تفسير سورة الأنعام

أحكام القرآن

تفسير سورة سورة الأنعام من كتاب أحكام القرآن
لمؤلفه إلكيا الهراسي . المتوفي سنة 504 هـ

قوله تعالى :﴿ وإذَا رَأَيْتَ الّذِينَ يَخُوضُونَ في آيَاتِنَا ﴾الآية[ ٦٨ ] :
فأمر نبيه بالإعراض عن الذين يخوضون في آيات الله، وذلك يدل على وجوب اجتناب مجالس الملحدين، وسائر الكفرة، عند إظهارهم الشرك والكفر وما يستحيل على الله١، ونظيره قوله تعالى :﴿ لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إسرَائِيلَ ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ٢.
١ - انظر الإكليل للسيوطي..
٢ - سورة المائدة، آية ٧٨-٧٩..
قال تعالى :﴿ وَلاَ تَرْكَنُوا إلَى الّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسّكُمُ النّارُ١، وقال :﴿ وذَرِ الّذِينَ اتّخَذُوا دِينَهُم لَعباً ولهواً ﴾ إلى قوله تعالى ﴿ وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ٢ :
قال قائلون : هي منسوخة بآيات القتال، وقال آخرون : إنها ليست منسوخة لكنها على وجه التعزيز، كقوله تعالى :﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقتُ وَحِيداً٣.
١ - سورة هود، آية ١١٣..
٢ - سورة الأنعام، آية ٧٠..
٣ - سورة المدثر، آية ١١..
قوله تعالى :﴿ أُولَئِكَ الّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُم اقْتَدهِ١ : يستدل به على وجوب اتباع شرائع الأنبياء والتزامها.
١ - سورة الأنعام، آية ٩٠..
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَسُبُّوا الّذِينَ يَدْعونَ مِنْ دُونِ اللهِ ﴾ الآية [ ١٠٨ ] :
يدُل على الكف عن سب السفهاء الذين يتسرعون إلى سبه على وجه المقابلة، لأنه بمنزلة البعث على المعصية.
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ الله عَليه ﴾ : حمله الشافعي على النهي عن الميتات، ويدل عليه ما روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال : قال المشركون : تأكلون مما مات من قبلكم ولا تأكلون مما مات من قبل ربكم، فنزلت هذه الآية١.
قال :﴿ وإنَّ الشّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أوْلِيائِهِمْ لِجَادِلُوكُم ﴾٢ : في ذبائح المشركين، ولم تكن المناظرة في هذه المسألة ظاهرة فيما بينهم، وإنما كانت المجادلة في الميتة.
١ - أخرجه أصحاب السنن والإمام أحمد في مسنده..
٢ - سورة الأنعام، آية ١٢١..
قوله تعالى :﴿ وَجَعَلُوا للهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الحَرْثِ والأَنَعَامِ نَصِيباً ﴾الآية [ ١٣٦ ] :
قال ابن عباس : كانوا يجعلون من حرثهم ومواشيهم جزءاً لله وجزءاً لشركائهم، فكان إذا خالط مما جعلوا جزءاً لشركائهم ما جعلوه لله، رجعوا فيما جعلوه لله تعالى فجعلوه لشركائهم، وكانوا إذا أجدبوا أخذوا ما جعلوه لله تعالى لأنفسهم، فنزلت الآية١.
١ - روي عن علي بن أبي طلحة والصوفي، والواحد النيسابوري وابن كثير والقرطبي. انظر أسباب النزول للواحدي، وأحكام القرآن لابن عربي، ومحاسن التأويل للقاسمي، وتفسير القرطبي وابن كثير..
قوله تعالى :﴿ وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ ﴾ الآية [ ١٣٨ ] : أما الأنعام التي ذكرها أولاً، فهي ما جعلوه لأوثانهم، والأنعام التي ذكرت ثانياً، فالسائبة والوصيلة والحام.
قوله تعالى :﴿ قَدْ خَسِرَ الّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً ﴾، الآية :[ ١٤٠ ] :
أراد به : قتلوهم سفهاً خوف الإملاق، وحجروا على أنفسهم في أموالهم، ولم يحسوا فيه الإملاق، فأبان عن تناقض آرائهم.
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : إذا أردت أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين والمائة من سورة الأنعام إلى قوله :﴿ قَدْ خَسِرَ الّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرمَّوا مَا رَزَقَهُمُ اللهُ افتِراءً عَلَى اللهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهتَدِينَ١.
١ - انظر الشهابن والسيوطي في الإكليل، وابن كثير، وفتح البيان..
قوله تعالى :﴿ وَهُوَ الّذِي أَنشَأ جَنّاتٍ معْرُوشَاتٍ ﴾، الآية :[ ١٤١ ] :
استدل به من أوجب العشر في الخضروات، وأنه تعالى قال :﴿ وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾، والمذكور قبله الزيتون والرمان، والمذكور عقيب جملة ينصرف إلى الأخير بلا خلاف.
ومن يخالف ذلك يقول : الظاهر منه الحبوب، فإن الحصاد لا يطلق حقيقة إلا عليه، وإنما يطلق على ما سواه مجازاً فاعلمه.
وأمكن أن يقال : إن المراد بقوله :﴿ وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ : حقه الإنفاق منه على ذويه وأقربائه وعلى نفسه، وصرفه في المصارف الواجبة، فإن ذلك بمعنى العشر أو نصف العشر، ويدل على ذلك أن الله تعالى قال :﴿ وَلاَ تُسرِفُوا إنّهُ لاَ يحِب المُسْرِفِينَ ﴾، وإنما يقال ذلك فيما ليس مقدراً، بل هو مفوض إلى اختيار الإنسان واجتهاده، فعليه أن يراعي حد الاقتصاد والاجتهاد، فأما إذا كان الواجب محدوداً مقدراً فلا يقال فيه : ولا تسرفوا، وهذا هو الظاهر من الكلام، وليس فيه دليل على العشر من الخضروات١.
١ - انظر الإكليل للسيوطي..
قوله تعالى :﴿ قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلي مُحَرَّماً ﴾، الآية :[ ١٤٥ ] :
احتج به كثير من السلف في إباحة ما عدا المذكور في هذه الآية.
فمنها لحوم الحمر الأهلية، روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار قال : قلت لجابر بن زيد، إنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية، قال :
قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : ولكن أبى ذلك البحر يعني ابن عباس، وقرأ :﴿ قُلْ لا أَجِد فِيما أُوحيَ إليَّ مُحَرَّماً ﴾. الآية.
وعن عائشة أنها كانت لا ترى بلحوم السباع والدم يكون في أعلى العروق بأساً، وقد قرأت هذه الآية :﴿ قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمََا أُوحِيَ إليَّ مُحَرَّماً ﴾ الآية.
واعلم أن ظاهر الآية لا يمنع من تحريم غير المذكور، إلا أنه لا يدل على أنه لا يحرم في الشرع الآن، ويجوز أن يكون قد تجدد بعده.
وقد قيل :﴿ قُلْ لا أَجِد فِيما أُوحيَ إليَّ مُحَرماً ﴾، مما كنتم تستبيحونه وتتناولونه ولا تعدونه من الخبائث إلا هذه الأمور، وإلا فقد اشتمل القرآن على أشياء محرمة كالمنخنقة والموقوذة، واشتمل الإجماع على تحريم أشياء كالقاذورات والخمر والآدمي، والأشياء التي أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلها، وقد شرحنا ذلك في أصول الفقه، إلا أن ظهور١ الآية، لا يدفع قبل بيان التأويل، وعليه بنى الشافعي تحليل كل مسكوت عنه أخذاً من هذه الآية، إلا ما دل عليه الدليل.
وبالجملة، الاتفاق على تحريم أشياء لا ذكر لها في الآية مع خصوص السبب الذي قاله المفسرون يقوي التأويل ويجوز قبول أخبار الآحاد فيه.
١ - أي ظاهر..
قوله تعالى :﴿ وَعَلَى الّذِينَ هَادُوا حَرمنَا كُل ذي ظُفرٍ وَمِنَ البَقَرِ والغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهمْ شُحُومَهُمَا إلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الحَوَايَا ﴾، الآية :[ ١٤٦ ] :
هذا يحتج به الشافعي، في أن من حلف لا يأكل الشحم، حنث بأكل شحم الظهور، لاستثناء الله تعالى ما على ظهورها من جملة الشحم.
قوله تعالى :﴿ ولاَ تَقرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إلاَّ بِالّتي هي أَحْسَنُ حَتّى يَبلُغَ أَشُدَّهُ١ :
إنما خص اليتيم بالذكر فيما أمرنا به من ذلك، لعجزه عن الانتصار لنفسه، وتأكد الأطماع في ماله، فلا جرم أكد النهي عن أخذ ماله بتخصيصه بالذكر.
وقوله تعالى :﴿ إلاّ بِالتّي هِيَ أَحسَنْ ﴾ : يدل على أن للوصي أن يدفع مال اليتيم مضاربة، وجعل المراد بلوغ الأشد، وذلك هو البلوغ، لأن الأشد والكمال لا يعرف إلا بوجود الحد الشرعي وهو البلوغ.
وأبو حنيفة يقول : بلوغ الأشد : بلوغ خمس وعشرين سنة، وهذا تحكم منه لا وجه له، ولا دليل عليه لا لغة ولا شرعاً.
١ - سورة الأنعام، آية ١٥٢. انظر سنن أبي داود في هذه الآية..
قوله تعالى :﴿ وأَنّ هَذَا صِرَاطي مُسْتَقِيماً فاتّبِعُوهُ ولاَ تَتّبِعُوا السُّبُلَّ فَتَفَرقَ بِكُمْ عَن سَبيلِهِ ﴾، الآية :[ ١٥٣ ] :
يدل على منع الارتياء١، والنظر مع وجود النص ومنع من الاختلاف.
١ - أي الرأي..
قوله :﴿ إنَّ الّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً ﴾، الآية :[ ١٥٩ ] : وإنما قال ذلك لأن بعض هؤلاء يكفر بعضاً، من حيث لم يكن من السنة المأثورة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرفوا الكلم تعصُباً وهوى، فحذر الله تعالى من ذلك ودعا إلى الاجتماع والألفة.
قوله تعالى :﴿ قُل إنني هَدَاني ربي إلى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ ومَمَاتي لله ربِّ العَالَمِينّ ﴾، الآية :[ ١٦١، ١٦٢ ] : استدل به الشافعي على افتتاح الصلاة بهذا الذكر، فإن الله تعالى أمر نبيه به وأنزله في كتابه.
وروي عن علي رضي الله عنه أن النبي عليه السلام كان إذا افتتح الصلاة قال :" وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي - إلى قوله - وأنا من المسلمين١ "، وروي عن عائشة : أن النبي عليه السلام كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه ثم قال :" سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك وعلا جدك ولا إله غيرك٢ ".
والأول كان يقوله قبل أن ينزل :﴿ وسَبِّح بِحَمدِ رَبّكَ حِينَ تًقُوم٣، فلما نزل ذلك وأمر بالتسبيح عند القيام إلى الصلاة، ترك الأول على زعم أبي حنيفة.
وأصحاب الشافعي يقولون : الأمر بالتسبيح لا ينافي الذكر عند افتتاح الصلاة، ويجوز أن يقول عند القيام : سبحان الله وبحمده، وإذا قام من القراءتين، وكذلك قوله :﴿ وسَبِّحْ بِحَمْد ربِّكَ حينَ تَقُومُ، ومِنَ اللّيلِ فَسَبِّحْهُ ﴾، وذلك يدل على ما قلناه من أن ذلك التسبيح ليس ذكراً في الصلاة.
١ - أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي خيثمة زهير بن حرب عن عبد الرحمن بن مهدي..
٢ - أخرجه الإمام أحمد في مسنده..
٣ - سورة الطور، آية ٤٨..
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَكْسِبُ كُل نَفْسٍ إلاّ عَلَيْهَا ﴾، الآية :[ ١٦٤ ] :
يحتج به في عدم نفوذ تصرف زيد على عمرو، إلا ما قام الدليل عليه.
قوله تعالى :﴿ ولا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾، الآية :[ ١٦٤ ] : يحتج به في ألاَّ يؤاخذ زيد بفعل عمرو، وأن كل مباشر لجريمته فعليه مغبتها.
سورة الأنعام
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

لم تَحْتَوِ سورةُ (الأنعام) على كثيرٍ من الأحكام الشَّرعية كأخواتِها من السُّوَر الطِّوال؛ بل اهتمَّت بتحقيقِ مقصدٍ عظيم؛ وهو (توحيدُ الألوهية، وتثبيتُ مسائلِ العقيدة)، وكما قال أبو إسحاقَ الأَسْفَرَائينيُّ: «في سورةِ الأنعام كلُّ قواعدِ التوحيد»؛ فقد رسَمتِ السورةُ معالمَ على طريق الهداية، ذاكرةً قصَّةَ إبراهيمَ في البحث عن الحنيفيَّةِ الخالصة بما حَوَتْهُ من حُجَجٍ عقلية، وبراهينَ قاطعة؛ فعنايةُ السورة بالعقيدة كانت واضحةً جليَّة؛ لكي يُحقِّقَ العبدُ ما افتُتحت به السورةُ: {اْلْحَمْدُ لِلَّهِ اْلَّذِي خَلَقَ اْلسَّمَٰوَٰتِ وَاْلْأَرْضَ} [الأنعام: 1].

ترتيبها المصحفي
6
نوعها
مكية
ألفاظها
3055
ترتيب نزولها
55
العد المدني الأول
167
العد المدني الأخير
167
العد البصري
166
العد الكوفي
165
العد الشامي
166

* قوله تعالى: ﴿وَلَا تَطْرُدِ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلْغَدَوٰةِ وَاْلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٖ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٖ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ اْلظَّٰلِمِينَ﴾ [الأنعام: 52]:

عن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه، قال: «فِيَّ نزَلتْ: ﴿وَلَا تَطْرُدِ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلْغَدَوٰةِ وَاْلْعَشِيِّ [الأنعام: 52].

قال: نزَلتْ في ستَّةٍ؛ أنا وابنُ مسعودٍ منهم، وكان المشركون قالوا له: تُدْني هؤلاء؟!».

وفي روايةٍ: «كنَّا مع النبيِّ ﷺ في ستَّةِ نفَرٍ، فقال المشركون للنبيِّ ﷺ: اطرُدْ هؤلاء؛ لا يَجترِئون علينا!

قال: وكنتُ أنا وابنُ مسعودٍ ورجُلٌ مِن هُذَيلٍ وبلالٌ ورجُلانِ لستُ أُسمِّيهما، فوقَعَ في نفسِ رسولِ اللهِ ﷺ ما شاءَ أن يقَعَ، فحدَّثَ نفسَهُ؛ فأنزَلَ اللهُ: ﴿وَلَا تَطْرُدِ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِاْلْغَدَوٰةِ وَاْلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٖ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٖ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ اْلظَّٰلِمِينَ﴾ [الأنعام: 52]». أخرجه مسلم (٢٤١٣).

* قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اْسْمُ اْللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: 121]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «جاءت اليهودُ إلى النبيِّ ﷺ، فقالوا: نأكلُ ممَّا قتَلْنا، ولا نأكلُ ممَّا قتَلَ اللهُ؟ فأنزَلَ اللهُ: ﴿وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اْسْمُ اْللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: 121] إلى آخِرِ الآيةِ». أخرجه أبو داود (٢٨١٩).

* قوله تعالى: ﴿مَن جَآءَ بِاْلْحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشْرُ أَمْثَالِهَاۖ﴾ [الأنعام: 160]:

صحَّ عن أبي ذَرٍّ الغِفَاريِّ رضي الله عنه أنه قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: «مَن صامَ ثلاثةَ أيَّامٍ مِن كلِّ شهرٍ، فذلك صيامُ الدَّهْرِ؛ فأنزَلَ اللهُ تصديقَ ذلك في كتابِهِ: ﴿مَن جَآءَ بِاْلْحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشْرُ أَمْثَالِهَاۖ﴾ [الأنعام: 160]؛ فاليومُ بعشَرةِ أيَّامٍ». أخرجه الترمذي (٧٦٢).


سُمِّيتْ سورةُ (الأنعام) بذلك؛ لأنَّها السورةُ التي عرَضتْ لذِكْرِ (الأنعام) على تفصيلٍ لم يَرِدْ في غيرها من السُّوَر.

* جاء في فضلِ سورة (الأنعام): أنَّها نزَلتْ وحولها سبعون ألفَ مَلَكٍ يُسبِّحون:

دلَّ على ذلك ما رواه ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: «نزَلتْ سورةُ الأنعامِ بمكَّةَ ليلًا جُمْلةً، حولَها سبعون ألفَ مَلَكٍ، يَجأرون حولها بالتَّسْبيحِ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلَّام (ص240)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في "عمدة التفسير" (1/761).

وقريبٌ منه ما جاء عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ سورةُ الأنعامِ على النَّبيِّ ﷺ ومعها مَوكِبٌ مِن الملائكةِ سَدَّ ما بين الخافِقَينِ، لهم زَجَلٌ بالتَّسْبيحِ والتَّقْديسِ، والأرضُ تَرتَجُّ، ورسولُ اللهِ ﷺ يقولُ: سُبْحانَ اللهِ العظيمِ، سُبْحانَ اللهِ العظيمِ». "المعجم الأوسط" للطبراني (٦٤٤٧).

اشتمَلتِ السُّورةُ على عِدَّة موضوعات جاءت مُرتَّبةً كالآتي:

الاستفتاح بالحمد، وخَلْق الإنسان وبَعْثه (١-٣).

إعراض المشركين (٤-١١).

مع الله حُجَج بالغة (١٢-٢٠).

في موقف الحشر (٢٢-٣٢).

تسليةٌ وتثبيت (٣٣-٣٥).

لماذا الإعراض؟ (٣٦-٤١).

سُنَنٌ ربانية (٤٢-٤٧).

مهمة الرسل عليهم السلام (٤٨- ٥٨).

مفاتيح الغيب (٥٩-٦٧).

تجنُّب مجال الخائضين (٦٨-٧٠).

معالمُ على طريق الهداية (٧١-٧٣).

قصة إبراهيمَ عليه السلام (٧٤-٩٠).

الاحتجاج على منكِري البعث (٩١-٩٤).

من دلائلِ القدرة (٩٥-٩٩).

الرد على مزاعمِ المشركين، وتقرير العقيدة (١٠٠-١٠٥).

منهج التعامل مع المشركين (١٠٦-١٠٨).

تعنُّتٌ وإصرار (١٠٩-١١١).

الإعلام المضلِّل وموقف الإسلام منه (١١٢-١١٤).

قواعدُ وأصول في العقيدة والدعوة (١١٥-١١٧).

قواعد وأصول في التحليل والتحريم (١١٨-١٢١).

من مظاهرِ الصُّدود وأسبابه (١٢٢-١٢٦).

وعدٌ ووعيد (١٢٧-١٣٥).

من جهالات المشركين (١٣٦-١٤٠).

حُجَجٌ باهرة، ونِعَمٌ ظاهرة (١٤١-١٥٠).

الوصايا العَشْرُ (١٥١-١٥٣).

من مشكاةٍ واحدة (١٥٤-١٥٧).

وماذا بعد الحُجَج؟ (١٥٨-١٦٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (2 /393).

أُقيمت هذه السُّورةُ على مقصدٍ عظيمٍ جدًّا؛ ألا وهو (تحقيق التَّوحيد)؛ وذلك بإشعار الناس بأنَّ حقَّ الحمد ليس إلا للهِ؛ لأنَّه مُبدِعُ العوالِمِ: جواهرَ وأعراضًا؛ فعُلِم أنه المتفرِّدُ بالإلهيَّة، وأنَّ الأصنامَ والجِنَّ تأثيرُها باطلٌ؛ فالذي خلَق الإنسانَ ونظامَ حياته وموته بحِكْمته هو المستحِقُّ لوصفِ الإلهِ المتصرِّف. وجاءت السورةُ بتنزيه اللهِ عن الولَدِ والصاحبة، وكما قال أبو إسحاقَ الأَسْفَرَائينيُّ: «في سورةِ الأنعامِ كلُّ قواعدِ التوحيد». واشتمَلتِ السورةُ على موعظة المُعرِضين عن آياتِ القرآن والمكذِّبين بالدِّين الحقِّ، وتهديدِهم بأن يحُلَّ بهم ما حَلَّ بالقرونِ المكذِّبين من قبلِهم والكافرين بنِعَمِ الله تعالى، وأنَّهم ما يضُرُّون بالإنكارِ إلا أنفسهم، ووعيدِهم بما سيَلقَون عند نزعِ أرواحهم، ثم عند البعثِ.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (7 /123).