تفسير سورة الأنبياء

تفسير القرآن

تفسير سورة سورة الأنبياء من كتاب تفسير القرآن
لمؤلفه الصنعاني . المتوفي سنة 211 هـ
سورة الأنبياء

بسم الله الرحمن الرحيم

عبد الرزاق قال : أنا معمر عن الكلبي في قوله تعالى :﴿ فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ﴾ قال : يعني أهل التوراة، يقول : سلوهم هل جاءهم إلا رجال يوحى إليهم.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن الكلبي في قوله تعالى :﴿ وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة ﴾ قال : هي حصون١ بني أزد.
١ في (ق) حضور، وما أثبتناه من (م) ومن الدر المنثور.
وفي هامش (ق): حضور قرية من قرى اليمن وإليها بعث شعيب عليه السلام..

عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ﴾ قال : يقول : إلى ما أترفتم فيه من دنياكم ﴿ لعلكم تسألون ﴾ من دنياكم شيئا، استهزاء بهم.
﴿ قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين ﴾ قال : فما هجيراهم١ إلا الويل.
١ معنى هجيراهم: أي هذيانهم، أو كلامهم الذي رددوه. أو دأبهم وعادتهم..
﴿ فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين ﴾ يقول : حتى هلكوا. عبد الرزاق قال : أنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ﴿ حتى جعلناهم حصيدا خامدين ﴾ قال : ضربا بالسيف.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ لو أردنا أن نتخذ لهوا ﴾ قال : اللهو في بعض لغة أهل اليمن المرأة ﴿ لاتخذنه من لدنا إن كنا فاعلين ﴾ يقول : ما كنا فاعلين.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة في قوله :﴿ بل نقذف بالحق ﴾ قال : القرآن.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ فإذا هو زاهق ﴾ قال : هالك.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ يستحسرون ﴾ قال : لا يعيون.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ اتخذ الرحمن ولدا ﴾ قالت اليهود وطوائف من الناس : إن الله خاتن إلى الجن، فالملائكة من الجن، قال الله سبحانه :﴿ بل عباد مكرمون ﴾، حتى بلغ ﴿ وهم من خشيته مشفقون ﴾، قال : لا يشفعون يوم القيامة إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم } قال : هي خاصة لإبليس.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ من الماء كل شيء حي ﴾ قال : كل شيء حي خلق من الماء.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله :﴿ كانتا رتقا ففتقناهما ﴾ قال : فتق سبع سماوات بعضهن فوق بعض، وسبع أرضين بعضهن تحت بعض. عبد الرزاق قال : أنا معمر عن الكلبي قوله تعالى :﴿ رتقا ففتقناهما ﴾ قال : فتق السماء عن الماء، والأرض عن النبات. عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس قال : خلق الله الليل والنهار ثم قرأ :﴿ كانتا رتقا ففتقناهما ﴾.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ في فلك يسبحون ﴾ قال : يجرون في فلك السماء كما رأيت، قال : معمر، وقال الكلبي : كل شيء يدور فهو فلك.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ خلق الإنسان من عجل ﴾، قال : خلق الإنسان عجولا.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله :﴿ منا يصحبون ﴾ قال : ينصرون.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ ننقصها من أطرافها ﴾ قال : قال الحسن : هو ظهور المسلمين على المشركين، وقال عكرمة : هو الموت.
عبد الرزاق قال : أنا الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى :﴿ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة ﴾ إنما هو مثل، كما يجوز الوزن كذلك يجوز الحق١.
عبد الرزاق قال : أخبرني الثوري عن ليث عن مجاهد قال :﴿ ونضع الموازين ﴾ قال : العدل.
عبد الرزاق قال : أنا عبد الصمد قال : سمعت وهبا يقول : إنما يوزن من الأعمال خواتيمها، فإذا أراد الله بعبد خيرا ختم له بخير عمله، وإذا أراد الله بعبد سوءا ختم له بشر عمله.
١ هكذا في جميع الروايات، والمراد بها- والله أعلم- كما يجوز الوزن في كل شيء لبيان مقداره فكذلك يجوز وزن الحق بمعنى تقديره..
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ قلنا يا نار كونى بردا وسلما على إبراهيم ﴾ قال : قال كعب : ما انتفع أحد من أهل الأرض يومئذ بنار، ولا أحرقت النار يومئذ شيئا إلا وثاق إبراهيم.
[ عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة قال : لم تأت يومئذ دابة إلا أطفأت عنه النار إلا الوزغ ]١.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة : كان الوزغ ينفخ على النار وكانت الضفادع تطفئها، فأمر بقتل هذا ونهي عن قتل هذا.
عبد الرزاق قال : أخبرني معمر عن الزهري قال : أخبرني عامر بن سعد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتله وسماه فويسقا يعني الوزغ. ٢
١ هذه الرواية غير موجودة في (م)..
٢ رواه البخاري في الأنبياء ولم يذكر (وسماه فويسقا) انظر ج ٤ ص ١١٢ وكذلك في بدء الخلق.
ورواه مسلم بسند عبد الرزاق نفسه وبألفاظه انظر ج ٧ ص ٤٢ في كتاب السلام..

عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي بركنا فيها ﴾ قال : هاجرا جميعا من كوثا إلى الشام.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن الكلبي في قوله تعالى :﴿ ويعقوب نافلة ﴾ قال : دعا بإسحاق فاستجيب له، وزيد يعقوب نافلة.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ نفشت فيه غنم القوم ﴾ قال : في حرث القوم.
عبد الرزاق قال : أنا معمر قال الزهري : النفش لا يكون إلا ليلا، والهمل بالنهار.
قال قتادة : فقضى داود أن يأخذوا الغنم، ففهمها الله سليمان، فلما أخبر سليمان بقضاء داود قال : لا، ولكن خذوا الغنم، فلكم ما خرج من رسلها١ وأولادها وأصوافها إلى الحول.
قال : عبد الرزاق قال معمر : وبلغني أن الحرث الذي نفشت فيه الغنم كان عنبا.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن الزهري عن ابن محيصة أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدته، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم على أهل الأموال حفظها بالنهار، وعلى أهل المواشي حفظها بالليل٢.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة عن الشعبي أن شاة وقعت في غزل حوّاك فاختصموا إلى شريح، فقال الشعبي : انظروا فإنه سيسألهم ليلا كان أو نهارا فقال شريح : ليلا كان أم نهارا ؟ قال : إن كان نهارا فلا ضمان على صاحبها، وإن كان ليلا ضمن، قال وقرأ :﴿ إذ نفشت فيه غنم القوم ﴾ ثم قال : النفش بالليل والهمل بالنهار.
عبد الرزاق قال معمر، وقال قتادة : بلغنا أن داود حكم بالغنم لأهل الزرع، ففهمها الله سليمان، قال : فبلغنا أن سليمان قضى أن الغنم تكون مع أهل الزرع، فلهم ما يخرج من أصوافها وألبانها وأولادها عامها ذلك.
عبد الرزاق قال : أنا الثوري عن أبي إسحاق عن مرة عن مسروق في قوله تعالى :﴿ وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم ﴾ قال : كان حرثهم عنبا، فنفشت فيه الغنم ليلا، فقضى بالغنم لهم، فمروا على سليمان فأخبروه الخبر، فقال : أو غير ذلك ؟ فردهم إلى داود فقال : ما قضيت بين هؤلاء ؟ فأخبروه، قال : ولكن اقض بينهم أن يأخذوا غنمهم فيكون لهم لبنها وصوفها وسمنها ومنفعتها، ويقوم هؤلاء على عنبهم حتى إذا عاد كما كان ردوا عليهم غنمهم، قال : فذلك قوله ﴿ ففهمناها سليمان ﴾.
١ المراد برسلها: الرسل: ذوات اللبن. كما في لسان العرب..
٢ أخرجه أبو داود في كتاب البيوع ج ٥ ص ٢٠٢..
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ وعلمناه صنعة لبوس لكم ﴾ قال : كانت صفائح فأول من سردها وحلقها داود.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن الحسن في قوله تعالى :﴿ وآتيناه أهله ومثلهم معهم ﴾ قال : آتاه الله أهله في الدنيا ومثلهم معهم من نسلهم، وقال معمر وقال الكلبي : آتاه الله أهله في الدنيا، ومثلهم معهم في الآخرة.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ وذا الكفل ﴾ قال : قال أبو موسى الأشعري لم يكن ذو الكفل نبيا، ولكنه كفل بصلاة رجل كان يصلي في كل يوم صلاة فتوفي، فكفل١ بصلاته فلذلك سمي ذا الكفل.
١ في (م) فتكفل..
عبد الرزاق عن معمر عن الكلبي في قوله :﴿ إذ ذهب مغاضبا ﴾ قال : غاضب قومه ولم يغاضب ربه.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة والكلبي ﴿ فظن أن لن نقدر عليه ﴾ قالا : ظن أن لن نقضي عليه العقوبة.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ فنادى في الظلمات ﴾ قال : ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى :﴿ حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ﴾ قال : من كل أكمة.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة أن أبا سعيد الخدري قال : إن الناس يحجون ويعتمرون بعد خروج يأجوج ومأجوج.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة عن عامر البكالي قال : إن الله جزأ الملائكة والإنس والجن عشرة أجزاء فتسعة أجزاء منهم الكروبيون، وهم الملائكة الذين يحملون العرش، وهم أيضا ﴿ يسبحون الليل والنهار لا يفترون ﴾ قال : ومن بقي من الملائكة : لأمر الله ولوحي الله ولرسالات الله قال : ثم جزأ الإنس والجن عشرة أجزاء فتسعة منها١ الجن، ولا يولد من الإنس ولد إلا ولد من الجن تسعة، ثم جزأ الإنس عشرة أجزاء فتسعة منهم يأجوج ومأجوج، وسائر الناس جزء واحد٢.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن رجل عن حميد بن هلال٣ عن أبي الصيف قال : قال كعب : إذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج حفروا حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم، وإذا كان الليل قالوا : نجيء غدا فنفتح فنخرج، فيعيده الله كما كان، فيجيئون من الغد فيحفرون حتى يسمع الذي يلونهم قرع فؤوسهم فإذا كان الليل قالوا نجيء غدا٤ فنخرج، فيجيئون من الغد، فيجدونه من الغد٥ قد أعاده الله كما كان، فيحفرون حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم فإذا كان الليل ألقى الله على لسان رجل منهم، فيقول : نجيء غدا فنخرج إن شاء الله، فيجيئون من الغد فيجدونه كما تركوه فيحفرون ثم يخرجون، فتمر الزمرة الأولى منهم بالبحيرة فيشربون ماءها، ثم تمر الزمرة الثانية فيلحسون طينها، ثم تمر الزمرة الثالثة، فيقولون : لقد كان مرة ها هنا ماء، قال : ويفر الناس منهم، فلا يقوم لهم شيء، ثم يرمون بسهامهم إلى السماء فترجع مختضبة بالدماء فيقولون : غلبنا أهل الأرض وأهل السماء، فيدعو عليهم عيسى ابن مريم، فيقول : اللهم لا طاقة لنا بهم، ولا يدين لنا بهم فاكفناهم بما شئت، فيسلط الله عليهم دودا يقال له : النغف فتفرس٦ رقابهم، ويبعث الله عليهم طيرا تأخذهم بمناقيرها فتلقيهم في البحر، فيبعث الله غيثا يقال له الحياة، يطهر الأرض وينبتها، حتى إن الرمانة ليشبع منها السكن، قيل وما السكن ؟ قال : أهل البيت. قال : فبينا الناس كذلك إذا أتاهم الصريخ : إن ذا السويقتين قد غزا البيت يريده، فيبعث الله إليه عيسى ابن مريم طليعة سبع مائة، أو بين السبع مائة والثماني مائة، حتى إذا كان ببعض الطريق بعث الله ريحا يمانية طيبة، فيقبض فيها روح كل مؤمن، ثم يبقى عجاج من الناس يتسافدون كما تتسافد البهائم، فمثل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه ينتظر ولادها حتى تضع، فمن تكلف بعد قولي هذا شيئا أو بعد علمي هذا شيئا فهو متكلف.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن أبي إسحاق عن وهب بن جابر الخيواني٧ عن عبد الله بن عمرو، قال : ما يموت الرجل من يأجوج ومأجوج حتى يولد له من صلبه ألف رجل، وإن من ورائهم لثلاث أمم ما يعلم عددهم٨ إلا الله : منسك وتاويل وتاريس.
١ في (م) منهم..
٢ كلمة (واحد) من (م)..
٣ في هامش (ق) هلال. وفي النسختين (هليل). وهي تهذيب التهذيب ج ٣ ص ٥١ (هلال) وكذلك رواية الطبري فرجحناها..
٤ في (م) فنفتح فنخرج..
٥ (من الغد) من (ق)..
٦ معنى (تفرس رقابهم): تكسر رقابهم..
٧ في هامش (ق) خيوان في همدان، وكذا في تهذيب التهذيب ج ١١ ص ١٦٠ وفي (م) الحلواني..
٨ في (م) عدتهم..
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة في قوله :﴿ حصب جهنم ﴾ قال : حطب جهنم يقذفون فيها.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن الكلبي في قوله تعالى :﴿ لا يحزنهم الفزع الأكبر ﴾ قال : إذا أطبقت النار على أهلها.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن الكلبي في قوله تعالى :﴿ ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ﴾ قال : في الزبور من بعد التوراة ﴿ أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ﴾ قال معمر : وقال غير الكلبي : في الزبور : في الكتاب، من بعد الذكر قال : الأصل الذي عند الله.
عبد الرزاق قال : أنا معمر عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شهد قتالا قال : رب احكم بالحق١
١ نسبه السيوطي إلى عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة انظر الدر ج ٤ ص ٣٤٢..
سورة الأنبياء
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الأنبياء) سورةٌ مكية، ذكَرتِ الكثيرَ من قِصص الأنبياء بغرضِ بيان دَوْرهم في نشرِ الاعتقاد الصحيح، والدعوةِ إلى الله، وكذا أبانت عن مقصدٍ آخرَ عظيم؛ وهو قربُ الحساب؛ كما دلَّتْ على ذلك مجموعةُ قِصَصِ الأنبياء المذكورة، وهذا ما أشارت إليه فاتحةُ السورة من قُرْبِ الحساب، وغفلةِ الناس عن ذلك، وفي ذلك دلائلُ كثيرة على وَحْدانية الله عز وجل، وتنزيهِه عن العبث.

ترتيبها المصحفي
21
نوعها
مكية
ألفاظها
1174
ترتيب نزولها
73
العد المدني الأول
111
العد المدني الأخير
111
العد البصري
111
العد الكوفي
112
العد الشامي
111

* قوله تعالى: {إِنَّ اْلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا اْلْحُسْنَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101]:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «آيةٌ في كتابِ اللهِ لا يَسألُني الناسُ عنها، ولا أدري أعرَفوها فلا يَسألوني عنها أم جَهِلوها فلا يَسألوني عنها؟! قيل: وما هي؟ قال: لمَّا نزَلتْ {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اْللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَٰرِدُونَ} [الأنبياء: 98]، شَقَّ ذلك على أهلِ مكَّةَ، وقالوا: شتَمَ مُحمَّدٌ آلهتَنا، فقامَ ابنُ الزِّبَعْرَى، فقال: ما شأنُكم؟ قالوا: شتَمَ مُحمَّدٌ آلهتَنا، قال: وما قال؟ قالوا: قال: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اْللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَٰرِدُونَ} [الأنبياء: 98]، قال: ادعُوه لي، فدُعِيَ مُحمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، فقال ابنُ الزِّبَعْرَى: يا مُحمَّدُ، هذا شيءٌ لآلهتِنا خاصَّةً أم لكلِّ مَن عُبِدَ مِن دُونِ اللهِ؟ قال: «بل لكلِّ مَن عُبِدَ مِن دُونِ اللهِ عز وجل»، قال: فقال: خصَمْناه ورَبِّ هذه البَنِيَّةِ، يا مُحمَّدُ، ألستَ تزعُمُ أنَّ عيسى عبدٌ صالحٌ، وعُزَيرًا عبدٌ صالحٌ، والملائكةَ عبادٌ صالحون؟ قال: «بلى»، قال: فهذه النصارى يعبُدون عيسى، وهذه اليهودُ تعبُدُ عُزَيرًا، وهذه بنو مَلِيحٍ تعبُدُ الملائكةَ، قال: فضَجَّ أهلُ مكَّةَ؛ فنزَلتْ: {إِنَّ اْلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا اْلْحُسْنَىٰٓ} عيسى وعُزَيرٌ والملائكةُ {أُوْلَٰٓئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101]، قال: ونزَلتْ: {وَلَمَّا ‌ضُرِبَ ‌اْبْنُ ‌مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} [الزخرف: 57]؛ وهو الضَّجيجُ». "شرح مشكل الآثار" للطَّحاويِّ (986).

قال الشيخُ السعديُّ رحمه الله في هذه الآيةِ: «ودخولُ آلهة المشركين النارَ: إنما هو الأصنامُ، أو مَن عُبِدَ وهو راضٍ بعبادته، وأما المسيح، وعُزَيرٌ، والملائكة، ونحوُهم ممَّن عُبِد من الأولياء: فإنهم لا يُعذَّبون فيها، ويدخلون في قوله: {إِنَّ اْلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا اْلْحُسْنَىٰٓ}؛ أي: سبَقتْ لهم سابقةُ السعادة في علمِ الله، وفي اللَّوْحِ المحفوظ، وفي تيسيرِهم في الدنيا لليُسْرى والأعمالِ الصالحة، {أُوْلَٰٓئِكَ عَنْهَا}؛ أي: عن النار، {مُبْعَدُونَ} فلا يدخُلونها، ولا يكونون قريبًا منها، بل يُبعَدون عنها غايةَ البُعْدِ؛ حتى لا يَسمَعوا حسيسَها، ولا يَرَوْا شخصَها». "تفسير السعدي" (ص531).

* سورة (الأنبياء):

سُمِّيتْ سورة (الأنبياء) بهذا الاسمِ؛ لحديثها عن الأنبياء، ودَوْرِهم في تصحيح العقيدة، وتذكير البشرية.

* تُعَدُّ سورة (الأنبياء) من قديم ما تعلَّمه الصحابةُ من النبي صلى الله عليه وسلم:

عن عبد الرَّحمنِ بن يَزيدَ بن جابرٍ، قال: «سَمِعْتُ ابنَ مسعودٍ يقولُ في (بَنِي إسرائِيلَ)، و(الكَهْفِ)، و(مَرْيَمَ)، و(طه)، و(الأنبياءِ): إنَّهُنَّ مِن العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلادي». أخرجه البخاري (4994).

قال أبو عُبَيدٍ: «قولُه: «مِن تِلَادي» : يعني: مِن قديمِ ما أخَذْتُ مِن القرآنِ؛ وذلك أنَّ هذه السُّوَرَ نزَلتْ بمكَّةَ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام (ص247).

جاءت موضوعاتُ سورة (الأنبياء) على النحو التالي:

1. غفلة الناس عن الساعة، وإعراضهم عن القرآن (١-٦).

2. الإنذار بالوحي سمةٌ مشتركة بين الرسل عليهم السلام (٧-١٥).

3. دلائل الوَحْدانية والقدرة، وتنزيهُه تعالى عن العبث (١٦-٣٣).

4. المصير المحتوم، وعناية الله بخَلْقه (٣٤-٤٧).

5. دعوة الأنبياء (٤٨-٩١).

6. وَحْدة الملة، وعدل الجزاء (٩٢-١٠٦).

7. ختام سلسلة الأنبياء رحمةٌ مهداة (١٠٧- ١٢١).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /5).

لسورة (الأنبياء) مقصدانِ عظيمانِ:

* الأول: بيانُ معالمِ التوحيد، ودَوْر الأنبياء في تصحيح العقيدة، وتذكير البشرية.

* والثاني: الاستدلال على تحقُّقِ الساعة وقُرْبِها، ولو بالموت، ووقوعِ الحساب فيها على الجليل والحقير؛ لأن مُوجِدَها لا شريكَ له يعُوقُه عنها، وهو مَن لا يُبدَّل القولُ لديه، والدالُّ على ذلك أوضَحَ دَلالةٍ: مجموعُ قِصَصِ جماعةٍ ممَّن ذُكِر فيها من الأنبياء عليهم السلام، ولا تستقلُّ قصةٌ منها استقلالًا ظاهرًا لجميع ذلك.

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (1 /5)، و"مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /268).