تفسير سورة الإخلاص

تفسير البغوي

تفسير سورة سورة الإخلاص من كتاب معالم التنزيل المعروف بـتفسير البغوي.
لمؤلفه البغوي . المتوفي سنة 516 هـ
سورة الإخلاص
مكية، وآياتها أربع.

سُورَةُ الْإِخْلَاصِ مَكِّيَّةٌ (١) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) ﴾
﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ رَوَى أَبُو الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ السُّورَةَ (٢).
وَرَوَى أَبُو ظَبْيَانِ، وَأَبُو صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ وَأَرْبَدَ بْنَ رَبِيعَةَ أَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَامِرٌ: إِلَامَ تَدْعُونَا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: إِلَى اللَّهِ، قَالَ: صِفْهُ لَنَا أَمِنْ ذَهَبٍ هُوَ؟ أَمْ مِنْ فِضَّةٍ؟ أَمْ مِنْ حَدِيدٍ؟ أَمْ مِنْ خَشَبٍ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ فَأَهْلَكَ اللَّهُ أَرْبَدَ بِالصَّاعِقَةِ وَعَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ بِالطَّاعُونِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ (٣).
وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: صِفْ لَنَا رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ لَعَلَّنَا نُؤْمِنُ بِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ نَعْتَهُ فِي التَّوْرَاةِ، فَأَخْبِرْنَا مِنْ أَيِّ شَيْءٍ هُوَ؟ وَهَلْ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ؟ وَمَنْ يَرِثُ مِنْهُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ السُّورَةَ (٤).
(١) أخرج ابن الضريس وابن جرير عن أبي العالية رضي الله عنه قال: قالوا: انسب لنا ربك، فأتاه جبريل بهذه السورة (قل هو الله أحد الله الصمد). وأخرج الطبراني وأبو الشيخ في العظمة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قالت قريش: يا رسول الله أنسب لنا ربك، فأنزل الله (قل هو الله أحد). انظر: الدر المنثور: ٨ / ٦٦٩ - ٦٧٠، وما يأتي من الأحاديث.
(٢) أخرجه الترمذي في التفسير - تفسير سورة الإخلاص - ٩ / ٢٩٩ - ٣٠٠، وأخرجه مرسلا أيضا: ٩ / ٣٠١، والإمام أحمد: ٥ / ١٣٤، وصححه الحاكم: ٢ / ٥٤٠ ووافقه الذهبي، والبيهقي في الأسماء والصفات: ١ / ٤١٩، والطبري: ٣٠ / ٣٤٢.
(٣) راجع فيما سبق: ٤ / ٣٠١.
(٤) أخرجه الطبري: ٣٠ / ٣٤٢ - ٣٤٣. وانظر الفتح السماوي: ٣ / ١١٣٥، الدر المنثور: ٨ / ٦٧١.
﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ أَيْ وَاحِدٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْأَحَدِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ: قُلْ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ (١). ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: "الصَّمَدُ" الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ.
قَالَ الشَّعْبِيُّ: الَّذِي لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ.
وَقِيلَ: تَفْسِيرُهُ مَا بَعْدَهُ، رَوَى أَبُو الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: "الصَّمَدُ" الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ؛ لِأَنَّ مَنْ يُولَدُ سَيَمُوتُ، وَمَنْ يَرِثُ يُورَثُ مِنْهُ (٢).
قَالَ أَبُو وَائِلٍ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ: هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي قَدِ انْتَهَى سُؤْدُدُهُ، وَهُوَ رِوَايَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ السُّؤْدُدِ (٣). وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَيْضًا: هُوَ الْكَامِلُ فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ. وَقِيلَ: هُوَ السَّيِّدُ الْمَقْصُودُ فِي [الْحَوَائِجِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ] (٤) هُوَ الْمَقْصُودُ إِلَيْهِ فِي الرَّغَائِبِ الْمُسْتَغَاثُ بِهِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: صَمَدْتُ فُلَانًا أَصْمُدُهُ صَمْدًا -بِسُكُونِ الْمِيمِ -إِذَا قَصَدْتُهُ، [وَالْمَقْصُودُ] :(٥) صَمَدٌ، بِفَتْحِ الْمِيمِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: "الصَّمَدُ" الْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ خَلْقِهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: "الصَّمَدُ" الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ أَحَدٌ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ. وَقَالَ الرَّبِيعُ: الَّذِي لَا تَعْتَرِيهِ الْآفَاتُ. قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: الَّذِي لَا عَيْبَ فِيهِ.
﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤) ﴾
﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ قَرَأَ حَمْزَةُ وَإِسْمَاعِيلُ: "كُفْؤًا" سَاكِنَةُ الْفَاءِ مَهْمُوزًا، وَقَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ بِضَمِّ الْفَاءِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الْفَاءِ مَهْمُوزًا، وَكُلُّهَا لُغَاتٌ صَحِيحَةٌ، [وَمَعْنَاهُ] (٦) الْمِثْلُ، أَيْ: هُوَ أَحَدٌ.
وَقِيلَ: هُوَ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ، مَجَازُهُ: وَلَمْ يكن له أحدًا كُفُوًا أَيْ مِثْلًا.
(١) قال أبو حيان في البحر المحيط: ٨ / ٥٢٨: "وأحد بمعنى واحد".
(٢) أخرجه الطبري: ٣٠ / ٣٤٦.
(٣) أخرجه عبد الرزاق في التفسير: ٢ / ٤٠٧، والطبري: ٣٠ / ٣٤٦.
(٤) ما بين القوسين ساقط من "ب".
(٥) في "ب" والمصمود.
(٦) في "ب" ومعناها.
588
قَالَ مُقَاتِلٌ: قَالَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَقَالَتِ الْيَهُودُ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وَقَالَتِ النَّصَارَى: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ وَنَفَى عَنْ ذَاتِهِ الْوِلَادَةَ وَالْمِثْلَ (١).
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الزناد، عن الأعراج، عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ" (٢).
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ محمد السرخسي ٢٠٥/ب أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" وَيُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ (٣).
أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَصْفَهَانِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ يُحَدِّثُ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ"؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يُطِيقُ ذَلِكَ؟ قَالَ: اقْرَأُوا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ" (٤).
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: أَقْبَلْتُ، مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فَسَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "وَجَبَتْ"، فَسَأَلْتُهُ: مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
(١) ذكره صاحب زاد المسير: ٩ / ٢٦٩.
(٢) أخرجه البخاري في التفسير - تفسير سورة (قل هو الله أحد) -: ٨ / ٧٣٩.
(٣) أخرجه الإمام مالك في الموطأ في كتاب القرآن، باب ما جاء في قراءة (قل هو الله أحد) ١ / ٢٠٨، والبخاري في فضائل القرآن باب فضل (قل هو الله أحد) ٩ / ٥٨ - ٥٩ والمصنف في شرح السنة: ٤ / ٤٧٤.
(٤) أخرجه الطيالسي في المسند صفحة: (١٣١)، وأخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل قراءة (قل هو الله أحد) برقم: (٨١١) : ١ / ٥٥٦.
589
فَقَالَ: "الْجَنَّةُ". فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَذْهَبَ إِلَى الرَّجُلِ فَأُبَشِّرُهُ، ثُمَّ فَرَقْتُ أَنْ يَفُوتَنِي الْغَدَاءُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآثَرْتُ الْغَدَاءَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى الرَّجُلِ فَوَجَدْتُهُ قَدْ ذَهَبَ (١).
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ ابن أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي أُحِبُّ هَذِهِ السُّورَةَ: "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ": قَالَ: "حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ" (٢).
(١) صحيح أخرجه الإمام مالك في الموطأ في القرآن، باب ما جاء في قراءة (قل هو الله أحد) : ١ / ٢٠٨، والترمذي في ثواب القرآن، باب ما جاء في سورة الإخلاص: ٨ / ٢٠٩ وقال: "هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث مالك بن أنس، وابن حنين وهو عبيد بن حنين"، والنسائي في عمل اليوم والليلة صفحة: (٧٠٢) وفي السنن، كتاب الافتتاح: ٢ / ١٧١ وفي التفسير: ٢ / ٥٧٠، وابن السني في عمل اليوم والليلة صفحة (٣٢٤) وصححه الحاكم في المستدرك: ١ / ٥٦٦ ووافقه الذهبي، والبيهقي في شعب الإيمان: ٥ / ٤٨٠، والمصنف في شرح السنة: ٤ / ٤٧٦ - ٤٧٧. وله شواهد عند أحمد والطبراني وابن السني والدارمي. انظر: التعليق على تفسير النسائي في الموضع السابق. وراجع: مجمع الزوائد: ٨ / ١٤٥.
(٢) أخرجه البخاري تعليقا في الأذان، باب الجمع بين السورتين في ركعة: ٢ / ٢٥٥، ووصله الترمذي من طريقه في ثواب القرآن، باب ما جاء في سورة الإخلاص: ١٨ / ٢١٢ - ٢١٣، وقال: "هذا حديث غريب من هذا الوجه"، والبيهقي في السنن: ٢ / ٦١، وفي شعب الإيمان: ٥ / ٤٨٣، وأبو يعلى في المسند: ٣ / ٣٤٨ - ٣٤٩. وأخرجه الدارمي في فضائل القرآن، باب فضل قل هو الله أحد: ٢ / ٢٣٠، وابن مندة في التوحيد: ١ / ٦٨ - ٦٩، وابن السني في عمل اليوم والليلة صفحة (٣٢٤) وابن حبان صفحة: (٣٤٩) من موارد الظمآن، والمصنف في شرح السنة: ٤ / ٤٧٥، وله شاهد عند الشيخين من حديث عائشة - رضي الله عنه - وانظر: فتح الباري: ٢ / ٢٥٥ - ٢٥٧.
590
سورة الإخلاص
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الإخلاص) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الناس)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل ثُلُثَ القرآن، ومحورها إثباتُ وَحْدانية الله عز وجل، والإخلاصُ في عبادته، والتوجُّهُ إليه وَحْده، وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرؤها في مواضعَ كثيرة.

ترتيبها المصحفي
112
نوعها
مكية
ألفاظها
15
ترتيب نزولها
22
العد المدني الأول
4
العد المدني الأخير
4
العد البصري
4
العد الكوفي
4
العد الشامي
5

* قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ ١ اْللَّهُ اْلصَّمَدُ ٢ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ٣ وَلَمْ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ} [الإخلاص: 1-4]:

عن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه: «أنَّ المشركين قالوا لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: انسُبْ لنا رَبَّك؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ ١ اْللَّهُ اْلصَّمَدُ}؛ فالصَّمَدُ: الذي {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}؛ لأنَّه ليس شيءٌ يُولَدُ إلا سيموتُ، ولا شيءَ يموتُ إلا سيُورَثُ، وإنَّ اللهَ عز وجل لا يموتُ ولا يُورَثُ، {وَلَمْ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ}، قال: لم يكُنْ له شبيهٌ ولا عِدْلٌ، وليس كمِثْلِه شيءٌ». أخرجه الترمذي (٣٣٦٤).

* سورة (الإخلاص):

سُمِّيت سورة (الإخلاص) بهذا الاسم؛ لحديثها عن إخلاص العبادة لله عز وجل، وتوحيده.

* سورة {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}:

سُمِّيت بهذا الاسم؛ لافتتاحها به، وقد ورد في كثير من الأحاديث؛ من ذلك:

ما جاء عن أبي الدَّرْداءِ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «أيَعجِزُ أحدُكم أن يَقرأَ في ليلةٍ ثُلُثَ القرآنِ؟»، قالوا: وكيف يَقرأُ ثُلُثَ القرآن؟ قال: «{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}: تَعدِلُ ثُلُثَ القرآنِ» . أخرجه مسلم (٨١١).

* سورة (الإخلاص) تَعدِل ثُلُثَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

وعن أبي الدَّرْداءِ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «أيَعجِزُ أحدُكم أن يَقرأَ في ليلةٍ ثُلُثَ القرآنِ؟»، قالوا: وكيف يَقرأُ ثُلُثَ القرآن؟ قال: «{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}: تَعدِلُ ثُلُثَ القرآنِ» . أخرجه مسلم (٨١١).

قال ابنُ تيميَّةَ في تحديدِ وجهِ عَدِّ سورة (الإخلاص) ثُلُثَ القرآن: «لأنَّ القرآنَ ثلاثةُ أثلاثٍ: ثُلُثٌ: توحيد، وثلث: قَصَص، وثلث: أمرٌ ونهيٌ. وثُلُثُ التوحيد أفضَلُ من غيره». "مجموع الفتاوى" (9/306).

كان النبيُّ عليه الصلاة والسلام يقرأ سورةَ (الإخلاص) في غير موضع:

* في سُنَّة الفجر:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي ركعتَينِ قبل الفجرِ، وكان يقولُ: «نِعْمَ السُّورتانِ يُقرَأُ بهما في ركعتَيِ الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}»». أخرجه ابن ماجه (1150).

وعن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «رمَقْتُ النبيَّ ﷺ شهرًا، فكان يَقرأُ في الرَّكعتَينِ قبل الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه الترمذي (٤١٧).

* في صلاة الوتر:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقرأُ في الوترِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} و{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ} و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ} في ركعةٍ ركعةٍ». أخرجه الترمذي (٤٦٢).

* في سُنَّة صلاة المغرب:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «رمَقْتُ رسولَ اللهِ ﷺ عِشْرينَ مرَّةً، يَقرأُ في الرَّكعتَينِ بعد المغربِ وفي الرَّكعتَينِ قبل الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه النسائي (992).

* قبل النوم:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوَى إلى فراشِه، جمَعَ كفَّيْهِ، ثم نفَثَ فيهما، وقرَأَ فيهما بـ {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}، ثمَّ يَمسَحُ بهما ما استطاعَ مِن جسدِه، يَفعَلُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ». أخرجه ابن حبان (٥٥٤٤).

* في ركعتَيِ الطواف خلف مقام إبراهيمَ:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الرَّكعتَينِ - أي: ركعتَيِ الطَّوافِ -: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}». صحيح مسلم (١٢١٨).

 وَحْدانية الله، والإخلاص في عبادته (١-٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /452).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقاصدها: «إثباتُ وَحْدانية الله تعالى.
وأنه لا يُقصَد في الحوائج غيرُه.

وتنزيهُه عن سمات المُحدَثات.
وإبطال أن يكونَ له ابنٌ.
وإبطال أن يكونَ المولودُ إلهًا؛ مثل: عيسى عليه السلام». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /612).