تفسير سورة الأنبياء

كتاب نزهة القلوب

تفسير سورة سورة الأنبياء من كتاب كتاب نزهة القلوب
لمؤلفه أبى بكر السجستاني .

﴿ لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ ﴾ مشغولة بالباطل عن الحق وتذكره.
﴿ قَصَمْنَا ﴾ أي أهلكنا. والقصم: الكسر.
﴿ يَرْكُضُونَ ﴾ أي يعدون، وأصل الركض تحريك الرجلين، تقول: ركضت الفرس إذا أعديته بتحريك رجليك فعدا، ولا يقال: فركض، ومنه قوله عز وجل﴿ ٱرْكُضْ بِرِجْلِكَ ﴾[ص: ٤٢].
﴿ حَصِيداً خَامِدِينَ ﴾ معناه والله أعلم: أنهم حصدوا بالسيف والموت كما يحصد الزرع فلم يبق منهم بقية. وقوله تعالى:﴿ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ ﴾[هود: ١٠٠] يعني القرى التي أهلكت منها قائم: أي قد بقيت حيطانه، ومنها حصيد قد أمحي أثره.
﴿ يَدْمَغُهُ ﴾: يكسره، وأصله أن يصيب الدماغ بالضرب، وهو مقتل.
﴿ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ أي يعيون، يستفعلون من الحسير وهو الكال المعي.
﴿ مُشْفِقُونَ ﴾: خائفون.
﴿ رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾ قيل: كانت السماوات سماء واحدة والأرضون أرضا واحدة ففتقهما الله عز وجل وجعلهما سبع سماوات وسبع أرضين. وقيل: كانت مع الأرض جميعا واحدة ففتقهما الله بالهواء الذي جعل بينهما. وقيل فتقت السماء بالمطر والأرض بالنبات.
﴿ فِجَاجاً ﴾ أي مسالك، واحدها فج، وكل فتح بين شيئين فهو فج.
﴿ فَلَكٍ ﴾ هو القطب الذي تدور به النجوم.
﴿ تَبْهَتُهُمْ ﴾ أي تفجؤهم.
﴿ يَكْلَؤُكُم ﴾ أي يحفظكم.
﴿ يُصْحَبُونَ ﴾ أي يجارون، لأن المجير صاحب لجاره.
﴿ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ ﴾: النفحة؛ الدفعة من الشيء دون معظمه.
﴿ جُذَاذاً ﴾ أي فتاتا، ومنه قيل للسويق: الجذيذ، يعني مستأصلين مهلكين؛ وهو جمع لا واحد له مثل الحصاد مصدر، ويقال: جذ الله دابرهم، أي استأصلهم.
﴿ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ ﴾ معناه أثبت الحجة عليهم. ونكس فلان إذا سفل رأسه وارتفعت رجلاه. ونكس المريض إذا خرج من مرضه ثم عاد إلى مثله.
﴿ أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ ﴾ أي تلفا لكم. ويقال: نتنا لكم.
﴿ نَافِلَةً ﴾ انظر أول الأنفال.
﴿ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ ﴾ أي رعت ليلا، يقال نفشت الغنم بالليل وسرحت بالنهار وسربت وهملت بالنهار.
﴿ لَبُوسٍ ﴾ دروع، تكون واحد وجمعا.
﴿ ذَا ٱلْكِفْلِ ﴾: لم يكن نبيا ولكن كان عبدا صالحا تكفل بعمل رجل صالح عند موته. وقيل: تكفل لنبي بقومه أن يقضي بينهم بالحق ففعل، فسمي ذا الكفل.
﴿ ذَا ٱلنُّونِ ﴾: هو يونس عليه السلام، لابتلاع النون إياه في البحر. والنون: السمكة وجمعه نينان. ﴿ نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾: نضيق عليه، من قوله:﴿ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ ﴾[الرعد: ٢٦].
﴿ تَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾: أي اختلفوا في الإعتقاد والمذاهب.
﴿ كُفْرَانَ ﴾: هو جحود النعمة.
﴿ حَدَبٍ ﴾: نشز ونشز من الأرض، أي ارتفاع ﴿ يَنسِلُونَ ﴾ أي يسرعون، من النسلان وهو مقاربة الخطو مع الإسراع كمشي الذئب إذا أسرع. يقال: مر الذئب ينسل ويعسل.
﴿ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ أي مرتفعة الأجفان لا تكاد تطرف من هول ما هم فيه.
﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾: حطب جهنم، كل شيء ألقيته في النار فقد حصبتها به. ويقال: حصب جهنم حطب جهنم بالحبشية. قوله: بالحبشية، إن كان أراد أن هذه الكلمة حبشية وعربية بلفظ واحد فهو وجه، أو أراد أنها حبشية الأصل سمعتها العرب بها فصارت عربية حينئذ، فذلك وجه أيضا، وإلا فليس في القرآن غير العربية. ويقرأ حضب بالضاد معجمة: وهو ما هيجت به النار وأوقدت.
﴿ حَسِيسَهَا ﴾ أي صوتها.
﴿ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ ﴾ قال علي عليه السلام: هو إطباق باب النار حين تغلق على أهلها.
﴿ ٱلسِّجِلِّ ﴾ الكتاب: أي الصحيفة فيها الكتاب. وقيل السجل كاتب كان للنبي صلى الله عليه وسلم وتمام الكلام للكتب.
﴿ ءَاذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ ﴾: أعلمتكم فاستوينا في العلم. قال الحارث بن حلزة: آذنتنا ببينها أسماء   رب ثاو يمل منه الثواء
سورة الأنبياء
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الأنبياء) سورةٌ مكية، ذكَرتِ الكثيرَ من قِصص الأنبياء بغرضِ بيان دَوْرهم في نشرِ الاعتقاد الصحيح، والدعوةِ إلى الله، وكذا أبانت عن مقصدٍ آخرَ عظيم؛ وهو قربُ الحساب؛ كما دلَّتْ على ذلك مجموعةُ قِصَصِ الأنبياء المذكورة، وهذا ما أشارت إليه فاتحةُ السورة من قُرْبِ الحساب، وغفلةِ الناس عن ذلك، وفي ذلك دلائلُ كثيرة على وَحْدانية الله عز وجل، وتنزيهِه عن العبث.

ترتيبها المصحفي
21
نوعها
مكية
ألفاظها
1174
ترتيب نزولها
73
العد المدني الأول
111
العد المدني الأخير
111
العد البصري
111
العد الكوفي
112
العد الشامي
111

* قوله تعالى: {إِنَّ اْلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا اْلْحُسْنَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101]:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «آيةٌ في كتابِ اللهِ لا يَسألُني الناسُ عنها، ولا أدري أعرَفوها فلا يَسألوني عنها أم جَهِلوها فلا يَسألوني عنها؟! قيل: وما هي؟ قال: لمَّا نزَلتْ {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اْللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَٰرِدُونَ} [الأنبياء: 98]، شَقَّ ذلك على أهلِ مكَّةَ، وقالوا: شتَمَ مُحمَّدٌ آلهتَنا، فقامَ ابنُ الزِّبَعْرَى، فقال: ما شأنُكم؟ قالوا: شتَمَ مُحمَّدٌ آلهتَنا، قال: وما قال؟ قالوا: قال: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اْللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَٰرِدُونَ} [الأنبياء: 98]، قال: ادعُوه لي، فدُعِيَ مُحمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، فقال ابنُ الزِّبَعْرَى: يا مُحمَّدُ، هذا شيءٌ لآلهتِنا خاصَّةً أم لكلِّ مَن عُبِدَ مِن دُونِ اللهِ؟ قال: «بل لكلِّ مَن عُبِدَ مِن دُونِ اللهِ عز وجل»، قال: فقال: خصَمْناه ورَبِّ هذه البَنِيَّةِ، يا مُحمَّدُ، ألستَ تزعُمُ أنَّ عيسى عبدٌ صالحٌ، وعُزَيرًا عبدٌ صالحٌ، والملائكةَ عبادٌ صالحون؟ قال: «بلى»، قال: فهذه النصارى يعبُدون عيسى، وهذه اليهودُ تعبُدُ عُزَيرًا، وهذه بنو مَلِيحٍ تعبُدُ الملائكةَ، قال: فضَجَّ أهلُ مكَّةَ؛ فنزَلتْ: {إِنَّ اْلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا اْلْحُسْنَىٰٓ} عيسى وعُزَيرٌ والملائكةُ {أُوْلَٰٓئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101]، قال: ونزَلتْ: {وَلَمَّا ‌ضُرِبَ ‌اْبْنُ ‌مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57]؛ وهو الضَّجيجُ». "شرح مشكل الآثار" للطَّحاويِّ (986).

قال الشيخُ السعديُّ رحمه الله في هذه الآيةِ: «ودخولُ آلهة المشركين النارَ: إنما هو الأصنامُ، أو مَن عُبِدَ وهو راضٍ بعبادته، وأما المسيح، وعُزَيرٌ، والملائكة، ونحوُهم ممَّن عُبِد من الأولياء: فإنهم لا يُعذَّبون فيها، ويدخلون في قوله: {إِنَّ اْلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا اْلْحُسْنَىٰٓ}؛ أي: سبَقتْ لهم سابقةُ السعادة في علمِ الله، وفي اللَّوْحِ المحفوظ، وفي تيسيرِهم في الدنيا لليُسْرى والأعمالِ الصالحة، {أُوْلَٰٓئِكَ عَنْهَا}؛ أي: عن النار، {مُبْعَدُونَ} فلا يدخُلونها، ولا يكونون قريبًا منها، بل يُبعَدون عنها غايةَ البُعْدِ؛ حتى لا يَسمَعوا حسيسَها، ولا يَرَوْا شخصَها». "تفسير السعدي" (ص531).

* سورة (الأنبياء):

سُمِّيتْ سورة (الأنبياء) بهذا الاسمِ؛ لحديثها عن الأنبياء، ودَوْرِهم في تصحيح العقيدة، وتذكير البشرية.

* تُعَدُّ سورة (الأنبياء) من قديم ما تعلَّمه الصحابةُ من النبي صلى الله عليه وسلم:

عن عبد الرَّحمنِ بن يَزيدَ بن جابرٍ، قال: «سَمِعْتُ ابنَ مسعودٍ يقولُ في (بَنِي إسرائِيلَ)، و(الكَهْفِ)، و(مَرْيَمَ)، و(طه)، و(الأنبياءِ): إنَّهُنَّ مِن العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلادي». أخرجه البخاري (4994).

قال أبو عُبَيدٍ: «قولُه: «مِن تِلَادي» : يعني: مِن قديمِ ما أخَذْتُ مِن القرآنِ؛ وذلك أنَّ هذه السُّوَرَ نزَلتْ بمكَّةَ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام (ص247).

جاءت موضوعاتُ سورة (الأنبياء) على النحو التالي:

1. غفلة الناس عن الساعة، وإعراضهم عن القرآن (١-٦).

2. الإنذار بالوحي سمةٌ مشتركة بين الرسل عليهم السلام (٧-١٥).

3. دلائل الوَحْدانية والقدرة، وتنزيهُه تعالى عن العبث (١٦-٣٣).

4. المصير المحتوم، وعناية الله بخَلْقه (٣٤-٤٧).

5. دعوة الأنبياء (٤٨-٩١).

6. وَحْدة الملة، وعدل الجزاء (٩٢-١٠٦).

7. ختام سلسلة الأنبياء رحمةٌ مهداة (١٠٧- ١٢١).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /5).

لسورة (الأنبياء) مقصدانِ عظيمانِ:

* الأول: بيانُ معالمِ التوحيد، ودَوْر الأنبياء في تصحيح العقيدة، وتذكير البشرية.

* والثاني: الاستدلال على تحقُّقِ الساعة وقُرْبِها، ولو بالموت، ووقوعِ الحساب فيها على الجليل والحقير؛ لأن مُوجِدَها لا شريكَ له يعُوقُه عنها، وهو مَن لا يُبدَّل القولُ لديه، والدالُّ على ذلك أوضَحَ دَلالةٍ: مجموعُ قِصَصِ جماعةٍ ممَّن ذُكِر فيها من الأنبياء عليهم السلام، ولا تستقلُّ قصةٌ منها استقلالًا ظاهرًا لجميع ذلك.

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (1 /5)، و"مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /268).