تفسير سورة الإخلاص

تفسير ابن عطية

تفسير سورة سورة الإخلاص من كتاب المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز المعروف بـتفسير ابن عطية.
لمؤلفه ابن عطية . المتوفي سنة 542 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الإخلاص مكية، وآياتها أربع.
هذه السورة مكية قاله مجاهد -بخلاف عنه- وعطاء وقتادة، وقال ابن عباس، والقرطبي، وأبو العالية : هي مدنية.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

سورة الإخلاص
هذه السورة مكية، قاله مجاهد بخلاف عنه وعطاء وقتادة، وقال ابن عباس والقرظي وأبو العالية هي مدنية.
قوله عز وجل:
[سورة الإخلاص (١١٢) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤)
قرأ عمر بن الخطاب وابن مسعود والربيع بن خيثم: «قل هو الله أحد الواحد الصمد»، وروى أبي بن كعب أن المشركين سألوا رسول الله ﷺ عن نسب ربه تعالى عما يقول الجاهلون فنزلت هذه السورة، وروى ابن عباس أن اليهود دخلوا على النبي ﷺ فقالوا: يا محمد صف لنا ربك وانسبه فإنه وصف نفسه في التوراة ونسبها، فارتعد رسول الله ﷺ حتى خر مغشيا عليه ونزل عليه جبريل بهذه السورة، وقال أبو العالية قال قتادة: الأحزاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
انسب لنا ربك، فأتاه الوحي بهذه السورة، وأَحَدٌ معناه: فرد من جميع جهات الوحدانية، ليس كمثله شيء، وهو ابتداء واللَّهُ ابتداء ثان وأَحَدٌ خبره، والجملة خبر الأول، وقيل: هُوَ ابتداء واللَّهُ خبره وأَحَدٌ بدل منه، وحذف أبو عمرو التنوين من أَحَدٌ لالتقاء الساكنين: «أحد الله» وأثبتها الباقون مكسورة للالتقاء، وأما وفقهم كلهم فبسكون الدال، وقد روي عن أبي عمرو: الوصل بسكون الدال، وروي عنه أيضا تنوينها، والصَّمَدُ في كلام العرب السيد الذي يصمد إليه في الأمور ويستقل بها، وأنشدوا: [الطويل]
ألا بكر الناعي بخير بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
وبهذا تفسر هذه الآية لأن الله جلت قدرته هو موجود الموجودات، وإليه تصمد به قوامها، ولا غني بنفسه إلا هو تبارك وتعالى، وقال كثير من المفسرين: الصَّمَدُ الذي لا جوف له، كأنه بمعنى المصمت، وقال الشعبي: هو الذي لا يأكل ولا يشرب، وفي هذا التفسير كله نظر، لأن الجسم في غاية البعد عن صفات الله تعالى. فما الذي تعطينا هذه العبارات، واللَّهُ الصَّمَدُ ابتداء وخبر، وقيل:
الصَّمَدُ نعت، والخبر فيما بعد، وقوله تعالى: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ رد على إشارة الكفار في النسب
536
الذي سألوه، وقال ابن عباس: تفكروا في كل شيء ولا تتفكروا في ذات الله تعالى.
قال القاضي أبو محمد: لأن الأفهام تقف دون ذلك حسيرة، والمؤمنون يعرفون الله تعالى بواجب وجوده وافتقار كل شيء إليه واستغنائه عن كل شيء وينفي العقل عنه كل ما لا يليق به تبارك وتعالى، وأن ليس كمثله شيء، وكل ما ذكرته فهو في ضمن هذه السورة الوجيزة البليغة، وقوله تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ معناه: ليس له ضد ولا ند ولا شبيه، والكفأ والكفؤ والكفاء النظير، وقرأ: «كفؤا» بضم الكاف وهمز مسهل نافع والأعرج وأبو جعفر وشيبة، وقرأ بالهمز عاصم وأبو عمرو بخلاف عنه، وقرأ حمزة: «كفوا» بالهمز وإسكان الفاء وروي عن نافع «كفا» بفتح الفاء وبغير همز. وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس: «ولم يكن له كفاء أحد»، بكسر الكاف وفتح الفاء، والمد، وكُفُواً: خبر كان واسمها أَحَدٌ، والظرف ملغى، وسيبويه رحمه الله يستحسن أن يكون الظرف إذا تقدم خبرا، ولكن قد يجيء ملغى في أماكن يقتضيها المعنى كهذه الآية، وكما قال الشاعر:
ما دام فيهن فصيل حيا ويحتمل أن يكون: كُفُواً، حالا لما قدم من كونه وصفا للنكرة، كما قال: لعزة موحشا طلل، قال سيبويه: وهذا يقل في الكلام، وبابه الشعر، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تعدل ثلث القرآن».
قال القاضي أبو محمد: بما فيها من التوحيد.
537
سورة الإخلاص
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الإخلاص) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الناس)، ولها فضلٌ عظيم؛ فهي تَعدِل ثُلُثَ القرآن، ومحورها إثباتُ وَحْدانية الله عز وجل، والإخلاصُ في عبادته، والتوجُّهُ إليه وَحْده، وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرؤها في مواضعَ كثيرة.

ترتيبها المصحفي
112
نوعها
مكية
ألفاظها
15
ترتيب نزولها
22
العد المدني الأول
4
العد المدني الأخير
4
العد البصري
4
العد الكوفي
4
العد الشامي
5

* قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ ١ اْللَّهُ اْلصَّمَدُ ٢ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ٣ وَلَمْ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ} [الإخلاص: 1-4]:

عن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه: «أنَّ المشركين قالوا لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: انسُبْ لنا رَبَّك؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ ١ اْللَّهُ اْلصَّمَدُ}؛ فالصَّمَدُ: الذي {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}؛ لأنَّه ليس شيءٌ يُولَدُ إلا سيموتُ، ولا شيءَ يموتُ إلا سيُورَثُ، وإنَّ اللهَ عز وجل لا يموتُ ولا يُورَثُ، {وَلَمْ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ}، قال: لم يكُنْ له شبيهٌ ولا عِدْلٌ، وليس كمِثْلِه شيءٌ». أخرجه الترمذي (٣٣٦٤).

* سورة (الإخلاص):

سُمِّيت سورة (الإخلاص) بهذا الاسم؛ لحديثها عن إخلاص العبادة لله عز وجل، وتوحيده.

* سورة {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}:

سُمِّيت بهذا الاسم؛ لافتتاحها به، وقد ورد في كثير من الأحاديث؛ من ذلك:

ما جاء عن أبي الدَّرْداءِ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «أيَعجِزُ أحدُكم أن يَقرأَ في ليلةٍ ثُلُثَ القرآنِ؟»، قالوا: وكيف يَقرأُ ثُلُثَ القرآن؟ قال: «{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}: تَعدِلُ ثُلُثَ القرآنِ» . أخرجه مسلم (٨١١).

* سورة (الإخلاص) تَعدِل ثُلُثَ القرآن:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال لرجُلٍ مِن أصحابِه: «هل تزوَّجْتَ يا فلانُ؟»، قال: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ، ولا عندي ما أتزوَّجُ به، قال: «أليس معك {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}؟»، قال: بلى، قال: «ثُلُثُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا جَآءَ نَصْرُ اْللَّهِ وَاْلْفَتْحُ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «أليس معك {إِذَا زُلْزِلَتِ اْلْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}؟»، قال: بلى، قال: «رُبُعُ القرآنِ»، قال: «تزوَّجْ، تزوَّجْ»». أخرجه الترمذي (٢٨٩٥).

وعن أبي الدَّرْداءِ رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: «أيَعجِزُ أحدُكم أن يَقرأَ في ليلةٍ ثُلُثَ القرآنِ؟»، قالوا: وكيف يَقرأُ ثُلُثَ القرآن؟ قال: «{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}: تَعدِلُ ثُلُثَ القرآنِ» . أخرجه مسلم (٨١١).

قال ابنُ تيميَّةَ في تحديدِ وجهِ عَدِّ سورة (الإخلاص) ثُلُثَ القرآن: «لأنَّ القرآنَ ثلاثةُ أثلاثٍ: ثُلُثٌ: توحيد، وثلث: قَصَص، وثلث: أمرٌ ونهيٌ. وثُلُثُ التوحيد أفضَلُ من غيره». "مجموع الفتاوى" (9/306).

كان النبيُّ عليه الصلاة والسلام يقرأ سورةَ (الإخلاص) في غير موضع:

* في سُنَّة الفجر:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي ركعتَينِ قبل الفجرِ، وكان يقولُ: «نِعْمَ السُّورتانِ يُقرَأُ بهما في ركعتَيِ الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}»». أخرجه ابن ماجه (1150).

وعن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «رمَقْتُ النبيَّ ﷺ شهرًا، فكان يَقرأُ في الرَّكعتَينِ قبل الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه الترمذي (٤١٧).

* في صلاة الوتر:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقرأُ في الوترِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} و{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ} و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ} في ركعةٍ ركعةٍ». أخرجه الترمذي (٤٦٢).

* في سُنَّة صلاة المغرب:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: «رمَقْتُ رسولَ اللهِ ﷺ عِشْرينَ مرَّةً، يَقرأُ في الرَّكعتَينِ بعد المغربِ وفي الرَّكعتَينِ قبل الفجرِ: {قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه النسائي (992).

* قبل النوم:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا أوَى إلى فراشِه، جمَعَ كفَّيْهِ، ثم نفَثَ فيهما، وقرَأَ فيهما بـ {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلْفَلَقِ}، و{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ اْلنَّاسِ}، ثمَّ يَمسَحُ بهما ما استطاعَ مِن جسدِه، يَفعَلُ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ». أخرجه ابن حبان (٥٥٤٤).

* في ركعتَيِ الطواف خلف مقام إبراهيمَ:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الرَّكعتَينِ - أي: ركعتَيِ الطَّوافِ -: {قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}، و{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}». صحيح مسلم (١٢١٨).

 وَحْدانية الله، والإخلاص في عبادته (١-٤).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /452).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقاصدها: «إثباتُ وَحْدانية الله تعالى.
وأنه لا يُقصَد في الحوائج غيرُه.

وتنزيهُه عن سمات المُحدَثات.
وإبطال أن يكونَ له ابنٌ.
وإبطال أن يكونَ المولودُ إلهًا؛ مثل: عيسى عليه السلام». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /612).