تفسير سورة الإخلاص

حاشية الصاوي على تفسير الجلالين

تفسير سورة سورة الإخلاص من كتاب حاشية الصاوي على تفسير الجلالين
لمؤلفه الصاوي . المتوفي سنة 1241 هـ

قوله: (فالله خبر هو) إلخ، هذا مبني على أن الضمير ﴿ هُوَ ﴾ عائد على المسؤول عنه في كلام الكفار، وقيل: إنه ضمير الشأن يفسره الجملة بعده فـ ﴿ ٱللَّهُ ﴾ مبتدأ و ﴿ أَحَدٌ ﴾ خبره، والجملة خبر ﴿ هُوَ ﴾ وهمزة ﴿ أَحَدٌ ﴾ بدل من واو، لأنه من الوحدة، أو ليست مبدلة من شيء قولان، وإثبات لفظ ﴿ قُلْ ﴾ مع تنوين ﴿ أَحَدٌ ﴾ هو قراءة العامة، وقرئ شذوذاً بحذف ﴿ قُلْ ﴾ وقرئ أيضاً: قل هو الله أحد، وقرئ أيضاً بحذف التنوين لالتقاء الساكنين، واعلم أن هذه الآية يأخذ منها عقائد التوحيد، وذلك لأن الله تعالى علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد، ومن كان وجوده واجباً، لزم اتصافه بسائر الكمالات، كالقدرة والإدارة والعلم والحياة، وقوله: ﴿ أَحَدٌ ﴾ يدل على الصفات السلبية وهي: القدم والبقاء والغنى المطلق والتنزه عن الشبيه والنظير والمثيل في الذات والصفات والأفعال، وبذلك انتفت الكموم الخمسة وهي: لكم المتصل والمنفصل في الذات والصفات والمنفصل في الأفعال، فالمتصل في الذات والصفات هو التركيب، والمنفصل فيهما هو الشبيه والنظير، والمنفصل في الأفعال هو الشبيه فيها، وكل هذه منفية ومستحيلة عليه تعالى، وأما المتصل في الأفعال فهو ثابت، ولأن أفعال الله متعددة لا نهاية لها، بقي شيء آخر وهو أن ﴿ أَحَدٌ ﴾ يستعمل في النفي، وأما واحد فيستعمل في الإثبات، فلم ذكره في الإثبات؟ أجيب: بأن ذلك أغلبيّ، وقد يستعمل كل في كل، والقرآن وارد بذلك في غيره آية، وآثر الأحد على الواحد لمراعاة الفواصل. قوله: (وأحد بدل) أي بدل نكرة من معرفة وهو جائز. قوله: ﴿ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ﴾ نتيجة ما قبله، ولذا ترك العاطف، وذلك لأنه حيث ثبت أنه متصف بالكمالات منزه عن النقائض، فلا يقصد غيره، ولا يعول إلا عليه. قوله: (أي المقصود في الحوائج) هذا أحد أقوال في معنى ﴿ ٱلصَّمَدُ ﴾ وهو المشهور، وقيل: هو الذي لا جوف له، وقيل: هو الدائم الباقي بعد فناء خلقه، وقيل: هو الذي ليس فوقه أحد، وقيل: غير ذلك، وإنما عرف ﴿ ٱلصَّمَدُ ﴾ لعلمهم به ومعرفتهم إياه، بخلاف أحديته، وكرر لفظ ﴿ ٱللَّهُ ﴾ إشعاراً بأن من لم يتصف به لا يستحق الألوهية. قوله: ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ رد على مشركي العرب القائلين: الملائكة بنات الله، واليهود القائلين: عزير ابن الله، والنصارى القائلين: المسيح بان الله، وهذه الجملة نتيجة ما قبلها، لأنه حيث ثبت أنه متصف بالكمالات، منزه عن النقائص، مقصود في جميع الأمور، فلم يكن علة في غيره، ولا غيره علة فيه، وأتى بالعاطف في الجملتين الأخيرتين دون ما عداهما، لأنهما سيقتا لمعنى وهو نفي المماثلة عنه تعالى بوجوهها، لأن المماثلة إما ولد أو والد أو نظير، فلتغاير الأقسام أتى بالعطف لأنه يقتضي المغايرة، وترك العاطف في ﴿ لَمْ يَلِدْ ﴾ لأنه مؤكد للصمدية، لأن الغني عن كل شيء، المحتاج إليه كل ما سواه، لا يكون والداً ولا مولوداً، فهذه الجمل الثلاث في معنى جملة واحدة. قوله: (لانتفاء مجانسته) أي لغيره، لأن الولد من جنس أبيه، والله لا يجانسه أحد، لأنه واجب وغيره ممكن، ولأن الولد يطلب إما لإعانة والده، أو لتخلفه بعده، والله تعالى غني عن كل شيء ولا يفنى. قوله: (لانتفاء الحدوث عنه) أي لأن كل مولود جسم ومحدث، والله تعالى ليس كذلك. قوله: (ومماثلاً) عطف تفسير، واعلم أن الكفر يعم الشبيه والنظير والمثيل، فالمثيل هو المشارك لك في جميع صفاتك، والشبيه هو المشارك في غالبها، والنظير هو الماشرك في أقلها، والله تعالى منزه عن ذلك كله. قوله: (وقدم عليه) أي وكان الأصل أن يؤخر الظرف، لكن قدم لأهميته اعتناء بنفي المكافأة عنه تعالى لأن المقصود. قوله: (لأنه محط القصد بالنفي) أي فالقصد نفي المكافأة عن ذات الله، فكأن تقديمه أولى، وهذه السورة الشريفة، نفت أصول الكفر الثمانية: التركيب والعدد والنقص بمعنى الاحتياج والقلة بمعنى البساطة والعلة والمعلول والشبيه والنظير، أما الكثرة والعدد فانتفاؤهما بقوله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ﴾ والنقص والقلة بقوله: ﴿ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ ﴾ والعلة والمعلول بقوله ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴾ والشبيه والنظير بقوله: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾.
سورة الإخلاص
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الإخلاص) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الناس)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل ثُلُثَ القرآن، ومحورها إثباتُ وَحْدانية الله عز وجل، والإخلاصُ في عبادته، والتوجُّهُ إليه وَحْده، وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرؤها في مواضعَ كثيرة.

ترتيبها المصحفي
112
نوعها
مكية
ألفاظها
15
ترتيب نزولها
22
العد المدني الأول
4
العد المدني الأخير
4
العد البصري
4
العد الكوفي
4
العد الشامي
5

* قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ ١ اْللَّهُ اْلصَّمَدُ ٢ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ٣ وَلَمْ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ} [الإخلاص: 1-4]:

عن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه: «أنَّ المشركين قالوا لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: انسُبْ لنا رَبَّك؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ ١ اْللَّهُ اْلصَّمَدُ}؛ فالصَّمَدُ: الذي {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}؛ لأنَّه ليس شيءٌ يُولَدُ إلا سيموتُ، ولا شيءَ يموتُ إلا سيُورَثُ، وإنَّ اللهَ عز وجل لا يموتُ ولا يُورَثُ، {وَلَمْ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ}، قال: لم يكُنْ له شبيهٌ ولا عِدْلٌ، وليس كمِثْلِه شيءٌ». أخرجه الترمذي (٣٣٦٤).

* سورة (الإخلاص):

سُمِّيت سورة (الإخلاص) بهذا الاسم؛ لحديثها عن إخلاص العبادة لله عز وجل، وتوحيده.

* سورة {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}:

سُمِّيت بهذا الاسم؛ لافتتاحها به، وقد ورد في كثير من الأحاديث؛ من ذلك:

ما جاء عن أبي الدَّرْداءِ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «أيَعجِزُ أحدُكم أن يَقرأَ في ليلةٍ ثُلُثَ القرآنِ؟»، قالوا: وكيف يَقرأُ ثُلُثَ القرآن؟ قال: «{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}: تَعدِلُ ثُلُثَ القرآنِ» . أخرجه مسلم (٨١١).

* سورة (الإخلاص) تَعدِل ثُلُثَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

وعن أبي الدَّرْداءِ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «أيَعجِزُ أحدُكم أن يَقرأَ في ليلةٍ ثُلُثَ القرآنِ؟»، قالوا: وكيف يَقرأُ ثُلُثَ القرآن؟ قال: «{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}: تَعدِلُ ثُلُثَ القرآنِ» . أخرجه مسلم (٨١١).

قال ابنُ تيميَّةَ في تحديدِ وجهِ عَدِّ سورة (الإخلاص) ثُلُثَ القرآن: «لأنَّ القرآنَ ثلاثةُ أثلاثٍ: ثُلُثٌ: توحيد، وثلث: قَصَص، وثلث: أمرٌ ونهيٌ. وثُلُثُ التوحيد أفضَلُ من غيره». "مجموع الفتاوى" (9/306).

كان النبيُّ عليه الصلاة والسلام يقرأ سورةَ (الإخلاص) في غير موضع:

* في سُنَّة الفجر:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي ركعتَينِ قبل الفجرِ، وكان يقولُ: «نِعْمَ السُّورتانِ يُقرَأُ بهما في ركعتَيِ الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}»». أخرجه ابن ماجه (1150).

وعن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «رمَقْتُ النبيَّ ﷺ شهرًا، فكان يَقرأُ في الرَّكعتَينِ قبل الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه الترمذي (٤١٧).

* في صلاة الوتر:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقرأُ في الوترِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} و{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ} و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ} في ركعةٍ ركعةٍ». أخرجه الترمذي (٤٦٢).

* في سُنَّة صلاة المغرب:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «رمَقْتُ رسولَ اللهِ ﷺ عِشْرينَ مرَّةً، يَقرأُ في الرَّكعتَينِ بعد المغربِ وفي الرَّكعتَينِ قبل الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه النسائي (992).

* قبل النوم:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوَى إلى فراشِه، جمَعَ كفَّيْهِ، ثم نفَثَ فيهما، وقرَأَ فيهما بـ {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}، ثمَّ يَمسَحُ بهما ما استطاعَ مِن جسدِه، يَفعَلُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ». أخرجه ابن حبان (٥٥٤٤).

* في ركعتَيِ الطواف خلف مقام إبراهيمَ:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الرَّكعتَينِ - أي: ركعتَيِ الطَّوافِ -: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}». صحيح مسلم (١٢١٨).

 وَحْدانية الله، والإخلاص في عبادته (١-٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /452).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقاصدها: «إثباتُ وَحْدانية الله تعالى.
وأنه لا يُقصَد في الحوائج غيرُه.

وتنزيهُه عن سمات المُحدَثات.
وإبطال أن يكونَ له ابنٌ.
وإبطال أن يكونَ المولودُ إلهًا؛ مثل: عيسى عليه السلام». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /612).