تفسير سورة الإسراء

تفسير الشافعي

تفسير سورة سورة الإسراء من كتاب تفسير الشافعي
لمؤلفه الشافعي . المتوفي سنة 204 هـ

٢٩٦- قال الشافعي رحمه الله : قال الله تعالى :﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَـانًا فَلا يُسْرِف فِّى اِلْقَتْلِ ﴾ قال الشافعي : فكان معلوما عند أهل العلم ممن خوطب بهذه الآية : أن وَلي المقتول من جعل الله تعالى له ميراثا منه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين : إن أحبُّوا فالقود، وإن أحبوا فالعقل »١.
ولم يختلف المسلمون علمته في أن العقل موروث كما يورث المال، وإذا كان هكذا فكل وارث ولي الدم كما كان لكل وارث ما جعل الله له من ميراث الميت، زوجة كانت له، أو ابنة، أو أمّا، أو ولدا، أو والدا، لا يخرج أحد منهم من ولاية الدم إذا كان لهم أن يكونوا بالدم مالا٢، كما لا يخرجون من سواه من ماله.
قال الشافعي : فإذا قتل رجل رجلا فلا سبيل إلى القصاص، إلا بأن يجمع جميع ورثة الميت من كانوا وحيث كانوا على القصاص، فإذا فعلوا فلهم القصاص، وإذا كان على الميت دين ولا مال له، أو كانت له وصايا، كان للورثة القتل، وإن كره أهل الدين والوصايا لأنهم ليسوا من أوليائه. وأن الورثة إن شاءوا ملكوا المال بسببه، وإن شاءوا ملكوا القود، وكذلك إن شاءوا عَفَوْا على غير مال ولا قود، لأن المال لا يملك بالعمد إلا بمشيئة الورثة، أو بمشيئة المجني عليه إن كان حيا. ( الأم : ٦/١٢-١٣. ون أحكام الشافعي : ١/٢٨٠. )
ــــــــــــ
٢٩٧- قال الشافعي رحمه الله تعالى : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَـانًا فَلا يُسْرِف فِّى اِلْقَتْلِ ﴾٣. قال الشافعي في قول الله عز وجل :
﴿ فَلا يُسْرِف فِّى اِلْقَتْلِ ﴾٤ : لا يقتل غير قاتله، وهذا يشبه ما قيل ـ والله أعلم ـ قال الله عز وجل :﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ اَلْقِصَاصُ فِى اِلْقَتْلَى ﴾٥ فالقصاص إنما يكون ممن فعل ما فيه القصاص لا ممن لم يفعله، فأحكم الله عز ذكره فرض القصاص في كتابه وأبانت السنة لمن هو، وعلى من هو.
قال الشافعي : أخبرنا إبراهيم بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده قال : وُجِدَ في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب :« إن أعدى الناس على الله القاتل غير قاتله، والضارب غير ضاربه، ومن تولى غير مواليه، فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم »٦.
قال الشافعي : أخبرنا سفيان بن عيينة، عن محمد بن إسحاق قال : قلت لأبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنه : ما كان في الصحيفة التي كانت في قراب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : كان فيها : لعن الله القاتل غير قاتله، والضارب غير ضاربه، ومن تولى غير ولي نعمته فقد كفر بما أنزل الله جل ذكره على محمد صلى الله عليه وسلم ٧.
قال الشافعي : أخبرنا سفيان، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم، أو عن عيسى بن أبي ليلى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« من اعتبط مؤمنا بقتل فهو قود به، إلا أن يرضى ولي المقتول، فمن حال دونه فعليه لعنة الله وغضبه، لا يقبل منه صرف ولا عدل »٨.
أخبرنا سفيان ابن عيينة، عن عبد الملك بن سعيد بن أبجر٩، عن إياد بن لقيط١٠، عن أبي رمثة١١ قال : دخلت مع أبي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أبي الذي بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : دعني أعالج هذا الذي بظهرك فإني طبيب، فقال : أنت « رفيق »، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« من هذا معك ؟ فقال : ابني أشهد به، فقال : أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه »١٢. ( الأم : ٦/٤-٥. ون أحكام الشافعي : ١/٢٦٧-٢٦٨. )
ــــــــــــــــــ
٢٩٨- قال الشافعي : فكل مقتول قتله غير المحارب، فالقتل فيه إلى ولي المقتول، من قبل أن الله جل وعلا يقول :﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَـانًا ﴾١٣.
وقال عز وجل :﴿ فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنَ اَخِيهِ شَىْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ﴾١٤ فبين في حكم الله عز وجل أنه جعل العفو أو القتل إلى ولي الدم دون السلطان إلا في المحارب، فإنه قد حكم في المحاربين أن يقتلوا أو يصلبوا، فجعل ذلك حكما مطلقا لم يذكر فيه أولياء الدم. ( الأم : ٤/٢٩٢. )
ــــــــــــ
٢٩٩- قال الشافعي : ولو أن إماما أقر عنده رجل بقتل رجلٍ بلا قطع طريق عليه، فعجل فقتله، كان على الإمام القصاص، إلا أن تشاء ورثته الدية، لأن الله عز وجل لم يجعل للإمام قتله، وإنما جعل ذلك لوليه لقول الله عز وجل :﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَـانًا فَلا يُسْرِف فِّى اِلْقَتْلِ ﴾١٥ الآية، قال الشافعي : الإسراف في القتل : أن يقتل غير قاتله، والله أعلم.
وكذلك لو قضى عليه بالقتل ودفعه إلى أولياء المقتول وقالوا : نحن نقتله، فقتله الإمام، فعليه القود، لأنه قد كان لهم تركه من القود. وأيهم شاء تركه فلا يكون إلى قتله سبيل، والإمام في هذا مخالف أحد ولاة الميت يقتله١٦، لأن لكلهم حقًّا في دمه، ولا حق للإمام ولا غيره في دمه. ( الأم : ٦/٧١. )
١ - سبق تخريجه..
٢ - قوله: إذا كان لهم أن يكونوا بالدم مالا، كذا في النسخ، والله أعلم بالصواب..
٣ - الإسراء: ٣٣..
٤ - الإسراء: ٣٣..
٥ - البقرة: ١٧٨..
٦ - سبق تخريجه..
٧ - سبق تخريجه..
٨ - سبق تخريجه..
٩ - عبد الملك بن سعيد بن حيان الكوفي، عرف بابن أبجر. عن: أبي الطفيل، والشعبي. وعنه: عبيد الله الأشجعي، وأبو أسامة. ثقة. الكاشف: ٢/٢٠٣. ون التهذيب: ٥/٢٩٦. وقال في التقريب: ثقة عابد..
١٠ - إياد بن لقيط السدوسي. عن: البراء، وأبي رمثة. وعنه: مسعر والثوري. ثقة. الكاشف: ١/٩٤. ون التهذيب:
١/٤٠١. وقال في التقريب ثقة..

١١ - أبو رِمثة البلوي، صحابي. رفاعة، وقيل: يثربي، وغير ذلك. عنه: إياد بن لقيط، وثابت بن أبي منقذ. الكاشف: ٣/٣١٧. ون الإصابة: ٧/١٤٠. والتهذيب: ١٠/١٠٩. وقال في التقريب: صحابي..
١٢ - سبق تخريجه في النص: ٢٣٥..
١٣ - الإسراء: ٣٣..
١٤ - البقرة: ١٧٨..
١٥ - الإسراء: ٣٣..
١٦ - في النسخ « يقتله » وهو خطأ، والصواب بقتله، والله أعلم..
٣٠٠- قال الشافعي : قال الله عز وجل :﴿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ اِنَّ اَلسَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَـائِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً ﴾١ وقال الله عز وجل :﴿ إِلا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾٢.
قال الشافعي رحمه الله تعالى : وحكي أن إخوة يوسف وصَفُوا أن شهادتهم كما ينبغي لهم، فحكى أن كبيرهم قال :﴿ اَرْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَاا بَانَا إِنَّ اَبْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ﴾٣.
قال : ولا يسع شاهدا أن يشهد إلا بما علم، والعلم من ثلاثة وجوه : منها ما عاينه الشاهد فيشهد بالمعاينة، ومنها ما سمعه فيشهد ما أثبت سمعا من المشهود عليه، ومنها ما تظاهرت الأخبار مما لا يمكن في أكثره العيان وتثبت معرفته في القلوب فيشهد عليه بهذا الوجه.
وما شهد به رجل على رجل أنه فعله أو أقر به، لم يجز إلا أن يجمع أمرين : أحدهما : أن يكون يثبته بمعاينة، والآخر : أن يكون يثبته سمعا مع إثبات بصرٍ حين يكون الفعل. وبهذا قلت : لا يجوز شهادة الأعمى إلا أن يكون أثبت شيئا معاينة، أو معاينة وسمعا ثم عمي، فتجوز شهادته، لأن الشهادة إنما تكون يوم يكون الفعل الذي يراه الشاهد، أو القول الذي أثبته سمعا وهو يعرف وجه صاحبه، فإذا كان ذلك قبل يعمى، ثم شهد عليه حافظا له بعد العمى جاز، وإذا كان القول والفعل وهو أعمى لم يجز من قبل أن الصوت يشبه الصوت. ( الأم : ٧/٩٠-٩١. ون أحكام الشافعي : ٢/١٣٦-١٣٧. ومختصر المزني : ٣٠٤-٣٠٥. )
١ - روى ابن جرير في التفسير ٨/٨٠ في قوله تعالى: ﴿ وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾. عن ابن عباس: لا تقل. وعن قتادة: لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، فإن الله تبارك وتعالى سائلك عن ذلك. وعن ابن الحنفية: شهادة الزور. وعن ابن عباس ومجاهد: لا ترم أحدا بما ليس لك به علم.
قال ابن كثير: ومضمون ما ذكره أن الله تعالى نهى عن القول بلا علم بل بالظن الذي هو التوهم والخيال، كما قال تعالى:
﴿ اَجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ اَلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ اَلظَّنِّ إِثْمٌ ﴾. (الحجرات: ١٢).
وأخرج البخاري في النكاح (٧٠) باب: لا يخطب على خطبة أخيه (٤٦)(ر٤٨٤٩) عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث.. » الحديث. ورواه في الأدب، وفي الفرائض.
وأخرجه مسلم في البر والصلة والأدب (٤٥) باب: تحريم الظن (٩)(ر٢٥٦٣)..

٢ - الزخرف: ٨٦..
٣ - يوسف: ٨١..
٣٠١- قال الشافعي : وفرض على الرجلين أن لا يمشى بهما إلى ما حرم الله جل ذكره، فقال في ذلك :{ وَلا تَمْشِ فِى اِلاَرْضِ مَرَحًا اِنَّكَ لَن تَخْرِقَ اَلاَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ اَلْجِبَالَ
طُولا }. ( مناقب الشافعي : ١/٢٩٣. )
٣٠٢- قال الشافعي : واعلموا أن الاستطاعة واحدة لا تصلح للضدين. فاستطاعة الإيمان لا تصلح للكفر، واستطاعة الكفر لا تصلح للإيمان. واستطاعة الإيمان والطاعة توفيق من الله تعالى وتقديس وتأييد ونصرة. واستطاعة الكفر خذلان وإبعاد نعوذ بالله. واستطاعة المعصية التي هي دون الكفر حرمان. والدليل عليه قوله تعالى :﴿ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلا ﴾ أي لا يستطيعون سبيل الهدى، فدل على أن استطاعة الهدى مع الهدى، ولأنه قد ثبت وتقرر أن الاستطاعة مع الفعل١. فثبت أنها لا تصلح للضدين لاستحالة المتضادين معا.
ـــــــــــــ
٣٠٢- الكوكب الأزهر شرح الفقه الأكبر ص : ١٩.
١ - ن تفسير الآية: ٦٧. من سورة الكهف..
٣٠٣- قال الشافعي رحمه الله تعالى : المني ليس بنجس١، لأن الله جل ثناؤه أكرم من أن يبتدئ خلق من كرَّمهم، وجعل منهم النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأهل جنته، من نجس، فإنه يقول :﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ ﴾ وقال جل ثناؤه :﴿ خَلَقَ اَلاِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ ﴾٢، ﴿ أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ ﴾٣. ولو لم يكن في هذا خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكان ينبغي أن تكون العقول تعلم : أنَّ الله لا يبتدئ خلق من كرمه وأسكنه جنته من نجس. فكيف مع ما فيه من الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان يصلي في الثوب قد أصابه المني فلا يغسله، إنما يمسح رطباً، أو يحث يابسا. على معنى التنظيف، مع أن هذا قول : سعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وعائشة، وغيرهم رضي الله عنهم٤. ( أحكام الشافعي : ١/٨٢-٨٣. )
١ - قال الشافعي في الأم ١/٥٥: كل ما خرج من ذكر، من رطوبة بول، أو مذي، أو بول، أو ما لا يعرف أو يعرف، فهو نجس كله، ما خلا المني. والمني الثخين الذي يكون منه الولد الذي يكون له رائحة كرائحة الطلع، ليس لشيء من ذكر رائحة طيبة غيره..
٢ - النحل: ٤..
٣ - المرسلات: ٢٠..
٤ - أخرج مسلم في الطهارة (٢) باب: حكم المني (٣٢)(ر٢٨٨) عن عقلمة والأسود: أن رجلا نزل بعائشة، فأصبح يغسل ثوبه. فقالت عائشة: إنما كان يجزيك إن رأيته أن تغسل مكانه، فإن لم تر نضحت حوله، ولقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلي فيه.
وأخرجه أصحاب السنن كلهم في الطهارة بألفاظ مختلفة.
قال الخطابي: وفي هذا دليل على أن المني طاهر، ولو كان عينه نجسا لكان لا يطهر الثوب بفركه إذا يبس كالعذرة إذا يبست لم تطهر بالفرك. وممن كان يرى فرك المني ولا يأمر بغسله سعد بن أبي وقاص. وقال ابن عباس: امسحه عنك بإذخرة (حشيش طيب الريح) أو خرقة، ولا تغسله إن شئت، إنما هو كالبزاق أو المخاط، وكذلك قال عطاء. وقال الشافعي: المني طاهر، وقال أحمد: يجزيه أن يعركه. ن سنن أبي داود: ١/١٨٦..

٣٠٤- قال الشافعي : قال الله تبارك وتعالى :﴿ وَقُرْءَانَ اَلْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ اَلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ وقال صلى الله عليه وسلم :« من أدرك ركعة من الصبح » والصبح : الفجر فلها اسمان : الصبح والفجر لا أحب أن تسمى إلا بأحدهما. وإذا بان الفجر الأخير معترضا، حلت صلاة الصبح. ومن صلاها قبل تبيين الفجر الأخير معترضا، أَعَاد ؛ ويصليها أول ما يستيقن الفجر معترضا، حتى يخرج منها مغلسا.
قال الشافعي : وأخبرنا مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمان، عن عائشة قالت : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس١. ولا تفوت حتى تطلع الشمس قبل أن يصلي منها ركعة. والركعة ركعة بسجودها، فمن لم يكمل ركعة بسجودها قبل طلوع الشمس، فقد فاتته الصبح لقول النبي صلى الله عليه وسلم :« من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح »٢. ( الأم : ١/٧٤-٧٥. )
١ - أخرجه البخاري في الصلاة في الثياب (٩) باب: في كم تصلي المرأة من الثياب (١٢)(ر٣٦٥)، وفي مواقيت الصلاة باب: وقت الفجر، وفي صفة الصلاة باب: انتظار الناس قيام الإمام العالم، وباب: سرعة انصراف النساء من الصبح.
وأخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (٥) باب: استحباب التبكير بالصبح (٤٠)(ر٦٤٥).
وأخرجه أصحاب السنن، ومالك، وأحمد، والدارمي، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر١٤٦)..

٢ - أخرجه البخاري عن أبي هريرة بنحوه في مواقيت الصلاة (١٣) باب: من أدرك من الفجر ركعة (٢٧)(ر٥٥٤).
وأخرجه مسلم عن عائشة في المساجد ومواضع الصلاة (٥) باب: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك تلك الصلاة (٣٠)(ر٦٠٩).
وأخرجه أصحاب السنن، ومالك، وأحمد، والبيهقي، والشافعي في المسند (ر١٦١).
.

٣٠٥- قال الشافعي : واعلموا أن شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته في يوم القيامة حق، والدليل عليه قوله تعالى :﴿ عَسى أَنْ يَّبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا ﴾ يعني الشفاعة العظمى، وقوله صلى الله عليه وسلم :« ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي »١ وقوله عليه الصلاة والسلام :« أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : أوتيت جوامع الكلم، ونصرتُ بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا، وأعطيت الشفاعة »٢. ولأنه حسن المغفرة عنها بالتوبة، فبأن تحسن المغفرة بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى، لأن فيه رفعة لمنزلته، وترغيبا في الطاعة والإيمان به. ( الكوكب الأزهر شرح الفقه الأكبر : ٢٩-٣٠. )
١ - لم أقف عليه بهذا اللفظ، وقد أخرجه بلفظ آخر:
البخاري في أول الدعوات (٨٣)(ر٥٩٤٥ و ٥٩٤٦) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « لكل نبي دعوة مستجابة يدعوا بها، وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة ». وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « كل نبي سأل سؤالا أو قال: لكل نبي دعوة قد دعا بها فاستجيب، فجعلت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ».
ومسلم في الإيمان (١) باب: اختباء النبي صلى الله عليه وسلم دعوة الشفاعة لأمته (٨٦)(ر١٩٨-١٩٩-٢٠٠-٢٠١)..

٢ - أخرجه البخاري بلفظ مغاير عن جابر بن عبد الله في أول التيمم (٧)(ر٣٢٨). وفي المساجد (١١) باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: « جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا »(٢٣)(ر٤٢٧).
وأخرجه مسلم في أول المساجد ومواضيع الصلاة (٥)(ر٥٢١).
وأخرجه النسائي، وأحمد، والدارمي، والبيهقي..

٣٠٦- قال الشافعي : واعلموا أن نبينا المصطفى محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم رسول رب العالمين، مبعوث إلى الخلق أجمعين، وأنه خاتم النبيين لا نبي بعده وإلى يوم القيامة. والدليل عليه ظهور المعجزات الباهرة على يده الدالة على صدقه عليه الصلاة والسلام، فثبتت نبوته بما ثبتت به نبوة سائر الأنبياء قبله.
ومعجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كثيرة ـ لا نحصيها في هذا المختصر ـ إلا أنا نذكر منها ما يتعلق بالقرآن، لأن ذلك أظهر ولا مجال للإنكار والجحود فيه، فما هو أبلغ على هذا الوجه من النظم المباين لنظم الشعر والخطب ومنثور الكلام والرجز وأسجاع الكهان، مع التحدي به للخلق، قال تعالى :﴿ قُل لَّئِنِ اِجْتَمَعَتِ اِلاِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَّاتُوا بِمِثْلِ هَاذَا اَلْقُرْءَانِ لا يَاتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ ثم بالغ في غاية التحدي إلى أن قال :
﴿ فَاتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ ﴾١ ولم يمكنهم الإتيان بسورة مثل ذلك، مع أن هذه اللغة لسانهم، والفصاحة جبلتهم، فكانت المعارضة أيسر عليهم من المقابلة بالسيف وإعطاء الأموال وبذل النفوس والمهج.
وإلى يومنا هذا لم تظهر معارضة سورة من قصار السور من أحدٍ، مع كثرة الكفار وأعداء دين الإسلام، وذلك أدل دليل على صحة معجزته وصدق نبوته صلى الله عليه وسلم. ( الكوكب الأزهر شرح الفقه الأكبر : ٢٦-٢٧. )
١ - البقرة: ٢٣..
٣٠٧- قال الشافعي : إن الله عز وجل يقول :﴿ وَلا تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا ﴾ يعني ـ والله تعالى أعلم ـ الدعاء، ولا تجهر : ترفع، ولا تخافت : حتى لا تسمع نفسك. ( الأم : ١/١٣٧. )
سورة الإسراء
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الإسراء) أو سورةُ (سُبْحانَ) من السُّوَر المكية، وقد تضمَّنتْ مِحْورَينِ رئيسَينِ:

الأول: الحديث عن معجزةِ (الإسراء والمِعراج)، وما دلَّ ذلك عليه من عظيمِ قدرة الله تعالى، وتصرُّفِه في الكون كيف شاء، وما تَبِع ذلك من مُحاجَجة المشركين في إنكارِهم البعثَ، والجزاء، وغير ذلك.

أما المحور الثاني: فقد دلَّ عليه الاسمُ الآخَر للسورة؛ وهو (سُبْحانَ)، فجاءت السورةُ لتنزيهِ الله عزَّ وجلَّ عن كلِّ نقصٍ وعيبٍ؛ فهو صاحبُ القَدْر والملكوت، المستحِقُّ للعبادة، وقد أُثِر عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الإسراء) قبل أن ينامَ على فراشه.

ترتيبها المصحفي
17
نوعها
مكية
ألفاظها
1563
ترتيب نزولها
50
العد المدني الأول
110
العد المدني الأخير
110
العد البصري
110
العد الكوفي
111
العد الشامي
110

* قوله تعالى: {أُوْلَٰٓئِكَ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ اْلْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57]:

عن عبدِ اللهِ بن عُتْبةَ بن مسعودٍ، عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ في نَفَرٍ مِن العرَبِ كانوا يعبُدون نَفَرًا مِن الجِنِّ، فأسلَمَ الجِنِّيُّونَ، والإنسُ الذين كانوا يعبُدونهم لا يشعُرون؛ فنزَلتْ: {أُوْلَٰٓئِكَ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ اْلْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57]». أخرجه مسلم (٣٠٣٠).

* قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِاْلْأٓيَٰتِ إِلَّآ أَن كَذَّبَ بِهَا اْلْأَوَّلُونَۚ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ اْلنَّاقَةَ مُبْصِرَةٗ} [الإسراء: 59]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «سألَ أهلُ مكَّةَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يَجعَلَ لهم الصَّفَا ذهَبًا، وأن يُنحِّيَ الجبالَ عنهم فيَزْدَرِعُوا، فقيل له: إن شِئْتَ أن تستأنيَ بهم، وإن شِئْتَ أن تؤتيَهم الذي سألوا، فإن كفَروا أُهلِكوا كما أهلَكْتُ مَن قَبْلهم، قال: لا، بل أستأني بهم؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل هذه الآيةَ: {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِاْلْأٓيَٰتِ إِلَّآ أَن كَذَّبَ بِهَا اْلْأَوَّلُونَۚ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ اْلنَّاقَةَ مُبْصِرَةٗ} [الإسراء: 59]». أخرجه النسائي(١١٢٩٠)، وأحمد (٢٣٣٣).

* قوله تعالى: {وَيَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلرُّوحِۖ قُلِ اْلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ اْلْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلٗا} [الإسراء: 85]:

عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «بَيْنا أنا أمشي مع النبيِّ ﷺ في بعضِ حَرْثِ المدينةِ وهو يَتوكَّأُ على عَسِيبٍ معه، فمرَرْنا على نَفَرٍ مِن اليهودِ، فقال بعضُهم لبعضٍ: سَلُوه عن الرُّوحِ، فقال بعضُهم: لا تَسألوه؛ أن يَجِيءَ فيه بشيءٍ تَكرَهونه، فقال بعضُهم: لَنَسألَنَّهُ، فقامَ إليه رجُلٌ منهم، فقال: يا أبا القاسمِ، ما الرُّوحُ؟ فسكَتَ عنه النبيُّ ﷺ، فعَلِمْتُ أنَّه يُوحَى إليه، فقال: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتُوا مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء: 85]». قال الأعمَشُ: «هكذا في قراءتِنا». أخرجه البخاري (٧٤٦٢). قوله: «هكذا في قراءتِنا»: يَقصِدُ قولَه: (أُوتُوا).

* قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَاْبْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلٗا} [الإسراء: 110]:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «أُنزِلتْ ورسولُ اللهِ ﷺ مُتَوَارٍ بمكَّةَ، فكان إذا رفَعَ صوتَه سَمِعَ المشركون، فسَبُّوا القرآنَ ومَن أنزَلَه ومَن جاءَ به، فقال اللهُ تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}: {لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} حتى يَسمَعَ المشركون، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عن أصحابِك فلا تُسمِعُهم، {وَاْبْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلٗا}: أسمِعْهم ولا تَجهَرْ؛ حتى يأخذوا عنك القرآنَ». أخرجه البخاري (٧٤٩٠).

لسورة (الإسراء) اسمانِ آخران غيرُ هذا؛ هما:

* سورةُ (بني إسرائيل):

وقد ثبَت ذلك في حديث عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «كان النبيُّ ﷺ لا ينامُ على فراشِه حتى يَقرأَ (بني إسرائيلَ)، و(الزُّمَرَ)». أخرجه الترمذي (٢٩٢٠).

وجهُ تسميتِها بذلك: أنها اشتملت على ذِكْرِ أحوال بني إسرائيل؛ كما أسلفنا في موضوعات السورة.

* سورة (سُبْحانَ):

ودلَّ على ذلك افتتاحُ السورة بهذا اللفظ.

صحَّ في فضلها ما يلي:

* كان صلى الله عليه وسلم يَقرؤُها قبل أن ينامَ على فراشه:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان النبيُّ ﷺ لا ينامُ على فراشِه حتى يَقرأَ (بني إسرائيلَ)، و(الزُّمَرَ)». أخرجه الترمذي (٢٩٢٠).

والمقصودُ بـ(بني إسرائيل): سورةُ (الإسراء).

* أنَّها من قديم ما تعلَّمَه الصحابةُ من النبي صلى الله عليه وسلم:

عن عبدِ الرَّحْمنِ بن يَزيدَ بن جابرٍ، قال: «سَمِعْتُ ابنَ مسعودٍ يقولُ في (بني إسرائيلَ)، و(الكهفِ)، و(مَرْيمَ)، و(طه)، و(الأنبياءِ): إنَّهنَّ مِن العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلَادي». أخرجه البخاري (٤٩٩٤).

قال أبو عُبَيدٍ: «قولُه: «مِن تِلادي»: يعني: مِن قديم ما أخذتُ من القرآن؛ وذلك أن هذه السُّوَرَ نزَلتْ بمكَّةَ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام (ص247).

اشتمَلتِ السُّورةُ على عدَّة موضوعات؛ جاءت كما يلي:

1. قصةُ الإسراء (١).

2. إكرام سيِّدنا موسى عليه السلام (٢-٣).

3. أحوال بني إسرائيلَ في التاريخ (٣-٨).

4. أهداف القرآن الكريم (٩-١١).

5. التذكير بنِعَم الله، ودلائلِ قدرته (١٢-١٧).

6. من أراد الدنيا، ومن أراد الآخرة (١٨-٢٢).

7. توجيهاتٌ ربانية في المعاملات والأخلاق (٢٣- ٣٩).

8. إبطالُ دعوى الشريك لله تعالى (٤٠- ٤٤).

9. السر في كفرِ المشركين وعنادِهم (٤٥- ٤٨).

10. إنكار المشركين للبعث، والرد عليهم (٤٩- ٥٥).

11. مناقشة المشركين في عقائدهم الفاسدة (٥٦- ٦٠).

12. الحسد أصلُ الداء (٦١- ٦٥).

13. من نِعَم الله تعالى على الإنسان (٦٦- ٧٠).

14. من مشاهدِ يوم القيامة (٧١- ٧٢).

15. محاولةُ المشركين فتنةَ النبي صلى الله عليه و سلم (٧٣-٧٧).

16. أوامرُ وإرشاداتٌ للنبي عليه السلام (٧٨- ٨٥).

17. إعجاز القرآن الكريم (٨٦-٨٩).

18. اقتراحُ مشركي مكة الآياتِ الحسيةَ (٩٠-٩٣).

19. بعض شُبهات المشركين، والردُّ عليها (٩٤-١٠٠).

20. آيات موسى، وصفة القرآن الكريم (١٠١-١٠٩).

21. الدعاء بأسماء الله الحسنى (١١٠-١١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /212).

بيَّنتْ هذه السورةُ معجزةً عظيمة؛ وهي معجزةُ (الإسراء والمعراج)، فجاءت تدعو إلى الإقبالِ على الله وحده، وخَلْعِ كل ما سِواه؛ لأنه وحده المالكُ لتفاصيل الأمور، وتفضيلِ بعض الخَلْق على بعض.

وذلك هو العملُ بالتقوى؛ التي أدناها: خَلْعُ الأنداد واعتقادُ التَّوحيد، وأعلاها: الإحسانُ.

كما أنها قامت على تنزيهِ الله عزَّ وجلَّ عن كل عيبٍ ونقص.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /230).