تفسير سورة الأنعام

تفسير غريب القرآن للكواري

تفسير سورة سورة الأنعام من كتاب تفسير غريب القرآن - الكواري المعروف بـتفسير غريب القرآن للكواري.
لمؤلفه كَامِلَة بنت محمد الكَوارِي .

﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ خلق.
﴿يَعْدِلُونَ﴾ أي: يُسَوُّونَ به غيرَه فيعبدونَه مَعَهُ، فالعَدْلُ هُوَ التسويةُ، تقول: عَدَلْتُ فُلَانًا بِفُلَانٍ إذا سَوَّيْتَهُ به.
﴿مِّدْرَارًا﴾ أي: مَطَرًا مُتَتَابِعًا مُتَوَاصِلًا غَزِيرًا.
﴿قِرْطَاسٍ﴾ اسمٌ للصحيفةِ سواءٌ أكان من وَرَقٍ أم من غَيْرِهِ.
﴿حَاقَ﴾ أي: أَحَاطَ.
﴿أَكِنَّةً﴾ أَغْطِيَةٌ، جمع كِنَانٍ أي غطاء؛ لأنه يُكِنُّ الشيءَ أي يَسْتُرُهُ.
﴿الوَقْر﴾ بفتحِ الواوِ وسكونِ القافِ: الصَّمَمُ الشَّدِيدُ.
﴿أَسَاطِيرُ﴾ جمع أُسْطُورَةٍ بضم الهمزةِ وسكونِ السينِ وهي القِصَّةُ والخبرُ عن المَاضِينَ، والأظهرُ أن الأسطورةَ لفظٌ مُعَرَّبٌ عن الرومية أصله إِسْطُورْيَةْ بكسر الهمزة وهو القصة.
﴿يَنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ أي: يَبْعُدُونَ عن القُرْآنِ أو عن النبيِّ - ﷺ -.
﴿أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ﴾ بِئْسَ مَا يَحْمِلُونَ مِنْ أَوْزَارٍ.
﴿مِن دَآبَّةٍ﴾ الدَّابَّةُ كُلُّ ما يَدِبُّ عَلَى الأرضِ من إنسانٍ وحيوانٍ.
﴿مُّبْلِسُونَ﴾ أي: آيِسُونَ، والإِبْلَاسُ: الإِيَاسُ، وقيل: لَفْظُ إبليسَ مُشْتَقٌّ من هذه المادةِ وهو مُشْكِلٌ لِكَوْنِهِ أَعْجَمِيًّا.
﴿يَصْدِفُونَ﴾ أي: يُعْرِضُونَ إِعْرَاضًا شَدِيدًا.
﴿الْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ الغداةُ: أَوَّلُ النهار، وَالْعَشِيُّ: مِنَ الزَّوَالِ إلى الصباحِ، وَيُقْصَدُ بالغداةِ والعشيِّ استيعابُ الزمانِ والأيامِ كما يُقْصَدُ بِالمَشْرِقِ والمغربِ استيعابُ الأَمْكِنَةِ.
﴿مَفَاتِحُ الْغَيْبِ﴾ المفَاتِحُ: جَمْعُ مَفْتَحٍ، بفتحِ الميمِ، أي: المخْزَنُ.
﴿يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ﴾ أي: يُنِيمُكُمْ باسْتِتَارِ الأرواحِ وَحَجْبِهَا عن الحياةِ كالموت.
﴿جَرَحْتُم﴾ كَسَبْتُمْ.
﴿تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ التَّضَرُّعُ: الدعاءُ بِتَذَلُّلٍ، وَخُفْيَةً بدون جَهْرِ بالدُّعَاءِ.
﴿كَرْبٍ﴾ الكَرْبُ: الشِّدَّةُ المُوجِبَةُ لِلْحُزْنِ وأَلَمِ الجسدِ والنفسِ.
﴿لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ﴾ المُسْتَقَرُّ: موضعُ الاسْتِقْرَارِ، والنَّبَأُ: الخبرُ العظيمُ.
﴿تُبْسَلَ﴾ أي: لأن لا تَهْلِكَ نفسٌ بسببِ الجناياتِ التي عُمِلَتْ في الدنيا، والإبسالُ تسليمُ المرءِ نفسَه للهلاك.
﴿أُبْسِلُوا﴾ أي: أُهْلِكُوا وأَيِسُوا من الخيرِ.
﴿اسْتَهْوَتْهُ﴾ أَوْقَعَتْهُ في الهَوَى.
﴿جَنَّ﴾ أَظْلَمَ.
﴿أَفَلَ﴾ غَابَ.
﴿بَازِغًا﴾ طَالِعًا.
﴿وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ﴾ جَادَلُوهُ وَحَاوَلُوا غَلْبَهُ بِالحُجَّةِ، والحُجَّةُ: البَيِّنَةُ والدَّلِيلُ القَوِيُّ.
﴿أَتُحَاجُّونِّي فِي اللهِ﴾ أُتَجَادِلُونَنِي في توحيدِ الله وقد هَدَانِي إليه، فكيف أَتْرُكُهُ وَأَنَا منه عَلَى بَيِّنَةٍ.
﴿غَمَرَاتِ المَوْتِ﴾ شَدَائِدُهُ عند نَزْعِ الرُّوحِ.
﴿بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ﴾ للضَّرْبِ وإخْرَاجِ الرُّوحِ.
﴿عَذَابَ الهُونِ﴾ أي عذابَ الذُّلِّ وَالمَهَانَةِ.
﴿فُرَادَى﴾ واحدًا واحدًا لَيْسَ مع أَحَدِكُمْ مَالٌ ولا رِجَالٌ.
﴿خَوَّلْنَاكُمْ﴾ التَّخْوِيلُ هُوَ التَّفَضُّلُ بالعَطَاءِ، قِيلَ: أَصْلُهُ إعطاءُ الخَوَلِ بفتحتين وهو الخدمُ، أي: إعطاءُ العبيدِ، ثم اسْتُعْمِلَ مَجَازًا في إعطاءِ مُطْلَقِ ما يَنْفَعُ أي تَرَكْتُمْ ما أَنْعَمْنَا به عليكم من مَالٍ وغيرِه.
﴿تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ أَيْ: تفرَّق وَصْلُ المودةِ، وَالْبَيْنُ من الأضدادِ يكون بمعنى الوصل ويكون بمعنى الفِرَاقِ.
﴿فَالِقُ الإِصْبَاحِ﴾ شَاقُّ الضياءِ عن الظُّلْمَةِ.
﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ أي: فَلَكُمْ مَكَانُ اسْتِقْرَارٍ، وَمَكَانُ اسْتِيدَاعٍ، وأكثرُ أَهْلِ التفسيرِ يقولون: المُسْتَقَرُّ ما كان في الرَّحِمِ، والمستودعُ ما كان في الصُّلْبِ، وقيل: فَمُسْتَقَرٌّ أي في القبرِ، وقيل: في الأَرْضِ.
﴿طَلْعِهَا﴾ وهو الكُفُرَّى، والوعاءُ قبل ظهور الْقِنْوِ منه، فيخرج من ذلك الوعاءِ.
﴿مُّتَرَاكِبًا﴾ أي: سَنَابِلَ فيها الحَبُّ يَرْكَبُ بعضُه فوق بعضٍ مثلَ سنابلِ القَمْحِ والشَّعِيرِ.
﴿قِنْوَانٌ﴾ عَنَاقِيُد جَمْعُ قِنْوٍ، وقنوانٌ جُمِعَ عَلَى حَدِّ التَّثْنِيَةِ مثل: صِنْوَانٍ، والصِّنْوُ المِثْلُ، قال «الكرماني»: لا نَظِيرَ لهما.
﴿دَانِيَةٌ﴾ قريبةٌ.
﴿مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ﴾ يقال: اشْتَبَهَ الشيئانِ وَتَشَابَهَا إذا اسْتَوَيَا وَتَسَاوَيَا، والتقدير: وأخرجنا الزيتونَ مُتَشَابِهًا وغيرَ مُتَشَابِهٍ، والرمانُ كذلك بعضُه مُتَشَابِهٌ وبعضُه غيرُ مُتَشَابِهٍ في القَدْرِ واللَّوْنِ والطَّعْمِ.
﴿وَيَنْعِهِ﴾ نُضْجِهِ، واليَنْعُ مصدر ينع أي: أَدْرَكَ، وقيل: جَمْعُ يَانِعٍ كتَاجِرٍ وَتَجْرٍ.
﴿خَرَقُوا﴾ معنى خَرَقُوا: اخْتَلَقُوا وَكَذَبُوا، أي: جَعَلُوا له كَذِبًا بَنِينَ كما قالت النصارى: المسيحُ ابنُ الله، وكما قالت اليهود: عُزَيْرٌ ابنُ الله.
﴿نُصَرِّفُ الآيَاتِ﴾ نُجْرِيهَا في مجارٍ تِبْيَانًا للحق وتوضيحًا.
﴿دَرَسْتَ﴾ قَرَأْتَ.
﴿قُبُلًا﴾ مقابلةً ومواجهةً وَمُعَايَنَةً.
﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ﴾ وهذا عبارةٌ عما يُوَسْوِسُ به شياطينُ الجنِّ إلى شياطين الإنس، وَسُمِّيَ وَحْيًا؛ لأنه إما يكون خُفْيَةً، وَجُعِلَ تمويههم زُخْرُفًا لتزيينهم إياه، وكلُّ شيء حَسَنٌ مُمُوَّهٌ يُسَمَّى زُخْرُفًا، والغرورُ: الباطلُ.
﴿وَلِتَصْغَى﴾ تَمِيلُ.
﴿وَلِيَقْتَرِفُوا﴾ الاقترافُ: افتعالٌ، مِنْ قَرَفَ إذا كسب سيئةً يقال: قَرَفَ واقْتَرَفَ وَقَارَفَ، والاقترافُ يكون في الحسنة والسيئة، وفي الإثم أَكْثَرُ.
﴿صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ صِدْقًا في الأخبار، فكل ما أَخْبَرَ به القرآنُ هُوَ صِدْقٌ، وعدلًا في الأحكام، فليس في القرآن حُكْمُ جَوْرٍ وَظُلْمٍ أَبَدًا بل كل أحكامِه عادلةٌ.
﴿يَخْرُصُونَ﴾ يَكْذِبُونَ.
﴿صَغَارٌ﴾ الصَّغَارُ: أَشَدُّ الذُّلِّ، والصَّغَارُ في القَدْرِ والصِّغَرُ في السِّنِّ وغيرِه.
﴿يَشْرَحْ صَدْرَهُ﴾ شَرْحُ الصَّدْرِ: توسعتُه لقبولِ الحقِّ وَتَحَمُّلِ الواردِ عَلَيْهِ من أنوار الإيمان، وعلامةُ ذلك: الإنابةُ إلى دارِ الخلودِ، والتجافي عن دَارِ الغُرُورِ، والاستعدادُ للموت قبل نُزُولِهِ.
﴿حَرَجًا﴾ ضَيِّقًا لا يتسع لقَبُولِ الحَقِّ، ولا لنورِ الإيمانِ.
﴿اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ﴾ انتفعَ كُلٌّ مِنَّا بصاحبه، أي: تَبَادَلْنَا المنافعَ بيننا حتى الموتِ.
﴿ذَرَأَ﴾ خَلَقَ.
﴿مِنَ الحَرْثِ وَالأَنْعَامِ﴾ الحَرْثُ: كُلُّ مَا يُحْرَثُ له الأرضُ من الزروع، والأنعامُ: الإبلُ والبقرُ والغنمُ.
﴿لِيُرْدُوهُمْ﴾ أي يُهْلِكُوهُمْ، والرَّدَى: الهَلَاكُ.
﴿حِجْرٌ﴾ أي حرامٌ وأصلُه المنعُ، والمعنى أنهم حَرَّمُوا أَنْعَامًا وهي البَحِيرَةُ والسَّائِبَةُ والوَصِيلَةُ وَالْحَامِي، وَحَرْثًا جعلوه لأصنامهم.
﴿مَّعْرُوشَاتٍ﴾ ما يُعْمَلُ له العريشُ من العنبِ، وما لا يُعْرَشُ له من سائرِ الأشجارِ.
﴿حَقَّهُ﴾ ما وَجَبَ فيه من الزكاةِ.
﴿يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ يومَ حَصَادِهِ إن كان حبًّا، وجُذَاذِه إن كان نَخْلًا.
﴿حَمُولَةً﴾ الحمولةُ: الكبيرةُ من الإبل والبقر الَّذِي يَحْمِلُ عَلَيْهِ الناسُ الأثقالَ.
﴿وَفَرْشًا﴾ ما كان من الأنعام صَغِيرًا لا يَصْلُحُ للحَمْلِ، سُمِّيَتْ فَرْشًا لِدُنُوِّهَا من الأرض، والأرضُ يُطْلَقُ عليها اسمُ الفِرَاشِ.
﴿مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ مَحْظُورًا ممنوعًا عَلَى آكِلٍ يَأْكُلُهُ.
﴿كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ أي: التي لا تُفَرَّقُ أصابعُه كالإبل والنَّعَامِ، وذلك أن بعض الحيوانات أو الطيور نَجِدُ تَشَقّقَ أصبعها ظاهرًا والأصابعَ مُفَصَّلَةً ومُنْفَرِجَةً بعضُها عن بعض، فهذه ليست حَرَامًا عَلَيْهِمْ، ونوعًا نَجِدُ أصابعَها غيرَ مفصولةٍ وغيرَ مُنْفَرِجَةٍ مِثْلَ الإبلِ والنَّعَامِ والبطِّ والإِوَزِّ وهي ذو الظفر وهي المحرمة عَلَى اليهود.
﴿إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ﴾ أي: تُحَرَّمُ شُحُومُ البقرِ والغنمِ إلا الشحومَ التي عَلَى ظُهُورِهَا والشحومَ التي تكونُ حَوْلَ الحَوَايَا وهي الأمعاءُ، وإلا الشُّحُومَ التي اخْتَلَطَتْ بِعَظْمٍ، قال بعضُهم: والحاصلُ أن الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْهِمْ شَحْمُ الجَوْفِ، وَشَحْمُ الكُلْيَةِ، وما عداهما حَلَالٌ لَهُمْ.
﴿صَدَفَ﴾ أَيْ: أَعْرَضَ.
﴿فَرَّقُوا دِينَهُمْ﴾ جَعَلُوهُ طَرَائِقَ وَمَذَاهِبَ تَتَعَادَى.
﴿وَكَانُوا شِيَعًا﴾ طَوَائِفَ وَأَحْزَابًا.
﴿وَنُسُكِي﴾ ذَبْحِي تَقَرُّبًا إلى الله.
﴿وَمَحْيَايَ﴾ حَيَاتِي.
﴿خَلاَئِفَ الأَرْضِ﴾ أي: في الأرض يَخْلُفُ بعضُهم بعضًا، واحِدُهُمْ خَلِيفَةٌ.
165
سُورة الأَعرَاف
سورة الأنعام
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

لم تَحْتَوِ سورةُ (الأنعام) على كثيرٍ من الأحكام الشَّرعية كأخواتِها من السُّوَر الطِّوال؛ بل اهتمَّت بتحقيقِ مقصدٍ عظيم؛ وهو (توحيدُ الألوهية، وتثبيتُ مسائلِ العقيدة)، وكما قال أبو إسحاقَ الأَسْفَرَائينيُّ: «في سورةِ الأنعام كلُّ قواعدِ التوحيد»؛ فقد رسَمتِ السورةُ معالمَ على طريق الهداية، ذاكرةً قصَّةَ إبراهيمَ في البحث عن الحنيفيَّةِ الخالصة بما حَوَتْهُ من حُجَجٍ عقلية، وبراهينَ قاطعة؛ فعنايةُ السورة بالعقيدة كانت واضحةً جليَّة؛ لكي يُحقِّقَ العبدُ ما افتُتحت به السورةُ: {اْلْحَمْدُ لِلَّهِ اْلَّذِي خَلَقَ اْلسَّمَٰوَٰتِ وَاْلْأَرْضَ} [الأنعام: 1].

ترتيبها المصحفي
6
نوعها
مكية
ألفاظها
3055
ترتيب نزولها
55
العد المدني الأول
167
العد المدني الأخير
167
العد البصري
166
العد الكوفي
165
العد الشامي
166

* قوله تعالى: ﴿وَلَا تَطْرُدِ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلْغَدَوٰةِ وَاْلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٖ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٖ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ اْلظَّٰلِمِينَ﴾ [الأنعام: 52]:

عن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه، قال: «فِيَّ نزَلتْ: ﴿وَلَا تَطْرُدِ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلْغَدَوٰةِ وَاْلْعَشِيِّ [الأنعام: 52].

قال: نزَلتْ في ستَّةٍ؛ أنا وابنُ مسعودٍ منهم، وكان المشركون قالوا له: تُدْني هؤلاء؟!».

وفي روايةٍ: «كنَّا مع النبيِّ ﷺ في ستَّةِ نفَرٍ، فقال المشركون للنبيِّ ﷺ: اطرُدْ هؤلاء؛ لا يَجترِئون علينا!

قال: وكنتُ أنا وابنُ مسعودٍ ورجُلٌ مِن هُذَيلٍ وبلالٌ ورجُلانِ لستُ أُسمِّيهما، فوقَعَ في نفسِ رسولِ اللهِ ﷺ ما شاءَ أن يقَعَ، فحدَّثَ نفسَهُ؛ فأنزَلَ اللهُ: ﴿وَلَا تَطْرُدِ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلْغَدَوٰةِ وَاْلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٖ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٖ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ اْلظَّٰلِمِينَ﴾ [الأنعام: 52]». أخرجه مسلم (٢٤١٣).

* قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اْسْمُ اْللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: 121]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «جاءت اليهودُ إلى النبيِّ ﷺ، فقالوا: نأكلُ ممَّا قتَلْنا، ولا نأكلُ ممَّا قتَلَ اللهُ؟ فأنزَلَ اللهُ: ﴿وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اْسْمُ اْللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: 121] إلى آخِرِ الآيةِ». أخرجه أبو داود (٢٨١٩).

* قوله تعالى: ﴿مَن جَآءَ بِاْلْحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشْرُ أَمْثَالِهَاۖ﴾ [الأنعام: 160]:

صحَّ عن أبي ذَرٍّ الغِفَاريِّ رضي الله عنه أنه قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «مَن صامَ ثلاثةَ أيَّامٍ مِن كلِّ شهرٍ، فذلك صيامُ الدَّهْرِ؛ فأنزَلَ اللهُ تصديقَ ذلك في كتابِهِ: ﴿مَن جَآءَ بِاْلْحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشْرُ أَمْثَالِهَاۖ﴾ [الأنعام: 160]؛ فاليومُ بعشَرةِ أيَّامٍ». أخرجه الترمذي (٧٦٢).


سُمِّيتْ سورةُ (الأنعام) بذلك؛ لأنَّها السورةُ التي عرَضتْ لذِكْرِ (الأنعام) على تفصيلٍ لم يَرِدْ في غيرها من السُّوَر.

* جاء في فضلِ سورة (الأنعام): أنَّها نزَلتْ وحولها سبعون ألفَ مَلَكٍ يُسبِّحون:

دلَّ على ذلك ما رواه ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: «نزَلتْ سورةُ الأنعامِ بمكَّةَ ليلًا جُمْلةً، حولَها سبعون ألفَ مَلَكٍ، يَجأرون حولها بالتَّسْبيحِ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلَّام (ص240)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في "عمدة التفسير" (1/761).

وقريبٌ منه ما جاء عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ سورةُ الأنعامِ على النَّبيِّ ﷺ ومعها مَوكِبٌ مِن الملائكةِ سَدَّ ما بين الخافِقَينِ، لهم زَجَلٌ بالتَّسْبيحِ والتَّقْديسِ، والأرضُ تَرتَجُّ، ورسولُ اللهِ ﷺ يقولُ: سُبْحانَ اللهِ العظيمِ، سُبْحانَ اللهِ العظيمِ». "المعجم الأوسط" للطبراني (٦٤٤٧).

اشتمَلتِ السُّورةُ على عِدَّة موضوعات جاءت مُرتَّبةً كالآتي:

الاستفتاح بالحمد، وخَلْق الإنسان وبَعْثه (١-٣).

إعراض المشركين (٤-١١).

مع الله حُجَج بالغة (١٢-٢٠).

في موقف الحشر (٢٢-٣٢).

تسليةٌ وتثبيت (٣٣-٣٥).

لماذا الإعراض؟ (٣٦-٤١).

سُنَنٌ ربانية (٤٢-٤٧).

مهمة الرسل عليهم السلام (٤٨- ٥٨).

مفاتيح الغيب (٥٩-٦٧).

تجنُّب مجال الخائضين (٦٨-٧٠).

معالمُ على طريق الهداية (٧١-٧٣).

قصة إبراهيمَ عليه السلام (٧٤-٩٠).

الاحتجاج على منكِري البعث (٩١-٩٤).

من دلائلِ القدرة (٩٥-٩٩).

الرد على مزاعمِ المشركين، وتقرير العقيدة (١٠٠-١٠٥).

منهج التعامل مع المشركين (١٠٦-١٠٨).

تعنُّتٌ وإصرار (١٠٩-١١١).

الإعلام المضلِّل وموقف الإسلام منه (١١٢-١١٤).

قواعدُ وأصول في العقيدة والدعوة (١١٥-١١٧).

قواعد وأصول في التحليل والتحريم (١١٨-١٢١).

من مظاهرِ الصُّدود وأسبابه (١٢٢-١٢٦).

وعدٌ ووعيد (١٢٧-١٣٥).

من جهالات المشركين (١٣٦-١٤٠).

حُجَجٌ باهرة، ونِعَمٌ ظاهرة (١٤١-١٥٠).

الوصايا العَشْرُ (١٥١-١٥٣).

من مشكاةٍ واحدة (١٥٤-١٥٧).

وماذا بعد الحُجَج؟ (١٥٨-١٦٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (2 /393).

أُقيمت هذه السُّورةُ على مقصدٍ عظيمٍ جدًّا؛ ألا وهو (تحقيق التَّوحيد)؛ وذلك بإشعار الناس بأنَّ حقَّ الحمد ليس إلا للهِ؛ لأنَّه مُبدِعُ العوالِمِ: جواهرَ وأعراضًا؛ فعُلِم أنه المتفرِّدُ بالإلهيَّة، وأنَّ الأصنامَ والجِنَّ تأثيرُها باطلٌ؛ فالذي خلَق الإنسانَ ونظامَ حياته وموته بحِكْمته هو المستحِقُّ لوصفِ الإلهِ المتصرِّف. وجاءت السورةُ بتنزيه اللهِ عن الولَدِ والصاحبة، وكما قال أبو إسحاقَ الأَسْفَرَائينيُّ: «في سورةِ الأنعامِ كلُّ قواعدِ التوحيد». واشتمَلتِ السورةُ على موعظة المُعرِضين عن آياتِ القرآن والمكذِّبين بالدِّين الحقِّ، وتهديدِهم بأن يحُلَّ بهم ما حَلَّ بالقرونِ المكذِّبين من قبلِهم والكافرين بنِعَمِ الله تعالى، وأنَّهم ما يضُرُّون بالإنكارِ إلا أنفسهم، ووعيدِهم بما سيَلقَون عند نزعِ أرواحهم، ثم عند البعثِ.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (7 /123).