تفسير سورة الفيل

جامع البيان في تفسير القرآن

تفسير سورة سورة الفيل من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة الفيل مكية
وهي خمس آيات.

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ ألم تر ﴾ يا محمد، جعل مشاهدة آثارها وسماع أخبارها بمنزلة الرؤية ﴿ كيف فعل ﴾ نصب كيف بفعل ﴿ ربك بأصحاب١ الفيل ﴾.
١ أخرج ابن المنذر، والحاكم وصححه، وأبو نعيم والبيهقي، عن ابن عباس قال: أقبل أصحاب الفيل، حتى إذا دنو من مكة استقبلهم عبد المطلب، فقال لملكهم: ما جاء بك إلينا ألا بعثت فنأتيك بكل شيء أردت، فقال: أخبرت بهذا البيت الذي لا يدخله أحد إلا أمن، فجئت أخيف أهله، فقال: إنا نأتيك بكل شيء تريد، فارجع، فأبى إلا أن يدخله، وانطلق يسير نحوه، وتخلف عبد المطلب، فقام على جبل فقال: لا أشهد مهلك هذا البيت وأهله، ثم قال:
اللهم إن لكل إله حلالا *** فامنع حلالك لا يغلبن محالهم
اللهم فإن فعلت فأمر ما بدا لك
فأقبلت مثل السحابة نحو البحر، حتى أظلتهم طيرا أبابيل التي قال الله:"ترميهم بحجارة من سجيل"، فجعل الفيل يعج عجا، فجعلهم كعصف مأكول/١٢، وفي الكبير رجع عبد المطلب وأتى البيت، وأخذ بحلقته، وهو يقول:
لا هم إن المرء يمنع *** له فامنع حلالك
وانصرنا على آل الصليب *** وعابديه اليوم آلك
لا يغلبن صليبهم *** ومحالهم عدوا محالك
إن كنت تاركهم وكعبتنا *** فأمر ما بدا لك
ويقول:
يا رب لا أرجو لهم سواك *** يا رب فامنع عنهم حماكا
فالتفت وهو يدعو، فإذا هو بطير من نحو اليمين، فقال: والله إنها لطير غريبة، ما هي بنجدية ولا تهامية، إلى آخر القصة/١٢. .

﴿ ألم يجعل كيدهم ﴾ في تخريب الكعبة ﴿ في تضليل ﴾ : في تضييع.
﴿ وأرسل عليهم طيرا أبابيل ﴾ : جماعات جمع إبالة، وهي الحزمة الكبيرة.
﴿ ترميهم بحجارة من سجيل ﴾ : من طين متحجر، معرب سنككل.
﴿ فجعلهم كعصف ﴾ : ورق زرع ﴿ مأكول ﴾ : أكلته الدواب وراثته، أو وقع فيه الأكال، وهو أن يأكله الدود، وقصته أن ملك اليمن أبرهة بنى كنيسة، وأراد صرف الحج إليها، فقصدها بعض قريش، وأحدث فيها، فلما رأى السدنة ذلك الحدث، أخبروا الملك بأن ليس هذا إلا من قريش غضبا لبيتهم، فتوجه الملك لتخريب الكعبة انتقاما، ومعه فيل عظيم اسمه محمود، وقيل : معه فيلة أخرى، فلما وصلوا قرب مكة تهيئوا للدخول، أرسل الله طيرا من البحر، أمثال الخطاطيف، مع كل في منقاره ورجليه ثلاثة أحجار، أصغر من حمصة، فرمتهم، فإن وقع الحجر على رأس رجل خرج من دبره، فهلكوا على بكرة أبيهم.
والحمد لله رب العالمين
سورة الفيل
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الفيل) من السُّوَر المكية، وفيها تذكيرُ قُرَيش بقدرة الله عز وجل؛ إذ حمَى بيته ممن يَكِيد له، وانفرَد بحمايته دُونَ الأصنام العاجزة عن ذلك، وفيها تثبيتُ النبي صلى الله عليه وسلم بأن الذي دفَع كيدَ من يَكِيد لبيته لَأحقُّ بأن يدفعَ كيدَ من يَكِيد لرسوله صلى الله عليه وسلم ودِينِه.

ترتيبها المصحفي
105
نوعها
مكية
ألفاظها
23
ترتيب نزولها
19
العد المدني الأول
5
العد المدني الأخير
5
العد البصري
5
العد الكوفي
5
العد الشامي
5

* سورة (الفيل):

سُمِّيت سورة (الفيل) بهذا الاسم؛ لذِكْرِ قصة (الفيل) فيها، ولم يَرِدْ في غيرها.

قدرة الله في تعذيبِ مَن انتهَك حُرْمةَ بيته (١-٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /353).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقاصدها: «قد تضمَّنتِ التذكيرَ بأن الكعبة حرَمُ الله، وأن اللهَ حماه ممن أرادوا به سوءًا، أو أظهَرَ غضبَه عليهم فعذَّبهم؛ لأنهم ظلموا بطمعِهم في هدمِ مسجد إبراهيم وهو عندهم في كتابهم، وذلك ما سماه الله كيدًا، وليكونَ ما حَلَّ بهم تذكرةً لقريش بأن فاعل ذلك هو ربُّ ذلك البيت، وأنْ لا حظَّ فيه للأصنام التي نصَبوها حوله.
وتنبيهَ قُرَيش أو تذكيرهم بما ظهر من كرامة النبيِّ صلى الله عليه وسلم عند الله؛ إذ أهلَك أصحابَ الفيل في عام ولادته.
ومِن وراء ذلك تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم بأن اللهَ يدفع عنه كيدَ المشركين؛ فإن الذي دفَع كيدَ من يَكِيد لبيته لَأحقُّ بأن يدفع كيدَ من يَكِيد لرسوله صلى الله عليه وسلم ودِينِه، ويُشعِر بهذا قولُه: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٖ} [الفيل: 2].
ومن وراء ذلك كلِّه التذكير بأن اللهَ غالبٌ على أمره، وألا تغُرَّ المشركين قوَّتُهم ووفرةُ عددهم، ولا يُوهِنَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تألُّبُ قبائلهم عليه؛ فقد أهلك اللهُ من هو أشدُّ منهم قوةً، وأكثَرُ جمعًا». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /543-544).