تفسير سورة الأنعام

كتاب نزهة القلوب

تفسير سورة سورة الأنعام من كتاب كتاب نزهة القلوب
لمؤلفه أبى بكر السجستاني .

﴿ أَنْبَاءُ ﴾ أخبار، واحدها نبأ.
﴿ مَّكَّنَّٰهُمْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾: ثبتناهم وأسكناهم فيها وملكناهم، يقال: مكنتك ومكنت لك بمعنى واحد.﴿ مِّدْرَاراً ﴾ أي دارة، يعني عند الحاجة إلى المطر، لا أن تدر ليلا ونهارا. ومدرارا للمبالغة.
﴿ قِرْطَاسٍ ﴾: صحيفة، والجمع قراطيس.
(لبسنا عليهم) أي خلطنا عليهم.
﴿ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ﴾: غبنوها.
﴿ أَكِنَّةً ﴾: أغطية واحدها كنان.(وقر) أي صمم.﴿ أَسَٰطِيرُ ﴾ أباطيل وترهات، واحدها أسطورة وأسطارة، ويقال أساطير الأولين أي ما سطره الأولون من الكتب.
﴿ يَنْأَوْنَ عَنْهُ ﴾ أي يتباعدون عنه.
﴿ بَغْتَةً ﴾ أي فجأة ﴿ فَرَّطْنَا فِيهَا ﴾ أي قدمنا العجز فيها. وقوله﴿ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ مِن شَيْءٍ ﴾[الأنعام: ٣٨] أي ما تركناه ولا أغفلناه ولا ضيعناه. وقوله تعالى:﴿ فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ ﴾[يوسف: ٨٠] أي قصرتم في أمره. ومعنى التفريط في اللغة تقدمة العجز ﴿ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ﴾ أي أثقالهم يعني آثامهم. وقوله:﴿ حُمِّلْنَآ أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ ﴾[طه: ٨٧] أي أثقالا من حليهم. وقوله تعالى:﴿ حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ﴾[محمد: ٤] أي حتى يضع أهل الحرب السلاح، أي حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم، وأصل الوزر ما حمله الإنسان، فيسمى السلاح أوزارا لأنه يحمل. وقوله:﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ﴾[الأنعام: ١٦٤] أي لا تحمل حاملة ثقل أخرى أي لا تؤخذ نفس بذنب غيرها. ولم يسمع لأوزار الحرب واحد، إلا أنه على هذا التأويل وزر، وقد فسر الأعشى أوزار الحرب بقولهوأعددت للحرب أوزارها   رماحا طوالا وخيلا ذكوراومن نسج داود يحدى بها   على أثر الحي عيرا فعيراأي تحدى بها الإبل.
﴿ نَّبَإِ ﴾ أي خبر.
﴿ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ ﴾ أي سربا في الأرض.﴿ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ ﴾: أي مصعدا.
﴿ دَآبَّةٍ ﴾: كل ما يدب.
﴿ مُّبْلِسُونَ ﴾ أي يائسون ملقون بأيديهم؛ ويقال: المبلس: الحزين النادم، ويقال: المبلس المتحير الساكت المنقطع الحجة.
﴿ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ ﴾: آخر القوم.
﴿ سَلَٰمٌ ﴾: على أربعة أوجه: السلام: الله عز وجل، كقوله عز وجل﴿ ٱلسَّلاَمُ ٱلْمُؤْمِنُ ﴾[الحشر: ٢٣] والسلام السلامة كقوله تعالى﴿ لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾[الأنعام: ١٢٧] أي دار السلامة وهي الجنة. والسلام: التسليم، يقال: سلمت عليه سلاما أي تسليما. والسلام: شجر عظام واحدتها سلامة. قال الأخظل: الاسلام وحرمل   
﴿ جَرَحْتُم ﴾: أي كسبتم.
﴿ يُفَرِّطُونَ ﴾ أي يقصرون، وقوله عز وجل ﴿ وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ﴾ أي لا يضيعون ما أمروا به ولا يقصرون فيه.
﴿ تُبْسَلَ نَفْسٌ ﴾: أي ترتهن وتسلم للهلكة ﴿ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ ﴾ انظر ٤٨ من البقرة ﴿ أُبْسِلُواْ ﴾ أي ارتهنوا وأسلموا للهلكة ﴿ حَمِيمٍ ﴾، أي ماء حار: والحميم: القريب في النسبة، كقوله عز وجل﴿ وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً ﴾[المعارج: ١٠] أي قريب قريبا. والحميم أيضا: الخاص، يقال: دعينا في الخاصة لا في العامة. والحميم أيضا: العرق، قال أبو عمر: الحميم أيضا الماء البارد، وخاصة الإبل الجياد يقال له الحميم، يقال: جاء المصدق فأخذ حميمها: أي خيارها. وجاء آخر فأخذ نتاشها: أي شرارها، وأنشد: وساغ لي الشراب وكنت قبلا   أكاد أغص بالماء الحميمأي البارد.
﴿ وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا ﴾ يقال: رد فلان على عقبيه إذا جاء لينفذ فسد سبيله حتى يرجع، ثم قيل لكل من لم يظفر بما يريد: رد على عقبيه ﴿ ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَاطِينُ ﴾: أي هوت به وأذهبته ﴿ حَيْرَانَ ﴾ أي حائر، ويقال: حار يحار، وتحير يتحير أيضا: إذا لم يكن له مخرج من أمره فمضى وعاد إلى حاله.
﴿ أَصْنَاماً ﴾: جمع صنم، والصنم ما كان مصورا من حجر أو صفر أو نحو ذلك. والوثن ما كان من غير صورة.
﴿ جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ ﴾: أي غطى عليه وأظلم ﴿ بَازِغاً ﴾: أي طالعا ﴿ أَفَلَ ﴾ غاب ﴿ مَلَكُوتَ ﴾: ملك، والواو والتاء زائدتان، مثل الرحموت والرهبوت، وهو من الرحمة والرهبة، تقول العرب: رهبوت خير من رحموت: أي أن ترهب خير من أن ترحم.
(حنيف): من كان على دين إبراهيم عليه السلام، ثم يسمى من كان يختتن ويحج البيت في الجاهلية حنيفا. والحنيف اليوم: المسلم. ويقال: إنما سمي إبراهيم حنيفا لأنه كان حنف عما يعبد أبوه وقومه من الآلهة إلى عبادة الله عز وجل: أي عدل عن ذلك ومال. وأصل الحنف: ميل في إبهامي القدمين من كل واحدة على صاحبتها.
﴿ قَرَاطِيسَ ﴾ انظر ٧ من هذه السورة.
﴿ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ ﴾: أي أصل للقرى، لأن الأرض دحيت من تحتها، يعني مكة.
﴿ غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ ﴾: شدائده التي تغمره وتركبه كما يغمر الماء الشيء إذا علاه وغطاه.(هون) هوان.
﴿ فُرَٰدَىٰ ﴾ جمع فرد وفريد. ومعنى ﴿ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ ﴾ أي فردا فردا، كل واحد منفرد من شقيقه وشريكه في الغي.﴿ خَوَّلْنَٰكُمْ ﴾: ملكناكم.﴿ بَيْنَكُمْ ﴾ أي وصلكم، والبين من الأضداد: يكون الوصال، ويكون الفراق.
﴿ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ ﴾ أي شاقهما بالنبات. و ﴿ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ ﴾ أي شاقه حتى يتبين الليل. (جاعل الليل سكنا) أي يسكن فيه الناس سكون راحة.
﴿ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ﴾ أي جعلهما يجريان بحساب معلوم عنده (حسبان): أي حساب، ويقال: هو جمع حساب، مثل شهاب وشهبان. وقوله تعالى﴿ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ﴾[الكهف: ٤٠] يعني مرامي، واحدها حسبانة.
﴿ أَنشَأَكُم ﴾ ابتدأكم وخلقكم ﴿ مُسْتَقَرٌّ ﴾ يعني الولد في صلب الأب ﴿ وَمُسْتَوْدَعٌ ﴾ يعني الولد في رحم الأم.
﴿ قِنْوَانٌ ﴾ أي عذوق النخل، واحدها قنو ﴿ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ ﴾ قيل: مشتبه في المنظر وغير متشابه في المطعم، منه حلو ومنه حامض وقيل مشتبه في الجودة والطيب، وغير متشابه في الألوان والطعوم. ﴿ خَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَٰتٍ ﴾: افتعلوا ذلك واختلقوه كذبا. ومعنى وخر قواله: فعلوه مرة بعد أخرى، وخرقوا: افتعلوا ما لا أصل له، وهي قراءة ابن عباس. ﴿ بَدِيعُ ﴾ أي مبتدع ﴿ يَنْعِهِ ﴾ مدركه، واحده يانع: مثل تاجر وتجر، يقال: ينعت الفاكهة وأينعت أدركت ﴿ وَكِيلٌ ﴾ أي كفيل، ويقال: كاف.
﴿ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ ﴾: مجازها حجج بينة، واحدتها بصيرة.
﴿ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ ﴾ أي قرأت. ودارست: أي قارأت أي قرأت وقرئ عليك. ودرست: قرئت وتعلمت. ودرست. أي درست هذه الأخبار التي تأتينا بها؛ أي انمحت وذهبت وقد كان يتحدث بها.
﴿ عَدْواً ﴾ أي اعتداء. ومنه قوله عز وجل ﴿ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾.
﴿ وَمَا يُشْعِرُكُمْ ﴾ أي يدريكم.
﴿ قُبُلاً ﴾ أصنافا، جمع قبيل أي صنف، وقبلا أيضا جمع قبيل: أي كفيل. وقُبَلا وقُبلا أيضا: مقابلة. وقيل معاينة. وقِبَلا: أي استئنافا. وأما قوله جل وعز:﴿ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا ﴾[النمل: ٣٧] فمعناه لا طاقة لهم بها ﴿ حَشَرْنَا ﴾: جمعنا، والحشر: الجمع بكثرة.
﴿ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ ﴾ يعني الباطل المزين المحسن. وقوله عز وجل﴿ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا ﴾[يونس: ٢٤] أي: زينتها بالنبات. والزخرف: الذهب، ثم جعلوا كل شيء مزين مزخرفا. ومنه قوله جل اسمه﴿ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ ﴾[الزخرف: ٣٣] إلى قوله عز وجل﴿ وَزُخْرُفاً ﴾[الزخرف: ٣٥] أي نجعل لهم ذهبا. ومنه﴿ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ ﴾[الإسراء: ٩٣] أي من ذهب.
(تصغى إليه): أي تميل إليه.
﴿ يَخْرُصُونَ ﴾ يحدسون، يريدون التخمين: وهو الظن من غير تحقيق وربما أصاب وربما أخطأ.
﴿ يَقْتَرِفُونَ ﴾ أي يكتسبون، والاقتراف: الاكتساب. ويقال يقترفون: أي يدعون، والقرفة: التهمة والادعاء.
﴿ أَكَٰبِرَ ﴾: عظماء.
﴿ صَغَارٌ ﴾ أي أشد الذل.
﴿ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ ﴾: يعني الجنة، والسلام: الله عز وجل. وقيل دار السلام: دار السلامة.(سلام) على أربعة أوجه: السلام: الله عز وجل، كقوله عز وجل:﴿ ٱلسَّلاَمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ﴾[الحشر: ٢٣].
والسلام: السلامة، كقوله تعالى: ﴿ لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾: أي دار السلامة، وهي الجنة: والسلام: التسليم، يقال: سلمت عليه سلاما: أي تسليما. والسلام: شجر عظام واحدتها سلامة. قال الأخطلإلا سلام وحرمل   
﴿ مُعْجِزِينَ ﴾ أي فائتين.
﴿ مَكَانَتِكُمْ ﴾: ومكانكم بمعنى واحد.
﴿ يُرْدُوهُمْ ﴾: يهلكوهم، والردى: الهلاك.
﴿ حَرْثٌ ﴾: هو إصلاح الأرض وإلقاء البذر فيها، ويسمى الزرع الحرث أيضاً.﴿ حِجْرٌ ﴾: أي حرام.﴿ ٱفْتِرَآءً عَلَيْهِ ﴾: الإفتراء: العظيم من الكذب، يقال لمن عمل عملا فبالغ فيه: إنه ليفري الفري.
﴿ مَّعْرُوشَٰتٍ ﴾ ومعرشات: واحد، يقال: عرشت الكرم وعرشته إذا جعلت تحته قصبا وأشباهه ليمتد عليه. ﴿ وَغَيْرَ مَعْرُوشَٰتٍ ﴾ من سائر الشجر الذي لا يعرش.﴿ أُكُلُهُ ﴾: ثمره.
﴿ حَمُولَةً وَفَرْشاً ﴾: الحمولة: الإبل التي تطيق أن تحمل. والفرش: الصغار التي لا تطيق الحمل. وقال بعض العلماء: الحمولة الإبل والخيل والبغال والحمير وكل ما حمل عليه. والفرش: الغنم. كذا قال المفسرون.
﴿ مَّسْفُوحاً ﴾ أي مصبوبا.
﴿ ٱلْحَوَايَآ ﴾ أي المباعر، ويقال الحوايا: ما تحوي من البطن، أي ما استدار ويقال: الحوايا: بنات اللبن، وهي متحوية أي مستديرة، واحدتها حاوية وحوية وحاوياء.
﴿ تَخْرُصُونَ ﴾ تحدسون وتحرزون.
﴿ إمْلاَقٍ ﴾: فقر.
﴿ أَشُدَّهُ ﴾ انظر ٢٢ من يوسف.
صدف عنها أي أعرض عنها.
﴿ شِيَعاً ﴾ أي فرقا. وقوله﴿ فِي شِيَعِ ٱلأَوَّلِينَ ﴾[الحجر: ١٠] أي في أمم الأولين.
﴿ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ أي طريق واضح وهو الإسلام.
﴿ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ ﴾: أي سكان الأرض يخلف بعضهم بعضا، واحدهم خليفة.
سورة الأنعام
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

لم تَحْتَوِ سورةُ (الأنعام) على كثيرٍ من الأحكام الشَّرعية كأخواتِها من السُّوَر الطِّوال؛ بل اهتمَّت بتحقيقِ مقصدٍ عظيم؛ وهو (توحيدُ الألوهية، وتثبيتُ مسائلِ العقيدة)، وكما قال أبو إسحاقَ الأَسْفَرَائينيُّ: «في سورةِ الأنعام كلُّ قواعدِ التوحيد»؛ فقد رسَمتِ السورةُ معالمَ على طريق الهداية، ذاكرةً قصَّةَ إبراهيمَ في البحث عن الحنيفيَّةِ الخالصة بما حَوَتْهُ من حُجَجٍ عقلية، وبراهينَ قاطعة؛ فعنايةُ السورة بالعقيدة كانت واضحةً جليَّة؛ لكي يُحقِّقَ العبدُ ما افتُتحت به السورةُ: {اْلْحَمْدُ لِلَّهِ اْلَّذِي خَلَقَ اْلسَّمَٰوَٰتِ وَاْلْأَرْضَ} [الأنعام: 1].

ترتيبها المصحفي
6
نوعها
مكية
ألفاظها
3055
ترتيب نزولها
55
العد المدني الأول
167
العد المدني الأخير
167
العد البصري
166
العد الكوفي
165
العد الشامي
166

* قوله تعالى: ﴿وَلَا تَطْرُدِ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلْغَدَوٰةِ وَاْلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٖ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٖ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ اْلظَّٰلِمِينَ﴾ [الأنعام: 52]:

عن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه، قال: «فِيَّ نزَلتْ: ﴿وَلَا تَطْرُدِ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلْغَدَوٰةِ وَاْلْعَشِيِّ [الأنعام: 52].

قال: نزَلتْ في ستَّةٍ؛ أنا وابنُ مسعودٍ منهم، وكان المشركون قالوا له: تُدْني هؤلاء؟!».

وفي روايةٍ: «كنَّا مع النبيِّ ﷺ في ستَّةِ نفَرٍ، فقال المشركون للنبيِّ ﷺ: اطرُدْ هؤلاء؛ لا يَجترِئون علينا!

قال: وكنتُ أنا وابنُ مسعودٍ ورجُلٌ مِن هُذَيلٍ وبلالٌ ورجُلانِ لستُ أُسمِّيهما، فوقَعَ في نفسِ رسولِ اللهِ ﷺ ما شاءَ أن يقَعَ، فحدَّثَ نفسَهُ؛ فأنزَلَ اللهُ: ﴿وَلَا تَطْرُدِ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلْغَدَوٰةِ وَاْلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٖ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٖ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ اْلظَّٰلِمِينَ﴾ [الأنعام: 52]». أخرجه مسلم (٢٤١٣).

* قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اْسْمُ اْللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: 121]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «جاءت اليهودُ إلى النبيِّ ﷺ، فقالوا: نأكلُ ممَّا قتَلْنا، ولا نأكلُ ممَّا قتَلَ اللهُ؟ فأنزَلَ اللهُ: ﴿وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اْسْمُ اْللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: 121] إلى آخِرِ الآيةِ». أخرجه أبو داود (٢٨١٩).

* قوله تعالى: ﴿مَن جَآءَ بِاْلْحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشْرُ أَمْثَالِهَاۖ﴾ [الأنعام: 160]:

صحَّ عن أبي ذَرٍّ الغِفَاريِّ رضي الله عنه أنه قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «مَن صامَ ثلاثةَ أيَّامٍ مِن كلِّ شهرٍ، فذلك صيامُ الدَّهْرِ؛ فأنزَلَ اللهُ تصديقَ ذلك في كتابِهِ: ﴿مَن جَآءَ بِاْلْحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشْرُ أَمْثَالِهَاۖ﴾ [الأنعام: 160]؛ فاليومُ بعشَرةِ أيَّامٍ». أخرجه الترمذي (٧٦٢).


سُمِّيتْ سورةُ (الأنعام) بذلك؛ لأنَّها السورةُ التي عرَضتْ لذِكْرِ (الأنعام) على تفصيلٍ لم يَرِدْ في غيرها من السُّوَر.

* جاء في فضلِ سورة (الأنعام): أنَّها نزَلتْ وحولها سبعون ألفَ مَلَكٍ يُسبِّحون:

دلَّ على ذلك ما رواه ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: «نزَلتْ سورةُ الأنعامِ بمكَّةَ ليلًا جُمْلةً، حولَها سبعون ألفَ مَلَكٍ، يَجأرون حولها بالتَّسْبيحِ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلَّام (ص240)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في "عمدة التفسير" (1/761).

وقريبٌ منه ما جاء عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ سورةُ الأنعامِ على النَّبيِّ ﷺ ومعها مَوكِبٌ مِن الملائكةِ سَدَّ ما بين الخافِقَينِ، لهم زَجَلٌ بالتَّسْبيحِ والتَّقْديسِ، والأرضُ تَرتَجُّ، ورسولُ اللهِ ﷺ يقولُ: سُبْحانَ اللهِ العظيمِ، سُبْحانَ اللهِ العظيمِ». "المعجم الأوسط" للطبراني (٦٤٤٧).

اشتمَلتِ السُّورةُ على عِدَّة موضوعات جاءت مُرتَّبةً كالآتي:

الاستفتاح بالحمد، وخَلْق الإنسان وبَعْثه (١-٣).

إعراض المشركين (٤-١١).

مع الله حُجَج بالغة (١٢-٢٠).

في موقف الحشر (٢٢-٣٢).

تسليةٌ وتثبيت (٣٣-٣٥).

لماذا الإعراض؟ (٣٦-٤١).

سُنَنٌ ربانية (٤٢-٤٧).

مهمة الرسل عليهم السلام (٤٨- ٥٨).

مفاتيح الغيب (٥٩-٦٧).

تجنُّب مجال الخائضين (٦٨-٧٠).

معالمُ على طريق الهداية (٧١-٧٣).

قصة إبراهيمَ عليه السلام (٧٤-٩٠).

الاحتجاج على منكِري البعث (٩١-٩٤).

من دلائلِ القدرة (٩٥-٩٩).

الرد على مزاعمِ المشركين، وتقرير العقيدة (١٠٠-١٠٥).

منهج التعامل مع المشركين (١٠٦-١٠٨).

تعنُّتٌ وإصرار (١٠٩-١١١).

الإعلام المضلِّل وموقف الإسلام منه (١١٢-١١٤).

قواعدُ وأصول في العقيدة والدعوة (١١٥-١١٧).

قواعد وأصول في التحليل والتحريم (١١٨-١٢١).

من مظاهرِ الصُّدود وأسبابه (١٢٢-١٢٦).

وعدٌ ووعيد (١٢٧-١٣٥).

من جهالات المشركين (١٣٦-١٤٠).

حُجَجٌ باهرة، ونِعَمٌ ظاهرة (١٤١-١٥٠).

الوصايا العَشْرُ (١٥١-١٥٣).

من مشكاةٍ واحدة (١٥٤-١٥٧).

وماذا بعد الحُجَج؟ (١٥٨-١٦٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (2 /393).

أُقيمت هذه السُّورةُ على مقصدٍ عظيمٍ جدًّا؛ ألا وهو (تحقيق التَّوحيد)؛ وذلك بإشعار الناس بأنَّ حقَّ الحمد ليس إلا للهِ؛ لأنَّه مُبدِعُ العوالِمِ: جواهرَ وأعراضًا؛ فعُلِم أنه المتفرِّدُ بالإلهيَّة، وأنَّ الأصنامَ والجِنَّ تأثيرُها باطلٌ؛ فالذي خلَق الإنسانَ ونظامَ حياته وموته بحِكْمته هو المستحِقُّ لوصفِ الإلهِ المتصرِّف. وجاءت السورةُ بتنزيه اللهِ عن الولَدِ والصاحبة، وكما قال أبو إسحاقَ الأَسْفَرَائينيُّ: «في سورةِ الأنعامِ كلُّ قواعدِ التوحيد». واشتمَلتِ السورةُ على موعظة المُعرِضين عن آياتِ القرآن والمكذِّبين بالدِّين الحقِّ، وتهديدِهم بأن يحُلَّ بهم ما حَلَّ بالقرونِ المكذِّبين من قبلِهم والكافرين بنِعَمِ الله تعالى، وأنَّهم ما يضُرُّون بالإنكارِ إلا أنفسهم، ووعيدِهم بما سيَلقَون عند نزعِ أرواحهم، ثم عند البعثِ.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (7 /123).