تفسير سورة الإسراء

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة الإسراء من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وباسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تعال ﴿سُبْحَانَ﴾ يَقُول تعظم وتبرأ عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك ﴿الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ﴾ سير عَبده وَيُقَال أدْلج عَبده مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ﴿لَيْلاً﴾ أول اللَّيْل ﴿مِّنَ الْمَسْجِد الْحَرَام﴾ من الْحرم من بَيت أم هانى بنت أبي طَالب ﴿إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى﴾ أبعد من الأَرْض وَأقرب إِلَى السَّمَاء يَعْنِي مَسْجِد بَيت الْمُقَدّس ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ بِالْمَاءِ وَالْأَشْجَار وَالثِّمَار ﴿لنريه﴾ لكَي نرى مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿مِنْ آيَاتِنَآ﴾ من عجائبنا فَكل مَا رأى تِلْكَ اللَّيْلَة كَانَ من عجائب الله ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع﴾ لمقالة قُرَيْش ﴿الْبَصِير﴾ بهم ويسير عَبده مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿وَآتَيْنَآ مُوسَى الْكتاب﴾ أعطينا مُوسَى التَّوْرَاة جملَة وَاحِدَة ﴿وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ من الضَّلَالَة ﴿أَلاَّ تَتَّخِذُواْ﴾ أَن لَا تعبدوا ﴿مِن دُونِي وَكيلا﴾ رَبًّا
﴿ذُرِّيَّةَ﴾ يَا ذُرِّيَّة ﴿مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ﴾ فِي السَّفِينَة فِي أصلاب الرِّجَال وأرحام النِّسَاء ﴿إِنَّهُ﴾ يَعْنِي نوحًا ﴿كَانَ عَبْداً شَكُوراً﴾ شاكراً كَانَ إِذا أكل أَو شرب أَو اكتسى قَالَ الْحَمد لله
﴿وَقَضَيْنَآ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ بَينا لبني إِسْرَائِيل ﴿فِي الْكتاب﴾ فِي التَّوْرَاة ﴿لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْض﴾ لتعصن فِي الأَرْض ﴿مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً﴾ لتعتن عتواً كَبِيرا وَيُقَال لتقهرن قهرا شَدِيدا
﴿فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا﴾ أول العذابين وَيُقَال أول الفسادين ﴿بَعَثْنَا﴾ سلطنا ﴿عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ﴾ بخْتنصر وَأَصْحَاب ملك بابل ﴿أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ﴾ ذَوي قتال شَدِيد ﴿فَجَاسُواْ خِلاَلَ الديار﴾ فقتلوكم وسط الديار فِي الْأَزِقَّة ﴿وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً﴾ مَقْدُورًا كَائِنا لَئِن فَعلْتُمْ لَأَفْعَلَنَّ بكم فَكَانُوا تسعين سنة فِي الْعَذَاب أسرى فِي يَد بخْتنصر قبل أَن ينصرهم الله بكورش الْهَمدَانِي
﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة﴾ الدولة ﴿عَلَيْهِمْ﴾ بِظُهُور كورش الْهَمدَانِي على بخْتنصر وَيُقَال ثمَّ عطفنا عَلَيْكُم العطفة بالدولة ﴿وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ﴾ أعطيناكم أَمْوَالًا وبنين ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً﴾ رجَالًا وعدداً
﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ﴾ وحدتم بِاللَّه ﴿أَحْسَنْتُمْ﴾ وحدتم ﴿لأَنْفُسِكُمْ﴾ ثَوَاب ذَلِك الْجنَّة
233
﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ﴾ أشركتم بِاللَّه ﴿فَلَهَا﴾ فعلَيْهَا عُقُوبَة ذَلِك فَكَانُوا فِي النَّعيم وَالسُّرُور وَكَثْرَة الرِّجَال وَالْعدَد وَالْغَلَبَة على الْعَدو مِائَتَيْنِ وَعشْرين سنة قبل أَن يُسَلط عَلَيْهِم قطوس ﴿فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الْآخِرَة﴾ آخر الفسادين وَآخر العذابين ﴿ليسوؤوا﴾ ليقبحوا ﴿وُجُوهكُم﴾ بِالْقَتْلِ والسبي يَعْنِي قطوس بن أسبيانوس الرُّومِي ﴿وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِد﴾ بَيت الْمُقَدّس ﴿كَمَا دَخَلُوهُ أول مرّة﴾ بخْتنصر وَأَصْحَابه ﴿وَلِيُتَبِّرُواْ﴾ يخربوا ﴿مَا عَلَوْاْ﴾ مَا ظَهَرُوا عَلَيْهِ ﴿تَتْبِيراً﴾ تخريباً
234
﴿عَسى رَبُّكُمْ﴾ لَعَلَّ ربكُم ﴿أَن يَرْحَمَكُمْ﴾ بعد ذَلِك ﴿وَإِنْ عُدتُّمْ﴾ إِلَى الْفساد ﴿عُدْنَا﴾ إِلَى الْعَذَاب وَيُقَال إِن عدتم إِلَى الْإِحْسَان عدنا إِلَى الرَّحْمَة ﴿وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً﴾ سجناً ومحبسا
﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآن يِهْدِي﴾ يدل ﴿لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ أصوب شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَيُقَال أبين ﴿وَيُبَشِّرُ الْمُؤمنِينَ﴾ المخلصين بإيمَانهمْ ﴿الَّذين يَعْمَلُونَ الصَّالِحَات﴾ فِيمَا بَينهم وَبَين رَبهم ﴿أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً﴾ ثَوابًا عَظِيما وافراً فِي الْجنَّة
﴿وَأَن الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة﴾ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت ﴿أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾ وجيعاً فِي الْآخِرَة
﴿ويدع الْإِنْسَان﴾ يَعْنِي النَّضر ابْن الْحَارِث ﴿بِالشَّرِّ﴾ باللعن وَالْعَذَاب على نَفسه وَأَهله ﴿دُعَآءَهُ بِالْخَيرِ﴾ كدعائه بالعافية وَالرَّحْمَة ﴿وَكَانَ الْإِنْسَان﴾ يَعْنِي النَّضر ﴿عَجُولاً﴾ مستعجلاً بِالْعَذَابِ
﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْل وَالنَّهَار آيَتَيْنِ﴾ علامتين يَعْنِي الشَّمْس وَالْقَمَر ﴿فَمَحَوْنَآ آيَةَ اللَّيْل﴾ ضوء آيَة اللَّيْل يَعْنِي الْقَمَر ﴿وَجَعَلْنَآ﴾ تركنَا ﴿آيَةَ النَّهَار مُبْصِرَةً﴾ يَعْنِي الشَّمْس مبصرة مضيئة ﴿لِتَبْتَغُواْ﴾ لكَي تَطْلُبُوا ﴿فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ﴾ بِطَلَب الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ﴿وَلِتَعْلَمُواْ﴾ لكَي تعلمُوا بِزِيَادَة الْقَمَر ونقصانه ﴿عَدَدَ السنين والحساب﴾ حِسَاب الْأَيَّام والشهور ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ﴾ من الْحَلَال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي ﴿فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً﴾ بَيناهُ فِي الْقُرْآن تبييناً
﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ﴾ ألزقناه ﴿طَآئِرَهُ﴾ كتاب إجَابَته فِي الْقَبْر لمنكر وَنَكِير ﴿فِي عُنُقِهِ﴾ وَيُقَال خَيره وشره لَهُ أَو عَلَيْهِ وَيُقَال سعادته وشقاوته لَهُ أَو عَلَيْهِ ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ﴾ نظهر لَهُ ﴿يَوْمَ الْقِيَامَة كِتَاباً يَلْقَاهُ﴾ يعطاه ﴿مَنْشُوراً﴾ مَفْتُوحًا فِيهِ حَسَنَاته وسيئاته
وَيُقَال لَهُ ﴿اقْرَأ كَتَابَكَ كفى بِنَفْسِكَ الْيَوْم عَلَيْكَ حَسِيباً﴾ شَهِيدا بِمَا عملت
﴿مَّنِ اهْتَدَى﴾ آمن ﴿فَإِنَّمَا يَهْتَدي﴾ يُؤمن ﴿لِنَفْسِهِ﴾ ثَوَاب ذَلِك ﴿وَمَن ضَلَّ﴾ كفر ﴿فَإِنَّمَا يَضِلُّ﴾ يجب ﴿عَلَيْهَا﴾ على نَفسه عُقُوبَة ذَلِك ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ لَا تحمل حاملة ذَنْب أُخْرَى بِطيبَة النَّفس وَلَكِن يحمل عَلَيْهَا بِالْقصاصِ وَيُقَال لَا تُؤْخَذ نفس بذنب نفس أُخْرَى وَيُقَال لَا تعذب نفس بِغَيْر ذَنْب ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ﴾ قوما بِالْهَلَاكِ ﴿حَتَّى نَبْعَثَ﴾ إِلَيْهِم ﴿رَسُولا﴾ لَا تخاذ الْحجَّة عَلَيْهِم
﴿وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا﴾ جبابرتها ورؤساءها بِالطَّاعَةِ إِن قَرَأت بِنصب الْألف مخففاً وَيَقُول كَثرْنَا رؤساءها وجبابرتها وأغنياءها إِن قَرَأت بِفَتْح الْألف ممدوداً وَيُقَال سلطنا جبابرتها ورؤساءها إِن قَرَأت بِفَتْح الْألف وَتَشْديد الْمِيم ﴿فَفَسَقُواْ فِيهَا﴾ فعملوا فِيهَا بِالْمَعَاصِي ﴿فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْل﴾ وَجب القَوْل عَلَيْهَا بِالْعَذَابِ ﴿فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً﴾ فأهلكناها إهلاكا
﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُون﴾ الْمَاضِيَة
234
﴿مِن بَعْدِ نُوحٍ﴾ من بعد قوم نوح ﴿وَكفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً﴾ بهلاكهم وَإِن لم نبين لَك وَتعلم ذنوبهم وعذابهم
235
﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ العاجلة﴾ يَعْنِي الدُّنْيَا بأَدَاء مَا افْترض الله عَلَيْهِ ﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا﴾ أعطيناه فِي الدُّنْيَا ﴿مَا نَشَآءُ﴾ أَن نُعْطِيه ﴿لِمَن نُّرِيدُ﴾ أَن نهلكه فِي الْآخِرَة ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ﴾ أَوجَبْنَا لَهُ ﴿يَصْلاهَا﴾ يدخلهَا ﴿مَذْمُوماً مَّدْحُوراً﴾ مقصياً من ثَوَاب كل خير نزلت هَذِه الْآيَة فِي مرْثَد بن ثُمَامَة
﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَة﴾ يَعْنِي الْجنَّة بأَدَاء مَا افْترض الله عَلَيْهِ ﴿وسعى لَهَا سَعْيَهَا﴾ عمل للجنة عَملهَا ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ مَعَ ذَلِك مُؤمن مخلص بإيمانه ﴿فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم﴾ عَمَلهم ﴿مَّشْكُوراً﴾ مَقْبُولًا نزلت هَذِه الْآيَة فِي بِلَال الْمُؤَذّن
﴿كُلاًّ نُّمِدُّ﴾ نعطي بالرزق ﴿هَؤُلَاءِ﴾ أهل الطَّاعَة ﴿وَهَؤُلَاء﴾ أهل الْمعْصِيَة يمدون ﴿مِنْ عَطَآءِ رَبِّكَ﴾ رزق رَبك ﴿وَمَا كَانَ عَطَآءُ رَبِّكَ﴾ رزق رَبك ﴿محذورا﴾ مَحْبُوسًا عَن الْبر والفاجر
﴿انْظُر﴾ يَا مُحَمَّد ﴿كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ﴾ فِي الدُّنْيَا بِالْمَالِ والخدم ﴿وَلَلآخِرَةُ﴾ وَفِي الْآخِرَة ﴿أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ﴾ فَضَائِل للْمُؤْمِنين ﴿وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾ فَضَائِل للْمُؤْمِنين ثَوابًا فِي الدَّرَجَات
﴿لاَّ تَجْعَل﴾ لَا تقل ﴿مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً﴾ ملوماً تلوم نَفسك ﴿مَّخْذُولاً﴾ يخذلك معبودك
﴿وَقضى رَبُّكَ﴾ أَمر رَبك ﴿أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ﴾ أَن لَا توحدوا إِلَّا بِاللَّه تَعَالَى ﴿وبالوالدين إِحْسَاناً﴾ برا بهما ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكبر أَحَدُهُمَا﴾ أحد الْأَبَوَيْنِ ﴿أَوْ كِلاَهُمَا﴾ كلا الْأَبَوَيْنِ ﴿فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ﴾ كلَاما رديئاً وَلَا تقذرهما ﴿وَلاَ تَنْهَرْهُمَا﴾ وَلَا تغلظ لَهما فِي الْكَلَام ﴿وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً﴾ لينًا حسنا
﴿واخفض لَهُمَا جَنَاحَ الذل﴾ لين جَانِبك لَهما ﴿مِنَ الرَّحْمَة﴾ كن رحِيما عَلَيْهِمَا ﴿وَقُل رَّبِّ ارحمهما﴾ إِن كَانَا مُسلمين ﴿كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾ عالجاني فِي الصغر
﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ بِمَا فِي قُلُوبكُمْ من الْبر والكرامة بالوالدين ﴿إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ﴾ بارين بالوالدين ﴿فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ﴾ للراجعين من الذُّنُوب ﴿غَفُوراً﴾ متجاوزاً نزلت هَذِه الْآيَة فِي سعد بن أبي وَقاص
﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ أعْط ذَا الْقَرَابَة حَقه يَقُول أَمر بصلَة الْقَرَابَة (والمسكين) أَمر بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْمِسْكِين ﴿وَابْن السَّبِيل﴾ أَمر بإكرام الضَّيْف النَّازِل بِهِ حَقه ثَلَاثَة أَيَّام ﴿وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً﴾ لَا تنْفق مَالك فِي غير حق الله وَإِن كَانَ دافقا وَيُقَال فِي غير طَاعَة الله
﴿إِنَّ المبذرين﴾ المنفقين أَمْوَالهم فِي غير حق الله وَإِن كَانَ دافقا ﴿كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِين﴾ أعوان الشَّيَاطِين ﴿وَكَانَ الشَّيْطَان لِرَبِّهِ كَفُوراً﴾ لرَبه كَافِرًا
﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ﴾ عَن الْقَرَابَة وَالْمَسَاكِين حَيَاء وَرَحْمَة ﴿ابتغآء رَحْمَةٍ﴾ انْتِظَار رَحْمَة ﴿مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا﴾ أَن تَأْتِيك وَيُقَال قدوم مَال غَائِب عَنْك
235
﴿فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً﴾ فعدهم عدَّة حَسَنَة أَي سأعطيكم
236
﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ﴾ يَقُول لَا تمسك يدك عَن النَّفَقَة والعطية بِمَنْزِلَة المغلولة يَده إِلَى عُنُقه ﴿وَلاَ تَبْسُطْهَا﴾ فِي الْعَطِيَّة النَّفَقَة ﴿كُلَّ الْبسط﴾ فِي السَّرف يَقُول لَا تعط جَمِيع ماهو لَك مِسْكينا وَاحِدًا أَو قرَابَة وَاحِدَة وتترك الآخرين ﴿فَتَقْعُدَ﴾ فَتبقى ﴿مَلُوماً﴾ يلومك النَّاس يَعْنِي الْفُقَرَاء والقرابة ﴿مَّحْسُوراً﴾ مُنْقَطِعًا عَنْك الْقَرَابَة وَالْمَسَاكِين ذَاهِبًا الَّذِي لَك من المَال وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي امْرَأَة استكست قَمِيص رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَعْطَاهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَمِيصه وَجلسَ عَارِيا فَنَهَاهُ الله عَن ذَلِك وَقَالَ لَهُ وَلَا تبسطها كل الْبسط فِي السَّرف حَتَّى تنْزع ثَوْبك فَتَقْعُدَ مَلُوماً يلومك النَّاس مَّحْسُوراً عَارِيا لَا تقدر أَن تخرج من العري
﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿يَبْسُطُ الرزق﴾ يُوسع المَال ﴿لمن يشآء﴾ على من يَشَاء من عباده وَهُوَ نظر مِنْهُ ﴿وَيَقْدِرُ﴾ يقتر على من يَشَاء من عباده وَهُوَ نظر مِنْهُ ﴿إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ﴾ بصلاح عباده ﴿خَبِيراً بَصِيراً﴾ بالبسط والتقتير
﴿وَلاَ تقتلُوا أَوْلادَكُمْ﴾ نزلت هَذِه الْآيَة فِي خُزَاعَة كَانُوا يدفنون بناتهم أَحيَاء فنهاهم الله عَن ذَلِك وَقَالَ وَلَا تقتلُوا أَوْلَادكُم لَا تدفنوا بناتكم أَحيَاء ﴿خَشْيَةَ إِمْلاقٍ﴾ مَخَافَة الذل والفقر ﴿نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ﴾ يَعْنِي بناتكم ﴿وَإِيَّاكُم إنَّ قَتلهمْ﴾ دفنهم أَحيَاء ﴿كَانَ خطأ كَبِيراً﴾ ذَنبا عَظِيما فِي الْعقُوبَة
﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى﴾ سرا وَعَلَانِيَة ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾ مَعْصِيّة ذَنبا ﴿وَسَآءَ سَبِيلاً﴾ بئس مسلكاً
﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفس﴾ المؤمنة ﴿الَّتِي حَرَّمَ الله﴾ قَتلهَا ﴿إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾ بِالرَّجمِ أَو الْقود أَو الارتداد ﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً﴾ بالتعمد ﴿فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ﴾ لوَلِيّ الْمَقْتُول ﴿سُلْطَاناً﴾ عذرا وَحجَّة على الْقَاتِل إِن شَاءَ قَتله وَإِن شَاءَ عَفا عَنهُ وَإِن شَاءَ آخذه بِالدِّيَةِ ﴿فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْل﴾ إِن قتلت قَاتل وليك وَيُقَال لَا تقتل غير الْقَاتِل حمية إِن قَرَأت بِالْجَزْمِ وَيُقَال لَا تقتل لقتل نفس وَاحِدَة عشرَة ﴿إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً﴾ يقتل وَلَا يعفي
﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيم إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ بالأرباح وَالْحِفْظ ﴿حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ خمس عشرَة سنة أَو ثَمَان عشرَة سنة
﴿وأوفوا بالعهد﴾ أَتموا الْعَهْد بِاللَّه فِيمَا بَيْنكُم وَبَين النَّاس ﴿إِنَّ الْعَهْد﴾ نَاقض الْعَهْد ﴿كَانَ مَسْؤُولاً﴾ من نقضه يَوْم الْقِيَامَة ﴿وَأَوْفُوا﴾ أَتموا ﴿الْكَيْل إِذا كِلْتُمْ﴾ لغيركم ﴿وَزِنُواْ بالقسطاس الْمُسْتَقيم﴾ بميزان الْعدْل ﴿ذَلِك﴾ الْوَفَاء بِالْكَيْلِ وَالْوَزْن والعهد ﴿خَيْرٌ﴾ من النَّقْض والبخس ﴿وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ عَاقِبَة
﴿وَلاَ تَقْفُ﴾ وَلَا تقل ﴿مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ فَتَقول علمت وَلم تعلم وَرَأَيْت وَلم تَرَ وَسمعت وَلم تسمع ﴿إِنَّ السّمع﴾ ماتسمعون ﴿وَالْبَصَر﴾ مَا تبصرون ﴿والفؤاد﴾ مَا تتمنون ﴿كُلُّ أُولَئِكَ﴾ عَن كل ذَلِك ﴿كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ يَوْم الْقِيَامَة
﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْض مَرَحاً﴾ بالتكبر وَالْخُيَلَاء ﴿إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْض﴾ تجَاوز الأَرْض بخيلائك ﴿وَلَن تَبْلُغَ الْجبَال طُولاً﴾ وَلنْ تحازي الْجبَال
﴿كُلُّ ذَلِك﴾ كل مَا نهيتك عَنهُ ﴿كَانَ سَيِّئُهُ﴾ سَيِّئًا ﴿عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً﴾ عِنْد رَبك مقدم ومؤخر
﴿ذَلِكَ﴾ الَّذِي أَمرتك ﴿مِمَّآ أوحى إِلَيْكَ﴾ أَمرك ﴿رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَة﴾ فِي الْقُرْآن ﴿وَلاَ تَجْعَلْ﴾ لَا تقل ﴿مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ فَتلقى﴾ فتطرح ﴿فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً﴾ تلومك نَفسك ﴿مَّدْحُوراً﴾ مقصياً من كل خير
﴿أَفَأَصْفَاكُمْ﴾ اختاركم ﴿رَبُّكُم بالبنين﴾ بالذكور
236
﴿وَاتخذ﴾ لنَفسِهِ ﴿مِنَ الْمَلَائِكَة إِنَاثاً﴾ الْبَنَات ﴿إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ﴾ على الله ﴿قَوْلاً عَظِيماً﴾ فِي الْعقُوبَة وَيُقَال فِي الْفِرْيَة على الله
237
﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا﴾ بَينا ﴿فِي هَذَا الْقُرْآن﴾ الْوَعْد والوعيد ﴿لِيذكرُوا﴾ لكَي يتعظوا ﴿وَمَا يزيدهم﴾ وَعبد الْقُرْآن ﴿إِلاَّ نُفُوراً﴾ تباعداً عَن الْإِيمَان
﴿قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ﴾ طلبُوا ﴿إِلَى ذِي الْعَرْش سَبِيلاً﴾ قدرا ومنزلة وَيُقَال صعُودًا
﴿سُبْحَانَهُ﴾ نزه نَفسه عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك ﴿وَتَعَالَى﴾ تَبرأ وارتفع ﴿عَمَّا يَقُولُونَ﴾ من الشّرك ﴿عُلُوّاً﴾ على كل شَيْء ﴿كَبِيراً﴾ كَبِير كل شَيْء
﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَات السَّبع وَالْأَرْض وَمَن فِيهِنَّ﴾ من الْخلق ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ﴾ مَا من شَيْء من النَّبَات ﴿إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ﴾ بأَمْره ﴿وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ بِأَيّ لُغَة هُوَ ﴿إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً﴾ بعباده إِذْ لَا يعجلهم بالعقوبة ﴿غَفُوراً﴾ متجاوزاً لمن تَابَ
﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآن﴾ بِمَكَّة ﴿جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَة﴾ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه ﴿حِجَاباً مَّسْتُوراً﴾ محجوباً
﴿وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ أغطية ﴿أَن يَفْقَهُوهُ﴾ لكَي لَا يفقهوا الْحق ﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً﴾ صمماً ﴿وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآن وَحْدَهُ﴾ بِلَا إِلَه إِلَّا الله ﴿وَلَّوْاْ على أَدْبَارِهِمْ﴾ رجعُوا إِلَى أصنامهم وعطفوا إِلَى عبَادَة آلِهَتهم ﴿نُفُوراً﴾ تباعداً عَن قَوْلك
﴿نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ﴾ إِلَى قِرَاءَة الْقُرْآن ﴿إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ﴾ إِلَى قراءتك يَعْنِي أَبَا جهل وَأَصْحَابه ﴿وَإِذْ هُمْ نجوى﴾ فِي أَمرك يَقُول بَعضهم سَاحر وَيَقُول بَعضهم كَاهِن وَيَقُول بَعضهم مَجْنُون وَيَقُول بَعضهم شَاعِر ﴿إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ﴾ الْمُشْركُونَ بَعضهم لبَعض ﴿إِن تَتَّبِعُونَ﴾ مُحَمَّدًا مَا تتبعون ﴿إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً﴾ مغلوب الْعقل
﴿انْظُر﴾ يَا مُحَمَّد ﴿كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الْأَمْثَال﴾ كَيفَ شبهوك بالمسحور ﴿فضلوا﴾ فأخطئوا فِي الْمقَالة ﴿فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً﴾ مخرجا عَن مقالتهم وَيُقَال حجَّة على مَا قَالُوا
﴿وَقَالُوا﴾ يَعْنِي النَّضر وَأَصْحَابه ﴿أئذا كُنَّا﴾ صرنا ﴿عِظَاماً﴾ بالية ﴿وَرُفَاتاً﴾ تُرَابا رميماً ﴿أئنا لَمَبْعُوثُونَ﴾ لمحيون ﴿خَلْقاً جَدِيداً﴾ تجدّد بعد الْمَوْت فِينَا الرّوح
﴿قُلْ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿كُونُواْ حِجَارَةً﴾ لَو كُنْتُم حِجَارَة أَو أَشد من الْحِجَارَة ﴿أَوْ حَدِيداً﴾ أَو أقوى من الْحَدِيد
﴿أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾ يَعْنِي الْمَوْت لبعثتم ﴿فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا﴾ يحيينا ﴿قُلِ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿الَّذِي فَطَرَكُمْ﴾ خَلقكُم ﴿أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ فِي بطُون أُمَّهَاتكُم ﴿فَسَيُنْغِضُونَ﴾ يهزون ﴿إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ﴾ تَعَجبا لِقَوْلِك ﴿وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ﴾ مَتى هَذَا الَّذِي تعدنا ﴿قُلْ عَسى﴾ وَعَسَى من الله وَاجِب ﴿أَن يَكُونَ قَرِيباً﴾
ثمَّ بَين لَهُم فَقَالَ
237
﴿يَوْمَ﴾ فِي يَوْم ﴿يَدْعُوكُمْ﴾ إسْرَافيل فِي الصُّور ﴿فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ﴾ فتستجيبون دَاعِي الله بأَمْره ﴿وَتَظُنُّونَ﴾ تحسبون ﴿إِن لَّبِثْتُمْ﴾ فِي الْقُبُور ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾
238
﴿وَقُل لِّعِبَادِي﴾ عمر وَأَصْحَابه ﴿يَقُولُواْ﴾ للْكفَّار بِالْكَلِمَةِ ﴿الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ بِالسَّلَامِ واللطف ﴿إِنَّ الشَّيْطَان يَنزَغُ بَيْنَهُمْ﴾ يفْسد بَينهم إِن جئْتُمْ بالجفاء ﴿إِنَّ الشَّيْطَان كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً﴾ ظَاهر الْعَدَاوَة وَهَذَا قبل أَن أمروا بِالْقِتَالِ
﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ﴾ بصلاحكم ﴿إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ﴾ فينجيكم من أهل مَكَّة ﴿أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ﴾ فيسلطهم عَلَيْكُم ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً﴾ كَفِيلا تُؤْخَذ بهم
﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض﴾ من الْمُؤمنِينَ بصلاحهم ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيين على بعض﴾ بالخلة وَالْكَلَام ﴿وآتينا﴾ وأعطينا ﴿دَاوُد زَبُوراً﴾ كتابا ومُوسَى التَّوْرَاة وَعِيسَى الْإِنْجِيل ومحمداً صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْفرْقَان
﴿قُلِ﴾ يَا مُحَمَّد لخزاعة الَّذين كَانُوا يعْبدُونَ الْجِنّ وظنوا أَنهم الْمَلَائِكَة ﴿ادعوا الَّذين زَعَمْتُم﴾ عَبدْتُمْ ﴿مِّن دُونِهِ﴾ من دون الله عِنْد الشدَّة ﴿فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضّر عَنْكُمْ﴾ رفع الشدَّة عَنْكُم ﴿وَلاَ تَحْوِيلاً﴾ إِلَى غَيْركُمْ
﴿أُولَئِكَ﴾ يَعْنِي الْمَلَائِكَة ﴿الَّذين﴾ هم الَّذين ﴿يَدْعُونَ﴾ يعْبدُونَ رَبهم ﴿يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَة﴾ يطْلبُونَ بذلك إِلَى رَبهم الْقرْبَة والفضيلة ﴿أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ إِلَى الله ﴿وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ﴾ جنته ﴿وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً﴾ لم يَأْتهمْ الْأمان
﴿وَإِن مِّن قَرْيَةٍ﴾ مَا من قَرْيَة ﴿إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا﴾ نميت أَهلهَا ﴿قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَة أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً﴾ بِالسَّيْفِ والأمراض ﴿كَانَ ذَلِك﴾ الْهَلَاك وَالْعَذَاب ﴿فِي الْكتاب مَسْطُوراً﴾ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مَكْتُوبًا أَن يكون
﴿وَمَا مَنَعَنَآ﴾ لم يمنعنا ﴿أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ﴾ بالعلامات الَّتِي طلبوها ﴿إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَولونَ﴾ إِلَّا تَكْذِيب الْأَوَّلين عِنْد التَّكْذِيب أَي نهلكهم إِن كذبُوا بهَا كَمَا أهلكنا الْأَوَّلين عِنْد التَّكْذِيب ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقة﴾ أعطينا قوم صَالح نَاقَة عشراء ﴿مُبْصِرَةً﴾ مبينَة عَلامَة لنبوة صَالح ﴿فَظَلَمُواْ بِهَا﴾ جَحَدُوا بهَا فَعَقَرُوهَا ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ﴾ بالعلامات ﴿إِلاَّ تَخْوِيفاً﴾ بِالْعَذَابِ لنهلكهم إِن لم يُؤمنُوا بهَا
﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ﴾ عَالم بِأَهْل مَكَّة بِمن يُؤمن وبمن لَا يُؤمن ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا﴾ مَا أريناك الرُّؤْيَا ﴿الَّتِي أَرَيْنَاكَ﴾ فِي الْمِعْرَاج ﴿إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ﴾ بلية لأهل مَكَّة مقدم ومؤخر ﴿والشجرة الملعونة فِي الْقُرْآن﴾ مَا ذكرنَا شَجَرَة الزقوم فِي الْقُرْآن ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ﴾ بشجرة الزقوم ﴿فَمَا يَزِيدُهُمْ﴾ الْوَعيد ﴿إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً﴾ تمادياً فِي الْمعْصِيَة
﴿وَإِذ قُلْنَا للْمَلَائكَة﴾ الَّذين كَانُوا فِي الأَرْض
238
﴿اسجدوا لآدَم﴾ سَجْدَة التَّحِيَّة ﴿فسجدوا إِلَّا إِبْلِيس قَالَ أأسجد لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً﴾ لطيني
239
﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ﴾ فضلت عَليّ بِالسُّجُود ﴿لَئِنْ أَخَّرْتَنِ﴾ أجلتني ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة لأَحْتَنِكَنَّ﴾ لأستزلن ولأستملكن ولأستولين ﴿ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ المعصومين مني
﴿قَالَ اذْهَبْ﴾ قَالَ الله أعلم ﴿فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ﴾ فِي دينك ﴿فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً﴾ نَصِيبا وافراً
﴿واستفزز﴾ استنزل ﴿مَنِ اسْتَطَعْت مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾ بدعوتك وَيُقَال بِصَوْت المزامير والغناء وَسَائِر الْمَنَاكِير ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم﴾ اجْمَعْ عَلَيْهِم وَيُقَال اسْتَعِنْ عَلَيْهِم ﴿بِخَيْلِكَ﴾ بخيل الْمُشْركين ﴿ورجلك﴾ رجفلة الْمُشْركين ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَال﴾ أَمْوَال الْحَرَام ﴿وَالْأَوْلَاد﴾ أَوْلَاد الْحَرَام ﴿وَعِدْهُمْ﴾ أَن لَا جنَّة وَلَا نَار ﴿وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَان إِلاَّ غُرُوراً﴾ بَاطِلا
﴿إِنَّ عِبَادِي﴾ المعصومين مِنْك ﴿لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ سَبِيل وَغَلَبَة ﴿وَكفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً﴾ كَفِيلا بِمَا وعد وَيُقَال حفيظاً
﴿رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ﴾ يسير لكم ﴿الْفلك﴾ السفن ﴿فِي الْبَحْر لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ﴾ لكَي تَطْلُبُوا من رزقه وَيُقَال من علمه ﴿إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ بِتَأْخِير الْعَذَاب وَيُقَال بِمن تَابَ مِنْكُم
﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضّر﴾ الشدَّة والهول ﴿فِي الْبَحْر ضَلَّ مَن تَدْعُونَ﴾ تتركون من تَعْبدُونَ من الْأَوْثَان فَلَا تسْأَلُون مِنْهُ النجَاة ﴿إِلاَّ إِيَّاهُ﴾ يَقُول تسْأَلُون من الله النجَاة ﴿فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبر أَعْرَضْتُمْ﴾ عَن الشُّكْر والتوحيد ﴿وَكَانَ الْإِنْسَان﴾ يَعْنِي الْكَافِر ﴿كَفُوراً﴾ كَافِرًا بنعم الله
﴿أَفَأَمِنْتُمْ﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿أَن يَخْسِفَ بِكُمْ﴾ أَن لَا يغور بكم ﴿جَانِبَ الْبر﴾ كَمَا خسف بقارون ﴿أَوْ يُرْسِلَ﴾ أَن لَا يُرْسل ﴿عَلَيْكُمْ حَاصِباً﴾ حِجَارَة كَمَا أرسل على قوم لوط ﴿ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً﴾ مَانِعا
﴿أَمْ أَمِنْتُمْ﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ﴾ فِي الْبَحْر ﴿تَارَةً أُخْرَى﴾ مرّة أُخْرَى يخرجكم إِلَيْهِ ﴿فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِّنَ الرّيح﴾ ريحًا شَدِيدا ﴿فَيُغْرِقَكُم﴾ فِي الْبَحْر ﴿بِمَا كَفَرْتُمْ﴾ بِاللَّه وبنعمته ﴿ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ﴾ بغرقكم ﴿تَبِيعاً﴾ ثائراً أَو طَالبا
﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ بِالْأَيْدِي والأرجل ﴿وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبر﴾ على الدَّوَابّ ﴿وَالْبَحْر﴾ فِي الْبَحْر على السفن ﴿وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ الطَّيِّبَات﴾ جعلنَا أَرْزَاقهم أَلين وَأطيب من رزق الدَّوَابّ ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ على كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا﴾ من الْبَهَائِم ﴿تَفْضِيلاً﴾ بالصورة وَالْأَيْدِي والأرجل
﴿يَوْمَ نَدْعُواْ﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿كُلَّ أُنَاسٍ بإمامهم﴾
239
نَبِيّهم وَيُقَال بِكِتَابِهِمْ وَيُقَال بداعيهم إِلَى الْهدى وَإِلَى الضَّلَالَة ﴿فَمَنْ أُوتِيَ﴾ أعطي ﴿كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِك يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ﴾ حسناتهم ﴿وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ لَا ينقص من حسناتهم وَلَا يُزَاد على سيئاتهم قدر فتيل وَهُوَ الشَّيْء الَّذِي يكون فِي شقّ النواة وَيُقَال هُوَ الْوَسخ الَّذِي فتلت بَين أصبعيك
240
﴿وَمَن كَانَ فِي هَذِه﴾ النعم ﴿أعمى﴾ عَن الشُّكْر ﴿فَهُوَ فِي الْآخِرَة﴾ فِي نعيم الْجنَّة ﴿أعمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾ طَرِيقا وَيُقَال من كَانَ فِي هَذِه الدُّنْيَا أعمى عَن الْحجَّة وَالْبَيَان فَهُوَ فِي الْآخِرَة أعمى أَشد عمى وأضل سَبِيلا عَن الْحجَّة
﴿وَإِن كَادُوا﴾ وَقد كَادُوا ﴿لَيَفْتِنُونَك﴾ ليصرفونك وليستزلونك ﴿عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ﴾ من كسر آلِهَتهم ﴿لِتفْتَرِيَ﴾ لتقول ﴿عَلَيْنَا غَيْرَهُ﴾ غير الَّذِي أَمرتك من كسر آلِهَتهم ﴿وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً﴾ صفياً بمتابعتك إيَّاهُم نزلت هَذِه الْآيَة فِي ثَقِيف
﴿وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ﴾ عصمناك وحفظناك ﴿لَقَدْ كِدتَّ﴾ هَمَمْت ﴿تَرْكَنُ﴾ تميل ﴿إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً﴾ فِيمَا طلبوك
﴿إِذاً﴾ أَو أَعْطَيْت مَا طلبوك ﴿لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاة﴾ عَذَاب الدُّنْيَا ﴿وَضِعْفَ الْمَمَات﴾ عَذَاب الْآخِرَة ﴿ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً﴾ مَانِعا
﴿وَإِن كَادُواْ﴾ وَقد كَادُوا يَعْنِي الْيَهُود ﴿لَيَسْتَفِزُّونَكَ﴾ ليستزلونك ﴿مِنَ الأَرْض﴾ أَرض الْمَدِينَة ﴿لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا﴾ إِلَى الشأم ﴿وَإِذاً﴾ لَو أخرجوك من الْمَدِينَة ﴿لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ يَسِيرا حَتَّى نهلكهم
﴿سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا﴾ أهلكنا قَومهمْ إِذا خرج الرُّسُل من بَين أظهرهم ﴿وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا﴾ لعذابنا ﴿تَحْوِيلاً﴾ تغييراً
﴿أَقِمِ الصَّلَاة﴾ أتم الصَّلَاة يَا مُحَمَّد ﴿لِدُلُوكِ الشَّمْس﴾ بعد زَوَال الشَّمْس صَلَاة الظّهْر وَالْعصر ﴿إِلَى غَسَقِ اللَّيْل﴾ وَبعد دُخُول اللَّيْل صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء ﴿وَقُرْآنَ الْفجْر﴾ صَلَاة الْغَدَاة ﴿إِنَّ قُرْآنَ الْفجْر﴾ صَلَاة الْغَدَاة ﴿كَانَ مَشْهُوداً﴾ تشهدها مَلَائِكَة اللَّيْل وملائكة النَّهَار
﴿وَمِنَ اللَّيْل فَتَهَجَّدْ بِهِ﴾ بِقِرَاءَة الْقُرْآن والتهجد بعد النّوم ﴿نَافِلَةً﴾ فَضِيلَة ﴿لَّكَ﴾ وَيُقَال خَاصَّة لَك ﴿عَسى﴾ وَعَسَى من الله وَاجِب ﴿أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً﴾ أَن يقيمك رَبك مقَاما مَحْمُودًا مقَام الشَّفَاعَة مَحْمُودًا يحمدك الْأَولونَ وَالْآخرُونَ
﴿وَقُل رَّبِّ﴾ يَا رب ﴿أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾ يَقُول أدخلني فِي الْمَدِينَة إِدْخَال صدق وَكَانَ خَارِجا من الْمَدِينَة ﴿وَأَخْرِجْنِي﴾ من الْمَدِينَة ﴿مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ إِخْرَاج صدق بعد مَا كنت فِيهَا فَأَدْخلنِي مَكَّة وَيُقَال أدخلني فِي الْقَبْر مدْخل صدق إِدْخَال صدق وأخرجني من الْقَبْر يَوْم الْقِيَامَة مخرج صدق إِخْرَاج صدق ﴿وَاجعَل لِّي مِن لَّدُنْكَ﴾ من عنْدك ﴿سُلْطَاناً نَّصِيراً﴾ مَانِعا بِلَا ذل وَلَا رد قَول
﴿وَقل جَاءَ الْحق﴾ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ وَيُقَال ظهر الْإِسْلَام وَكثر الْمُسلمُونَ ﴿وَزَهَقَ الْبَاطِل﴾ هلك الشَّيْطَان والشرك وَأَهله ﴿إِنَّ الْبَاطِل﴾ الشَّيْطَان والشرك وَأَهله ﴿كَانَ زَهُوقاً﴾ هَالكا
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآن﴾ نبين فِي الْقُرْآن ﴿مَا هُوَ شِفَآءٌ﴾ بَيَان من الْعَمى وَيُقَال بَيَان من الْكفْر والشرك والنفاق ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ من الْعَذَاب ﴿للْمُؤْمِنين﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمين﴾ الْمُشْركين بِمَا نزل من الْقُرْآن ﴿إَلاَّ خَسَاراً﴾ غبناً
﴿وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَان﴾ يَعْنِي الْكَافِر من كَثْرَة مَاله ومعيشته ﴿أَعْرَضَ﴾ عَن الدُّعَاء وَالشُّكْر ﴿وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾ تبَاعد عَن الْإِيمَان ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرّ﴾ أَصَابَته الشدَّة والفقر
240
﴿كَانَ يؤوسا﴾ أيساً من رَحْمَة الله نزلت فِي عتبَة بن ربيعَة
241
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿كُلٌّ﴾ كل وَاحِد مِنْكُم ﴿يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ﴾ على نِيَّته وَأمره الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ وَيُقَال على ناحيته وجبلته ﴿فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهْدى سَبِيلاً﴾ أصوب دينا
﴿ويسألونك﴾ يَا مُحَمَّد ﴿عَنِ الرّوح﴾ سَأَلَ أهل مَكَّة أَبُو جهل وَأَصْحَابه ﴿قُلِ الرّوح مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ من عجائب رَبِّي وَقَالَ من علم رَبِّي ﴿وَمَآ أُوتِيتُم﴾ أعطيتم ﴿مِّنَ الْعلم﴾ فِيمَا عِنْد الله ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾
﴿وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ بِحِفْظ الَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك جِبْرِيل بِهِ ﴿ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً﴾ كَفِيلا وَيُقَال مَانِعا
﴿إِلاَّ رَحْمَةً﴾ نعْمَة (مِّن رَّبِّكَ) حفظ الْقُرْآن فِي قَلْبك ﴿إِنَّ فَضْلَهُ﴾ بِالنُّبُوَّةِ وَالْإِسْلَام ﴿كَانَ عَلَيْكَ كَبِيراً﴾ عَظِيما
﴿قُل﴾ يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة ﴿لَّئِنِ اجْتمعت الْإِنْس وَالْجِنّ على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآن لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ بِمثل هَذَا الْقُرْآن بَالغا فِيهِ الْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد والناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه وَخبر مَا كَانَ وَمَا يكون ﴿وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾ معينا
﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ﴾ بَينا لأهل مَكَّة ﴿فِي هَذَا الْقُرْآن مِن كُلِّ مَثَلٍ﴾ من كل وَجه من الْوَعْد والوعيد ﴿فَأبى أَكْثَرُ النَّاس إِلاَّ كُفُوراً﴾ لم يقبلُوا وثبتوا على الْكفْر
﴿وَقَالُواْ﴾ يَعْنِي عبد الله بن أُميَّة المَخْزُومِي وَأَصْحَابه ﴿لَن نُّؤْمِنَ لَكَ﴾ لن نصدقك ﴿حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا﴾ تشقق لنا ﴿مِنَ الأَرْض﴾ أَرض مَكَّة ﴿يَنْبُوعاً﴾ عيُونا وأنهاراً
﴿أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ﴾ بُسْتَان ﴿مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ﴾ كرم ﴿فَتُفَجِّرَ﴾ فتشقق ﴿الْأَنْهَار خِلالَهَا﴾ وَسطهَا ﴿تفجيرا﴾ تشقيقا
﴿أَوْ تُسْقِطَ السمآء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً﴾ قطعا بِالْعَذَابِ ﴿أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّه وَالْمَلَائِكَة قَبِيلاً﴾ شَهِيدا على مَا تَقول
﴿أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ﴾ من ذهب وَفِضة ﴿أَوْ ترقى فِي السمآء﴾ أَو تصعد إِلَى السَّمَاء فَتَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ يشْهدُونَ أَنَّك رَسُول من الله إِلَيْنَا ﴿وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ﴾ لصعودك إِلَى السَّمَاء ﴿حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً﴾ من الله إِلَيْنَا ﴿نَّقْرَؤُهُ﴾ فِيهِ أَنَّك رَسُول الله إِلَيْنَا ﴿قُلْ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿سُبْحَانَ رَبِّي﴾ أنزه رَبِّي عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك ﴿هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً﴾ يَقُول مَا أَنا إِلَّا بشر رَسُول كَسَائِر الرُّسُل
﴿وَمَا مَنَعَ النَّاس﴾ أهل مَكَّة ﴿أَن يُؤمنُوا﴾ بِاللَّه ﴿إِذْ جَاءَهُم الْهدى﴾ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ ﴿إِلاَّ أَن قَالُوا﴾ إِلَّا قَوْلهم ﴿أَبَعَثَ الله بَشَراً رَّسُولاً﴾ إِلَيْنَا
﴿قُل﴾ يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة ﴿لَوْ كَانَ فِي الأَرْض مَلَائِكَة يَمْشُونَ﴾ فِي الأَرْض يمضون ﴿مُطْمَئِنِّينَ﴾ مقيمين ﴿لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السمآء مَلَكاً رَّسُولاً﴾ لأَنا لَا نرسل إِلَى الْمَلَائِكَة الرُّسُل إِلَّا الْمَلَائِكَة وَإِلَى الْبشر إِلَّا الْبشر
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة ﴿كفى بِاللَّه شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾
241
بِأَنِّي رَسُوله إِلَيْكُم ﴿إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ﴾ بإرسال الرَّسُول إِلَى عباده ﴿خَبِيراً بَصِيراً﴾ بِمن يُؤمن وبمن لَا يُؤمن
242
﴿وَمَن يَهْدِ الله﴾ لدينِهِ ﴿فَهُوَ المهتد﴾ لدينِهِ ﴿وَمَن يُضْلِلْ﴾ عَن دينه ﴿فَلَن تَجِدَ لَهُمْ﴾ لأهل مَكَّة ﴿أَوْلِيَآءَ مِن دُونِهِ﴾ من دون الله يوفقونهم للهدى ﴿وَنَحْشُرُهُمْ﴾ نسحبهم ﴿يَوْمَ الْقِيَامَة على وُجُوهِهِمْ﴾ إِلَى النَّار ﴿عُمْياً﴾ لَا يبصرون شَيْئا ﴿وَبُكْماً﴾ خرصاً لَا يَتَكَلَّمُونَ بِشَيْء ﴿وَصُمّاً﴾ لَا يسمعُونَ شَيْئا ﴿مَّأْوَاهُمْ﴾ مصيرهم ﴿جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ﴾ سكنت النَّار وَسكن لهبها ﴿زِدْنَاهُمْ سَعِيراً﴾ وقودا
﴿ذَلِكَ﴾ الْعَذَاب ﴿جَزَآؤُهُم﴾ نصِيبهم ﴿بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿وَقَالُوا﴾ كفار مَكَّة ﴿أئذا كُنَّا﴾ صرنا ﴿عِظَاماً﴾ بالية ﴿وَرُفَاتاً﴾ تُرَابا رميماً ﴿أئنا لَمَبْعُوثُونَ﴾ لمحيون ﴿خَلْقاً جَدِيداً﴾ يجدد فِينَا الرّوح هَذَا مَا لَا يكون أبدا
﴿أَو لم يَرَوْاْ﴾ أهل مَكَّة ﴿أَنَّ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض قَادِرٌ على أَن يَخْلُقَ﴾ يحيي ﴿مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً﴾ وقتا ﴿لاَّ رَيْبَ فِيهِ﴾ لَا شكّ فِيهِ عِنْد الْمُؤمنِينَ ﴿فَأبى الظَّالِمُونَ﴾ الْمُشْركُونَ ﴿إَلاَّ كُفُوراً﴾ لم يقبلُوا واستقاموا على الْكفْر
﴿قُل﴾ يَا مُحَمَّد لأهل مَكَّة ﴿لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي﴾ مَفَاتِيح رزق رَبِّي ﴿إِذاً لأمْسَكْتُمْ﴾ عَن النَّفَقَة ﴿خَشْيَةَ الْإِنْفَاق﴾ مَخَافَة الْفقر ﴿وَكَانَ الْإِنْسَان﴾ الْكَافِر ﴿قَتُوراً﴾ ممسكاً بَخِيلًا مقترا
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا﴾ أعطينا ﴿مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ مبينات الْيَد والعصا والطوفان وَالْجَرَاد وَالْقمل والضفادع وَالدَّم والسنين وطمس الْأَمْوَال ﴿فاسأل بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه ﴿إِذْ جَآءَهُمْ﴾ مُوسَى ﴿فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأظنك يَا مُوسَى مَسْحُوراً﴾ مغلوب الْعقل
﴿قَالَ﴾ لَهُ مُوسَى ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ﴾ يَا فِرْعَوْن ﴿مَآ أَنزَلَ﴾ على مُوسَى ﴿هَؤُلَاءِ﴾ الْآيَات ﴿إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بَصَآئِرَ﴾ بَيَانا وعلامة لنبوتي ﴿وَإِنِّي لأظنك﴾ أعلم واستيقن ﴿يَا فِرْعَوْن مَثْبُوراً﴾ ملعوناً كَافِرًا
﴿فَأَرَادَ أَن يَسْتَفِزَّهُم﴾ يستزلهم ﴿مِّنَ الأَرْض﴾ أَرض الْأُرْدُن وفلسطين ﴿فَأَغْرَقْنَاهُ﴾ فِي الْبَحْر ﴿وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا﴾
﴿وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ﴾ من بعد هَلَاكه ﴿لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسكنوا﴾ انزلوا ﴿الأَرْض﴾ أَرض الْأُرْدُن وفلسطين ﴿فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الْآخِرَة﴾ الْبَعْث بعد الْمَوْت وَيُقَال نزُول عِيسَى بن مَرْيَم ﴿جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً﴾ جَمِيعًا
﴿وبالحق أَنْزَلْنَاهُ﴾ بِالْقُرْآنِ أنزلنَا جِبْرِيل على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وبالحق نَزَلَ﴾ بِالْقُرْآنِ نزل ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿إِلاَّ مُبَشِّراً﴾ بِالْجنَّةِ ﴿وَنَذِيراً﴾ من النَّار
﴿وَقُرْآناً﴾ أنزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ ﴿فَرَقْنَاهُ﴾ بَيناهُ بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي ﴿لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاس على مكث﴾
242
مهل وهينة وَترسل ﴿وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً﴾ بَيناهُ تبياناً وَيُقَال نزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ تَنْزِيلا مُتَفَرقًا آيَة وآيتين وَثَلَاثًا وَكَذَا وَكَذَا
243
﴿قُلْ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿آمِنُواْ بِهِ﴾ بِالْقُرْآنِ ﴿أَوْ لاَ تؤمنوا﴾ وَهَذَا وَعِيد لَهُم ﴿إِنَّ الَّذين أُوتُواْ الْعلم﴾ أعْطوا الْعلم بِالتَّوْرَاةِ بِصفة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونعته ﴿مِن قَبْلِهِ﴾ من قبل الْقُرْآن ﴿إِذَا يُتْلَى﴾ يقْرَأ ﴿عَلَيْهِمْ﴾ الْقُرْآن ﴿يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ﴾ على الْوُجُوه ﴿سُجَّداً﴾ يَسْجُدُونَ لله
﴿وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ﴾ نزهوا الله عَن الْوَلَد وَالشَّرِيك ﴿إِن كَانَ﴾ قد كَانَ ﴿وَعْدُ رَبِّنَا﴾ فِي مبعث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿لمفعولا﴾ كَائِنا صدقا
﴿ويخرون للأذقان﴾ للسُّجُود و ﴿يَبْكُونَ﴾ فِي السُّجُود ﴿وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً﴾ تواضعاً نزلت فِي عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه
﴿قُلِ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿ادعوا الله أَوِ ادعوا الرَّحْمَن أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسمآء الْحسنى﴾ الصِّفَات الْعليا مثل الْعلم وَالْقُدْرَة والسمع وَالْبَصَر فَادعوهُ بهَا ﴿وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ﴾ يَقُول لَا تجْهر بصوتك بِقِرَاءَة الْقُرْآن فِي صَلَاتك لكَي لَا يُؤْذِيك الْمُشْركُونَ ﴿وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا﴾ وَلَا تسر بِقِرَاءَة الْقُرْآن فَلَا تسمع أَصْحَابك ﴿وابتغ﴾ اطلب ﴿بَيْنَ ذَلِك﴾ بَين الرّفْع والخفض ﴿سَبِيلاً﴾ طَرِيقا وسطا
﴿وَقُلِ الْحَمد لِلَّهِ﴾ الشُّكْر والألوهية لله ﴿الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً﴾ من الْمَلَائِكَة والآدميين فيرث ملكه ﴿وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْملك﴾ فيعاديه ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ﴾ معِين ﴿مَّنَ الذل﴾ من أهل الذل يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وهم أذلّ النَّاس وَيُقَال لم يذل حَتَّى يحْتَاج إِلَى ولي من الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين ﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً﴾ يَعْنِي عظمه تَعْظِيمًا عَن مقَالَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكين وَالله أعلم بأسرار كِتَابه
وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا الْكَهْف وَهِي كلهَا مَكِّيَّة غير آيَتَيْنِ مدنيتين ذكر فيهمَا عُيَيْنَة بن حصن الْفَزارِيّ وآياتها مائَة واحدى عشرَة وكلماتها ألف وَخَمْسمِائة وَسبع وَسِتُّونَ وحروفها سِتَّة آلَاف وَأَرْبَعمِائَة وَسِتُّونَ حرفا
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
سورة الإسراء
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الإسراء) أو سورةُ (سُبْحانَ) من السُّوَر المكية، وقد تضمَّنتْ مِحْورَينِ رئيسَينِ:

الأول: الحديث عن معجزةِ (الإسراء والمِعراج)، وما دلَّ ذلك عليه من عظيمِ قدرة الله تعالى، وتصرُّفِه في الكون كيف شاء، وما تَبِع ذلك من مُحاجَجة المشركين في إنكارِهم البعثَ، والجزاء، وغير ذلك.

أما المحور الثاني: فقد دلَّ عليه الاسمُ الآخَر للسورة؛ وهو (سُبْحانَ)، فجاءت السورةُ لتنزيهِ الله عزَّ وجلَّ عن كلِّ نقصٍ وعيبٍ؛ فهو صاحبُ القَدْر والملكوت، المستحِقُّ للعبادة، وقد أُثِر عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قراءتُه لسورة (الإسراء) قبل أن ينامَ على فراشه.

ترتيبها المصحفي
17
نوعها
مكية
ألفاظها
1563
ترتيب نزولها
50
العد المدني الأول
110
العد المدني الأخير
110
العد البصري
110
العد الكوفي
111
العد الشامي
110

* قوله تعالى: {أُوْلَٰٓئِكَ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ اْلْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57]:

عن عبدِ اللهِ بن عُتْبةَ بن مسعودٍ، عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ في نَفَرٍ مِن العرَبِ كانوا يعبُدون نَفَرًا مِن الجِنِّ، فأسلَمَ الجِنِّيُّونَ، والإنسُ الذين كانوا يعبُدونهم لا يشعُرون؛ فنزَلتْ: {أُوْلَٰٓئِكَ اْلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ اْلْوَسِيلَةَ} [الإسراء: 57]». أخرجه مسلم (٣٠٣٠).

* قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِاْلْأٓيَٰتِ إِلَّآ أَن كَذَّبَ بِهَا اْلْأَوَّلُونَۚ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ اْلنَّاقَةَ مُبْصِرَةٗ} [الإسراء: 59]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «سألَ أهلُ مكَّةَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يَجعَلَ لهم الصَّفَا ذهَبًا، وأن يُنحِّيَ الجبالَ عنهم فيَزْدَرِعُوا، فقيل له: إن شِئْتَ أن تستأنيَ بهم، وإن شِئْتَ أن تؤتيَهم الذي سألوا، فإن كفَروا أُهلِكوا كما أهلَكْتُ مَن قَبْلهم، قال: لا، بل أستأني بهم؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل هذه الآيةَ: {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِاْلْأٓيَٰتِ إِلَّآ أَن كَذَّبَ بِهَا اْلْأَوَّلُونَۚ وَءَاتَيْنَا ثَمُودَ اْلنَّاقَةَ مُبْصِرَةٗ} [الإسراء: 59]». أخرجه النسائي(١١٢٩٠)، وأحمد (٢٣٣٣).

* قوله تعالى: {وَيَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلرُّوحِۖ قُلِ اْلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ اْلْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلٗا} [الإسراء: 85]:

عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «بَيْنا أنا أمشي مع النبيِّ ﷺ في بعضِ حَرْثِ المدينةِ وهو يَتوكَّأُ على عَسِيبٍ معه، فمرَرْنا على نَفَرٍ مِن اليهودِ، فقال بعضُهم لبعضٍ: سَلُوه عن الرُّوحِ، فقال بعضُهم: لا تَسألوه؛ أن يَجِيءَ فيه بشيءٍ تَكرَهونه، فقال بعضُهم: لَنَسألَنَّهُ، فقامَ إليه رجُلٌ منهم، فقال: يا أبا القاسمِ، ما الرُّوحُ؟ فسكَتَ عنه النبيُّ ﷺ، فعَلِمْتُ أنَّه يُوحَى إليه، فقال: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتُوا مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) [الإسراء: 85]». قال الأعمَشُ: «هكذا في قراءتِنا». أخرجه البخاري (٧٤٦٢). قوله: «هكذا في قراءتِنا»: يَقصِدُ قولَه: (أُوتُوا).

* قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَاْبْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلٗا} [الإسراء: 110]:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «أُنزِلتْ ورسولُ اللهِ ﷺ مُتَوَارٍ بمكَّةَ، فكان إذا رفَعَ صوتَه سَمِعَ المشركون، فسَبُّوا القرآنَ ومَن أنزَلَه ومَن جاءَ به، فقال اللهُ تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا}: {لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ} حتى يَسمَعَ المشركون، {وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} عن أصحابِك فلا تُسمِعُهم، {وَاْبْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلٗا}: أسمِعْهم ولا تَجهَرْ؛ حتى يأخذوا عنك القرآنَ». أخرجه البخاري (٧٤٩٠).

لسورة (الإسراء) اسمانِ آخران غيرُ هذا؛ هما:

* سورةُ (بني إسرائيل):

وقد ثبَت ذلك في حديث عائشةَ رضي الله عنها، قالت: «كان النبيُّ ﷺ لا ينامُ على فراشِه حتى يَقرأَ (بني إسرائيلَ)، و(الزُّمَرَ)». أخرجه الترمذي (٢٩٢٠).

وجهُ تسميتِها بذلك: أنها اشتملت على ذِكْرِ أحوال بني إسرائيل؛ كما أسلفنا في موضوعات السورة.

* سورة (سُبْحانَ):

ودلَّ على ذلك افتتاحُ السورة بهذا اللفظ.

صحَّ في فضلها ما يلي:

* كان صلى الله عليه وسلم يَقرؤُها قبل أن ينامَ على فراشه:

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: «كان النبيُّ ﷺ لا ينامُ على فراشِه حتى يَقرأَ (بني إسرائيلَ)، و(الزُّمَرَ)». أخرجه الترمذي (٢٩٢٠).

والمقصودُ بـ(بني إسرائيل): سورةُ (الإسراء).

* أنَّها من قديم ما تعلَّمَه الصحابةُ من النبي صلى الله عليه وسلم:

عن عبدِ الرَّحْمنِ بن يَزيدَ بن جابرٍ، قال: «سَمِعْتُ ابنَ مسعودٍ يقولُ في (بني إسرائيلَ)، و(الكهفِ)، و(مَرْيمَ)، و(طه)، و(الأنبياءِ): إنَّهنَّ مِن العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلَادي». أخرجه البخاري (٤٩٩٤).

قال أبو عُبَيدٍ: «قولُه: «مِن تِلادي»: يعني: مِن قديم ما أخذتُ من القرآن؛ وذلك أن هذه السُّوَرَ نزَلتْ بمكَّةَ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلام (ص247).

اشتمَلتِ السُّورةُ على عدَّة موضوعات؛ جاءت كما يلي:

1. قصةُ الإسراء (١).

2. إكرام سيِّدنا موسى عليه السلام (٢-٣).

3. أحوال بني إسرائيلَ في التاريخ (٣-٨).

4. أهداف القرآن الكريم (٩-١١).

5. التذكير بنِعَم الله، ودلائلِ قدرته (١٢-١٧).

6. من أراد الدنيا، ومن أراد الآخرة (١٨-٢٢).

7. توجيهاتٌ ربانية في المعاملات والأخلاق (٢٣- ٣٩).

8. إبطالُ دعوى الشريك لله تعالى (٤٠- ٤٤).

9. السر في كفرِ المشركين وعنادِهم (٤٥- ٤٨).

10. إنكار المشركين للبعث، والرد عليهم (٤٩- ٥٥).

11. مناقشة المشركين في عقائدهم الفاسدة (٥٦- ٦٠).

12. الحسد أصلُ الداء (٦١- ٦٥).

13. من نِعَم الله تعالى على الإنسان (٦٦- ٧٠).

14. من مشاهدِ يوم القيامة (٧١- ٧٢).

15. محاولةُ المشركين فتنةَ النبي صلى الله عليه و سلم (٧٣-٧٧).

16. أوامرُ وإرشاداتٌ للنبي عليه السلام (٧٨- ٨٥).

17. إعجاز القرآن الكريم (٨٦-٨٩).

18. اقتراحُ مشركي مكة الآياتِ الحسيةَ (٩٠-٩٣).

19. بعض شُبهات المشركين، والردُّ عليها (٩٤-١٠٠).

20. آيات موسى، وصفة القرآن الكريم (١٠١-١٠٩).

21. الدعاء بأسماء الله الحسنى (١١٠-١١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (4 /212).

بيَّنتْ هذه السورةُ معجزةً عظيمة؛ وهي معجزةُ (الإسراء والمعراج)، فجاءت تدعو إلى الإقبالِ على الله وحده، وخَلْعِ كل ما سِواه؛ لأنه وحده المالكُ لتفاصيل الأمور، وتفضيلِ بعض الخَلْق على بعض.

وذلك هو العملُ بالتقوى؛ التي أدناها: خَلْعُ الأنداد واعتقادُ التَّوحيد، وأعلاها: الإحسانُ.

كما أنها قامت على تنزيهِ الله عزَّ وجلَّ عن كل عيبٍ ونقص.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /230).