تفسير سورة الأنعام

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة الأنعام من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه البيهقي . المتوفي سنة 458 هـ

(الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ: ٥- ٩٩) مَعَ أَشْيَاءَ ذُكِرَتْ فِي الْقُرْآنِ- فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ-: فِي [مِثْلِ «١» ] هَذَا الْمَعْنَى «٢»
«وَأَمَرَهُمْ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) : بِأَنْ لَا يَسُبُّوا أَنْدَادَهُمْ فَقَالَ: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ: فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً، بِغَيْرِ عِلْمٍ) الْآيَةَ:
(٦- ١٠٨) مَعَ مَا يُشْبِهُهَا.»

«ثُمَّ أَنْزَلَ «٣» (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) - بَعْدَ هَذَا-: فِي الْحَالِ «٤» الَّذِي «٥» فَرَضَ فِيهَا عُزْلَةَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ، حَتَّى «٦» يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ: فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى، مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ: ٦- ٦٨).»
«وَأَبَانَ لِمَنْ تَبِعَهُ، مَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ: مِمَّا [فَرَضَ عَلَيْهِ «٧» ] قَالَ «٨» :
(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ: أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ «٩» يُكْفَرُ)
(١) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم.
(٢) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٩ ص ٨- ٩) : مَا روى عَن أَبى الْعَالِيَة:
فى بَيَان قَوْله تَعَالَى: (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ: ٤٦- ٣٥).
(٣) فى الْأُم زِيَادَة: «الله».
(٤) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «الحان» وَهُوَ محرف عَمَّا أثبتنا، أَو عَن «الْحَالة»
(٥) فى الْأُم: «الَّتِي». وَكِلَاهُمَا صَحِيح: لِأَن الْحَال يؤنث وَيذكر وَإِن كَانَ مَا فى الْأُم أنسب: بِالنّظرِ إِلَى تَأْنِيث الضَّمِير الْآتِي.
(٦) هَذَا إِلَى قَوْله: «عَلَيْهِم»، غير مَوْجُود بِالْأُمِّ، ونعتقد أَنه سقط من نسخهَا.
(٧) زِيَادَة متعينة، عَن الْأُم. [.....]
(٨) فى الْأُم، «فَقَالَ» : وَهُوَ أظهر.
(٩) فى الْأُم: «قَرَأَ الرّبيع إِلَى: (إِنَّكُم إِذا مثلهم).».
بِأَكْلِهِ.- وَحَرَّمَ صَيْدَ الْبَرِّ-: أَنْ يَسْتَمْتِعُوا بِأَكْلِهِ.-: فِي كِتَابِهِ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.» يَعْنِي «١» : فِي حَالِ الْإِحْرَامِ».
«قَالَ: وَهُوَ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) لَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ-: مِنْ صَيْدِ الْبَرِّ فِي الْإِحْرَامِ.-
إلَّا: مَا كَانَ حَلَالًا لَهُمْ قَبْلَ الْإِحْرَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. «٢»
».
(أَنَا) أَبُو سَعِيدٍ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ «٣» :
«قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ [فِيمَا حُرِّمَ، وَلَمْ يَحِلَّ بِالذَّكَاةِ «٤» ] :(وَما لَكُمْ: أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ، إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ؟!: ٦- ١١٩) وَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) الْآيَة «٥» ! (٢- ١٧٣ و١٦- ١١٥) وَقَالَ فِي ذِكْرِ مَا حُرِّمَ: (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ «٦» : غَيْرَ مُتَجانِفٍ «٧» لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ: ٥- ٣).»
(١) هَذَا من كَلَام الْبَيْهَقِيّ.
(٢) ثمَّ اسْتدلَّ على ذَلِك: بِأَمْر النَّبِي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : بقتل الْغُرَاب وَمَا إِلَيْهِ. فَرَاجعه وراجع الْمُخْتَصر (ج ٥ ص ٢١٥)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٩ ص ٣١٥- ٣١٨)، وَالْفَتْح (ج ٤ ص ٢٤- ٢٨)، وَمَا تقدم (ج ١ ص ١٢٥- ١٢٧)، وَالْمَجْمُوع (ج ٩ ص ١٦- ٢٣).
(٣) كَمَا فى الْأُم (ج ٢ ص ٢٢٥).
(٤) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم.
(٥) فى الْأُم: «إِلَى قَوْله: (غَفُور رَحِيم).». وراجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٩ ص ٣٥٥- ٣٥٦) : أثر مُجَاهِد فى ذَلِك فَهُوَ مُفِيد فِيمَا سيأتى آخر الْبَحْث. وَانْظُر الْفَتْح (ج ٩ ص ٥٣٣)
(٦) أَي: مجاعَة. كَمَا قَالَ ابْن عَبَّاس وَأَبُو عُبَيْدَة. انْظُر الْفَتْح (ج ٨ ص ١٨٦ و١٨٧).
(٧) أَي: مائل.
90
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَيَحِلُّ مَا حُرِّمَ: مِنْ «١» الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَكُلُّ مَا حُرِّمَ-: مِمَّا لَا «٢» يُغَيِّرُ الْعَقْلَ: مِنْ الْخَمْرِ.-: لِلْمُضْطَرِّ.»
«وَالْمُضْطَرُّ: الرَّجُلُ «٣» يَكُونُ بِالْمَوْضِعِ: لَا طَعَامَ مَعَهُ «٤» فِيهِ، وَلَا شَيْءَ يَسُدُّ فَوْرَةَ جُوعِهِ-: مِنْ لبن، وَمَا أشبهه.- وَيُبَلِّغُهُ «٥» الْجُوعُ:
مَا يَخَافُ مِنْهُ الْمَوْتَ، أَوْ الْمَرَضَ: وَإِنْ لَمْ يَخَفْ الْمَوْتَ أَوْ يُضْعِفُهُ، أَوْ يَضُرُّهُ «٦» أَوْ يَعْتَلُّ «٧» أَوْ يَكُونُ مَاشِيًا: فَيَضْعُفُ عَنْ بُلُوغِ حَيْثُ يُرِيدُ أَوْ رَاكِبًا: فَيَضْعُفُ عَنْ رُكُوبِ دَابَّتِهِ أَوْ مَا فِي هَذَا الْمَعْنَى: مِنْ الضَّرَرِ «٨» الْبَيِّنِ.»
«فَأَيُّ هَذَا نَالَهُ: فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمُحَرَّمِ وَكَذَلِكَ: يَشْرَبُ مِنْ الْمُحَرَّمِ: غَيْرِ الْمُسْكِرِ مِثْلِ: الْمَاءِ: [تَقَعُ «٩» ] فِيهِ الْميتَة وَمَا أشبهه «١٠»
(١) عبارَة الْأُم: «من ميتَة وَدم وَلحم خِنْزِير». وراجع الْمَجْمُوع (ج ٩ ص ٣٩- ٤٢). [.....]
(٢) كَذَا بِالْأُمِّ وَهُوَ الظَّاهِر. وفى الأَصْل: «لم»، وَلَعَلَّه مصحف.
(٣) كَذَا بِالْأُمِّ وَهُوَ الظَّاهِر. وفى الأَصْل: «يكون الرجل» وَلَعَلَّه من عَبث النَّاسِخ.
(٤) فى الْأُم تَأْخِير وَتَقْدِيم.
(٥) كَذَا بِالْأُمِّ وَهُوَ الْمُنَاسب. وَعبارَة الأَصْل: «وبلغه» وَالظَّاهِر: أَنَّهَا محرفة عَمَّا ذكرنَا، أَو سقط مِنْهَا كلمة: «قد».
(٦) فى الْأُم: «ويضره». وَمَا فى الأَصْل أحسن.
(٧) كَذَا بِالْأُمِّ. وَعبارَة الأَصْل: «أَو يعْتَمد أَن يكون». وهى مصحفة.
(٨) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «الضَّرْب» وَهُوَ تَصْحِيف.
(٩) زِيَادَة جَيِّدَة، عَن الْأُم.
(١٠) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٩ ص ٣٥٧- ٣٥٨) : مَا روى فى ذَلِك، عَن مَسْرُوق وَقَتَادَة وَمعمر. لفائدته.
91
«وَأُحِبُّ «١» : أَنْ يَكُونَ آكِلُهُ: إنْ أَكَلَ وَشَارِبُهُ: إنْ شَرِبَ أَوْ جَمَعَهُمَا-: فَعَلَى مَا يَقْطَعُ عَنْهُ الْخَوْفَ، وَيَبْلُغُ [بِهِ «٢» ] بَعْضَ الْقُوَّةِ.
وَلَا يَبِينُ: أَنْ يَحْرُمَ عَلَيْهِ: أَنْ يَشْبَعَ وَيَرْوَى وَإِنْ أَجْزَأَهُ دُونَهُ-: لِأَنَّ التَّحْرِيمَ قَدْ زَالَ عَنْهُ بِالضَّرُورَةِ. وَإِذَا بَلَغَ الشِّبَعَ وَالرِّيَّ: فَلَيْسَ لَهُ مُجَاوَزَتُهُ لِأَنَّ مُجَاوَزَتَهُ-: حِينَئِذٍ.- إلَى الضَّرَرِ، أَقْرَبُ مِنْهَا إلَى النَّفْعِ «٣».».
قَالَ الشَّافِعِيُّ «٤» :«فَمَنْ «٥» خَرَجَ سَفَرًا «٦» : عَاصِيًا لِلَّهِ «٧» لَمْ يَحِلَّ لَهُ شَيْءٌ-: مِمَّا حُرِّمَ «٨» عَلَيْهِ.- بِحَالٍ «٩» : لِأَنَّ اللَّهَ (جَلَّ ثَنَاؤُهُ) إنَّمَا «١٠» أَحَلَّ مَا حَرَّمَ، بِالضَّرُورَةِ- عَلَى شَرْطِ: أَنْ يَكُونَ الْمُضْطَرُّ: غَيْرَ بَاغٍ، وَلَا عَادٍ، وَلَا مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ.»
«وَلَوْ خَرَجَ: عَاصِيًا ثُمَّ تَابَ، فَأَصَابَتْهُ الضَّرُورَةُ بَعْدَ التَّوْبَةِ-:
رَجَوْتُ: أَنْ يَسَعَهُ «١١»
أَكْلُ الْمُحَرَّمِ وَشُرْبُهُ.»
(١) فى الأَصْل: «وَاجِب» وَهُوَ خطأ وتصحيف. والتصحيح من عبارَة الْأُم:
«وَأحب إِلَى».
(٢) زِيَادَة جَيِّدَة عَن الْأُم
(٣) رَاجع مَا ذكره بعد ذَلِك والمختصر (ج ٥ ص ٢١٦- ٢١٧) : فَهُوَ جليل الْفَائِدَة، وراجع الْمَجْمُوع (ج ٩ ص ٤٢- ٤٣ و٥٢- ٥٣).
(٤) كَمَا فى الْأُم (ج ٢ ص ٢٢٦).
(٥) فى الْأُم: «وَمن». [.....]
(٦) هَذَا لَيْسَ بِالْأُمِّ.
(٧) فى الْأُم زِيَادَة: «الله عز وَجل».
(٨) هَذَا: مَذْهَب الْجُمْهُور. وَجوز بَعضهم: التَّنَاوُل مُطلقًا. انْظُر الْفَتْح (ج ٩ ص ٥٣٣).
(٩) كَذَا بِالْأُمِّ وَهُوَ الصَّوَاب، وفى الأَصْل: «لما» وَهُوَ تَحْرِيف.
(١٠) كَذَا بِالْأُمِّ وَهُوَ الصَّوَاب، وفى الأَصْل: «لما» وَهُوَ تَحْرِيف.
(١١) كَذَا بِالْأُمِّ. وفى الأَصْل: «أَن ليسعه» وَزِيَادَة اللَّام من النَّاسِخ.
92
(بَحِيرَةٍ، وَلا سائِبَةٍ، وَلا وَصِيلَةٍ، وَلا حامٍ: ٥- ١٠٣) وَقَالَ تَعَالَى:
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ: سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ: افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ: ٦- ١٤٠) وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ-:
وَهُوَ يَذْكُرُ مَا حَرَّمُوا-: (وَقالُوا: هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ: حِجْرٌ «١»، لَا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعامٌ «٢» : حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَأَنْعامٌ: لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ، عَلَيْهَا: افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ: بِما كانُوا يَفْتَرُونَ وَقالُوا: مَا فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ: خالِصَةٌ لِذُكُورِنا، وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً: فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ: ٦- ١٣٨- ١٣٩) وَقَالَ: (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ: مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ) إلَى «٣» قَوْلِهِ: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وَالْآيَةَ «٤» بَعْدَهَا: (٦- ١٤٣- ١٤٥). [فَأَعْلَمَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ «٥» ] : أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ: بِمَا «٦» حَرَّمُوا.»
(١) أَي: حرَام كَمَا قَالَ البُخَارِيّ وَأَبُو عُبَيْدَة. انْظُر الْفَتْح (ج ٦ ص ٢٣٨ وَج ٨ ص ٢٠٦). [.....]
(٢) فى الْأُم: «الى قَوْله: (حَكِيم عليم).» وَهُوَ تَحْرِيف. وَالصَّوَاب: «إِلَى قَوْله: (يفترون).». لِأَنَّهُ ذكر فِيهَا الْآيَة التالية، إِلَى قَوْله: (أَزوَاجنَا) ثمَّ قَالَ:
«الْآيَة».
(٣) فى الْأُم: «الْآيَة والآيتين بعْدهَا».
(٤) فى الأَصْل: «والآيتين»، وَهُوَ تَحْرِيف: لِأَن آيَة: (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا) لَا دخل لَهَا فى هَذَا الْبَحْث بِخُصُوصِهِ، وَقد تقدم الْكَلَام عَنْهَا. ويؤكد ذَلِك عبارَة الْأُم السالفة.
(٥) الزِّيَادَة عَن الْأُم.
(٦) أَي: بِسَبَب تحريمهم، وَالْمَفْعُول مَحْذُوف. وَعبارَة الْأُم: «مَا حرمُوا». والمآل وَاحِد.
«فَكَانَ «١» حَلَالًا لَهُمْ مِلْكُ الْأَمْوَالِ وَحَرَامًا عَلَيْهِمْ حَبْسُ الزَّكَاةِ:
لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا غَيْرَهُمْ فِي وَقْتٍ، كَمَا مَلَّكَهُمْ أَمْوَالَهُمْ، دُونَ غَيْرِهِمْ.».
«فَكَانَ بَيِّنًا- فِيمَا وَصَفْتُ، وَفِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً [تُطَهِّرُهُمْ «٢» ] : ٩- ١٠٣).-: أَنَّ كُلَّ مَالِكٍ تَامِّ «٣» الْمِلْكِ-: مِنْ حُرٍّ «٤» - لَهُ مَالٌ: فِيهِ زَكَاةٌ.». وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ «٥»
وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ- فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ فِي بَابِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ «٦»، فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَآتُوا حَقَّهُ «٧» يَوْمَ حَصادِهِ: ٦- ١٤١) -: «وَهَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ الزَّكَاةَ عَلَى الزَّرْعِ «٨» ». وَإِنَّمَا «٩» قَصَدَ: إسْقَاطَ الزَّكَاةِ عَنْ حِنْطَةٍ حَصَلَتْ فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ زِرَاعَةٍ.
(١) كَذَا بِالْأُمِّ وفى الأَصْل: «وَكَانَ» : وَمَا فى الْأُم أظهر.
(٢) الزِّيَادَة عَن الْأُم (ج ٢ ص ٢٣) [.....]
(٣) كَذَا بِالْأُمِّ، وفى الأَصْل: «قَامَ» وَهُوَ تَحْرِيف ظَاهر.
(٤) فى الأَصْل: «خر»، وَهُوَ تَحْرِيف ظَاهر، والتصحيح عَن الْأُم.
(٥) اُنْظُرْهُ فى الْأُم (ج ٢ ص ٢٣- ٢٤).
(٦) من الْأُم (ج ٢ ص ٣١).
(٧) انْظُر فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٤ ص ١٣٢- ١٣٣) الْآثَار الَّتِي وَردت فى المُرَاد بِالْحَقِّ هُنَا: أهوَ الزَّكَاة؟ أم غَيرهَا؟
(٨) انْظُر فى وَقت الْأَخْذ، الرسَالَة (ص ١٩٥) وَالأُم (ج ٢ ص ٣١).
(٩) هَذَا من كَلَام الْبَيْهَقِيّ رَحمَه الله، وَقَوله: «قصد» إِلَخ، أَي قصد الشَّافِعِي بِكَلَامِهِ هَذَا، مَعَ كَلَامه السَّابِق الَّذِي لم يُورِدهُ الْبَيْهَقِيّ هُنَا.
(أَنَا) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي عَمْرٍو، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ «١» :«وَأَهْلُ «٢» التَّفْسِيرِ، أَوْ مَنْ سَمِعْتُ [مِنْهُ «٣» ] : مِنْهُمْ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (قُلْ: لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ، مُحَرَّماً: ٦- ١٤٥).-:
يَعْنِي: مِمَّا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ «٤». فَإِنَّ الْعَرَبَ: قَدْ «٥» كَانَتْ تُحَرِّمُ أَشْيَاءَ:
(١) كَمَا فى الْأُم (ج ٢ ص ٢٠٧) : دافعا الِاعْتِرَاض بِالْآيَةِ الْآتِيَة بعد أَن ذكر:
أَن أصل مَا يحل أكله-: من الْبَهَائِم وَالدَّوَاب وَالطير- شَيْئَانِ ثمَّ يتفرقان: فَيكون مِنْهَا شىء محرم نصا فى السّنة، وشىء محرم فى جملَة الْكتاب: خَارج من الطَّيِّبَات وَمن بَهِيمَة الْأَنْعَام. وَاسْتدلَّ على ذَلِك: بِآيَة: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ: ٥- ١) وَآيَة:
(أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ: ٥- ٤ وَ ٥). وَقد ذكر بعض مَا سيأتى- باخْتلَاف وَزِيَادَة-:
فى الْأُم (ج ٢ ص ٢١٧)، والمختصر (ج ٥ ص ٢١٤)، وَالسّنَن الْكُبْرَى (ج ٩ ص ٣١٤).
وراجع فى الْأُم (ج ٤ ص ٧٥- ٧٦) مَا روى عَن ابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَعبيد بن عُمَيْر-:
مِمَّا يتَعَلَّق بِهَذَا الْمقَام.- وَمَا عقب بِهِ الشَّافِعِي عَلَيْهِ. وَانْظُر حَدِيث جَابر بن زيد، وَالْكَلَام عَلَيْهِ: فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٩ ص ٣٣٠)، وَالْفَتْح (ج ٩ ص ٥١٨)، وَالْمَجْمُوع (ج ٩ ص ٧)
(٢) فى الْأُم: بِالْفَاءِ. وعبارتها (ص ٢١٧) هى وَالسّنَن الْكُبْرَى والمختصر: «وَسمعت بعض أهل الْعلم (أَو أهل الْعلم) يَقُولُونَ-... محرما على طاعم بطعمه». زَاد فى الْأُم والمختصر لفظ: «الْآيَة».
(٣) زِيَادَة حَسَنَة عَن الْأُم.
(٤) فى السّنَن الْكُبْرَى زِيَادَة: « (إِلَّا أَن يكون ميتَة) وَمَا ذكر بعْدهَا. قَالَ الشَّافِعِي:
وَهَذَا أولى مَعَانِيه اسْتِدْلَالا بِالسنةِ.»
. وَهَذَا القَوْل من كَلَامه الْجيد عَن هَذِه الْآيَة، فى الرسَالَة. وَقد اشْتَمَل على مزِيد من التَّوْضِيح والفائدة. فَرَاجعه (ص ٢٠٦- ٢٠٨ و٢٣١). وراجع فِيهَا وفى السّنَن الْكُبْرَى، وَالأُم (ج ٢ ص ٢١٩)، وَالْفَتْح (ج ٩ ص ٥١٩) - مَا اسْتدلَّ بِهِ: من حديثى أَبى ثَعْلَبَة وأبى هُرَيْرَة. وَيحسن. أَن تراجع كَلَامه فى اخْتِلَاف الحَدِيث (ص ٤٦- ٤٧ و٤٩).
(٥) هَذَا لَيْسَ بِالْأُمِّ. [.....]
«قَالَ: وَيُقَالُ «١» : نَزَلَ «٢» فِيهِمْ: (قُلْ: هَلُمَّ «٣» شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ: أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا: فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ: ٦- ١٥٠).
فَرَدَّ إلَيْهِمْ «٤» مَا أَخْرَجُوا-: مِنْ الْبَحِيرَةِ، وَالسَّائِبَةِ، وَالْوَصِيلَةِ، وَالْحَامِ- وَأَعْلَمَهُمْ: أَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَيْهِمْ مَا حَرَّمُوا: بِتَحْرِيمِهِمْ.»
«وَقَالَ تَعَالَى: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ، إِلَّا: مَا يُتْلى عَلَيْكُمْ: ٥- ١) [يَعْنِي «٥» ] (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) : مِنْ الْمَيْتَةِ.»
«وَيُقَالُ: أُنْزِلَتْ «٦» فِي ذَلِكَ: (قُلْ: لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ، مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ، إِلَّا: أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً، أَوْ دَماً مَسْفُوحاً، أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ-: فَإِنَّهُ رِجْسٌ.- أَوْ فِسْقاً: أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ: ٦- ١٤٥)

«وَهَذَا يُشْبِهُ مَا قِيلَ يَعْنِي: قُلْ: لَا أجد فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ-: مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ.- مُحَرَّمًا «٧»، إلَّا: مَيْتَةً، أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا مِنْهَا «٨» : وَهِيَ
(١) هَذَا الى قَوْله: بتحريمهم ذكر فى السّنَن الْكُبْرَى (ص ١٠).
(٢) فى الْأُم: «نزلت».
(٣) قَالَ البُخَارِيّ: «لُغَة أهل الْحجاز: (هَلُمَّ) : للْوَاحِد والاثنين وَالْجمع.»
وَذكر نَحوه أَبُو عُبَيْدَة، بِزِيَادَة: «وَالذكر وَالْأُنْثَى سَوَاء». وَأهل نجد فرقوا: بِمَا يحسن مُرَاجعَته فِي الْفَتْح (ج ٨ ص ٢٠٦). وَانْظُر القرطين (ج ١ ص ١٧٤).
(٤) عبارَة السّنَن الْكُبْرَى: «فَرد عَلَيْهِم مَا أخرجُوا، وأعلمهم» إِلَخ، ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: «وَذكر سَائِر الْآيَات الَّتِي وَردت فى ذَلِك».
(٥) زِيَادَة حَسَنَة، عَن الْأُم.
(٦) فى الْأُم: «أنزل».
(٧) عبارَة الْأُم: «محرما، أَي: من بَهِيمَة الْأَنْعَام.».
(٨) أَي: من بَهِيمَة الْأَنْعَام.
«مَا يُؤْثَرُ عَنْهُ فِي الْجِرَاحِ، وَغَيْرِهِ»
(أَنَا) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، أَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ «١» :«قَالَ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قُلْ: تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ: أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ: مِنْ إِمْلاقٍ «٢» نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) الْآيَةُ: (٦- ١٥١) وَقَالَ:
(وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ: ٨١- ٨- ٩) وَقَالَ:
(وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، قَتْلَ أَوْلادِهِمْ، شُرَكاؤُهُمْ: ٦- ١٣٧).»
«قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَانَ بَعْضُ الْعَرَبِ يَقْتُلُ الْإِنَاثَ-: مِنْ وَلَدِهِ.- صِغَارًا «٣» :
خَوْفَ الْعَيْلَةَ عَلَيْهِمْ «٤»، وَالْعَارِ بِهِنَّ «٥». فَلَمَّا نَهَى اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) عَنْ ذَلِكَ-:
(١) كَمَا فى الْأُم (ج ٦ ص ٢).
(٢) رَاجع فى السّنَن الْكُبْرَى (ج ٨ ص ١٨) مَا ورد فى ذَلِك: من السّنة.
(٣) يُقَال: إِن أول من وأد الْبَنَات قيس بن عَاصِم التَّمِيمِي. كَمَا ذكر فى فتح الْبَارِي (ج ١٠ ص ٣١٣) فراجع قصَّة قيس فِيهِ. وراجع فى هَذَا الْمقَام، بُلُوغ الأرب (ج ١ ص ١٤٠ وَج ٣ ص ٤٢- ٥٣). [.....]
(٤) أَي: على الْآبَاء.
(٥) كَذَا بِالْأَصْلِ أَي: بِسَبَب الْبَنَات. وفى الْأُم: «بهم». أَي بِالْآبَاءِ، فالباء لَيست للسَّبَبِيَّة. والمؤدى وَاحِد.
سورة الأنعام
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

لم تَحْتَوِ سورةُ (الأنعام) على كثيرٍ من الأحكام الشَّرعية كأخواتِها من السُّوَر الطِّوال؛ بل اهتمَّت بتحقيقِ مقصدٍ عظيم؛ وهو (توحيدُ الألوهية، وتثبيتُ مسائلِ العقيدة)، وكما قال أبو إسحاقَ الأَسْفَرَائينيُّ: «في سورةِ الأنعام كلُّ قواعدِ التوحيد»؛ فقد رسَمتِ السورةُ معالمَ على طريق الهداية، ذاكرةً قصَّةَ إبراهيمَ في البحث عن الحنيفيَّةِ الخالصة بما حَوَتْهُ من حُجَجٍ عقلية، وبراهينَ قاطعة؛ فعنايةُ السورة بالعقيدة كانت واضحةً جليَّة؛ لكي يُحقِّقَ العبدُ ما افتُتحت به السورةُ: {اْلْحَمْدُ لِلَّهِ اْلَّذِي خَلَقَ اْلسَّمَٰوَٰتِ وَاْلْأَرْضَ} [الأنعام: 1].

ترتيبها المصحفي
6
نوعها
مكية
ألفاظها
3055
ترتيب نزولها
55
العد المدني الأول
167
العد المدني الأخير
167
العد البصري
166
العد الكوفي
165
العد الشامي
166

* قوله تعالى: ﴿وَلَا تَطْرُدِ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلْغَدَوٰةِ وَاْلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٖ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٖ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ اْلظَّٰلِمِينَ﴾ [الأنعام: 52]:

عن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه، قال: «فِيَّ نزَلتْ: ﴿وَلَا تَطْرُدِ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلْغَدَوٰةِ وَاْلْعَشِيِّ [الأنعام: 52].

قال: نزَلتْ في ستَّةٍ؛ أنا وابنُ مسعودٍ منهم، وكان المشركون قالوا له: تُدْني هؤلاء؟!».

وفي روايةٍ: «كنَّا مع النبيِّ ﷺ في ستَّةِ نفَرٍ، فقال المشركون للنبيِّ ﷺ: اطرُدْ هؤلاء؛ لا يَجترِئون علينا!

قال: وكنتُ أنا وابنُ مسعودٍ ورجُلٌ مِن هُذَيلٍ وبلالٌ ورجُلانِ لستُ أُسمِّيهما، فوقَعَ في نفسِ رسولِ اللهِ ﷺ ما شاءَ أن يقَعَ، فحدَّثَ نفسَهُ؛ فأنزَلَ اللهُ: ﴿وَلَا تَطْرُدِ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلْغَدَوٰةِ وَاْلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٖ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٖ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ اْلظَّٰلِمِينَ﴾ [الأنعام: 52]». أخرجه مسلم (٢٤١٣).

* قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اْسْمُ اْللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: 121]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «جاءت اليهودُ إلى النبيِّ ﷺ، فقالوا: نأكلُ ممَّا قتَلْنا، ولا نأكلُ ممَّا قتَلَ اللهُ؟ فأنزَلَ اللهُ: ﴿وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اْسْمُ اْللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: 121] إلى آخِرِ الآيةِ». أخرجه أبو داود (٢٨١٩).

* قوله تعالى: ﴿مَن جَآءَ بِاْلْحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشْرُ أَمْثَالِهَاۖ﴾ [الأنعام: 160]:

صحَّ عن أبي ذَرٍّ الغِفَاريِّ رضي الله عنه أنه قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «مَن صامَ ثلاثةَ أيَّامٍ مِن كلِّ شهرٍ، فذلك صيامُ الدَّهْرِ؛ فأنزَلَ اللهُ تصديقَ ذلك في كتابِهِ: ﴿مَن جَآءَ بِاْلْحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشْرُ أَمْثَالِهَاۖ﴾ [الأنعام: 160]؛ فاليومُ بعشَرةِ أيَّامٍ». أخرجه الترمذي (٧٦٢).


سُمِّيتْ سورةُ (الأنعام) بذلك؛ لأنَّها السورةُ التي عرَضتْ لذِكْرِ (الأنعام) على تفصيلٍ لم يَرِدْ في غيرها من السُّوَر.

* جاء في فضلِ سورة (الأنعام): أنَّها نزَلتْ وحولها سبعون ألفَ مَلَكٍ يُسبِّحون:

دلَّ على ذلك ما رواه ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: «نزَلتْ سورةُ الأنعامِ بمكَّةَ ليلًا جُمْلةً، حولَها سبعون ألفَ مَلَكٍ، يَجأرون حولها بالتَّسْبيحِ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلَّام (ص240)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في "عمدة التفسير" (1/761).

وقريبٌ منه ما جاء عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ سورةُ الأنعامِ على النَّبيِّ ﷺ ومعها مَوكِبٌ مِن الملائكةِ سَدَّ ما بين الخافِقَينِ، لهم زَجَلٌ بالتَّسْبيحِ والتَّقْديسِ، والأرضُ تَرتَجُّ، ورسولُ اللهِ ﷺ يقولُ: سُبْحانَ اللهِ العظيمِ، سُبْحانَ اللهِ العظيمِ». "المعجم الأوسط" للطبراني (٦٤٤٧).

اشتمَلتِ السُّورةُ على عِدَّة موضوعات جاءت مُرتَّبةً كالآتي:

الاستفتاح بالحمد، وخَلْق الإنسان وبَعْثه (١-٣).

إعراض المشركين (٤-١١).

مع الله حُجَج بالغة (١٢-٢٠).

في موقف الحشر (٢٢-٣٢).

تسليةٌ وتثبيت (٣٣-٣٥).

لماذا الإعراض؟ (٣٦-٤١).

سُنَنٌ ربانية (٤٢-٤٧).

مهمة الرسل عليهم السلام (٤٨- ٥٨).

مفاتيح الغيب (٥٩-٦٧).

تجنُّب مجال الخائضين (٦٨-٧٠).

معالمُ على طريق الهداية (٧١-٧٣).

قصة إبراهيمَ عليه السلام (٧٤-٩٠).

الاحتجاج على منكِري البعث (٩١-٩٤).

من دلائلِ القدرة (٩٥-٩٩).

الرد على مزاعمِ المشركين، وتقرير العقيدة (١٠٠-١٠٥).

منهج التعامل مع المشركين (١٠٦-١٠٨).

تعنُّتٌ وإصرار (١٠٩-١١١).

الإعلام المضلِّل وموقف الإسلام منه (١١٢-١١٤).

قواعدُ وأصول في العقيدة والدعوة (١١٥-١١٧).

قواعد وأصول في التحليل والتحريم (١١٨-١٢١).

من مظاهرِ الصُّدود وأسبابه (١٢٢-١٢٦).

وعدٌ ووعيد (١٢٧-١٣٥).

من جهالات المشركين (١٣٦-١٤٠).

حُجَجٌ باهرة، ونِعَمٌ ظاهرة (١٤١-١٥٠).

الوصايا العَشْرُ (١٥١-١٥٣).

من مشكاةٍ واحدة (١٥٤-١٥٧).

وماذا بعد الحُجَج؟ (١٥٨-١٦٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (2 /393).

أُقيمت هذه السُّورةُ على مقصدٍ عظيمٍ جدًّا؛ ألا وهو (تحقيق التَّوحيد)؛ وذلك بإشعار الناس بأنَّ حقَّ الحمد ليس إلا للهِ؛ لأنَّه مُبدِعُ العوالِمِ: جواهرَ وأعراضًا؛ فعُلِم أنه المتفرِّدُ بالإلهيَّة، وأنَّ الأصنامَ والجِنَّ تأثيرُها باطلٌ؛ فالذي خلَق الإنسانَ ونظامَ حياته وموته بحِكْمته هو المستحِقُّ لوصفِ الإلهِ المتصرِّف. وجاءت السورةُ بتنزيه اللهِ عن الولَدِ والصاحبة، وكما قال أبو إسحاقَ الأَسْفَرَائينيُّ: «في سورةِ الأنعامِ كلُّ قواعدِ التوحيد». واشتمَلتِ السورةُ على موعظة المُعرِضين عن آياتِ القرآن والمكذِّبين بالدِّين الحقِّ، وتهديدِهم بأن يحُلَّ بهم ما حَلَّ بالقرونِ المكذِّبين من قبلِهم والكافرين بنِعَمِ الله تعالى، وأنَّهم ما يضُرُّون بالإنكارِ إلا أنفسهم، ووعيدِهم بما سيَلقَون عند نزعِ أرواحهم، ثم عند البعثِ.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (7 /123).