ﰡ
[تفسير سورة الفيل]
تَفْسِيرُ سُورَةِ" الْفِيلِ" وَهِيَ مَكِّيَّةٌ بِإِجْمَاعٍ. وَهِيَ خمس آيات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ[سورة الفيل (١٠٥): آية ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (١)فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ أَيْ أَلَمْ تُخْبَرْ. وَقِيلَ أَلَمْ تَعْلَمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلَمْ تَسْمَعْ؟ وَاللَّفْظُ اسْتِفْهَامٌ، وَالْمَعْنَى تَقْرِيرٌ. وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّهُ عَامٌّ، أَيْ أَلَمْ تَرَوْا مَا فَعَلْتُ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، أَيْ قَدْ رَأَيْتُمْ ذَلِكَ، وَعَرَفْتُمْ مَوْضِعَ مِنَّتِي عَلَيْكُمْ، فَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ؟ وكَيْفَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِ- فَعَلَ رَبُّكَ لَا بِ- أَلَمْ تَرَ كَيْفَ في مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ. الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: بِأَصْحابِ الْفِيلِ الْفِيلُ مَعْرُوفٌ، وَالْجَمْعُ أَفْيَالٌ: وَفُيُولٌ، وَفِيَلَةٌ. قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: وَلَا تَقُلْ أَفِيلَةٌ. [وَالْأُنْثَى فِيلَةٌ «١»] وَصَاحِبُهُ «٢» فَيَّالٌ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ فِيلٍ فُعْلًا، فَكُسِرَ مِنْ أَجْلِ الْيَاءِ، كَمَا قَالُوا: أَبْيَضُ وَبِيضٌ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: هَذَا لَا يَكُونُ فِي الْوَاحِدِ، إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْجَمْعِ. وَرَجُلٌ فِيلُ الرَّأْيِ، أَيْ ضَعِيفُ الرَّأْيِ. وَالْجَمْعُ أَفْيَالٍ. وَرَجُلٌ فَالٌّ، أَيْ ضَعِيفُ الرَّأْيِ، مُخْطِئُ الْفَرَاسَةِ. وَقَدْ فَالَ الرَّأْيُ يَفِيلُ فُيُولَةً، وَفَيَّلَ رَأْيَهُ تَفْيِيلًا: أَيْ ضَعَّفَهُ، فَهُوَ فَيِّلُ الرَّأْيِ. الثَّالِثَةُ: فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْفِيلِ، وَذَلِكَ أَنَّ (أَبْرَهَةَ) بَنَى الْقُلَّيْسَ بِصَنْعَاءَ، وَهِيَ كَنِيسَةٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا فِي زَمَانِهَا بِشَيْءٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ: إِنِّي قَدْ بَنَيْتُ لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ كَنِيسَةً لَمْ يُبْنَ مِثْلُهَا لِمَلِكٍ كَانَ قَبْلَكَ، وَلَسْتُ بمنته حتى أصرف إليها حج العرب
(٢). في اللسان: (وصاحبها).
(٢). (٢٩) بنو كنانة: قبيلة ذلك الرجل الذي أحدث في الكنيسة.
(٣). في سيرة ابن هشام: (واللات: بيت لهم بالطائف كانوا يعظمونه نحو تعظيم الكعبة).
وَأَرْجُمُ قَبْرَهُ فِي كُلِّ عَامٍ | كَرَجْمِ النَّاسِ قَبْرَ أَبِي رِغَالِ |
(٢). كذا في بعض نسخ الأصل وتفسير الثعلبي وتاريخ الطبري (قسم أول ص ٩٣٧ طبع أوربا) وتاريخ ابن الأثير (ج ١ ص ٣٢١ طبع أروبا). وفي بعض الأصول: تفسير الطبري وسيرة ابن هشام (ص ٣٣ طبع أوربا):" مفصود" بالفاء بدل القاف.
(٣). في هامش نسخة:" عن سيد هذا البيت.
لَا هُمَّ إِنَّ الْعَبْدَ يَمْ... - نَعُ رَحْلَهُ فَامْنَعْ حِلَالَكَ «٣»
لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ... وَمِحَالُهُمْ عدوا «٤» محالك
إن يدخلوا البلد الحرا... م فأمر ما بدا لك
(٢). المعرة الأذى. ومعرة الجيش: أن ينزلوا بقوم فيأكلوا من زروعهم بغير علم. وقيل: وطأتهم من مروا به من مسلم أو معاهد وإصابتهم إياهم في حريمهم وأموالهم وزروعهم بما لم يؤذن لهم فيه.
(٣). الحلال (بالكسر): القوم المقيمون المتجاورون. يريد بهم سكان الحرم.
(٤)." عدوا" بالعين المهملة ومعناه الاعتداء وفي السان مادة (غدا): (غدوا) بالغين المعجمة. قال: (الغدو أصل الغد وهو اليوم الذي يأتي بعد يومك فحذفت لامه ولم يستعمل تاما إلا في الشعر. ولم يرد عبد المطلب الغد بعينه وأنما أراد القريب من الزمان (.)
يَا رَبِّ لَا أَرْجُو لَهُمْ سِوَاكَا | يَا رَبِّ فَامْنَعْ مِنْهُمْ حِمَاكَا |
إِنَّ عَدُوَّ الْبَيْتِ مَنْ عَادَاكَا | إِنَّهُمْ لَنْ يَقْهَرُوا قُوَاكَا |
لَا هُمَّ أَخْزِ الْأَسْوَدَ بْنَ مَقْصُودْ | الْأَخِذَ الْهَجْمَةَ فِيهَا التَّقْلِيدْ «١» |
بَيْنَ حِرَاءٍ وَثَبِيرٍ فَالْبِيدْ | يَحْبِسُهَا وَهِيَ أُولَاتُ التَّطْرِيدْ «٢» |
فَضَمَّهَا إِلَى طَمَاطِمٍ سُودْ | قَدْ أَجْمَعُوا أَلَّا يَكُونَ مَعْبُودْ «٣» |
وَيَهْدِمُوا الْبَيْتَ الْحَرَامَ الْمَعْمُودْ | وَالْمَرْوَتَيْنِ وَالْمَشَاعِرِ السُّودْ «٤» [ |
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ أَرْسَلَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حَلْقَةَ بَابِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى شَعَفِ الْجِبَالِ، فَتَحَرَّزُوا فِيهَا، يَنْتَظِرُونَ مَا أَبْرَهَةُ فَاعِلٌ بِمَكَّةَ إِذَا دَخَلَهَا. فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبْرَهَةُ تَهَيَّأَ لِدُخُولِ مَكَّةَ، وَهَيَّأَ فِيلَهُ، وَعَبَّأَ جَيْشَهُ، وَكَانَ اسْمُ الْفِيلِ مَحْمُودًا، وَأَبْرَهَةُ مُجْمِعٌ لِهَدْمِ الْبَيْتِ، ثُمَّ الِانْصِرَافِ إِلَى الْيَمَنِ، فَلَمَّا وَجَّهُوا الْفِيلَ إِلَى مَكَّةَ، أَقْبَلَ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ، حَتَّى قَامَ إِلَى جَنْبِ الْفِيلِ، ثُمَّ أَخَذَ بِأُذُنِهِ فَقَالَ لَهُ: ابْرُكْ مَحْمُودُ، وَارْجِعْ رَاشِدًا مِنْ حَيْثُ جِئْتَ، فَإِنَّكَ فِي بَلَدِ اللَّهِ الْحَرَامِ. ثُمَّ أَرْسَلَ أُذُنَهُ، فَبَرَكَ الْفِيلُ. وَخَرَجَ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ يَشْتَدُّ، حَتَّى أَصْعَدَ فِي الْجَبَلِ. وَضَرَبُوا الْفِيلَ لِيَقُومَ فَأَبَى، فَضَرَبُوا في رأسه بالطبرزين «٦» ليقوم فأبى، فأدخلوا
(٢). حراء وثبير: جبلان بمكة. والبيد: جمع البيداء وهي الفلاة. وتطريد الإبل: تتابعها.
(٣). السهيلي:" طماطم سود" يعني العلوج. [..... ]
(٤). ما بين المربعين لم يذكره ابن إسحاق في روايته.
(٥). أخفره: أي انقض عهده وعزمه فلا تؤمنه.
(٦). الطبر (محركة): الفأس من السلاح (معربة). والطبرزين آلة من السلاح تشبه الطبر. وقيل هو الطبر بعينه.
أَيْنَ الْمَفَرُّ وَالْإِلَهُ الطَّالِبُ | وَالْأَشْرَمُ «٤» الْمَغْلُوبُ لَيْسَ الْغَالِبُ |
حَمِدْتُ اللَّهَ إِذْ أَبْصَرْتُ طَيْرًا | وَخِفْتُ حِجَارَةً تُلْقَى عَلَيْنَا |
فَكُلُّ الْقَوْمِ يَسْأَلُ عَنْ نُفَيْلٍ | كَأَنَّ عَلَيَّ لِلْحُبْشَانِ دَيْنَا |
قَيْحًا وَدَمًا، حَتَّى قَدِمُوا بِهِ صَنْعَاءَ وَهُوَ مِثْلُ فَرْخِ الطَّائِرِ، فَمَا مَاتَ حَتَّى انْصَدَعَ صَدْرُهُ عَنْ قَلْبِهِ، فِيمَا يَزْعُمُونَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ- يَزِيدُ أَحَدَهُمَا وَيَنْقُصُ-: سَبَبُ الْفِيلِ مَا رُوِيَ أَنَّ فِتْيَةً مِنْ قُرَيْشٍ خَرَجُوا تُجَّارًا إِلَى أَرْضِ النَّجَاشِيِّ، فَنَزَلُوا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ إِلَى بِيعَةٍ لِلنَّصَارَى، تُسَمِّيهَا النَّصَارَى الْهَيْكَلَ، فَأَوْقَدُوا نَارًا لِطَعَامِهِمْ وَتَرَكُوهَا وَارْتَحَلُوا، فَهَبَّتْ رِيحٌ عَاصِفٌ عَلَى النَّارِ فَأَضْرَمَتِ الْبَيْعَةَ نَارًا، فَاحْتَرَقَتْ، فَأَتَى الصَّرِيخُ إلى النجاشي فأخبره،
(٢). بزغوه: شرطوه.
(٣). في اللسان والنهاية مادة (بلس): (قال عباد بن موسى أظنها الزرازير).
(٤). الاشرم: أبرهة سمى بذلك لأنه جاءه حجر فشرم أنفه فسمى الاشرم.
(٥). زيادة عن سيرة ابن هشام.
(٦). في سيرة ابن هشام: (منهل)
(٧). أي ينتثر جسمه والأنملة طرف الإصبع. ويعبر بها عن الصغير من الأشياء.
(٨). مث السقاء: رشح.
(٢). في نسخة: (أقبلت).
(٣). الخذف: الرمي بالحصى الصغار بأطراف الأصابع. [..... ]
(٤). انصاع الرجل: انفتل راجعا ومر مسرعا.
(٥). هي بيضة الحديد.
(٦). المفاتنة: اختلاف الناس في الآراء وما يقع بينهم من القتال.
(٢). في نسخة:" شباط" (بالشين المعجمة كغراب)، وورد بالسين المهملة.
(٣). في بعض نسخ الأصل:" أبو شاهين حفص".
[سورة الفيل (١٠٥): آية ٢]
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) أَيْ فِي إِبْطَالٍ وَتَضْيِيعٍ، لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَكِيدُوا قُرَيْشًا بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ، وَالْبَيْتَ بِالتَّخْرِيبِ وَالْهَدْمِ. فَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ بَعَثَ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، يَنْظُرُ مَا لَقُوا مِنْ تِلْكَ الطَّيْرِ، فَإِذَا الْقَوْمُ مُشَدَّخِينَ جَمِيعًا، فَرَجَعَ يَرْكُضُ فَرَسُهُ، كَاشِفًا عَنْ فَخِذِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُوهُ قَالَ: إِنَّ ابْنِي هَذَا أَفْرَسُ الْعَرَبِ. وَمَا كَشَفَ عَنْ فَخِذِهِ إِلَّا بَشِيرًا أَوْ نَذِيرًا. فَلَمَّا دَنَا مِنْ نَادِيهِمْ بِحَيْثُ يُسْمِعُهُمُ الصَّوْتَ، قَالُوا: مَا وَرَاءَكَ؟ قَالَ: هَلَكُوا جَمِيعًا. فَخَرَجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَأَصْحَابُهُ، فَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ. وكانت
أَنْتَ مَنَعْتَ الْحَبَشَ «١» وَالْأَفْيَالَا | وَقَدْ رَعَوْا بمكة الا جبالا «٢» |
وَقَدْ خَشِينَا مِنْهُمُ الْقِتَالَا | وَكُلُّ أَمْرٍ لَهُمُ «٣» مِعْضَالَا |
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ الْحَبَشَةَ عَنْ مَكَّةَ عَظَّمَتِ الْعَرَبُ قُرَيْشًا، وَقَالُوا: [هُمْ «٥»] أَهْلُ اللَّهِ، قَاتَلَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَكَفَاهُمْ مَئُونَةَ عَدُوِّهُمْ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ، فِي قِصَّةِ أَصْحَابِ الْفِيلِ:
أَنْتَ الْجَلِيلُ رَبَّنَا لَمْ تَدْنِسِ | أَنْتَ حَبَسْتَ الْفِيلَ بِالْمُغَمِّسِ |
مِنْ بَعْدِ مَا هَمَّ بِشَرٍّ مُبْلِسِ | حَبَسْتَهُ فِي هَيْئَةِ الْمُكَرْكَسِ |
والمكركس: المنكوس المطروح.
[سورة الفيل (١٠٥): آية ٣]
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (٣)
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَتْ طَيْرًا مِنَ السَّمَاءِ لَمْ يُرَ قَبْلَهَا، وَلَا بَعْدَهَا مِثْلُهَا. وَرَوَى جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: [إِنَّهَا طَيْرٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ تُعَشِّشُ وَتُفَرِّخُ [. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَتْ لَهَا خَرَاطِيمُ كَخَرَاطِيمِ الطَّيْرِ، وَأَكُفٍّ كَأَكُفِّ الْكِلَابِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَتْ طَيْرًا خُضْرًا، خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ، لَهَا رُءُوسٌ كَرُءُوسِ السِّبَاعِ. وَلَمْ تُرَ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَا بَعْدَهُ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: هِيَ أَشْبَهُ شي بِالْخَطَاطِيفِ. وَقِيلَ: بَلْ كَانَتْ أَشْبَاهُ الْوَطَاوِيطِ، حَمْرَاءُ وسوداء. وعن
(٢). في روح المعاني، (الاحبالا) بالحاء.
(٣). في روح المعاني (منهم) بدل (لهم).
(٤). كذا في نسخ الأصل وغيرها من المصادر.
(٥). زيادة عن سيرة ابن هشام.
وَلَعِبَتْ طَيْرٌ بِهِمْ أَبَابِيلْ... فَصُيِّرُوا مِثْلَ كَعَصْفٍ مَأْكُولْ
وَقَالَ الْأَعْشَى:
طَرِيقٌ وَجَبَّارٌ «٢» رِوَاءٌ أُصُولُهُ... عَلَيْهِ أَبَابِيلٌ مِنَ الطَّيْرِ تَنْعَبُ
وَقَالَ آخَرُ:
كَادَتْ تُهَدُّ مِنَ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي... إِذْ سَالَتِ الْأَرْضُ بِالْجُرْدِ «٣» الْأَبَابِيلِ
وَقَالَ آخَرُ:
تَرَاهُمْ إِلَى الدَّاعِي سِرَاعًا كأنهم... أبابيل طير تحت دجن مسخن «٤»
(٢). الجبار من النخل: ما طال وفات اليد.
(٣). الجرد (بالضم كالجريدة): خيل لا رجالة فيها. والجرد- أيضا-: قصر شعر الجلد في الفرس، وهو من الأوصاف المحمودة في الخيل. [..... ]
(٤). كذا في نسخ الأصل، (بالخاء المعجمة والنون). وفي تفسير الثعلبي:... تحت دجن مسحر. (بالحاء المهملة والراء). وقد نسبه إلى امرئ القيس، ولم نجده في ديوانه. ولعل صوابه:... تحت دجن مسخر. (بالخاء المعجمة والراء).
[سورة الفيل (١٠٥): آية ٤]
تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤)
في الصحاح: بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ قَالُوا: حِجَارَةٌ مِنْ طِينٍ، طُبِخَتْ بِنَارِ جَهَنَّمَ، مَكْتُوبٌ فِيهَا أَسْمَاءُ الْقَوْمِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ. مُسَوَّمَةً «٢» [الذاريات: ٣٤ - ٣٣]. وقال عبد الرحمن ابن أَبْزَى: مِنْ سِجِّيلٍ: مِنَ السَّمَاءِ، وَهِيَ الْحِجَارَةُ الَّتِي نَزَلَتْ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ. وَقِيلَ مِنَ الْجَحِيمِ. وَهِيَ" سِجِّينٌ" ثُمَّ أُبْدِلَتِ اللَّامُ نُونًا، كَمَا قَالُوا فِي أُصَيْلَانَ أُصَيْلَالٍ. قَالَ ابْنُ مقبل:
ضَرْبًا تَوَاصَتْ بِهِ الْأَبْطَالُ سِجِّينَا «٣»
وَإِنَّمَا هُوَ سِجِّيلًا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مِنْ سِجِّيلٍ أَيْ مِمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعَذَّبُوا بِهِ، مُشْتَقٌّ مِنَ السِّجِلِّ. وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي سِجِّيلٍ فِي" هُودٍ" «٤» مُسْتَوْفًى. قَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَتْ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مَعَهَا، فَإِذَا أَصَابَ أَحَدَهُمْ حَجَرٌ مِنْهَا خَرَجَ بِهِ الْجُدَرِيُّ لَمْ يُرَ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَكَانَ الْحَجَرُ كَالْحِمَّصَةِ وَفَوْقَ الْعَدَسَةِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ الْحَجَرُ إِذَا وَقَعَ عَلَى أَحَدِهِمْ نَفِطَ جِلْدُهُ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلُ الْجُدَرِيِّ. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ تَرْمِيهِمْ بِالتَّاءِ، لِتَأْنِيثِ جَمَاعَةِ الطَّيْرِ. وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ وَطَلْحَةُ" يَرْمِيهِمْ" بِالْيَاءِ، أَيْ يَرْمِيهِمُ اللَّهُ، دليله قوله تعالى: وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى «٥» [الأنفال: ١٧] وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إِلَى الطَّيْرِ، لِخُلُوِّهَا مِنْ عَلَامَاتِ التَّأْنِيثِ، وَلِأَنَّ تَأْنِيثَهَا غَيْرُ حَقِيقِيِّ.
(٢). آية ٣٣ سورة الذاريات.
(٣). صدر البيت كما في اللسان:
ورجلة يضربون البيض عن عرض
(٤). راجع ج ٩ ص ٨١.
(٥). آية ١٧ سورة الأنفال.
[سورة الفيل (١٠٥): آية ٥]
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥)أَيْ جَعَلَ اللَّهُ أَصْحَابَ الْفِيلِ كَوَرَقِ الزَّرْعِ إِذَا أَكَلَتْهُ الدَّوَابُّ، فَرَمَتْ بِهِ مِنْ أَسْفَلَ. شَبَّهَ تَقَطُّعَ أَوْصَالِهِمْ بِتَفَرُّقِ أَجْزَائِهِ. رُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي الْعَصْفِ فِي سُورَةِ" الرَّحْمَنِ" «١». وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَرَقُ الزَّرْعِ قَوْلُ عَلْقَمَةَ:
تَسْقِي مَذَانِبَ قَدْ مَالَتْ عَصِيفَتُهَا | حَدُورُهَا مِنْ أَتِيِّ الْمَاءِ مَطْمُومُ «٢» |
وَمَسَّهُمْ مَا مَسَّ أَصْحَابَ الْفِيلْ | تَرْمِيهِمْ حِجَارَةٌ مِنْ سِجِّيلْ |
وَلَعِبَتْ طَيْرٌ بِهِمْ أَبَابِيلْ | فَصُيِّرُوا مِثْلَ كَعَصْفٍ مَأْكُولْ |
فَإِنَّكَ لَوْ رَأَيْتَ وَلَمْ تَرِيهِ «٥» | لَدَى جَنْبِ المغمس ما لقينا |
(٢). المذانب: مسايل الماء. وَالْعَصِيفَةُ: الْوَرَقُ الْمُجْتَمِعُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ السُّنْبُلُ. وحدورها: ما انحدر منها واطمأن. والآتي (كغنى): الجدول. والمطموم: المملوء بالماء.
(٣). آية ١١ سورة الشورى.
(٤). هو نفيل بن حبيب كما في تاريخ الطبري وابن الأثير.
(٥). في نسخ الأصل: (ولو ترانا) وهو تحريف لأنه يخاطب امرأة. والأبيات كما أوردها الطبري (ص ٩٤٢ قسم أول طبع أوربا) وابن الأثير (ج ١ ص ٣٢٢ طبع أوربا):
ألا حييت عنا يا ردينا | نعمناكم مع الإصباح عينا |
أتانا قابس منكم عشاء | فلم يقدر لقابسكم لدينا |
ردينة لو رأيت ولم تريه | لدى جنب المحصب ما رأينا |
إذن لعذرتني وحمدت رأيى | ولم تأسى على ما فات بينا |
حمدت الله إذ عاينت طيرا | وخفت حجارة تلقى علينا |
لكل الْقَوْمِ يَسْأَلُ عَنْ نُفَيْلٍ | كَأَنَّ عَلَيَّ لِلْحُبْشَانِ دينا |