تفسير سورة الإخلاص

الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية

تفسير سورة سورة الإخلاص من كتاب الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المعروف بـالفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية.
لمؤلفه النخجواني . المتوفي سنة 920 هـ

حَبْلٌ اى سلسلة متخذة مِنْ مَسَدٍ مفتول قد فتل من الحديد تحمل بها الحطب مع انها من اشرف قريش اى وزوجها ايضا
خاتمة سورة تبت
عليك ايها المريد المعتبر المستبصر عصمك الله عن تباب الدارين وخسارهما وبوارهما ان تتأمل في رموزات القرآن من القصص والاحكام والعبر والأمثال فتأخذ حظك منها مقدار ما يسر الله لك وأودعه في وسعك وطاقتك واعلم ان كل ما ذكر في القرآن انما نزل للإرشاد والتكميل فلك ان تأخذ من إشارات هذه السورة حسن المعاشرة وآداب المصاحبة سيما مع الاخوان والجيران وارباب العرفان وتتفطن منها بحقارة مزخرفات الدنيا وما يترتب عليها من اللذات البهيمية الساقطة عن رتبة الاعتبار الزائغة الزائلة بلا قرار ومدار
[سورة الإخلاص]
فاتحة سورة الإخلاص
لا يخفى على من اتصف بالمعرفة الإلهية وانكشف بوحدته واستقلاله سبحانه في الوجود والوجوب الذاتي واستغنائه سبحانه في ذاته عن عموم المظاهر والمجالى وتعاليه عن لوازم الافتقار والاحتياج المؤدى الى وصمة الإمكان وسمة الاستكمال والنقصان ان الذات الاحدية منزهة في ذاته عن مطلق التحديد والتوصيف الذي يصف به الواصفون ذاته سبحانه لذلك بين سبحانه ذاته في هذه السورة ووصفه الذاتي بمقتضى علمه الحضوري بذاته تنبيها وتعليما على عباده وإرشادا لهم فقال بعد التيمن بِسْمِ اللَّهِ الذي لا يكتنه ذاته بمدارك مظاهره ومصنوعاته مطلقا الرَّحْمنِ عليهم بتوصيف ذاته إياهم الرَّحِيمِ لخواصهم حيث يهديهم الى سرائر معرفته وتوحيده
[الآيات]
قُلْ يا أكمل الرسل لمن يسأل منك بقوله صف لنا ربك الذي تدعونا الى الايمان به وعبادته هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اى هو الذات المتصفة بالالوهية الغيبية والشهادية الجامعة بينهما ظاهرا وباطنا المتعالية عن كليهما بحسب الذات المتصفة بالالوهية والربوبية ووجوب الوجود المستجمعة لجميع شرائط الكمال حسب الأسماء والصفات الكاملة الكامنة في تلك الذات المتصفة بالأحدية المطلقة المنزهة عن التعدد والكثرة مطلقا المستقلة في الوجود والحياة والقيومية المطلقة المستلزمة للديمومية والبقاء الأزلي الأبدي السرمدي لا يكال بقاؤه ودوامه بمطلق الموازين والمقادير ولا يحيط به وبقيوميته مطلق التدابير والتقادير فكيف كان سبحانه محلا للتقدير إذ هو
اللَّهُ الصَّمَدُ اى السيد السند الذي يقصد نحوه ويرجع اليه عموم ما ظهر وبطن من الكوائن الفاسدة الكائنة في نشأتى الغيب والشهادة والاولى والاخرى وهو في ذاته مستغن عن جميعها مطلقا وكيف لا يكون مستغنيا إذ هو الله الأحد الفرد الصمد القيوم الذي
لَمْ يَلِدْ ولدا إذ الإيلاد انما هو للمعاونة والمظاهرة او للاخلاف وخوف الانعدام والانقضاء وهو سبحانه بمقتضى قيوميته واستقلاله بحوله وقوته ووجوب وجوده ودوام بقائه لا يطرأ عليه أمثال هذه النقائص الامكانية المستلزمة لضبط العاقبة والمآل إذ لا يجرى عليه سبحانه انقضاء وانتقال ولا يلحقه زوال وارتحال وَكذلك لَمْ يُولَدْ لذلك إذ كل ما ظهر وبطن ازلا وابدا انما هو منه واليه وبه وله وفيه وكل ما فرض من الموجود ازلا وابدا ذهنا وخارجا غيبا وشهادة ما هو خارج عن حيطة اظلال أسمائه وعكوس صفاته فكيف يتصور ان
سورة الإخلاص
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الإخلاص) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الناس)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل ثُلُثَ القرآن، ومحورها إثباتُ وَحْدانية الله عز وجل، والإخلاصُ في عبادته، والتوجُّهُ إليه وَحْده، وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرؤها في مواضعَ كثيرة.

ترتيبها المصحفي
112
نوعها
مكية
ألفاظها
15
ترتيب نزولها
22
العد المدني الأول
4
العد المدني الأخير
4
العد البصري
4
العد الكوفي
4
العد الشامي
5

* قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ ١ اْللَّهُ اْلصَّمَدُ ٢ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ٣ وَلَمْ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ} [الإخلاص: 1-4]:

عن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه: «أنَّ المشركين قالوا لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: انسُبْ لنا رَبَّك؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ ١ اْللَّهُ اْلصَّمَدُ}؛ فالصَّمَدُ: الذي {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}؛ لأنَّه ليس شيءٌ يُولَدُ إلا سيموتُ، ولا شيءَ يموتُ إلا سيُورَثُ، وإنَّ اللهَ عز وجل لا يموتُ ولا يُورَثُ، {وَلَمْ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ}، قال: لم يكُنْ له شبيهٌ ولا عِدْلٌ، وليس كمِثْلِه شيءٌ». أخرجه الترمذي (٣٣٦٤).

* سورة (الإخلاص):

سُمِّيت سورة (الإخلاص) بهذا الاسم؛ لحديثها عن إخلاص العبادة لله عز وجل، وتوحيده.

* سورة {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}:

سُمِّيت بهذا الاسم؛ لافتتاحها به، وقد ورد في كثير من الأحاديث؛ من ذلك:

ما جاء عن أبي الدَّرْداءِ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «أيَعجِزُ أحدُكم أن يَقرأَ في ليلةٍ ثُلُثَ القرآنِ؟»، قالوا: وكيف يَقرأُ ثُلُثَ القرآن؟ قال: «{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}: تَعدِلُ ثُلُثَ القرآنِ» . أخرجه مسلم (٨١١).

* سورة (الإخلاص) تَعدِل ثُلُثَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

وعن أبي الدَّرْداءِ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «أيَعجِزُ أحدُكم أن يَقرأَ في ليلةٍ ثُلُثَ القرآنِ؟»، قالوا: وكيف يَقرأُ ثُلُثَ القرآن؟ قال: «{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}: تَعدِلُ ثُلُثَ القرآنِ» . أخرجه مسلم (٨١١).

قال ابنُ تيميَّةَ في تحديدِ وجهِ عَدِّ سورة (الإخلاص) ثُلُثَ القرآن: «لأنَّ القرآنَ ثلاثةُ أثلاثٍ: ثُلُثٌ: توحيد، وثلث: قَصَص، وثلث: أمرٌ ونهيٌ. وثُلُثُ التوحيد أفضَلُ من غيره». "مجموع الفتاوى" (9/306).

كان النبيُّ عليه الصلاة والسلام يقرأ سورةَ (الإخلاص) في غير موضع:

* في سُنَّة الفجر:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي ركعتَينِ قبل الفجرِ، وكان يقولُ: «نِعْمَ السُّورتانِ يُقرَأُ بهما في ركعتَيِ الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}»». أخرجه ابن ماجه (1150).

وعن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «رمَقْتُ النبيَّ ﷺ شهرًا، فكان يَقرأُ في الرَّكعتَينِ قبل الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه الترمذي (٤١٧).

* في صلاة الوتر:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقرأُ في الوترِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} و{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ} و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ} في ركعةٍ ركعةٍ». أخرجه الترمذي (٤٦٢).

* في سُنَّة صلاة المغرب:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «رمَقْتُ رسولَ اللهِ ﷺ عِشْرينَ مرَّةً، يَقرأُ في الرَّكعتَينِ بعد المغربِ وفي الرَّكعتَينِ قبل الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه النسائي (992).

* قبل النوم:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوَى إلى فراشِه، جمَعَ كفَّيْهِ، ثم نفَثَ فيهما، وقرَأَ فيهما بـ {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}، ثمَّ يَمسَحُ بهما ما استطاعَ مِن جسدِه، يَفعَلُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ». أخرجه ابن حبان (٥٥٤٤).

* في ركعتَيِ الطواف خلف مقام إبراهيمَ:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الرَّكعتَينِ - أي: ركعتَيِ الطَّوافِ -: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}». صحيح مسلم (١٢١٨).

 وَحْدانية الله، والإخلاص في عبادته (١-٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /452).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقاصدها: «إثباتُ وَحْدانية الله تعالى.
وأنه لا يُقصَد في الحوائج غيرُه.

وتنزيهُه عن سمات المُحدَثات.
وإبطال أن يكونَ له ابنٌ.
وإبطال أن يكونَ المولودُ إلهًا؛ مثل: عيسى عليه السلام». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /612).