تفسير سورة الأنعام

معاني القرآن

تفسير سورة سورة الأنعام من كتاب معاني القرآن
لمؤلفه الأخفش . المتوفي سنة 215 هـ

فأمَّا قوله عز وجل ﴿ وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ﴾ ( ٢ ) ف﴿ أَجَلٌ ﴾ على الابتداء وليس على ﴿ قَضَى ﴾ ( ٢ ).
[ قال تعالى ] ﴿ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ ﴾ ( ٦ ) ثم قال ﴿ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ ﴾ ( ٦ ) كأنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم خاطبه معهم كما قال ﴿ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم ﴾ فجاء بلفظ الغائب وهو يخاطب لأنه هو المخاطب.
وقال :﴿ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ ﴾ ( ١٢ ) فنصب لام ﴿ لَيَجْمَعَنَّكُمْ ﴾ لأن معنى " كَتَبَ " كأنه قال " و اللهِ لَيَجْمَعَنَّكُمْ " ثم أبدل فقال ﴿ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنْفُسَهُمْ ﴾ ( ١٢ ) أي : لَيَجْمَعَنَّ الذينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُم.
[ وقال ] ﴿ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ ( ١٤ ) على النعت. وقال بعضهم ﴿ فاطرُ ﴾ بالرفع على الابتداء أيْ : هُوَ فاطرُ.
وقال بعضهم ﴿ وهو يُطْعِمُ ولا يَطْعَم ﴾ ( ١٤ ) وقال بعضهم ﴿ ولا يُطْعَمُ ﴾ و﴿ يَطْعَمُ ﴾ هو الوجه، لأَنَّكَ إنَّما تقول : " هُوَ يُطْعَمُ " لمن يَطْعَمُ فتخبر أنَّهُ لا يأكل شيئا. وإنّما تقرأ ﴿ يُطْعَمُ ﴾ لاجتماع الناس عليها.
وقال ﴿ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ ﴾ ( ١٤ ) أي : وقيل لي : " لاَ تَكُونَنَّ ". وصارت ﴿ أُمِرْتُ ﴾ بَدَلاً من ذلك لأنه حين قال ﴿ أُمِرْتُ ﴾ قد أخبر أنَّهُ قد قيل له.
وقال ﴿ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا ﴾ ( ٢٣ ) على الصفة. وقال بعضهم ﴿ رَبَّنا ﴾ على " يا ربنا [ ١٠٨ ء ]. وأمَّا ﴿ و اللهِ ﴾ فجره على القسم، ولو لم تكن فيه الواو نصبت فقلت " اللهَ رَبَّنا ". ومنهم من يجر بغير واو لكثرة استعمال هذا الاسم وهذا في القياس رديء. وقد جاء مثله شاذا قولهم :[ من الرجز وهو الشاهد التاسع والثمانون بعد المائة ] :
* وَبَلَدٍ عامِيَّةٍ أَعْماؤُهُ *
[ و ] إِنَّما هُوَ : رُبَّ بَلَدٍ وقال :[ من الوافر وهو الشاهد التسعون بعد المائة ]
نَهَيْتُكَ عَنْ طِلابِكَ أُمَّ عَمْرٍو بِعاقِبَةٍ وَأَنْت إِذٍ صَحِيحُ
يقول : " حِينَئِدٍ " فألقى " حينَ " وأَضمْرها. وصارت الواو عوضا من " رُبَّ " في " وَبَلَدٍ ". وقد يضعون " بَلْ " في هذا الموضع. قال الشاعر :[ من الرجز وهو الشاهد الحادي والتسعون بعد المائة ] :
ما بالُ عَيْنٍ عَنْ كَراها قَدْ جَفَتْ مُسْبِلَةً تَسْتَنُّ لَمّا عَرَفَتْ
داراً لِلَيْلى بَعْدَ حَوْلٍ قَدْ عَفَتْ بَلْ جَوْزِ تَيْهاءَ كَظَهْرِ الحَجَفَتْ
فيمن قال " طَلَحَتْ "
[ و ] قال :﴿ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً ﴾ ( ٢٥ ) وواحد " الأَكِنَّةِ " : الكِنان. و " الوَقْرُ " في الأُذُن [ بالفتح ]، و " الوِقْرُ " على الظهر بالكسر. وقال يونس : " سألتُ رؤبة " فقال : " وَقِرَتْ أُذُنُهُ " " تَوْقَرُ " إذا كان فيها " الوَقْر ". وقال أبو زيد : " سمِعت العرب تقول : " أُذُنٌ مَوْقُورَةٌ " فهذا يقول : " وُقِرَتْ ". قال الشاعر :[ من الرمل وهو الشاهد الثاني والتسعون بعد المائة ] :
وَكلامٍ سيئ قَدْ وُقِرَتْ أُذُنِي مِنْهُ وَما بِي مِنْ صَمَمْ
[ ١٠٨ ب ] وقال ﴿ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ﴾ ( ٢٥ ) فبعضهم يزعم أنَّ واحدَه " أُسْطُورَة " وبعضهم " إِسّطارَة "، ولا أُراهُ إِلاّ من الجمع الذي ليس له واحدٌ نحو : عَبادِيد " و " مَذاكِير " و " أَبابِيل ". وقال بعضُهم : " واحد الأَبابيل " : إبِّيل، وقال بعضهم : " إِبَّوْل " مثل : " عِجَّوْل " ولم أجد العرب تعرف له واحدا. فأمّا " الشَّماطِيطُ " فإِنهم يزعمون أنّ واحدَهُ " شِمْطاط ". وكل هذه لها واحد إلا انه ليس يستعمل، ولم يُتَكَلَّمْ به لأن هذا المثال لا يكون إلا جميعاً. وسمعت العرب الفصحاء يقولون : " أَرْسَلَ إِبِلَهُ أَبابيلَ " يريدون " جماعات " فلم يُتَكَلَّمْ لها بواحد.
وأَمّا قوله :﴿ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ﴾ ( ٢٦ ) فانه من : " نَأَيْتُ " " يَنْأَى " " نَأْياً ".
وقال :﴿ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ ( ٢٧ ) نصب لأنَّه جواب للتمني وما بعد الواو كما بعد الفاء، وان شئت رفعت وجعلته على مثل اليمين، كأنهم قالوا " وَلاَ نُكَذِّبُ و اللهِ بآياتِ رَبِّنا وَنكُونُ و اللهِ منَ المُؤمنين ". هذا إذا كان ذا الوجه منقطعاً من الأول. والرفع وجه الكلام وبه نقرأ الآية [ و ] إذا نصب جعلها واو عطف، فكأنهم قد تمنوا ألا يكذبوا وان يكونوا. وهذا - و الله أعلم - لا يكون، لأنهم لم يتمنوا الإيمان إنما تمنوا الرد وأخبروا أنهم لا يكذبون ويكونون من المؤمنين.
وقال ﴿ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ ﴾ ( ٣١ ) لأنه من " وَزَرَ " " يَزِرُ " [ ١٠٩ ء ] " وِزْراً " ويقال أيْضاً : " وُزِرَ " ف " هُوَ مَوْزُورٌ ". وزعم يونس أنهما جميعاً يقالان.
وقال ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ﴾ ( ٣٣ ) بكسر " إِنَّ " لدخول اللام الزائدة بعدها.
وقال ﴿ وَلَقدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ ﴾ ( ٣٤ ) كما تقول : " قَدْ أَصَابَنا من مَطَرٍ " و " قَدْ كانَ مِنْ حَديث ".
وقال ﴿ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ ﴾ ( ٣٥ ) ف " النَفَقُ " ليس من " النَفقَةِ " ولكنه من " النَّافِقاءِ "، يريد دخولا في الأرض.
وقال ﴿ فَإِن اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّمَاءِ ﴾ ( ٣٥ ) ولم يقل " فَافْعَلْ " وذلك أَنَّهُ أََضْمَر. وقال الشاعر :[ من الخفيف وهو الشاهد الثاني والثلاثون بعد المائة ] :
فَبِحَظٍّ مِمّا نَعِيشُ ولا تَذْ هَبْ بِكِ التُرَّهاتِ في الأَهْوالِ
فأضمر " فَعِيشى ".
وقال ﴿ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾ ( ٣٨ ) يريدُ : جماعة أمة.
وقال ﴿ أَرَأَيْتَكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ ﴾ ( ٤٠ ) فهذا الذي بعد التاء من قوله :﴿ أَرَأَيْتَكُم ﴾ إِنما جاء للمخاطبة. وترك التاء مفتوحة كما كانت للواحد، وهي مثل كاف " رُوَيْدَكَ زَيْداً " إذا قالت : أَرْوِدْ زَيْداً ". فهذه الكاف ليس لها موضع فتسمى بجر ولا رفع ولا نصب، وإنما هي من المخاطبة مثل كاف " ذاك ". ومثل ذلك قول العرب : " أَبْصِرْكَ زَيْداً " يدخلون الكاف للمخاطبة وإنما هي " أَبْصِرْ زيداً ".
وقال ﴿ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ [ ١٠٩ ب ] سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ ﴾ ( ٤٦ ) ثم قال ﴿ يَأْتِيكُمْ بِهِ ﴾ ( ٤٦ ) حمله على السمع أو على ما أخذ منهم.
وقال ﴿ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ ( ٥٢ ) فالأولى أن ينصب جواباً لقوله ﴿ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ ﴾ ( ٥٢ ) والأخرى [ أنْ ] ينصب بقوله ﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ ﴾ ( ٥٢ ) ﴿ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾.
وقال :﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ ﴾ ( ٥٤ ) و﴿ أَنَّهُ مَن عَمِلَه مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ ( ٥٤ ) فقوله ﴿ أَنَّهُ ﴾ بَدَلٌ من قوله ﴿ الرَّحْمَةَ ﴾ أي : كَتَبَ أنَّهُ مَنْ عمِلَ. وقوله ﴿ فَأِنَّهُ ﴾ على الابتداء أي : فَلَه المغفرة والرَّحْمَةُ فَهوَ غَفُورٌ رَحيم. وقال بعضهم ﴿ فأنَّهُ ﴾ أراد به الاسم وأضمر الخبر. أراد " فَأنَّ ".
وقال ﴿ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ ( ٥٥ ) لأَنَّ أَهْلَ الحِجازَِّ يَقُولن :" هِيَ السَّبِيلُ " وقال بعضهم ﴿ ولتستبين ﴾* يعني النبيّ صلى الله عليه. وقال بعضهم ﴿ وَلِيَسْتَبِينَ سَبِيلُ ﴾ في لغة بني تميم.
وقالَ ﴿ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً ﴾ ( ٥٦ ) وقال بعضهم ﴿ ضَلَلْتُ ﴾ وهما لغتان. من قال " ضَلِلْتُ " قال " تَضَلُّ " ومن قال " ضَلَلْتُ " قال " تَضِلُّ " ونقرأ بالمفتوحة*.
وقال ﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾ ( ٥٩ ) جر على ﴿ مِنْ ﴾ وإِنْ شِئْتَ رَفَعْتَ على " تسْقط "، [ ١١٠ ء ] وإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ على الابتداءِ وَتَقْطَعُهُ من الأول.
وقال ﴿ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ﴾ ( ٦٣ ) وقال في موضع آخر ﴿ وَخِيفَةً ﴾. و " الخُفْيَةُ " : الإِخفاء و " الخِيفَةُ " من الخَوْف والرَّهْبَة.
وقال ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ﴾ ( ٦٥ ) لأنها من " لَبَسَ " " يَلْبِسُ " " لَبْساً ".
وقال ﴿ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ ( ٧٠ ) وهي من " أبْسَلَ " " إبْسالاً ".
[ و ] قال ﴿ أُوْلَائِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ ﴾ ( ٧٠ ).
وأمَّا قوله ﴿ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ ﴾ ( ٧١ ) فإِنَّ كلَّ " فَعْلان " له " فَعْلى " فَإِنَّه لا ينصرف في المعرفة ولا النكرة.
وأمّا قَوْلُه ﴿ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا ﴾ ( ٧١ ) فإن الألف التي في ﴿ ائْتِنا ﴾ ألف وصل ولكن بعدها همزة من الأصل هي التي في " أتَى " وهي الياء التي في قولك " إيتِنا "، ولكنها لم تهمز حين ظهرت ألف الوصل. لأن ألف الوصل مهموزة إذا استؤنفت فكرهوا اجتماع همزتين.
وقال ﴿ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ ( ٧١ ) يقول : إِنَّما أُمِرْنا كَيْ نُسْلِمَ لِرَبِّ العالَمين " كما قال ﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ أي : إِنما أُمِرت بذلك.
ثم قال ﴿ وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ ﴾ ( ٧٢ ) أي : وَأُمِرْنا أَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ واتَّقُوهُ. أَوْ يَكُونُ أَوْصَلَ الفِعْلَ بالّلامِ، والمعنى : أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ. كما أوصل باللام في قوله ﴿ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴾.
وقال ﴿ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ ﴾ ( ٧٣ ) قال ﴿ يَوْم ﴾ مضاف إلى قوله ﴿ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ وهو نصب [ ١١٠ ب ] وليس له خبر ظاهر و الله اعلم. وهو على ما فسرت لك.
وكذلك ﴿ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ ﴾ ( ٧٣ ) وقال بعضهم ﴿ يَوْمَ يُنْفَحُ في الصُّورِ ﴾ وقال بعضهم ﴿ يَنْفُخُ ﴾ ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾ ( ٧٣ ).
وقال ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ ﴾ ( ٧٤ ) فتح إذا جعلت ﴿ آزَرَ ﴾ بدلاً من ﴿ أَبيهِ ﴾ وقد قرئت رفعا على النداء كأنه قال " يا آزَرُ " *. وقال الشاعر :[ من الرجز وهو الشاهد الثالث والتسعون بعد المائة ] :
إِنَّ عَلَيَّ اللهَ أَنْ تُبايِعا تُقْتَلَ صُبْحاً أَوْ تجيء طائَعا
فأبدل " تُقْتَلَ صُبْحاً " من " تُبَايِعَ ".
وقال ﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الْلَّيْلُ ﴾ ( ٧٦ ) وقال بعضهم ﴿ أَجَنَّ ﴾. وقال الشاعر :[ من الطويل وهو الشاهد الرابع والتسعون بعد المائة ] :
فَلَمّا أَجَنَّ اللَّيْلُ بِتْنا كَأَنَّنا على كَثْرَةِ الأَعْداءِ مُحْتَرِسَانِ
وقالُ :[ من الرجز وهو الشاهد الخامس والتسعون بعد المائة ] :
* أَجَنَّكَ اللَّيلُ وَلَمَّا تَشْتَفِ *
فجعل " الجَنَّ " مصدرا ل " جَنَّ ". وقد يستقيم أنْ يكون " أَجَنَّ " ويكون ذا مصدره كما قال " العَطاء " و " الإعطاء ". وأما قوله ﴿ أَكْنَنتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ﴾ فإِنهم يقولون في مفعولها : " مَكْنُونٌ " ويقول بعضهم " مُكَنّ " وتقول : " كَنَنْتُ الجاريَةَ " إذا صُنتها و " كَنَنْتُها مِن الشَّمْسِ " و " أَكْنَنْتُها مِن الشَّمْسِ " أيضاً. ويقولون " هِيَ مَكْنُونَة " و " مُكَنَّةٌ " وقال الشاعر :[ من البسيط وهو الشاهد السادس والتسعون بعد المائة ] :
قَدْ كُنْتُ أُعْطِيهُمُ مالِي وَأَمْنَحُهُمْ عِرْضِي وَعِنْدَهُمُ في الصَّدْرِ مَكْنُونُ
لأنَّ قَيْساً تقول : " كَنَنْتُ العِلْمَ " فهو " مَكْنُونْ ". [ ١١١ ء ] وتقول بنو تميم " أَكْنَنْتُ العِلْمَ " ف " هُوَ مُكَنُّ "، و " كَنَنْتُ الجارِيَةَ فَ " هِيَ مَكْنُونَةٌ ". وفي كتاب الله عز وجل ﴿ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ﴾ وقال ﴿ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ ﴾ وقال الشاعر :[ من الكامل وهو الشاهد السابع و التسعون بعد المائة ] :
قَدْ كُنَّ يَكْنُنَّ الوُجُوهَ تَسَتُّراً فَاليومَ حينَ بَدَوْنَ للنُّظّارِ
وقيسُ تنشد " قَدْكُن يُكْنِنَّ ".
وقال ﴿ فلََمَّا أَفَلَ ﴾ ( ٧٦ ) فهو من " يَأْفِل " " أُفُولاً ".
وأما قوله للشمس ﴿ هذا رَبِّي ﴾ ( ٧٨ ) فقد يجوز على " هذا الشيءُ الطالِعُ رَبّي ".
أَوْ على أَنَّه ظهرت الشمس وقد كانوا يذكرون الرب في كلامهم قال لهم ﴿ هذا رَبّي ﴾. وإنما هذا مثل ضربه لهم ليعرفوا إذا هو زال انه لا ينبغي أن يكون مثله آلها، وليدلهم على وحدانية الله، وأنه ليس مثله شيء. وقال الشاعر :[ من الرجز وهو الشاهد الثامن والتسعون بعد المائة ] :
مَكَثْتَ حَوْلاً ثُمَّ جِئْتَ قاشِراً لا حَمَلَتْ مِنْكَ كِراعٌ حافِرا
قال ﴿ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ﴾ ( ٨٤ ) يعني :﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ ﴾ ﴿ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ﴾ وكذلك ﴿ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى ﴾ ( ٨٥ ).
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٤:قال ﴿ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ﴾ ( ٨٤ ) يعني :﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ ﴾ ﴿ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ ﴾ وكذلك ﴿ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى ﴾ ( ٨٥ ).
وقفال بعضهم ﴿ وَالْيَسَع ﴾ ( ٨٦ ) وقال بعضهم ﴿ وَاللَّيْسعَ ﴾ ونقرأ بالخفيفة.
وقال ﴿ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ ( ٩٠ ). وكلّ شيء من بنات الياء والواو في موضع الجزم فالوقف عليه بالهاء ليلفظ به كما كان.
وقال ﴿ وَهذا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ [ ١١١ ب ] مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي ﴾ ( ٩٢ ) رفع على الصفة، ويجعل نصبا حالا ل﴿ أَنْزَلْنَاهُ ﴾.
وقال ﴿ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو* أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنْفُسَكُمُ ﴾ ( ٩٣ ) فنراه يريد : يقولون ﴿ أَخْرِجُواْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ و الله اعلم. وكان في قوله ﴿ بَاسِطُو* أَيْدِيهِمْ ﴾ دليل على ذلك لأنه قد أخْبَرَ أنهم يريدون منهم شيئاً.
وقال ﴿ فَالِقُ الإِصْبَاحِ ﴾ ( ٩٦ ) جعله مصدرا من " أَصْبَحَ ". وبعضهم يقول ﴿ فالِقُ الأَصْباحِ ﴾ جماع " الصُّبْح ".
وقال ﴿ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ﴾ ( ٩٦ ) أي : بِحِسابٍ. فحذف الباء كما حذفها من قوله ﴿ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ ﴾ أَيْ : أَعْلَمُ بمن يَضِلّ. و " الحُسْبانُ " جماعة " الحِسابِ " مثل " شِهاب " و " شُهْبَان "، ومثله " الشَمْسُ والقَمرُ بِحُسْبانٍ " أي : بحساب.
وقال ﴿ أَنْشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ﴾ ( ٩٨ ) فنراه يعنى : فمنها مُسْتَقِرٌّ ومنها مُسْتَوْدَعٌ و الله اعلم. وتقرأ ﴿ مُسْتَقَرّ ﴾.
وقال ﴿ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً ﴾ ( ٩٩ ) يريد " الأَخْضَرَ " كقول العرب : " أرِنيِها نَمِرَةً أُرِكَها مَطِرَةً ".
وقال ﴿ وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ ﴾ ( ٩٩ ) ثم قال ﴿ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ ﴾ ( ٩٩ ) أي : " وَأَخْرَجْنا بِهِ جَنّاتٍ مِنْ أَعنابٍ ".
ثم قال ﴿ وَالزَّيْتُونَ ﴾ ( ٩٩ ) وواحد : " القِنْوانِ " : قِنْوٌ، وكذلك " الصِّنْوانُ " واحدها : صِنْوٌ.
وقال [ ١١٢ ب ] ﴿ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ ﴾ ( ١٠٠ ) على البدل كما قال ﴿ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ( ١٢ ) صِرَاطِ اللَّهِ ﴾. وقال الشاعر :[ من الوافر وهو الشاهد المائتان ] :
ذَرِينِي إِنَّ أمرَكِ لَن يُطاعا وَمَا ألفَيْتِني حِلْمِي مُضاعا
وقال :[ من البسيط وهو الشاهد الحادي بعد المائتين ] :
إِنِّي وَجَدْتُكَ يا جُرْثُومُ مِنْ نَفَرٍ جُرْثُومَةِ اللُّؤْمِ لا جُرْثُومَةِ الكَرَمِ
[ وقال الآخر ] :[ من البسيط وهو الشاهد الخامس والخمسون بعد المائة ] :
إِنَّا وَجَدْنا بَنِي جِلاّنَ كُلَّهم كساعِد الضُّبِّ لا طُولٌ ولا عِظَمُ*
وقال :[ من الرجز وهو الشاهد الثاني بعد المائتين ] :
ما لِلجِمالِ مَشْيِها وَئيدا أَجَنْدَلاً لاَ يَحْمِلْنَ أَمْ حَدِيدا
ويقال : ما للجمالِ مشيُها وَئيدا. كما قيل :[ من الوافر وهو الشاهد الثالث بعد المائتين ] :
فكيفَ تَرَى عَطِيَّةَ حِينَ تَلْقَى عِظاماً هامُهُنَّ قُرآسِيات
وقوله ﴿ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ ﴾ ( ١٠٥ ) أي : دَارَسْتَ أَهْلَ الكتابِ ﴿ وَكَذلك نُصَرِّفُ الآيَاتِ ﴾ ( ١٠٥ ) يعني : هكذا. وقال بعضهم [ ١١٢ ء ] ﴿ دَرَسْتَ ﴾ وبها نقرأ لأنها أوفق للكتاب. وقال بعضهم ﴿ دَرَسَتْ ﴾.
وقال ﴿ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدُوّاً بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ ( ١٠٨ ) ثقيلة مشددة و﴿ عَدْواً ﴾ خفيفة، والأصل من " العُدْوانِ ". وقال بعضهم ﴿ عَدُوّاً ﴾ بغير علم. أي : سبّوه في هذه الحال. ولكن " العَدُوّ " جماعة كما قال ﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي ﴾ وكما قال ﴿ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ ﴾ ونقرأ ﴿ عَدْواً ﴾ لأنها أكثر في القراءة وأجود في المعنى لأنك تقول :[ عُدا ] عَدْواً علينا " مثل " ضَرَبَهُ ضَرْباً ".
وقال ﴿ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ ( ١٠٩ ) وقرأ بعضهم ﴿ أَنَّها ﴾ وبها نقرأ وفسر على " لعلها " كما تقول العرب : " اِذْهَبْ إِلى السوق أَنَّكَ تشتري لي شيئاً " أي : لَعَلَّك. وقال الشاعر :[ من الرجز وهو الشاهد التاسع والتسعون بعد المائة ] :
قُلْتُ لِشَيْبانَ اذْنُ من لِقائِهِ أَنَّا نُغَذِّي القَوَمَ مِن شِوائِه
في معنى " لَعَلَّنا ".
قال :﴿ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ﴾ ( ١١١ ) أيْ : قَبِيلاً قَبِيلا، جماعة " القَبيل " " القُبُل ".
ويقال " قِبَلا " أي : عِيانا.
وقال ﴿ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً ﴾ أي : عِيانا.
وتقول : " لا قِبَلَ لي بهذا " أي : لا طَاقَةَ*. وتقول : " لِي قِبَلَك حقٌ " أي : عندَك.
[ و ] قال :﴿ ولتصغي إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ ﴾ ( ١١٣ )، هي من " صَغَوْتُ " " يَصْغا " مثل " مَحَوْتُ " " يمْحا ".
وقال :﴿ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ﴾ ( ١١٩ ).
يقول - و الله اعلم لَكُمْ أَلاَّ - " وَأَيّ شَيْءٍ لَكُمْ في أَلاّ تَأْكُلُوا " ، وكذلك ﴿ وَمَا لَنَا أَلاّ نُقَاتِلَ ﴾.
يقول : " أيُّ شَيْءٍ لَنا في تَركِ القِتال ". ولو كانت ﴿ أَنْ ﴾ زائدة لارتفع الفعل، ولو كانت في معنى " وما لَنا وَكَذا " لكانت " وَمَالَنا وَأَلاّ نُقَاتِلَ ".
وقال ﴿ وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم ﴾ ( ١١٩ ) ويقرأ ﴿ ليُضِلُّونَ ﴾. أوقع " أنَّ " على النكرة لأنَّ الكلام إذا طال احتمل ودل بعضه على بعض.
وقال :﴿ وَكَذلك جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا ﴾ ( ١٢٣ ) [ ١١٣ ء ]،
فبناه على " أَفاعِل "، وذلك انه يكون على وجهين يقول " هؤلاء الأكابر " و " الأكبرون " .
وقال :﴿ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً ﴾ وواحدهم " أَخْسَرُ " مثل " الأَكْبَر ".
وقال :﴿ وَكَذلك زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ ﴾، ( ١٣٧ ) لأن الشركاء زينوا.
ثم قال :﴿ لِيُرْدُوهُمْ ﴾ ( ١٣٧ ) من " أرْدى " " إِرْداءَ ".
وقال :﴿ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا ﴾ ( ١٣٨ ).
و " الحِجْر " : " الحَرام " ،
وقد قرئت بالضم ﴿ حُجْرٌ ﴾، وكذلك قرئت ﴿ حُجْراً مَحْجُورا ﴾ بضم الحاء و﴿ حِجْراً ﴾ في معنى واحد.
وقد يكون " الحِجْرُ " : العَقْل، قال الله تعالى ﴿ هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لذي حِجْرٍ ﴾ أي ذي عقل.
وقال بعضهم : " لا يكون في قوله ﴿ وَحَرْثٌ حِجْرٌ ﴾ ( ١٣٨ ) إلا الكسر. وليس ذا بشيء لأنه حرام.
وأما " حَِجْرُ المرأة " ففيه الفتح والكسر.
و " حَجْرُ اليَمامة " * بالفتح و " الحِجْرُ " ما حَجَرْتَه وهو قول أصْحابِ الحجر.
وقوله عز وجل :﴿ وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ ﴾ ( ١٣٩ ).
رَفْعٌ أي** : وإِنْ تَكُن فِي بُطُونِهَا مِيتَةٌ. وقد يجوز الرفع إذا قلت ﴿ يَكُن ﴾ لأن المؤنّث قد يذكر فعله.
و﴿ خالِصَةٌ ﴾ : أنثت لتحقيق الخلوص كأنه لما حقق لهم الخلوص أشبه الكثرة فجرى مجرى " رَاوِية " و " نَسّابة ".
[ وقال ] ﴿ جَنَّاتٍ ﴾ ( ١٤١ ) جرْ لأن تاء الجميع في موضع النصب [ ١١٣ ب ] مجرورة بالتنوين.
ثم قال ﴿ وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً ﴾ ( ١٤٢ ) أَي : وأَنْشَأَ من الأَنعامِ حَمُولَةً وَفَرْشا.
ثم قال ﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ﴾ ( ١٤٣ ) أي : أَنْشَأَ حَمُولَةً وَفَرَشْاً ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ. أي : أَنّشَأَ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ، على البدل أو التبيان أو على الحال.
ثم قال : " أَنْشَأَ ﴿ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ﴾ ( ١٤٤ ) وإنما قال ﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ﴾ لأنَّ كُلَّ واحدٍ " زَوْجٌ ". تقول للاثنين : " هذانِ زَوْجانِ " وقال الله عز وجل ﴿ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ﴾ وتقول للمرأة : " هي زَوْجٌ " و " هي زَوْجَةٌ " و : " هو زَوْجُها ". وقال ﴿ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَها ﴾ يعني المرأة وقال ﴿ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ ﴾ وقال بعضهم " الزَوْجَةُ " وقال الأخْطَل :[ من البسيط وهو الشاهد السابع والعشرون بعد المائة ] :
زَوْجَةُ أَشْمَطَ مَرْهُوبٌ بَوادِرُهُ قَدْ صار في رَأْسِهِ التَخْوِيصَ والنَزَعُ
وقد يقال للاثنين أيضاً : " هما زَوْجٌ " و[ " الزَوْجُ " النَمَط يُطْرَحُ على الهَوْدَج ] قال لَبيد :[ من الكامل وهو الشاهد السادس والعشرون بعد المائة ] :
مِنْ كُلِّ محْفُوفٍ يُظِلُّ عِصِيَّهُ زَوْجٌ عَلَيْهِ كِلَّةٌ وقِرامُها
وأمّا ﴿ الضَأن ﴾ ( ١٤٣ ) فمهموز وهو جماع على غير واحد. ويقال ﴿ الضَئِين ﴾ مثل " الشَعِير " وهو جماعة " الضَأْن " والأنْثى " ضائِنَة " والجماعة : " الضَوَائِنِ ".
و﴿ المَعْزُ ﴾ ( ١٤٣ ) جمع على غير واحد وكذلك " المِعْزَى "، فأما " المَواعِز " فواحدتها " الماعِزْ " و " الماعِزَةُ " والذكر الواحد " ضائِنْ " فيكون " الضَأْن " جماعة " الضائِنْ " [ ١٠٤ ء ] مثل صاحِب " و " صَحْب " و " تاجِر " و " تَجْر " وكذلك " ماعِزْ " و " مَعْز ". وقال بعضهم ﴿ ضأَنْ ﴾ و﴿ مَعَز ﴾ جعله جماعة " الضَائِن " و " الماعِز " مثل " خَادِم " و " خَدَم "، و " حافِد " و " حَفَدَةْ " مثله إِلاَّ أَنَّهُ أُلحق فيه الهاء.
وأمَّا قَوْلُه ﴿ الذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ ﴾ ( ١٤٣ ) فانتصب ب " حرّم ".
وقال ﴿ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً ﴾ ( ١٤٥ ) يقول : " إِلاَّ أَنْ يكونَ مِيتَةً أَوْ فِسقاً فإِنَّه رِجْسٌ ".
وقال ﴿ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا ﴾ ( ١٤٦ ) فواحد " الحَوايا " : " الحاوِياءُ " " والحَاوِيَةُ ". ويريد بقوله - و الله أعلم - ﴿ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ﴾ أي : والبقر والغنم حرمنا عليهم. ولكنه أدخل فيها " مِنْ " والعرب تقول : " قَدْ كانَ مِنْ حَديثٍ " يريدون : قَدْ كانَ حَدِيثٌ " وإِن شئت قلت : " وَمِنْ الغَنَمِ حَرَّمْنا الشُّحُومَ " كما تقول : " مِنَ الدّارِ أُخِذَ النِّصفُ والثُلُثُ " فأضفت على هذا المعنى كما تقول : " مِنَ الدّارِ أُخِذَ نِصْفُها " و " مِنْ عَبْدِ اللهِ ضُرِبَ وَجْهُهُ ".
وقال ﴿ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ ﴾ ( ١٥٠ ) لأن " هَلُمَّ " قد تكون للواحد والاثنين والجماعة.
وقال ﴿ أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا ﴾ ( ١٥٦ ) على ﴿ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ﴾ ( ١٥٤ ) كراهيةَ ﴿ أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا ﴾ ( ١٥٦ ).
وقال ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً ﴾ ( ١٥٩ ) [ ١١٤ ب ] وقال بَعْضُهُم ﴿ فارَقُوا ﴾ من " المُفارَقَةِ ".
وقال ﴿ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾ ( ١٦٠ ) على العدد كما تقول : " عَشْرُ سُودٍ " فان قلت كيف قال " عَشْر " و " المِثَل " مذكر ؟ فإنما أنث لأنه أضاف إِلى مؤنث وهو في المعنى أيضاً " حَسَنَةٌ " أو " دَرَجةٌ ". فإِنْ أَنَّثَ على ذلك فهو وجه. وقال بعضُهم ﴿ عَشْرٌ أمْثالُها ﴾ جعل " الأمثال " من صفة " العشر ". وهذا الوجه إلا انه لا يقرأ. لأنَّه ما كان من صفة لم تضف إليه العدد. ولكن يقال : " هُمْ عَشْرَةٌ قيامٌ " و " عشرةٌ قُعُودٌ " لا يقال : " عشرةُ قيامٍ ".
وقال ﴿ دِيناً قِيَماً ﴾ ( ١٦١ ) أيْ : مستقيما وهي قراءة العامة وقال أَهْلُ المدينة ﴿ قِيَما ﴾ وهي حسنة ولم أَسمَعها من العرب وهي في معنى المفسر.
سورة الأنعام
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

لم تَحْتَوِ سورةُ (الأنعام) على كثيرٍ من الأحكام الشَّرعية كأخواتِها من السُّوَر الطِّوال؛ بل اهتمَّت بتحقيقِ مقصدٍ عظيم؛ وهو (توحيدُ الألوهية، وتثبيتُ مسائلِ العقيدة)، وكما قال أبو إسحاقَ الأَسْفَرَائينيُّ: «في سورةِ الأنعام كلُّ قواعدِ التوحيد»؛ فقد رسَمتِ السورةُ معالمَ على طريق الهداية، ذاكرةً قصَّةَ إبراهيمَ في البحث عن الحنيفيَّةِ الخالصة بما حَوَتْهُ من حُجَجٍ عقلية، وبراهينَ قاطعة؛ فعنايةُ السورة بالعقيدة كانت واضحةً جليَّة؛ لكي يُحقِّقَ العبدُ ما افتُتحت به السورةُ: {اْلْحَمْدُ لِلَّهِ اْلَّذِي خَلَقَ اْلسَّمَٰوَٰتِ وَاْلْأَرْضَ} [الأنعام: 1].

ترتيبها المصحفي
6
نوعها
مكية
ألفاظها
3055
ترتيب نزولها
55
العد المدني الأول
167
العد المدني الأخير
167
العد البصري
166
العد الكوفي
165
العد الشامي
166

* قوله تعالى: ﴿وَلَا تَطْرُدِ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلْغَدَوٰةِ وَاْلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٖ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٖ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ اْلظَّٰلِمِينَ﴾ [الأنعام: 52]:

عن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه، قال: «فِيَّ نزَلتْ: ﴿وَلَا تَطْرُدِ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلْغَدَوٰةِ وَاْلْعَشِيِّ [الأنعام: 52].

قال: نزَلتْ في ستَّةٍ؛ أنا وابنُ مسعودٍ منهم، وكان المشركون قالوا له: تُدْني هؤلاء؟!».

وفي روايةٍ: «كنَّا مع النبيِّ ﷺ في ستَّةِ نفَرٍ، فقال المشركون للنبيِّ ﷺ: اطرُدْ هؤلاء؛ لا يَجترِئون علينا!

قال: وكنتُ أنا وابنُ مسعودٍ ورجُلٌ مِن هُذَيلٍ وبلالٌ ورجُلانِ لستُ أُسمِّيهما، فوقَعَ في نفسِ رسولِ اللهِ ﷺ ما شاءَ أن يقَعَ، فحدَّثَ نفسَهُ؛ فأنزَلَ اللهُ: ﴿وَلَا تَطْرُدِ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلْغَدَوٰةِ وَاْلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٖ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٖ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ اْلظَّٰلِمِينَ﴾ [الأنعام: 52]». أخرجه مسلم (٢٤١٣).

* قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اْسْمُ اْللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: 121]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «جاءت اليهودُ إلى النبيِّ ﷺ، فقالوا: نأكلُ ممَّا قتَلْنا، ولا نأكلُ ممَّا قتَلَ اللهُ؟ فأنزَلَ اللهُ: ﴿وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اْسْمُ اْللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: 121] إلى آخِرِ الآيةِ». أخرجه أبو داود (٢٨١٩).

* قوله تعالى: ﴿مَن جَآءَ بِاْلْحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشْرُ أَمْثَالِهَاۖ﴾ [الأنعام: 160]:

صحَّ عن أبي ذَرٍّ الغِفَاريِّ رضي الله عنه أنه قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «مَن صامَ ثلاثةَ أيَّامٍ مِن كلِّ شهرٍ، فذلك صيامُ الدَّهْرِ؛ فأنزَلَ اللهُ تصديقَ ذلك في كتابِهِ: ﴿مَن جَآءَ بِاْلْحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشْرُ أَمْثَالِهَاۖ﴾ [الأنعام: 160]؛ فاليومُ بعشَرةِ أيَّامٍ». أخرجه الترمذي (٧٦٢).


سُمِّيتْ سورةُ (الأنعام) بذلك؛ لأنَّها السورةُ التي عرَضتْ لذِكْرِ (الأنعام) على تفصيلٍ لم يَرِدْ في غيرها من السُّوَر.

* جاء في فضلِ سورة (الأنعام): أنَّها نزَلتْ وحولها سبعون ألفَ مَلَكٍ يُسبِّحون:

دلَّ على ذلك ما رواه ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: «نزَلتْ سورةُ الأنعامِ بمكَّةَ ليلًا جُمْلةً، حولَها سبعون ألفَ مَلَكٍ، يَجأرون حولها بالتَّسْبيحِ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلَّام (ص240)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في "عمدة التفسير" (1/761).

وقريبٌ منه ما جاء عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ سورةُ الأنعامِ على النَّبيِّ ﷺ ومعها مَوكِبٌ مِن الملائكةِ سَدَّ ما بين الخافِقَينِ، لهم زَجَلٌ بالتَّسْبيحِ والتَّقْديسِ، والأرضُ تَرتَجُّ، ورسولُ اللهِ ﷺ يقولُ: سُبْحانَ اللهِ العظيمِ، سُبْحانَ اللهِ العظيمِ». "المعجم الأوسط" للطبراني (٦٤٤٧).

اشتمَلتِ السُّورةُ على عِدَّة موضوعات جاءت مُرتَّبةً كالآتي:

الاستفتاح بالحمد، وخَلْق الإنسان وبَعْثه (١-٣).

إعراض المشركين (٤-١١).

مع الله حُجَج بالغة (١٢-٢٠).

في موقف الحشر (٢٢-٣٢).

تسليةٌ وتثبيت (٣٣-٣٥).

لماذا الإعراض؟ (٣٦-٤١).

سُنَنٌ ربانية (٤٢-٤٧).

مهمة الرسل عليهم السلام (٤٨- ٥٨).

مفاتيح الغيب (٥٩-٦٧).

تجنُّب مجال الخائضين (٦٨-٧٠).

معالمُ على طريق الهداية (٧١-٧٣).

قصة إبراهيمَ عليه السلام (٧٤-٩٠).

الاحتجاج على منكِري البعث (٩١-٩٤).

من دلائلِ القدرة (٩٥-٩٩).

الرد على مزاعمِ المشركين، وتقرير العقيدة (١٠٠-١٠٥).

منهج التعامل مع المشركين (١٠٦-١٠٨).

تعنُّتٌ وإصرار (١٠٩-١١١).

الإعلام المضلِّل وموقف الإسلام منه (١١٢-١١٤).

قواعدُ وأصول في العقيدة والدعوة (١١٥-١١٧).

قواعد وأصول في التحليل والتحريم (١١٨-١٢١).

من مظاهرِ الصُّدود وأسبابه (١٢٢-١٢٦).

وعدٌ ووعيد (١٢٧-١٣٥).

من جهالات المشركين (١٣٦-١٤٠).

حُجَجٌ باهرة، ونِعَمٌ ظاهرة (١٤١-١٥٠).

الوصايا العَشْرُ (١٥١-١٥٣).

من مشكاةٍ واحدة (١٥٤-١٥٧).

وماذا بعد الحُجَج؟ (١٥٨-١٦٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (2 /393).

أُقيمت هذه السُّورةُ على مقصدٍ عظيمٍ جدًّا؛ ألا وهو (تحقيق التَّوحيد)؛ وذلك بإشعار الناس بأنَّ حقَّ الحمد ليس إلا للهِ؛ لأنَّه مُبدِعُ العوالِمِ: جواهرَ وأعراضًا؛ فعُلِم أنه المتفرِّدُ بالإلهيَّة، وأنَّ الأصنامَ والجِنَّ تأثيرُها باطلٌ؛ فالذي خلَق الإنسانَ ونظامَ حياته وموته بحِكْمته هو المستحِقُّ لوصفِ الإلهِ المتصرِّف. وجاءت السورةُ بتنزيه اللهِ عن الولَدِ والصاحبة، وكما قال أبو إسحاقَ الأَسْفَرَائينيُّ: «في سورةِ الأنعامِ كلُّ قواعدِ التوحيد». واشتمَلتِ السورةُ على موعظة المُعرِضين عن آياتِ القرآن والمكذِّبين بالدِّين الحقِّ، وتهديدِهم بأن يحُلَّ بهم ما حَلَّ بالقرونِ المكذِّبين من قبلِهم والكافرين بنِعَمِ الله تعالى، وأنَّهم ما يضُرُّون بالإنكارِ إلا أنفسهم، ووعيدِهم بما سيَلقَون عند نزعِ أرواحهم، ثم عند البعثِ.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (7 /123).