تفسير سورة الأنعام

تفسير الجلالين

تفسير سورة سورة الأنعام من كتاب تفسير الجلالين المعروف بـتفسير الجلالين.
لمؤلفه المَحَلِّي . المتوفي سنة 864 هـ

﴿الْحَمْد﴾ وَهُوَ الْوَصْف بِالْجَمِيلِ ثَابِت ﴿لِلَّهِ﴾ وَهَلْ الْمُرَاد الْإِعْلَام بِذَلِك لِلْإِيمَانِ بِهِ أَوْ الثَّنَاء بِهِ أَوْ هُمَا احْتِمَالَات أَفْيَدهَا الثَّالِث قَالَهُ الشَّيْخ فِي سُورَة الْكَهْف ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا أَعْظَم الْمَخْلُوقَات لِلنَّاظِرِينَ ﴿وَجَعَلَ﴾ خَلَقَ ﴿الظُّلُمَات وَالنُّور﴾ أَي كُلّ ظُلْمَة وَنُور وَجَمَعَهَا دُونه لِكَثْرَةِ أَسْبَابهَا وَهَذَا مِنْ دَلَائِل وَحْدَانِيّته ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ مَعَ قِيَام هَذَا الدَّلِيل ﴿بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ يُسَوُّونَ غَيْره فِي العبادة
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِين﴾ بِخَلْقِ أَبِيكُمْ آدَم مِنْهُ ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلًا﴾ لَكُمْ تَمُوتُونَ عِنْد انْتِهَائِهِ ﴿وَأَجَل مُسَمًّى﴾ مَضْرُوب ﴿عِنْده﴾ لِبَعْثِكُمْ ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ﴾ أَيّهَا الْكُفَّار ﴿تَمْتَرُونَ﴾ تَشُكُّونَ فِي الْبَعْث بَعْد عِلْمكُمْ أَنَّهُ ابْتَدَأَ خَلْقكُمْ وَمَنْ قَدَرَ عَلَى الِابْتِدَاء فَهُوَ عَلَى الْإِعَادَة أَقْدَر
﴿وهو الله﴾ مستحق للعبادة ﴿في السماوات وفي الأرض يَعْلَم سِرّكُمْ وَجَهْركُمْ﴾ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تَجْهَرُونَ بِهِ بَيْنكُمْ ﴿وَيَعْلَم مَا تَكْسِبُونَ﴾ تَعْمَلُونَ مِنْ خير وشر
﴿وَمَا تَأْتِيهِمْ﴾ أَيْ أَهْل مَكَّة ﴿مِنْ﴾ صِلَة ﴿آية من آيات ربهم﴾ من القرآن ﴿إلا كانوا عنها معرضين﴾
﴿فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ﴾ بِالْقُرْآنِ ﴿لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يأتيهم أنباء﴾ عواقب {ما كانوا به يستهزئون
﴿أَلَمْ يَرَوْا﴾ فِي أَسْفَارهمْ إلَى الشَّام وَغَيْرهَا ﴿كَمْ﴾ خَبَرِيَّة بِمَعْنَى كَثِيرًا ﴿أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلهمْ مِنْ قَرْن﴾ أُمَّة مِنْ الْأُمَم الْمَاضِيَة ﴿مَكَّنَّاهُمْ﴾ أَعْطَيْنَاهُمْ مَكَانًا ﴿فِي الْأَرْض﴾ بِالْقُوَّةِ وَالسِّعَة ﴿مَا لَمْ نُمَكِّن﴾ نُعْطِ ﴿لَكُمْ﴾ فِيهِ الْتِفَات عَنْ الْغَيْبَة ﴿وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء﴾ الْمَطَر ﴿عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا﴾ مُتَتَابِعًا ﴿وَجَعَلْنَا الْأَنْهَار تَجْرِي مِنْ تَحْتهمْ﴾ تَحْت مَسَاكِنهمْ ﴿فأهلكناهم بذنوبهم﴾ بتكذيبهم الأنبياء ﴿وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين﴾
﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْك كِتَابًا﴾ مَكْتُوبًا ﴿فِي قِرْطَاس﴾ رَقّ كَمَا اقْتَرَحُوهُ ﴿فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ﴾ أَبْلَغ مَنْ عَايَنُوهُ لِأَنَّهُ أَنْفَى لِلشَّكِّ ﴿لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ﴾ مَا ﴿هَذَا إلَّا سِحْر مُبِين﴾ تَعَنُّتًا وعنادا
﴿وَقَالُوا لَوْلَا﴾ هَلَّا ﴿أُنْزِلَ عَلَيْهِ﴾ عَلَى مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿مَلَك﴾ يُصَدِّقهُ ﴿وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا﴾ كَمَا اقْتَرَحُوا فَلَمْ يُؤْمِنُوا ﴿لَقُضِيَ الْأَمْر﴾ بِهَلَاكِهِمْ ﴿ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ﴾ يُمْهَلُونَ لِتَوْبَةٍ أَوْ مَعْذِرَة كَعَادَةِ اللَّه فِيمَنْ قَبْلهمْ مِنْ إهْلَاكهمْ عِنْد وُجُود مُقْتَرَحهمْ إذَا لَمْ يُؤْمِنُوا
﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ﴾ أَيْ الْمُنَزَّل إلَيْهِمْ ﴿مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ﴾ أَيْ الْمَلَك ﴿رَجُلًا﴾ أَيْ عَلَى صُورَته لِيَتَمَكَّنُوا مِنْ رُؤْيَته إذْ لَا قُوَّة لِلْبَشَرِ عَلَى رُؤْيَة الْمَلَك ﴿و﴾
لَوْ أَنْزَلْنَاهُ وَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا ﴿لَلَبَسْنَا﴾ شَبَّهْنَا ﴿عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾ عَلَى أَنْفُسهمْ بِأَنْ يَقُولُوا مَا هَذَا إلَّا بَشَر مِثْلكُمْ
١ -
﴿وَلَقَدْ اُسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلك﴾ فِيهِ تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿فَحَاقَ﴾ نَزَلَ ﴿بِاَلَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ وَهُوَ الْعَذَاب فَكَذَا يَحِيق بِمَنْ اسْتَهْزَأَ بِك
١ -
﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿سِيرُوا فِي الْأَرْض ثُمَّ اُنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُكَذِّبِينَ﴾ الرُّسُل مِنْ هَلَاكهمْ بالعذاب ليعتبروا
163
١ -
164
﴿قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض قُلْ لِلَّهِ﴾ إنْ لَمْ يَقُولُوهُ لَا جَوَاب غَيْره ﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسه﴾ قَضَى عَلَى نَفْسه ﴿الرَّحْمَة﴾ فَضْلًا مِنْهُ وَفِيهِ تَلَطُّف فِي دُعَائِهِمْ إلَى الْإِيمَان ﴿لَيَجْمَعَنكُمْ إلَى يَوْم الْقِيَامَة﴾ لِيُجَازِيَكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ ﴿لَا رَيْب﴾ شَكّ ﴿فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ﴾ بِتَعْرِيضِهَا لِلْعَذَابِ مُبْتَدَأ خَبَره ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾
١ -
﴿وَلَهُ﴾ تَعَالَى ﴿مَا سَكَنَ﴾ حَلَّ ﴿فِي اللَّيْل وَالنَّهَار﴾ أَيْ كُلّ شَيْء فَهُوَ رَبّه وَخَالِقه وَمَالِكه ﴿وَهُوَ السَّمِيع﴾ لِمَا يُقَال ﴿الْعَلِيم﴾ بِمَا يفعل
١ -
﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿أَغَيْر اللَّه أَتَّخِذ وَلِيًّا﴾ أَعْبُدهُ ﴿فَاطِر السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ مُبْدِعهمَا ﴿وَهُوَ يُطْعِم﴾ يَرْزُق ﴿وَلَا يُطْعَم﴾ يُرْزَق ﴿قُلْ إنِّي أُمِرْت أَنْ أَكُون أَوَّل مَنْ أَسْلَمَ﴾ لِلَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة ﴿و﴾ قِيلَ لِي ﴿لَا تَكُونَن مِنْ المشركين﴾ به
١ -
﴿قُلْ إنِّي أَخَاف إنْ عَصَيْت رَبِّي﴾ بِعِبَادَةِ غَيْره ﴿عَذَاب يَوْم عَظِيم﴾ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة
١ -
﴿مَنْ يُصْرَف﴾ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ الْعَذَاب وَلِلْفَاعِلِ أَيْ اللَّه وَالْعَائِد مَحْذُوف ﴿عَنْهُ يَوْمئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ﴾ تَعَالَى أَيْ أَرَادَ لَهُ الْخَيْر ﴿وَذَلِكَ الْفَوْز الْمُبِين﴾ النَّجَاة الظَّاهِرَة
١ -
﴿وَإِنْ يَمْسَسْك اللَّه بِضُرٍّ﴾ بَلَاء كَمَرَضٍ وَفَقْر ﴿فَلَا كَاشِف﴾ رَافِع ﴿لَهُ إلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْك بِخَيْرٍ﴾ كَصِحَّةٍ وَغِنًى ﴿فَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير﴾ وَمِنْهُ مَسَكَ بِهِ وَلَا يَقْدِر عَلَى رَدّه عَنْك غَيْره
١ -
﴿وَهُوَ الْقَاهِر﴾ الْقَادِر الَّذِي لَا يُعْجِزهُ شَيْء مُسْتَعْلِيًا ﴿فَوْق عِبَاده وَهُوَ الْحَكِيم﴾ فِي خَلْقه ﴿الخبير﴾ ببواطنهم كظواهرهم
164
١ -
165
ونزل لَمَّا قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائْتِنَا بِمَنْ يَشْهَد لَك بِالنُّبُوَّةِ فَإِنَّ أَهْل الْكِتَاب أَنْكَرُوك ﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿أَيّ شَيْء أَكْبَر شَهَادَة﴾ تَمْيِيز مُحَوَّل عَنْ الْمُبْتَدَأ ﴿قُلْ اللَّه﴾ إنْ لَمْ يَقُولُوهُ لَا جَوَاب غَيْره هُوَ ﴿شَهِيد بَيْنِي وَبَيْنكُمْ﴾ عَلَى صِدْقِي ﴿وَأُوحِيَ إلَيَّ هَذَا الْقُرْآن لِأُنْذِركُمْ﴾ أُخَوِّفكُمْ يَا أَهْل مَكَّة ﴿بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ عُطِفَ عَلَى ضَمِير أُنْذِركُمْ أي بلغه القرآن من الإنس والجن ﴿أئنكم لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّه آلِهَة أُخْرَى﴾ اسْتِفْهَام إنْكَارِيّ ﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿لَا أَشْهَد﴾ بِذَلِكَ ﴿قُلْ إنَّمَا هُوَ إلَه وَاحِد وَإِنَّنِي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ مَعَهُ مِنْ الْأَصْنَام
٢ -
﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب يَعْرِفُونَهُ﴾ أَيْ مُحَمَّدًا بِنَعْتِهِ فِي كِتَابهمْ ﴿كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ﴾ مِنْهُمْ ﴿فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ بِهِ
٢ -
﴿وَمَنْ﴾ أَيْ لَا أَحَد ﴿أَظْلَم مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى الله كذبا﴾ بنسبة الشريك له ﴿أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾ الْقُرْآن ﴿إنَّهُ﴾ أَيْ الشَّأْن ﴿لَا يُفْلِح الظَّالِمُونَ﴾ بِذَلِكَ
٢ -
﴿وَ﴾ اذْكُرْ ﴿يَوْم نَحْشُرهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُول لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾ تَوْبِيخًا ﴿أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ أَنَّهُمْ شُرَكَاء اللَّه
٢ -
﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ﴾ بِالتَّاءِ وَالْيَاء ﴿فِتْنَتهمْ﴾ بِالنَّصْبِ وَالرَّفْع أَيْ مَعْذِرَتهمْ ﴿إلَّا أَنْ قَالُوا﴾ أَيْ قَوْلهمْ ﴿وَاَللَّه رَبّنَا﴾ بِالْجَرِّ نَعْت وَالنَّصْب نِدَاء ﴿ما كنا مشركين﴾
٢ -
قال تعالى ﴿اُنْظُرْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسهمْ﴾ بِنَفْيِ الشِّرْك عَنْهُمْ ﴿وَضَلَّ﴾ غَابَ ﴿عَنْهُمْ مَا كانوا يفترون﴾ هـ عَلَى اللَّه مِنْ شُرَكَاء
٢ -
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِع إلَيْك﴾ إذَا قَرَأْت ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبهمْ أَكِنَّة﴾ أَغْطِيَة ل ﴿أَنْ﴾ لَا ﴿يَفْقُهُوهُ﴾ يَفْهَمُوا الْقُرْآن ﴿وَفِي آذَانهمْ وَقْرًا﴾ صَمَمًا فَلَا يَسْمَعُونَهُ سَمَاع قَبُول ﴿وَإِنْ يَرَوْا كُلّ آيَة لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إذَا جَاءُوك يُجَادِلُونَك يَقُول الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ﴾ مَا ﴿هَذَا﴾ الْقُرْآن ﴿إلَّا أَسَاطِير﴾ أَكَاذِيب ﴿الْأَوَّلِينَ﴾ كَالْأَضَاحِيكِ وَالْأَعَاجِيب جَمْع أُسْطُورَة بِالضَّمِّ
٢ -
﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ﴾ النَّاس ﴿عَنْهُ﴾ عَنْ اتِّبَاع النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿وَيَنْأَوْنَ﴾ يَتَبَاعَدُونَ ﴿عَنْهُ﴾ فَلَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِب كَانَ يَنْهَى عَنْ أَذَاهُ وَلَا يُؤْمِن بِهِ ﴿وَإِنْ﴾ مَا ﴿يُهْلِكُونَ﴾ بِالنَّأْيِ عَنْهُ ﴿إلَّا أَنْفُسهمْ﴾ لِأَنَّ ضَرَره عَلَيْهِمْ ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ بِذَلِكَ
165
٢ -
166
﴿وَلَوْ تَرَى﴾ يَا مُحَمَّد ﴿إذْ وُقِفُوا﴾ عُرِضُوا ﴿عَلَى النَّار فَقَالُوا يَا﴾ لِلتَّنْبِيهِ ﴿لَيْتَنَا نُرَدّ﴾ إلَى الدُّنْيَا ﴿وَلَا نُكَذِّب بِآيَاتِ رَبّنَا وَنَكُون مِنْ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بِرَفْعِ الْفِعْلَيْنِ اسْتِئْنَافًا وَنَصْبهمَا فِي جَوَاب التَّمَنِّي وَرَفْع الْأَوَّل وَنَصْب الثَّانِي وَجَوَاب لو رأيت أمرا عظيما
٢ -
قال تعالى ﴿بَلْ﴾ لِلْإِضْرَابِ عَنْ إرَادَة الْإِيمَان الْمَفْهُوم مِنْ التَّمَنِّي ﴿بَدَا﴾ ظَهَرَ ﴿لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْل﴾ يَكْتُمُونَ بِقَوْلِهِمْ ﴿وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ بِشَهَادَةِ جَوَارِحهمْ فَتَمَنَّوْا ذَلِكَ ﴿وَلَوْ رُدُّوا﴾ إلَى الدُّنْيَا فَرْضًا ﴿لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ مِنْ الشِّرْك ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ فِي وَعْدهمْ بالإيمان
٢ -
﴿وَقَالُوا﴾ أَيْ مُنْكِرُو الْبَعْث ﴿إنْ﴾ مَا ﴿هِيَ﴾ أي الحياة ﴿إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين﴾
٣ -
﴿وَلَوْ تَرَى إذْ وُقِفُوا﴾ عُرِضُوا ﴿عَلَى رَبّهمْ﴾ لَرَأَيْت أَمْرًا عَظِيمًا ﴿قَالَ﴾
لَهُمْ عَلَى لِسَان الْمَلَائِكَة تَوْبِيخًا ﴿أَلَيْسَ هَذَا﴾ الْبَعْث وَالْحِسَاب ﴿بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبّنَا﴾ إنَّهُ لَحَقّ ﴿قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ بِهِ فِي الدُّنْيَا
٣ -
﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّه﴾ بِالْبَعْثِ ﴿حَتَّى﴾ غَايَة لِلتَّكْذِيبِ ﴿إذَا جَاءَتْهُمْ السَّاعَة﴾ الْقِيَامَة ﴿بَغْتَة﴾ فَجْأَة ﴿قَالُوا يَا حَسْرَتنَا﴾ هِيَ شِدَّة التَّأَلُّم وَنِدَاؤُهَا مَجَاز أَيْ هَذَا أَوَانك فَاحْضُرِي ﴿عَلَى مَا فَرَّطْنَا﴾ قَصَّرْنَا ﴿فِيهَا﴾ أَيْ الدُّنْيَا ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارهمْ عَلَى ظُهُورهمْ﴾ بِأَنْ تَأْتِيهِمْ عِنْد الْبَعْث فِي أَقْبَح شَيْء صُورَة وَأَنْتَنه رِيحًا فَتَرْكَبهُمْ ﴿أَلَا سَاءَ﴾ بِئْسَ ﴿مَا يَزِرُونَ﴾ يَحْمِلُونَهُ حَمْلهمْ ذَلِكَ
٣ -
﴿وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ أَيْ الِاشْتِغَال بِهَا ﴿إلَّا لَعِب وَلَهْو﴾ وَأَمَّا الطَّاعَة وَمَا يُعِين عَلَيْهَا فَمِنْ أُمُور الْآخِرَة ﴿وَلَلدَّار الْآخِرَة﴾ وَفِي قِرَاءَة وَلَدَار الْآخِرَة أَيْ الْجَنَّة ﴿خَيْر لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ الشِّرْك ﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾ بِالْيَاءِ وَالتَّاء ذَلِكَ فَيُؤْمِنُونَ
166
٣ -
167
﴿قَدْ﴾ لِلتَّحْقِيقِ ﴿نَعْلَم إنَّهُ﴾ أَيْ الشَّأْن ﴿لَيَحْزُنك الَّذِي يَقُولُونَ﴾ لَك مِنْ التَّكْذِيب ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَك﴾ فِي السِّرّ لِعِلْمِهِمْ أَنَّك صَادِق وَفِي قِرَاءَة بِالتَّخْفِيفِ أَيْ لَا يَنْسُبُونَك إلَى الْكَذِب ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ﴾ وَضَعَهُ مَوْضِع الْمُضْمَر ﴿بِآيَاتِ اللَّه﴾ الْقُرْآن ﴿يَجْحَدُونَ﴾ يُكَذِّبُونَ
٣ -
﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُل مِنْ قَبْلك﴾ فِيهِ تَسْلِيَة لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرنَا﴾ بِإِهْلَاكِ قَوْمهمْ فَاصْبِرْ حَتَّى يَأْتِيك النَّصْر بِإِهْلَاكِ قَوْمك ﴿وَلَا مُبَدِّل لِكَلِمَاتِ اللَّه﴾ مَوَاعِيده ﴿وَلَقَدْ جَاءَك مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ مَا يَسْكُن بِهِ قَلْبك
٣ -
﴿وَإِنْ كَانَ كَبُرَ﴾ عَظُمَ ﴿عَلَيْك إعْرَاضهمْ﴾ عَنْ الْإِسْلَام لِحِرْصِك عَلَيْهِمْ ﴿فَإِنْ اسْتَطَعْت أَنْ تَبْتَغِي نَفَقًا﴾ سَرَبًا ﴿فِي الْأَرْض أَوْ سُلَّمًا﴾ مِصْعَدًا ﴿فِي السَّمَاء فَتَأْتِيهِمْ بِآيَةٍ﴾ مِمَّا اقْتَرَحُوا فَافْعَلْ الْمَعْنَى أَنَّك لَا تَسْتَطِيع ذَلِكَ فَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُم اللَّه ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّه﴾ هِدَايَتهمْ ﴿لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾ وَلَكِنْ لَمْ يَشَأْ ذَلِكَ فَلَمْ يُؤْمِنُوا ﴿فَلَا تَكُونَن مِنْ الْجَاهِلِينَ﴾ بِذَلِكَ
٣ -
﴿إنَّمَا يَسْتَجِيب﴾ دُعَاءَك إلَى الْإِيمَان ﴿الَّذِينَ يَسْمَعُونَ﴾ سَمَاع تَفَهُّم وَاعْتِبَار ﴿وَالْمَوْتَى﴾ أَيْ الْكُفَّار شَبَّهَهُمْ بِهِمْ فِي عَدَم السَّمَاع ﴿يَبْعَثهُمْ اللَّه﴾ فِي الْآخِرَة ﴿ثُمَّ إلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ يُرَدُّونَ فَيُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ
٣ -
﴿وَقَالُوا﴾ أَيْ كُفَّار مَكَّة ﴿لَوْلَا﴾ هَلَّا ﴿نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَة مِنْ رَبّه﴾ كَالنَّاقَةِ وَالْعَصَا وَالْمَائِدَة ﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿إنَّ اللَّه قَادِر عَلَى أَنْ يُنَزِّل﴾ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف ﴿آيَة﴾ مِمَّا اقْتَرَحُوا ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أَنَّ نُزُولهَا بَلَاء عَلَيْهِمْ لِوُجُوبِ هَلَاكهمْ إنْ جَحَدُوهَا
٣ -
﴿وَمَا مِنْ﴾ زَائِدَة ﴿دَابَّة﴾ تَمْشِي ﴿فِي الْأَرْض وَلَا طَائِر يَطِير﴾ فِي الْهَوَاء ﴿بِجَنَاحَيْهِ إلَّا أُمَم أَمْثَالكُمْ﴾ فِي تَدْبِير خَلْقهَا وَرِزْقهَا وَأَحْوَالهَا ﴿مَا فَرَّطْنَا﴾ تَرَكْنَا ﴿فِي الْكِتَاب﴾ اللَّوْح الْمَحْفُوظ ﴿مِنْ﴾ زَائِدَة ﴿شَيْء﴾ فَلَمْ نَكْتُبهُ ﴿ثُمَّ إلَى رَبّهمْ يُحْشَرُونَ﴾ فَيَقْضِي بَيْنهمْ وَيَقْتَصّ لِلْجَمَّاءِ مِنْ الْقَرْنَاء ثُمَّ يَقُول لَهُمْ كُونُوا تُرَابًا
167
٣ -
168
﴿وَاَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ الْقُرْآن ﴿صُمّ﴾ عَنْ سَمَاعهَا سَمَاع قَبُول ﴿وَبُكْم﴾ عَنْ النُّطْق بِالْحَقِّ ﴿فِي الظُّلُمَات﴾ الْكُفْر ﴿مَنْ يَشَأْ اللَّه﴾ إضْلَاله ﴿يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ﴾ هِدَايَته ﴿يَجْعَلهُ عَلَى صِرَاط﴾ طَرِيق ﴿مُسْتَقِيم﴾ دِين الْإِسْلَام
٤ -
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لِأَهْلِ مَكَّة ﴿أَرَأَيْتُكُمْ﴾ أَخْبِرُونِي ﴿إنْ أَتَاكُمْ عَذَاب اللَّه﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿أَوْ أَتَتْكُمْ السَّاعَة﴾ الْقِيَامَة الْمُشْتَمِلَة عَلَيْهِ بَغْتَة ﴿أَغَيْر اللَّه تَدْعُونَ﴾ لَا ﴿إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ فِي أَنَّ الْأَصْنَام تَنْفَعكُمْ فَادْعُوهَا
٤ -
﴿بَلْ إيَّاهُ﴾ لَا غَيْره ﴿تَدْعُونَ﴾ فِي الشَّدَائِد ﴿فَيَكْشِف مَا تَدْعُونَ إلَيْهِ﴾ أَنْ يَكْشِفهُ عَنْكُمْ مِنْ الضُّرّ وَنَحْوه ﴿إنْ شَاءَ﴾ كَشْفه ﴿وَتَنْسَوْنَ﴾ تَتْرُكُونَ ﴿مَا تُشْرِكُونَ﴾ مَعَهُ مِنْ الْأَصْنَام فَلَا تدعونه
٤ -
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إلَى أُمَم مِنْ﴾ زَائِدَة ﴿قَبْلك﴾ رُسُلًا فَكَذَّبُوهُمْ ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ﴾ شِدَّة الْفَقْر ﴿وَالضَّرَّاء﴾ الْمَرَض ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ يَتَذَلَّلُونَ فَيُؤْمِنُونَ
٤ -
﴿فَلَوْلَا﴾ فَهَلَّا ﴿إذْ جَاءَهُمْ بَأْسنَا﴾ عَذَابنَا ﴿تَضَرَّعُوا﴾ أَيْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ مَعَ قِيَام الْمُقْتَضِي لَهُ ﴿وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبهمْ﴾ فَلَمْ تَلِنْ لِلْإِيمَانِ ﴿وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ مِنْ الْمَعَاصِي فَأَصَرُّوا عَلَيْهَا
٤ -
﴿فَلَمَّا نَسُوا﴾ تَرَكُوا ﴿مَا ذُكِّرُوا﴾ وُعِظُوا وَخُوِّفُوا ﴿بِهِ﴾ مِنْ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء فَلَمْ يَتَّعِظُوا ﴿فَتَحْنَا﴾ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد ﴿عَلَيْهِمْ أَبْوَاب كُلّ شَيْء﴾ مِنْ النِّعَم اسْتِدْرَاجًا لَهُمْ ﴿حَتَّى إذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا﴾ فَرَح بَطَر ﴿أَخَذْنَاهُمْ﴾ بِالْعَذَابِ ﴿بَغْتَة﴾ فَجْأَة ﴿فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ آيِسُونَ مِنْ كُلّ خَيْر
٤ -
﴿فَقُطِعَ دَابِر الْقَوْم الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أَيْ آخِرهمْ بِأَنْ اُسْتُؤْصِلُوا ﴿وَالْحَمْد لِلَّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ﴾ عَلَى نَصْر الرُّسُل وَإِهْلَاك الْكَافِرِينَ
168
٤ -
169
﴿قُلْ﴾ لِأَهْلِ مَكَّة ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ أَخْبِرُونِي ﴿إنْ أَخَذَ اللَّه سَمْعكُمْ﴾ أَصَمّكُمْ ﴿وَأَبْصَاركُمْ﴾ أَعْمَاكُمْ ﴿وَخَتَمَ﴾ طَبَعَ ﴿عَلَى قُلُوبكُمْ﴾ فَلَا تَعْرِفُونَ شَيْئًا ﴿مَنْ إلَه غَيْر اللَّه يَأْتِيكُمْ بِهِ﴾ بِمَا أَخَذَهُ مِنْكُمْ بِزَعْمِكُمْ ﴿اُنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّف﴾ نُبَيِّن ﴿الْآيَات﴾ الدَّلَالَات عَلَى وَحْدَانِيّتنَا ﴿ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ﴾ يُعْرِضُونَ عَنْهَا فلا يؤمنون
٤ -
﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿أَرَأَيْتُكُمْ إنْ أَتَاكُمْ عَذَاب اللَّه بَغْتَة أَوْ جَهْرَة﴾ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ﴿هَلْ يُهْلَك إلَّا الْقَوْم الظَّالِمُونَ﴾ الْكَافِرُونَ أَيْ مَا يُهْلَك إلَّا هُمْ
٤ -
﴿وَمَا نُرْسِل الْمُرْسَلِينَ إلَّا مُبَشِّرِينَ﴾ مَنْ آمَنَ بِالْجَنَّةِ ﴿وَمُنْذِرِينَ﴾ مَنْ كَفَرَ بِالنَّارِ ﴿فَمَنْ آمَنَ﴾ بِهِمْ ﴿وَأَصْلَحَ﴾ عَمَله ﴿فَلَا خَوْف عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ فِي الْآخِرَة
٤ -
﴿وَاَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسّهُمْ الْعَذَاب بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ يَخْرُجُونَ عَنْ الطَّاعَة
٥ -
﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿لَا أَقُول لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِن اللَّه﴾ الَّتِي مِنْهَا يَرْزُق ﴿وَلَا﴾ إنِّي ﴿أَعْلَم الْغَيْب﴾ مَا غَابَ عَنِّي وَلَمْ يُوحَ إلَيَّ ﴿وَلَا أَقُول لَكُمْ إنِّي مَلَك﴾
مِنْ الْمَلَائِكَة ﴿إنْ﴾ مَا ﴿أَتَّبِع إلَّا مَا يُوحَى إلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى﴾ الْكَافِر ﴿وَالْبَصِير﴾ الْمُؤْمِن لا ﴿أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ﴾ فِي ذَلِكَ فَتُؤْمِنُونَ
٥ -
﴿وَأَنْذِرْ﴾ خَوِّفْ ﴿بِهِ﴾ أَيْ الْقُرْآن ﴿الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إلَى رَبّهمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونه﴾ أَيْ غَيْره ﴿وَلِيّ﴾ يَنْصُرهُمْ ﴿وَلَا شَفِيع﴾ يَشْفَع لَهُمْ وَجُمْلَة النَّفْي حَال مِنْ ضَمِير يُحْشَرُوا وَهِيَ مَحَلّ الْخَوْف وَالْمُرَاد بِهِمْ الْمُؤْمِنُونَ الْعَاصُونَ ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ اللَّه بِإِقْلَاعِهِمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ وَعَمَل الطَّاعَات
169
٥ -
170
﴿وَلَا تَطْرُد الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيّ يُرِيدُونَ﴾ بِعِبَادَتِهِمْ ﴿وَجْهه﴾ تَعَالَى لَا شَيْئًا مِنْ أَعْرَاض الدُّنْيَا وَهُمْ الْفُقَرَاء وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ طَعَنُوا فِيهِمْ وَطَلَبُوا أَنْ يَطْرُدهُمْ لِيُجَالِسُوهُ وَأَرَادَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ طَمَعًا فِي إسْلَامهمْ ﴿مَا عَلَيْك مِنْ حِسَابهمْ مِنْ﴾ زَائِدَة ﴿شَيْء﴾ إنْ كَانَ بَاطِنهمْ غَيْر مَرْضِيّ ﴿وَمَا مِنْ حِسَابك عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْء فَتَطْرُدهُمْ﴾ جَوَاب النَّفْي ﴿فَتَكُون مِنْ الظَّالِمِينَ﴾ إنْ فَعَلْت ذَلِكَ
٥ -
﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا﴾ ابْتَلَيْنَا ﴿بَعْضهمْ بِبَعْضٍ﴾ أَيْ الشَّرِيف بِالْوَضِيعِ وَالْغَنِيّ بِالْفَقِيرِ بِأَنْ قَدَّمْنَاهُ بِالسَّبْقِ إلَى الْإِيمَان ﴿لِيَقُولُوا﴾ أَيْ الشُّرَفَاء وَالْأَغْنِيَاء مُنْكِرِينَ ﴿أَهَؤُلَاءِ﴾ الْفُقَرَاء ﴿مَنَّ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْننَا﴾ بِالْهِدَايَةِ أَيْ لَوْ كَانَ مَا هُمْ عَلَيْهِ هُدًى ما سبقونا إليه قال تعالى ﴿أَلَيْسَ اللَّه بِأَعْلَم بِالشَّاكِرِينَ﴾ لَهُ فَيَهْدِيهِمْ بَلَى
٥ -
﴿وَإِذَا جَاءَك الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ﴾ لَهُمْ ﴿سَلَام عَلَيْكُمْ كَتَبَ﴾ قَضَى ﴿رَبّكُمْ عَلَى نَفْسه الرَّحْمَة أَنَّهُ﴾ أَيْ الشَّأْن وَفِي قِرَاءَة بِالْفَتْحِ بَدَل مِنْ الرَّحْمَة ﴿مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ﴾ مِنْهُ حَيْثُ ارْتَكَبَهُ ﴿ثُمَّ تَابَ﴾ رَجَعَ ﴿مِنْ بَعْده﴾ بَعْد عَمَله عَنْهُ ﴿وَأَصْلَحَ﴾ عَمَله ﴿فَإِنَّهُ﴾ أَيْ اللَّه ﴿غَفُور﴾ لَهُ ﴿رَحِيم﴾ بِهِ وَفِي قِرَاءَة بِالْفَتْحِ أَيْ فَالْمَغْفِرَة لَهُ
٥ -
﴿وَكَذَلِكَ﴾ كَمَا بَيَّنَّا مَا ذُكِرَ ﴿نُفَصِّل﴾ نُبَيِّن ﴿الْآيَات﴾ الْقُرْآن لِيَظْهَر الْحَقّ فَيُعْمَل بِهِ ﴿وَلِتَسْتَبِينَ﴾ تَظْهَر ﴿سَبِيل﴾ طَرِيق ﴿الْمُجْرِمِينَ﴾ فَتُجْتَنَب وَفِي قِرَاءَة بالتحتانية وَفِي أُخْرَى بالفوقانية وَنَصْب سَبِيل خِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
٥ -
﴿قُلْ إنِّي نُهِيت أَنْ أَعْبُد الَّذِينَ تَدْعُونَ﴾ تَعْبُدُونَ ﴿مِنْ دُون اللَّه قُلْ لَا أَتَّبِع أَهْوَاءَكُمْ﴾ فِي عِبَادَتهَا ﴿قَدْ ضَلَلْت إذًا﴾ إنْ اتبعتها {وما أنا من المهتدين
170
٥ -
171
﴿قُلْ إنِّي عَلَى بَيِّنَة﴾ بَيَان ﴿مِنْ رَبِّي و﴾ قد ﴿كذبتم به﴾ بِرَبِّي حَيْثُ أَشْرَكْتُمْ ﴿مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾ مِنْ الْعَذَاب ﴿إنْ﴾ مَا ﴿الْحُكْم﴾ فِي ذلك وغيره ﴿إلا لله يقضي﴾ الْقَضَاء ﴿الْحَقّ وَهُوَ خَيْر الْفَاصِلِينَ﴾ الْحَاكِمِينَ وَفِي قِرَاءَة يَقُصّ أَيْ يَقُول
٥ -
﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْر بَيْنِي وَبَيْنكُمْ﴾ بِأَنْ أُعَجِّلهُ لَكُمْ وَأَسْتَرِيح وَلَكِنَّهُ عِنْد اللَّه ﴿وَاَللَّه أَعْلَم بِالظَّالِمِينَ﴾ مَتَى يُعَاقِبهُمْ
٥ -
﴿وَعِنْده﴾ تَعَالَى ﴿مَفَاتِح الْغَيْب﴾ خَزَائِنه أَوْ الطُّرُق الْمُوَصِّلَة إلَى عِلْمه ﴿لَا يَعْلَمهَا إلَّا هُوَ﴾ وَهِيَ الْخَمْسَة الَّتِي فِي قَوْله ﴿إنَّ اللَّه عِنْده عِلْم السَّاعَة﴾ الْآيَة كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ ﴿وَيَعْلَم مَا﴾ يَحْدُث ﴿فِي الْبَرّ﴾ الْقِفَار ﴿وَالْبَحْر﴾ الْقُرَى الَّتِي عَلَى الْأَنْهَار ﴿وَمَا تَسْقُط مِنْ﴾ زَائِدَة ﴿وَرَقَة إلَّا يَعْلَمهَا وَلَا حَبَّة فِي ظُلُمَات الْأَرْض وَلَا رَطْب وَلَا يَابِس﴾ عُطِفَ عَلَى وَرَقَة ﴿إلَّا فِي كِتَاب مُبِين﴾ هُوَ اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَالِاسْتِثْنَاء بَدَل اشْتِمَال مِنْ الِاسْتِثْنَاء قبله
٦ -
﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ﴾ يَقْبِض أَرْوَاحكُمْ عِنْد النَّوْم ﴿وَيَعْلَم مَا جَرَحْتُمْ﴾ كَسَبْتُمْ ﴿بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثكُمْ فِيهِ﴾ أَيْ النَّهَار بِرَدِّ أَرْوَاحكُمْ ﴿لِيُقْضَى أَجَل مُسَمًّى﴾ هُوَ أَجَل الْحَيَاة ﴿ثُمَّ إلَيْهِ مَرْجِعكُمْ﴾ بِالْبَعْثِ ﴿ثُمَّ يُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فيجازيكم به
٦ -
﴿وَهُوَ الْقَاهِر﴾ مُسْتَعْلِيًا ﴿فَوْق عِبَاده وَيُرْسِل عَلَيْكُمْ حَفَظَة﴾ مَلَائِكَة تُحْصِي أَعْمَالكُمْ ﴿حَتَّى إذَا جَاءَ أَحَدكُمْ الْمَوْت تَوَفَّتْهُ﴾ وَفِي قِرَاءَة تَوَفَّاهُ ﴿رُسُلنَا﴾ الْمَلَائِكَة الْمُوَكَّلُونَ بِقَبْضِ الْأَرْوَاح ﴿وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ﴾ يُقَصِّرُونَ فِيمَا يُؤْمَرُونَ بِهِ
171
٦ -
172
﴿ثُمَّ رُدُّوا﴾ أَيْ الْخَلْق ﴿إلَى اللَّه مَوْلَاهُمْ﴾ مَالِكهمْ ﴿الْحَقّ﴾ الثَّابِت الْعَدْل لِيُجَازِيَهُمْ ﴿أَلَا لَهُ الْحُكْم﴾ الْقَضَاء النَّافِذ فِيهِمْ ﴿وَهُوَ أَسْرَع الْحَاسِبِينَ﴾ يُحَاسِب الْخَلْق كُلّهمْ فِي قَدْر نِصْف نَهَار مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا لِحَدِيثٍ بِذَلِكَ
٦ -
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لِأَهْلِ مَكَّة ﴿مَنْ يُنْجِيكُمْ مِنْ ظُلُمَات الْبَرّ وَالْبَحْر﴾ أَهْوَالهمَا فِي أَسْفَاركُمْ حِين ﴿تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا﴾ عَلَانِيَة ﴿وَخُفْيَة﴾ سِرًّا تَقُولُونَ ﴿لَئِنْ﴾ لَام قَسَم ﴿أَنْجَيْتنَا﴾ وَفِي قِرَاءَة أَنْجَانَا أَيْ اللَّه ﴿مِنْ هَذِهِ﴾ الظُّلُمَات وَالشَّدَائِد ﴿لَنَكُونَنَّ مِنْ الشَّاكِرِينَ﴾ الْمُؤْمِنِينَ
٦ -
﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿اللَّه يُنَجِّيكُمْ﴾ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد ﴿مِنْهَا وَمِنْ كُلّ كَرْب﴾ غَمّ سِوَاهَا ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ تشركون﴾ به
٦ -
﴿قُلْ هُوَ الْقَادِر عَلَى أَنْ يَبْعَث عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقكُمْ﴾ مِنْ السَّمَاء كَالْحِجَارَةِ وَالصَّيْحَة ﴿أَوْ مِنْ تَحْت أَرَجُلكُمْ﴾ كَالْخَسْفِ ﴿أَوْ يُلْبِسكُمْ﴾ يَخْلِطكُمْ ﴿شِيَعًا﴾ فِرَقًا مُخْتَلِفَة الْأَهْوَاء ﴿وَيُذِيق بَعْضكُمْ بَأْس بَعْض﴾ بِالْقِتَالِ قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذَا أَهْوَن وَأَيْسَر وَلَمَّا نزل ما قبله أَعُوذ بِوَجْهِك رَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَرَوَى مُسْلِم حَدِيث سَأَلْت رَبِّي أَلَّا يَجْعَل بَأْس أُمَّتِي بَيْنهمْ فَمَنَعَنِيهَا وَفِي حَدِيث لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ أَمَا إنَّهَا كَائِنَة وَلَمْ يَأْتِ تَأْوِيلهَا بَعْد ﴿اُنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّف﴾ نُبَيِّن لَهُمْ ﴿الْآيَات﴾ الدَّلَالَات عَلَى قُدْرَتنَا ﴿لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ﴾ يَعْلَمُونَ أَنَّ مَا هُمْ عليه باطل
٦ -
﴿وَكَذَّبَ بِهِ﴾ بِالْقُرْآنِ ﴿قَوْمك وَهُوَ الْحَقّ﴾ الصِّدْق ﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿لَسْت عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ﴾ فَأُجَازِيكُمْ إنَّمَا أَنَا مُنْذِر وَأَمْركُمْ إلَى اللَّه وَهَذَا قَبْل الأمر بالقتال
٦ -
﴿لِكُلِّ نَبَإ﴾ خَبَر ﴿مُسْتَقَرّ﴾ وَقْت يَقَع فِيهِ وَيَسْتَقِرّ وَمِنْهُ عَذَابكُمْ ﴿وَسَوْف تَعْلَمُونَ﴾ تَهْدِيد لَهُمْ
172
٦ -
173
﴿وَإِذَا رَأَيْت الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتنَا﴾ الْقُرْآن بِالِاسْتِهْزَاءِ ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ وَلَا تُجَالِسهُمْ ﴿حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيث غَيْره وَإِمَّا﴾ فِيهِ إدْغَام نُون إنْ الشَّرْطِيَّة فِي مَا الْمَزِيدَة ﴿يُنْسِيَنك﴾ بِسُكُونِ النُّون وَالتَّخْفِيف وَفَتْحهَا وَالتَّشْدِيد ﴿الشَّيْطَان﴾ فَقَعَدْت مَعَهُمْ ﴿فَلَا تَقْعُد بَعْد الذِّكْرَى﴾ أَيْ تَذْكِرَة ﴿مَعَ الْقَوْم الظَّالِمِينَ﴾ فِيهِ وَضْع الظَّاهِر مَوْضِع الْمُضْمَر وقال المسلمون إن قمنا كلمنا خَاضُوا لَمْ نَسْتَطِعْ أَنْ نَجْلِس فِي الْمَسْجِد وَأَنْ نَطُوف فَنَزَلَ
٦ -
﴿وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ اللَّه ﴿مِنْ حِسَابهمْ﴾ أَيْ الْخَائِضِينَ ﴿مِنْ﴾ زَائِدَة ﴿شَيْء﴾ إذَا جَالَسُوهُمْ ﴿وَلَكِنْ﴾ عَلَيْهِمْ ﴿ذِكْرَى﴾ تَذْكِرَة لَهُمْ وَمَوْعِظَة ﴿لَعَلَّهُمْ يتقون﴾ الخوض
٧ -
﴿وَذَرْ﴾ اُتْرُكْ ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينهمْ﴾ الَّذِي كُلِّفُوهُ ﴿لَعِبًا وَلَهْوًا﴾ بِاسْتِهْزَائِهِمْ بِهِ ﴿وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ فَلَا تَتَعَرَّض لَهُمْ وَهَذَا قَبْل الْأَمْر بِالْقِتَالِ ﴿وذكر﴾ عظ ﴿به﴾ بالقرآن الناس ل ﴿أَنْ﴾ لَا ﴿تُبْسَل نَفْس﴾ تَسْلَم إلَى الْهَلَاك ﴿بما كسبت﴾ عملت ﴿ليس لهما مِنْ دُون اللَّه﴾ أَيْ غَيْره ﴿وَلِيّ﴾ نَاصِر ﴿وَلَا شَفِيع﴾ يَمْنَع عَنْهَا الْعَذَاب ﴿وَإِنْ تَعْدِل كُلّ عَدْل﴾ تَفْدِ كُلّ فِدَاء ﴿لَا يُؤْخَذ مِنْهَا﴾ مَا تَفْدِي بِهِ ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَاب مِنْ حَمِيم﴾ مَاء بَالِغ نِهَايَة الْحَرَارَة ﴿وَعَذَاب أَلِيم﴾ مُؤْلِم ﴿بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾ بكفرهم
173
٧ -
174
﴿قل أندعوا﴾ أَنَعْبُدُ ﴿مِنْ دُون اللَّه مَا لَا يَنْفَعنَا﴾ بِعِبَادَتِهِ ﴿وَلَا يَضُرّنَا﴾ بِتَرْكِهَا وَهُوَ الْأَصْنَام ﴿وَنُرَدّ عَلَى أَعْقَابنَا﴾ نَرْجِع مُشْرِكِينَ ﴿بَعْد إذْ هَدَانَا اللَّه﴾ إلَى الْإِسْلَام ﴿كَاَلَّذِي اسْتَهْوَتْهُ﴾ أَضَلَّتْهُ ﴿الشَّيَاطِين فِي الْأَرْض حَيْرَان﴾ مُتَحَيِّرًا لَا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَب حَال مِنْ الْهَاء ﴿لَهُ أَصْحَاب﴾ رُفْقَة ﴿يَدْعُونَهُ إلَى الْهُدَى﴾ أَيْ لِيُهْدُوهُ الطَّرِيق يَقُولُونَ لَهُ ﴿ائْتِنَا﴾ فَلَا يُجِيبهُمْ فَيَهْلَك وَالِاسْتِفْهَام لِلْإِنْكَارِ وَجُمْلَة التَّشْبِيه حَال مِنْ ضَمِير نُرَدّ ﴿قُلْ إنَّ هُدَى اللَّه﴾ الَّذِي هُوَ الْإِسْلَام ﴿هُوَ الْهُدَى﴾ وَمَا عَدَاهُ ضَلَال ﴿وَأُمِرْنَا لِنُسْلِم﴾ أَيْ بأن نسلم ﴿لرب العالمين﴾
٧ -
﴿وَأَنْ﴾ أَيْ بِأَنْ ﴿أَقِيمُوا الصَّلَاة وَاتَّقُوهُ﴾ تَعَالَى ﴿وَهُوَ الَّذِي إلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ تُجْمَعُونَ يَوْم الْقِيَامَة للحساب
٧ -
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ﴾ أَيْ مُحِقًّا ﴿و﴾ اُذْكُرْ ﴿يَوْم يَقُول﴾ لِلشَّيْءِ ﴿كُنْ فَيَكُون﴾ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة يَقُول لِلْخَلْقِ قُومُوا فَيَقُومُوا ﴿قَوْله الْحَقّ﴾ الصِّدْق الْوَاقِع لَا مَحَالَة ﴿وَلَهُ الْمُلْك يَوْم يُنْفَخ فِي الصُّوَر﴾ الْقَرْن النَّفْخَة الثَّانِيَة مِنْ إسْرَافِيل لَا مُلْك فِيهِ لِغَيْرِهِ ﴿لِمَنْ الْمُلْك الْيَوْم لِلَّهِ﴾ ﴿عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة﴾ مَا غَابَ وَمَا شُوهِدَ ﴿وَهُوَ الْحَكِيم﴾ فِي خَلْقه ﴿الْخَبِير﴾ بِبَاطِنِ الْأَشْيَاء كَظَاهِرِهَا
٧ -
﴿وَ﴾ اُذْكُرْ ﴿إذْ قَالَ إبْرَاهِيم لِأَبِيهِ آزَرَ﴾ هُوَ لَقَبه وَاسْمه تَارِخ ﴿أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَة﴾ تَعْبُدهَا اسْتِفْهَام تَوْبِيخ ﴿إنِّي أَرَاك وَقَوْمك﴾ بِاِتِّخَاذِهَا ﴿فِي ضَلَال﴾ عَنْ الْحَقّ ﴿مُبِين﴾ بَيِّن
٧ -
﴿وَكَذَلِكَ﴾ كَمَا أَرَيْنَاهُ إضْلَال أَبِيهِ وَقَوْمه ﴿نُرِي إبْرَاهِيم مَلَكُوت﴾ مُلْك ﴿السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ لِيَسْتَدِلّ بِهِ على وحدانيتنا ﴿وليكونن مِنْ الْمُوقِنِينَ﴾ بِهَا وَجُمْلَة وَكَذَلِكَ وَمَا بَعْدهَا اعْتِرَاض وَعُطِفَ عَلَى قَالَ
٧ -
﴿فَلَمَّا جَنَّ﴾ أَظْلَم ﴿عَلَيْهِ اللَّيْل رَأَى كَوْكَبًا﴾ قِيلَ هُوَ الزَّهْرَة ﴿قَالَ﴾ لِقَوْمِهِ وَكَانُوا نَجَّامِينَ ﴿هَذَا رَبِّي﴾ فِي زَعْمكُمْ ﴿فَلَمَّا أَفَلَ﴾ غَابَ ﴿قَالَ لَا أُحِبّ الْآفِلِينَ﴾ أَنْ أَتَّخِذهُمْ أَرْبَابًا لِأَنَّ الرَّبّ لَا يَجُوز عَلَيْهِ التَّغَيُّر وَالِانْتِقَال لِأَنَّهُمَا مِنْ شَأْن الْحَوَادِث فَلَمْ يَنْجَع فِيهِمْ ذلك
٧ -
﴿فَلَمَّا رَأَى الْقَمَر بَازِغًا﴾ طَالِعًا ﴿قَالَ﴾ لَهُمْ ﴿هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي﴾ يُثَبِّتنِي عَلَى الْهُدَى ﴿لَأَكُونَن مِنْ الْقَوْم الضَّالِّينَ﴾ تَعْرِيض لِقَوْمِهِ بِأَنَّهُمْ عَلَى ضَلَال فَلَمْ يَنْجَع فِيهِمْ ذَلِكَ
174
٧ -
175
﴿فَلَمَّا رَأَى الشَّمْس بَازِغَة قَالَ هَذَا﴾ ذَكَرَهُ لتذكير خَبَره ﴿رَبِّي هَذَا أَكْبَر﴾ مِنْ الْكَوْكَب وَالْقَمَر ﴿فَلَمَّا أَفَلَتْ﴾ وَقَوِيَتْ عَلَيْهِمْ الْحُجَّة وَلَمْ يَرْجِعُوا ﴿قَالَ يَا قَوْم إنِّي بَرِيء مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾ بِاَللَّهِ مِنْ الْأَصْنَام وَالْأَجْرَام الْمُحْدَثَة الْمُحْتَاجَة إلَى مُحْدِث فَقَالُوا لَهُ مَا تَعْبُد
٧ -
قَالَ ﴿إنِّي وَجَّهْت وَجْهِي﴾ قَصَدْت بِعِبَادَتِي ﴿لِلَّذِي فَطَرَ﴾ خَلَقَ ﴿السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ أَيْ اللَّه ﴿حَنِيفًا﴾ مَائِلًا إلَى الدِّين الْقَيِّم ﴿وَمَا أَنَا مِنْ المشركين﴾ به
٨ -
﴿وَحَاجَّهُ قَوْمه﴾ جَادَلُوهُ فِي دِينه وَهَدَّدُوهُ بِالْأَصْنَامِ أن تصيبه بسوء إن تركها ﴿قال أتحاجوني﴾ بِتَشْدِيدِ النُّون وَتَخْفِيفهَا بِحَذْفِ إحْدَى النُّونَيْنِ وَهِيَ نُون الرَّفْع عِنْد النُّحَاة وَنُون الْوِقَايَة عِنْد القراء أتجادلونني ﴿في﴾ وحدانية ﴿الله وقد هدان﴾ تعالى إليها ﴿ولا أخاف ما تشركون﴾ هـ ﴿بِهِ﴾ مِنْ الْأَصْنَام أَنْ تُصِيبنِي بِسُوءٍ لِعَدَمِ قُدْرَتهَا عَلَى شَيْء ﴿إلَّا﴾ لَكِنْ ﴿أَنْ يَشَاء رَبِّي شَيْئًا﴾ مِنْ الْمَكْرُوه يُصِيبنِي فَيَكُون ﴿وَسِعَ رَبِّي كُلّ شَيْء عِلْمًا﴾ أَيْ وَسِعَ عِلْمه كُلّ شَيْء ﴿أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ هَذَا فَتُؤْمِنُونَ
٨ -
﴿وَكَيْفَ أَخَاف مَا أَشْرَكْتُمْ﴾ بِاَللَّهِ وَهِيَ لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَع ﴿وَلَا تَخَافُونَ﴾ أَنْتُمْ مِنْ اللَّه ﴿أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاَللَّهِ﴾ فِي الْعِبَادَة ﴿مَا لَمْ يُنَزِّل بِهِ﴾ بِعِبَادَتِهِ ﴿عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا﴾ حُجَّة وَبُرْهَانًا وَهُوَ الْقَادِر عَلَى كُلّ شَيْء ﴿فَأَيّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقّ بِالْأَمْنِ﴾ أَنَحْنُ أَمْ أَنْتُمْ ﴿إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ مَنْ الْأَحَقّ بِهِ أَيْ وَهُوَ نحن فاتبعوه قال تعالى
٨ -
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا﴾ يَخْلِطُوا ﴿إيمَانهمْ بِظُلْمٍ﴾ أَيْ شِرْك كَمَا فُسِّرَ بِذَلِكَ فِي حَدِيث الصحيحين ﴿أولئك لهم الأمن﴾ من العذاب {وهم مهتدون
175
٨ -
176
﴿وَتِلْكَ﴾ مُبْتَدَأ وَيُبْدَل مِنْهُ ﴿حُجَّتنَا﴾ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا إبْرَاهِيم عَلَى وَحْدَانِيَّة اللَّه مِنْ أُفُول الْكَوْكَب وَمَا بَعْده وَالْخَبَر ﴿آتَيْنَاهَا إبْرَاهِيم﴾ أَرْشَدْنَاهُ لَهَا حُجَّة ﴿عَلَى قَوْمه نَرْفَع دَرَجَات مَنْ نَشَاء﴾ بِالْإِضَافَةِ وَالتَّنْوِين فِي الْعِلْم وَالْحِكْمَة ﴿إنَّ رَبّك حَكِيم﴾ فِي صُنْعه ﴿عَلِيم﴾ بِخَلْقِهِ
٨ -
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إسْحَاق وَيَعْقُوب﴾ ابْنه ﴿كُلًّا﴾ مِنْهُمَا ﴿هَدْينَا وَنُوحًا هَدْينَا مِنْ قَبْل﴾ أَيْ قَبْل إبْرَاهِيم ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّته﴾ أَيْ نُوح ﴿دَاوُد وَسُلَيْمَان﴾ ابنه ﴿وأيوب ويوسف﴾ بن يعقوب ﴿وموسى وهارون وكذلك﴾ كما جزيناهم ﴿نجزي المحسنين﴾
٨ -
﴿وزكريا ويحيى﴾ ابنه ﴿وعيسى﴾ بن مَرْيَم يُفِيد أَنَّ الذُّرِّيَّة تَتَنَاوَل أَوْلَاد الْبِنْت ﴿وإلياس﴾ بن أخي هارون أخي موسى ﴿كل﴾ منهم ﴿من الصالحين﴾
٨ -
﴿وإسماعيل﴾ بن إبراهيم ﴿واليسع﴾ اللام زائدة ﴿ويونس ولوطا﴾ بن هَارَانِ أَخِي إبْرَاهِيم ﴿وَكُلًّا﴾ مِنْهُمْ ﴿فَضَّلْنَا عَلَى العالمين﴾ بالنبوة
٨ -
﴿وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتهمْ وَإِخْوَانهمْ﴾ عُطِفَ عَلَى كُلًّا أَوْ نُوحًا وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ لِأَنَّ بَعْضهمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَد وَبَعْضهمْ كَانَ فِي وَلَده كافر ﴿واجتبيناهم﴾ اخترناهم ﴿وهديناهم إلى صراط مستقيم﴾
٨ -
﴿ذَلِكَ﴾ الدِّين الَّذِي هُدُوا إلَيْهِ ﴿هُدَى اللَّه يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَاده وَلَوْ أشركوا﴾ فرضا ﴿لحبط عنهم ما كانوا يعملون﴾
٨ -
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب﴾ بِمَعْنَى الْكُتُب ﴿وَالْحُكْم﴾ الْحِكْمَة ﴿وَالنُّبُوَّة فَإِنْ يَكْفُر بِهَا﴾ أَيْ بِهَذِهِ الثَّلَاثَة ﴿هَؤُلَاءِ﴾ أَيْ أَهْل مَكَّة ﴿فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا﴾ أَرْصَدْنَا لَهَا ﴿قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ هُمْ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَار
176
٩ -
177
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى﴾ هُمْ ﴿اللَّه فَبِهُدَاهُمْ﴾ طَرِيقهمْ مِنْ التَّوْحِيد وَالصَّبْر ﴿اقْتَدِهِ﴾ بِهَاءِ السَّكْت وَقْفًا وَوَصْلًا وَفِي قِرَاءَة بِحَذْفِهَا وَصْلًا ﴿قُلْ﴾ لِأَهْلِ مَكَّة ﴿لَا أَسْأَلكُمْ عَلَيْهِ﴾ أَيْ الْقُرْآن ﴿أَجْرًا﴾ تُعْطُونِيهِ ﴿إنْ هُوَ﴾ مَا الْقُرْآن ﴿إلَّا ذِكْرَى﴾ عِظَة ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾ الْإِنْس وَالْجِنّ
٩ -
﴿وَمَا قَدَرُوا﴾ أَيْ الْيَهُود ﴿اللَّه حَقّ قَدْره﴾ أَيْ مَا عَظَّمُوهُ حَقّ عَظَمَته أَوْ مَا عَرَفُوهُ حَقّ مَعْرِفَته ﴿إذْ قَالُوا﴾ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ خَاصَمُوهُ فِي الْقُرْآن ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى بَشَر مِنْ شَيْء قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ يَجْعَلُونَهُ﴾ بِالْيَاءِ وَالتَّاء فِي الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة ﴿قَرَاطِيس﴾ أَيْ يَكْتُبُونَهُ فِي دَفَاتِر مُقَطَّعَة ﴿يُبْدُونَهَا﴾ أَيْ مَا يُحِبُّونَ إبداؤه مِنْهَا ﴿وَيُخْفُونَ كَثِيرًا﴾ مِمَّا فِيهَا كَنَعْتِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿وَعَلِمْتُمْ﴾ أَيّهَا الْيَهُود فِي الْقُرْآن ﴿مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ﴾ مِنْ التَّوْرَاة بِبَيَانِ مَا الْتَبَسَ عَلَيْكُمْ وَاخْتَلَفْتُمْ فِيهِ ﴿قُلْ اللَّه﴾ أَنْزَلَهُ إنْ لَمْ يَقُولُوهُ لَا جَوَاب غَيْره ﴿ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خوضهم﴾ باطلهم ﴿يلعبون﴾
٩ -
﴿وَهَذَا﴾ الْقُرْآن ﴿كِتَاب أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَك مُصَدِّق الَّذِي بَيْن يَدَيْهِ﴾ قَبْله مِنْ الْكُتُب ﴿وَلِتُنْذِر﴾ بِالتَّاءِ وَالْيَاء عُطِفَ عَلَى مَعْنَى مَا قَبْله أَيْ أَنْزَلْنَاهُ لِلْبَرَكَةِ وَالتَّصْدِيق وَلِتُنْذِر بِهِ ﴿أُمّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلهَا﴾ أَيْ أَهْل مَكَّة وَسَائِر النَّاس ﴿وَاَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتهمْ يُحَافِظُونَ﴾ خَوْفًا مِنْ عِقَابهَا
177
٩ -
178
﴿وَمَنْ﴾ أَيْ لَا أَحَد ﴿أَظْلَم مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى الله كذبا﴾ بادعائه النُّبُوَّة وَلَمْ يُنَبَّأ ﴿أَوْ قَالَ أُوحِيَ إلَيَّ ولم يوحى إلَيْهِ شَيْء﴾ نَزَلَتْ فِي مُسَيْلِمَة ﴿وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْل مَا أَنْزَلَ اللَّه﴾ وَهُمْ الْمُسْتَهْزِئُونَ قَالُوا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْل هَذَا ﴿وَلَوْ تَرَى﴾ يَا مُحَمَّد ﴿إذْ الظَّالِمُونَ﴾ الْمَذْكُورُونَ ﴿فِي غَمَرَات﴾ سَكَرَات ﴿الْمَوْت وَالْمَلَائِكَة بَاسِطُوا أَيْدِيهمْ﴾ إلَيْهِمْ بِالضَّرْبِ وَالتَّعْذِيب يَقُولُونَ لَهُمْ تَعْنِيفًا ﴿أَخْرِجُوا أَنْفُسكُمْ﴾ إلَيْنَا لِنَقْبِضهَا ﴿الْيَوْم تُجْزَوْنَ عَذَاب الْهُون﴾ الْهَوَان ﴿بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّه غَيْر الْحَقّ﴾ بِدَعْوَى النُّبُوَّة وَالْإِيحَاء كَذِبًا ﴿وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاته تَسْتَكْبِرُونَ﴾ تَتَكَبَّرُونَ عَنْ الْإِيمَان بِهَا وَجَوَاب لَوْ رَأَيْت أَمْرًا فَظِيعًا
٩ -
﴿و﴾ يُقَال لَهُمْ إذَا بُعِثُوا ﴿لَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى﴾ مُنْفَرِدِينَ عَنْ الْأَهْل وَالْمَال وَالْوَلَد ﴿كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّل مَرَّة﴾ أَيْ حُفَاة عُرَاة غُرْلًا ﴿وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ﴾ أَعْطَيْنَاكُمْ مِنْ الْأَمْوَال ﴿وَرَاء ظُهُوركُمْ﴾ فِي الدُّنْيَا بِغَيْرِ اخْتِيَاركُمْ ﴿و﴾ يُقَال لَهُمْ تَوْبِيخًا ﴿مَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ﴾ الْأَصْنَام ﴿الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ﴾ أَيْ فِي اسْتِحْقَاق عِبَادَتكُمْ ﴿شُرَكَاء﴾ لِلَّهِ ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنكُمْ﴾ وَصْلكُمْ أَيْ تَشَتَّتَ جَمْعكُمْ وَفِي قِرَاءَة بِالنَّصْبِ ظَرْف أَيْ وَصْلكُمْ بَيْنكُمْ ﴿وَضَلَّ﴾ ذَهَبَ ﴿عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ فِي الدُّنْيَا مِنْ شَفَاعَتهَا
٩ -
﴿إنَّ اللَّه فَالِق﴾ شَاقّ ﴿الْحَبّ﴾ عَنْ النَّبَات ﴿وَالنَّوَى﴾ عَنْ النَّخْل ﴿يُخْرِج الْحَيّ مِنْ الْمَيِّت﴾ كالإنسان والطائر من النطفة والبيضة ﴿من الحي ذَلِكُمْ﴾ الْفَالِق الْمُخْرِج ﴿اللَّه فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ فَكَيْفَ تُصْرَفُونَ عَنْ الْإِيمَان مَعَ قِيَام الْبُرْهَان
٩ -
﴿فَالِق الْإِصْبَاح﴾ مَصْدَر بِمَعْنَى الصُّبْح أَيْ شَاقّ عَمُود الصُّبْح وَهُوَ أَوَّل مَا يَبْدُو مِنْ نور النهار عن ظلمة الليل ﴿وجاعل اللَّيْل سَكَنًا﴾ تَسْكُن فِيهِ الْخَلْق مِنْ التَّعَب ﴿وَالشَّمْس وَالْقَمَر﴾ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى مَحَلّ اللَّيْل ﴿حُسْبَانًا﴾ حِسَابًا لِلْأَوْقَاتِ أَوْ الْبَاء مَحْذُوفَة وَهُوَ حَال مِنْ مُقَدَّر أَيْ يَجْرِيَانِ بِحُسْبَانٍ كَمَا فِي آيَة الرَّحْمَن ﴿ذَلِكَ﴾ الْمَذْكُور ﴿تَقْدِير الْعَزِيز﴾ فِي مُلْكه {الْعَلِيم بِخَلْقِهِ
178
٩ -
179
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ النُّجُوم لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَات الْبَرّ وَالْبَحْر﴾ فِي الْأَسْفَار ﴿قَدْ فَصَّلْنَا﴾ بَيَّنَّا ﴿الْآيَات﴾ الدَّلَالَات عَلَى قُدْرَتنَا ﴿لِقَوْمٍ يعلمون﴾ يتدبرون
٩ -
﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ﴾ خَلَقَكُمْ ﴿مِنْ نَفْس وَاحِدَة﴾ هِيَ آدَم ﴿فَمُسْتَقَرّ﴾ مِنْكُمْ فِي الرَّحِم ﴿وَمُسْتَوْدَع﴾ مِنْكُمْ فِي الصُّلْب وَفِي قِرَاءَة بِفَتْحِ الْقَاف أَيْ مَكَان قَرَار لَكُمْ ﴿قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَات لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ﴾ مَا يُقَال لَهُمْ
٩ -
﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا﴾ فِيهِ الْتِفَات عَنْ الْغَيْبَة ﴿بِهِ﴾ بِالْمَاءِ ﴿نَبَات كُلّ شَيْء﴾ يَنْبُت ﴿فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ﴾ أَيْ النَّبَات شَيْئًا ﴿خَضِرًا﴾ بِمَعْنَى أَخْضَر ﴿نُخْرِج مِنْهُ﴾ مِنْ الْخَضِر ﴿حَبًّا مُتَرَاكِبًا﴾ يَرْكَب بَعْضه بَعْضًا كَسَنَابِل الْحِنْطَة وَنَحْوهَا ﴿وَمِنْ النَّخْل﴾ خَبَر وَيُبْدَل مِنْهُ ﴿مِنْ طَلْعهَا﴾ أَوَّل مَا يَخْرُج مِنْهَا وَالْمُبْتَدَأ ﴿قِنْوَان﴾ عَرَاجِين ﴿دَانِيَة﴾ قَرِيب بَعْضهَا مِنْ بَعْض ﴿و﴾ أخرجنا به ﴿جنات﴾ بَسَاتِين ﴿مِنْ أَعْنَاب وَالزَّيْتُون وَالرُّمَّان مُشْتَبِهًا﴾ وَرَقهمَا حَال ﴿وَغَيْر مُتَشَابِه﴾ ثَمَرهَا ﴿اُنْظُرُوا﴾ يَا مُخَاطَبُونَ نَظَرَ اعْتِبَار ﴿إلَى ثَمَره﴾ بِفَتْحِ الثَّاء وَالْمِيم وَبِضَمِّهِمَا وَهُوَ جَمْع ثَمَرَة كَشَجَرَةٍ وَشَجَر وَخَشَبَة وَخَشَب ﴿إذَا أَثْمَرَ﴾ أَوَّل مَا يَبْدُو كَيْفَ هو ﴿و﴾ إلى ﴿ينعه﴾ نُضْجه إذَا أَدْرَكَ كَيْفَ يَعُود ﴿إنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَات﴾ دَلَالَات عَلَى قُدْرَته تَعَالَى عَلَى الْبَعْث وَغَيْره ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ خُصُّوا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِهَا فِي الْإِيمَان بِخِلَافِ الْكَافِرِينَ
١٠ -
﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ﴾ مَفْعُول ثَانٍ ﴿شُرَكَاء﴾ مَفْعُول أَوَّل وَيُبْدَل مِنْهُ ﴿الْجِنّ﴾ حَيْثُ أَطَاعُوهُمْ فِي عِبَادَة الأوثان ﴿و﴾ قد ﴿خلقهم﴾ فكيف يكونون شُرَكَاء ﴿وَخَرَقُوا﴾ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد أَيْ اخْتَلَقُوا ﴿لَهُ بَنِينَ وَبَنَات بِغَيْرِ عِلْم﴾ حَيْثُ قَالُوا عُزَيْر بن اللَّه وَالْمَلَائِكَة بَنَات اللَّه ﴿سُبْحَانه﴾ تَنْزِيهًا لَهُ ﴿وتعالى عما يصفون﴾ بأن له ولدا
179
١٠ -
180
هو ﴿بديع السماوات والأرض﴾ مُبْدِعهمَا مِنْ غَيْر مِثَال سَبَقَ ﴿أَنَّى﴾ كَيْفَ ﴿يَكُون لَهُ وَلَد وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَة﴾ زَوْجَة ﴿وَخَلَقَ كُلّ شَيْء﴾ مِنْ شَأْنه أَنْ يُخْلَق ﴿وهو بكل شيء عليم﴾
١٠ -
﴿ذَلِكُمْ اللَّه رَبّكُمْ لَا إلَه إلَّا هُوَ خَالِق كُلّ شَيْء فَاعْبُدُوهُ﴾ وَحِّدُوهُ ﴿وَهُوَ عَلَى كل شيء وكيل﴾ حفيظ
١٠ -
﴿لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار﴾ أَيْ لَا تَرَاهُ وَهَذَا مَخْصُوص لِرُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ فِي الْآخِرَة لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وُجُوه يَوْمئِذٍ نَاضِرَة إلَى رَبّهَا نَاظِرَة﴾ وَحَدِيث الشَّيْخَيْنِ إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر وَقِيلَ الْمُرَاد لَا تُحِيط بِهِ ﴿وَهُوَ يُدْرِك الْأَبْصَار﴾ أَيْ يَرَاهَا وَلَا تَرَاهُ وَلَا يَجُوز فِي غَيْره أَنْ يُدْرِك الْبَصَر وَهُوَ لَا يُدْرِكهُ أَوْ يُحِيط بِهِ عِلْمًا ﴿وَهُوَ اللَّطِيف﴾ بِأَوْلِيَائِهِ ﴿الْخَبِير﴾ بِهِمْ
١٠ -
قُلْ يَا مُحَمَّد لَهُمْ ﴿قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِر﴾ حجج ﴿من ربكم فمن أبصر﴾ ها فَآمَنَ ﴿فَلِنَفْسِهِ﴾ أَبْصَرَ لِأَنَّ ثَوَاب إبْصَاره لَهُ ﴿وَمَنْ عَمِيَ﴾ عَنْهَا فَضَلَّ ﴿فَعَلَيْهَا﴾ وَبَال إضْلَاله ﴿وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾ رَقِيب لِأَعْمَالِكُمْ إنَّمَا أنا نذير
١٠ -
﴿وَكَذَلِكَ﴾ كَمَا بَيَّنَّا مَا ذُكِرَ ﴿نُصَرِّف﴾ نُبَيِّن ﴿الْآيَات﴾ لِيَعْتَبِرُوا ﴿وَلِيَقُولُوا﴾ أَيْ الْكُفَّار فِي عَاقِبَة الأمر ﴿دارست﴾ ذَاكَرْت أَهْل الْكِتَاب وَفِي قِرَاءَة دَرَسْت أَيْ كتب الماضين وجئت بهذا منها ﴿ولنبينه لقوم يعلمون﴾
١٠ -
﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إلَيْك مِنْ رَبّك﴾ أَيْ القرآن ﴿لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين﴾
١٠ -
﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّه مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاك عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ رَقِيبًا فَتُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ ﴿وَمَا أَنْت عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ﴾ فَتُجْبِرهُمْ عَلَى الْإِيمَان وَهَذَا قَبْل الْأَمْر بِالْقِتَالِ
180
١٠ -
181
﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ هُمْ ﴿مِنْ دُون اللَّه﴾ أَيْ الْأَصْنَام ﴿فَيَسُبُّوا اللَّه عَدْوًا﴾ اعْتِدَاء وَظُلْمًا ﴿بِغَيْرِ عِلْم﴾ أَيْ جَهْلًا مِنْهُمْ بِاَللَّهِ ﴿كَذَلِكَ﴾ كَمَا زَيَّنَّا لِهَؤُلَاءِ مَا هُمْ عَلَيْهِ ﴿زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّة عَمَلهمْ﴾ مِنْ الْخَيْر وَالشَّرّ فَأْتُوهُ ﴿ثُمَّ إلَى رَبّهمْ مَرْجِعهمْ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿فَيُنَبِّئهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ فَيُجَازِيهِمْ بِهِ
١٠ -
﴿وَأَقْسَمُوا﴾ أَيْ كُفَّار مَكَّة ﴿بِاَللَّهِ جَهْد أَيْمَانهمْ﴾ أَيْ غَايَة اجْتِهَادهمْ فِيهَا ﴿لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَة﴾ مِمَّا اقْتَرَحُوا ﴿لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿إنَّمَا الْآيَات عِنْد اللَّه﴾ يُنَزِّلهَا كَمَا يَشَاء وَإِنَّمَا أَنَا نَذِير ﴿وَمَا يُشْعِركُمْ﴾ يُدْرِيكُمْ بِإِيمَانِهِمْ إذَا جَاءَتْ أَيْ أَنْتُمْ لَا تَدْرُونَ ذَلِكَ ﴿أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ لِمَا سَبَقَ فِي عِلْمِي وَفِي قِرَاءَة بِالتَّاءِ خِطَابًا لِلْكُفَّارِ وَفِي أُخْرَى بِفَتْحِ أَنَّ بِمَعْنَى لَعَلَّ أَوْ مَعْمُولَة لما قبلها
١١ -
﴿وَنُقَلِّب أَفْئِدَتهمْ﴾ نُحَوِّل قُلُوبهمْ عَنْ الْحَقّ فَلَا يَفْهَمُونَهُ ﴿وَأَبْصَارهمْ﴾ عَنْهُ فَلَا يُبْصِرُونَهُ فَلَا يُؤْمِنُونَ ﴿كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ﴾ أَيْ بِمَا أُنْزِلَ مِنْ الْآيَات ﴿أَوَّل مَرَّة وَنَذَرهُمْ﴾ نَتْرُكهُمْ ﴿فِي طغيانهم﴾ ضلالهم ﴿يَعْمَهُونَ﴾ يَتَرَدَّدُونَ مُتَحَيَّرِينَ
١١ -
﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة وَكَلَّمَهُمْ الْمَوْتَى﴾ كَمَا اقْتَرَحُوا ﴿وَحَشَرْنَا﴾ جَمَعْنَا ﴿عَلَيْهِمْ كُلّ شَيْء قُبُلًا﴾ بِضَمَّتَيْنِ جَمْع قَبِيل أَيْ فَوْجًا فَوْجًا وَبِكَسْرِ الْقَاف وَفَتْح الْبَاء أَيْ مُعَايَنَة فَشَهِدُوا بِصِدْقِك ﴿مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا﴾ لِمَا سَبَقَ فِي عِلْم اللَّه ﴿إلَّا﴾ لَكِنْ ﴿أَنْ يَشَاء اللَّه﴾ إيمَانهمْ فَيُؤْمِنُوا ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرهمْ يَجْهَلُونَ﴾ ذَلِكَ
181
١١ -
182
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيّ عَدُوًّا﴾ كَمَا جَعَلْنَا هَؤُلَاءِ أَعْدَاءَك وَيُبْدَل مِنْهُ ﴿شَيَاطِين﴾ مَرَدَة ﴿الْإِنْس وَالْجِنّ يُوحِي﴾ يُوَسْوِس ﴿بَعْضهمْ إلَى بَعْض زُخْرُف الْقَوْل﴾ مُمَوَّهه مِنْ الْبَاطِل ﴿غُرُورًا﴾ أَيْ لِيَغُرُّوهُمْ ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبّك مَا فَعَلُوهُ﴾ أَيْ الْإِيحَاء الْمَذْكُور ﴿فَذَرْهُمْ﴾ دَعْ الْكُفَّار ﴿وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ مِنْ الْكُفْر وَغَيْره مِمَّا زُيِّنَ لَهُمْ وَهَذَا قَبْل الأمر بالقتال
١١ -
﴿وَلِتَصْغَى﴾ عُطِفَ عَلَى غُرُورًا أَيْ تَمِيل ﴿إلَيْهِ﴾ أَيْ الزُّخْرُف ﴿أَفْئِدَة﴾ قُلُوب ﴿الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا﴾ يَكْتَسِبُوا ﴿مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ﴾ مِنْ الذُّنُوب فَيُعَاقَبُوا عَلَيْهِ
١١ -
وَنَزَلَ لَمَّا طَلَبُوا مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَل بَيْنه وَبَيْنهمْ حَكَمًا قُلْ ﴿أَفَغَيْر اللَّه أَبْتَغِي﴾ أَطْلُب ﴿حَكَمًا﴾ قَاضِيًا بَيْنِي وَبَيْنكُمْ ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إلَيْكُمْ الْكِتَاب﴾ الْقُرْآن ﴿مُفَصَّلًا﴾ مُبَيَّنًا فِيهِ الْحَقّ مِنْ الْبَاطِل ﴿وَاَلَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب﴾ التَّوْرَاة كَعَبْدِ اللَّه بْن سَلَام وَأَصْحَابه ﴿يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّل﴾ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد ﴿مِنْ رَبّك بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَن مِنْ الْمُمْتَرِينَ﴾ الشَّاكِّينَ فِيهِ وَالْمُرَاد بِذَلِكَ التَّقْرِير لِلْكُفَّارِ أَنَّهُ حق
١١ -
﴿وتمت كلمات رَبّك﴾ بِالْأَحْكَامِ وَالْمَوَاعِيد ﴿صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ تَمْيِيز ﴿لَا مُبَدِّل لِكَلِمَاتِهِ﴾ بِنَقْصٍ أَوْ خَلْف ﴿وَهُوَ السَّمِيع﴾ لِمَا يُقَال ﴿الْعَلِيم﴾ بِمَا يُفْعَل
١١ -
﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَر مَنْ فِي الْأَرْض﴾ أَيْ الْكُفَّار ﴿يُضِلُّوك عَنْ سَبِيل اللَّه﴾ دِينه ﴿إنْ﴾ مَا ﴿يَتَّبِعُونَ إلَّا الظَّنّ﴾ فِي مُجَادَلَتهمْ لَك في أمر الميتة إذْ قَالُوا مَا قَتَلَ اللَّه أَحَقّ أَنْ تَأْكُلُوهُ مِمَّا قَتَلْتُمْ ﴿وَإِنْ﴾ مَا ﴿هُمْ إلَّا يَخْرُصُونَ﴾ يَكْذِبُونَ فِي ذَلِكَ
١١ -
﴿إنَّ رَبّك هُوَ أَعْلَم﴾ أَيْ عَالِم ﴿مَنْ يَضِلّ عَنْ سَبِيله وَهُوَ أَعْلَم بِالْمُهْتَدِينَ﴾ فَيُجَازِي كلا منهم
١١ -
﴿فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْم اللَّه عَلَيْهِ﴾ أَيْ ذبح على اسمه {إن كنتم بآياته مؤمنين
182
١١ -
183
﴿وما لكم أ﴾ ن ﴿لَا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْم اللَّه عَلَيْهِ﴾ مِنْ الذَّبَائِح ﴿وَقَدْ فُصِّلَ﴾ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَلِلْفَاعِلِ فِي الْفِعْلَيْنِ ﴿لَكُمْ مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾ فِي آيَة ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَة﴾ ﴿إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ﴾ مِنْهُ فَهُوَ أَيْضًا حَلَال لَكُمْ الْمَعْنَى لَا مَانِع لَكُمْ مِنْ أَكْل مَا ذُكِرَ وَقَدْ بَيَّنَ لَكُمْ الْمُحَرَّم أَكْله وَهَذَا لَيْسَ مِنْهُ ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا لَيَضِلُّونَ﴾ بِفَتْحِ الْيَاء وَضَمّهَا ﴿بِأَهْوَائِهِمْ﴾ بِمَا تَهْوَاهُ أَنْفُسهمْ مِنْ تَحْلِيل الْمَيْتَة وَغَيْرهَا ﴿بِغَيْرِ عِلْم﴾ يَعْتَمِدُونَهُ فِي ذَلِكَ ﴿إنَّ رَبّك هُوَ أَعْلَم بِالْمُعْتَدِينَ﴾ الْمُتَجَاوِزِينَ
١٢ -
﴿وَذَرُوا﴾ اُتْرُكُوا ﴿ظَاهِر الْإِثْم وَبَاطِنه﴾ عَلَانِيَته وَسِرّه ﴿والإثم قيل الزنى وَقِيلَ كُلّ مَعْصِيَة {إنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْم سَيُجْزَوْنَ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ﴾ يَكْتَسِبُونَ
١٢ -
﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَر اسْم اللَّه عَلَيْهِ﴾ بِأَنْ مَاتَ أَوْ ذُبِحَ عَلَى اسْم غَيْره وَإِلَّا فَمَا ذَبَحَهُ الْمُسْلِم وَلَمْ يُسَمِّ فِيهِ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا فَهُوَ حَلَال قَالَهُ بن عَبَّاس وَعَلَيْهِ الشَّافِعِيّ ﴿وَإِنَّهُ﴾ أَيْ الْأَكْل مِنْهُ ﴿لَفِسْق﴾ خُرُوج عَمَّا يَحِلّ ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِين لَيُوحُونَ﴾ يُوَسْوِسُونَ ﴿إلَى أَوْلِيَائِهِمْ﴾ الْكُفَّار ﴿لِيُجَادِلُوكُمْ﴾ فِي تَحْلِيل الميتة ﴿وإن أطعتموهم﴾ فيه ﴿إنكم لمشركون﴾
١٢ -
وَنَزَلَ فِي أَبِي جَهْل وَغَيْره ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا﴾ بِالْكُفْرِ ﴿فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ بِالْهُدَى ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاس﴾ يَتَبَصَّر بِهِ الْحَقّ مِنْ غَيْره وَهُوَ الْإِيمَان ﴿كَمَنْ مَثَله﴾ مَثَل زَائِدَة أَيْ كَمَنْ هُوَ ﴿فِي الظُّلُمَات لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ وَهُوَ الْكَافِر لَا ﴿كَذَلِكَ﴾ كَمَا زَيَّنَ لِلْمُؤْمِنِينَ الْإِيمَان ﴿زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ مِنْ الْكُفْر وَالْمَعَاصِي
١٢ -
﴿وكذلك﴾ كما جعلنا فساق مكة اكابرهم ﴿جَعَلْنَا فِي كُلّ قَرْيَة أَكَابِر مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا﴾ بِالصَّدِّ عَنْ الْإِيمَان ﴿وَمَا يَمْكُرُونَ إلَّا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ لِأَنَّ وَبَاله عَلَيْهِمْ ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ بِذَلِكَ
١٢ -
﴿وَإِذَا جَاءَتْهُمْ﴾ أَيْ أَهْل مَكَّة ﴿آيَة﴾ عَلَى صِدْق النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿قَالُوا لَنْ نُؤْمِن﴾ بِهِ ﴿حَتَّى نُؤْتَى مِثْل مَا أُوتِيَ رُسُل اللَّه﴾ مِنْ الرِّسَالَة وَالْوَحْي إلَيْنَا لأنا أكثر مالا وأكبر سنا قال تعالى ﴿الله أعلم حيث يجعل رسالاته﴾ بِالْجَمْعِ وَالْإِفْرَاد وَحَيْثُ مَفْعُول بِهِ لِفِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ أَعْلَم أَيْ يَعْلَم الْمَوْضِع الصَّالِح لِوَضْعِهَا فِيهِ فَيَضَعهَا وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا أَهْلًا لَهَا ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا﴾ بِقَوْلِهِمْ ذَلِكَ ﴿صَغَار﴾ ذُلّ ﴿عِنْد اللَّه وَعَذَاب شَدِيد بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ﴾ أَيْ بسبب مكرهم
183
١٢ -
184
﴿فَمَنْ يُرِدْ اللَّه أَنْ يَهْدِيه يَشْرَح صَدْره لِلْإِسْلَامِ﴾ بِأَنْ يَقْذِف فِي قَلْبه نُورًا فَيَنْفَسِح لَهُ وَيَقْبَلهُ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيث ﴿وَمَنْ يُرِدْ﴾ اللَّه ﴿أَنْ يُضِلّهُ يَجْعَل صَدْره ضَيِّقًا﴾ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد عَنْ قَبُوله ﴿حَرَجًا﴾ شَدِيد الضِّيق بِكَسْرِ الرَّاء صِفَة وَفَتْحهَا مَصْدَر وَصَفَ فِيهِ مُبَالَغَة ﴿كَأَنَّمَا يَصَّعَّد﴾ وَفِي قِرَاءَة يَصَّاعَد وَفِيهِمَا إدْغَام التَّاء فِي الْأَصْل فِي الصَّاد وَفِي أُخْرَى بِسُكُونِهَا ﴿فِي السَّمَاء﴾ إذَا كُلِّفَ الْإِيمَان لِشِدَّتِهِ عَلَيْهِ ﴿كَذَلِكَ﴾ الْجَعْل ﴿يَجْعَل اللَّه الرِّجْس﴾ العذاب أو الشيطان أي يسلطه ﴿على الذين لا يؤمنون﴾
١٢ -
﴿وَهَذَا﴾ الَّذِي أَنْت عَلَيْهِ يَا مُحَمَّد ﴿صِرَاط﴾ طَرِيق ﴿رَبّك مُسْتَقِيمًا﴾ لَا عِوَج فِيهِ وَنَصْبه عَلَى الْحَال الْمُؤَكِّد لِلْجُمْلَةِ وَالْعَامِل فِيهَا مَعْنَى الْإِشَارَة ﴿قَدْ فَصَّلْنَا﴾ بَيَّنَّا ﴿الْآيَات لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ فيه ادغام التاء في الأصل الذَّال أَيْ يَتَّعِظُونَ وَخُصُّوا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ
١٢ -
﴿لَهُمْ دَار السَّلَام﴾ أَيْ السَّلَام وَهِيَ الْجَنَّة ﴿عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون﴾
١٢ -
﴿و﴾ اذكر ﴿يَوْم نَحْشُرهُمْ﴾ بِالنُّونِ وَالْيَاء أَيْ اللَّه الْخَلْق ﴿جَمِيعًا﴾ وَيُقَال لَهُمْ ﴿يَا مَعْشَر الْجِنّ قَدْ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ الْإِنْس﴾ بِإِغْوَائِكُمْ ﴿وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ﴾ الَّذِينَ أَطَاعُوهُمْ ﴿مِنْ الْإِنْس رَبّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضنَا بِبَعْضٍ﴾ انْتَفَعَ الْإِنْس بِتَزْيِينِ الْجِنّ لَهُمْ الشَّهَوَات وَالْجِنّ بِطَاعَةِ الْإِنْس لَهُمْ ﴿وَبَلَغْنَا أَجَلنَا الَّذِي أَجَّلْت لَنَا﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة وَهَذَا تَحَسُّر مِنْهُمْ ﴿قَالَ﴾ تَعَالَى لَهُمْ عَلَى لِسَان الْمَلَائِكَة ﴿النَّار مَثْوَاكُمْ﴾ مَأْوَاكُمْ ﴿خَالِدِينَ فِيهَا إلَّا مَا شَاءَ اللَّه﴾ مِنْ الْأَوْقَات الَّتِي يَخْرُجُونَ فِيهَا لِشُرْبِ الْحَمِيم فَإِنَّهُ خَارِجهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿ثُمَّ إن مرجعهم لإلى الجحيم﴾ وعن بن عَبَّاس أَنَّهُ فِيمَنْ عَلِمَ اللَّه أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ فَمَا بِمَعْنَى مِنْ ﴿إنَّ رَبّك حَكِيم﴾ فِي صُنْعه ﴿عَلِيم﴾ بِخَلْقِهِ
184
١٢ -
185
﴿وَكَذَلِكَ﴾ كَمَا مَتَّعْنَا عُصَاة الْإِنْس وَالْجِنّ بَعْضهمْ بِبَعْضٍ ﴿نُولِي﴾ مِنْ الْوِلَايَة ﴿بَعْض الظَّالِمِينَ بَعْضًا﴾ أَيْ عَلَى بَعْض ﴿بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ مِنْ المعاصي
١٣ -
﴿يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُل مِنْكُمْ﴾ أَيْ مِنْ مَجْمُوعكُمْ أَيْ بَعْضكُمْ الصَّادِق بِالْإِنْسِ أَوْ رُسُل الْجِنّ نُذُرهمْ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلَام الرُّسُل فَيُبَلِّغُونَ قَوْمهمْ ﴿يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أنفسنا﴾ أن قد بلغنا قال تعالى ﴿وغرتهم الحياة الدنيا﴾ فلم يؤمنوا ﴿وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين﴾
١٣ -
﴿ذَلِكَ﴾ أَيْ إرْسَال الرُّسُل ﴿أَنَّ﴾ اللَّام مُقَدَّرَة وَهِيَ مُخَفَّفَة أَيْ لِأَنَّهُ ﴿لَمْ يَكُنْ رَبّك مُهْلِك الْقُرَى بِظُلْمٍ﴾ مِنْهَا ﴿وَأَهْلهَا غَافِلُونَ﴾ لَمْ يُرْسَل إلَيْهِمْ رَسُول يُبَيِّن لَهُمْ
١٣ -
﴿ولكل﴾ من العالمين ﴿دَرَجَات﴾ جَزَاء ﴿مِمَّا عَمِلُوا﴾ مِنْ خَيْر وَشَرّ ﴿وَمَا رَبّك بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ بِالْيَاءِ وَالتَّاء
١٣ -
﴿وَرَبّك الْغَنِيّ﴾ عَنْ خَلْقه وَعِبَادَتهمْ ﴿ذُو الرَّحْمَة إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ يَا أَهْل مَكَّة بِالْإِهْلَاكِ ﴿وَيَسْتَخْلِف مِنْ بَعْدكُمْ مَا يَشَاء﴾ مِنْ الْخَلْق ﴿كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّة قَوْم آخَرِينَ﴾ أَذْهَبهُمْ ولكنه أبقاكم رحمة لكم
١٣ -
﴿إنما تُوعَدُونَ﴾ مِنْ السَّاعَة وَالْعَذَاب ﴿لَآتٍ﴾ لَا مَحَالَة ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ فَائِتِينَ عَذَابنَا
١٣ -
﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿يَا قَوْم اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتكُمْ﴾ حَالَتكُمْ ﴿إنِّي عَامِل﴾ عَلَى حَالَتِي ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ﴾ مَوْصُولَة مَفْعُول الْعِلْم ﴿تَكُون لَهُ عَاقِبَة الدَّار﴾ أَيْ الْعَاقِبَة الْمَحْمُودَة فِي الدَّار الْآخِرَة أَنَحْنُ أَمْ أَنْتُمْ ﴿إنَّهُ لَا يُفْلِح﴾ يَسْعَد ﴿الظالمون﴾ الكافرون
185
١٣ -
186
﴿وَجَعَلُوا﴾ أَيْ كُفَّار مَكَّة ﴿لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ﴾ خَلَقَ ﴿مِنْ الْحَرْث﴾ الزَّرْع ﴿وَالْأَنْعَام نَصِيبًا﴾ يَصْرِفُونَهُ إلَى الضِّيفَان وَالْمَسَاكِين وَلِشُرَكَائِهِمْ نَصِيبًا يَصْرِفُونَهُ إلَى سَدَنَتهَا ﴿فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ﴾ بِالْفَتْحِ وَالضَّمّ ﴿وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا﴾ فَكَانُوا إذَا سَقَطَ فِي نَصِيب اللَّه شَيْء مِنْ نَصِيبهَا الْتَقَطُوهُ أَوْ فِي نَصِيبهَا شَيْء مِنْ نَصِيبه تَرَكُوهُ وَقَالُوا إنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ هَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِل إلَى اللَّه﴾ أَيْ لِجِهَتِهِ ﴿وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِل إلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ﴾ بِئْسَ ﴿مَا يَحْكُمُونَ﴾ حُكْمهمْ هذا
١٣ -
﴿وَكَذَلِكَ﴾ كَمَا زُيِّنَ لَهُمْ مَا ذُكِرَ ﴿زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَتْل أَوْلَادهمْ﴾ بِالْوَأْدِ ﴿شُرَكَاؤُهُمْ﴾ مِنْ الْجِنّ بِالرَّفْعِ فَاعِل زُيِّنَ وَفِي قِرَاءَة بِبِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ وَرَفْع قَتْل وَنَصْب الْأَوْلَاد بِهِ وَجَرّ شُرَكَائِهِمْ بِإِضَافَتِهِ وَفِيهِ الْفَصْل بَيْن الْمُضَاف والمضاف إليه بالمفعول ولا يضر وإضافته الْقَتْل إلَى الشُّرَكَاء لِأَمْرِهِمْ بِهِ ﴿لِيُرْدُوهُمْ﴾ يُهْلِكُوهُمْ ﴿وليلبسوا﴾ يخلطوا ﴿عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون﴾
١٣ -
﴿وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَام وَحَرْث حِجْر﴾ حَرَام ﴿لَا يَطْعَمهَا إلَّا مَنْ نَشَاء﴾ مِنْ خَدَمَة الْأَوْثَان وَغَيْرهمْ ﴿بِزَعْمِهِمْ﴾ أَيْ لَا حُجَّة لَهُمْ فِيهِ ﴿وَأَنْعَام حُرِّمَتْ ظُهُورهَا﴾ فَلَا تُرْكَب كَالسَّوَائِبِ وَالْحَوَامِي ﴿وَأَنْعَام لَا يَذْكُرُونَ اسْم اللَّه عَلَيْهَا﴾ عِنْد ذَبْحهَا بَلْ يَذْكُرُونَ اسْم أَصْنَامهمْ وَنَسَبُوا ذَلِكَ إلَى اللَّه ﴿افْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يفترون﴾ عليه
186
١٣ -
187
﴿وَقَالُوا مَا فِي بُطُون هَذِهِ الْأَنْعَام﴾ الْمُحَرَّمَة وَهِيَ السَّوَائِب وَالْبَحَائِر ﴿خَالِصَة﴾ حَلَال ﴿لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّم عَلَى أَزْوَاجنَا﴾ أَيْ النِّسَاء ﴿وَإِنْ تَكُنْ مَيْتَة﴾ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْب مَعَ تَأْنِيث الْفِعْل وَتَذْكِيره ﴿فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ﴾ اللَّه ﴿وَصْفَهُمْ﴾ ذَلِكَ بِالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيم أَيْ جَزَاءَهُ ﴿إنَّهُ حَكِيم﴾ فِي صُنْعه ﴿عليم﴾ بخلقه
١٤ -
﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا﴾ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيد ﴿أَوْلَادهمْ﴾ بِالْوَأْدِ ﴿سَفَهًا﴾ جَهْلًا ﴿بِغَيْرِ عِلْم وَحَرَّمُوا مَا رزقهم الله﴾ مما ذكر ﴿افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين﴾
١٤ -
﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ﴾ خَلَقَ ﴿جَنَّات﴾ بَسَاتِين ﴿مَعْرُوشَات﴾ مَبْسُوطَات عَلَى الْأَرْض كَالْبِطِّيخِ ﴿وَغَيْر مَعْرُوشَات﴾ بِأَنْ ارتفعت على ساق كالنخل ﴿و﴾ أنشأ ﴿النخل والزرع مختلفا أكله﴾ ثَمَره وَحَبّه فِي الْهَيْئَة وَالطَّعْم ﴿وَالزَّيْتُون وَالرُّمَّان مُتَشَابِهًا﴾ وَرَقهمَا حَال ﴿وَغَيْر مُتَشَابِه﴾ طَعْمهمَا ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَره إذَا أَثْمَرَ﴾ قَبْل النَّضْج ﴿وَآتُوا حَقّه﴾ زَكَاته ﴿يَوْم حَصَاده﴾ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْر مِنْ الْعُشْر أَوْ نِصْفه ﴿وَلَا تُسْرِفُوا﴾ بِإِعْطَاءِ كُلّه فَلَا يَبْقَى لِعِيَالِكُمْ شَيْء ﴿إنَّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ﴾ الْمُتَجَاوِزِينَ مَا حُدَّ لَهُمْ
١٤ -
﴿وَ﴾ أَنْشَأَ ﴿مِنْ الْأَنْعَام حَمُولَة﴾ صَالِحَة لِلْحَمْلِ عَلَيْهَا كَالْإِبِلِ الْكِبَار ﴿وَفَرْشًا﴾ لَا تَصْلُح لَهُ كَالْإِبِلِ الصِّغَار وَالْغَنَم سُمِّيَتْ فُرُشًا لِأَنَّهَا كَالْفُرُشِ لِلْأَرْضِ لِدُنُوِّهَا مِنْهَا ﴿كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّه وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَات الشَّيْطَان﴾ طَرَائِقه مِنْ التَّحْرِيم وَالتَّحْلِيل ﴿إنَّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِين﴾ بَيِّن الْعَدَاوَة
187
١٤ -
188
﴿ثَمَانِيَة أَزْوَاج﴾ أَصْنَاف بَدَل مِنْ حَمُولَة وَفُرُشًا ﴿مِنْ الضَّأْن﴾ زَوْجَيْنِ ﴿اثْنَيْنِ﴾ ذَكَر وَأُنْثَى ﴿وَمِنْ الْمَعْز﴾ بِالْفَتْحِ وَالسُّكُون ﴿اثْنَيْنِ قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لمن حرم ذكور الأنعام تارة وإناثها أُخْرَى وَنَسَبَ ذَلِكَ إلَى اللَّه ﴿آلذَّكَرَيْنِ﴾ مِنْ الضَّأْن وَالْمَعْز ﴿حَرَّمَ﴾ اللَّه عَلَيْكُمْ ﴿أَمْ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ مِنْهُمَا ﴿أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَام الْأُنْثَيَيْنِ﴾ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ﴿نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ﴾ عَنْ كَيْفِيَّة تَحْرِيم ذَلِكَ ﴿إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ فِيهِ الْمَعْنَى مِنْ أَيْنَ جَاءَ التَّحْرِيم فَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَل الذُّكُورَة فَجَمِيع الذُّكُور حَرَام أَوْ الْأُنُوثَة فَجَمِيع الْإِنَاث أَوْ اشْتِمَال الرَّحِم فَالزَّوْجَانِ فَمِنْ أَيْنَ التَّخْصِيص وَالِاسْتِفْهَام لِلْإِنْكَارِ
١٤ -
﴿وَمِنْ الْإِبِل اثْنَيْنِ وَمِنْ الْبَقَر اثْنَيْنِ قُلْ آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَام الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ﴾ بَلْ ﴿كُنْتُمْ شُهَدَاء﴾ حُضُورًا ﴿إذْ وَصَّاكُمْ اللَّه بِهَذَا﴾ التَّحْرِيم فَاعْتَمَدْتُمْ ذَلِكَ لَا بَلْ أَنْتُمْ كَاذِبُونَ فِيهِ ﴿فَمَنْ﴾ أَيْ لَا أَحَد ﴿أَظْلَم مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى الله كذبا﴾ بذلك ﴿ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين﴾
١٤ -
﴿قل لا أجد فيما أُوحِيَ إلَيَّ﴾ شَيْئًا ﴿مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِم يَطْعَمهُ إلَّا أَنْ يَكُون﴾ بِالْيَاءِ وَالتَّاء ﴿مَيْتَة﴾ بِالنَّصْبِ وَفِي قِرَاءَة بِالرَّفْعِ مَعَ التَّحْتَانِيَّة ﴿أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا﴾ سَائِلًا بِخِلَافِ غَيْره كَالْكَبِدِ وَالطِّحَال ﴿أَوْ لَحْم خِنْزِير فَإِنَّهُ رِجْس﴾ حَرَام ﴿أَوْ﴾ إلَّا أَنْ يَكُون ﴿فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّه بِهِ﴾ أَيْ ذُبِحَ عَلَى اسْم غَيْره ﴿فَمَنْ اُضْطُرَّ﴾ إلَى شَيْء مِمَّا ذُكِرَ فَأَكَلَهُ ﴿غَيْر بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبّك غَفُور﴾ لَهُ مَا أَكَلَ ﴿رَحِيم﴾ بِهِ وَيُلْحَق بِمَا ذُكِرَ بِالسُّنَّةِ كُلّ ذِي نَابَ مِنْ السِّبَاع وَمِخْلَب مِنْ الطير
188
١٤ -
189
﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا﴾ أَيْ الْيَهُود ﴿حَرَّمْنَا كُلّ ذِي ظُفُر﴾ وَهُوَ مَا لَمْ تُفَرَّق أَصَابِعه كَالْإِبِلِ وَالنَّعَام ﴿وَمِنْ الْبَقَر وَالْغَنَم حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومهمَا﴾ الثُّرُوب وَشَحْم الْكُلَى ﴿إلَّا مَا حَمَلَتْ ظهورها﴾ أَيْ مَا عَلِقَ بِهَا مِنْهُ ﴿أَوْ﴾ حَمَلَتْهُ ﴿الْحَوَايَا﴾ الْأَمْعَاء جَمْع حَاوِيَاء أَوْ حَاوِيَة ﴿أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ﴾ مِنْهُ وَهُوَ شَحْم الْأَلْيَة فَإِنَّهُ أُحِلَّ لَهُمْ ﴿ذَلِكَ﴾ التَّحْرِيم ﴿جَزَيْنَاهُمْ﴾ بِهِ ﴿بِبَغْيِهِمْ﴾ بِسَبَبِ ظُلْمهمْ بِمَا سَبَقَ فِي سُورَة النِّسَاء ﴿وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ فِي أَخْبَارنَا وَمَوَاعِيدنَا
١٤ -
﴿فَإِنْ كَذَّبُوك﴾ فِيمَا جِئْت بِهِ ﴿فَقُلْ﴾ لَهُمْ ﴿رَبّكُمْ ذُو رَحْمَة وَاسِعَة﴾ حَيْثُ لَمْ يُعَاجِلكُمْ بِالْعُقُوبَةِ وَفِيهِ تَلَطُّف بِدُعَائِهِمْ إلَى الْإِيمَان ﴿وَلَا يرد بأسه﴾
عذابه إذا جاء ﴿عن القوم المجرمين﴾
١٤ -
﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّه مَا أَشْرَكنَا﴾ نَحْنُ ﴿وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْء﴾ فَإِشْرَاكنَا وَتَحْرِيمنَا بِمَشِيئَتِهِ فَهُوَ رَاضٍ بِهِ قال تعالى ﴿كَذَلِكَ﴾ كَمَا كَذَّبَ هَؤُلَاءِ ﴿كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ﴾ رُسُلهمْ ﴿حَتَّى ذَاقُوا بَأْسنَا﴾ عَذَابنَا ﴿قُلْ هَلْ عِنْدكُمْ مِنْ عِلْم﴾ بِأَنَّ اللَّه رَاضٍ بِذَلِكَ ﴿فَتُخْرِجُوهُ لَنَا﴾ أَيْ لَا عِلْم عِنْدكُمْ ﴿إنْ﴾ مَا ﴿تَتَّبِعُونَ﴾ فِي ذَلِكَ ﴿إلَّا الظَّنّ وَإِنْ﴾ مَا ﴿أَنْتُمْ إلَّا تَخْرُصُونَ﴾ تَكْذِبُونَ فِيهِ
١٤ -
﴿قل﴾ إن لم يكن حُجَّة ﴿فَلِلَّهِ الْحُجَّة الْبَالِغَة﴾ التَّامَّة ﴿فَلَوْ شَاءَ﴾ هدايتكم ﴿لهداكم أجمعين﴾
١٥ -
﴿قُلْ هَلُمَّ﴾ أَحْضِرُوا ﴿شُهَدَاءَكُمْ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّه حَرَّمَ هَذَا﴾ الَّذِي حَرَّمْتُمُوهُ ﴿فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَد مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِع أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاَلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ يُشْرِكُونَ
189
١٥ -
190
﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ﴾ أَقْرَأ ﴿مَا حَرَّمَ رَبّكُمْ عَلَيْكُمْ أَ﴾ نْ مُفَسِّرَة ﴿لَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَ﴾ أَحْسِنُوا ﴿بِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادكُمْ﴾ بِالْوَأْدِ ﴿مِنْ﴾ أَجْل ﴿إمْلَاق﴾ فَقْر تَخَافُونَهُ ﴿نَحْنُ نَرْزُقكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِش﴾ الْكَبَائِر كَالزِّنَا ﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ أَيْ عَلَانِيَتهَا وَسِرّهَا ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه إلَّا بِالْحَقِّ﴾ كَالْقَوَدِ وَحَدّ الرِّدَّة وَرَجْم الْمُحْصَن ﴿ذَلِكُمْ﴾ الْمَذْكُور ﴿وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ تتدبرون
١٥ -
﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَال الْيَتِيم إلَّا بِاَلَّتِي﴾ أَيْ الخصلة الَّتِي ﴿هِيَ أَحْسَن﴾ وَهِيَ مَا فِيهِ صَلَاحه ﴿حَتَّى يَبْلُغ أَشُدّهُ﴾ بِأَنْ يَحْتَلِم ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْل وَالْمِيزَان بِالْقِسْطِ﴾ بِالْعَدْلِ وَتَرْك الْبَخْس ﴿لَا نُكَلِّف نَفْسًا إلَّا وُسْعهَا﴾ طَاقَتهَا فِي ذَلِكَ فَإِنْ أَخْطَأَ فِي الْكَيْل وَالْوَزْن وَاَللَّه يَعْلَم صِحَّة نِيَّته فَلَا مُؤَاخَذَة عَلَيْهِ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيث ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ﴾ فِي حُكْم أَوْ غَيْره ﴿فَاعْدِلُوا﴾ بِالصِّدْقِ ﴿وَلَوْ كَانَ﴾ الْمَقُول لَهُ أَوْ عَلَيْهِ ﴿ذَا قُرْبَى﴾ قَرَابَة ﴿وَبِعَهْدِ اللَّه أَوْفُوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون﴾ بالتشديد والسكون تتعظون
١٥ -
﴿وَأَنَّ﴾ بِالْفَتْحِ عَلَى تَقْدِير اللَّام وَالْكَسْر اسْتِئْنَافًا ﴿هَذَا﴾ الَّذِي وَصَّيْتُكُمْ بِهِ ﴿صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا﴾ حَال ﴿فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُل﴾ الطُّرُق الْمُخَالِفَة لَهُ ﴿فَتَفَرَّقَ﴾ فِيهِ حَذْف إحْدَى التَّاءَيْنِ تَمِيل ﴿بِكُمْ عن سبيله﴾ دينه ﴿ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون﴾
١٥ -
﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب﴾ التَّوْرَاة وَثُمَّ لِتَرْتِيبِ الْأَخْبَار ﴿تَمَامًا﴾ لِلنِّعْمَةِ ﴿عَلَى الَّذِي أَحْسَن﴾ بِالْقِيَامِ بِهِ ﴿وَتَفْصِيلًا﴾ بَيَانًا ﴿لِكُلِّ شَيْء﴾
يُحْتَاج إلَيْهِ فِي الدِّين ﴿وَهُدًى وَرَحْمَة لَعَلَّهُمْ﴾ أَيْ بَنِي إسرائيل ﴿بلقاء ربهم﴾ بالبعث ﴿يؤمنون﴾
١٥ -
﴿وَهَذَا﴾ الْقُرْآن ﴿كِتَاب أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَك فَاتَّبِعُوهُ﴾ يَا أَهْل مَكَّة بِالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ ﴿وَاتَّقُوا﴾ الْكُفْر {لعلكم ترحمون
190
١٥ -
191
أَنْزَلْنَاهُ ل ﴿أَنْ﴾ لَا ﴿تَقُولُوا إنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَاب عَلَى طَائِفَتَيْنِ﴾ الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿مِنْ قَبْلنَا وَإِنْ﴾ مُخَفَّفَة وَاسْمهَا مَحْذُوف أَيْ إنَّا ﴿كُنَّا عَنْ دِرَاسَتهمْ﴾ قِرَاءَتهمْ ﴿لَغَافِلِينَ﴾ لِعَدَمِ مَعْرِفَتنَا لَهَا إذْ لَيْسَتْ بِلُغَتِنَا
١٥ -
﴿أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَاب لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ﴾ لِجَوْدَةِ أَذْهَاننَا ﴿فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَة﴾ بَيَان ﴿مِنْ رَبّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَة﴾ لِمَنْ اتَّبَعَهُ ﴿فَمَنْ﴾ أَيْ لَا أَحَد ﴿أَظْلَم مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّه وَصَدَف﴾ أَعْرَض ﴿عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتنَا سُوء الْعَذَاب﴾ أَيْ أشده ﴿بما كانوا يصدفون﴾
١٥ -
﴿هَلْ يُنْظَرُونَ﴾ مَا يَنْتَظِر الْمُكَذِّبُونَ ﴿إلَّا أَنْ تَأْتِيهِمْ﴾ بِالتَّاءِ وَالْيَاء ﴿الْمَلَائِكَة﴾ لِقَبْضِ أَرْوَاحهمْ ﴿أَوْ يَأْتِيَ رَبّك﴾ أَيْ أَمْره بِمَعْنَى عَذَابه ﴿أَوْ يَأْتِي بَعْض آيَات رَبّك﴾ أَيْ عَلَامَاته الدَّالَّة عَلَى السَّاعَة ﴿يَوْم يَأْتِي بَعْض آيَات رَبّك﴾ وَهِيَ طُلُوع الشَّمْس مِنْ مَغْرِبهَا كَمَا فِي حَدِيث الصَّحِيحَيْنِ ﴿لَا يَنْفَع نَفْسًا إيمَانهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْل﴾ الْجُمْلَة صِفَة النَّفْس ﴿أَوْ﴾ نَفْسًا لَمْ تَكُنْ ﴿كَسَبَتْ فِي إيمَانهَا خيرا﴾ طاعة أي لا ينفعها تَوْبَتهَا كَمَا فِي الْحَدِيث ﴿قُلْ انْتَظِرُوا﴾ أَحَد هَذِهِ الْأَشْيَاء ﴿إنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾ ذَلِكَ
١٥ -
﴿إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينهمْ﴾ بِاخْتِلَافِهِمْ فِيهِ فَأَخَذُوا بَعْضه وَتَرَكُوا بَعْضه ﴿وَكَانُوا شِيَعًا﴾ فِرَقًا فِي ذَلِكَ وَفِي قِرَاءَة فَارَقُوا أَيْ تَرَكُوا دِينهمْ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ وَهُمْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿لَسْت مِنْهُمْ فِي شَيْء﴾ أَيْ فَلَا تَتَعَرَّض لَهُمْ ﴿إنَّمَا أَمْرهمْ إلَى اللَّه﴾ يَتَوَلَّاهُ ﴿ثُمَّ يُنَبِّئهُمْ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ فَيُجَازِيهِمْ بِهِ وَهَذَا مَنْسُوخ بِآيَةِ السَّيْف
١٦ -
﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ﴾ أَيْ لَا إلَه إلَّا اللَّه ﴿فَلَهُ عَشْر أَمْثَالهَا﴾ أَيْ جَزَاء عَشْر حَسَنَات ﴿وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إلَّا مِثْلهَا﴾ أَيْ جَزَاءَهُ ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ يُنْقَصُونَ مِنْ جَزَائِهِمْ شَيْئًا
191
١٦ -
192
﴿قُلْ إنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إلَى صِرَاط مُسْتَقِيم﴾ ويبدل من محله ﴿دينا قيما﴾ مستقيما ﴿ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين﴾
١٦ -
﴿قُلْ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي﴾ عِبَادَتِي مِنْ حَجّ وغيره ﴿ومحياي﴾ حياتي ﴿ومماتي﴾ موتي ﴿لله رب العالمين﴾
١٦ -
﴿لَا شَرِيك لَهُ﴾ فِي ذَلِكَ ﴿وَبِذَلِكَ﴾ أَيْ التَّوْحِيد ﴿أُمِرْت وَأَنَا أَوَّل الْمُسْلِمِينَ﴾ مِنْ هَذِهِ الأمة
١٦ -
﴿قُلْ أَغَيْر اللَّه أَبْغِي رَبًّا﴾ إلَهًا أَيْ لَا أَطْلُب غَيْره ﴿وَهُوَ رَبّ﴾ مَالِك ﴿كُلّ شَيْء وَلَا تَكْسِب كُلّ نَفْس﴾ ذَنْبًا ﴿إلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِر﴾ تَحْمِل نَفْس ﴿وَازِرَة﴾ آثِمَة ﴿وزر﴾ نفس ﴿أخرى ثُمَّ إلَى رَبّكُمْ مَرْجِعكُمْ فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فيه تختلفون﴾
١٦ -
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِف الْأَرْض﴾ جَمْع خَلِيفَة أَيْ يَخْلُف بَعْضكُمْ بَعْضًا فِيهَا ﴿وَرَفَعَ بَعْضكُمْ فَوْق بَعْض دَرَجَات﴾ بِالْمَالِ وَالَجَاه وَغَيْر ذَلِكَ ﴿ليبلوكم﴾ ليختبركم ﴿فيما آتَاكُمْ﴾ أَعْطَاكُمْ لِيَظْهَر الْمُطِيع مِنْكُمْ وَالْعَاصِي ﴿إنَّ رَبّك سَرِيع الْعِقَاب﴾ لِمَنْ عَصَاهُ ﴿وَإِنَّهُ لَغَفُور﴾ للمؤمنين ﴿رحيم﴾ بهم = ٧ سورة الأعراف

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الأنعام
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

لم تَحْتَوِ سورةُ (الأنعام) على كثيرٍ من الأحكام الشَّرعية كأخواتِها من السُّوَر الطِّوال؛ بل اهتمَّت بتحقيقِ مقصدٍ عظيم؛ وهو (توحيدُ الألوهية، وتثبيتُ مسائلِ العقيدة)، وكما قال أبو إسحاقَ الأَسْفَرَائينيُّ: «في سورةِ الأنعام كلُّ قواعدِ التوحيد»؛ فقد رسَمتِ السورةُ معالمَ على طريق الهداية، ذاكرةً قصَّةَ إبراهيمَ في البحث عن الحنيفيَّةِ الخالصة بما حَوَتْهُ من حُجَجٍ عقلية، وبراهينَ قاطعة؛ فعنايةُ السورة بالعقيدة كانت واضحةً جليَّة؛ لكي يُحقِّقَ العبدُ ما افتُتحت به السورةُ: {اْلْحَمْدُ لِلَّهِ اْلَّذِي خَلَقَ اْلسَّمَٰوَٰتِ وَاْلْأَرْضَ} [الأنعام: 1].

ترتيبها المصحفي
6
نوعها
مكية
ألفاظها
3055
ترتيب نزولها
55
العد المدني الأول
167
العد المدني الأخير
167
العد البصري
166
العد الكوفي
165
العد الشامي
166

* قوله تعالى: ﴿وَلَا تَطْرُدِ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلْغَدَوٰةِ وَاْلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٖ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٖ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ اْلظَّٰلِمِينَ﴾ [الأنعام: 52]:

عن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه، قال: «فِيَّ نزَلتْ: ﴿وَلَا تَطْرُدِ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلْغَدَوٰةِ وَاْلْعَشِيِّ [الأنعام: 52].

قال: نزَلتْ في ستَّةٍ؛ أنا وابنُ مسعودٍ منهم، وكان المشركون قالوا له: تُدْني هؤلاء؟!».

وفي روايةٍ: «كنَّا مع النبيِّ ﷺ في ستَّةِ نفَرٍ، فقال المشركون للنبيِّ ﷺ: اطرُدْ هؤلاء؛ لا يَجترِئون علينا!

قال: وكنتُ أنا وابنُ مسعودٍ ورجُلٌ مِن هُذَيلٍ وبلالٌ ورجُلانِ لستُ أُسمِّيهما، فوقَعَ في نفسِ رسولِ اللهِ ﷺ ما شاءَ أن يقَعَ، فحدَّثَ نفسَهُ؛ فأنزَلَ اللهُ: ﴿وَلَا تَطْرُدِ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلْغَدَوٰةِ وَاْلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٖ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٖ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ اْلظَّٰلِمِينَ﴾ [الأنعام: 52]». أخرجه مسلم (٢٤١٣).

* قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اْسْمُ اْللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: 121]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «جاءت اليهودُ إلى النبيِّ ﷺ، فقالوا: نأكلُ ممَّا قتَلْنا، ولا نأكلُ ممَّا قتَلَ اللهُ؟ فأنزَلَ اللهُ: ﴿وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اْسْمُ اْللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: 121] إلى آخِرِ الآيةِ». أخرجه أبو داود (٢٨١٩).

* قوله تعالى: ﴿مَن جَآءَ بِاْلْحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشْرُ أَمْثَالِهَاۖ﴾ [الأنعام: 160]:

صحَّ عن أبي ذَرٍّ الغِفَاريِّ رضي الله عنه أنه قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «مَن صامَ ثلاثةَ أيَّامٍ مِن كلِّ شهرٍ، فذلك صيامُ الدَّهْرِ؛ فأنزَلَ اللهُ تصديقَ ذلك في كتابِهِ: ﴿مَن جَآءَ بِاْلْحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشْرُ أَمْثَالِهَاۖ﴾ [الأنعام: 160]؛ فاليومُ بعشَرةِ أيَّامٍ». أخرجه الترمذي (٧٦٢).


سُمِّيتْ سورةُ (الأنعام) بذلك؛ لأنَّها السورةُ التي عرَضتْ لذِكْرِ (الأنعام) على تفصيلٍ لم يَرِدْ في غيرها من السُّوَر.

* جاء في فضلِ سورة (الأنعام): أنَّها نزَلتْ وحولها سبعون ألفَ مَلَكٍ يُسبِّحون:

دلَّ على ذلك ما رواه ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: «نزَلتْ سورةُ الأنعامِ بمكَّةَ ليلًا جُمْلةً، حولَها سبعون ألفَ مَلَكٍ، يَجأرون حولها بالتَّسْبيحِ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلَّام (ص240)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في "عمدة التفسير" (1/761).

وقريبٌ منه ما جاء عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ سورةُ الأنعامِ على النَّبيِّ ﷺ ومعها مَوكِبٌ مِن الملائكةِ سَدَّ ما بين الخافِقَينِ، لهم زَجَلٌ بالتَّسْبيحِ والتَّقْديسِ، والأرضُ تَرتَجُّ، ورسولُ اللهِ ﷺ يقولُ: سُبْحانَ اللهِ العظيمِ، سُبْحانَ اللهِ العظيمِ». "المعجم الأوسط" للطبراني (٦٤٤٧).

اشتمَلتِ السُّورةُ على عِدَّة موضوعات جاءت مُرتَّبةً كالآتي:

الاستفتاح بالحمد، وخَلْق الإنسان وبَعْثه (١-٣).

إعراض المشركين (٤-١١).

مع الله حُجَج بالغة (١٢-٢٠).

في موقف الحشر (٢٢-٣٢).

تسليةٌ وتثبيت (٣٣-٣٥).

لماذا الإعراض؟ (٣٦-٤١).

سُنَنٌ ربانية (٤٢-٤٧).

مهمة الرسل عليهم السلام (٤٨- ٥٨).

مفاتيح الغيب (٥٩-٦٧).

تجنُّب مجال الخائضين (٦٨-٧٠).

معالمُ على طريق الهداية (٧١-٧٣).

قصة إبراهيمَ عليه السلام (٧٤-٩٠).

الاحتجاج على منكِري البعث (٩١-٩٤).

من دلائلِ القدرة (٩٥-٩٩).

الرد على مزاعمِ المشركين، وتقرير العقيدة (١٠٠-١٠٥).

منهج التعامل مع المشركين (١٠٦-١٠٨).

تعنُّتٌ وإصرار (١٠٩-١١١).

الإعلام المضلِّل وموقف الإسلام منه (١١٢-١١٤).

قواعدُ وأصول في العقيدة والدعوة (١١٥-١١٧).

قواعد وأصول في التحليل والتحريم (١١٨-١٢١).

من مظاهرِ الصُّدود وأسبابه (١٢٢-١٢٦).

وعدٌ ووعيد (١٢٧-١٣٥).

من جهالات المشركين (١٣٦-١٤٠).

حُجَجٌ باهرة، ونِعَمٌ ظاهرة (١٤١-١٥٠).

الوصايا العَشْرُ (١٥١-١٥٣).

من مشكاةٍ واحدة (١٥٤-١٥٧).

وماذا بعد الحُجَج؟ (١٥٨-١٦٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (2 /393).

أُقيمت هذه السُّورةُ على مقصدٍ عظيمٍ جدًّا؛ ألا وهو (تحقيق التَّوحيد)؛ وذلك بإشعار الناس بأنَّ حقَّ الحمد ليس إلا للهِ؛ لأنَّه مُبدِعُ العوالِمِ: جواهرَ وأعراضًا؛ فعُلِم أنه المتفرِّدُ بالإلهيَّة، وأنَّ الأصنامَ والجِنَّ تأثيرُها باطلٌ؛ فالذي خلَق الإنسانَ ونظامَ حياته وموته بحِكْمته هو المستحِقُّ لوصفِ الإلهِ المتصرِّف. وجاءت السورةُ بتنزيه اللهِ عن الولَدِ والصاحبة، وكما قال أبو إسحاقَ الأَسْفَرَائينيُّ: «في سورةِ الأنعامِ كلُّ قواعدِ التوحيد». واشتمَلتِ السورةُ على موعظة المُعرِضين عن آياتِ القرآن والمكذِّبين بالدِّين الحقِّ، وتهديدِهم بأن يحُلَّ بهم ما حَلَّ بالقرونِ المكذِّبين من قبلِهم والكافرين بنِعَمِ الله تعالى، وأنَّهم ما يضُرُّون بالإنكارِ إلا أنفسهم، ووعيدِهم بما سيَلقَون عند نزعِ أرواحهم، ثم عند البعثِ.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (7 /123).