تفسير سورة الأنبياء

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة الأنبياء من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناد عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿اقْترب لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾ يَقُول دنا لأهل مَكَّة مَا وعد لَهُم فِي الْكتاب من الْعَذَاب ﴿وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ﴾ عَن ذَلِك ﴿مُّعْرِضُونَ﴾ مكذبون بِهِ تاركون لَهُ
﴿مَا يَأْتِيهِمْ﴾ مَا يَأْتِي إِلَى نَبِيّهم جِبْرِيل
268
﴿مِّن ذِكْرٍ﴾ بِذكر يَعْنِي الْقُرْآن ﴿مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ﴾ بِآيَة بعد آيَة وَسورَة بعد سُورَة لَكَانَ إتْيَان جِبْرِيل وَقِرَاءَة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واستماعهم مُحدثا لَا الْقُرْآن ﴿إِلاَّ استمعوه﴾ إِلَّا اسْتمع أهل مَكَّة إِلَى قِرَاءَة مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن ﴿وهم يَلْعَبُونَ﴾ يهزءون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن
269
﴿لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ غافلة قُلُوبهم من أَمر الْآخِرَة ﴿وأسروا النَّجْوَى﴾ أخفوا التَّكْذِيب بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن فِيمَا بَينهم ﴿الَّذين ظَلَمُواْ﴾ هم الَّذين ظلمُوا أشركوا أَبُو جهل وَأَصْحَابه يَقُول بَعضهم لبَعض ﴿هَل هَذَا﴾ مَا هَذَا يعنون مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿إِلاَّ بَشَرٌ﴾ آدَمِيّ ﴿مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السحر﴾ أفتصدقون بِالسحرِ وَالْكذب ﴿وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ وَأَنْتُم تعلمُونَ بِأَنَّهُ سحر وَكذب
﴿قَالَ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿رَبِّي يَعْلَمُ القَوْل فِي السمآء وَالْأَرْض﴾ أَي يعلم السِّرّ من القَوْل وَالْفِعْل من أهل السَّمَاء وَالْأَرْض ﴿وَهُوَ السَّمِيع﴾ لمقالة أبي جهل وَأَصْحَابه ﴿الْعَلِيم﴾ بهم وبعقوبتهم
﴿بَلْ قَالُوا﴾ قَالَ بَعضهم ﴿أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ﴾ أباطيل أَحْلَام كَاذِبَة مَا أَتَانَا بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿بَلِ افتراه﴾ وَقَالَ بَعضهم بل اختلق مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْقُرْآن من تِلْقَاء نَفسه ﴿بَلْ هُوَ شَاعِرٌ﴾ وَقَالَ بَعضهم بل هُوَ شَاعِر بروايته ﴿فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ﴾ بعلامة ﴿كَمَآ أُرْسِلَ الْأَولونَ﴾ من الرُّسُل بِالْآيَاتِ إِلَى قَومهمْ بِزَعْمِهِ
فَيَقُول الله ﴿مَآ آمَنَتْ قَبْلَهُمْ﴾ قبل قَوْمك يَا مُحَمَّد بِالْآيَاتِ ﴿مِّن قَرْيَةٍ﴾ من أهل قَرْيَة ﴿أَهْلَكْنَاهَآ﴾ عِنْد التَّكْذِيب بِالْآيَاتِ ﴿أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ﴾ أفقومك يُؤمنُونَ بِالْآيَاتِ بل لَا يُؤمنُونَ
﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ﴾ من الرُّسُل ﴿إِلاَّ رِجَالاً﴾ من الْبشر مثلك ﴿نوحي إِلَيْهِمْ﴾ نرسل إِلَيْهِم الْمَلَائِكَة كَمَا أرسلنَا إِلَيْك ﴿فاسألوا أَهْلَ الذّكر﴾ أهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل ﴿إِن كُنْتُم لَا تعلمُونَ﴾ أَن الله لم يُرْسل الرَّسُول إِلَّا من الْبشر
﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً﴾ الْأَنْبِيَاء ﴿لاَّ يَأْكُلُونَ الطَّعَام﴾ وَلَا يشربون الشَّرَاب ﴿وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ﴾ فِي الدُّنْيَا وَلَكِن كَانُوا يَأْكُلُون الطَّعَام وَيَشْرَبُونَ الشَّرَاب ويموتون نزلت فيهم حِين قَالُوا مَا لهَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشي فِي الْأَسْوَاق
﴿ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْد﴾ أنجزنا وعد الْأَنْبِيَاء بالنجاة ﴿فَأَنجَيْنَاهُمْ﴾ يَعْنِي الْأَنْبِيَاء ﴿وَمَن نَّشَآءُ﴾ من آمن بالرسل ﴿وَأَهْلَكْنَا المسرفين﴾ الْمُشْركين
﴿لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ﴾ إِلَى نَبِيكُم ﴿كِتَاباً﴾ جِبْرِيل بِكِتَاب ﴿فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ شرفكم وعزكم إِن آمنتم بِهِ ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ أَفلا تصدقُونَ بشرفكم وعزكم
﴿وَكَمْ قَصَمْنَا﴾ أهلكنا ﴿مِن قَرْيَةٍ﴾ أهل قَرْيَة ﴿كَانَتْ ظَالِمَةً﴾ كَافِرَة مُشركَة أَهلهَا ﴿وَأَنشَأْنَا﴾ خلقنَا ﴿بَعْدَهَا﴾ بعد هلاكها ﴿قَوْماً آخَرِينَ﴾ فسكنوا دِيَارهمْ
﴿فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ﴾ رَأَوْا عذابنا لهلاكهم ﴿إِذَا هُمْ مِّنْهَا﴾ من بأسنا ﴿يَرْكُضُونَ﴾ يهزون وَيُقَال يهربون أَيْضا
قَالَت لَهُم الْمَلَائِكَة ﴿لاَ تَرْكُضُواْ﴾ لَا تهزوا وَلَا تهربوا ﴿وَارْجِعُوا إِلَى مَآ أُتْرِفْتُمْ﴾ أنعمتم ﴿فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ﴾ مَنَازِلكُمْ ﴿لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾ لكَي تسألوا عَن الْإِيمَان وَيُقَال عَن قتل النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام
﴿قَالُوا﴾ عِنْد الْقَتْل وَالْعَذَاب ﴿يَا ويلنا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ بقتل نَبينَا
﴿فَمَا زَالَت تِلْكَ﴾ الويل ﴿دَعْوَاهُمْ﴾ قَوْلهم ﴿حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً﴾ كحصيد السَّيْف ﴿خَامِدِينَ﴾ ميتين لَا يتحركون هَذِه قصَّة أهل قَرْيَة نَحْو الْيمن يُقَال لَهَا حُضُور بعث الله إِلَيْهِم نَبيا فَقتلُوا ذَلِك النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام فَسلط الله عَلَيْهِم بخْتنصر فَقَتلهُمْ وَلم يتْرك فيهم عينا تطرف
﴿وَمَا خَلَقْنَا السمآء وَالْأَرْض وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ من الْخلق ﴿لاعبين﴾ لَا هَين بِلَا أَمر وَلَا نهي ثمَّ نزل فِي قَوْلهم الْمَلَائِكَة بَنَات الله
﴿لَو أردنَا أَن نتَّخذ لهوا﴾ بَنَات وَيُقَال زَوْجَة وَيُقَال ولدا ﴿لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ﴾
269
من عندنَا من الْحور الْعين ﴿إِن كُنَّا﴾ سَاكِنا ﴿فاعلين﴾ ذَلِك
270
﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ﴾ نرمي الْحق ﴿عَلَى الْبَاطِل﴾ وَيُقَال نبين الْحق وَالْبَاطِل ﴿فَيَدْمَغُهُ﴾ فيهلكه ﴿فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ هَالك يَعْنِي الْبَاطِل ﴿وَلَكُمُ﴾ يَا معشر الْكفَّار ﴿الويل﴾ الشدَّة من الْعَذَاب ﴿بِمَا تَصِفُونَ﴾ مِمَّا تَقولُونَ الْمَلَائِكَة بَنَات الله
﴿وَلَهُ﴾ عبيد ﴿مَن فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ من الْخلق ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ﴾ من الْمَلَائِكَة ﴿لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ لَا يتعاظمون ﴿عَنْ عِبَادَتِهِ﴾ عَن طَاعَته وَالْإِقْرَار بعبوديته ﴿وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ﴾ لَا يعيون من عبَادَة الله
﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْل وَالنَّهَار﴾ يصلونَ لله بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار ﴿لاَ يَفْتُرُونَ﴾ لَا يملون من عبَادَة الله وَالْإِقْرَار بِاللَّه
﴿أَمِ اتَّخذُوا﴾ أم عبدُوا يَعْنِي أهل مَكَّة (آلِهَةً مِّنَ الأَرْض) فِي الأَرْض ﴿هُمْ يُنشِرُونَ﴾ يحيون وَيُقَال يخلفون
﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ﴾ يَعْنِي فِي السَّمَاء وَالْأَرْض إِلَه ﴿إِلاَّ الله﴾ غير الله ﴿لَفَسَدَتَا﴾ لفسد أهلوهما ﴿فَسُبْحَانَ الله رَبِّ الْعَرْش﴾ السرير ﴿عَمَّا يَصِفُونَ﴾ يَقُولُونَ على الله من الْوَلَد وَالشَّرِيك
﴿لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ﴾ لَا يسْأَل الله عَمَّا يَقُول وَيَأْمُر وَيفْعل ﴿وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ والعباد يسْأَلُون عَمَّا يَقُولُونَ ويعملون
﴿أَمِ اتَّخذُوا﴾ عبدُوا ﴿مِن دُونِهِ﴾ من دون الله ﴿آلِهَةً﴾ أصناماً ﴿قُلْ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ﴾ حجتكم بعبادتها ﴿هَذَا﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿ذِكْرُ مَن مَّعِيَ﴾ خبر من هُوَ معي ﴿وَذِكْرُ مَن قَبْلِي﴾ خبر من كَانَ قبلي من الْمُؤمنِينَ والكافرين لَيْسَ فِيهِ أَن الله ولدا وشريكاً ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ﴾ كلهم ﴿لاَ يَعْلَمُونَ الْحق﴾ وَلَا يصدقون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿فهم معرضون﴾ مكذبون بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن
﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿مِن رَّسُولٍ﴾ مُرْسل ﴿إِلاَّ نوحي إِلَيْهِ أَنَّهُ﴾ أَي قل لقَوْمك حَتَّى يَقُولُوا ﴿لَا إِلَه إِلاَّ أَنا فاعبدون﴾ فوحدون
﴿وَقَالُواْ﴾ يَعْنِي أهل مَكَّة ﴿اتخذ الرَّحْمَن وَلَداً﴾ بَنَات من الْمَلَائِكَة ﴿سُبْحَانَهُ﴾ نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك ﴿بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ﴾ بل هم عبيد أكْرمهم الله بِالطَّاعَةِ يَعْنِي الْمَلَائِكَة
﴿لاَ يَسْبِقُونَهُ﴾ لَا يسْبق جِبْرِيل عَن مِيكَائِيل قبل أَن يَأْمُرهُ ﴿بالْقَوْل﴾ وَلَا بِالْفِعْلِ ﴿وَهُمْ﴾ يَعْنِي الْمَلَائِكَة ﴿بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ وَيَقُولُونَ يَعْنِي الْمَلَائِكَة
﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ من أَمر الْآخِرَة ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ من أَمر الدُّنْيَا ﴿وَلاَ يَشْفَعُونَ﴾ يَعْنِي الْمَلَائِكَة يَوْم الْقِيَامَة ﴿إِلاَّ لِمَنِ ارتضى﴾ إِلَّا لمن رضى الله عَنهُ من أهل التَّوْحِيد بتوحيده ﴿وَهُمْ﴾ يَعْنِي الْمَلَائِكَة ﴿مِّنْ خَشْيَتِهِ﴾ من هيبته ﴿مُشْفِقُونَ﴾ خائفون
﴿وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ﴾ يَعْنِي من الْمَلَائِكَة وَيُقَال من الْخلق ﴿إِنِّي إِلَه مِّن دُونِهِ﴾ من دون الله ﴿فَذَلِك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ﴾ فبذلك نجزيه جَهَنَّم ﴿كَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿نَجْزِي الظَّالِمين﴾ الْكَافرين
﴿أَوَلَمْ يَرَ﴾ يعلم ﴿الَّذين كفرُوا﴾ جَحَدُوا بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن ﴿أَنَّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض كَانَتَا رَتْقاً﴾ لم تنزل مِنْهَا قَطْرَة من مطر وَلم ينْبت على الأَرْض شَيْء من النَّبَات ملتزقاً بَعْضهَا على بعض ﴿فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ ففرقناهما وأبنا بعضهما عَن بعض بالمطر والنبات ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ خلقنَا من مَاء الذّكر وَالْأُنْثَى كل شىء يحْتَاج إِلَى الماه ﴿أَفلا يُؤمنُونَ﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَعْنِي أهل مَكَّة
﴿وَجَعَلْنَا فِي الأَرْض رَوَاسِيَ﴾ الْجبَال الثوابت أوتاداً لَهَا
270
﴿أَن تَمِيدَ بِهِمْ﴾ كي لَا تميد بهم الأَرْض
271
﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا﴾ فِي الأَرْض ﴿فِجَاجاً﴾ أَوديَة ﴿سُبُلاً﴾ طرقاً وَاسِعَة ﴿لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ لكَي يهتدوا إِلَى الطّرق فِي الذّهاب والمجيء ﴿وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً﴾ على الأَرْض ﴿مَّحْفُوظاً﴾ من السُّقُوط وَيُقَال مَحْفُوظًا بالنجوم من الشَّيَاطِين ﴿وَهُمْ﴾ يَعْنِي أهل مَكَّة ﴿عَنْ آيَاتِهَا﴾ عَن شمسها وقمرها ونجومها ﴿مُعْرِضُونَ﴾ مكذبون لَا يتفكرون فِيهَا
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْل وَالنَّهَار وَالشَّمْس وَالْقَمَر﴾ سخر الشَّمْس وَالْقَمَر ﴿كُلٌّ﴾ كل وَاحِد مِنْهُمَا ﴿فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ فِي دوران يدوران فِي مجْرَاه يذهبون
﴿وَمَا جَعَلْنَا﴾ مَا خلقنَا ﴿لِبَشَرٍ﴾ من الْأَنْبِيَاء ﴿مِّن قَبْلِكَ الْخلد﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿أَفَإِنْ مِّتَّ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿فَهُمُ الخالدون﴾ فِي الدُّنْيَا نزلت هَذِه الْآيَة فى قَوْلهم نَنْتَظِر مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حَتَّى يَمُوت فنستريح
﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ منفوسة ﴿ذَآئِقَةُ الْمَوْت﴾ تذوق الْمَوْت ﴿وَنَبْلُوكُم﴾ نختبركم ﴿بِالشَّرِّ وَالْخَيْر﴾ بالشدة والرخاء ﴿فِتْنَةً﴾ كِلَاهُمَا ابتلاء من الله ﴿وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ بعد الْمَوْت فيجزيكم بأعمالكم
﴿وَإِذَا رَآكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿الَّذين كفرُوا﴾ أَبُو جهل وَأَصْحَابه ﴿إِن يَتَّخِذُونَكَ﴾ يَا مُحَمَّد مَا يَقُولُونَ لَك ﴿إِلاَّ هُزُواً﴾ سخرية يَقُول بَعضهم لبَعض ﴿أَهَذا الَّذِي يَذْكُرُ﴾ يعيب ﴿آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَن هُمْ كَافِرُونَ﴾ جاحدون يَقُولُونَ مَا نَعْرِف الرَّحْمَن إِلَّا مُسَيْلمَة الْكذَّاب
﴿خُلِقَ الْإِنْسَان﴾ يَعْنِي آدم ﴿مِنْ عَجَلٍ﴾ مستعجلاً وَيُقَال خلق الْإِنْسَان يَعْنِي النَّضر بن الْحَارِث من عجل مستعجلا بِالْعَذَابِ ﴿سأريكم آيَاتِي﴾ عَلَامَات وحدانيتي فِي الْآفَاق وَيُقَال سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي عَذَابي بِالسَّيْفِ يَوْم بدر ﴿فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ﴾ بِالْعَذَابِ قبل الْأَجَل
﴿وَيَقُولُونَ﴾ يَعْنِي كفار مَكَّة ﴿مَتى هَذَا الْوَعْد﴾ الَّذِي تعدنا يَا مُحَمَّد ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾
﴿لَو يعلم الَّذين كفرُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن مَالهم فِي الْعَذَاب لم يستعجلوا بِهِ ﴿حِينَ لاَ يَكُفُّونَ﴾ يَقُول حِين الْعَذَاب لَا يقدرُونَ أَن يمنعوا ﴿عَن وُجُوهِهِمُ النَّار وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ﴾ الْعَذَاب ﴿وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾ يمْنَعُونَ مِمَّا يُرَاد بهم من الْعَذَاب
﴿بَلْ تَأْتِيهِم﴾ السَّاعَة ﴿بَغْتَةً﴾ فَجْأَة ﴿فَتَبْهَتُهُمْ﴾ فتفجؤهم ﴿فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا﴾ دَفعهَا عَن أنفسهم ﴿وَلاَ هم ينظرُونَ﴾ يؤجلون من الْعَذَاب
﴿وَلَقَد استهزئ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ﴾ يَقُول اسْتَهْزَأَ بهم قَومهمْ كَمَا اسْتَهْزَأَ بك قَوْمك يَا مُحَمَّد ﴿فَحَاقَ﴾ فَوَجَبَ وَدَار وَنزل ﴿بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ﴾ على الْأَنْبِيَاء ﴿مَا كَانُوا بِهِ يستهزؤون﴾ من الْعَذَاب وَيُقَال نزل بهم الْعَذَاب باستهزائهم
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة ﴿مَن يَكْلَؤُكُم﴾ من يحفظكم ﴿بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار مِنَ الرَّحْمَن﴾ من عَذَاب الرَّحْمَن وَيُقَال غير الرَّحْمَن من عَذَابه ﴿بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ﴾ عَن تَوْحِيد رَبهم وَكتاب رَبهم ﴿معرضون﴾ مكذبون بِهِ وتاركون لَهُ
﴿أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ ألهم آلِهَة ﴿تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا﴾ من عذابنا ﴿لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ﴾ صرف الْعَذَاب عَن أنفسهم يَعْنِي الْآلهَة فَكيف عَن غَيرهم ﴿وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ﴾ من عذابنا يجارون فَكيف يجيرون غَيرهم
﴿بَلْ مَتَّعْنَا﴾ أجلنا ﴿هَؤُلَاءِ﴾ يَعْنِي أهل مَكَّة
271
﴿وَآبَآءَهُمْ﴾ قبلهم ﴿حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمر﴾ الْأَجَل ﴿أَفَلاَ يَرَوْنَ﴾ أهل مَكَّة ﴿أَنَّا نَأْتِي الأَرْض﴾ نَأْخُذ الأَرْض ﴿ننقصها﴾ نفتحها لمُحَمد ﴿من أطرافها﴾ من نَوَاحِيهَا ﴿أَفَهُمُ الغالبون﴾ أفهم الْآن غالبون على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
272
﴿قُلْ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِالْوَحْي﴾ بِمَا نزل من الْقُرْآن ﴿وَلاَ يَسْمَعُ الصم الدعآء﴾ من يتصامم عَن الدُّعَاء إِلَى الله وَيُقَال لَا تقدر أَن تسمع الدُّعَاء من يتصامم إِن قَرَأت بِضَم التَّاء ﴿إِذَا مَا ينذرون﴾ يخوفون
﴿وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ﴾ أَصَابَتْهُم ﴿نَفْحَةٌ﴾ طرف ﴿مِّنْ عَذَابِ رَبك ليَقُولن يَا ويلنا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ على أَنْفُسنَا كَافِرين بِاللَّه
﴿وَنَضَعُ الموازين الْقسْط﴾ الْعدْل ﴿لِيَوْمِ الْقِيَامَة﴾ فِي يَوْم الْقِيَامَة ميزَان لَهَا كفتان ولسان لَا يُوزن فِيهَا غير الْحَسَنَات والسيئات ﴿فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً﴾ لَا ينقص من حَسَنَات أحد وَلَا يُزَاد على سيئات أحد ﴿وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ﴾ وزن حَبَّة من خَرْدَل ﴿أَتَيْنَا بِهَا﴾ جِئْنَا بهَا وَيُقَال جزينا بهَا ﴿وَكفى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ حافظين وعالمين وَيُقَال مجازين
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا﴾ أعطينا ﴿مُوسَى وَهَارُونَ الْفرْقَان﴾ الْمخْرج من الشُّبُهَات وَيُقَال النَّصْر والدولة على فِرْعَوْن ﴿وَضِيَآءً﴾ بَيَانا من الضَّلَالَة ﴿وَذِكْراً﴾ عظة ﴿لَّلْمُتَّقِينَ﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش
﴿الَّذين يَخْشونَ رَبهم﴾ يعْملُونَ لرَبهم ﴿بِالْغَيْبِ﴾ وَإِن كَانَ غَائِبا عَنْهُم ﴿وَهُمْ مِّنَ السَّاعَة﴾ من عَذَاب السَّاعَة ﴿مُشْفِقُونَ﴾ خائفون
﴿وَهَذَا﴾ الْقُرْآن ﴿ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ﴾ فِيهِ الرَّحْمَة وَالْمَغْفِرَة لمن آمن بِهِ ﴿أَنزَلْنَاهُ﴾ أنزلنَا جِبْرِيل بِهِ ﴿أَفَأَنْتُمْ﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿لَهُ مُنكِرُونَ﴾ جاحدون
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَآ﴾ أعطينا ﴿إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ﴾ يَعْنِي الْعلم والفهم ﴿مِن قَبْلُ﴾ من قبل بُلُوغه وَيُقَال أكرمناه بِالنُّبُوَّةِ من قبل مُوسَى وَهَارُون وَيُقَال من قبل مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ﴾ بِأَنَّهُ أهل لذَلِك
﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ﴾ آزر ﴿وَقَومه﴾ نمروذ بن كنعان وَأَصْحَابه ﴿مَا هَذِه التماثيل﴾ التصاوير ﴿الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾ عَابِدُونَ لَهَا
﴿قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ﴾ فَنحْن نعبدها
﴿قَالَ﴾ لَهُم إِبْرَاهِيم ﴿لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ﴾ قبلكُمْ ﴿فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ فِي كفر وَخطأ بَين
﴿قَالُوا﴾ لابراهيم ﴿أجئتنا بِالْحَقِّ﴾ يجد تَقول يَا إِبْرَاهِيم ﴿أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين﴾ من الْمُسْتَهْزِئِينَ بِنَا
﴿قَالَ﴾ إِبْرَاهِيم ﴿بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض الَّذِي فطَرَهُنَّ﴾ خَلقهنَّ ﴿وَأَنَاْ على ذَلِكُم﴾ على مَا قلت لكم ﴿مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾
﴿وتالله﴾ وَالله قَالَ فِي نَفسه ﴿لأَكِيدَنَّ﴾ لأكسرن ﴿أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ﴾ تنطلقوا ﴿مُدْبِرِينَ﴾ ذَاهِبين إِلَى الْعِيد فَلَمَّا ذَهَبُوا إِلَى عيدهم وَتركُوا إِبْرَاهِيم فِي مدينتهم دخل بَيت وثنهم
﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً﴾ كسراً ﴿إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ﴾ لم يكسرهُ ﴿لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾ من عيدهم فيعتل بِهِ فَلَمَّا رجعُوا إِلَى بَيت وثنهم ودخلوا بَيت وثنهم
﴿قَالُواْ مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمين﴾
272
على آلِهَتنَا
273
﴿قَالُواْ سَمِعْنَا﴾ قَالَ رجل مِنْهُم سَمِعت ﴿فَتىً يَذْكُرُهُمْ﴾ بِالْكَسْرِ ويعيبهم ﴿يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾
﴿قَالُواْ﴾ قَالَ لَهُم نمروذ ﴿فَأْتُواْ بِهِ على أَعْيُنِ النَّاس﴾ بمنظر النَّاس ﴿لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾ على فعله وَيُقَال على قَوْله وَيُقَال على عُقُوبَته
﴿قَالُوا﴾ قَالَ لَهُ نمروذ ﴿أَأَنْت فعلت هَذَا﴾ الْكسر ﴿بآلهتنا يَا إِبْرَاهِيم﴾
﴿قَالَ﴾ إِبْرَاهِيم ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ الَّذِي الفأس على عُنُقه ﴿فاسألوهم إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ﴾ يَتَكَلَّمُونَ حَتَّى يُخْبِرُوكُمْ من كسرهم
﴿فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ﴾ بالملامة ﴿فَقَالُوا﴾ فَقَالَ لَهُم ملكهم نمروذ ﴿إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ﴾ لإِبْرَاهِيم
﴿ثمَّ نكسوا على رؤوسهم﴾ رجعُوا إِلَى قَوْلهم الأول وَقَالَ نمروذ ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ﴾ يَا إِبْرَاهِيم ﴿مَا هَؤُلَاءِ يَنطِقُونَ﴾ يَعْنِي الْأَصْنَام فَمن ذَلِك كسرتهم
﴿قَالَ﴾ ابراهيم ﴿أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً﴾ إِن عبدتموه ﴿وَلاَ يَضُرُّكُمْ﴾ إِن تَرَكْتُمُوهُ
﴿أُفٍّ لكم﴾ قذرا لكم وَيُقَال تبالكم ﴿وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ أفليس لكم ذهن الإنسانية أَنه لَا يَنْبَغِي أَن يعبد مَالا يضر وَلَا ينفع
﴿قَالُواْ﴾ قَالَ لَهُم ملكهم نمروذ ﴿حَرِّقُوهُ﴾ بالنَّار ﴿وانصروا آلِهَتَكُمْ﴾ انتقموا لآلهتكم ﴿إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾ بِهِ شَيْئا فطرحوه فِي النَّار
﴿قُلْنَا يَا نَار كُونِي بَرْداً﴾ بَارِدَة من حرك ﴿وَسلَامًا﴾ سليمَة من الْبرد ﴿على إِبْرَاهِيمَ﴾ وَلَو لم يقل سَلاما لأحرقه الْبرد
﴿وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً﴾ حرقاً ﴿فَجَعَلْنَاهُمُ الأخسرين﴾ الأسفلين
﴿وَنَجَّيْنَاهُ﴾ من النَّار ﴿وَلُوطاً﴾ نجينا لوطا من الْخَسْف وبلغناهما ﴿إِلَى الأَرْض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ بِالْمَاءِ وَالشَّجر ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾ وَهِي الْمُقَدّس وفلسطين والأردن
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ﴾ لإِبْرَاهِيم ﴿إِسْحَاق﴾ ولدا ﴿وَيَعْقُوب﴾ ولد الْوَلَد ﴿نَافِلَةً﴾ فَضِيلَة على الْوَلَد ﴿وَكُلاًّ﴾ يَعْنِي إِبْرَاهِيم وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَأَوْلَادهمْ ﴿جَعَلْنَا صَالِحِينَ﴾ فِي دينهم مرسلين
﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً﴾ قادة فِي الْخَيْر ﴿يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ يدعونَ الْخلق إِلَى أمرنَا ﴿وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخيرَات﴾ الْعَمَل بالطاعات وَيُقَال الدُّعَاء إِلَى لَا إِلَه إِلَّا الله ﴿وَإِقَامَ الصَّلَاة﴾ إتْمَام الصَّلَاة ﴿وَإِيتَآءَ الزَّكَاة﴾ إِعْطَاء الزَّكَاة ﴿وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ﴾ مُطِيعِينَ
﴿وَلُوطاً﴾ أَيْضا ﴿آتَيْنَاهُ حُكْماً﴾ أعطيناه فهما ﴿وَعِلْماً﴾ نبوة ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقرْيَة﴾ من أهل قَرْيَة سدوم ﴿الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ﴾ أَهلهَا ﴿الْخَبَائِث﴾ يَعْنِي اللواطة ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ﴾ سوء فِي كفرهم ﴿فَاسِقِينَ﴾ باللواطة
﴿وَأَدْخَلْنَاهُ﴾ ندخله فِي الْآخِرَة ﴿فِي رَحْمَتِنَآ﴾ فِي جنتنا وَيُقَال أكرمناه فِي الدُّنْيَا بِالنُّبُوَّةِ
273
﴿إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحين﴾ فِي دينهم الْمُرْسلين
274
﴿وَنُوحاً﴾ أَيْضا أكرمناه بِالنُّبُوَّةِ ﴿إِذْ نَادَى﴾ دَعَا ربه على قومه بِالْهَلَاكِ ﴿مِن قَبْلُ﴾ من قبل لوط ﴿فاستجبنا لَهُ﴾ الدُّعَاء ﴿فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ﴾ وَمن آمن بِهِ ﴿مِنَ الكرب الْعَظِيم﴾ يَعْنِي الْغَرق
﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْم﴾ على الْقَوْم وَيُقَال نجيناه إِن قَرَأت نصرناه بتَشْديد الصَّاد من الْقَوْم ﴿الَّذين كذبُوا بآياتنآ﴾ بكتابنا ورسولنا نوح ﴿إِنَّهُم كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ﴾ فِي كفرهم ﴿فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ بالطوفان
﴿وَدَاوُد وَسُلَيْمَانَ﴾ أَيْضا أكرمناهما بِالنُّبُوَّةِ وَالْحكمَة ﴿إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْث﴾ فِي كرم قوم ﴿إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ﴾ دخلت فِيهِ وَوَقعت فِيهِ بِاللَّيْلِ ﴿غَنَمُ الْقَوْم﴾ قوم آخَرين ﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ﴾ لحكم دَاوُد وَسليمَان ﴿شَاهِدِينَ﴾ عَالمين
﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾ الرِّفْق فِي الْقَضَاء وَالْحكم ﴿وَكُلاًّ﴾ دَاوُد وَسليمَان ﴿آتَيْنَا﴾ أعطينا ﴿حُكْماً﴾ فهما ﴿وَعِلْماً﴾ نبوة ﴿وسخرنا مَعَ دَاوُد الْجبَال يُسَبِّحْنَ﴾ مَعَ دَاوُد إِذا سبح ﴿وَالطير﴾ أَيْضا ﴿وَكُنَّا فَاعِلِينَ﴾ إِنَّا فعلنَا ذَلِك بهم
﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ﴾ يَعْنِي الدروع ﴿لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ﴾ لتمنعكم ﴿مِّن بَأْسِكُمْ﴾ من سلَاح عَدوكُمْ ﴿فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ﴾ نعْمَته بالدروع
﴿وَلِسُلَيْمَانَ﴾ وسخرنا لِسُلَيْمَان ﴿الرّيح عَاصِفَةً﴾ قاصفة شَدِيدَة ﴿تَجْرِي بِأَمْرِهِ﴾ بِأَمْر الله وَيُقَال بِأَمْر سُلَيْمَان من إصطخر ﴿إِلَى الأَرْض الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ بِالْمَاءِ وَالشَّجر وَهِي الأَرْض المقدسة والأردن وفلسطين ﴿وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ سخرنا لَهُ ﴿عَالِمِينَ﴾
﴿وَمِنَ الشَّيَاطِين﴾ سخرنا من الشَّيَاطِين ﴿مَن يَغُوصُونَ لَهُ﴾ لِسُلَيْمَان الْبَحْر فَيخْرجُونَ من الْبَحْر الْجَوْهَر ﴿وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً﴾ من الْبُنيان ﴿دُونَ ذَلِك﴾ دون الغواصة ﴿وَكُنَّا لَهُمْ﴾ للشياطين ﴿حَافِظِينَ﴾ من أَن يعدو أحد على أحد فِي زَمَانه
﴿وَأَيُّوبَ﴾ وَاذْكُر أَيُّوب ﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ﴾ دَعَا ربه ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضّر﴾ أَنِّي أصابتني الشدَّة فِي جَسَدِي فارحمني ونجني ﴿وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾
﴿فاستجبنا لَهُ﴾ الدُّعَاء ﴿فَكَشَفْنَا﴾ فرفعنا ﴿مَا بِهِ مِن ضُرٍّ﴾ من شدَّة ﴿وَآتَيْنَاهُ﴾ أعطيناه ﴿أَهْلَهُ﴾ فِي الْجنَّة الَّذين هَلَكُوا فِي الدُّنْيَا ﴿وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ﴾ ولدا فِي الدُّنْيَا مثل مَا هَلَكُوا فِي الدُّنْيَا ﴿رَحْمَةً﴾ نعْمَة ﴿مِّنْ عِندِنَا وذكرى لِلْعَابِدِينَ﴾ عظة للْمُؤْمِنين
﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ﴾ وَاذْكُر إِسْمَاعِيل وَإِدْرِيس ﴿وَذَا الكفل كُلٌّ مِّنَ الصابرين﴾ على أَمر الله والمرازي
﴿وَأَدْخَلْنَاهُمْ﴾ ندخلهم فِي الْآخِرَة ﴿فِي رَحْمَتِنَا﴾ فِي جنتنا ﴿إِنَّهُمْ مِّنَ الصَّالِحين﴾ من الْمُرْسلين غير ذِي الكفل لِأَنَّهُ كَانَ رجلا صَالحا وَلم يكن نَبيا
﴿وَذَا النُّون﴾ وَاذْكُر صَاحب الْحُوت يَعْنِي يُونُس ابْن مَتى ﴿إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً﴾ مصارماً من الْملك ﴿فَظَنَّ﴾ يَعْنِي فَحسب ﴿أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ بالعقوبة ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَات﴾ فِي ظلمَة الْبَحْر وظلمة أمعاء السّمك وظلمة بَطنهَا ﴿أَن لاَّ إِلَه إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ﴾ تبت إِلَيْك ﴿إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمين﴾
274
على نَفسِي حَيْثُ غضِبت على أَمرك
275
﴿فاستجبنا لَهُ﴾ الدُّعَاء ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغم﴾ من غم الظُّلُمَات ﴿وَكَذَلِكَ﴾ هَكَذَا ﴿نُنجِي الْمُؤمنِينَ﴾ عِنْد الدُّعَاء
﴿وَزَكَرِيَّآ﴾ وَاذْكُر يَا مُحَمَّد زَكَرِيَّا ﴿إِذْ نَادَى﴾ دَعَا ﴿رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي﴾ لَا تتركني ﴿فَرْداً﴾ وحيداً بِلَا معِين ﴿وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثين﴾ المعينين
﴿فاستجبنا لَهُ﴾ الدُّعَاء ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى﴾ ولدا صَالحا ﴿وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾ بِالْوَلَدِ ﴿إِنَّهُمْ﴾ يَعْنِي الْأَنْبِيَاء وَيُقَال زَكَرِيَّا وَيحيى ﴿كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخيرَات﴾ يبادرون إِلَى الطَّاعَات ﴿وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً﴾ هَكَذَا وَهَكَذَا وَيُقَال يعبدوننا رغباً إِلَى الْجنَّة ورهباً من النَّار ﴿وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ﴾ متواضعين مُطِيعِينَ
﴿وَالَّتِي﴾ وَاذْكُر الَّتِي ﴿أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ حفظت جيب درعها ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا﴾ فَنفخ جِبْرِيل فِي جيب درعها بأمرنا ﴿وَجَعَلْنَاهَا وابنهآ آيَةً﴾ عَلامَة وعبرة ﴿لِّلْعَالَمِينَ﴾ لبني إِسْرَائِيل ولدا بِلَا أَب وولادة بِلَا لمس
﴿إِنَّ هَذِه أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ دينكُمْ دين وَاحِد مرضِي ﴿وَأَنَاْ رَبُّكُمْ﴾ رب وَاحِد ﴿فاعبدون﴾ أطيعون
﴿وتقطعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ﴾ تفَرقُوا فِيمَا بَينهم فِي دينهم يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس ﴿كُلٌّ﴾ كل فرقة ﴿إِلَيْنَا رَاجِعُونَ﴾
﴿فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَات﴾ الطَّاعَات فِيمَا بَينه وَبَين ربه ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ مُصدق فِي إيمَانه ﴿فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ﴾ لَا ينسى ثَوَاب عمله بل يُثَاب عَلَيْهِ ﴿وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ مجازون ومثيبون وَيُقَال حافظون
﴿وَحَرَامٌ﴾ التَّوْفِيق ﴿على قَرْيَةٍ﴾ على أهل مَكَّة أبي جهل وَأَصْحَابه ﴿أَهْلَكْنَاهَآ﴾ خذلناها بالْكفْر ﴿أَنَّهُمْ لَا يرجعُونَ﴾ عَن كفرهم إِلَى الْإِيمَان وَيُقَال وَحرَام الرُّجُوع على قَرْيَة على أهل مَكَّة أهلكناها يَوْم بدر بِالْقَتْلِ أَنهم لَا يرجعُونَ إِلَى الدُّنْيَا
﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ﴾ فَحِينَئِذٍ يخرجُون ﴿وَهُمْ﴾ يَعْنِي يَأْجُوج وَمَأْجُوج ﴿مِّن كُلِّ حَدَبٍ﴾ من كل أكمة وَمَكَان مُرْتَفع ﴿يَنسِلُونَ﴾ يخرجُون
﴿واقترب الْوَعْد الْحق﴾ دنا قيام السَّاعَة عِنْد خُرُوجهمْ من السد ﴿فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ﴾ ذليلة لَا تكَاد تطرف ﴿أَبْصَارُ الَّذين كَفَرُواْ﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن يَقُولُونَ ﴿يَا ويلنا﴾ يَا حسرتنا ﴿قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا﴾ الْيَوْم ﴿بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ كَافِرين بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن
﴿إِنَّكُمْ﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله﴾ من الْأَصْنَام ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ حطب جَهَنَّم بلغَة الْحَبَشَة ﴿أَنتُمْ﴾ يَا أهل مَكَّة وَمَا تَعْبدُونَ من الْأَصْنَام ﴿لَهَا وَارِدُونَ﴾ داخلون يعْنى جَهَنَّم
﴿لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ﴾ الْأَصْنَام ﴿آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا﴾ مَا دخلُوا النَّار ﴿وَكُلٌّ﴾ العابد والمعبود ﴿فِيهَا﴾ فِي النَّار داخلون ﴿خَالِدُونَ﴾ مقيمون دائمون
﴿لَهُمْ فِيهَا﴾ فِي جَهَنَّم ﴿زَفِيرٌ﴾ صَوت كصوت الْحمار ﴿وَهُمْ فِيهَا﴾ فِي جَهَنَّم يتعاوون ﴿لاَ يَسْمَعُونَ﴾ صَوت الرَّحْمَة والشفاعة وَصَوت الْخُرُوج والرخاء وَلَا يبصرون
﴿إِنَّ الَّذين سَبَقَتْ﴾ وَجَبت ﴿لَهُمْ مِّنَّا الْحسنى﴾ الْجنَّة يَعْنِي عِيسَى وعزيرا ﴿أُولَئِكَ عَنْهَا﴾ عَن النَّار ﴿مُبْعَدُونَ﴾ منجون
﴿لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا﴾ صَوتهَا ﴿وَهُمْ فِي مَا اشتهت﴾ تمنت
275
﴿أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ﴾ مقيمون فِي الْجنَّة
276
﴿لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزع الْأَكْبَر﴾ إِذا أطبقت النَّار وَذبح الْمَوْت بَين الْجنَّة وَالنَّار ﴿وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَة﴾ على بَاب الْجنَّة بالبشرى ﴿هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ فِي الدُّنْيَا نزلت من قَوْله إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن عبد الله بن الزبعري السَّهْمِي الشَّاعِر وخصومته مَعَ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لقبل الْأَصْنَام
﴿يَوْمَ﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿نَطْوِي السمآء﴾ بِالْيَمِينِ ﴿كَطَيِّ السّجل﴾ كطي الْكتاب ﴿لِلْكُتُبِ﴾ الصَّحِيفَة ﴿كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ﴾ أول خلقهمْ من النُّطْفَة ﴿نُّعِيدُهُ﴾ نبعثه من التُّرَاب ﴿وَعْداً عَلَيْنَآ﴾ وَاجِبا علينا ﴿إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ نحييهم بعد الْمَوْت
﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزبُور﴾ فِي زبور دَاوُد ﴿مِن بَعْدِ الذّكر﴾ من بعد التَّوْرَاة وَيُقَال وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور فِي كتب الْأَنْبِيَاء من بعد الذّكر اللَّوْح الْمَحْفُوظ ﴿أَنَّ الأَرْض﴾ أَرض الْجنَّة ﴿يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصالحون﴾ الموحدون وَيُقَال الأَرْض المقدسة يَرِثهَا ينزلها عبَادي الصالحون من بني إِسْرَائِيل وَيُقَال الصالحون فِي آخر الزَّمَان
﴿إِنَّ فِي هَذَا﴾ الْقُرْآن ﴿لَبَلاَغاً﴾ لكفاية وَيُقَال عظة بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ مُوَحِّدين
﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿إِلاَّ رَحْمَةً﴾ من الْعَذَاب ﴿لِّلْعَالَمِينَ﴾ من الْجِنّ وَالْإِنْس من آمن بك وَيُقَال نعْمَة
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿إِنَّمَآ يُوحى إِلَيَّ﴾ فِي هَذَا الْقُرْآن ﴿أَنَّمَآ إِلَهكُم إِلَه وَاحِدٌ﴾ بِلَا ولد وَلَا شريك ﴿فَهَلْ أَنتُمْ﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿مُّسْلِمُونَ﴾ مقرون مخلصون بِالْعبَادَة والتوحيد
﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ عَن الْإِيمَان وَالْإِخْلَاص ﴿فَقُلْ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿آذَنتُكُمْ﴾ أعلمتكم فصرت أَنا وَأَنْتُم ﴿على سَوَآءٍ﴾ على بَيَان عَلَانيَة بِغَيْر سر ﴿وَإِنْ أَدْرِي﴾ مَا أَدْرِي ﴿أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ﴾ من الْعَذَاب
﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْر مِنَ القَوْل﴾ وَالْفِعْل ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ﴾ مَا تسرون من القَوْل وَالْفِعْل وَيعلم بعذابكم مَتى يكون
﴿وَإِنْ أَدْرِي﴾ مَا أَدْرِي ﴿لَعَلَّهُ﴾ يَعْنِي تَأْخِير الْعَذَاب ﴿فِتْنَةٌ﴾ بلية ﴿لَّكُمْ وَمَتَاعٌ﴾ أجل ﴿إِلَى حِينٍ﴾ حِين الْعَذَاب
﴿قَالَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿رَبِّ احكم بِالْحَقِّ﴾ اقْضِ بينى وَبَين أهل مَكَّة بِالْحَقِّ وَالْعدْل ﴿وَرَبُّنَا الرَّحْمَن الْمُسْتَعَان﴾ نستعين بِهِ ﴿على مَا تصفون﴾ تَقولُونَ من الْكَذِب
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْحَج وهى كلهَا مَكِّيَّة إِلَّا خمس آيَات ﴿وَمِنَ النَّاس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ﴾ إِلَى آخر الْآيَتَيْنِ وَقَوله ﴿أذن للَّذين يُقَاتلُون بِأَنَّهُم ظلمُوا﴾ إِلَى آخر الْآيَتَيْنِ والسجدة الْأَخِيرَة فَهَؤُلَاءِ الْآيَات مدنيات وكل شىء فى الْقُرْآن يأيها الَّذين آمنُوا فَهُوَ مدنى وكل شىء فى الْقُرْآن يأيها النَّاس فَهُوَ مكى ومدنى وَلَا تَجِد يأيها الَّذين آمنُوا مَكِّيَّة آياتها خمس وَسَبْعُونَ آيَة وكلماتها ألف ومائتان وَإِحْدَى وَتسْعُونَ وحروفها خَمْسَة آلَاف وَمِائَة وَخَمْسَة وَثَلَاثُونَ

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

سورة الأنبياء
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الأنبياء) سورةٌ مكية، ذكَرتِ الكثيرَ من قِصص الأنبياء بغرضِ بيان دَوْرهم في نشرِ الاعتقاد الصحيح، والدعوةِ إلى الله، وكذا أبانت عن مقصدٍ آخرَ عظيم؛ وهو قربُ الحساب؛ كما دلَّتْ على ذلك مجموعةُ قِصَصِ الأنبياء المذكورة، وهذا ما أشارت إليه فاتحةُ السورة من قُرْبِ الحساب، وغفلةِ الناس عن ذلك، وفي ذلك دلائلُ كثيرة على وَحْدانية الله عز وجل، وتنزيهِه عن العبث.

ترتيبها المصحفي
21
نوعها
مكية
ألفاظها
1174
ترتيب نزولها
73
العد المدني الأول
111
العد المدني الأخير
111
العد البصري
111
العد الكوفي
112
العد الشامي
111

* قوله تعالى: {إِنَّ اْلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا اْلْحُسْنَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101]:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «آيةٌ في كتابِ اللهِ لا يَسألُني الناسُ عنها، ولا أدري أعرَفوها فلا يَسألوني عنها أم جَهِلوها فلا يَسألوني عنها؟! قيل: وما هي؟ قال: لمَّا نزَلتْ {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اْللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَٰرِدُونَ} [الأنبياء: 98]، شَقَّ ذلك على أهلِ مكَّةَ، وقالوا: شتَمَ مُحمَّدٌ آلهتَنا، فقامَ ابنُ الزِّبَعْرَى، فقال: ما شأنُكم؟ قالوا: شتَمَ مُحمَّدٌ آلهتَنا، قال: وما قال؟ قالوا: قال: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اْللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَٰرِدُونَ} [الأنبياء: 98]، قال: ادعُوه لي، فدُعِيَ مُحمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، فقال ابنُ الزِّبَعْرَى: يا مُحمَّدُ، هذا شيءٌ لآلهتِنا خاصَّةً أم لكلِّ مَن عُبِدَ مِن دُونِ اللهِ؟ قال: «بل لكلِّ مَن عُبِدَ مِن دُونِ اللهِ عز وجل»، قال: فقال: خصَمْناه ورَبِّ هذه البَنِيَّةِ، يا مُحمَّدُ، ألستَ تزعُمُ أنَّ عيسى عبدٌ صالحٌ، وعُزَيرًا عبدٌ صالحٌ، والملائكةَ عبادٌ صالحون؟ قال: «بلى»، قال: فهذه النصارى يعبُدون عيسى، وهذه اليهودُ تعبُدُ عُزَيرًا، وهذه بنو مَلِيحٍ تعبُدُ الملائكةَ، قال: فضَجَّ أهلُ مكَّةَ؛ فنزَلتْ: {إِنَّ اْلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا اْلْحُسْنَىٰٓ} عيسى وعُزَيرٌ والملائكةُ {أُوْلَٰٓئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101]، قال: ونزَلتْ: {وَلَمَّا ‌ضُرِبَ ‌اْبْنُ ‌مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57]؛ وهو الضَّجيجُ». "شرح مشكل الآثار" للطَّحاويِّ (986).

قال الشيخُ السعديُّ رحمه الله في هذه الآيةِ: «ودخولُ آلهة المشركين النارَ: إنما هو الأصنامُ، أو مَن عُبِدَ وهو راضٍ بعبادته، وأما المسيح، وعُزَيرٌ، والملائكة، ونحوُهم ممَّن عُبِد من الأولياء: فإنهم لا يُعذَّبون فيها، ويدخلون في قوله: {إِنَّ اْلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا اْلْحُسْنَىٰٓ}؛ أي: سبَقتْ لهم سابقةُ السعادة في علمِ الله، وفي اللَّوْحِ المحفوظ، وفي تيسيرِهم في الدنيا لليُسْرى والأعمالِ الصالحة، {أُوْلَٰٓئِكَ عَنْهَا}؛ أي: عن النار، {مُبْعَدُونَ} فلا يدخُلونها، ولا يكونون قريبًا منها، بل يُبعَدون عنها غايةَ البُعْدِ؛ حتى لا يَسمَعوا حسيسَها، ولا يَرَوْا شخصَها». "تفسير السعدي" (ص531).

* سورة (الأنبياء):

سُمِّيتْ سورة (الأنبياء) بهذا الاسمِ؛ لحديثها عن الأنبياء، ودَوْرِهم في تصحيح العقيدة، وتذكير البشرية.

* تُعَدُّ سورة (الأنبياء) من قديم ما تعلَّمه الصحابةُ من النبي صلى الله عليه وسلم:

عن عبد الرَّحمنِ بن يَزيدَ بن جابرٍ، قال: «سَمِعْتُ ابنَ مسعودٍ يقولُ في (بَنِي إسرائِيلَ)، و(الكَهْفِ)، و(مَرْيَمَ)، و(طه)، و(الأنبياءِ): إنَّهُنَّ مِن العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلادي». أخرجه البخاري (4994).

قال أبو عُبَيدٍ: «قولُه: «مِن تِلَادي» : يعني: مِن قديمِ ما أخَذْتُ مِن القرآنِ؛ وذلك أنَّ هذه السُّوَرَ نزَلتْ بمكَّةَ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام (ص247).

جاءت موضوعاتُ سورة (الأنبياء) على النحو التالي:

1. غفلة الناس عن الساعة، وإعراضهم عن القرآن (١-٦).

2. الإنذار بالوحي سمةٌ مشتركة بين الرسل عليهم السلام (٧-١٥).

3. دلائل الوَحْدانية والقدرة، وتنزيهُه تعالى عن العبث (١٦-٣٣).

4. المصير المحتوم، وعناية الله بخَلْقه (٣٤-٤٧).

5. دعوة الأنبياء (٤٨-٩١).

6. وَحْدة الملة، وعدل الجزاء (٩٢-١٠٦).

7. ختام سلسلة الأنبياء رحمةٌ مهداة (١٠٧- ١٢١).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /5).

لسورة (الأنبياء) مقصدانِ عظيمانِ:

* الأول: بيانُ معالمِ التوحيد، ودَوْر الأنبياء في تصحيح العقيدة، وتذكير البشرية.

* والثاني: الاستدلال على تحقُّقِ الساعة وقُرْبِها، ولو بالموت، ووقوعِ الحساب فيها على الجليل والحقير؛ لأن مُوجِدَها لا شريكَ له يعُوقُه عنها، وهو مَن لا يُبدَّل القولُ لديه، والدالُّ على ذلك أوضَحَ دَلالةٍ: مجموعُ قِصَصِ جماعةٍ ممَّن ذُكِر فيها من الأنبياء عليهم السلام، ولا تستقلُّ قصةٌ منها استقلالًا ظاهرًا لجميع ذلك.

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (1 /5)، و"مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /268).