تفسير سورة الإسراء

التبيان في تفسير غريب القرآن

تفسير سورة سورة الإسراء من كتاب التبيان في تفسير غريب القرآن
لمؤلفه ابن الهائم . المتوفي سنة 815 هـ

" فجاسوا " أي عاثوا وقتلوا وتخللوا الأزقة بلغة جذام وكذلك حاسوا وهاسوا وداسوا " خلال الديار " أي بينها وخلال السحاب وخلله الذي يخرج منه القطر.
" نفيرا " نفرا والنفير القوم الذين يجتمعون ليصيروا إلى أعدائهم فيحاربوهم.
" وليتبروا " أي ليدمروا ويخربوا والتبار الهلاك.
" قتورا " أي ضيقا بخيلا.
" مبصرة " أي مبصرا بها.
" طائره في عنقه " ما عمل من خير أو شر وقيل طائره حظه الذي قضاه الله تعالى له من الخير والشر فهو لازم عنقه وقد سبق الكلام عليه.
" ولا تزر وازرة وزر أخرى " أي لا تحمل النفس الوازرة ذنب نفس أخرى.
" أمرنا " وأمرنا بمعنى أي كثرنا وأمرنا جعلناهم أمراء ويقال أمرنا من الأمر أي أمرناهم بالطاعة إعذارا وإنذارا أو تخويفا ووعيدا " مترفيها " الذين نعموا في الدنيا في غير طاعة الله تعالى، " ففسقوا فيها " أي فخرجوا عن أمرنا عاصين لنا، " فحق عليها القول " فوجب عليها الوعيد.
" مدحورا " مطرودا محظورا ممنوعا.
" أف " الأف وسخ الأذن والتف وسخ الأظفار ثم يقال لما يستثقل ويضجر منه أف وتف له وقيل أف للشيء الخسيس الحقير أو صوت معناه التضجر - زه - ولغات أف كثيرة تزيد على أربعين.
" الأوابين التوابين.
" ولا تبذر " التبذير التفريق ومنه قولهم بذرت الأرض أي فرقت البذر فيها أي الحب والتبذير في النفقة الإسراف فيها وتفريقها في غير ما أحل الله عز وجل.
" إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " الأخوة إذا كانت في غير الولادة كانت للمشاكلة والاجتماع بالفعل كقولك هذا الثوب أخو هذا الثوب أي يشبهه.
" ملوما محسورا " أي ملام على إتلاف مالك ويقال يلومك من لا تعطيه وتبقى محسورا منقطعا عن النفقة والتصرف بمنزلة البعير الحسير الذي به حسرة السفر أي " ذهب السفر بلحمه وقوته فلا انبعاث به ولا نهضة.
" كان خطأ كبيرا " أي إثما عظيما يقال خطىء إذا أثم وأخطأ إذا فاته الصواب ويقال هما بمعنى واحد.
" بالقسطاس " الميزان بلغة الروم وفي قافه الضم والكسر.
" ولا تقف ما ليس لك به علم " أي لاتتبع مالا تعلم ولا يعنيك - زه -
" مرحا " أي ذا اختيال وتكبر.
" لن تخرق الأرض " أي فلن تقطعها ولن تبلغ آخرها.
" ورفاتا " الرفات والفتات واحد ويقال الرفات ما تناثر وبلي من كل شيء.
" يكبر في صدوركم " أي يعظم فيها، " فسينغضون إليك رؤوسهم " يحركونها استهزاء منهم.
" ينزغ بينهم " أي يفسد ويهيج.
" والشجرة الملعونة في القرآن " أي شجرة الزقوم.
" لأحتنكن ذريته " لأستأصلنهم يقال احتنك الجراد الزرع إذا أكله كله ويقال هو من حنك دابته إذا شد حبلا في حنكها الأسفل يقودها به إي لأقتادنهم كيف شئت.
" موفورا " متمما مكملا.
" واستفزز " أي استخف، " وأجلب عليهم " اجمع عليهم، " ورجلك " أي رجالتك.
" يزجي " يسوق.
" حاصبا " أي ريحا عاصفا ترمي بالحصباء وهي الحصى الصغار.
" قاصفا من الريح " يعني ريحا شديدة تقصف الشجر أي تكسره، " تبيعا " أي تابعا مطالبا.
" ضعف الحياة وضعف الممات " عذاب الدنيا وعذاب الآخرة والضعف من أسماء العذاب.
" لا يلبثون خلافك " أي بعدك.
" لدلوك الشمس " أي ميلها وهو من عند زوالها إلى أن تغيب يقال دلكت الشمس إذا مالت، " إلى غسق الليل " أي ظلامه، " وقرآن الفجر " أي ما يقرأ في صلاة الفجر.
" فتهجد " اسهر واهجد نم.
" وزهق الباطل " أي بطل ومن هذا زهوق النفس أي بطلانها.
" ونأى بجانبه " أي تباعد بناحيته وقربه أي تباعد عن ذكر الله تعالى والنأي البعد ويقال النأي الفراق وإن لم يكن ببعد والبعد ضد القرب - زه -، " يؤوسا " كثير اليأس.
" على شاكلته " أي ناحيته وطريقته ويدل على ذلك قوله فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا أي طريقا ويقال على شاكلته أي على خليقته وطبيعته وهو من الشكل يقال لست على شكلي وشاكلتي.
" قل الروح من أمر ربي " أي من علم ربي أي أنتم لا تعلمونه.
" ينبوعا " هو يفعول من نبع الماء إذا ظهر.
" كسفا " أي قطعا الواحدة كسفة وكسفا بالسكون يجوز أن يكون واحدا وأن يكون جمع كسفة مثل سدر وسدرة، " قبيلا " أي ضمينا ويقال يقابله يعاينه.
" زخرف " أي ذهب.
" كلما خبت " يقال خبت النار تخبو إذا سكنت.
" تسع آيات بينات " منها خروج يده بيضاء من غير سوء أي من غير برص والعصا والسنون ونص الثمرات والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.
" لفيفا " أي جميعا.
" وقرآنا فرقناه " معناه أنزلناه نجوما لم ننزله مرة واحدة ويدل عليه قراءة ابن عباس بالتشديد وقيل فصلناه وبيناه وقال بعضهم فرقنا فيه بين الحق والباطل، " لتقرأه على الناس على مكث " أي على تؤدة وترسل في ثلاث وعشرين سنة انتهى.
" ولا تخافت بها " أي لا تخفيها.
سورة الإسراء
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الإسراء) أو سورةُ (سُبْحانَ) من السُّوَر المكية، وقد تضمَّنتْ مِحْورَينِ رئيسَينِ:

الأول: الحديث عن معجزةِ (الإسراء والمِعراج)، وما دلَّ ذلك عليه من عظيمِ قدرة الله تعالى، وتصرُّفِه في الكون كيف شاء، وما تَبِع ذلك من مُحاجَجة المشركين في إنكارِهم البعثَ، والجزاء، وغير ذلك.

أما المحور الثاني: فقد دلَّ عليه الاسمُ الآخَر للسورة؛ وهو (سُبْحانَ)، فجاءت السورةُ لتنزيهِ الله عزَّ وجلَّ عن كلِّ نقصٍ وعيبٍ؛ فهو صاحبُ القَدْر والملكوت، المستحِقُّ للعبادة، وقد أُثِر عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الإسراء) قبل أن ينامَ على فراشه.

ترتيبها المصحفي
17
نوعها
مكية
ألفاظها
1563
ترتيب نزولها
50
العد المدني الأول
110
العد المدني الأخير
110
العد البصري
110
العد الكوفي
111
العد الشامي
110

* قوله تعالى: {أُوْلَٰٓئِكَ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ اْلْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57]:

عن عبدِ اللهِ بن عُتْبةَ بن مسعودٍ، عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ في نَفَرٍ مِن العرَبِ كانوا يعبُدون نَفَرًا مِن الجِنِّ، فأسلَمَ الجِنِّيُّونَ، والإنسُ الذين كانوا يعبُدونهم لا يشعُرون؛ فنزَلتْ: {أُوْلَٰٓئِكَ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ اْلْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57]». أخرجه مسلم (٣٠٣٠).

* قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِاْلْأٓيَٰتِ إِلَّآ أَن كَذَّبَ بِهَا اْلْأَوَّلُونَۚ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ اْلنَّاقَةَ مُبْصِرَةٗ} [الإسراء: 59]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «سألَ أهلُ مكَّةَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يَجعَلَ لهم الصَّفَا ذهَبًا، وأن يُنحِّيَ الجبالَ عنهم فيَزْدَرِعُوا، فقيل له: إن شِئْتَ أن تستأنيَ بهم، وإن شِئْتَ أن تؤتيَهم الذي سألوا، فإن كفَروا أُهلِكوا كما أهلَكْتُ مَن قَبْلهم، قال: لا، بل أستأني بهم؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل هذه الآيةَ: {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِاْلْأٓيَٰتِ إِلَّآ أَن كَذَّبَ بِهَا اْلْأَوَّلُونَۚ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ اْلنَّاقَةَ مُبْصِرَةٗ} [الإسراء: 59]». أخرجه النسائي(١١٢٩٠)، وأحمد (٢٣٣٣).

* قوله تعالى: {وَيَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلرُّوحِۖ قُلِ اْلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ اْلْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلٗا} [الإسراء: 85]:

عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «بَيْنا أنا أمشي مع النبيِّ ﷺ في بعضِ حَرْثِ المدينةِ وهو يَتوكَّأُ على عَسِيبٍ معه، فمرَرْنا على نَفَرٍ مِن اليهودِ، فقال بعضُهم لبعضٍ: سَلُوه عن الرُّوحِ، فقال بعضُهم: لا تَسألوه؛ أن يَجِيءَ فيه بشيءٍ تَكرَهونه، فقال بعضُهم: لَنَسألَنَّهُ، فقامَ إليه رجُلٌ منهم، فقال: يا أبا القاسمِ، ما الرُّوحُ؟ فسكَتَ عنه النبيُّ ﷺ، فعَلِمْتُ أنَّه يُوحَى إليه، فقال: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتُوا مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء: 85]». قال الأعمَشُ: «هكذا في قراءتِنا». أخرجه البخاري (٧٤٦٢). قوله: «هكذا في قراءتِنا»: يَقصِدُ قولَه: (أُوتُوا).

* قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَاْبْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلٗا} [الإسراء: 110]:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «أُنزِلتْ ورسولُ اللهِ ﷺ مُتَوَارٍ بمكَّةَ، فكان إذا رفَعَ صوتَه سَمِعَ المشركون، فسَبُّوا القرآنَ ومَن أنزَلَه ومَن جاءَ به، فقال اللهُ تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}: {لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} حتى يَسمَعَ المشركون، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عن أصحابِك فلا تُسمِعُهم، {وَاْبْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلٗا}: أسمِعْهم ولا تَجهَرْ؛ حتى يأخذوا عنك القرآنَ». أخرجه البخاري (٧٤٩٠).

لسورة (الإسراء) اسمانِ آخران غيرُ هذا؛ هما:

* سورةُ (بني إسرائيل):

وقد ثبَت ذلك في حديث عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «كان النبيُّ ﷺ لا ينامُ على فراشِه حتى يَقرأَ (بني إسرائيلَ)، و(الزُّمَرَ)». أخرجه الترمذي (٢٩٢٠).

وجهُ تسميتِها بذلك: أنها اشتملت على ذِكْرِ أحوال بني إسرائيل؛ كما أسلفنا في موضوعات السورة.

* سورة (سُبْحانَ):

ودلَّ على ذلك افتتاحُ السورة بهذا اللفظ.

صحَّ في فضلها ما يلي:

* كان صلى الله عليه وسلم يَقرؤُها قبل أن ينامَ على فراشه:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان النبيُّ ﷺ لا ينامُ على فراشِه حتى يَقرأَ (بني إسرائيلَ)، و(الزُّمَرَ)». أخرجه الترمذي (٢٩٢٠).

والمقصودُ بـ(بني إسرائيل): سورةُ (الإسراء).

* أنَّها من قديم ما تعلَّمَه الصحابةُ من النبي صلى الله عليه وسلم:

عن عبدِ الرَّحْمنِ بن يَزيدَ بن جابرٍ، قال: «سَمِعْتُ ابنَ مسعودٍ يقولُ في (بني إسرائيلَ)، و(الكهفِ)، و(مَرْيمَ)، و(طه)، و(الأنبياءِ): إنَّهنَّ مِن العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلَادي». أخرجه البخاري (٤٩٩٤).

قال أبو عُبَيدٍ: «قولُه: «مِن تِلادي»: يعني: مِن قديم ما أخذتُ من القرآن؛ وذلك أن هذه السُّوَرَ نزَلتْ بمكَّةَ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام (ص247).

اشتمَلتِ السُّورةُ على عدَّة موضوعات؛ جاءت كما يلي:

1. قصةُ الإسراء (١).

2. إكرام سيِّدنا موسى عليه السلام (٢-٣).

3. أحوال بني إسرائيلَ في التاريخ (٣-٨).

4. أهداف القرآن الكريم (٩-١١).

5. التذكير بنِعَم الله، ودلائلِ قدرته (١٢-١٧).

6. من أراد الدنيا، ومن أراد الآخرة (١٨-٢٢).

7. توجيهاتٌ ربانية في المعاملات والأخلاق (٢٣- ٣٩).

8. إبطالُ دعوى الشريك لله تعالى (٤٠- ٤٤).

9. السر في كفرِ المشركين وعنادِهم (٤٥- ٤٨).

10. إنكار المشركين للبعث، والرد عليهم (٤٩- ٥٥).

11. مناقشة المشركين في عقائدهم الفاسدة (٥٦- ٦٠).

12. الحسد أصلُ الداء (٦١- ٦٥).

13. من نِعَم الله تعالى على الإنسان (٦٦- ٧٠).

14. من مشاهدِ يوم القيامة (٧١- ٧٢).

15. محاولةُ المشركين فتنةَ النبي صلى الله عليه و سلم (٧٣-٧٧).

16. أوامرُ وإرشاداتٌ للنبي عليه السلام (٧٨- ٨٥).

17. إعجاز القرآن الكريم (٨٦-٨٩).

18. اقتراحُ مشركي مكة الآياتِ الحسيةَ (٩٠-٩٣).

19. بعض شُبهات المشركين، والردُّ عليها (٩٤-١٠٠).

20. آيات موسى، وصفة القرآن الكريم (١٠١-١٠٩).

21. الدعاء بأسماء الله الحسنى (١١٠-١١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /212).

بيَّنتْ هذه السورةُ معجزةً عظيمة؛ وهي معجزةُ (الإسراء والمعراج)، فجاءت تدعو إلى الإقبالِ على الله وحده، وخَلْعِ كل ما سِواه؛ لأنه وحده المالكُ لتفاصيل الأمور، وتفضيلِ بعض الخَلْق على بعض.

وذلك هو العملُ بالتقوى؛ التي أدناها: خَلْعُ الأنداد واعتقادُ التَّوحيد، وأعلاها: الإحسانُ.

كما أنها قامت على تنزيهِ الله عزَّ وجلَّ عن كل عيبٍ ونقص.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /230).