهُمْ فِي اْلْأٓخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اْللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٞ} [آل عمران: 77]، ثم إنَّ الأشعَثَ بنَ قيسٍ خرَجَ إلينا، فقال: ما يُحدِّثُكم أبو عبدِ الرَّحمنِ؟ قال: فحدَّثْناه، قال: فقال: صدَقَ؛ لَفِيَّ نزَلتْ، كانت بيني وبين رجُلٍ خصومةٌ في بئرٍ، فاختصَمْنا إلى رسولِ اللهِ ﷺ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «شاهِدَاكَ أو يمينُهُ»، قلتُ: إنَّه إذًا يَحلِفُ ولا يُبالي، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «مَن حلَفَ على يمينٍ يستحِقُّ بها مالًا، وهو فيها فاجرٌ: لَقِيَ اللهَ وهو عليه غضبانُ»، ثم أنزَلَ اللهُ تصديقَ ذلك، ثم اقترَأَ هذه الآيةَ: {إِنَّ اْلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اْللَّهِ وَأَيْمَٰنِهِمْ ثَمَنٗا قَلِيلًا} إلى قوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٞ} [آل عمران: 77]. أخرجه البخاري (٢٣٥٦).

* قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اْللَّهُ قَوْمٗا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَٰنِهِمْ وَشَهِدُوٓاْ أَنَّ اْلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَآءَهُمُ اْلْبَيِّنَٰتُۚ وَاْللَّهُ لَا يَهْدِي اْلْقَوْمَ اْلظَّٰلِمِينَ ٨٦ أُوْلَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اْللَّهِ وَاْلْمَلَٰٓئِكَةِ وَاْلنَّاسِ أَجْمَعِينَ ٨٧ خَٰلِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ اْلْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ٨٨ إِلَّا اْلَّذِينَ تَابُواْ مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اْللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 86-89]:

صحَّ عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما -، قال: «كان رجُلٌ مِن الأنصارِ أسلَمَ، ثم ارتَدَّ ولَحِقَ بالشِّرْكِ، ثم نَدِمَ، فأرسَلَ إلى قومِه: سَلُوا رسولَ اللهِ ﷺ: هل لي مِن توبةٍ؟ فجاء قومُهُ إلى رسولِ اللهِ ﷺ، فقالوا: إنَّ فلانًا قد نَدِمَ، وإنَّه قد أمَرَنا أن نسألَك: هل له مِن توبةٍ؟ فنزَلتْ: {كَيْفَ يَهْدِي اْللَّهُ قَوْمٗا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَٰنِهِمْ} [آل عمران: 86] إلى {غَفُورٞ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 89]، فأرسَلَ إليه قومُهُ، فأسلَمَ». أخرجه النسائي (٤٠٧٩).

* قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ءَايَٰتُ اْللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُۥۗ وَمَن يَعْتَصِم بِاْللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسْتَقِيمٖ ١٠١ يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْتَّقُواْ اْللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ١٠٢ وَاْعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اْللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَاْذْكُرُواْ نِعْمَتَ اْللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنٗا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٖ مِّنَ اْلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَاۗ} [آل عمران: 101-103]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما -، قال: «كان الأَوْسُ والخَزْرجُ يَتحدَّثون، فغَضِبوا، حتى كان بينهم حربٌ، فأخَذوا السِّلاحَ بعضُهم إلى بعضٍ؛ فنزَلتْ: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ءَايَٰتُ اْللَّهِ} [آل عمران: 101] إلى قوله تعالى: {فَأَنقَذَكُم مِّنْهَاۗ} [آل عمران: 103]. "المعجم الكبير" للطبراني (١٢٦٦٦).

* قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ اْلْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَٰلِمُونَ} [آل عمران: 128]:

صحَّ عن أبي هُرَيرةَ - رضي الله عنه - أنَّه قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يقولُ حين يفرُغُ مِن صلاةِ الفجرِ مِن القراءةِ ويُكبِّرُ ويَرفَعُ رأسَه: «سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ربَّنا ولك الحمدُ»، ثم يقولُ وهو قائمٌ: «اللهمَّ أنْجِ الوليدَ بنَ الوليدِ، وسلَمةَ بنَ هشامٍ، وعيَّاشَ بنَ أبي ربيعةَ، والمستضعَفِينَ مِن المؤمنين، اللهمَّ اشدُدْ وَطْأتَك على مُضَرَ، واجعَلْها عليهم كَسِنِي يوسُفَ، اللهمَّ العَنْ لِحْيانَ، ورِعْلًا، وذَكْوانَ، وعُصَيَّةَ؛ عصَتِ اللهَ ورسولَه»، ثم بلَغَنا أنَّه ترَكَ ذلك لمَّا أُنزِلَ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإنَّهُمْ ظالِمُونَ}». أخرجه مسلم (675).

وعن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -: أنَّه سَمِعَ رسولَ اللهِ ﷺ إذا رفَعَ رأسَه مِن الرُّكوعِ مِن الركعةِ الآخِرةِ مِن الفجرِ يقولُ: «اللهمَّ العَنْ فلانًا وفلانًا وفلانًا» بعدما يقولُ: «سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ربَّنا ولك الحمدُ»؛ فأنزَلَ اللهُ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ اْلْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَٰلِمُونَ} [آل عمران: 128]. أخرجه البخاري (٤٠٦٩).

* قوله تعالى: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنۢ بَعْدِ اْلْغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغْشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمْۖ وَطَآئِفَةٞ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ} [آل عمران: 154]:

عن أنسِ بن مالكٍ - رضي الله عنه -، أنَّ أبا طَلْحةَ قال: «غَشِيَنا النُّعَاسُ ونحن في مَصافِّنا يومَ أُحُدٍ، قال: فجعَلَ سيفي يسقُطُ مِن يدي وآخُذُه، ويسقُطُ وآخُذُه؛ وذلك قولُه عز وجل: {ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنۢ بَعْدِ اْلْغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغْشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمْۖ وَطَآئِفَةٞ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ} [آل عمران: 154]، والطائفةُ الأخرى: المنافقون، ليس لهم إلا أنفسُهم؛ أجبَنُ قومٍ وأرعَبُهُ، وأخذَلُهُ للحقِّ». أخرجه البخاري (٤٠٦٨).

* قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٖ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161]:

صحَّ عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما - أنَّه قال: «نزَلتْ هذه الآيةُ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ} في قَطيفةٍ حَمْراءَ فُقِدتْ يومَ بدرٍ، فقال بعضُ الناسِ: لعلَّ رسولَ اللهِ - ﷺ - أخَذَها؛ فأنزَلَ اللهُ: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّۚ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ اْلْقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٖ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161]». أخرجه أبو داود (٣٩٧١).

* قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اْلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ أَمْوَٰتَۢاۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169]:

عن مسروقٍ، قال: سأَلْنا عبدَ اللهِ - هو ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه - عن هذه الآيةِ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اْلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ أَمْوَٰتَۢاۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، قال: «أمَا إنَّا قد سأَلْنا عن ذلك، فقال: أرواحُهم في جوفِ طيرٍ خُضْرٍ، لها قناديلُ معلَّقةٌ بالعرشِ، تَسرَحُ مِن الجَنَّةِ حيث شاءت، ثم تَأوي إلى تلك القناديلِ، فاطَّلَعَ إليهم ربُّهم اطِّلاعةً، فقال: هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: أيَّ شيءٍ نشتهي ونحن نَسرَحُ في الجَنَّةِ حيث شِئْنا؟! ففعَلَ ذلك بهم ثلاثَ مرَّاتٍ، فلمَّا رأَوْا أنَّهم لن يُترَكوا مِن أن يَسألوا، قالوا: يا ربُّ، نريدُ أن ترُدَّ أرواحَنا في أجسادِنا؛ حتى نُقتَلَ في سبيلِك مرَّةً أخرى، فلمَّا رأى أنْ ليس لهم حاجةٌ، تُرِكوا». أخرجه مسلم (١٨٨٧).

سُمِّيتْ (آلُ عِمْرانَ) بهذا الاسم لذِكْرِ (آلِ عِمْرانَ) فيها، وثبَت لها اسمٌ آخَرُ؛ وهو (الزَّهْراءُ):

لِما جاء في حديث أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ يقولُ: «اقرَؤُوا الزَّهْراوَينِ: البقرةَ، وسورةَ آلِ عِمْرانَ». أخرجه مسلم (804).

يقول ابنُ منظورٍ: «والزَّهْراوانِ: أي: المُنِيرتانِ المُضِيئتانِ، واحدتها: زَهْراءُ». لسان العرب (4 /332).

وقد عدَّ بعضُ العلماء أنَّ ذِكْرَ (الزَّهْراوانِ) في هذا الحديثِ هو من بابِ الوصف، لا التسمية. انظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (3 /143)، "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (1 /20).

* تُحاجُّ عن صاحبِها:

صحَّ عن أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: «اقرَؤُوا القرآنَ؛ فإنَّه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابِه؛ اقرَؤُوا الزَّهْراوَينِ: البقرةَ، وسورةَ آلِ عِمْرانَ؛ فإنَّهما تأتيانِ يومَ القيامةِ كأنَّهما غَمَامتانِ، أو كأنَّهما غَيَايتانِ، أو كأنَّهما فِرْقانِ مِن طيرٍ صوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصحابِهما، اقرَؤُوا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أَخْذَها برَكةٌ، وتَرْكَها حَسْرةٌ، ولا تستطيعُها البَطَلةُ». أخرجه مسلم (804).

* كان يعظُمُ بين الصحابةِ قارئُ سورةِ (آلِ عِمْرانَ):

فعن أنسٍ رضي الله عنه، قال: «كان الرَّجُلُ إذا قرَأ البقرةَ وآلَ عِمْرانَ، جَدَّ فينا - يعني: عظُمَ -»، وفي روايةٍ: «يُعَدُّ فينا عظيمًا»، وفي أخرى: «عُدَّ فينا ذا شأنٍ». أخرجه أحمد (12236).

* ورَدتْ قراءتُه ﷺ لسورة (آل عِمْران) في قيام الليل:

فعن حُذَيفةَ بن اليمانِ رضي الله عنهما، قال: «صلَّيْتُ مع رسولِ اللهِ ﷺ ذاتَ ليلةٍ، فاستفتَحَ بسورةِ البقرةِ، فقرَأَ بمائةِ آيةٍ لم يَركَعْ، فمضى، قلتُ: يَختِمُها في الرَّكعتَينِ، فمضى، قلتُ: يَختِمُها ثم يَركَعُ، فمضى حتى قرَأَ سورةَ النِّساءِ، ثم قرَأَ سورةَ آلِ عِمْرانَ، ثم ركَعَ نحوًا مِن قيامِهِ، يقولُ في ركوعِهِ: سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، ثم رفَعَ رأسَهُ، فقال: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ربَّنا لك الحمدُ، وأطال القيامَ، ثم سجَدَ، فأطال السُّجودَ، يقولُ في سجودِهِ: سبحانَ ربِّيَ الأعلى، سبحانَ ربِّيَ الأعلى، سبحانَ ربِّيَ الأعلى، لا يمُرُّ بآيةِ تخويفٍ أو تعظيمٍ للهِ عز وجل إلا ذكَرَهُ». أخرجه النسائي (١١٣٢).

* كان النبيُّ ﷺ يَقرأُ خواتمَها منتصَفَ الليلِ عندما يستيقظُ مِن نومِه:

فممَّا صحَّ عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: أنَّه باتَ عند مَيْمونةَ زَوْجِ النبيِّ ﷺ - وهي خالتُهُ -، قال: «فاضطجَعْتُ في عَرْضِ الوِسادَةِ، واضطجَعَ رسولُ اللهِ ﷺ وأهلُهُ في طُولِها، فنامَ رسولُ اللهِ ﷺ حتى انتصَفَ الليلُ - أو قَبْله بقليلٍ، أو بعده بقليلٍ -، ثم استيقَظَ رسولُ اللهِ ﷺ، فجعَلَ يَمسَحُ النَّوْمَ عن وجهِهِ بيدَيهِ، ثم قرَأَ العَشْرَ الآياتِ الخواتِمَ مِن سُورةِ آلِ عِمْرانَ، ثم قامَ إلى شَنٍّ معلَّقةٍ، فتوضَّأَ منها، فأحسَنَ وُضُوءَهُ، ثم قامَ يُصلِّي، فصنَعْتُ مِثْلَ ما صنَعَ، ثُمَّ ذهَبْتُ فقُمْتُ إلى جَنْبِهِ، فوضَعَ رسولُ اللهِ ﷺ يَدَهُ اليُمْنى على رَأْسي، وأخَذَ بأُذُني بيدِهِ اليُمْنى يَفتِلُها، فصلَّى ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم ركعتَينِ، ثم أوتَرَ، ثم اضطجَعَ حتى جاءه المؤذِّنُ، فقامَ فصلَّى ركعتَينِ خفيفتَينِ، ثم خرَجَ فصلَّى الصُّبْحَ». أخرجه البخاري (٤٥٧١).

جاءت مواضيعُ سورةِ (آل عِمْرانَ) مُرتَّبةً على النحوِ الآتي:

مقدِّمات للحوار مع النَّصارى (١-٣٢).

إنزال الكتاب هدايةً للناس (١-٩).

تحذير الكافرين وحقيقةُ الدنيا (١٠-١٨).

انتقال الرسالة لأمَّة الإسلام (٢٩-٣٢).

اصطفاء الله تعالى لرُسلِه (٣٣-٤٤).

حقيقة عيسى عليه السلام (٤٥-٦٣).

الإسلام هو دِين الحقِّ، وهو دِينُ جميع الأنبياء (٦٤-٩٩).

إبراهيم عليه السلام كان حنيفًا مسلمًا (٦٤-٦٨).

مخاطبة فِرَق أهل الكتاب، وبيان حقائقهم (٦٩-٨٠).

وَحْدة الرسالات، والدِّين الحق هو الإسلام (٨١- ٩٢).

صلة المسلمين بإبراهيم، وافتراء أهل الكتاب (٩٣-٩٩).

بيان خَيْرية هذه الأمَّة، وتحذيرها من أعدائها (١٠٠-١٢٠).

التحذير من الوقوع في أخطاء السابقين (١٠٠-١٠٩).

خيرية هذه الأمَّة وفضلها (١١٠-١١٥).

تحذير الأمَّة من المنافقين (١١٦-١٢٠).

معركة (أُحُد) (١٢١-١٤٨).

مقدِّمات معركة (أُحُد) (١٢١-١٢٩).

أهمية الطاعة ومواعظُ (١٣٠-١٣٨).

تعزية المسلمين، والنهيُ عن الهوان (١٣٩-١٤٨).

دروس مستفادة من الهزيمة (١٤٩-١٨٩).

التحذير من طاعة الأعداء والتنازل (١٤٩-١٥٨).

أهمية الشورى وطاعة الرسول (١٥٩-١٦٤).

أسباب الهزيمة وفوائدها (١٦٥-١٧٩).

تحذير المنافقين والبخلاء (١٨٠-١٨٩).

أولو الألباب يستفيدون من الآيات الكونية (١٩٠-١٩٥).

الأمورُ بخواتيمها (١٩٦-٢٠٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (1 /426).

افتُتِحت السُّورةُ بمقصدٍ عظيمٍ؛ وهو التنويهُ بالقرآن، وبمحمَّدٍ ﷺ، وتقسيمُ آيات القرآن، ومراتبُ الأفهام في تَلقِّيها، والتنويهُ بفضيلة الإسلام، وأنه لا يَعدِله دِينٌ، وأنه لا يُقبَل دِينٌ عند الله بعد ظهور الإسلام غيرُ الإسلام.

ومِن مقاصدِها: مُحاجَّةُ أهلِ الكتابينِ في حقيقة الحنيفيَّة، وأنهم بُعَداءُ عنها، وما أخَذ اللهُ من العهد على الرُّسلِ كلِّهم: أن يؤمنوا بالرسول الخاتم.

واشتملت على أمرِ المسلمين بفضائلِ الأعمال: مِن بذلِ المال في مواساة الأمَّة، والإحسان، وفضائل الأعمال، وتركِ البخل، ومَذمَّةِ الربا.

وخُتِمت السُّورةُ بآياتِ التفكير في ملكوت الله.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (3 /145).