تفسير سورة الأنبياء

تفسير الجلالين

تفسير سورة سورة الأنبياء من كتاب تفسير الجلالين المعروف بـتفسير الجلالين.
لمؤلفه المَحَلِّي . المتوفي سنة 864 هـ

﴿اقْتَرَبَ﴾ قَرُبَ ﴿لِلنَّاس﴾ أَهْل مَكَّة مُنْكِرِي الْبَعْث ﴿حِسَابُهُم﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿وَهُمْ فِي غَفْلَة﴾ عَنْهُ ﴿مُعْرِضُونَ﴾ عَنْ التَّأَهُّب لَهُ بِالْإِيمَانِ
﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْر مِنْ رَبّهمْ مُحْدَث﴾ شَيْئًا فَشَيْئًا أَيْ لَفْظ قُرْآن ﴿إلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ يَسْتَهْزِئُونَ
﴿لَاهِيَة﴾ غَافِلَة ﴿قُلُوبهمْ﴾ عَنْ مَعْنَاهُ ﴿وَأَسَرُّوا النَّجْوَى﴾ الكلام ﴿الذين ظلموا﴾ بدل من واو ﴿وأسروا النجوى {هَلْ هَذَا﴾ أَيْ مُحَمَّد ﴿إلَّا بَشَر مِثْلكُمْ﴾ فَمَا يَأْتِي بِهِ سِحْر ﴿أَفَتَأْتُونَ السِّحْر﴾ تَتَّبِعُونَهُ ﴿وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ سِحْر
﴿قَالَ﴾ لَهُمْ ﴿رَبِّي يَعْلَم الْقَوْل﴾ كَائِنًا ﴿فِي السَّمَاء وَالْأَرْض وَهُوَ السَّمِيع﴾ لِمَا أَسَرُّوهُ ﴿الْعَلِيم﴾ به
﴿بَلْ﴾ لِلِانْتِقَالِ مِنْ غَرَض إلَى آخَر فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة ﴿قَالُوا﴾ فِيمَا أَتَى بِهِ مِنْ الْقُرْآن هُوَ ﴿أَضْغَاث أَحْلَام﴾ أَخْلَاط رَآهَا فِي النَّوْم ﴿بَلْ افْتَرَاهُ﴾ اخْتَلَقَهُ ﴿بَلْ هُوَ شَاعِر﴾ فَمَا أَتَى بِهِ شِعْر ﴿فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أرسل الأولون﴾ كالناقة والعصا واليد قال تعالى
﴿مَا آمَنَتْ قَبْلهمْ مِنْ قَرْيَة﴾ أَيْ أَهْلهَا ﴿أَهْلَكْنَاهَا﴾ بِتَكْذِيبِهَا مَا أَتَاهَا مِنْ الْآيَات ﴿أَفَهُمْ يؤمنون﴾ لا
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلك إلَّا رِجَالًا نُوحِي﴾ وَفِي قراءة بالياء وفتح الحاء ﴿إلَيْهِمْ﴾ لَا مَلَائِكَة ﴿فَاسْأَلُوا أَهْل الذِّكْر﴾ الْعُلَمَاء بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيل ﴿إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَعْلَمُونَهُ وَأَنْتُمْ إلَى تَصْدِيقهمْ أَقْرَب مِنْ تَصْدِيق الْمُؤْمِنِينَ بِمُحَمَّدٍ
﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ﴾ أَيْ الرُّسُل ﴿جَسَدًا﴾ بِمَعْنَى أَجْسَادًا ﴿لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَام﴾ بَلْ يَأْكُلُونَهُ ﴿وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ﴾ فِي الدُّنْيَا
﴿ثُمَّ صَدَقْنَاهُمْ الْوَعْد﴾ بِإِنْجَائِهِمْ ﴿فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاء﴾ الْمُصَدِّقِينَ لَهُمْ ﴿وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ﴾ الْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ
١ -
﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إلَيْكُمْ﴾ يَا مَعْشَر قُرَيْش ﴿كِتَابًا فِيهِ ذِكْركُمْ﴾ لِأَنَّهُ بِلُغَتِكُمْ ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ فَتُؤْمِنُونَ به
١ -
﴿وَكَمْ قَصَمْنَا﴾ أَهْلَكْنَا ﴿مِنْ قَرْيَة﴾ أَيْ أَهْلهَا ﴿كانت ظالمة﴾ كافرة ﴿وأنشأنا بعدها قوما آخرين﴾
١ -
﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسنَا﴾ شَعَرَ أَهْل الْقَرْيَة بِالْإِهْلَاكِ ﴿إذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ﴾
يَهْرُبُونَ مُسْرِعِينَ
١ -
فَقَالَتْ لَهُمْ الْمَلَائِكَة اسْتِهْزَاء ﴿لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إلَى مَا أُتْرِفْتُمْ﴾ نُعِّمْتُمْ ﴿فِيهِ وَمَسَاكِنكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾ شَيْئًا مِنْ دُنْيَاكُمْ عَلَى الْعَادَة
١ -
﴿قَالُوا يَا﴾ لِلتَّنْبِيهِ ﴿وَيْلنَا﴾ هَلَاكنَا ﴿إنَّا كُنَّا ظالمين﴾ بالكفر
١ -
﴿فَمَا زَالَتْ تِلْكَ﴾ الْكَلِمَات ﴿دَعْوَاهُمْ﴾ يَدْعُونَ بِهَا وَيُرَدِّدُونَهَا ﴿حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا﴾ كَالزَّرْعِ الْمَحْصُود بِالْمَنَاجِلِ بِأَنْ قُتِلُوا بِالسَّيْفِ ﴿خَامِدِينَ﴾ مَيِّتِينَ كَخُمُودِ النَّار إذا طفئت
١ -
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا لَاعِبِينَ﴾ عَابِثِينَ بَلْ دَالِّينَ عَلَى قُدْرَتنَا وَنَافِعِينَ عِبَادنَا
١ -
﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذ لَهْوًا﴾ مَا يُلْهَى بِهِ مِنْ زَوْجَة أَوْ وَلَد ﴿لَاِتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا﴾ مِنْ عِنْدنَا مِنْ الْحُور الْعِين وَالْمَلَائِكَة ﴿إنْ كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ ذَلِكَ لَكِنَّا لَمْ نَفْعَلهُ فلم نرده
١ -
﴿بَلْ نَقْذِف﴾ نَرْمِي ﴿بِالْحَقِّ﴾ الْإِيمَان ﴿عَلَى الْبَاطِل﴾ الْكُفْر ﴿فَيَدْمَغهُ﴾ يُذْهِبهُ ﴿فَإِذَا هُوَ زَاهِق﴾ ذَاهِب وَدَمَغَهُ فِي الْأَصْل أَصَابَ دِمَاغه بِالضَّرْبِ وَهُوَ مَقْتَل ﴿وَلَكُمْ﴾ يَا كُفَّار مَكَّة ﴿الْوَيْل﴾ الْعَذَاب الشَّدِيد ﴿مِمَّا تَصِفُونَ﴾ اللَّه بِهِ مِنْ الزَّوْجَة أو الولد
421
١ -
422
﴿وَلَهُ﴾ تَعَالَى ﴿مَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ مُلْكًا ﴿وَمَنْ عِنْده﴾ أَيْ الْمَلَائِكَة مُبْتَدَأ خَبَره ﴿لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَته وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ﴾ لَا يَعْيَوْنَ
٢ -
﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يَفْتُرُونَ﴾ عَنْهُ فَهُوَ كَالنَّفَسِ مِنَّا لَا يَشْغَلنَا عَنْهُ شَاغِل
٢ -
﴿أَمْ﴾ بِمَعْنَى بَلْ لِلِانْتِقَالِ وَالْهَمْزَة لِلْإِنْكَارِ ﴿اتَّخَذُوا آلِهَة﴾ كَائِنَة ﴿مِنْ الْأَرْض﴾ كَحَجَرٍ وَذَهَب وَفِضَّة ﴿هُمْ﴾ أَيْ الْآلِهَة ﴿يَنْشُرُونَ﴾ أَيْ يُحْيُونَ الْمَوْتَى لَا وَلَا يَكُون إلَهًا إلَّا مَنْ يُحْيِي الموتى
٢ -
﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا﴾ أَيْ السَّمَاوَات وَالْأَرْض ﴿آلِهَة إلَّا اللَّه﴾ أَيْ غَيْره ﴿لَفَسَدَتَا﴾ أَيْ خَرَجَتَا عَنْ نِظَامهمَا الْمُشَاهَد لِوُجُودِ التَّمَانُع بَيْنهمْ عَلَى وَفْق الْعَادَة عِنْد تَعَدُّد الْحَاكِم مِنْ التَّمَانُع فِي الشَّيْء وَعَدَم الِاتِّفَاق عَلَيْهِ ﴿فَسُبْحَان﴾ تَنْزِيه ﴿اللَّه رَبّ﴾ خَالِق ﴿الْعَرْش﴾ الْكُرْسِيّ ﴿عَمَّا يَصِفُونَ﴾ الْكُفَّار اللَّه بِهِ مِنْ الشَّرِيك لَهُ وَغَيْره
٢ -
﴿لَا يُسْأَل عَمَّا يَفْعَل وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ عَنْ أفعالهم
٢ -
﴿أم اتخذوا من دونه﴾ تعالى أي سواه ﴿آلهة﴾ فِيهِ اسْتِفْهَام تَوْبِيخ ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانكُمْ﴾ عَلَى ذلك ولاسبيل إلَيْهِ ﴿هَذَا ذِكْر مَنْ مَعِيَ﴾ أُمَّتِي وَهُوَ الْقُرْآن ﴿وَذِكْر مَنْ قَبْلِي﴾ مِنْ الْأُمَم وَهُوَ التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَغَيْرهمَا مِنْ كُتُب اللَّه لَيْسَ فِي وَاحِد مِنْهَا أَنَّ مَعَ اللَّه إلَهًا مِمَّا قَالُوا تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ ﴿بَلْ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقّ﴾ تَوْحِيد اللَّه ﴿فَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ عَنْ النَّظَر الْمُوصِل إلَيْهِ
٢ -
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك مِنْ رَسُول إلَّا نُوحِي﴾ وَفِي قِرَاءَة بِالْيَاءِ وَفَتْح الْحَاء ﴿إلَيْهِ أنه لا إله إلا أنا فاعبدون﴾ أي وحدوني
٢ -
﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَن وَلَدًا﴾ مِنْ الْمَلَائِكَة ﴿سُبْحَانه بَلْ﴾ هُمْ ﴿عِبَاد مُكْرَمُونَ﴾ عِنْده وَالْعُبُودِيَّة تُنَافِي الولادة
٢ -
﴿لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ﴾ لَا يَأْتُونَ بِقَوْلِهِمْ إلَّا بَعْد قَوْله ﴿وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ أَيْ بَعْده
٢ -
﴿يَعْلَم مَا بَيْن أَيْدِيهمْ وَمَا خَلْفهمْ﴾ مَا عَمِلُوا وَمَا هُمْ عَامِلُونَ ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إلَّا لِمَنْ ارْتَضَى﴾ تَعَالَى أَنْ يَشْفَع لَهُ ﴿وَهُمْ مِنْ خَشْيَته﴾ تَعَالَى ﴿مُشْفِقُونَ﴾ خَائِفُونَ
422
٢ -
423
﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إنِّي إلَه مِنْ دُونه﴾ أَيْ اللَّه أَيْ غَيْره وَهُوَ إبْلِيس دَعَا إلَى عِبَادَة نَفْسه وَأَمَرَ بِطَاعَتِهَا ﴿فَذَلِك نَجْزِيه جَهَنَّم كَذَلِكَ﴾ كَمَا نَجْزِيه ﴿نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ الْمُشْرِكِينَ
٣ -
﴿أو لم﴾ بِوَاوٍ وَتَرْكهَا ﴿يَرَ﴾ يَعْلَم ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السماوات وَالْأَرْض كَانَتَا رَتْقًا﴾ سَدًّا بِمَعْنَى مَسْدُودَة ﴿فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ جَعَلْنَا السَّمَاء سَبْعًا وَالْأَرْض سَبْعًا أَوْ فَتَقَ السَّمَاء أَنْ كَانَتْ لَا تُمْطِر فَأَمْطَرَتْ وَفَتَقَ الْأَرْض أَنْ كَانَتْ لَا تُنْبِت فَأَنْبَتَتْ ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاء﴾ النَّازِل مِنْ السَّمَاء وَالنَّابِع مِنْ الْأَرْض ﴿كُلّ شَيْء حَيّ﴾ مِنْ نَبَات وَغَيْره أَيْ فَالْمَاء سَبَب لِحَيَاتِهِ ﴿أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ بِتَوْحِيدِي
٣ -
﴿وجعلنا في الأرض رواسي﴾ جبالا ثواب ل ﴿أَنْ﴾ لَا ﴿تَمِيد﴾ تَتَحَرَّك ﴿بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا﴾ الرَّوَاسِيَ ﴿فِجَاجًا﴾ مَسَالِك ﴿سُبُلًا﴾ بَدَل طُرُقًا نَافِذَة وَاسَعَة ﴿لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ إلَى مَقَاصِدهمْ فِي الْأَسْفَار
٣ -
﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا﴾ لِلْأَرْضِ كَالسَّقْفِ لِلْبَيْتِ ﴿مَحْفُوظًا﴾ عَنْ الْوُقُوع ﴿وَهُمْ عَنْ آيَاتهَا﴾ مِنْ الشَّمْس وَالْقَمَر وَالنُّجُوم ﴿مُعْرِضُونَ﴾ لَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهَا فَيَعْلَمُونَ أَنَّ خَالِقهَا لَا شَرِيك لَهُ
٣ -
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر كُلّ﴾ تَنْوِينه عِوَض عَنْ الْمُضَاف إلَيْهِ مِنْ الشَّمْس وَالْقَمَر وَتَابِعه وَهُوَ النُّجُوم ﴿فِي فَلَك﴾ مُسْتَدِير كَالطَّاحُونَةِ فِي السَّمَاء ﴿يَسْبَحُونَ﴾ يَسِيرُونَ بِسُرْعَةٍ كَالسَّابِحِ فِي الْمَاء وَلِلتَّشْبِيهِ بِهِ أَتَى بِضَمِيرِ جَمْع مَنْ يَعْقِل
٣ -
وَنَزَلَ لَمَّا قَالَ الْكُفَّار إنَّ مُحَمَّدًا سَيَمُوتُ ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلك الْخُلْد﴾ الْبَقَاء في الدنيا ﴿أفائن مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ﴾ فِيهَا لَا فَالْجُمْلَة الْأَخِيرَة مَحَلّ الِاسْتِفْهَام الْإِنْكَارِيّ
٣ -
﴿كُلّ نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿وَنَبْلُوكُمْ﴾ نَخْتَبِركُمْ ﴿بِالشَّرِّ وَالْخَيْر﴾ كَفَقْرٍ وَغِنًى وَسَقَم وَصِحَّة ﴿فِتْنَة﴾ مَفْعُول لَهُ أَيْ لِنَنْظُر أَتَصْبِرُونَ وَتَشْكُرُونَ أم لا ﴿وإلينا ترجعون﴾ فنجازيكم
423
٣ -
424
﴿وإذا رآك الذين كفروا إن﴾ ما ﴿يتخذونك إلا هزؤا﴾ أي مهزوءا به يقولون ﴿هذا الَّذِي يَذْكُر آلِهَتكُمْ﴾ أَيْ يَعِيبهَا ﴿وَهُمْ بِذِكْرِ الرحمن﴾ لهم ﴿هم﴾ تأكيد ﴿كافرين﴾ بِهِ إذْ قَالُوا مَا نَعْرِفهُ
٣ -
وَنَزَلَ فِي اسْتِعْجَالهمْ الْعَذَاب ﴿خُلِقَ الْإِنْسَان مِنْ عَجَل﴾ أَيْ أَنَّهُ لِكَثْرَةِ عَجَله فِي أَحْوَاله كأنه خلق منه ﴿سأريكم آيَاتِي﴾ مَوَاعِيدِي بِالْعَذَابِ ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُونَ﴾ فِيهِ فَأَرَاهُمْ القتل ببدر
٣ -
﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْد﴾ بِالْقِيَامَةِ ﴿إنْ كُنْتُمْ صادقين﴾ فيه
٣ -
قال تعالى ﴿لَوْ يَعْلَم الَّذِينَ كَفَرُوا حِين لَا يَكُفُّونَ﴾ يَدْفَعُونَ ﴿عَنْ وُجُوههمْ النَّار وَلَا عَنْ ظُهُورهمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ يُمْنَعُونَ مِنْهَا فِي الْقِيَامَة وَجَوَاب لَوْ مَا قَالُوا ذَلِكَ
٤ -
﴿بَلْ تَأْتِيهِمْ﴾ الْقِيَامَة ﴿بَغْتَة فَتَبْهَتهُمْ﴾ تُحَيِّرهُمْ ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ يُمْهَلُونَ لِتَوْبَةٍ أَوْ مَعْذِرَة
٤ -
﴿وَلَقَدْ اُسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلك﴾ فِيهِ تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿فَحَاقَ﴾ نَزَلَ ﴿بِاَلَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ وَهُوَ الْعَذَاب فَكَذَا يَحِيق بِمَنْ اسْتَهْزَأَ بِك
٤ -
﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿مَنْ يَكْلَؤُكُمْ﴾ يَحْفَظكُمْ ﴿بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار مِنْ الرَّحْمَن﴾ مِنْ عَذَابه إنْ نَزَلَ بِكُمْ أَيْ لَا أَحَد يَفْعَل ذَلِكَ وَالْمُخَاطَبُونَ لَا يَخَافُونَ عَذَاب اللَّه لِإِنْكَارِهِمْ لَهُ ﴿بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْر رَبّهمْ﴾ أَيْ الْقُرْآن ﴿مُعْرِضُونَ﴾ لَا يتفكرون فيه
٤ -
﴿أم﴾ فيها معنى الهمزة للإنكار أي أ ﴿لهم آلهة تمنعهم﴾ مما يسوؤهم ﴿مِنْ دُوننَا﴾ أَيْ أَلَهُمْ مَنْ يَمْنَعهُمْ مِنْهُ غَيْرنَا لَا ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ أَيْ الْآلِهَة ﴿نَصْر أَنْفُسهمْ﴾ فَلَا يَنْصُرُونَهُمْ ﴿وَلَا هُمْ﴾ أَيْ الْكُفَّار ﴿مِنَّا﴾
مِنْ عَذَابنَا ﴿يُصْحَبُونَ﴾ يُجَارُونَ يُقَال صَحِبَك اللَّه أَيْ حَفِظَك وَأَجَارَك
٤ -
﴿بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ﴾ بِمَا أَنْعَمْنَا عَلَيْهِمْ ﴿حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمْ الْعُمُر﴾ فَاغْتَرُّوا بِذَلِكَ ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْض﴾ نَقْصِد أَرْضهمْ ﴿نَنْقُصهَا مِنْ أَطْرَافهَا﴾ بِالْفَتْحِ عَلَى النَّبِيّ ﴿أَفَهُمْ الْغَالِبُونَ﴾ لَا بَلْ النَّبِيّ وَأَصْحَابه
424
٤ -
425
﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿إنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ﴾ مِنْ اللَّه لَا مِنْ قِبَل نَفْسِي ﴿وَلَا يَسْمَع الصُّمّ الدُّعَاء إذَا﴾ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَتَسْهِيل الثَّانِيَة بَيْنهَا وَبَيْن الْيَاء ﴿مَا يُنْذَرُونَ﴾ هُمْ لِتَرْكِهِمْ الْعَمَل بِمَا سَمِعُوهُ مِنْ الْإِنْذَار كَالصُّمِّ
٤ -
﴿وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَة﴾ وَقْعَة خَفِيفَة ﴿مِنْ عَذَاب رَبّك لَيَقُولُنَّ يَا﴾ لِلتَّنْبِيهِ ﴿وَيْلنَا﴾ هَلَاكنَا ﴿إنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ بِالْإِشْرَاكِ وَتَكْذِيب مُحَمَّد
٤ -
﴿وَنَضَع الْمَوَازِين الْقِسْط﴾ ذَوَات الْعَدْل ﴿لِيَوْمِ الْقِيَامَة﴾ أَيْ فِيهِ ﴿فَلَا تُظْلَم نَفْس شَيْئًا﴾ مِنْ نَقْص حَسَنَة أَوْ زِيَادَة سَيِّئَة ﴿وَإِنْ كَانَ﴾ الْعَمَل ﴿مِثْقَال﴾ زِنَة ﴿حَبَّة مِنْ خَرْدَل أَتَيْنَا بِهَا﴾ بِمَوْزُونِهَا ﴿وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ مُحْصِينَ كُلّ شيء
٤ -
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُون الْفُرْقَان﴾ أَيْ التَّوْرَاة الْفَارِقَة بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل وَالْحَلَال وَالْحَرَام ﴿وَضِيَاء﴾ بها ﴿وذكرا﴾ عظة بها ﴿للمتقين﴾
٤ -
﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهمْ بِالْغَيْبِ﴾ عَنْ النَّاس أَيْ فِي الْخَلَاء عَنْهُمْ ﴿وَهُمْ مِنْ السَّاعَة﴾ أَيْ أَهْوَالهَا ﴿مُشْفِقُونَ﴾ خَائِفُونَ
٥ -
﴿وَهَذَا﴾ أَيْ الْقُرْآن ﴿ذِكْر مُبَارَك أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ﴾ الِاسْتِفْهَام فِيهِ لِلتَّوْبِيخِ
٥ -
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إبْرَاهِيم رُشْده مِنْ قَبْل﴾ أَيْ هَدَاهُ قَبْل بُلُوغه ﴿وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ﴾ بِأَنَّهُ أهل لذلك
٥ -
﴿إذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمه مَا هَذِهِ التَّمَاثِيل﴾ الْأَصْنَام ﴿الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾ أَيْ عَلَى عبادتها مقيمون
٥ -
﴿قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ﴾ فَاقْتَدَيْنَا بِهِمْ
٥ -
﴿قَالَ﴾ لَهُمْ ﴿لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ﴾ بِعِبَادَتِهَا ﴿فِي ضَلَال مُبِين﴾ بَيِّن
٥ -
﴿قَالُوا أَجِئْتنَا بِالْحَقِّ﴾ فِي قَوْلك هَذَا ﴿أَمْ أَنْتَ مِنْ اللَّاعِبِينَ﴾ فِيهِ
٥ -
﴿قَالَ بَلْ رَبّكُمْ﴾ الْمُسْتَحِقّ لِلْعِبَادَةِ ﴿رَبّ﴾ مَالِك ﴿السَّمَاوَات وَالْأَرْض الَّذِي فَطَرَهُنَّ﴾ خَلَقَهُنَّ عَلَى غَيْر مثقال سَبَقَ ﴿وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ﴾ الَّذِي قُلْته ﴿مِنْ الشاهدين﴾ به
425
٥ -
426
﴿وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين﴾
٥ -
﴿فَجَعَلَهُمْ﴾ بَعْد ذَهَابهمْ إلَى مُجْتَمَعهمْ فِي يَوْم عِيد لَهُمْ ﴿جُذَاذًا﴾ بِضَمِّ الْجِيم وَكَسْرهَا فُتَاتًا بِفَأْسٍ ﴿إلَّا كَبِيرًا لَهُمْ﴾ عَلَّقَ الْفَأْس فِي عُنُقه ﴿لَعَلَّهُمْ إلَيْهِ﴾ أَيْ إلَى الْكَبِير ﴿يَرْجِعُونَ﴾ فَيَرَوْنَ مَا فَعَلَ بِغَيْرِهِ
٥ -
﴿قَالُوا﴾ بَعْد رُجُوعهمْ وَرُؤْيَتهمْ مَا فَعَلَ ﴿مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إنَّهُ لَمِنْ الظَّالِمِينَ﴾ فِيهِ
٦ -
﴿قَالُوا﴾ أَيْ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ ﴿سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرهُمْ﴾ أي يعيبهم {يقال له إبراهيم
٦ -
﴿قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُن النَّاس﴾ أَيْ ظَاهِرًا ﴿لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾ عَلَيْهِ أَنَّهُ الْفَاعِل
٦ -
﴿قَالُوا﴾ لَهُ بَعْد إتْيَانه ﴿أَأَنْتَ﴾ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَإِبْدَال الثَّانِيَة أَلِفًا وَتَسْهِيلهَا وَإِدْخَال أَلِف بَيْن المسهلة والأخرى وتركه ﴿فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم﴾
٦ -
﴿قَالَ﴾ سَاكِتًا عَنْ فِعْله ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرهمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ﴾ عَنْ فَاعِله ﴿إنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾ فِيهِ تَقْدِيم جَوَاب الشَّرْط وَفِيمَا قَبْله تَعْرِيض لَهُمْ بِأَنَّ الصَّنَم الْمَعْلُوم عَجْزه عَنْ الْفِعْل لَا يَكُون إلَهًا
٦ -
﴿فَرَجَعُوا إلَى أَنْفُسهمْ﴾ بِالتَّفَكُّرِ ﴿فَقَالُوا﴾ لِأَنْفُسِهِمْ ﴿إنَّكُمْ أَنْتُمْ الظَّالِمُونَ﴾ بِعِبَادَتِكُمْ مَنْ لَا يَنْطِق
٦ -
﴿ثم نكسوا﴾ من الله ﴿على رؤوسهم﴾ أَيْ رُدُّوا إلَى كُفْرهمْ وَقَالُوا وَاَللَّه ﴿لَقَدْ عَلِمْت مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ﴾ أَيْ فَكَيْفَ تَأْمُرنَا بسؤالهم
٦ -
﴿قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه﴾ أَيْ بَدَله ﴿مَا لَا يَنْفَعكُمْ شَيْئًا﴾ مِنْ رِزْق وَغَيْره ﴿وَلَا يَضُرّكُمْ﴾ شَيْئًا إذًا لَمْ تَعْبُدُوهُ
٦ -
﴿أُفٍّ﴾ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحهَا بِمَعْنَى مَصْدَر أَيْ نتنا وقبحا ﴿لكم ولما تبعدون مِنْ دُون اللَّه﴾ أَيْ غَيْره ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ أَنَّ هَذِهِ الْأَصْنَام لَا تَسْتَحِقّ الْعِبَادَة وَلَا تَصْلُح لَهَا وَإِنَّمَا يَسْتَحِقّهَا اللَّه تَعَالَى
426
٦ -
427
﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ﴾ أَيْ إبْرَاهِيم ﴿وَانْصُرُوا آلِهَتكُمْ﴾ أَيْ بتحريقه ﴿إن كنتم فاعلين﴾ نصرتها فجعوا لَهُ الْحَطَب الْكَثِير وَأَضْرَمُوا النَّار فِي جَمِيعه وَأَوْثَقُوا إبْرَاهِيم وَجَعَلُوهُ فِي مَنْجَنِيق وَرَمَوْهُ فِي النار قال تعالى
٦ -
﴿قُلْنَا يَا نَار كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إبْرَاهِيم﴾ فَلَمْ تُحْرِقْ مِنْهُ غَيْر وَثَاقه وَذَهَبَتْ حَرَارَتهَا وَبَقِيَتْ إضَاءَتهَا وَبِقَوْلِهِ ﴿وَسَلَامًا﴾ سَلِمَ مِنْ الموت ببردها
٧ -
﴿وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا﴾ وَهُوَ التَّحْرِيق ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ الْأَخْسَرِينَ﴾ في مرادهم
٧ -
﴿ونجيناه ولوطا﴾ بن أَخِيهِ هَارَان مِنْ الْعِرَاق ﴿إلَى الْأَرْض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ بِكَثْرَةِ الْأَنْهَار وَالْأَشْجَار وَهِيَ الشَّام نَزَلَ إبْرَاهِيم بِفِلَسْطِين وَلُوط بِالْمُؤْتَفِكَةِ وَبَيْنهمَا يوم
٧ -
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ﴾ أَيْ لِإِبْرَاهِيم وَكَانَ سَأَلَ وَلَدًا كَمَا ذُكِرَ فِي الصَّافَّات ﴿إسْحَاق وَيَعْقُوب نَافِلَة﴾ أي زيادة على المسؤول أَوْ هُوَ وَلَد الْوَلَد ﴿وَكُلًّا﴾ أَيْ هُوَ وَوَلَدَاهُ ﴿جَعَلْنَا صَالِحِينَ﴾ أَنْبِيَاء
٧ -
﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّة﴾ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَإِبْدَال الثَّانِيَة يَاء يُقْتَدَى بِهِمْ فِي الْخَيْر ﴿يَهْدُونَ﴾ النَّاس ﴿بِأَمْرِنَا﴾ إلى ديننا ﴿وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة﴾ أَيْ أَنْ تُفْعَل وَتُقَام وَتُؤْتَى مِنْهُمْ وَمِنْ أَتْبَاعهمْ وَحُذِفَ هَاء إقَامَة تخفيف ﴿وكانوا لنا عابدين﴾
٧ -
﴿وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا﴾ فَصْلًا بَيْن الْخُصُوم ﴿وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْقَرْيَة الَّتِي كَانَتْ تَعْمَل﴾ أَيْ أَهْلهَا الْأَعْمَال ﴿الْخَبَائِث﴾ مِنْ اللِّوَاط وَالرَّمْي بِالْبُنْدُقِ وَاللَّعِب بِالطُّيُورِ وَغَيْر ذَلِكَ ﴿إنَّهُمْ كَانُوا قَوْم سوء﴾ مصدر ساءه نقيض سره ﴿فاسقين﴾
٧ -
﴿وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتنَا﴾ بِأَنْ أَنْجَيْنَاهُ مِنْ قَوْمه ﴿إنه من الصالحين﴾
٧ -
﴿وَ﴾ اُذْكُرْ ﴿نُوحًا﴾ وَمَا بَعْده بَدَل مِنْهُ ﴿إذْ نَادَى﴾ دَعَا عَلَى قَوْمه بِقَوْلِهِ ﴿رَبّ لَا تَذَر﴾ إلَخْ ﴿مِنْ قَبْل﴾ أَيْ قَبْل إبْرَاهِيم وَلُوط ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ﴾ الَّذِينَ فِي سَفِينَته ﴿مِنْ الْكَرْب الْعَظِيم﴾ أَيْ الْغَرَق وَتَكْذِيب قَوْمه لَهُ
٧ -
﴿وَنَصَرْنَاهُ﴾ مَنَعْنَاهُ ﴿مِنْ الْقَوْم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ الدَّالَّة عَلَى رِسَالَته أَنْ لَا يَصِلُوا إلَيْهِ بسوء {إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين
427
٧ -
428
﴿وَ﴾ اذْكُر ﴿دَاوُد وَسُلَيْمَان﴾ أَيْ قِصَّتهمَا وَيُبْدَل مِنْهُمَا ﴿إذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْث﴾ هُوَ زَرْع أَوْ كَرْم ﴿إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَم الْقَوْم﴾ أَيْ رَعَتْهُ لَيْلًا بِلَا رَاعٍ بِأَنْ انْفَلَتَتْ ﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾ فِيهِ اسْتِعْمَال ضَمِير الْجَمْع لِاثْنَيْنِ قَالَ دَاوُد لِصَاحِبِ الْحَرْث رِقَاب الْغَنَم وَقَالَ سُلَيْمَان يَنْتَفِع بِدَرِّهَا وَنَسْلهَا وَصُوفهَا إلَى أَنْ يَعُود الْحَرْث كَمَا كَانَ بِإِصْلَاحِ صَاحِبِهَا فيردها إليه
٧ -
﴿فَفَهَّمْنَاهَا﴾ أَيْ الْحُكُومَة ﴿سُلَيْمَان﴾ وَحُكْمهمَا بِاجْتِهَادٍ وَرَجَعَ دَاوُد إلَى سُلَيْمَان وَقِيلَ بِوَحْيٍ وَالثَّانِي نَاسِخ للأول ﴿وكلا﴾ منهما ﴿آتينا﴾ هـ ﴿حُكْمًا﴾ نُبُوَّة ﴿وَعِلْمًا﴾ بِأُمُورِ الدِّين ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُد الْجِبَال يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْر﴾ كَذَلِكَ سُخِّرَا لِلتَّسْبِيحِ مَعَهُ لِأَمْرِهِ بِهِ إذَا وَجَدَ فَتْرَة لِيَنْشَط لَهُ ﴿وَكُنَّا فَاعِلِينَ﴾ تَسْخِير تَسْبِيحهمَا مَعَهُ وَإِنْ كَانَ عَجَبًا عِنْدكُمْ أَيْ مُجَاوَبَته لِلسَّيِّدِ دَاوُد
٨ -
﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَة لَبُوس﴾ وَهِيَ الدِّرْع لِأَنَّهَا تُلْبَس وَهُوَ أَوَّل مَنْ صَنَعَهَا وَكَانَ قَبْلهَا صَفَائِح ﴿لكم﴾ في جملة الناس} لنحصنكم} بِالنُّونِ لِلَّهِ وَبِالتَّحْتَانِيَّة لِدَاوُد وبِالْفَوْقَانِيَّةِ لِلَّبُوسِ ﴿مِنْ بَأْسكُمْ﴾ حَرْبكُمْ مَعَ أَعْدَائِكُمْ ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ﴾ يَا أَهْل مَكَّة ﴿شَاكِرُونَ﴾ نِعَمِي بِتَصْدِيقِ الرَّسُول أَيْ اشكروني بذلك
٨ -
﴿و﴾ سخرنا ﴿لِسُلَيْمَان الرِّيح عَاصِفَة﴾ وَفِي آيَة أُخْرَى رَخَاء أَيْ شَدِيدَة الْهُبُوب وَخَفِيفَته حَسَب إرَادَته ﴿تَجْرِي بِأَمْرِهِ إلَى الْأَرْض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ وَهِيَ الشَّام ﴿وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْء عَالِمِينَ﴾ مِنْ ذَلِكَ عَلِمَ اللَّه تَعَالَى بِأَنَّ مَا يُعْطِيهِ سُلَيْمَان يَدْعُوهُ إلَى الْخُضُوع لِرَبِّهِ فَفَعَلَهُ تَعَالَى عَلَى مقتضى علمه
٨ -
﴿و﴾ سخرنا ﴿مِنْ الشَّيَاطِين مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ﴾ يَدْخُلُونَ فِي الْبَحْر فَيُخْرِجُونَ مِنْهُ الْجَوَاهِر لِسُلَيْمَان ﴿وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُون ذَلِكَ﴾ أَيْ سِوَى الْغَوْص مِنْ الْبِنَاء وَغَيْره ﴿وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ﴾ مِنْ أَنْ يُفْسِدُوا مَا عَمِلُوا لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا فَرَغُوا مِنْ عَمَل قَبْل اللَّيْل أَفْسَدُوهُ إنْ لَمْ يَشْتَغِلُوا بغيره
٨ -
﴿و﴾ اُذْكُرْ ﴿أَيُّوب﴾ وَيُبْدَل مِنْهُ ﴿إذْ نَادَى رَبّه﴾ لَمَّا اُبْتُلِيَ بِفَقْدِ جَمِيع مَاله وَوَلَده وَتَمْزِيق جَسَده وَهَجْر جَمِيع النَّاس لَهُ إلَّا زَوْجَته سِنِينَ ثَلَاثًا أَوْ سَبْعًا أَوْ ثَمَانِيَ عَشْرَة وَضِيق عَيْشه ﴿أَنِّي﴾ بِفَتْحِ الْهَمْزَة بِتَقْدِيرِ الياء ﴿مسني الضر﴾ أي الشدة {وأنت أرحم الراحمين
428
٨ -
429
﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾ نِدَاءَهُ ﴿فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرّ وَآتَيْنَاهُ أَهْله﴾ أَوْلَاده الذُّكُور وَالْإِنَاث بِأَنْ أُحْيُوا لَهُ وَكُلّ مِنْ الصِّنْفَيْنِ ثَلَاث أَوْ سَبْع ﴿وَمِثْلهمْ مَعَهُمْ﴾ مِنْ زَوْجَته وَزِيدَ فِي شَبَابهَا وَكَانَ لَهُ أَنْدَر لِلْقَمْحِ وَأَنْدَر لِلشَّعِيرِ فَبَعَثَ اللَّه سَحَابَتَيْنِ أَفْرَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى أَنْدَر الْقَمْح الذَّهَب وَأَفْرَغَتْ الْأُخْرَى عَلَى أَنْدَر الشَّعِير الْوَرِق حَتَّى فَاضَ ﴿رَحْمَة﴾ مَفْعُول لَهُ ﴿مِنْ عندنا﴾ صفة ﴿وذكرى للعابدين﴾ ليصبروا فيثابوا
٨ -
﴿و﴾ اذكر ﴿إسماعيل وَإِدْرِيس وَذَا الْكِفْل كُلّ مِنْ الصَّابِرِينَ﴾ عَلَى طَاعَة اللَّه وَعَنْ مَعَاصِيه
٨ -
﴿وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتنَا﴾ مِنْ النُّبُوَّة ﴿إنَّهُمْ مِنْ الصَّالِحِينَ﴾ لَهَا وَسُمِّيَ ذَا الْكِفْل لِأَنَّهُ تَكَفَّلَ بِصِيَامِ جَمِيع نَهَاره وَقِيَام جَمِيع لَيْله وَأَنْ يَقْضِيَ بَيْن النَّاس وَلَا يَغْضَب فَوَفَّى بِذَلِكَ وَقِيلَ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا
٨ -
﴿وَ﴾ اُذْكُرْ ﴿ذَا النُّون﴾ صَاحِب الْحُوت وَهُوَ يُونُس بْن مَتَّى وَيُبْدَل مِنْهُ ﴿إذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا﴾ لِقَوْمِهِ أَيْ غَضْبَان عَلَيْهِمْ مِمَّا قَاسَى مِنْهُمْ وَلَمْ يُؤْذَن لَهُ فِي ذَلِكَ ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِر عَلَيْهِ﴾ أَيْ نَقْضِي عَلَيْهِ بِمَا قَضَيْنَاهُ مِنْ حَبْسه فِي بَطْن الْحُوت أَوْ نُضَيِّق عَلَيْهِ بِذَلِكَ ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَات﴾ ظُلْمَة اللَّيْل وَظُلْمَة الْبَحْر وَظُلْمَة بَطْن الْحُوت ﴿أَنْ﴾ أَيْ بِأَنْ ﴿لَا إلَه إلَّا أَنْتَ سُبْحَانك إنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ﴾ فِي ذَهَابِي مِنْ بَيْن قَوْمِي بِلَا إذْنٍ
٨ -
﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمّ﴾ بِتِلْكَ الْكَلِمَات ﴿وَكَذَلِكَ﴾ كَمَا نَجَّيْنَاهُ ﴿نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ مِنْ كَرْبهمْ إذَا اسْتَغَاثُوا بِنَا دَاعِينَ
٨ -
﴿وَ﴾ اُذْكُرْ ﴿زَكَرِيَّا﴾ وَيُبْدَل مِنْهُ ﴿إذْ نَادَى رَبّه﴾ بِقَوْلِهِ ﴿رَبّ لَا تَذَرنِي فَرْدًا﴾ أَيْ بِلَا وَلَد يَرِثنِي ﴿وَأَنْتَ خَيْر الْوَارِثِينَ﴾ الْبَاقِي بَعْد فَنَاء خَلْقك
٩ -
﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾ نِدَاءَهُ ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى﴾ وَلَدًا ﴿وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجه﴾ فَأَتَتْ بِالْوَلَدِ بَعْد عُقْمهَا ﴿إنَّهُمْ﴾ أَيْ مَنْ ذُكِرَ مِنْ الْأَنْبِيَاء ﴿كَانُوا يُسَارِعُونَ﴾ يُبَادِرُونَ ﴿فِي الْخَيْرَات﴾ الطَّاعَات ﴿وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا﴾ فِي رَحْمَتنَا ﴿وَرَهَبًا﴾ مِنْ عَذَابنَا ﴿وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ مُتَوَاضِعِينَ فِي عِبَادَتهمْ
429
٩ -
430
﴿وَ﴾ اُذْكُرْ مَرْيَمَ ﴿اَلَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجهَا﴾ حَفِظَتْهُ مِنْ أَنْ يُنَال ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحنَا﴾ أَيْ جِبْرِيل حَيْثُ نَفَخَ فِي جَيْب دِرْعهَا فَحَمَلَتْ بِعِيسَى ﴿وَجَعَلْنَاهَا وَابْنهَا آيَة لِلْعَالَمِينَ﴾ الْإِنْس وَالْجِنّ وَالْمَلَائِكَة حَيْثُ وَلَدَتْهُ مِنْ غَيْر فَحْل
٩ -
﴿إنَّ هَذِهِ﴾ أَيْ مِلَّة الْإِسْلَام ﴿أُمَّتكُمْ﴾ دِينكُمْ أَيّهَا الْمُخَاطَبُونَ أَيْ يَجِب أَنْ تَكُونُوا عَلَيْهَا ﴿أُمَّة وَاحِدَة﴾ حَال لَازِمَة ﴿وَأَنَا رَبّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ وحدون
٩ -
﴿وَتَقَطَّعُوا﴾ أَيْ بَعْض الْمُخَاطَبِينَ ﴿أَمْرهمْ بَيْنهمْ﴾ أَيْ تَفَرَّقُوا أَمْر دِينهمْ مُتَخَالِفِينَ فِيهِ وَهُمْ طَوَائِف اليهود والنصارى قال تعا لي ﴿كُلّ إلَيْنَا رَاجِعُونَ﴾ أَيْ فَنُجَازِيهِ بِعَمَلِهِ
٩ -
﴿فَمَنْ يَعْمَل مِنْ الصَّالِحَات وَهُوَ مُؤْمِن فَلَا كُفْرَان﴾ أَيْ لَا جُحُود ﴿لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ بِأَنْ نَأْمُر الْحَفَظَة بِكَتْبِهِ فَنُجَازِيهِ عَلَيْهِ
٩ -
﴿وَحَرَام عَلَى قَرْيَة أَهْلَكْنَاهَا﴾ أُرِيدَ أَهْلهَا ﴿أَنَّهُمْ لَا﴾ زَائِدَة ﴿يَرْجِعُونَ﴾ أَيْ مُمْتَنِع رُجُوعهمْ إلَى الدنيا
٩ -
﴿حَتَّى﴾ غَايَة لِامْتِنَاعِ رُجُوعهمْ ﴿إذَا فُتِحَتْ﴾ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد ﴿يَأْجُوج وَمَأْجُوج﴾ بِالْهَمْزِ وَتَرْكه اسْمَانِ أَعْجَمِيَّانِ لِقَبِيلَتَيْنِ وَيُقَدَّر قَبْله مُضَاف أَيْ سَدّهمَا وَذَلِكَ قُرْب الْقِيَامَة ﴿وَهُمْ مِنْ كُلّ حَدَب﴾ مُرْتَفَع مِنْ الْأَرْض ﴿يَنْسِلُونَ﴾ يُسْرِعُونَ
٩ -
﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْد الْحَقّ﴾ أَيْ يَوْم الْقِيَامَة ﴿فَإِذَا هِيَ﴾ أَيْ الْقِصَّة ﴿شَاخِصَة أَبْصَار الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ فِي ذَلِكَ الْيَوْم لِشِدَّتِهِ يَقُولُونَ ﴿يَا﴾ لِلتَّنْبِيهِ ﴿وَيْلنَا﴾ هَلَاكنَا ﴿قَدْ كُنَّا﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿فِي غَفْلَة مِنْ هَذَا﴾ الْيَوْم ﴿بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ أَنْفُسنَا بِتَكْذِيبِنَا لِلرُّسُلِ
٩ -
﴿إنَّكُمْ﴾ يَا أَهْل مَكَّة ﴿وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه﴾ أَيْ غَيْره مِنْ الْأَوْثَان ﴿حَصَب جَهَنَّم﴾ وَقُودهَا ﴿أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ دَاخِلُونَ فِيهَا
٩ -
﴿لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ﴾ الْأَوْثَان ﴿آلِهَة﴾ كَمَا زَعَمْتُمْ ﴿مَا وَرَدُوهَا﴾ دَخَلُوهَا ﴿وَكُلّ﴾ مِنْ الْعَابِدِينَ وَالْمَعْبُودِينَ ﴿فيها خالدون﴾
١٠ -
﴿لهم﴾ العابدين ﴿فِيهَا زَفِير وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾ شَيْئًا لشدة غليانها ونزل لما قال بن الزِّبَعْرَى عَبْد عُزَيْر وَالْمَسِيح وَالْمَلَائِكَة فَهُمْ فِي النَّار عَلَى مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ
430
١٠ -
431
﴿إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا﴾ الْمَنْزِلَة ﴿الْحُسْنَى﴾ ومنهم من ذكر ﴿أولئك عنها مبعدون﴾
١٠ -
﴿لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسهَا﴾ صَوْتهَا ﴿وَهُمْ فِي مَا اشتهت أنفسهم﴾ من النعيم ﴿خالدون﴾
١٠ -
﴿لَا يُحْزِنهُمْ الْفَزَع الْأَكْبَر﴾ وَهُوَ أَنْ يُؤْمَر بِالْعَبْدِ إلَى النَّار ﴿وَتَتَلَقَّاهُمْ﴾ تَسْتَقْبِلهُمْ ﴿الْمَلَائِكَة﴾ عِنْد خُرُوجهمْ مِنْ الْقُبُور يَقُولُونَ لَهُمْ ﴿هَذَا يَوْمكُمْ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ فِي الدُّنْيَا
١٠ -
﴿يوم﴾ منصوب باذكر مُقَدَّرًا قَبْله ﴿نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلّ﴾ اسْم ملك ﴿للكتاب﴾ صحيفة بن آدَم عِنْد مَوْته وَاللَّام زَائِدَة أَوْ السِّجِلّ الصَّحِيفَة وَالْكِتَاب بِمَعْنَى الْمَكْتُوب وَاللَّام بِمَعْنَى عَلَى وَفِي قِرَاءَة لِلْكُتُبِ جَمْعًا ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّل خَلْق﴾ مِنْ عَدَم ﴿نُعِيدهُ﴾ بَعْد إعْدَامه فَالْكَاف مُتَعَلِّقَة بِنُعِيد وَضَمِيره عَائِد إلَى أَوَّل وَمَا مَصْدَرِيَّة ﴿وَعْدًا عَلَيْنَا﴾ مَنْصُوب بِوَعَدْنَا مُقَدَّرًا قَبْله وَهُوَ مُؤَكِّد لِمَضْمُونِ مَا قَبْله ﴿إنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ مَا وَعَدْنَاهُ
١٠ -
﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُور﴾ بِمَعْنَى الْكِتَاب أَيْ كُتُب اللَّه الْمُنَزَّلَة ﴿مِنْ بَعْد الذِّكْر﴾ بِمَعْنَى أُمّ الْكِتَاب الَّذِي عِنْد اللَّه ﴿أَنَّ الْأَرْض﴾ أَرْض الْجَنَّة ﴿يَرِثهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ عَام فِي كل صالح
١٠ -
﴿إنَّ فِي هَذَا﴾ الْقُرْآن ﴿لَبَلَاغًا﴾ كِفَايَة فِي دُخُول الْجَنَّة ﴿لِقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ عَامِلِينَ بِهِ
١٠ -
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاك﴾ يَا مُحَمَّد ﴿إلَّا رَحْمَة﴾ أَيْ لِلرَّحْمَةِ ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾ الْإِنْس وَالْجِنّ بِك
١٠ -
﴿قُلْ إنَّمَا يُوحَى إلَيَّ أَنَّمَا إلَهكُمْ إلَه وَاحِد﴾ أَيْ مَا يُوحَى إلَيَّ فِي أَمْر الْإِلَه إلَّا وَحْدَانِيّته ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ مُنْقَادُونَ لِمَا يُوحَى إلَيَّ مِنْ وَحْدَانِيَّة الْإِلَه وَالِاسْتِفْهَام بمعنى الأمر
431
١٠ -
432
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ عَنْ ذَلِكَ ﴿فَقُلْ آذَنْتُكُمْ﴾ أَعْلَمْتُكُمْ بِالْحَرْبِ ﴿عَلَى سَوَاء﴾ حَال مِنْ الْفَاعِل وَالْمَفْعُول أَيْ مُسْتَوِينَ فِي عِلْمه لَا أَسْتَبِدّ بِهِ دُونكُمْ لِتَتَأَهَّبُوا ﴿وَإِنْ﴾ مَا ﴿أَدْرِي أَقَرِيب أَمْ بَعِيد مَا تُوعَدُونَ﴾ مِنْ الْعَذَاب أَوْ الْقِيَامَة الْمُشْتَمِلَة عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَعْلَمهُ اللَّه
١١ -
﴿إنَّهُ﴾ تَعَالَى ﴿يَعْلَم الْجَهْر مِنْ الْقَوْل﴾ وَالْفِعْل مِنْكُمْ وَمِنْ غَيْركُمْ ﴿وَيَعْلَم مَا تَكْتُمُونَ﴾ أَنْتُمْ وَغَيْركُمْ مِنْ السِّرّ
١١ -
﴿وَإِنْ﴾ مَا ﴿أَدْرِي لَعَلَّهُ﴾ أَيْ مَا أَعْلَمْتُكُمْ بِهِ وَلَمْ يُعْلَم وَقْته ﴿فِتْنَة﴾ اخْتِبَار ﴿لَكُمْ﴾ لِيُرَى كَيْفَ صُنْعكُمْ ﴿وَمَتَاع﴾ تَمَتُّع ﴿إلَى حِين﴾ أي انقضاء آجالكم وهذا مقابل لِلْأَوَّلِ الْمُتَرَجَّى بِلَعَلَّ وَلَيْسَ الثَّانِي مَحَلًّا لِلتَّرَجِّي
١١ -
﴿قُلْ﴾ وَفِي قِرَاءَة قَالَ ﴿رَبّ اُحْكُمْ﴾ بَيْنِي وَبَيْن مُكَذِّبِي ﴿بِالْحَقِّ﴾ بِالْعَذَابِ لَهُمْ أَوْ النَّصْر عَلَيْهِمْ فَعُذِّبُوا بِبَدْرٍ وَأُحُد وَحُنَيْن وَالْأَحْزَاب وَالْخَنْدَق وَنُصِرَ عَلَيْهِمْ ﴿وَرَبّنَا الرَّحْمَن الْمُسْتَعَان عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ مِنْ كَذِبكُمْ عَلَى اللَّه فِي قَوْلكُمْ اتَّخَذَ وَلَدًا وَعَلَيَّ فِي قَوْلكُمْ سَاحِر وَعَلَى الْقُرْآن فِي قَوْلكُمْ شِعْر = ٢٢ سُورَة الْحَجّ
مَكِّيَّة إلَّا ﴿وَمِنْ النَّاس مَنْ يَعْبُد اللَّه﴾ الْآيَتَيْنِ أَوْ إلَّا ﴿هَذَانِ خَصْمَانِ﴾ السِّتّ آيَات فَمَدَنِيَّات وآياتها ٧٨ نزلت بعد النور بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأنبياء
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الأنبياء) سورةٌ مكية، ذكَرتِ الكثيرَ من قِصص الأنبياء بغرضِ بيان دَوْرهم في نشرِ الاعتقاد الصحيح، والدعوةِ إلى الله، وكذا أبانت عن مقصدٍ آخرَ عظيم؛ وهو قربُ الحساب؛ كما دلَّتْ على ذلك مجموعةُ قِصَصِ الأنبياء المذكورة، وهذا ما أشارت إليه فاتحةُ السورة من قُرْبِ الحساب، وغفلةِ الناس عن ذلك، وفي ذلك دلائلُ كثيرة على وَحْدانية الله عز وجل، وتنزيهِه عن العبث.

ترتيبها المصحفي
21
نوعها
مكية
ألفاظها
1174
ترتيب نزولها
73
العد المدني الأول
111
العد المدني الأخير
111
العد البصري
111
العد الكوفي
112
العد الشامي
111

* قوله تعالى: {إِنَّ اْلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا اْلْحُسْنَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101]:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «آيةٌ في كتابِ اللهِ لا يَسألُني الناسُ عنها، ولا أدري أعرَفوها فلا يَسألوني عنها أم جَهِلوها فلا يَسألوني عنها؟! قيل: وما هي؟ قال: لمَّا نزَلتْ {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اْللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَٰرِدُونَ} [الأنبياء: 98]، شَقَّ ذلك على أهلِ مكَّةَ، وقالوا: شتَمَ مُحمَّدٌ آلهتَنا، فقامَ ابنُ الزِّبَعْرَى، فقال: ما شأنُكم؟ قالوا: شتَمَ مُحمَّدٌ آلهتَنا، قال: وما قال؟ قالوا: قال: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اْللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَٰرِدُونَ} [الأنبياء: 98]، قال: ادعُوه لي، فدُعِيَ مُحمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، فقال ابنُ الزِّبَعْرَى: يا مُحمَّدُ، هذا شيءٌ لآلهتِنا خاصَّةً أم لكلِّ مَن عُبِدَ مِن دُونِ اللهِ؟ قال: «بل لكلِّ مَن عُبِدَ مِن دُونِ اللهِ عز وجل»، قال: فقال: خصَمْناه ورَبِّ هذه البَنِيَّةِ، يا مُحمَّدُ، ألستَ تزعُمُ أنَّ عيسى عبدٌ صالحٌ، وعُزَيرًا عبدٌ صالحٌ، والملائكةَ عبادٌ صالحون؟ قال: «بلى»، قال: فهذه النصارى يعبُدون عيسى، وهذه اليهودُ تعبُدُ عُزَيرًا، وهذه بنو مَلِيحٍ تعبُدُ الملائكةَ، قال: فضَجَّ أهلُ مكَّةَ؛ فنزَلتْ: {إِنَّ اْلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا اْلْحُسْنَىٰٓ} عيسى وعُزَيرٌ والملائكةُ {أُوْلَٰٓئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101]، قال: ونزَلتْ: {وَلَمَّا ‌ضُرِبَ ‌اْبْنُ ‌مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57]؛ وهو الضَّجيجُ». "شرح مشكل الآثار" للطَّحاويِّ (986).

قال الشيخُ السعديُّ رحمه الله في هذه الآيةِ: «ودخولُ آلهة المشركين النارَ: إنما هو الأصنامُ، أو مَن عُبِدَ وهو راضٍ بعبادته، وأما المسيح، وعُزَيرٌ، والملائكة، ونحوُهم ممَّن عُبِد من الأولياء: فإنهم لا يُعذَّبون فيها، ويدخلون في قوله: {إِنَّ اْلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا اْلْحُسْنَىٰٓ}؛ أي: سبَقتْ لهم سابقةُ السعادة في علمِ الله، وفي اللَّوْحِ المحفوظ، وفي تيسيرِهم في الدنيا لليُسْرى والأعمالِ الصالحة، {أُوْلَٰٓئِكَ عَنْهَا}؛ أي: عن النار، {مُبْعَدُونَ} فلا يدخُلونها، ولا يكونون قريبًا منها، بل يُبعَدون عنها غايةَ البُعْدِ؛ حتى لا يَسمَعوا حسيسَها، ولا يَرَوْا شخصَها». "تفسير السعدي" (ص531).

* سورة (الأنبياء):

سُمِّيتْ سورة (الأنبياء) بهذا الاسمِ؛ لحديثها عن الأنبياء، ودَوْرِهم في تصحيح العقيدة، وتذكير البشرية.

* تُعَدُّ سورة (الأنبياء) من قديم ما تعلَّمه الصحابةُ من النبي صلى الله عليه وسلم:

عن عبد الرَّحمنِ بن يَزيدَ بن جابرٍ، قال: «سَمِعْتُ ابنَ مسعودٍ يقولُ في (بَنِي إسرائِيلَ)، و(الكَهْفِ)، و(مَرْيَمَ)، و(طه)، و(الأنبياءِ): إنَّهُنَّ مِن العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلادي». أخرجه البخاري (4994).

قال أبو عُبَيدٍ: «قولُه: «مِن تِلَادي» : يعني: مِن قديمِ ما أخَذْتُ مِن القرآنِ؛ وذلك أنَّ هذه السُّوَرَ نزَلتْ بمكَّةَ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام (ص247).

جاءت موضوعاتُ سورة (الأنبياء) على النحو التالي:

1. غفلة الناس عن الساعة، وإعراضهم عن القرآن (١-٦).

2. الإنذار بالوحي سمةٌ مشتركة بين الرسل عليهم السلام (٧-١٥).

3. دلائل الوَحْدانية والقدرة، وتنزيهُه تعالى عن العبث (١٦-٣٣).

4. المصير المحتوم، وعناية الله بخَلْقه (٣٤-٤٧).

5. دعوة الأنبياء (٤٨-٩١).

6. وَحْدة الملة، وعدل الجزاء (٩٢-١٠٦).

7. ختام سلسلة الأنبياء رحمةٌ مهداة (١٠٧- ١٢١).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /5).

لسورة (الأنبياء) مقصدانِ عظيمانِ:

* الأول: بيانُ معالمِ التوحيد، ودَوْر الأنبياء في تصحيح العقيدة، وتذكير البشرية.

* والثاني: الاستدلال على تحقُّقِ الساعة وقُرْبِها، ولو بالموت، ووقوعِ الحساب فيها على الجليل والحقير؛ لأن مُوجِدَها لا شريكَ له يعُوقُه عنها، وهو مَن لا يُبدَّل القولُ لديه، والدالُّ على ذلك أوضَحَ دَلالةٍ: مجموعُ قِصَصِ جماعةٍ ممَّن ذُكِر فيها من الأنبياء عليهم السلام، ولا تستقلُّ قصةٌ منها استقلالًا ظاهرًا لجميع ذلك.

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (1 /5)، و"مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /268).