تفسير سورة الفيل

تفسير النسفي

تفسير سورة سورة الفيل من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي.
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
مكية، وهي خمس آيات.

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (١)
﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ﴾ كَيْفَ في موضع نصب بفعل لا بألم تَرَ لما في كَيْفَ من معنى الاستفهام والجملة سدت مسد مفعولي تَرَ وفي أَلَمْ تعجب أي عجّب الله نبيه من كفر العرب وقد شاهدت هذه العظمة من آيات الله والمعنى إنك رأيت آثار صنع الله بالحبشة وسمعت الأخبار به متواتراً فقامت لك مقام المشاهدة ﴿بأصحاب الفيل﴾ روى أن أبرهة بن الصباح ملك اليمن من قبل أصحمة النجاشي بنى كنيسة بصنعاء وسماها القليس وأراد أن يصرف إليها الحاج فخرج رجل من كنانة فعقد فيها ليلا فأغضبه ذلك وفيل أججت رفقة من العرب ناراً فحملتها الريح فاحرقنها فحلف ليهدمن الكعبة فخرج بالحبشة ومعه قيل اسمه محمود وكان قوياً عظيماً واثنا عشر فيلاً غيره فلما بلغ المغمس خرج إليه عبد المطلب وعرض عليه ثلث أموال تهامة ليرجع فأبى وعبى جيشه وقدم الفيل وكانوا كلما وجهوه إلى الحرم برك ولم يبرح وإذا وجهوه إلى اليمن هرول فأرسل الله طيراً مع كل طائر حجر في منقاره وحجران في رجليه أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة فكان الحجر يقع على رأس الرجل
680
فيخرج من دبره وعلى كل حجر اسم من يقع عليه ففروا وهلكوا وما مات أبرهة حتى انصدع صدره عن قلبه وانفلت وزيره أبو يكسوم وطائر يحلق فوقه حتى بلغ النجاشي فقص عليه القصة فلما أتمها وقع عليه الحجر فخر ميتاً بين يديه وروي أن أبرهة أخذ لعبد المطلب مائتي بعير فخرج إليه فيها فعظم في عينه وكان رجلاً جسيماً وسيماً وقيل هذا سيد قريش وصاحب عيرمكة الذي يطعم الناس في السهل والوحوش في رءوس الجبال فلما ذكر حاجته قال سقطت من عيني جئت لأهدم البيت الذي هو دينك ودين آبائك وشرفكم في قديم الدهر فألهاك عنه ذود أخذلك فقال أنا رب الإبل وللبيت رب سيمنعه
681
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢)
﴿أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِى تَضْلِيلٍ﴾ في تضييع وإبطال يقال ضلل كيده إذا جعله ضالاً ضائعا وقيل لامرئ القيس الملك الضليل لأنه ضلل ملك أبيه أى ضيعه يعنى أنهم كادوا البيت او ببناء القليس ليصرفوا وجو الحاج إليه فضلل كيدهم بإيقاع الحريق فيه وكادوه ثانيا بارادة هدمه فضلل كيدهم بارسل الطير عليهم
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (٣)
﴿وأرسل عليهم طيرا أبابيل﴾ خزائق الواحدة إبالة قال الزجاج جماعات من ههنا وجماعات من ههنا
تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤)
﴿ترميهم﴾ وقرأ أبو حنيفة رضى الله عنه يرميهم أي الله أو الطير لأنه اسم جمع مذكر وإنما يؤنث على المعنى ﴿بِحِجَارَةٍ مّن سِجّيلٍ﴾ هو معرب من سنككل وعليه الجمهور أي الآجر
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥)
﴿فجعلهم كعصف مأكول﴾ زرع أكله الدود.
681
سورة قريش
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿لإيلاف قريش﴾
682
سورة الفيل
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الفيل) من السُّوَر المكية، وفيها تذكيرُ قُرَيش بقدرة الله عز وجل؛ إذ حمَى بيته ممن يَكِيد له، وانفرَد بحمايته دُونَ الأصنام العاجزة عن ذلك، وفيها تثبيتُ النبي صلى الله عليه وسلم بأن الذي دفَع كيدَ من يَكِيد لبيته لَأحقُّ بأن يدفعَ كيدَ من يَكِيد لرسوله صلى الله عليه وسلم ودِينِه.

ترتيبها المصحفي
105
نوعها
مكية
ألفاظها
23
ترتيب نزولها
19
العد المدني الأول
5
العد المدني الأخير
5
العد البصري
5
العد الكوفي
5
العد الشامي
5

* سورة (الفيل):

سُمِّيت سورة (الفيل) بهذا الاسم؛ لذِكْرِ قصة (الفيل) فيها، ولم يَرِدْ في غيرها.

قدرة الله في تعذيبِ مَن انتهَك حُرْمةَ بيته (١-٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /353).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقاصدها: «قد تضمَّنتِ التذكيرَ بأن الكعبة حرَمُ الله، وأن اللهَ حماه ممن أرادوا به سوءًا، أو أظهَرَ غضبَه عليهم فعذَّبهم؛ لأنهم ظلموا بطمعِهم في هدمِ مسجد إبراهيم وهو عندهم في كتابهم، وذلك ما سماه الله كيدًا، وليكونَ ما حَلَّ بهم تذكرةً لقريش بأن فاعل ذلك هو ربُّ ذلك البيت، وأنْ لا حظَّ فيه للأصنام التي نصَبوها حوله.
وتنبيهَ قُرَيش أو تذكيرهم بما ظهر من كرامة النبيِّ صلى الله عليه وسلم عند الله؛ إذ أهلَك أصحابَ الفيل في عام ولادته.
ومِن وراء ذلك تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم بأن اللهَ يدفع عنه كيدَ المشركين؛ فإن الذي دفَع كيدَ من يَكِيد لبيته لَأحقُّ بأن يدفع كيدَ من يَكِيد لرسوله صلى الله عليه وسلم ودِينِه، ويُشعِر بهذا قولُه: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٖ} [الفيل: 2].
ومن وراء ذلك كلِّه التذكير بأن اللهَ غالبٌ على أمره، وألا تغُرَّ المشركين قوَّتُهم ووفرةُ عددهم، ولا يُوهِنَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تألُّبُ قبائلهم عليه؛ فقد أهلك اللهُ من هو أشدُّ منهم قوةً، وأكثَرُ جمعًا». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /543-544).