ﰡ
قلت: مسألةُ الزمخشري أشبهُ شيءٍ بمسألةِ» لا أبا لَك «، والمعنى الذي أَوْرده صحيحٌ. وأمَّا كونُها مشكلةً فهو إنما بناها على قولِ الجمهورِ، والمُشْكِلُ مقررٌ في بابِه، فلا يَضُرُّنا القياسُ عليه لتقريرِه في مكانِه.
قوله: ﴿وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ﴾ يجوز أَنْ يكونَ الجارُّ متعلقاً بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ من الضميرِ في» مُعْرِضُون «، وأن يكون خبراً للضمير، و» مُعْرِضون «خبر ثانٍ. وقولُ أبي البقاء في هذا الجارِّ» إنه خبرٌ ثانٍ «يعني في العددِ، وإلاَّ فهو أولٌ في الحقيقة. وقد يقال: لَمَّا كان في تأويلِ المفرد جُعِل المفردُ الصريحُ مقدَّماً في الرتبةِ فهو ثانٍ بهذا الاعتبارِ. وهذه الجملةُ في محلِّ نصبٍ على الحال من» للناس «.
وقرِأ ابنُ أبي [عَبْلة] » مُحْدَثٌ «رفعاً نعتاً ل» ذِكْرٍ «على المحلِّ لأنَّ» مِنْ «مزيدةٌ فيه لاستكمالِ الشرطين. وقال أبو البقاء:» ولو رُفِع على موضع «مِنْ ذكْر» جاز «. كأنه لم يَطَّلِعْ عليه قراءةً. وزيدُ بنُ علي» مُحْدَثاً «نصباً على الحال مِنْ» ذِكْر «، وسَوَّغ ذلك وصفُه ب» مِنْ ربِّهم «إنْ جَعَلْناه صفةً، أو اعتمادُه على النفي. ويجوز أن يكونَ من الضمير المستتر في» مِنْ ربهم «إذا جَعَلْناه صفةً.
قوله: ﴿إِلاَّ استمعوه﴾ هذه الجملةُ حالٌ من مفعول» يأتيهم «، وهو استثناءٌ مفرغٌ، و» قد «معه مضمرةٌ عند قوم.
قوله: ﴿وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ حالٌ مِنْ فاعل» استمعوه «.
والعامَّةُ على نصب» لاهِيَةً «. وابنُ أبي عبلة بالرفع على أنها خبرٌ ثانٍ بقولِه» وهم «عند مَنْ يُجَوِّز ذلك، أو خبرُ مبتدأ محذوفٍ عند مَنْ لا يُجَوِّزه.
قوله: ﴿وَأَسَرُّواْ النجوى الذين ظَلَمُواْ﴾ يجوزُ في محلِّ» الذين «ثلاثةُ أوجهٍ: الرفعُ والنصبُ والجرُّ. فالرفعُ مِنْ أوجهٍ، أحدها: أنه بدلٌ من واو» أَسَرُّوا «تنبيهاً على اتِّسامهم بالظلمِ الفاحش، وعزاه ابن عطية لسيبويه، وغيره للمبرد.
الثاني: أنه فاعلٌ. والواوُ علامةُ جمعٍ دَلَّتْ على جمعِ الفاعل، كما تَدُلُّ التاءُ على تأنيثه، وكذلك يفعلون في التثنية فيقولون: قاما أخواك. وأنشدوا:
٣٣٣١ - يَلُوْمونني في اشتراء النَّخي | لِ أهلي فكلُّهُمُ أَلْوَمُ |
الثالث: أن يكونَ» الذين «مبتدأً، و» أَسَرُّوا «جملةً خبريةً قُدِّمَتْ على المبتدأ، ويُعْزَى للكسائي.
الرابع: أن يكون» الذين «مرفوعاً بفعلٍ مقدرٍ فقيل تقديره: يقولُ الذين. واختاره النحاس قال:» والقول كثيراً ما يُضْمَرُ. ويَدُلُّ عليه قولُه بعد ذلك: ﴿هَلْ هاذآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾. وقيل: تقديرُه: أَسَرَّها الذين ظلموا.
الخامس: أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ تقديرُه: هم الذين ظلموا.
السادس: أنه مبتدأٌ. وخبرُه الجملةُ من قوله: ﴿هَلْ هاذآ إِلاَّ بَشَرٌ﴾ ولا بُدَّ من إضمار القولِ على هذا القول تقديرُه: الذين ظلموا يقولون: هل هذا إلاَّ بَشَرٌ، والقولُ يُضمر كثيراً.
والنصبُ مِنْ وجهين، أحدُهما: الذمُّ. الثاني: إضمار أعني. والجرُّ من وجهين أيضاً: أحدهما: النعت، والثاني: البدلُ، من «للناس»، ويعزى هذا للفراءِ وفيه بُعْدٌ.
قوله: ﴿فِي السمآء﴾ في أوجهٌ، أحدها: أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من القول. والثاني: أنه حالٌ من فاعل «يعلمُ». وضَعَّفَه أبو البقاء، وينبغي أَنْ يمتنعَ. والثالث: أنه متعلقٌ ب «يَعْلَمُ»، وهو قريبٌ مِمَّا قبله. وحَذْفُ متعلَّق السميع العليم للعلمِ به.
قوله: ﴿كَمَآ أُرْسِلَ﴾ يجوزُ في هذه الكاف وجهان، أحدهما: أن تكونَ في محلِّ جرٍّ نعتاً ل «آيةٍ» أي: بآية مثلِ آيةِ إرسالِ الأوَّلين. ف «ما» مصدريةٌ. والثاني: أن تكونَ نعتاً لمصدرٍ محذوفٍ أي: إتياناً مثلَ إرسال الأولين.
قوله: ﴿إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ جوابُ الشرطِ محذوفٌ لدلالةِ ما تقدَّم عليه أي: فاسْأَلوهم، حُذِفَ لدلالةِ ما تقدَّم عليه. ومفعولا العِلْمِ يجوز أَنْ يُرادا أي: لا تَعْلمون أنَّ ذلك كذلك، ويجوزُ أن لا يُرادا أي: إنْ كنتم مِنْ غيرِ ذوي العلمِ.
وقال أبو البقاء: «إنَّ» لا يأكلون «حالٌ أخرى بعد» جَسَداً «إذا قلنا
قوله: ﴿كَانَتْ ظَالِمَةً﴾ في محلِّ جرٍّ صفةً ل «قريةٍ». ولا بُدَّ من مضافٍ محذوفٍ قبل «قرية» أي: وكم قَصَمْنا من أهلِ قرية بدليلِ عَوْدِ الضميرِ في قوله: ﴿فلمَّا أحَسُّوا﴾ ولا يجوز أَنْ يعودَ على قولِه «قوماً» ؛ لأنه لم يَذْكُرْ لهم ما يَقْتَضي ذلك.
والضميرُ في «مِنْها» يعودُ على «قرية». ويجوز أَنْ يعودَ على «بَأْسَنا» لأنه في معنى النِّقْمة والبأساء، فَأَنَّثَ الضميرَ حملاً على المعنى. و «مِنْ» على الأولِ لابتداءِ الغايةِ، وللتعليل على الثاني. والرَّكْضُ: ضَرْبُ الدابَّة بالرِّجْلِ. يُقال: رَكَضَ الدابَّةَ يَرْكُضها رَكْضاً.
٣٣٣٢ - سأَتْركُ منزلي لبني تميمٍ | وألحقُ بالحجازِ فَأَسْتَريحا |
قوله: ﴿مِمَّا تَصِفُونَ﴾ فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه متعلقٌ بالاستقرار الذي تَعَلَّق به الخبرُ أي: استقرَّ لكم الويلُ من أجلِ ما تَصِفُون. و» مِنْ «تعليليَّةٌ. وهذا وجهٌ وجيهٌ. الثاني: أنه متعلقٌ بمحذوفٍ، والثالث: أنه حالٌ من الويلِ أي: الويلُ واقعاً مِمَّا تَصِفون، كذا قَدَّره أبو البقاء. و» ما «في ﴿مِمَّا تَصِفُونَ﴾ يجوز أَنْ تكونَ مصدريةً فلا عائدَ عند الجمهورِ، وأن تكونَ بمعنى الذي، أو نكرةً موصوفةً ولا بُدَّ من العائد، عند الجميع، حُذِف لاستكمالِ الشروطِ.
والوجهُ الثاني من وجهَيْ «مَنْ» : أن تكونَ مبتدأً، و «لا يستكبرون» خبرُه، وهذه جملةٌ معطوفةٌ على جملةٍ قبلَها. وهل الجملةُ مِنْ قوله ﴿وَلَهُ مَن فِي السماوات﴾ استئنافيةٌ أو معادِلَةٌ لجملة قولِه: ﴿وَلَكُمُ الويل﴾ أي: لكم الوَيْلُ، ولله تعالى جميعُ العالَمِ عُلْوِيِّه وسُفْلِيِّه؟ والأولُ أظهرُ.
ولا يَسْتَحْسِرون أي: لا يَكِلُّون ولا يَتْبعون. يقال: اسْتَحْسر البعيرُ أي كَلَّ وتَعِب. قال: علقمة بن عبدة:
٣٣٣٣ - بها جِيَفُ الحسرى فأمَّا عِظامُها | فبِيْضٌ وأمَّا جِلْدُها فصَلِيْبُ |
٣٣٣٤ - لو كان غيري سُلَيْمى اليومَ غيَّره | وَقْعُ الحوادِثِ إلاَّ الصارمُ الذَّكَرُ |
٣٣٣٥ - وكلُّ أخٍ مُفارِقُه أخُوه | لَعَمْرُ أبيكَ إلاَّ الفرقدانِ |
ولا يجوزُ أَنْ ترتفعَ الجلالةُ على البدل مِنْ «آلهة» لفسادِ المعنى. قال
وأحسنُ مِنْ هذا ما ذكره أبو البقاء مِنْ جهة المعنى فقال: «ولا يجوزُ أَنْ يكونَ بدلاً، لأنَّ المعنى يصيرُ إلى قولك: لو كان فيهما اللهُ لَفَسَدَتا، ألا ترى أنَّك لو قلت:» ما/ جاءني قومُك إلاَّ زيدٌ «على البدلِ لكان المعنى: جاءني زيدٌ وحدَه. ثم ذكر الوجه الذي رَدَّ به الزمخشريُّ فقال:» وقيل: يمتنعُ البدلُ لأنَّ قبلها إيجاباً «. ومنع أبو البقاء النصبَ على الاستثناء لوجهين، أحدُهما: أنه فاسدٌ في المعنى، وذلك أنك إذا قلتَ:» لو جاءني القومُ إلاَّ زيداً لقتلتُهم «كان معناه: أنَّ القَتْلَ امتنع لكونِ زيدٍ مع القوم. فلو نُصِبَتْ في الآية لكان المعنى: إنَّ فسادَ السماواتِ والأرض امتنع لوجود الله تعالى مع الآلهة. وفي ذلك إثباتُ إلهٍ مع الله. وإذا رُفِعَتْ على الوصفِ لا يلزمُ مثلُ ذلك؛ لأنَّ المعنى: لو كان فيهما غيرُ اللهِ لفسدتا. والوجهُ الثاني: أنَّ آلهة هنا نكرةٌ، والجمعُ إذا كان نكرةً لم يُسْتثنَ منه عند جماعةٍ من المحققين؛ إذ لا عمومَ له بحيث يدخلُ فيه المستثنى لولا الاستثناءُ».
وهذا الوجهُ الذي منعاه أعني الزمخشري وأبا البقاء قد أجازه
وقال ابنُ الضائعِ تابعاً للمبرد: لا يَصِحُّ المعنى عندي إلاَّ أن تكون» إلاَّ «في معنى» غير «التي يُراد بها البدلُ أي: لو كان فيهما آلهةٌ عِوَضَ واحدٍ أي بدل الواحد الذي هو الله لفسدتا. وهذا المعنى أرادَ سيبويه في المسألةِ التي جاء بها توطئةً.
وقال الشَّلَوْبين في مسألةِ سيبويه» لو كان معنا رجلٌ إلاَّ زيدٌ لَغُلِبْنا «: إنَّ المعنى: لو كانَ معنا رجلٌ مكانَ زيد لَغُلبنا، ف» إلاَّ «بمعنى» غير «التي بمعنى مكان. وهذا أيضاً جنوحٌ من أبي عليّ إلى البدلِ. وما ذكره ابنُ الضائع من المعنى المتقدمِ مُسَوِّغٌ للبدل. وهو جوابٌ عَمَّا أَفْسَد به أبو البقاء وجهَ البدل، إذ معناه واضحٌ، ولكنه قريبٌ من تفسير المعنى لا من تفسيرِ الإِعراب.
وقرأ يحيى بن يعمر «ذِكْرٌ» بتنوينه و «مِنْ» بكسرِ الميم، وفيه تأويلان، أحدُهما: أنَّ ثَمَّ موصوفاً محذوفاً قامَتْ صفتُه وهي الظرف مَقامَه. والتقدير: هذا ذِكْرٌ مِنْ كتاب معي، ومِنْ كتابٍ قبلي. والثاني: أنَّ «معي» بمعنى عندي. ودخولُ «مِنْ» على «مع» في الجملة نادرٌ؛ لأنها ظرفٌ لا يَتَصَرَّف. وقد ضَعَّف أبو حاتم هذه القراءةَ، ولم يَرَ لدخول «مِنْ» على «مع» وجهاً.
وقرأ طلحةُ «ذِكْرٌ معي وذكرٌ قبلي» بتنوينهما دونَ «مِنْ» فيهما. وقرأَتْ طائفةٌ «ذكرُ مَنْ» بالإِضافة ل «مَنْ» كالعامَّة، «وذكرٌ مِنْ قبلُ» بتنوينِه وكسرِ ميم «مِنْ». ووجهها واضحٌ ممَّا تتقدم.
قوله: ﴿لاَ يَعْلَمُونَ الحق﴾ العامَّةُ على نصب «الحق». وفيه وجهان، أظهرُهما: أنَّه مفعولٌ به بالفعلِ قبلَه. والثاني: أنه مصدرٌ مؤكِّد. قال الزمخشريُّ: «ويجوزُ أَنْ يكونَ المنصوبُ أيضاً على التوكيدِ لمضمونِ الجملةِ السابقة، كما تقول:» هذا عبدُ الله الحقَّ لا الباطل «فأكَّدَ انتفاءَ العِلْم».
وقرأ الحسن وابن محيصن وحميد برفع «الحق». وفيه وجهان، أحدُهما: أنَّه مبتدأٌ والخبرُ مضمرٌ. والثاني: أنه خبرٌ لمبتدأ مضمرٍ. قال الزمخشري: «وقُرِىء» الحقُّ «بالرفعِ على توسيطِ التوكيد بين السببِ والمُسَبَّب. والمعنى: أن إعراضَهم بسببِ الجهلِ هو الحقُّ لا الباطلُ».
وقرأ العامَّةُ «نجزي» بفتحِ النونِ. وأبو عبد الرحمن المقرىء بضمِها.
قوله: ﴿كَانَتَا﴾ الضميرُ يعودُ على السماوات والأرض بلفظِ التثنيةِ، والمتقدِّم جمعٌ. وفي ذلك أوجه أحدُها: ما ذكره الزمخشري فقال: «وإنما قيل» كانتا «دونَ» كُنَّ «لأنَّ المرادَ جماعةُ السماواتِ وجماعةُ الأرَضين. ومنه قولُهم:» لِقاحان سَوْداوان «أي: جماعتان. فَعَلَ في المضمر نحوَ ما فَعَل في المظهر. الثاني: قال أبو البقاء:» الضميرُ يعودُ على الجنسين «. الثالث: قال الحوفي:» قال: كانتا رَتْقاً والسماوات جمعٌ لأنه أراد الصِّنْفَيْنِ. قال الأسودُ ابنُ
٣٣٣٦ - إن المنيَّةَ والحُتُوفَ كِلاهما | يُوفي المخارم يَرْقُبان سوادي |
٣٣٣٧ - ألم يُحْزِنْكَ أنَّ حبالَ قيسٍ | وتَغْلِبَ قد تباينتا انقطاعا |
وقرأ الحسنُ وزيد بن علي وأبو حيوة وعيسى» رَتَقاً «بفتحِ التاءِ وفيه وجهان، أحدهما: أنه مصدرٌ أيضاً، ففيه الوجهان المتقدِّمان في الساكنِ التاءِ. والثاني: أنه فَعَل بمعنى مَفْعول كالقَبَض والنَّقَض بمعنى المَقْبوض والمَنْقوض، وعلى هذا فكان ينبغي أَنْ يطابقَ بخبرِه في التثنية. وأجاب الزمخشري عن ذلك فقال:» هو على تقديرِ موصوفٍ أي: كانتا شيئاً رَتَقاً «. ورَجَّح بعضُهم
والرَّتْقُ: الانضمامُ. ارْتَتَقَ حَلْقُه: أي: انضمَّ. وامرأةٌ رَتْقاءُ أي: مُنْسَدَّة الفَرْجِ، فلم يُمْكِنْ جماعُها من ذلك. والفَتْقُ: فَصْل ذلك المُرْتَتِقِ، وهو من أحسن البديع هنا؛ حيث قابل الرَّتْقَ بالفَتْق. قال الزمخشري:» فإنْ قلت: متى رَأَوْهما رَتْقاً حتى جاء تقريرُهم بذلك؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أنه وارِدٌ في القرآن الذي هو معجِزٌ في نفسِه، فقام مقامَ المَرْئيِّ المشاهَدِ. والثاني: أنَّ تَلاصُقَ السماءِ والأرضِ وتبايَنهما كلاهما جائزٌ في العقلِ فلا بُدَّ للتباين دون التلاصُقِ من مخصِّصٍ وهو القديمُ سبحانه «.
قوله: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ يجوز في «جَعَل» هذه أَنْ تكونَ بمعنى «خلق» فتتعدى لواحدٍ وهو كلُّ شيءٍ، و ﴿مِنَ المآء﴾ متعلقٌ بالفعلِ قبلَه. ويجوزُ أن يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ من «كل شيء» لأنه في الأصلِ يجوز أن يكونَ وَصْفاً له، فلما قُدِّم عليه نُصِبَ على الحال. ومعنى خَلْقِه من الماء أحدُ شيئين: إمَّا شدةُ احتياجِ كلِّ حيوانٍ للماء فلا يعيشُ بدونِه، وإمَّا لأنه مخلوقٌ من النُّطْفَة التي تسمى ماءً. ويجوز أن تكونَ «جَعَلَ» بمعنى صَيَّر فتتعدَّى لاثنين، ثانيهما الجارُّ بمعنى: أنَّا صَيَّرْنا كلَّ شيء حيّ بسبب من الماء لا بُدَّ له منه.
والعامَّةُ على خفض «حيّ» صفةً لشَيْء. وقرأ حميد بنصبه على أنه مفعولٌ ثانٍ ل جَعَلْنا. والظرفُ لغوٌ. ويَبْعُد على هذه القراءةِ أَنْ يكونَ «جعل» بمعنى «خَلَقَ»، وأنْ ينتصبَ «حَيَّاً» على الحال.
قوله: ﴿فِجَاجاً سُبُلاً﴾ في «فجاجاً» وجهان، أحدهما: أنه مفعولٌ به و «سُبُلا» بدلٌ منه. والثاني: أنه منصوب على الحال مِنْ «سبلاً» لأنه في الأصلِ صفةٌ له فلمَّا قُدِّم انتصبَ حالاً كقولِه:
٣٣٣٨ - لميَّةَ موحشاً طَلَلُ | يلوحُ كأنَّه خِلَلُ |
٣٣٣٩ - لِعَزَّةَ مُوْحِشاً طَلَلٌ قديمُ | ........................ |
قال الشيخ: «يعني بالإِبهامِ أنَّ الوصفَ لا يلزمُ أَنْ يكونَ الموصوفُ متصفاً به حالةَ الإِخبارِ عنه، وإن كان الأكثرُ قيامَه به حالةَ الإِخبارِ عنه. ألا ترى أنه يُقال: مررتُ بوَحْشيٍّ القاتلِ حمزةَ، وحالةَ المرورِ لم يكن قائماً به قَتْلُ حمزة».
والفَجُّ: الطريقُ الواسعُ. والجمعُ: الفِجاجُ.
والضميرُ في «فيها» يجوزُ أن يعودَ على الأرض، وهو الظاهرُ كقولِه: ﴿والله جَعَلَ لَكُمُ الأرض بِسَاطاً لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً﴾ [نوح: ١٩-٢٠] وأَنْ يعودَ على الرَّواسي، يعني أنه جعل في الجبال طُرُقاً واسعة.
أمَّا الأولُ فقيل: إنما جُمِع لأنَّ ثَمَّ معطوفاً محذوفاً تقديرُه: والنجومُ، كما دَلَّتْ عليه آياتٌ أُخَرُ. وقال الزمخشري: «الضميرُ للشمسِ والقمرِ، والمرادُ بهما جنسُ الطوالِع كلَّ يومٍ وليلةٍ، جعلوها متكاثرةً لتكاثُرِ مَطالِعِها، وهو السببُ في جمعهما بالشموسِ والأقمارِ». انتهى. والذي حَسَّن ذلك كونُه رأسَ آيةً.
وقال أبو البقاء: «يَسْبَحُون» خبر «كلٌ» على المعنى؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ إذا سَبَح فكلُّها تَسْبَحُ. وقيل: يَسْبَحُون على هذا الوجهِ حالٌ. والخبر «في فَلَكٍ».
وأمَّا الثاني فلأنَّه لَمَّا أَسْنَدَ إليها السباحةَ التي هي مِنْ أفعالِ العقلاء جَمَعَها جَمْعَ العقلاءِ كقولِه: ﴿رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾ [يوسف: ٤] و ﴿أَتَيْنَا طَآئِعِينَ﴾ [فصلت: ١١].
وهذه الجملةُ يجوز أن تكونَ لا محلَّ لها من الإِعرابِ لاستئنافِها. ويجوزُ أَنْ يكونَ محلُّها النصبَ على الحال. فإنْ قُلْنا: إن السباحةَ تُنْسَبُ إلى الليل والنهار، كما تقدَّم نَقْلُه عن أبي البقاء في أحدِ الوجهين فتكونُ حالاً من الجميع. وإن كان لا يَصِحُّ نِسْبَتُها إليهما كانت حالاً من الشمسِ والقمرِ. وتأويلُ الجمعِ قد تقدَّم. قال الشيخ: «أو مَحَلُّها النصبُ على الحالِ من الشمس والقمر؛ لأنَّ الليلَ والنهارَ لا يَتَّصِفان بأنهما يَجْرِيان في فَلَكٍ، فهو كقولك: رأيتُ زيداً وهنداً متبرِّجةً» انتهى. وهذا قد سبقه إليه الزمخشري فَنَقَله عنه، يعني أنه قد دَلَّ دليلٌ على أنَّ الحالَ من بعضِ ما تقدَّم كما في المثالِ المذكور.
والسِّباحةُ: العَوْمُ في الماءِ. وقد يُعَبَّر به عن مطلقِ الذهابِ، وقد تقدَّم اشتقاقُه في «سُبْحانك».
وقرأ العامَّة «تُرْجَعُوْن» بتاءِ الخطابِ مبنياً للمفعول. وغيرُهم بياءِ الغَيْبة على الالتفات.
و «اتَّخَذَ» هنا متعديةٌ لاثنين. و «هُزُوا» هو الثاني: إمَّا على حَذْفِ مضافٍ، وإمَّا على الوصفِ بالمصدرِ مبالغةً، وإمَّا على وقوعِه مَوْقِعَ اسمِ المفعول.
وفي جواب «إذا» قولان، أحدهما: أنه «إنْ» النافيةُ، وقد تقدَّم ذلك. والثاني: أنه محذوفٌ، وهو القولُ الذي قد حكى به الجملةَ الاستفهاميةَ في قوله: ﴿أهذا الذي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾ إذ التقديرُ: وإذا رآك الذين كفروا يقولونَ: أهذا الذي. وتكونُ الجملةُ المنفيةُ معترضةً بين الشرطِ وبين جوابهِ المقدَّرِ.
قوله: ﴿وَهُمْ بِذِكْرِ الرحمن هُمْ كَافِرُونَ﴾ «هم» الأولى مبتدأٌ مخبرٌ عنه ب «كافرون»، و «بِذكْر» متعلقٌ بالخبرِ. والتقديرُ: وهم كافرون بذِكْر. و «هم» الثاني تأكيدٌ للأولِ تأكيداً لفظياً، فوقع الفصلُ بين العاملِ ومعمولِه بالمؤكِّد، وبين المؤكَّدِ والمؤكِّدِ بالمعمولِ.
وفي هذه الجملةِ قولان، أحدُهما: أنَّه في محلِّ نصبٍ على الحالِ مِنْ
٣٣٤٠ - حَسَرْتُ كَفِّيْ عن السِّربالِ آخُذُه | .......................... |
وقيل: العَجَلُ: الطين بلغة حمير، أنشد أبو عبيدة على ذلك لشاعرٍ منهم:
٣٣٤١ - النَّبْعُ في الصَّخْرةِ الصَّمَّاء مَنْبِتُه | والنَّخْلُ مَنْبِتُه في الماءِ والعَجَلِ |
وهذا الجارُّ يحتملُ تَعَلُّقُه ب» خُلِقَ «على المجاز أو الحقيقةِ المتقدِّمَيْن، وأَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ كأنه قيل: خُلِق الإِنسانُ عَجِلاً. كذا قال أبو البقاء. والأولُ أولى.
و «حينَ» مفعولٌ به ل «عَلِموا» وليس منصوباً على الظرفِ. أي: لو يَعْلمون وقتَ عدمِ كفِّ النار. وقال الزمخشري: «ويجوزُ أَنْ يكونَ» يعلمُ «متروكاً بلا تَعْدِيةٍ بمعنى: لو كان معهم علمٌ ولم يكونوا جاهلين لَما كانوا
وقال الشيخ: «والظاهرُ أنَّ مفعولَ» يعلم «محذوفٌ لدلالة ما قبلَه أي: لو يعلم الذين كفروا مجيْءَ الموعودِ الذي سَألوا عنه واسْتَنْبطوه. و» حين «منصوبٌ بالمفعولِ الذي هو» مجيءَ «. ويجوزُ أَنْ يكونَ من بابِ الإِعمالِ على حَذْفِ مضافٍ، وأعملَ الثاني. والمعنى: لو يعلمون مباشرةَ النارِ حين لا يَكُفُّونها عن وجوهِهم».
وقرأ الأعمش: «بل يَأْتيهم» بياء الغَيْبة. «بَغَتة» بفتح الغين. «فيَبْهَتُهُمْ» بالياء أيضاً. فأمَّا الياءُ فَأعاد الضميرَ على الحين أو على الوعد. وقال بعضُهم: «هو عائدٌ على النار، وإنما ذكَّر ضميرها لأنها في معنى العذاب، ثم راعى لفظ النار فأنَّثَ في قوله:» رَدَّها «.
وقوله: ﴿بَلْ تَأْتِيهِم﴾ إضرابُ انتقالٍ. وقال ابن عطية:» بل «استدراكٌ مقدرٌ قبلَه نفيٌ، تقديرُه:» إنَّ الآياتِ لا تأتي على حَسَب اقتراحهم «. وفيه نظرٌ؛
٣٣٤٢ - إنَّ سُلَيْمَى واللهُ يَكْلَؤُها | ضَنَّتْ بشَيْءٍ ما كان يَرْزَؤها |
وقرأ الزهري وابن القعقاع «يَكْلَوُكم» بضمةٍ خفيفةٍ دونَ همزٍ. وحكى الكسائي والفراء «يَكْلَوْكم» بفتحِ اللامِ وسكونِ الواو ولم أعرفْها قراءةً، وهو قريبٌ من لغةِ مَنْ يخفِّف «أكلَتْ الكلا على الكلَوْ» وقفاً إلاَّ أنه أجرى الوصل مُجْرَى الوقف.
وقرأ الحسن كقراءة ابن عامر إلاَّ أنه بياءِ الغَيْبة وروى عنه ابنُ خالويه «ولا يُسْمَعُ» بياءٍ الغيبة مبنياً للمفعول، «الصُّمُّ» رفعاً، «الدعاءَ» نصباً. ورُوي عن أبي عمرو بن العلاء «ولا يُسْمِعُ» بضمِّ الياءِ مِنْ تحتُ وكسرِ الميمِ «الصُّمَّ»، نصباً «الدعاءُ» رفعاً.
فأمَّا قراءةُ ابنِ عامر وانب كثير فالفاعل فيها ضميرُ المُخاطبِ وهو الرسولُ عليه السلام، فانتصب «الصُّمَّ» و «الدعاءَ» على المفعولين، وأَوَّلُهما هو الفاعلُ المعنوي. وأمَّا قراءةُ الجماعةِ فالفعلُ مسندٌ ل «الصُّمَّ» فانتصب الدعاء مفعولاً به/ وأمَّا قراءةُ الحسنِ الأولى فَأُسْند الفعلُ فيها إلى ضميرِ الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم. وهي كقراءةِ ابنِ عامر في المعنى. وأمَّا قراءتُه الثانيةُ فإنه أُسْنِدَ الفعلُ فيها إلى «الصُّمُّ» قائماً مقامَ الفاعلِ، فانتصب الثاني وهو «الدعاء».
وأمَّا قراءةُ أبي عمرو فإنه أُسْند الفعلُ فيها إلى الدعاء على سبيل الاتساع، وحُذِف المفعولُ الثاني للعلمِ به. والتقديرُ: ولا يُسْمِعُ الدعاءُ الصمَّ
و [قوله] :» إذا «في ناصِبه وجهان، أحدُهما: أنَّه» يَسْمَعُ «. الثاني: أنه» الدعاءُ «فأَعمل المصدرَ المعرَّفَ ب أل، وإذا أعملوه في المفعولِ الصريحِ ففي الظرفِ أحرى.
٣٣٤٣ - إذا رَيْدَةٌ من حيث ما نَفَحَتْ له | أتاه برَيَّاها خليلٌ يواصِلُهْ |
٣٣٤٤ - لا أَقْعُدُ الجبنَ عن الهَيْجاءِ | ولو توالَتْ زُمَرُ الأعداءِ |
قوله: ﴿لِيَوْمِ القيامة﴾ في هذه اللام أوجه، أحدها: قال الزمخشري: «مثلُها في قولك: جِئْتُ لخمسٍ خَلَوْنَ من الشهر، ومنه بيتُ النابغة.
٣٣٤٥ - تَوَهَّمْتُ آياتٍ لها فَعَرَفْتُها | لستةِ أعوام وذا العامُ سابعُ |
٣٣٤٦ - أولئك قومي قد مضَوْا لسبيلِهم | كما قد مضى مِنْ قبلُ عادٌ وتُبَّعُ |
٣٣٤٧ - وكلُّ أبٍ وابنٍ وإنْ عُمِّرا معاً | مُقِيْمَيْنِ مفقودٌ لوقتٍ وفاقدُ |
أي: لحسابِ يومِ القيامة.
قوله: ﴿شَيْئاً﴾ يجوز أن يكون مفعولاً ثانياً، وأن يكون مصدراً، أي: شيئاً من الظلم.
قوله: ﴿مِثْقَال﴾ قرأ نافعٌ هنا وفي لقمان برفع» مِثْقال «على أنَّ» كان «تامة، أي: وإنْ وُجِد مثقال. والباقون بالنصب على أنَّها ناقصةٌ، واسمها مضمر أي: وإنْ [كان] العملُ. و ﴿مِّنْ خَرْدَلٍ﴾ صفةٌ لحَبَّة.
وقرأ العامَّة» أَتَيْنَا «من الإِتيان بقَصْرِ الهمزة أي: جِئْنا بها، وكذا قرأ ابن مسعود وهو تفسيرُ معنى لا تلاوة. وقرأ ابنُ عباس ومجاهدٌ وسعيد وابن أبي
وقال أبو البقاء:» ويُقرأ بالمدِّ بمعنى جازَيْنا بها، فهو يَقْرُبُ مِنْ معنى أَعْطَيْنا؛ لأنَّ الجزاءَ إعطاءٌ، وليس منقولاً مِنْ أَتَيْنا، لأن ذلك لم يُنْقَلْ عنهم.
وقرأ حميد «أَثَبْنا» من الثواب. والضمير في «بها» عائد على المِثْقال، وأنَّث ضميرَه لإِضافتِه لمؤنث فهو كقوله:
٣٣٤٨ -............................. | كما شَرِقَتْ صدرُ القناةِ من الدَّمِ |
٣٣٤٩ - فيا رُبَّ يومٍ قد لَهَوْتُ وليلةٍ | بآنِسَةٍ كأنَّها خَطُّ تمثالِ |
٣٣٥٠ - ما أبالي أنَبَّ بالحَزْنِ تَيْسٌ | أم جفاني بظهرِ غَيْبٍ لئيمُ |
٣٣٥١ - لَعَمْرُك ما أَدْرِي وإن كنتُ دارياً | شُعَيْثُ بنُ سَهْمٍ أم شُعَيْثُ بنُ مِنْقَرِ |
وقيل: على التماثيل. قال الزمخشري: «وكونُه للتماثيل أثبتُ لتَضْليلِهم، وأدخلُ في الاحتجاجِ عليهم». وقال ابن عطية: فَطَرَهُنَّ عبارةٌ عنها كأنها تَعْقِلُ، وهذه من حيث لها طاعةٌ وانقيادٌ، وقد وُصِفَتْ في مواضعَ بوَصْفِ مَنْ يَعْقِلُ «. وقال غيرُه:» فَطَرَهُنَّ: أعادَ ضميرَ مَنْ يَعْقِلُ لَمَّا صَدَرَ منهنَّ من الأحوالِ التي تَدُلُّ على أنَّها من قبيل مَنْ يَعْقِلُ؛ فإنَّ اللهَ تعالى أخبر بقولِه: ﴿أَتَيْنَا طَآئِعِينَ﴾ [فصلت: ١١]. وقوله عليه السلام: «أطَّتِ السماءُ وحُقَّ لها أَنْ تَئِطَّ».
قلت: كأنَّ ابنَ عطيةَ وهذا القائلَ تَوَهَّما أن «هُنَّ»، من الضمائرِ المختصةِ بالمؤنثات العاقلاتِ، وليس كذلك بل هو لفظٌ/ مشتركٌ بين العلاقاتِ وغيرها. قال تعالى: ﴿مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ [التوبة: ٣٦] ثم قال تعالى: ﴿فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ﴾.
قوله: ﴿على ذلكم﴾ متعلقٌ بمحذوفٍ، أو ب «الشاهدين» اتساعاً، أوعلى البيان. وقد تقدَّم نظيرُه نحو: ﴿لَكُمَا لَمِنَ الناصحين﴾ [الأعراف: ٢١].
وقال الشيخ: «النظرُ يقتضي أنَّ كلاً منها أصلٌ. وأمَّا قولُه» التعجبُ «فنصوصُ النَّحْويين أنه يجوزُ فيها التعجبُ وعدمُه، وإما يلزمُ ذلك مع اللامِ كقوله:
٣٣٥٢ - للهِ يَبْقى على الأيَّامِ ذو حِيَدٍ | بمُشْمَخِرّ به الظَّيَّانُ والآوسُ |
ومتعلِّقُ هذا الفعلِ محذوفٌ تقديرُه: تُوَلُّو إلى عيدكم، ونحوُه.
وقرأ ابن وثاب «جُذُذاً» بضمَّتين دونَ إلفٍ بين الذَّالَيْن، وهو جمع جَذِيذ كقَليب وقُلُب. وقُرِىء بضمِّ الجيمِ وفتحِ الذال. وفيها وجهان، أحدهما:
والجَذُّ: القطعُ والتكسير، وعليه قوله:
٣٣٥٣ - بنو المهلبِ جَذَّ اللهُ دابِرَهُمْ | أَمْسَوْا رَماداً فلا أَصْلٌ ولا طَرَفُ |
وأتى ب «هم» وهو ضميرُ العقلاءِ معاملةً للأصنام معاملةً العقلاءِ، حيث اعتقدوا فيها ذلك.
قوله: ﴿إِلاَّ كَبِيراً﴾ استثناءٌ من المنصوب في «فَجَعَلهم»، أي: لم يكسِرْه بل تركه. و «لهم» صفةٌ له، والضمير يجوز أن يعود على الأصنام. وتأويلُ عودِ ضميرِ العقلاءِ عليها تقدَّم. ويجوز أن يكون عائداً على عابديها. والضميرُ في «إليه» يجوز أن يعود إلى إبراهيم أي: يَرْجِعون إلى مقالتِه حين يظهر لهم الحقُّ، ويجوز أَنْ يكونَ عائداً على الكبير، وبكلٍ قِيل.
قلت: هذا الذي قاله لا يتعيَّنُ؛ لِما عَرَفْتَ أنَّ «سَمِعَ» إنْ تعلَّقَتْ بما يُسْمع نحو «سمعت مقالةَ بكرٍ» فلا خلاف أنها تتعدَّى لواحدٍ، وإن تَعَلَّقَتْ بما لا يُسْمَع فلا يُكتْفى به أيضاً بلا خلافٍ؛ بل لا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ شيءٍ يُسْمَعُ فلو قلت: «سمعتُ زيداً» وسَكَتَّ، أو «سمعتُ زيداً يركبُ» لم يَجُزْ. فإنْ قلتَ: سمعتُه يَقْرأ صَحَّ. وجرى في ذلك خلافٌ بين النحاةِ، فأبوا علي يجعلُها متعديةً لاثنين ولا يتمشى عليه قولُ الزمخشري، وغيرُه يَجْعلها متعديةً لواحد، ويجعلُ الجملةَ بعد المعرفةِ حالاً، وبعد النكرةِ صفةً، وهذا أراد الزمخشري.
قوله: ﴿إِبْرَاهِيمُ﴾ في رفع «ابراهيمُ» أوجهٌ أحدُها: أنه مرفوعٌ على ما لم يُسَمَّ فاعلُه أي: قال له هذا اللفظَ، ولذلك قال أبو البقاء: «فالمرادُ الاسمُ لا المُسَمَّى» وفي هذه المسألةِ خلافٌ بين النحويين: أعني تَسَلُّطَ القولِ على المفردِ الذي لا يؤدي معنى جملة، ولا هو مقتطعٌ من جملة، ولا هو مصدرٌ ل «قال»، ولا هو صفةٌ لمصدرِه نحو: قلتُ زيداً، أي: قلت هذا اللفظ،
٣٣٥٤ - إذا ذُقْتُ فاها قلت طعمُ مُدامَةٍ | مُعَتَّقَةٍ ممَّا يجيءُ به التُّجُرْ |
الثاني: أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: يقال له: هذا إبراهيمُ، أو هو إبراهيمُ. الثالث: أنه مبتدأٌ محذوفُ الخبر أي: يقال له: إبراهيمُ فاعلٌ ذلك. الرابع: أنّه منادى وحرف النداءِ محذوفٌ أي: يا إبراهيمُ، وعلى الأوجه الثلاثةِ فهو مقتطعٌ من جملةٍ، وتلك الجملةُ مَحْكِيَّةٌ بيُقال. وقد تقدَّم تقريرُ هذا في البقرة عندَ ﴿وَقُولُواْ حِطَّةٌ﴾ [الآية: ٥٨] رفعاً ونصباً. وفي الأعرافِ عند قولِه ﴿قَالُواْ مَعْذِرَةً﴾ [الآية: ١٦٤] رفعاً ونصباً.
والجملةُ من «يُقال له» يُحتمل أَنْ تكونَ مفعولاً آخرَ نحو قولك: «ظننتُ
الرابع: أن يكونَ الفاعلُ ضميرَ «فتى». الخامس: أن يكون الفاعلُ ضميرَ «إبراهيمُ». وهذان الوجهان يؤيِّدان ما ذكَرْتُ من أنه قد يكون مرادُ القائلِ بحذفِ الفاعل إنما هو الإِضمارُ. السادس: أنَّ «فَعَلَه» ليس فعلاً، بل الفاء حرف عطف دخلَتْ على «عَلَّ» التي أصلها «لعلَّ» حرفَ تَرَجّ. وحَذْفُ اللامِ الأولى ثابتٌ، فصار اللفظُ فَعَلَّه أي فَلَعَلَّه، ثم حُذفت اللامُ الأولى وخُفِّفت الثانيةُ. وهذا يُعْزَى للفراء. وهو قولٌ مرغوبٌ عنه وقد اسْتَدَلَّ على مذهبِه بقراءةِ ابنِ السَّمَيْفَع «فَعَلَّه» بتشديدِ اللام وهذه شاذَّةٌ، لا يُرْجَعُ بالقراءة المشهورة إليها، وكأن الذي حَمَلَهم على هذا خفاءُ وجهِ صدورِ هذا الكلامِ من النبيِّ عليه السلام.
والنَّكْسُ والتَّنْكيسُ: القَلْبُ يقال: نَكَس رأسَه ونَكَّسه مخففاً ومشدداً أي: طَأطأه حتى صار أعلاه أسفله. وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة وابن الجارود وابن مقسم «نُكِّسوا» بالتشديد. وقد تقدَّم أنه لغةٌ في المخفف، فليس التشديدُ لتعديةٍ ولا تكثيرٍ. وقرأ رضوان بن عبد المعبود «نَكَسُوا» مخففاً مبنياً للفاعل، وعلى هذا فالمفعولُ محذوفٌ تقديرُه: نَكَسوا أنفسَهم على رؤوسهم.
قولهم: ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ﴾ هذه الجملةُ جوابُ قسمٍ محذوفٍ، والقسمُ وجوابُه معمولان لقولٍ مضمرٍ، وذلك القولُ المضمرُ حالٌ من مرفوع «نُكِسُوا» أي: نُكِسُوا قائلين واللهِ لقد علمتَ.
قوله: ﴿مَا هؤلاء يَنطِقُونَ﴾ يجوز أَنْ تكونَ «ما» هذه حجازيةً فيكونَ «هؤلاء» اسمَها و «يَنْطِقون» في محلِّ نصب خبرَها، أو تميميةً فلا عملَ لها. والجملةُ المنفيةُ بأَسْرِها سادَّةٌ مَسَدَّ المفعولَيْنِ، إن كانت «عَلِمْتَ» على بابِها، ومَسَدَّ واحدٍ إن كانَتْ عِرْفانية.
وقوله: ﴿على إِبْرَاهِيمَ﴾ متعلق بنفس «سلام» إنْ قُصِد به التحيةُ. ويجوزُ أن يكونَ صفةً فيتعلَّقَ بمحذوفٍ. وعلى هذا فيُحْتمل أَنْ يكونَ قد حَذَف صفةً الأول لدلالةِ صفةِ الثاني عليه تقديرُه: كوني بَرْداً عليه وسلاماً عليه.
قوله: ﴿وَكُلاًّ﴾ مفعولٌ أولُ ل «جَعَلْنا» و «صالحين» هو الثاني، توسَّط العاملُ بينهما. والأصل: وجَعَلْنا أي: صيَّرْنا كُلاًّ من إبراهيم ومَنْ ذُكر معه صالِحِين.
قوله: ﴿فِعْلَ الخيرات﴾ قال الزمخشري: «أصلُه أن تُفْعَلَ الخيراتُ، ثم فِعْلاً الخيراتِ، ثم فِعْلَ الخيراتِ، وكذلك» وإقامَ الصلاة وإيتاءَ الزكاةِ «. قال الشيخ:» كأنَّ الزمخشريَّ لمَّا رأى أَنَّ فِعْلَ الخيراتِ وإقامَ الصلاةِ وإيتاءَ الزكاةِ ليس من الأحكامِ المختصةِ بالموحى إليهم، بل هم وغيرُهم في ذلك مشتركون بُني الفعلُ للمفعولِ، حتى لا يكونَ المصدرُ مضافاً من حيث المعنى
قلت: الذي يَظْهر أنَّ الزمخشريَّ لم يُقَدِّرْ هذا التقديرَ، لِما ذكره الشيخ، حتى يُلْزِمَه ما قاله، بل إنما قَدَّر ذلك لأنَّ نفسَ الفعلِ الذي هو معنى صادرٌ مِنْ فاعلِه لا بوَحْيٍ، إنما بوحيَ ألفاظٍ تَدُلُّ عليه، وكأنه قيل: وأَوْحَيْنا هذا اللفظ، وهو أن تُفْعَلَ الخيراتُ، ثم صاغ ذلك الحرفَ المصدريَّ مع ما بعده مصدراً منوَّناً ناصباً لِما بعده، ثم جَعَلَه مصدراً مضافاً لمفعولِه.
وقال ابن عطية:» والإِقام مصدرٌ. وفي هذا نظر «. انتهى. يعني ابن عطية بالنظر أنَّ مصدرَ أَفْعَل على الإِفعال. فإن كان صحيحَ العينِ جاء تامَّاً كالإِكرام، وإنْ كان معتلَّها حُذِف منه إحدى الألفين، وعُوِّض منه تاءُ التأنيث فيقال إقامة. فلمَّا لم يُقَلْ كذلك جاء فيه النظر المذكور. قال الشيخ:»
وقال الزجاج: «حُذِفَتِ التاءُ مِنْ إقامة لأنَّ الإِضافةَ عوضٌ عنها» وهذا قولُ الفراءِ: زعم أنَّ التاءَ تُحْذَفُ للإِضافةِ كالتنوين. وقد تقدم بَسْطُ القولِ في ذلك عند قراءةِ مَنْ قرأ في براءة ﴿عُدَّةً ولكن كَرِهَ﴾ [التوبة: ٤٦].
قوله: ﴿مِنَ القرية﴾ أي: من أهلِ. يدلُّ على ذلك قولُه بعد ذلك: ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ﴾، وكذلك إسنادُ عملِ الخبائثِ أليها، والمرادُ أهلُها. وقد تقدَّم تحقيقُ هذا. والخبائثُ: / صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ أي: تعملُ الأعمالَ الخبائثَ.
الثاني: أنَّه منصوبٌ بإضمارِ «اذكُرْ» أي: اذكر نوحاً وداودَ وسليمانَ أي: اذْكُرْ خبَرهم وقصتَهم، وعلى هذا فتكونُ «إذ» منصوبةً بنفسِ المضافِ المقَّدرِ أي: خبرَهم الواقعَ في وقتٍ كان كيتَ وكيتَ.
وقوله: ﴿مِن قَبْلُ﴾ أي: مِنْ قبلِ هؤلاءِ المذكورين.
الثالث: أن «مِنْ» بمعنى على أي: على القوم.
قوله: ﴿يُسَبِّحْنَ﴾ في موضعِ نصبٍ على الحال. و «الطيرَ» يجوز أن ينتصبَ نَسَقاً على الجبالِ، وأن ينتصِبَ على المفعولِ معه. وقيل: «يُسَبِّحْن» مستأنفٌ فلا محلَّ له. وهو بعيدٌ، وقُرِىء «والطيرُ» رفعاً، وفيه وجهان. أحدهما: أنه مبتدأٌ والخبرُ محذوفٌ أي: والطيرُ مُسَخَّراتٌ أيضاً. والثاني: أنه نَسَقٌ على الضمير في «يُسَبِّحْن» ولم يؤكَّدْ ولم يُفْصَلْ، وهو موافق لمذهب الكوفيين.
٣٣٥٥ - البَسْ لكلِّ حالةٍ لَبُوْسَها | إمَّا نَعيمَها وإمَّا بُوْسَها |
قوله: ﴿لِتُحْصِنَكُمْ﴾ هذه لامُ كي. وفي متعلِّقها أوجهٌ، أحدها: أن يتعلَّقَ بَعَلَّمْناه. وهذا ظاهرٌ على القولين الأخيرين. وأمَّا على القولِ الثالثِ فيُشْكِلُ. وذلك أنه يلزمُ تَعَلُّقُ حَرْفَيْ جر متحدَيْن لفظاً ومعنىً. ويُجاب عنه: بأَنْ يُجْعَلَ بدلاً من «لكم» بإعادةِ العاملِ، كقوله تعالى: ﴿لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ﴾ [الزخرف: ٣٣] / وهو بدلُ اشتمالٍ وذلك أنَّ «أنْ» الناصبةَ للفعلِ المقدرِ مؤولةٌ هي
الثاني: أَنْ يتعلَّقَ ب «صَنْعَةَ» على معنى أنه بدلٌ من «لكم» كما تقدَّم تقريرُه، وذلك على رأي أبي البقاء فإنه عَلَّق «لكم» ب «صَنْعَةَ». والثالث: أن يتعلَّقَ بالاستقرار الذي تعلَّقَ به «لكم» إذا جَعَلْناه صفةً لِما قبله.
وقرأ الحَرَمِيَّان والأخَوان وأبو عمرو «ليُحْصِنَكم» بالياء من تحتُ. والفاعلُ اللهُ تعالى وفيه التفاتٌ على هذا الوجهِ إذ تَقَدَّمَه ضميرُ المتكلم في قولِه: ﴿وَعَلَّمْنَاهُ﴾ أو داودُ أو التعليمُ أو اللَّبوس. وقرأ حفصٌ وابن ُ عامر بالتاء من فوقُ. والفاعل الصَّنْعَةُ أو الدِّرْعُ وهي مؤنثةٌ، أو اللَّبوس؛ لأنها يُراد بها ما يُلْبَسُ، وهو الدِّرْعُ، والدِّرْعُ مؤنثة كما تقدم. وقرأ أبو بكر «لِنُحْصِنَكم» «بالنونِ جرياً على» عَلَّمْناه «وعلى هذه القراءاتِ الثلاثِ: الحاءُ ساكنةٌ والصادُ مخففةٌ.
وقرأ الأعمش» لتُحَصِّنَكم «وكذا الفقيمي عن أبي عمروٍ بفتحِ الحاءِ وتشديد الصادِ على التكثير. إلاَّ أنَّ الأعمشَ بالتاءِ من فوقُ، وأبو عمروٍ بالياء من تحتُ. وقد تقدَّم ما هو الفاعلُ.
قوله: ﴿عَاصِفَةً﴾ حالٌ. والعاملُ فيها على قراءةِ مَنْ نصب: سَخَّرْنا المقدَّر، وفي قراءةِ مَنْ رَفَع: الاستقرارُ الذي تعلَّقَ به الخبرُ. يُقال: عَصَفَتِ الريحُ تَعْصِفُ عَصْفاً وعُصُوفاً فيه عاصِفٌ وعاصفةٌ. وأسدٌ تقولُ: أَعْصَفَتْ بالألفِ تُعْصِفُ، فهي مُعْصِفٌ ومُعْصِفَةٌ.
و «تَجْري» يجوزُ أَنْ تكونَ حالاً ثانيةً، وأَنْ تكونَ حالاً من الضميرِ في «عاصفةً» فتكونُ حالَيْنِ متداخلين. وزعم بعضُهم أنَّ ﴿التي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ صفةٌ للريح، وفي الآيةِ تقديمٌ وتأخيرٌ. والتقدير: الريحَ التي بارَكْنا فيها إلى الأرضِ، وهو تَعَسُّفٌ.
٣٣٥٦ - وإنَّ مِن النَّسْوان مَنْ هي روضةٌ | تَهِيْجُ الرياضُ قبلَها وتَصُوْحُ |
و ﴿دُونَ ذلك﴾ صفةٌ ل «عَمَلاً».
والضُّرُّ بالضمِّ: المَرَضُ في البدنِ، وبالفتح: الضررُ في كلِّ شيءٍ فهو أعمُّ من الأول.
قوله: ﴿مُغَاضِباً﴾ حالٌ مِنْ فاعِل «ذهب». والمفاعلةُ هنا تحتملُ أَنْ تكونَ على بابِها من المشاركةِ. أي: غاضَبَ قومه وغاضَبوه، حين لم يُؤْمِنُوا في أول الأمر. وفي بعض التفاسير: مُغاضباً لربِّه. فإنْ صَحَّ ذلك عَمَّن يُعتبر قولُه، فينبغي أَنْ تكونَ اللامُ للتعليلِ لا للتعديةِ للمفعول أي: لأجلِ ربِّه ولدينِه. ويُحتمل أَنْ تكونَ بمعنى: غضبانَ فلا مشاركةَ كعاقَبْتُ وسافَرْتُ.
والعامَّة على «مُغاضِباً» اسمَ فاعلٍ. وقرأ أبو شرف «مغاضَباً» بفتح الضادِ على ما لم يُسََمَّ فاعلُه. كذا نقله الشيخ، ونقله الزمخشري عن أبي شرف «مُغْضَباً» دون ألفٍ مِنْ أَغْضَبْتَه فهو مُغْضَب.
قوله: ﴿أَن لَّن﴾ «أَنْ» هذه المخففةُ، واسمُها ضمير الشأنِ محذوفٌ. و ﴿لَّن نَّقْدِرَ﴾ هو الخبرُ. والفاصلُ/ حرفُ النفي المعنى: أَنْ لَنْ نُضَيِّق عليه، من باب قوله: ﴿فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ﴾ [الفجر: ١٦]، ﴿وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ [الطلاق: ٧].
والعامَّةُ على «نَقْدِرَ» بنون العظمة مفتوحةً وتخفيفِ الدالِ. والمفعولُ محذوفٌ أي: الجهات والأماكن. وقرأ الزُّهريُّ بضمِّها وتشديد الدال. وقرأ ابنُ
قوله: ﴿أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ﴾ يجوزُ في «أَنْ» وجهان، أحدُهما: أنها المخففةُ من الثقيلةِ. فاسمُها كا تقدَّم محذوفٌ. والجملةُ المنفيةُ بعدها الخبرُ. والثاني: أنها تفسيريةٌ؛ لأنها بعد ما هو بمعنى القولِ لا حروفِه.
ولكنَّ أبا البقاء استضعَفَ هذا التوجيهَ بوجهين فقال: «أحدهُما: أنَّ النونَ
أمَّا كونُ الثانيةِ أصلاً فلا أثرَ له في مَنْعِ الحَذْفِ، ألا ترى أن النَّحْويين اختلفوا في إقامة واستقامة: أيُّ الألفينِ المحذوفة؟ مع أنَّ الأولى هي أصلٌ لأنَّها عينُ الكلمةِ. وأمَّا اختلافُ الحركةِ فلا أثرَ له أيضاً؛ لأنَّ الاستثقالَ باتحادِ لفظِ الحرفين على أيِّ حركةٍ كانا.
الوجه الثاني: أن «نُجِّي» فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمفعول، وإنما سُكِّنَتْ لامُه تخفيفاً، كما سُكِّنت في قوله: ﴿مَا بَقِيْ مِنَ الربا﴾ [البقرة: ٢٧٨] في قراءةٍ شاذةٍ تقدَّمَتْ لك. قالوا: وإذا كان الماضي الصحيحُ قد سُكِّن تخفيفاً فالمعتلُّ أولى، فمنه:
٣٣٥٧ - إنّما شِعْرِيَ قَيْدٌ | قد خُلِطْ بجُلْجُلانِ |
وأُسْنِدَ هذا الفعلُ إلى ضميرِ المصدرِ مع وجودِ المفعول الصريحِ
الوجه الثالث: أنَّ الأصلَ: ننجِّي كقراءةِ العامة، إلاَّ أنَّ النونَ الثانيةَ قُلِبَتْ جيماً، وأُدغِمت في الجيم بعدها. وهذا ضعيفٌ جداً؛ لأن النونَ لا تُقارِبُ الجيمَ فتُدغَمُ فيها.
الوجه الرابع: أنه ماضٍ مسندٌ لضمير المصدرِ أي: نُجِّي النَّجاءُ كما تقدم في الوجه الثاني، إلاَّ أن «المؤمنين» ليس منصوباً بنجِّي بل بفعلٍ مقدرٍ، وكأنَّ صاحبَ هذا الوجهِ فَرَّ من إقامةِ غيرِ المفعول به مع وجودِه، فجعله مِنْ جملةٍ أخرى.
وهذا القراءةُ متواترةٌ، ولا التفاتَ على مَنْ طَعَن على قارئِها، وإنْ كان أبو عليٍ قال: «هي لحنٌ». وهذه جرأةٌ منه قد سبقه إليها أبو إسحاق الزجَّاج. وأمَّا الزمخشري فلم يَطْعن عليها، إنما طعن على بعضِ الأوجهِ التي قدَّمْتُها فقال: «ومَنْ تَمَحَّل لصحتِه فجعله فُعِل وقال: نُجِّي النَّجاءُ
قوله: ﴿رَغَباً وَرَهَباً﴾ يجوز أَنْ يَنْتَصِبا/ على المفعولِ من أجله، وأَنْ ينتصِبا على أنهما مصدران واقعان موقعَ الحال أي: راغبين راهبين، وأن ينتصِبا على المصدرِ الملاقي لعاملِه في المعنى دون اللفظِ لأنَّ ذلك نوعٌ منه.
والعامَّةُ على فتحِ الغينِ والهاء. وابن وثاب والأعمش ورُويت عن أبي عمروٍ بسكون الغين والهاءِ. ونُقِل عن الأعمش وهو الأشهرُ عنه بضمِّ الراء وما بعدها. وقرأَتْ فِرْقَةٌ بضمةٍ وسكونٍ فيهما.
وفي كلامِ الزمخشري «فَنَفَخْنا الروحَ في عيسى فيها». قال الشيخ مؤاخِذاً له: «فاستعمل» نَفَخَ «متعدياً». والمحفوظُ أنه لا يتعدى فيحتاج في تَعَدِّيه إلى سماعٍ، وغيرَ متعدٍّ استعمله هو في قولِه «أي: نَفَخَتْ في المِزْمار» انتهى ما واخَذَه به. قلت: وقد سُمِعَ «نَفَخَ» متعدياً. ويَدُلُّ على ذلك ما قُرِىء في الشاذ «فأنفخها فيكونُ طائراً» وقد حكاها هو قراءةً فكيف يُنْكِرُها؟ فعليك بالالتفات إلى ذلك.
قوله: ﴿آيَةً﴾ إنما لم يطابِقْ المفعولَ الأولَ فيُثَنَّي الثاني؛ لأنَّ كلاً منهما آيةٌ بالآخر فصارا آيةً واحدة. أو نقولُ: إنَّه حُذِف من الأولِ لدلالةِ الثاني، أو بالعكس أي: وَجَعْلنا ابنَ مريمَ آيةً. وأمَّه كذلك. وهو نظيرُ الحذفِ في قولِه ﴿والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ﴾ [التوبة: ٦٢] وقد تقدَّم.
و «زُبُراً» يجوز أن يكونَ مفعولاً ثانياً على أن يُضَمَّنَ «تقطَّعوا» معنى صَيَّروا بالتقطيع، وإمَّا أن ينتصِبَ على الحالِ من المفعول أي: مثلَ زُبُرٍ أي: كُتُبٍ؛ فإنَّ الزُّبُرَ جمعُ زَبُور كرُسُل جمعَ رسول، أو يكون حالاً من الفاعل. نقله أبو البقاء في سورة المؤمنين. وفيه نظرٌ؛ إذ لا معنى له، وإنما يَظْهر كونُه حالاً من الفاعلِ في قراءةِ «زُبَرا» بفتح الباءِ أي فِرَقاً. والمعنى: صَيَّروا أمرهم زُبُراً أو تقطَّعوه في هذه الحالِ. والوجهان مأخوذان مِنْ تفسير الزمخشري لمعنى الآية الكريمة، فإنه قال: «والمعنى: جعلوا أَمْرَ دينهم
وفي الكلامِ التفاتٌ من الخطاب وهو قوله «أمتُكم» إلى الغَيْبة تشنيعاً عليهم بسوءِ صنيعهم.
وقرأ الأعمش بفتحِ الباء جمع زُبْرَة، وهي قطعة الحديد في الأصل. ونصبُه على الحال من ضمير الفاعِل في «تقطَّعوا» وقد تقدَّم. ولم يَتَعرَّض له أبو البقاء في هذه السورة وتَعَرَّض له في المؤمنين فذكر فيه الأوجهَ المتقدمة وزاد أنه قُرِىء «زُبْراً» بكونِ الباء، وهو بمعنى المضمومِها.
٣٣٥٨ - رأيتُ أُناساً لا تَنام جُدُوْدُهُمْ | وجَدّيْ ولا كفرانَ لله نائمُ |
فَمَنْ جعله اسماً: ففي رفعه وجهان، أحدهما: أنه مبتدأ/ وفي الخبر حينئذٍ ثلاثةُ أوجهٍ، أحدهُا: قوله ﴿أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ وفي ذلك حينئذٍ أربعةُ تأويلاتٍ، التأويلُ الأولُ: أنَّ «لا» زائدةٌ والمعنى: وممتنعٌ على قريةٍ قدَّرْنا إهلاكَها لكفرِهم رجوعُهم إلى الإِيمانِ، إلى أَنْ تقومَ الساعةُ. وممَّن ذهب إلى زيادتِها أبو عمروٍ مستشهداً عليه بقولِه تعالى: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ﴾ [الأعراف: ١٢] يعني في أحدِ القولين. التأويل الثاني: أنها غيرُ زائدةٍ، وأنَّ المعنى: أنَّهم غيرُ راجعين عن معصيتهم وكفرِهم. التأويلُ الثالث: أنَّ الحرامَ يُرادُ به الواجب. ويَدُلُّ عليه قولُه تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ﴾ [الأنعام: ١٥١] وتَرْكُ الشِّرْكِ واجبٌ، ويَدُلُّ عليه أيضاً قولُ الخنساء:
٣٣٥٩ - حرامٌ عليَّ لا أرى الدهرَ باكياً | على شَجْوِه إلا بَكَيْتُ على صَخْرِ |
ومِنْ ثَمَّ قال الحسن والسدي: لا يَرْجِعون عن الشرك. وقال قتادة: إلى الدنيا. التأويل الرابع: قال أبو مسلم ابن بَحْر: «حرامٌ: ممتنع. وأنهم لا يرجعون: انتفاء الرجوعِ إلى الآخرةِ، فإذا امتنع الانتفاءُ وَجَبَ الرجوعُ. فالمعنى: أنه يجبُ رجوعُهم إلى الحياة في الدار الآخرة. ويكون الغرضُ إبطالَ قولِ مَنْ يُنْكر البعثَ. وتحقيقُ ما تقدَّم من أنه لا كُفْرانَ لسَعْي أحدٍ، وأنه يُجْزَى على ذلك يومَ القيامةِ». وقولُ ابن عطية قريبٌ من هذا قال: «وممتنعٌ على الكفرةَ المُهْلَكين أنهم لا يَرْجعون إلى عذاب الله وأليم عِقابِه، فتكون» لا «على بابِها، والحرامُ على بابه».
الوجه الثاني: أنَّ الخبرَ منحذوفٌ تقديرُه: حرامٌ توبتُهم أو رجاءُ بعثهم، ويكونُ «أنَّهم لا يَرْجعون» علةً لما تقدَّم من معنى الجملة، ولكن لك حينئذ في «لا» احتمالان، الاحتمال الأول: أَنْ تكونَ زائدةً. ولذلك قال أبو البقاء في هذا الوجهِ بعدَ تقديرِه الخبرَ المتقدم: «إذا جَعَلْتَ لا زائدةً» قلت: والمعنى عنده: لأنهم يَرْجعون إلى الآخرة وجزائها. الاحتمال الثاني: أن تكونَ غيرَ زائدةٍ بمعنى: ممتنعٌ توبتُهم أو رجاءُ بعثِهم؛ لأنهم لا يَرْجعون إلى الدنيا فَيَسْتدركوا فيها ما فاتهم من ذلك.
الوجه الثاني: من وجهَيْ رفعِ «حرام» أنه خبرُ مبتدأ محذوف، فقدَّره بعضهم: الإِقالةُ والتوبةُ حرامٌ. وقَدَّره أبو البقاء: «أي ذلك الذي ذُكِرَ من العملِ الصالحِ حرامٌ». وقال الزمخشري: «وحرامٌ على قريةٍ أهلكناها ذَاك، وهو المذكورُ في الآية المتقدمةِ من العملِ الصالح والسَّعيِ المشكورِ غير المكفورِ. ثم عَلَّل فقيل: إنهم لا يرجعون عن الكفر فكيف لا يمتنع ذلك؟
وقرأ العامَّةُ» أَهْلكناها «بنونِ العظمة. وقرأ أبو عبد الرحمن وقتادةُ»
٣٣٦٠ - وإن أتاه خليلٌ يومَ مسألةٍ | يقولُ لا غائبٌ مالي ولا حَرِمُ |
وقال الحوفي: «هي غايةٌ، والعاملُ فيها ما دَلَّ عليه المعنى مِنْ تأسُّفِهم
وتلخَّصَ في تعلُّق» حتى «أوجهُ، أحدها: أنها متعلقةٌ ب» حرامٌ «. الثاني: أنها متعلقةٌ بمحذوفٍ دَلَّ عليه المعنى، وهو قولُ الحوفيِّ. الثالث: أنها متعلقةٌ ب» تَقَطَّعوا «. الرابع: أنها متعلقةٌ ب» يَرْجِعون «. وتلخَّص في» حتى «وجهان، أحدهما: أنها حرفُ ابتداءٍ وهو قولُ الزمخشري وابنِ عطية فيما اختاره، الثاني: حرفُ جرّ، بمعنى إلى.
وقرأ» فُتِّحَتْ «بالتشديد ابنُ عامر. والباقون بالتخفيفِ. وقد تقدَّم ذلك أولَ الأنعام، وفي جواب» إذا «أوجهٌ أحدُها: أنه محذوفٌ فقدَّره أبو إسحاق:» قالوا يا وَيْلَنا «، وقدَّره غيرُه: فحينئذٍ يُبعثون. وقوله» فإذا هي شاخصة «عطفٌ على هذا المقدرِ. الثاني: أنَّ جوابَها الفاءُ في قولِه» فإذا هي «قاله الحوفي والزمخشري وابن عطية. فقال الزمخشري:» وإذا هي
وقوله: ﴿يَأْجُوجُ﴾ هو على حذفِ مضاف أي: سدٌّ يأجوجَ ومَأْجوجَ. وتقدَّم الكلامُ فيهما قريباً.
قوله: «وهم» يجوز أَنْ يعودَ على يأجوج ومأجوج، وأن يعودَ على العالَم بأَسْرِهم. والأولُ أظهر.
وقرأ العامَّةُ: «يَنْسِلون» بكسر السين، وأبو السمَّالِ وابنُ أبي إسحاق بضمها. والحَدَب: النَّشَزُ من الأرض أي: المرتفعُ، ومنه الحَدَبُ في الظهر وكلُّ كُدْية أو أَكَمَةٍ فهي حَدَبَة، وبها سُمِّيَ القبرُ لظهورِه على وجه الأرض، والنَّسَلان مقارَبَةُ الخَطْوِ مع الإِسراعِ، يُقال: نَسَل ينسِل وينسُل بالفتح في الماضي، والكسرِ والضم في المضارع، ونسل وعَسَل واحد، قال الشاعر:
٣٣٦١ - عَسَلانَ الذئبِ أمسى قارِباً | بَرَدَ الليلُ عليه فَنَسَلْ |
٣٣٦٢ - فلا وأبيها لا تقول حَليلتي | ألا فَرَّعني مالكُ بنُ أبي كعبِ |
٣٣٦٣ - بثوبٍ ودينارٍ وشاةٍ ودِرْهمٍ | فهل هو مرفوعٌ بما ههنا راسُ |
الخامس: أَنْ تكونَ «هي» مبتدأً، وخبرُه مضمرٌ، ويَتِمُّ الكلامُ حينئذٍ على «هي»، ويُبْتَدأ بقوله «شاخصة أبصار». والتقديرُ: فإذا هي بارزةٌ أي: الساعةُ بارزةٌ أو حاضرة، و «شاخصةٌ» خبرٌ مقدمٌ و «أبصارُ» مبتدأٌ مؤخرٌ. ذكره الثعلبي. وهو بعيدٌ جداً لتنافرِ التركيبِ، وهو التعقيدُ عند علماءِ البيان.
قوله: ﴿ياويلنا﴾ معمولٌ لقولٍ محذوفٍ، وفي هذا القولِ المحذوفِ وجهان، أحدُهما: أنَّه جوابُ «حتى إذا» كما تقدَّم. والثاني: في محلِّ نصبٍ على الحالِ من «الذين كفروا»، قاله الزمخشري.
وقرأ العامَّةُ «حَصَبُ» بالمهملتين والصادُ مفتوحةٌ، وهو ما يُحْصَبُ أي: يرمى في النارِ، ولا يقالُ له حَصَب إلاَّ وهو في النارِ. فأمَّا [ما] قبل ذلك فَحَطَبٌ وشجرٌ وغير ذلك وقيل: هي لغةٌ حبشية. وقيل: يُقال له حَصَبٌ قبل الإِلقاء
٣٣٦٤ - فلا تَكُ في حَرْبِنا مِحْضَباً | فتجعلَ قومَك شَتَّى شُعوبا |
٣٣٦٥ - إذا مِتُّ كان الناسُ صِنْفَانِ... | ........................... |
وقوله: ﴿أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ جَوَّز أبو البقاء في هذه الجملةِ ثلاثةَ أوجه،
قوله: ﴿وَهُمْ فِي مَا اشتهت﴾ إلى قوله «وتَتَلقَّاهم» كلُّ جملةٍ من هذه الجملِ يحتمل أَنْ تكونَ حالاً مِمَّا قبلها. وأن تكون مستأنفةً. وكذا الجملةُ المضمرةُ من القولِ العاملِ في جملة قولِه «هذا يومُكم» إذا التقديرُ: وتَتَلَقَّاهم يقولون: هذا يومُكم.
قوله :﴿ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ ﴾ إلى قوله " وتَتَلقَّاهم " كلُّ جملةٍ من هذه الجملِ يحتمل أَنْ تكونَ حالاً مِمَّا قبلها. وأن تكون مستأنفةً. وكذا الجملةُ المضمرةُ من القولِ العاملِ في جملة قولِه " هذا يومُكم " إذا التقديرُ : وتَتَلَقَّاهم يقولون : هذا يومُكم.
وقد تقدَّم أنَّ نافعاً يقرأ «يُحْزِنُ» بضم الياء إلاَّ هنا، وأن شيخَه ابن َ القَعْقاع يَقْرأ «يَحْزُن» بالفتح إلاَّ هنا.
وقرأ العامَّة «نَطْوي» بنون العظمة وشيبة بن نصاح في آخرين «يطوي» بياء الغَيْبة، والفاعلُ هو الله تعالى، وقرأ أبو جعفر في آخرين «تطوى» بضمِّ التاءِ مِنْ فوقُ وفتحِ الواوِ مبنياً للمفعول.
وقرأ العامَّةُ «السِّجِلِّ» بكسر السينِ والجيمِ وتشديدِ اللامِ كالطِّمِرِّ. وقرأ أبو هريرة وصاحبُه أبو زرعةَ بن عمرو بن جرير بضمِّهما، واللامُ
والسِّجِلُّ: الصحيفةُ مطلقاً. وقيل: بل هو مخصوصٌ بصحيفةِ العهد، وهي من المساجلةِ، والسَجْل: الدَلْوُ الملأى. وقال بعضهم: هو فارسيٌّ معرَّب فلا اشتقاقَ له.
و «طَيّ» مصدرٌ مضافٌ للمفعولِ. والفاعلُ محذوفٌ تقديرُه: كما يطوي الرجلُ الصحيفةَ ليكتبَ فيها، أَو لما يكتُبه فيها من المعاني، والفاعلُ يُحْذف مع المصدرِ باطِّراد. والكلامُ في الكاف معروفٌ أعني كونَها نعتاً لمصدرٍ مقدرٍ أو حالاً مِنْ ضميرِه. وأصلُ طيّ: طَوْيٌ فأُعِلَّ كنظائره.
وقيل: السِّجِلُّ سامُ مَلَكٍ يَطْوي كتبَ أعمالِ بني آدم. وقيل: اسمُ رجلٍ كان يكتب لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. وعلى هذين القولين يكون المصدرُ مضافاً لفاعله. و «الكتاب» اسمٌ للصحيفةِ المكتوبِ فيها. وقال أبو إسحاق: «السِّجِلُّ: الرجلُ بلسان الحبشة». وقال الزمخشري: كما
وقد عَرَفْتَ ما فيه من الخلاف.
واللام في «للكتاب» : إمَّا مزيدةٌ في المفعولِ إنْ قلنا إنَّ المصدرَ مضافٌ لفاعلِه، وإمَّا متعلقةٌ بطَيّ، وإمَّا بمعنى «على». وهذا ينبغي أَنْ لا يجوزَ لبُعْدِ معناه على كل قولٍ. والقراءاتُ المذكورةُ في «السِّجِلْ» كلُّها لغات. وقرأ الأخَوان وحفص «للكتب» جمعاً، والباقون «للكتاب» مفرداً، والرسُم يحتملهما: فالإِفرادُ يُراد به الجنسُ، والجمعُ للدلالةِ على الاختلافِ.
قوله: ﴿كَمَا بَدَأْنَآ﴾ في متعلِّقِ هذه الكافِ وجهان، أحدُهما: أنَّها متعلقةٌ ب «نُعِيده»، و «ما» مصدريةٌ و «بدأنا» صلتُها، فهي وما في حَيِّزِها في محلِّ جر بالكاف. و «أولَ خَلْقٍِ» مفعولُ «بَدَأْنا»، والمعنى: نُعيد أولَ خَلْقٍ إعادةً مثلَ بَداءَتِنا له أي: كما أبْرَزْناه من العَدَمِ إلى الوجودِ نُعيده من العَدَمِ إلى الوجود. وإلى هذا نحا أبو البقاء فإنه قال: «الكافُ نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ أي: نُعيده عَوْداً مثلَ بَدْئه» وفي قولِه: «عَوْد» نظرٌ إذ الأحسنُ أَنْ يقولَ: إعادة.
والثاني: أنها تتعلَّقُ بفعلٍ مضمرٍ. قال الزمخشري: «ووجهٌ آخرُ:
قال الشيخ: «وفي تقديرِه تهيئةُ» بَدَأْنا «لأَنْ يَنْصِبَ» أولَ خَلْقٍ «على المفعوليةِ وقَطْعُه عنه، من غيرِ ضرورةٍ تدعو إلى ذلك، وارتكابُ إضمارٍ بعيدٍ مُفَسَّراً ب» نُعِيْدُه «، وهذه عُجْمَةٌ في كتاب الله. وأمَّا قولُه» ووجهٌ آخرُ: وهو أن تنتصبَ الكافُ بفعلٍ مضمرٍ يفسِّرُه «نُعِيْدُه» فهو ضعيفٌ جداً؛ لأنه مبنيٌّ على أن الكافَ اسمٌ لا حرفٌ، وليس مذهبَ الجمهور، وإنما ذهب إلى ذلك الأخفشُ. وكونُها اسماً عند البصريين مخصوصٌ بالشعرِ «. قلت: كلُّ ما قَدَّره فهو جارٍ على القواعدِ المنضبطةِ، وقادَه إلى ذلك المعنى الصحيحُ، فلا مُؤَاخَذَةَ عليه. يظهرُ ذلك بالتأمُّلِ لغيرِ الفَطِنِ.
وأمَّا قوله:» ما «ففيها ثلاثةُ أوجهٍ، أحدها: أنها مصدريةٌ. والثاني: أنَّها بمعنى الذي. وقد تقدَّم تقريرُ هذين والثالث: أنها كافةٌ للكافِ عن العملِ كما هي في قولِه:
٣٣٦٦ -........................ | كما الناسُ مَجْرُوْمٌ عليه وجارِمُ |
فإنْ قلتَ: فما أولُ الخَلْقِ حتى يُعيدَه كما بدأه؟ قلت: أوَّلُه إيجادُه عن العَدَمِ، فكما أوجدَه أولاً عن عدمٍ يُعيده ثانياً عن عدمٍ «.
وأمَّا» أولَ خلق «فتَحصَّل فيه أربعةُ أوجهٍ، أحدها: أنه مفعولُ» بَدَأْنا «. والثاني: أنه ظرفٌ ل» بَدَأْنا «. والثالث: أنه منصوبٌ على الحال مِنْ ضميرِ الموصولِ كما تقدَّم تقريرُ كل ذلك. والرابع: أنه حالٌ مِنْ مفعول» نُعيده «قاله أبو البقاء، والمعنى: مثلَ أولِ خَلْقِه.
وأمَّا تنكيرُ» خَلْقِ «فللدلالةِ على التفصيلِ. قاله الزمخشري:» فإن قلتَ «ما بالُ» خَلْقٍ «منكَّراً؟ قلت: هو كقولِك:» هو أولُ رجلٍ جاءني «تريد: أول الرجال. ولكنك وَحَّدْتَه ونَكَّرتَه إرادةَ تفصيلِهم رجلاً رجلاً، وكذلك معنى» أولَ خَلْقٍ «بمعنى: أول الخلائق؛ لأنَّ الخَلْقَ مصدرٌ لا يُجْمَعُ».
قوله: ﴿وَعْداً﴾ منصوبٌ على المصدرِ المؤكِّد لمضمونِ الجملة المتقدِّمة، فناصبُه مضمرٌ أي: وَعَدْنا ذلك وَعْداً.
قوله: ﴿لِّلْعَالَمِينَ﴾ يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنها صفةٌ ل «رَحْمَةً» أي: كائنةً للعالمين. ويجوز أَنْ يتعلَّقَ ب «أَرْسَلْناك» عند مَنْ يَرَى تَعَلُّقَ ما بعد «إلاَّ» بما قبلها جائزاً أو بمحذوفٍ عند مَنْ لا يَرَى ذلك. هذا إذا لم يُفَرَّغ الفعلُ لِما بعدها، أما إذا فُرِّغَ فيجوزُ نحو: ما مررتُ إلاَّ بزيدٍ، كذا قاله الشيخ هنا. وفيه نظرٌ من حيث إن هذا أيضاً مفرغ؛ لأنَّ المفرَّغَ عبارةٌ عمَّا افتقر ما بعد «إلاَّ» لِما قبلها على جهةِ المعمولية له.
قال الشيخ:» أمَّا ما ذكره في «أنَّما» أنَّها لقَصْرِ ما ذَكَر، فهو مبنيٌّ على أن «أنَّما» للحصر، وقد قررنا أنها لا تكون للحصر وأنَّ «ما» مع «أنَّ» كهي مع
قلت: الحَصْرُ بحسب كلِّ مقامٍ على ما يناسِبُه؛ فقد يكون هذا المقامُ يقتضي الحصرَ في إيحاءِ الواحدنية لشيءٍ جرى من إنكارِ الكفارِ وحدانيتَه تعالى، وأنَّ اللهَ لم يُوْحِ إليه لها شيئاً. وهذا كما أجاب الناسُ عن هذا الإِشكالِ الذي ذكره الشيخُ في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ﴾ [الرعد: ٧] ﴿إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ﴾ [الكهف: ١١٠] ﴿إِنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ [محمد ٣٦] إلى غير ذلك. و» ما «من قوله ﴿إِنَّمَآ يوحى﴾ يجوز فيها وجهان، أحدهما: أن تكونَ كافةً وقد تقدَّم. والثاني: أن تكونَ موصولةً كهي في قوله: ﴿إِنَّمَا صَنَعُواْ﴾ [طه: ٦٩] ويكون الخبرُ هو الجملةَ مِنْ قوله: ﴿أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ﴾ تقديرُه: إن الذي يوحى إليَّ هو هذا الحكمُ.
قوله: ﴿فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ استفهامٌ معناه الأمرُ بمعنى أَسْلِموا، كقوله: ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ﴾ [المائدة: ٩١] أي: انتهوا.
٣٣٦٧ - آذَنَتْنا بِبَيْنِها أسماءُ | ........................ |
قوله: ﴿على سَوَآءٍ﴾ في محلِّ نصبٍ على الحال من الفاعل والمفعول معاً، أي: مُسْتَوِين في العلم بما أَعْلَمْتُكم به لم يَطْوِه عن أحدٍ منهم.
قوله: ﴿وَإِنْ أدري﴾ العامَّةُ على إرسالِ الياء ساكنةً، إذ لا مُوْجِبَ لغيرِ ذلك. ورُوي عن أبن عباس أنه قرأ:» وإنْ أَدْريَ أقريبٌ «،» وَإِنْ أَدْرِيَ لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ «بفتح الياءَيْن. وخُرِّجَتْ على التشبيهِ بياءِ الإِضافة. على أن ابنَ مجاهدٍ أنكر هذه القراءةَ البتة. وقال ابن جني:» هو غَلَطٌ، لأنَّ «إنْ» نافيةٌ لا عملَ لها «. ونَقَل أبو البقاء عن غيرِه أنه قال في تخريجها:» إنه ألقى
والجملةُ الاستفهاميةُ في محلِّ نصبٍ ب «أدْري» لأنها معلِّقَةٌ لها عن العملِ، وأَخَّر المُسْتَفْهَمَ عنه لكونِه فاصلةً. ولو وَسَّطه لكان التركيبُ: أقريب ما تُوعدون أم بعيدٌ، ولكنه اُخِّر مراعاةً لرؤوسِ الآي.
و ﴿مَّا تُوعَدُونَ﴾ يجوز أَنْ يكونَ مبتدأ، وما قبله خبرٌ عنه ومعطوفٌ عليه. وجَوَّز أبو البقاء فيه أن يرتفعَ فاعلاً ب «قريبٌ». قال: «لأنه اعتمد على الهمزة». قال: «ويُخَرَّج على قولِ البصريينَ أن يرتفعَ ب» بعيد «لأنه أقربُ إليه». قلت: يعني أنه يجوزُ أَنْ تكونَ المسألةُ من التنازع فإنَّ كلاً من الوصفَيْنِ يَصِحُّ تَسَلُّطُه على «ما تُوْعَدون» من حيث المعنى.
وقرأ العامَّةُ» احْكُمْ «على صورةِ الأمر. وقرأ ابن عباس وعكرمة وابن يعمر» رَبِّيْ «بسكونِ الياء» أَحْكَمُ «أفعلُ تفضيلٍ فهما مبتدأ وخبر.
سورة الأنبياء
سورةُ (الأنبياء) سورةٌ مكية، ذكَرتِ الكثيرَ من قِصص الأنبياء بغرضِ بيان دَوْرهم في نشرِ الاعتقاد الصحيح، والدعوةِ إلى الله، وكذا أبانت عن مقصدٍ آخرَ عظيم؛ وهو قربُ الحساب؛ كما دلَّتْ على ذلك مجموعةُ قِصَصِ الأنبياء المذكورة، وهذا ما أشارت إليه فاتحةُ السورة من قُرْبِ الحساب، وغفلةِ الناس عن ذلك، وفي ذلك دلائلُ كثيرة على وَحْدانية الله عز وجل، وتنزيهِه عن العبث.
ترتيبها المصحفي
21نوعها
مكيةألفاظها
1174ترتيب نزولها
73العد المدني الأول
111العد المدني الأخير
111العد البصري
111العد الكوفي
112العد الشامي
111* قوله تعالى: {إِنَّ اْلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا اْلْحُسْنَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101]:
عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «آيةٌ في كتابِ اللهِ لا يَسألُني الناسُ عنها، ولا أدري أعرَفوها فلا يَسألوني عنها أم جَهِلوها فلا يَسألوني عنها؟! قيل: وما هي؟ قال: لمَّا نزَلتْ {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اْللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَٰرِدُونَ} [الأنبياء: 98]، شَقَّ ذلك على أهلِ مكَّةَ، وقالوا: شتَمَ مُحمَّدٌ آلهتَنا، فقامَ ابنُ الزِّبَعْرَى، فقال: ما شأنُكم؟ قالوا: شتَمَ مُحمَّدٌ آلهتَنا، قال: وما قال؟ قالوا: قال: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اْللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَٰرِدُونَ} [الأنبياء: 98]، قال: ادعُوه لي، فدُعِيَ مُحمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، فقال ابنُ الزِّبَعْرَى: يا مُحمَّدُ، هذا شيءٌ لآلهتِنا خاصَّةً أم لكلِّ مَن عُبِدَ مِن دُونِ اللهِ؟ قال: «بل لكلِّ مَن عُبِدَ مِن دُونِ اللهِ عز وجل»، قال: فقال: خصَمْناه ورَبِّ هذه البَنِيَّةِ، يا مُحمَّدُ، ألستَ تزعُمُ أنَّ عيسى عبدٌ صالحٌ، وعُزَيرًا عبدٌ صالحٌ، والملائكةَ عبادٌ صالحون؟ قال: «بلى»، قال: فهذه النصارى يعبُدون عيسى، وهذه اليهودُ تعبُدُ عُزَيرًا، وهذه بنو مَلِيحٍ تعبُدُ الملائكةَ، قال: فضَجَّ أهلُ مكَّةَ؛ فنزَلتْ: {إِنَّ اْلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا اْلْحُسْنَىٰٓ} عيسى وعُزَيرٌ والملائكةُ {أُوْلَٰٓئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101]، قال: ونزَلتْ: {وَلَمَّا ضُرِبَ اْبْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57]؛ وهو الضَّجيجُ». "شرح مشكل الآثار" للطَّحاويِّ (986).
قال الشيخُ السعديُّ رحمه الله في هذه الآيةِ: «ودخولُ آلهة المشركين النارَ: إنما هو الأصنامُ، أو مَن عُبِدَ وهو راضٍ بعبادته، وأما المسيح، وعُزَيرٌ، والملائكة، ونحوُهم ممَّن عُبِد من الأولياء: فإنهم لا يُعذَّبون فيها، ويدخلون في قوله: {إِنَّ اْلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا اْلْحُسْنَىٰٓ}؛ أي: سبَقتْ لهم سابقةُ السعادة في علمِ الله، وفي اللَّوْحِ المحفوظ، وفي تيسيرِهم في الدنيا لليُسْرى والأعمالِ الصالحة، {أُوْلَٰٓئِكَ عَنْهَا}؛ أي: عن النار، {مُبْعَدُونَ} فلا يدخُلونها، ولا يكونون قريبًا منها، بل يُبعَدون عنها غايةَ البُعْدِ؛ حتى لا يَسمَعوا حسيسَها، ولا يَرَوْا شخصَها». "تفسير السعدي" (ص531).
* سورة (الأنبياء):
سُمِّيتْ سورة (الأنبياء) بهذا الاسمِ؛ لحديثها عن الأنبياء، ودَوْرِهم في تصحيح العقيدة، وتذكير البشرية.
* تُعَدُّ سورة (الأنبياء) من قديم ما تعلَّمه الصحابةُ من النبي صلى الله عليه وسلم:
عن عبد الرَّحمنِ بن يَزيدَ بن جابرٍ، قال: «سَمِعْتُ ابنَ مسعودٍ يقولُ في (بَنِي إسرائِيلَ)، و(الكَهْفِ)، و(مَرْيَمَ)، و(طه)، و(الأنبياءِ): إنَّهُنَّ مِن العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلادي». أخرجه البخاري (4994).
قال أبو عُبَيدٍ: «قولُه: «مِن تِلَادي» : يعني: مِن قديمِ ما أخَذْتُ مِن القرآنِ؛ وذلك أنَّ هذه السُّوَرَ نزَلتْ بمكَّةَ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام (ص247).
جاءت موضوعاتُ سورة (الأنبياء) على النحو التالي:
1. غفلة الناس عن الساعة، وإعراضهم عن القرآن (١-٦).
2. الإنذار بالوحي سمةٌ مشتركة بين الرسل عليهم السلام (٧-١٥).
3. دلائل الوَحْدانية والقدرة، وتنزيهُه تعالى عن العبث (١٦-٣٣).
4. المصير المحتوم، وعناية الله بخَلْقه (٣٤-٤٧).
5. دعوة الأنبياء (٤٨-٩١).
6. وَحْدة الملة، وعدل الجزاء (٩٢-١٠٦).
7. ختام سلسلة الأنبياء رحمةٌ مهداة (١٠٧- ١٢١).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /5).
لسورة (الأنبياء) مقصدانِ عظيمانِ:
* الأول: بيانُ معالمِ التوحيد، ودَوْر الأنبياء في تصحيح العقيدة، وتذكير البشرية.
* والثاني: الاستدلال على تحقُّقِ الساعة وقُرْبِها، ولو بالموت، ووقوعِ الحساب فيها على الجليل والحقير؛ لأن مُوجِدَها لا شريكَ له يعُوقُه عنها، وهو مَن لا يُبدَّل القولُ لديه، والدالُّ على ذلك أوضَحَ دَلالةٍ: مجموعُ قِصَصِ جماعةٍ ممَّن ذُكِر فيها من الأنبياء عليهم السلام، ولا تستقلُّ قصةٌ منها استقلالًا ظاهرًا لجميع ذلك.
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (1 /5)، و"مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /268).