تفسير سورة الأنعام

تفسير الإمام مالك

تفسير سورة سورة الأنعام من كتاب تفسير الإمام مالك
لمؤلفه مالك بن أنس . المتوفي سنة 179 هـ

الآية الأولى : قوله تعالى :﴿ فتحنا عليهم أبواب كل شيء ﴾ [ الأنعام : ٤٤ ].
٣٩٤- ابن كثير : قال مالك عن الزهري :﴿ فتحنا عليهم أبواب كل شيء ﴾ قال : رخاء الدنيا ويسرها. ١
١ - تفسير القرآن العظيم: ٢/١٣٣..
الآية الثانية : قوله تعالى :﴿ وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ﴾ [ الأنعام : ٦٨ ].
٣٩٥- ابن العربي : قال مالك : لا يحل لأحد أن يقيم بأرض يسب فيها السلف. قال تعالى :﴿ وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ﴾. ١
١ - الأحكام الصغرى لابن العربي: ١/٣٠٢. وينظر: أحكام القرآن لابن العربي: ١/٤٨٤..
الآية الثالثة : قوله تعالى :﴿ وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه ﴾ [ الأنعام : ٨٣ ].
٣٩٦- السيوطي : أخرج أبو الشيخ من طريق مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم في قوله :﴿ وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه ﴾ : قال : خصمهم. ١
قوله تعالى :﴿ نرفع درجات من نشاء ﴾ [ الأنعام : ٨٣ ].
٣٩٧- ابن العربي : روى ابن وهب، وابن القاسم، وابن عبد الحكم، والوليد بن مسلم، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، ﴿ نرفع درجات من نشاء ﴾ قال : بالعلم. ٢
قال ابن وهب، عن مالك : ليس العلم بكثرة الرواية، وإنما هو نور يضعه الله في قلب من يشاء. وقال مالك، لابني أخته أبي بكر وإسماعيل : إن أحببتما أن ينفعكما الله بهذا الشأن فأقلا منه، وتفقها فيه.
وروى ابن القاسم، عن مالك :﴿ نرفع درجات من نشاء ﴾ في الدنيا.
١ - الدر: ٣/٣١٠..
٢ - أحكام القرآن لابن العربي: ٢/٧٤١، وزاد ابن العربي معلقا على قول مالك: "وصدق، علم الدنيا عنوان الآخرة وسبيلها" ينظر الأحكام الصغرى لابن العربي: ١/٤٦٣، وفتاوي ابن تيمية: ١٣/١٢٤، والدر: ٣/٣١٠.
قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله: "ذكر ابن وهب في كتاب العلم من جامعه قال: سمعت مالكا يقول: إن العلم ليس بكثرة الرواية، ولكنه نور جعله الله في القلوب. وقال في موضع آخر من الكتاب: "وقال مالك: العلم والحكمة نور يهدي به الله من يشاء، وليس بكثرة لمسائل" ٢٧١. وينظر: صفة الصفوة: ٢/١٧٩، وتفسير عبد الله بن وهب: ٢/ ١٣٦-١٣٧.
وقال أيضا في موضع آخر: "قال مالك بن أنس رحمه الله: لا يؤخذ العلم عن أربعة: سفيه، معلن السفه، وصاحب هوى يدعو إليه، ورجل معروف بالكذب في أحاديث الناس. وإن كان لا يكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، ورجل له فضل وصلاح لا يعرف ما يحدث به" ٣٠٣..

الآية الرابعة : قوله تعالى :﴿ انظروا إلى ثمره إذا أثمر ﴾ [ الأنعام : ٩٩ ].
٣٩٨- ابن العربي : قال مالك : الينع١ الطيب، دون فساد ولا علاج. ٢
٣٩٩- ابن العربي : قال مالك : الإيناع، بغير فساد ولا نقش. قال مالك : والنقش : أن ينقش أهل البصرة الثمر حتى يرطب. ٣
١ - الأحكام الصغرى لابن العربي: ١/٤٦٥..
٢ - الينع: ينع التمر، كمنع وضرب، ينعا وينعا وينوعا بضمهما: حان قطافه، واليانع: الأحمر من كل شيء، والتمر الناضج. القاموس..
٣ - أحكام القرآن لابن العربي: ٢/ ٧٤٢ وزاد معقبا على قول مالك: "يريد يثقب فيها، بحيث يسرع دخول الهواء إليه فيرطب معجلا". وينظر: ٧/٥٠..
الآية الخامسة : قوله تعالى :﴿ لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ﴾ [ الأنعام : ١٠٣ ].
٤٠٠- القرطبي : عن مالك بن أنس قال : لم ير في الدنيا، لأنه باق ولا يرى الباقي بالفاني فإذا كان في الآخرة ورزقوا أبصارا باقية رأوا الباقي بالباقي. ١
١ - الجامع: ٧/٥٦ وقال القاضي عياض معلقا على قول مالك: وهذا كلام حسن مليح. وليس فيه دليل على الاستحالة إلا من حيث ضعف القدرة، فإذا قوى الله تعالى من شاء عباده وأقدره على حمل أعباء الرؤية، لم يمتنع في حقه": ٧/٥٦. وينظر: المحرر: ٦/١٢٢. والشفاء: ١/١٩٩-٢٠٠..
الآية السادسة : قوله تعالى :﴿ وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا ﴾ [ الأنعام : ١١٤ ].
٤٠١- السيوطي : أخرج ابن أبي حاتم من طريق مالك بن أنس عن ربيعة قال : إن الله تبارك وتعالى أنزل الكتاب وترك فيه موضعا للسنة، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فترك فيها موضعا للرأي. ١
١ - الدر: ٣/٣٤٤..
الآية السابعة : قوله تعالى :﴿ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ﴾ [ الأنعام : ١٢١ ].
٤٠٢- ابن العربي : قال مالك : إنْ ترَك التسمية سهوا أكلت، أو عمدا لم تؤكل. ١
٤٠٣- ابن عطية : حكى الزراوي، عن مالك بن أنس أنه قال : تؤكل الذبيحة التي تركت التسمية عليها عمدا أو نسيانا. ٢
٤٠٤- الخازن : نقل الإمام فخر الدين الرازي عن مالك : أن ذبيحة المسلم إذا لم يذكر اسم الله عليها فهي محرمة سواء تركت التسمية عمدا أو نسيانا. ٣
١ -الأحكام الصغرى لابن العربي: ١/٤٦٩..
٢ -المحرر: ٦/١٤٠. وينظر: الهداية: ٤٢٨، والجامع: ٧/٧٥-٧٦، والخازن: ٢/١٧٧..
٣ - لباب التأويل: ٢/١٧٧. وقال مكي في الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه، موضحا هذه المسألة: "وكان مالك يكره أكل ذبيحة الكتابي، إذا لم يذكر اسم الله عليها، ولا يحرمه وهذا يدل من مذهبه على أن آية الأنعام مخصوصة في غير أهل الكتاب. ولو كانت عنده عامة في أهل الكتاب وغيرهم لحرم أكل ذبيحة الكتابي إذا علم أنه لم يذكر اسم الله عليها. وكره مالك أيضا لحوم ما ذبحوا لكنائسهم ولم يحرمه وكذلك إذا ذكروا عليه المسيح، وذلك منه لعموم التحليل في قوله: "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم" فأحل طعامهم تحليلا عاما وقد علم الله أنهم لا يذكرون اسم الله على الذبائح": ٢٦٢-٢٨٧..
الآية الثامنة : قوله تعالى :﴿ وآتوا حقه يوم حصاده ﴾ [ الأنعام : ١٤١ ].
٤٠٥- ابن رشد : وسئل مالك عن تفسير قوله :﴿ وآتوا حقه يوم حصاده ﴾ يقول : أيها الزارع اتق الله وأد حق ما رفعت. وأنت أيها الوالي لا تأخذ أكثر من حقك، فتكون من المسرفين. ١
٤٠٦- ابن العربي : روى ابن وهب، وابن القاسم، عن مالك في تفسير هذه الآية، أنه : الصدقة المفروضة. ٢
١ - البيان والتحصيل: ١٨/٥١٨ وينظر: الهداية: ٤٣٦م. خ. ع ٢١٧ ق، والمحرر ٦/١٦٣ والجامع: ٧/٩٩..
٢ -أحكام القرآن لابن العربي: ٢/٧٥٧. وينظر: الأحكام الصغرى: ١/٤٧٤، والناسخ والمنسوخ لابن العربي: ٢/٢١٧، والتحصيل للمهدوي: ٣٤٣.
وقد علق مكي في الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه على قول مالك، قائلا: "قال مالك: إن الزكاة والصوم فرضا- في المدينة- فيكف يقول: إن قوله: "وآتوا حقه يوم حصاده" المراد بها الزكاة، والأنعام مكية كلها، فهذا قول الله أعلم بحقيقته": ٢٨٤..

الآية التاسعة : قوله تعالى :﴿ قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه ﴾ [ الأنعام : ١٤٥ ].
٤٠٧- ابن العربي : قال مالك في أحد قوليه : هي محكمة. ١
٤٠٨- القرطبي : قال مالك : لا حرام بين إلا ما ذكر في هذه الآية. ٢
قوله تعالى :﴿ فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم ﴾ [ الأنعام : ١٤٥ ].
٤٠٩- يحيى : عن مالك، أن أحسن ما سمع في الرجل، يضطر إلى الميتة : أنه يأكل منها حتى يشبع، ويتزود منها. فإن وجد عنها غنى طرحها، وسئل مالك، عن الرجل يضطر إلى الميتة. أيأكل منها، وهو يجد ثمر القوم أو زرعا أو غنما بمكانه ذلك ؟ قال مالك : إن ظن أن أهل ذلك الثمر، أو الزرع، أو الغنم، يصدقونه بضرورته، حتى لا يعد سارقا فتقطع يده، رأيت أن يأكل من أي ذلك وجد ما يرد جوعه، ولا يحمل منه شيئا وذلك أحب من أن يأكل الميتة. وإن هو خشي أن لا يصدقوه وأن يعد سارقا بما أصاب من ذلك فإن أكل الميتة خير له عندي. وله في أكل الميتة على هذا الوجه سعة. مع أني أخاف أن يعدو عاد ممن لم يضطر إلى الميتة يريد استجازة أخذ أموال الناس، وزروعهم وثمارهم بذلك، بدون اضطرار. قال مالك : وهذا أحسن ما سمعت. ٣
١ - أحكام القرآن لابن العربي: ٢/٧٦٥. وينظر: الأحكام الصغرى: ١/٤٧٨..
٢ -الجامع: ٧/١٦٦. وينظر: فتح القدير: ٢/١٧٢..
٣ -الموطأ: ٢/٤٩٩ كتاب الصيد، باب ما جاء فيما يضطر إلى أكل الميتة. وينظر: موطأ زياد: ١٦٨-١٦٩..
الآية العاشرة : قوله تعالى :﴿ حتى يبلغ أشده ﴾ [ الأنعام : ١٥٢ ].
٤١٠- ابن كثير : قال مالك : يعني حتى يحتلم. ١
١ -تفسير القرآن العظيم: ٢/١٩٠، وينظر الهداية: ٤٤١م. خ. ع: ٢١٧ ق، والمحرر: ٦/١٨١-١٠/٢٩٠، وأخرج السيوطي في الدر ما نصه: "حدثني أحمد بن عبد الرحمن قال: حدثني عمي قال: أخبرني يحيى بن أيوب، عن عمرو بن الحرث عن ربيعة، في قوله حتى يبلغ أشده. قال الحلم. قال ابن وهب: وقال لي مالك مثله" م٥ج٨/٨٥.
وقال الخازن في لباب التأويل: "قال مالك: الأشد الحلم، حين تكتب له الحسنات وتكتب عليه السيئات": ٢/٢٠٠.
وقد أوضح الإمام مالك معنى الأشد في مجموعة من الآيات ذكرها ابن رشد في البيان والتحصيل قال: "سئل مالك عن قول الله عز وجل: ﴿فأراد ربك أن يبلغا أشدهما﴾ [الكهف: ٨٢]، ما الأشد؟ قال: الحلم، وقال مالك: قال الله تعالى: ﴿ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده﴾ [الأنعام: ١٥٢] فالأشد هاهنا الحلم قيل له: فقول الله عز وجل: ﴿حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة﴾ [الأحقاف: ١٥] قال هذا شيء عفى شيء. فالأشد هو الحلم": ١٨/٣٥٨..

سورة الأنعام
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

لم تَحْتَوِ سورةُ (الأنعام) على كثيرٍ من الأحكام الشَّرعية كأخواتِها من السُّوَر الطِّوال؛ بل اهتمَّت بتحقيقِ مقصدٍ عظيم؛ وهو (توحيدُ الألوهية، وتثبيتُ مسائلِ العقيدة)، وكما قال أبو إسحاقَ الأَسْفَرَائينيُّ: «في سورةِ الأنعام كلُّ قواعدِ التوحيد»؛ فقد رسَمتِ السورةُ معالمَ على طريق الهداية، ذاكرةً قصَّةَ إبراهيمَ في البحث عن الحنيفيَّةِ الخالصة بما حَوَتْهُ من حُجَجٍ عقلية، وبراهينَ قاطعة؛ فعنايةُ السورة بالعقيدة كانت واضحةً جليَّة؛ لكي يُحقِّقَ العبدُ ما افتُتحت به السورةُ: {اْلْحَمْدُ لِلَّهِ اْلَّذِي خَلَقَ اْلسَّمَٰوَٰتِ وَاْلْأَرْضَ} [الأنعام: 1].

ترتيبها المصحفي
6
نوعها
مكية
ألفاظها
3055
ترتيب نزولها
55
العد المدني الأول
167
العد المدني الأخير
167
العد البصري
166
العد الكوفي
165
العد الشامي
166

* قوله تعالى: ﴿وَلَا تَطْرُدِ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلْغَدَوٰةِ وَاْلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٖ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٖ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ اْلظَّٰلِمِينَ﴾ [الأنعام: 52]:

عن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه، قال: «فِيَّ نزَلتْ: ﴿وَلَا تَطْرُدِ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلْغَدَوٰةِ وَاْلْعَشِيِّ [الأنعام: 52].

قال: نزَلتْ في ستَّةٍ؛ أنا وابنُ مسعودٍ منهم، وكان المشركون قالوا له: تُدْني هؤلاء؟!».

وفي روايةٍ: «كنَّا مع النبيِّ ﷺ في ستَّةِ نفَرٍ، فقال المشركون للنبيِّ ﷺ: اطرُدْ هؤلاء؛ لا يَجترِئون علينا!

قال: وكنتُ أنا وابنُ مسعودٍ ورجُلٌ مِن هُذَيلٍ وبلالٌ ورجُلانِ لستُ أُسمِّيهما، فوقَعَ في نفسِ رسولِ اللهِ ﷺ ما شاءَ أن يقَعَ، فحدَّثَ نفسَهُ؛ فأنزَلَ اللهُ: ﴿وَلَا تَطْرُدِ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلْغَدَوٰةِ وَاْلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٖ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٖ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ اْلظَّٰلِمِينَ﴾ [الأنعام: 52]». أخرجه مسلم (٢٤١٣).

* قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اْسْمُ اْللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: 121]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «جاءت اليهودُ إلى النبيِّ ﷺ، فقالوا: نأكلُ ممَّا قتَلْنا، ولا نأكلُ ممَّا قتَلَ اللهُ؟ فأنزَلَ اللهُ: ﴿وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اْسْمُ اْللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: 121] إلى آخِرِ الآيةِ». أخرجه أبو داود (٢٨١٩).

* قوله تعالى: ﴿مَن جَآءَ بِاْلْحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشْرُ أَمْثَالِهَاۖ﴾ [الأنعام: 160]:

صحَّ عن أبي ذَرٍّ الغِفَاريِّ رضي الله عنه أنه قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «مَن صامَ ثلاثةَ أيَّامٍ مِن كلِّ شهرٍ، فذلك صيامُ الدَّهْرِ؛ فأنزَلَ اللهُ تصديقَ ذلك في كتابِهِ: ﴿مَن جَآءَ بِاْلْحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشْرُ أَمْثَالِهَاۖ﴾ [الأنعام: 160]؛ فاليومُ بعشَرةِ أيَّامٍ». أخرجه الترمذي (٧٦٢).


سُمِّيتْ سورةُ (الأنعام) بذلك؛ لأنَّها السورةُ التي عرَضتْ لذِكْرِ (الأنعام) على تفصيلٍ لم يَرِدْ في غيرها من السُّوَر.

* جاء في فضلِ سورة (الأنعام): أنَّها نزَلتْ وحولها سبعون ألفَ مَلَكٍ يُسبِّحون:

دلَّ على ذلك ما رواه ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: «نزَلتْ سورةُ الأنعامِ بمكَّةَ ليلًا جُمْلةً، حولَها سبعون ألفَ مَلَكٍ، يَجأرون حولها بالتَّسْبيحِ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلَّام (ص240)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في "عمدة التفسير" (1/761).

وقريبٌ منه ما جاء عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ سورةُ الأنعامِ على النَّبيِّ ﷺ ومعها مَوكِبٌ مِن الملائكةِ سَدَّ ما بين الخافِقَينِ، لهم زَجَلٌ بالتَّسْبيحِ والتَّقْديسِ، والأرضُ تَرتَجُّ، ورسولُ اللهِ ﷺ يقولُ: سُبْحانَ اللهِ العظيمِ، سُبْحانَ اللهِ العظيمِ». "المعجم الأوسط" للطبراني (٦٤٤٧).

اشتمَلتِ السُّورةُ على عِدَّة موضوعات جاءت مُرتَّبةً كالآتي:

الاستفتاح بالحمد، وخَلْق الإنسان وبَعْثه (١-٣).

إعراض المشركين (٤-١١).

مع الله حُجَج بالغة (١٢-٢٠).

في موقف الحشر (٢٢-٣٢).

تسليةٌ وتثبيت (٣٣-٣٥).

لماذا الإعراض؟ (٣٦-٤١).

سُنَنٌ ربانية (٤٢-٤٧).

مهمة الرسل عليهم السلام (٤٨- ٥٨).

مفاتيح الغيب (٥٩-٦٧).

تجنُّب مجال الخائضين (٦٨-٧٠).

معالمُ على طريق الهداية (٧١-٧٣).

قصة إبراهيمَ عليه السلام (٧٤-٩٠).

الاحتجاج على منكِري البعث (٩١-٩٤).

من دلائلِ القدرة (٩٥-٩٩).

الرد على مزاعمِ المشركين، وتقرير العقيدة (١٠٠-١٠٥).

منهج التعامل مع المشركين (١٠٦-١٠٨).

تعنُّتٌ وإصرار (١٠٩-١١١).

الإعلام المضلِّل وموقف الإسلام منه (١١٢-١١٤).

قواعدُ وأصول في العقيدة والدعوة (١١٥-١١٧).

قواعد وأصول في التحليل والتحريم (١١٨-١٢١).

من مظاهرِ الصُّدود وأسبابه (١٢٢-١٢٦).

وعدٌ ووعيد (١٢٧-١٣٥).

من جهالات المشركين (١٣٦-١٤٠).

حُجَجٌ باهرة، ونِعَمٌ ظاهرة (١٤١-١٥٠).

الوصايا العَشْرُ (١٥١-١٥٣).

من مشكاةٍ واحدة (١٥٤-١٥٧).

وماذا بعد الحُجَج؟ (١٥٨-١٦٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (2 /393).

أُقيمت هذه السُّورةُ على مقصدٍ عظيمٍ جدًّا؛ ألا وهو (تحقيق التَّوحيد)؛ وذلك بإشعار الناس بأنَّ حقَّ الحمد ليس إلا للهِ؛ لأنَّه مُبدِعُ العوالِمِ: جواهرَ وأعراضًا؛ فعُلِم أنه المتفرِّدُ بالإلهيَّة، وأنَّ الأصنامَ والجِنَّ تأثيرُها باطلٌ؛ فالذي خلَق الإنسانَ ونظامَ حياته وموته بحِكْمته هو المستحِقُّ لوصفِ الإلهِ المتصرِّف. وجاءت السورةُ بتنزيه اللهِ عن الولَدِ والصاحبة، وكما قال أبو إسحاقَ الأَسْفَرَائينيُّ: «في سورةِ الأنعامِ كلُّ قواعدِ التوحيد». واشتمَلتِ السورةُ على موعظة المُعرِضين عن آياتِ القرآن والمكذِّبين بالدِّين الحقِّ، وتهديدِهم بأن يحُلَّ بهم ما حَلَّ بالقرونِ المكذِّبين من قبلِهم والكافرين بنِعَمِ الله تعالى، وأنَّهم ما يضُرُّون بالإنكارِ إلا أنفسهم، ووعيدِهم بما سيَلقَون عند نزعِ أرواحهم، ثم عند البعثِ.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (7 /123).