تفسير سورة سورة النساء من كتاب تفسير العز بن عبد السلام
المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام.
لمؤلفه
عز الدين بن عبد السلام
.
المتوفي سنة 660 هـ
سورة النساء مدنية إلا آية ﴿ إن الله يأمركم أن تؤدوا ﴾ [ ٥٨ ] فإنها نزلت بمكة لما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يأخذ مفاتيح الكعبة من عثمان بن طلحة فيسلمها إلى العباس.
ﰡ
١ - ﴿نفس واحدة﴾ آدم عليه الصلاة والسلام. ﴿زَوْجَهَا﴾ حواء، خلقت من ضلعه الأيسر، ولذا قيل للمرأة: " ضلع أعوج "،
قال الرسول ﷺ لما نزلت: " خلقت المرأة من الرجل فهمها الرجل، وخلق الرجل من التراب فهمه في التراب ". ﴿تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ﴾ كقوله: أسألك بالله وبالرحم،
قال الرسول ﷺ لما نزلت: " خلقت المرأة من الرجل فهمها الرجل، وخلق الرجل من التراب فهمه في التراب ". ﴿تَسَآءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ﴾ كقوله: أسألك بالله وبالرحم،
301
[أو] والأرحام صلوها ولا تقطعوها، أخبر أنه خلقهم من نفس واحدة ليتواصلوا ويعلموا أنهم إخوة. ﴿رقيبا﴾ حفيظاً، أو عليماً. ﴿وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوباً كبيراً (٢) وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النسآء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا (٣) وءاتوا النسآء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً (٤) ﴾
302
٢ - ﴿وَلا تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾ الحرام بالحلال، أو أن تجعل الزايف بدل الجيد، والمهزول بدل السمين، وتقول: درهم بدرهم، وشاة بشاة، أو استعجال أكل الحرام قبل مجيء الحلال، أو كانوا لا يورثون الصغار والنساء ويأخذ الرجل الأكبر فيتبدل نصيبه الطيب من الميراث بأخذه الكل وهو خبيث. ﴿إِلَىَ أَمْوَالكُِمْ﴾ مع أموالكم، وهو أن يخلطوها بأموالهم فتصير في ذمتهم فيأكلوا ربحها. ﴿حُوبًا﴾ إثماً، تحوب من كذا توقى إثمه.
٣ - ﴿وَإِنّ خِفْتُمْ﴾ أن لا تعدلوا في نكاح اليتامى ﴿فَانكِحُواْ﴾ ما حل لكم من غيرهن، أو كانوا يخافون ألا يعدلوا في أموالهم، ولا يخافون أن لا يعدلوا
302
في النساء فقيل لهم: كما خفتم أن لا تعدلوا في أموال اليتامى فكذلك خافوا أن لا تعدلوا في النساء، أو كانوا يتوقون أموال اليتامى ولا يتوقون الزنا فأُمروا أن يخافوا الزنا كخوف أموال اليتامى فيتركوا الزنا وينكحوا ما طاب، أو كانت قريش في الجاهلية تكثر التزوج بلا حصر فإذا كثرت عليهم المؤن وقل ما بأيديهم أكلوا ما عندهم من أموال اليتامى فقيل لهم: إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا إلى الأربع حصراً لعددهن. ﴿مَا طَابَ﴾ من طاب، أو انكحوا نكاحاً طيباً. ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أن لا تَعدِلُواْ﴾ في الأربع. ﴿تَعُولُواْ﴾ تكثر عيالكم، أو تضلوا، أو تجوروا والعول: من الخروج عن الحق، عالت الفريضة لخروجها عن السهام المسماة، وعابت أهل الكوفة عثمان - رضي الله تعالى عنه - في شيء فكتب إليهم " إني لست بميزان قسط لا أعول ".
303
٤ - ﴿وآتوا النِّسآءَ﴾ أيها الأزواج عند الأكثرين، أو أيها الأولياء، لأن الولي في الجاهلية كان يتملك صداق المرأة. ﴿نِحْلَةً﴾ النحلة: العطية بغير بدل، الدِّين نحلة، لأنه عطية من الله تعالى ومنه النَّحْل لإعطائه العسل، أو لأن الله - تعالى - نحله عباده، [الصداق] أي نحلة من الله - تعالى - لهن بعد أن كان ملكاً لآبائهن، أو فريضة مسماة، أو نهى عما كانوا عليه من خطبة الشغار والنكاح بغير صداق، أو أراد طيب نفوسهم بدفعه / إليهم كما يطيبون نفساً بالهبة. ﴿فَإِن طِبْنَ لَكُمْ﴾ أيها الأزواج عند من جعله للأزواج، أو أيها الأولياء عند من رآه لهم. ﴿هَنِيئًا﴾ الهني: ما أعقب نفعاً وشفاء منه هنأ البعير لشفائه. {ولا تؤتوا السفهآء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولاً
303
معروقاً (٥) وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن ءانستم منهم رشداً فادفعوآ إليهم أموالهم ولا تأكلوهآ إسرافاً وبداراً أن يكبروا ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً قليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيباً (٦) }
304
٥ - ﴿السُّفَهَآءَ﴾ النساء، أو الصبيان، أو كل مستحق للحَجْر، أو الأولاد المفسدين، نهى أن يقسم ماله بينهم ثم يصير عيالاً عليهم، والسَّفَه: خِفَّة الحُلم، ولذا وصف به الناقص العقل، والمفسد للمال لنقصان تدبيره، والفاسق لنقصانه عند أهل الدين. ﴿أَمْوَالَكُمُ﴾ أيها الأولياء، أو أموال السفهاء. ﴿قيماً﴾ و ﴿قياماً﴾ قوام معايشكم. ﴿وَارْزُقُوهُمْ﴾ أنفقوا من أموالكم على سفهائكم، أو لينفق الولي مال السفيه عليه. ﴿قَوْلاً مَّعْرُوفًا﴾ وعداً جميلاً، أو دعاء كقوله: " بارك الله فيك ".
٦ - ﴿وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى﴾ اختبروهم في عقولهم وتمييزهم وأديانهم. ﴿النكاح﴾ الحلم اتفاقاً. ﴿آنستم) {علمتم﴾ (رُشْدًا} عقلاً، أو عقلاً وصلاحاً في الدين، أو صلاحاً في الدين والمال، أو صلاحاً وعلماً بما يصلح. ﴿إِسْرَافاً﴾ تجاوز المباح، فإن كان إفراطاً قيل أسرف إسرافاً، وإن كان تقصيراً قيل سرف يسرف. ﴿وَبِدَارًا﴾ هو أن يأكله مبادرة أن يكبر فيحول بينه وبين ماله. ﴿فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ قرضاً ثم يرد بدله، أو سد جوعه وستر عورته ولا بدل عليه، أو يأكل من ثمره ويشرب من رسل ماشيته ولا يتعرض لما سوى ذلك من أمواله، أو يأخذ أجره بقدر خدمته، وقد قال الرسول ﷺ كُلْ من مالِ يتيمك
304
غير مسرف ولا متأثل مالك بماله " ﴿حَسِيبًا﴾ شهيداً، أو كافياً من الشهود. ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مما ترك الوالدان والأقربون وللنسآء نصيب مما ترك الوالدن والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً (٧) وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولاً معروفاً (٨) وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً (٩) إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً (١٠) ﴾
305
٧ - ﴿لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ﴾ نزلت بسبب أن الجاهلية كانوا يورثون الذكور دون الإناث.
٨ - ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ﴾ منسوخة بآية المواريث، أو محمولة على وصية الميت لمن ذكر في الآية وفيمن حضر، أو محكمة فلو كان الوارث صغيراً فهل يجب على وَليِّه الإخراج من نصيبه؟ فيه قولان: أحدهما: لا يجب، ويقول الولي لهم قولاً معروفاً. ﴿وَقُولُواْ﴾ أمر الآخذ أن يدعو للدافع بالغنى والرزق، أو أمر الوارث والولي أن يقول للآخذين عند إعطائهم المال قولاً معروفاً.
٩ - ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ﴾ يحضرون الموصي أن يأمروه بالوصية بماله فيمن لا يرثه بل يأمرونه بإبقاء ماله لورثته كما يؤثرون ذلك لأنفسهم، أو أمر بذلك الأوصياء أن يحسنوا إلى الموصى عليه كما يؤثرون ذلك في أولادهم، أو من خاف الأذى على ذريته بعده وأحب أن يكف الله - تعالى - عنهم الأذى فليتق الله - تعالى - في قوله وفعله، أو أمر به الذين ينهون الموصي عن الوصية لأقاربه ليبقى ماله لولده، وهم لو كانوا أقرباء الموصي لآثروا أن يوصي لهم.
١٠ - ﴿نَارًا﴾ / يصيرون به إلى النار، أو تمتلىء بها بطونهم عقاباً يوجب النار، وعَبَّر عن الأخذ بالأكل، لأنه المقصود الأغلب منه، والصلا: لزوم النار. ﴿يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نسآء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بهآ أو دين ءابآؤكم وأبنآؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما (١١) ﴾
١١ - ﴿يُوصِيكُمُ﴾ كانوا لا يورثون الجواري ولا الضعفاء من الغلمان، ولا يورث الرجل من ولده إلا من أطاق القتال، فمات عبد الله أخو حسان الشاعر وترك خمس أخوات فأخذ ورثته ماله فشكت زوجته ذلك إلى الرسول ﷺ فنزلت. ﴿فَوْقَ اثْنَتَيْنِ﴾ فرض الاثنتين الثلثان كالأختين، وخالف
306
فيه ابن عباس فجعل لهما النصف، ﴿وَلأَبَوَيْهِ لكل واحد منهما السُّدُسُ﴾ نسخت كان [المال] للولد وكانت الوصية للوالدين والأقربين فنسخ من ذلك فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، ولكل واحد من الأبوين السدس، واتفقوا على أن ثلاثة من الإخوة يحجبون الأم إلى السدس، والباقي للأب، وقال طاوس يأخذ الإخوة ما حجبوها عنه وهو السدس، والأخوان يحجبانها إلى السدس خلافاً لابن عباس. وقدّم الدَّيْن والوصية على الإرث، لأن الدِّيْن حق على الميت، والوصية حق له فقدما، وقد قضى الرسول ﷺ بتقديم الدَّيْن على الوصية إذ لا ترتيب
307
في " أو " ﴿لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ﴾ أنفع لكم في الدين أو الدنيا. ﴿ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بهآ أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بهآ أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركآء في الثلث من بعد وصية يوصي بهآ أو دين غير مضآر وصية من الله والله عليم حليم (١٢) ﴾
308
١٢ - ﴿كَلالَةً﴾ الكلالة: من عدا الولد، أو من عدا الوالد، أو من عداهما، والمسمى بالكلالة هو الميت، أو وارثه، أو كلاهما، والكلالة من الإحاطة لإحاطتها بأصل النسب الذي هو الولد والوالد، ومنه الإكليل لإحاطته بالرأس. {تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم (١٣) ومن
308
يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين (١٤) }
309
١٣ - ﴿حُدُودُ اللَّهِ﴾ شروطه، أو طاعته، أو سننه وأمره، أو فرائضه التي حدها للعباد، أو تفصيله لفرائضه. ﴿والاتي يأتين الفاحشة من نسآئكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً (١٥) والذان يأتيانها منكم فئاذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهمآ إن الله كان تواباً رحيماً (١٦) ﴾
١٥ - ﴿الْفَاحِشَةَ﴾ الزنا. ﴿فَأَمْسِكُوهُنَ﴾ إمساكهن في البيوت حد منسوخ بآية النور، أو وعد بالحد لقوله تعالى ﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَ سَبِيلاً﴾ وهو الحد،
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " فنسخ جلد الثيب عند الجمهور خلافاً لقتادة وداود.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " فنسخ جلد الثيب عند الجمهور خلافاً لقتادة وداود.
١٦ - ﴿واللذان﴾ في الأبكار، أو في الثيب والأبكار، والمراد باللذين الرجل والمرأة، أو البكران من الرجال والنساء. ﴿فَأَذُوهُمَا﴾ بالتعيير والتوبيخ، أو بالتعيير والضرب بالنعال، وكلاهما منسوخ، أو الأذى مجمل فسره آية النور في الأبكار، والسنة في الثيب. ونزلت هذه الآية قبل الأولى فيكون الأذى أولاً ثم الحبس ثم الجلد أو الرجم، أو الأذى للأبكار والحبس للثيب. ﴿تَابَا﴾ من الفاحشة. ﴿وَأَصْلَحَا﴾ دينهما. ﴿فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ﴾ بالصفح والكف عن الأذى. ﴿إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما (١٧) وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الئن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليما (١٨) ﴾
١٧ - ﴿بِجَهَالَةٍ﴾ كل عاص جاهل، أو الجهالة: العمد، أو عمل السوء في / الدنيا ﴿قَرِيبٍ﴾ في صحته قبل مرضه، أو قبل موته، أو قبل معاينة ملك الموت. والدنيا كلها قريب.
١٨ - ﴿لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ عصاة المسلمين عند الجمهور أو المنافقون، سَوَّى بين من لم يتب وبين التائب عند حضور الموت. {يآ أيها الذين ءامنوا لا يحل لكم أن ترثوا النسآء كرهاً ولا تعضلوهن لتذهبوا
310
ببعض مآ ءاتيتموهن إلآ أن يأتين بفاحشة مبيّنة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً (١٩) وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وَءَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً (٢٠) وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً (٢١) ولا تنكحوا ما نكح ءابآؤكم من النسآء إلاّ ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وسآء سبيلا (٢٢) }
311
١٩ - ﴿تَرِثُواْ النِّسَآءَ كَرْهًا﴾ كان أهل المدينة في الجاهلية إذا مات [أحدهم] عن زوجه كان ابنه وقريبه أولى بها من نفسها ومن غيرها، إن شاء نكحها بالصداق الأول، وإن شاء زوجها وملك صداقها، وإن شاء عضلها عن النكاح حتى تموت فيرثها، أو تفتدي منه بصداقها، فمات أبو القيس بن الأسلت عن زوجته " كبشة " فأراد ابنه أن يتزوجها فأتت للرسول ﷺ فقالت: لا أنا ورثت زوجي ولا أنا تركت فأنكح فنزلت.... {وَلا
311
تَعْضُلُوهُنَّ} نهى ورثة الزوج أن يمنعوهن من التزوج كما ذكرنا، أو نهى الأزواج أن يعضلوهن بعد الظلاق كما كانت قريش تفعله في الجاهلية، أو نهى الأزواج عن حبسهن كرهاً ليفتدين أو يمتن فيرثوهن، أو نهى الأولياء عن العضل. ﴿بِفَاحِشَةٍ﴾ بزنا، أو نشوز، أو أذىً وبذاءة. ﴿خَيْرًا كَثِيرًا﴾ الولد الصالح.
312
٢٠ - ﴿بُهْتَانًا﴾ ظلماً بالبهتان، أو يبهتها أنه جعل ذلك لها ليستوجبه منها.
٢١ - ﴿أَفْضَى﴾ بالجماع، أو الخلوة. ﴿ميثاقاُ﴾ عقد النكاح، أو إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، أو
قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " أخذتموهن بأمانة الله تعالى -، واستحللتم فروجهن بكلمة الله "، وهي محكمة، أو منسوخة بآية الخلع، أو محكمة إلا عند خوف النشوز.
قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " أخذتموهن بأمانة الله تعالى -، واستحللتم فروجهن بكلمة الله "، وهي محكمة، أو منسوخة بآية الخلع، أو محكمة إلا عند خوف النشوز.
٢٢ - ﴿إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ كانوا يخلفون الآباء على النساء فحرمه الإسلام، وعفا عما كان منهم في الجاهلية إذا اجتنبوه في الإسلام، أو لا تنكحوا كنكاح آبائكم في الجاهلية على الوجه الفاسد إلا ما سلف في الجاهلية فإنه معفو عنه إذا كان مما يجوز تقريره، أو لا تنكحوا ما نكح آباؤكم بالنكاح الجائز إلا ما سلف منهم بالسفاح فإنهن حلال لكم لأنهن غير حلائل وإنما كان فاحشة ومقتًا وساء سبيلا، أو إلا ما قد سلف فاتركوه فإنكم مؤاخذون به، والاستثناء منقطع، أو بمعنى " لكن " ﴿مقتا﴾ المقت شدة البغض لارتكاب قبيح، وكان يقال للولد من زوجة الأب " المقتي ". ﴿حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسآئكم وربآئبكم اللاتي في حجوركم من نسآئكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلآئل أبنآئكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلآ ما قد سلف إن الله كان غفوراً رحيماً (٢٣) والمحصنات من النسآء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما ورآء ذالكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فئاتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيماً (٢٤) ﴾
٢٤ - ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ﴾ ذوات الأزواج. ﴿إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ بالسبي، لما سبى الرسول ﷺ أهل أوطاس، قالوا: كيف نقع على نساء قد عرفنا أزواجهن فنزلت أو ﴿المحصنات﴾ ذوات الأزواج {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ
313
أَيْمَانُكُمْ} إذا اشترى الأمة بطل نكاحها وحلت للمشتري قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أو المحصنات العفائف، ﴿إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أيمانكم﴾ بعقد نكاح، أوملك، أو نزلت في مهاجرات تزوجهن المسلمون، ثم قدم أزواجهن مهاجرين فنهي المسلمون عن نكاحهن، والإحصان: من المنع، حصن البلد لمنعه من العدو، ودرع حصينة: منيعة، وفرس حصان: لامتناع راكبه من الهلاك، وامرأة حصان: لامتناعها عن الفاحشة. ﴿كِتَابَ اللَّهِ﴾ الزموا كتاب الله، أو حرم ذلك كتاباً من الله، أو كتاب الله قيم عليكم فيما تحرمونه وتحلونه. ﴿مَّا وراء ذلكم﴾ ما دون الخمس، أو ما دون ذوات المحارم، أو مما وراءه مما ملكت أيمانكم. ﴿أَن تَبْتَغُواْ﴾ تلتمسوا بأموالكم بشراء، أو صداق. ﴿مُسَافِحِينَ﴾ زناة، السفح: من الصب، سفح الدمع: صبه، وسفح الجبل: أسفله لانصباب الماء فيه. {فما
314
اسْتَمْتَعْتُم} قلت تكون " ما " ها هنا بمعنى " من "، فما نكحتم منهن فجامعتموهن، أو المتعة المؤجلة، كان أُبَي وابن عباس يقرآن ﴿فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى﴾. ﴿أُجُورَهُنَّ﴾ الصداق. ﴿فَرِيضَةً﴾ أي معلومة.
﴿فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ﴾ من تنقيص أو إبراء عند إعسار الزوج، أو فيما زدتموه في أجل المتعة بعد انقضاء مدتها وفي أجرتها قبل استبرائهن أرحامهن، أو لا جناح عليكم فيما دفعتموه وتراضيتم به أن يعود إليكم تراضياً. ﴿كَانَ عَلِيمًا﴾، بالأشياء قبل خلقها. ﴿حَكِيماً﴾ في تدبيره لها، قال سيبويه: " لما شاهدوا علماً وحكمة قيل لهم: إنه كان كذلك لم يزل، أو الخبر عن الماضي يقوم مقام الخبر عن المستقبل قاله الكوفيون. ﴿ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وءاتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذآ أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم (٢٥) ﴾
﴿فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ﴾ من تنقيص أو إبراء عند إعسار الزوج، أو فيما زدتموه في أجل المتعة بعد انقضاء مدتها وفي أجرتها قبل استبرائهن أرحامهن، أو لا جناح عليكم فيما دفعتموه وتراضيتم به أن يعود إليكم تراضياً. ﴿كَانَ عَلِيمًا﴾، بالأشياء قبل خلقها. ﴿حَكِيماً﴾ في تدبيره لها، قال سيبويه: " لما شاهدوا علماً وحكمة قيل لهم: إنه كان كذلك لم يزل، أو الخبر عن الماضي يقوم مقام الخبر عن المستقبل قاله الكوفيون. ﴿ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وءاتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان فإذآ أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم والله غفور رحيم (٢٥) ﴾
315
٢٥ - ﴿طَوْلاً﴾ سعة موصلة إلى نكاح الحرة، أو يكون تحته حرة، أو أن
315
يهوي أمة فيجوز له تزوجها إن كان ذا يسار وكان تحته حرة قاله جابر وجماعة، والطَّوْل: من الطُّول، لأن الغنى ينال به معالي الأمور، ليس فيه طائل أي لا ينال به شيء من الفوائد، وإيمان الأمة شرط، أو ندب. ﴿غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ﴾ محصنات عفائف، والمسافحات: المعلنات بالزنا، ومتخذات الأخدان: أن تتخذ صديقاً تزني به دون غيره، وكانوا يحرمون ما ظهر من الزنا ويحلون ما بطن فنزل ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأنعام: ١٥١]. ﴿أَحْصَنَّ﴾ أسلمن، و ﴿أُحْصِنَّ﴾ تزوجن، ونصف عذاب الحرة: نصف حدها.
﴿الْعَنَتَ﴾ الزنا، أو الإثم، أو الحد، أو الضرب الشديد في دين أو دنيا. ﴿وَأَن تَصْبِرُواْ﴾ عن نكاح الأمة خير من إرقاق الولد. ﴿يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم (٢٦) والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً (٢٧) يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً (٢٨) ﴾
﴿الْعَنَتَ﴾ الزنا، أو الإثم، أو الحد، أو الضرب الشديد في دين أو دنيا. ﴿وَأَن تَصْبِرُواْ﴾ عن نكاح الأمة خير من إرقاق الولد. ﴿يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم (٢٦) والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً (٢٧) يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً (٢٨) ﴾
316
٢٧ - ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ﴾ الزناة، أو اليهود والنصارى أو كل متبع شهوة غير مباحة.
٢٨ - ﴿يُخَفِّفَ عَنكُمْ﴾ في نكاح الإماء، ﴿وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضعيفا﴾ عن الصبر عن الجماع. {يآ أيها الذين ءامنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلآ أن تكون
316
تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما (٢٩) ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا (٣٠) إن تجتنبوا كبآئر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما (٣١) }
317
٢٩ - ﴿بِالْبَاطِلِ﴾ القمار والربا والبخس والظلم، أو العقود الفاسدة، أو نُهوا عن أكل الطعام / قِرىً وأُمروا بأكله شراء ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: ﴿وَلاَ على أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ﴾ الآية [النور: ٦١] ﴿تَرَاضٍ﴾ تخاير للعقد، أو تخاير بعد العقد. ﴿أَنفُسَكُمْ﴾ بعضكم بعضاً، جُعلوا كنفس واحدة لاتحاد دينهم، أو نُهوا عن قتل أنفسهم في حال الضجر والغضب.
٣٠ - ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾ أكل المال وقتل النفس، أو كل ما نهوا عنه من أول هذه السورة، أو وراثتهم النساء كَرْهاً. ﴿عُدْوَانًا وَظُلْمًا﴾ جمع بينهما تأكيداً لتقارب معناهما، أو فعلاً واستحلالاً.
٣١ - ﴿كَبَآئِرَ﴾ ما نهيتم عنه من أول هذه السورة إلى رأس الثلاثين منها، أو هي سبع: الإشراك بالله، وقتل النفس المحرمة، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والفرار يوم الزحف، والتعرب بعد الهجرة أو تسع:
317
الشرك، والقذف، وقتل المؤمن، والفرار من الزحف، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين المسلمين، وإلحاد بالبيت الحرام. أو السبعة المذكورة مع العقوق والزنا والسرقة وسب أبي بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما - أو الإشراك بالله، والقنوط من رحمته، واليأس من روحه، والأمن من مكره، أو كل ما وعد الله - تعالى - عليه النار، أو كل ما لا تصلح معه الأعمال. ﴿سَيّئَاتِكُمْ﴾ مكفرة إذا تركتم الكبائر فإن لم تتركوها أخذتم بالصغائر والكبائر. ﴿ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنسآء نصيب مما اكتسبن وسئلوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليماً (٣٢) ﴾
318
٣٢ - ﴿وَلا تَتَمَنَّوْاْ﴾ كقوله: " ليت لي مال فلان "، نهوا عنه نهي تحريم، أو كراهية، وله أن يقول: " ليت لي مثله " والأشهر أنها نزلت في نساء تمنين أن يكن كالرجال في الفضل والمال، أو قالت أم سلمة:
﴿وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنسآء والوالدان الذين يقولون ربنآ أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيراً (٧٥) الذين ءامنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت فقاتلوا أوليآء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً (٧٦) ﴾
يا رسول الله يغزوا الرجال ولا نغزوا وإنما لنا نصف الميراث فنزلت | .. {لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مما |
(أتاني عن نُصَيْب كلام يقوله | وما خفت يا سلام أنكِ عائبي) |
321
فإذا خاف نشوزها وعظها وهجرها فإن أقامت عليه ضربها، أو إذا خافه وعظها فإن أظهرته هجرها فإن أقامت عليه ضربها ضرباً يزجرها عن النشوز غير مبرح ولا منهك. ﴿سَبِيلاً﴾ أذى، أو يقول لها: " لست محبة لي وأنت تبغضني فيضربها " على ذلك مع طاعتها له. ﴿وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلهآ إن يريدآ إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليماً خبيرا (٣٥) ﴾
322
٣٥ - ﴿شِقَاقَ بَيْنِهِمَا﴾ بنشوزها وترك حقه، وبعدوله عن إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، والشقاق: مصدر شاق فلان فلاناً إذا أتى كل واحد منهما ما يشق على الآخر، أو لأنه صار في شق بالعداوة والمباعدة. ﴿فَابْعَثُواْ حَكَمًا﴾ خطاب للسلطان إذا ترافعا إليه، أو خطاب للزوجين، أو لأحدهما. ﴿إِن يُرِيدَآ﴾ الحكمان، فإن رأى الحكمان الفرقة بغير إذن الزوجين فهل لهما ذلك؟ فيه قولان. ﴿واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً (٣٦) ﴾
٣٦ - ﴿وَبِذِى الْقُرْبَى﴾ المناسب، ﴿وَالْيَتَامَى﴾ جمع يتيم وهو الذي مات أبوه ولم يبلغ الحلم، والمسكين: الذي ركبه ذل الفاقة حتى سكن لذلك، ﴿وَالْجَارِ ذِى الْقُرْبَىَ﴾ المناسب، أو القريب في الدين أراد به المسلم ﴿وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾ الأجنبي لا نسب بينك وبينه، أو البعيد في دينه، والجنب في كلامهم: البعيد، ومنه الجنب لبعده عن الصلاة.
322
﴿وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ﴾ رفيق السفر، أو زوجة الرجل تكون إلى جنبه، أو الذي يلزمك ويصحبك رجاء نفعك. ﴿وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ / المسافر المجتاز، أو الذي يريد السفر ولا يجد نفقة، أو
الضيف، والسبيل: الطريق فقيل لصاحب الطريق: ابن السبيل كما قيل لطير الماء: " ابن ماء ". ﴿مُخْتَالاً﴾ من الخيلاء خال يخول خالاً وخولاً. ﴿فَخُورًا﴾ يفتخر على العباد بما أنعم الله به عليه من رزق وغيره. ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون مآ ءاتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً (٣٧) والذين ينفقون أموالهم رئآء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قريناً فسآء قريناً (٣٨) وماذا عليهم لو ءامنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليماً (٣٩) ﴾
الضيف، والسبيل: الطريق فقيل لصاحب الطريق: ابن السبيل كما قيل لطير الماء: " ابن ماء ". ﴿مُخْتَالاً﴾ من الخيلاء خال يخول خالاً وخولاً. ﴿فَخُورًا﴾ يفتخر على العباد بما أنعم الله به عليه من رزق وغيره. ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون مآ ءاتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً (٣٧) والذين ينفقون أموالهم رئآء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ومن يكن الشيطان له قريناً فسآء قريناً (٣٨) وماذا عليهم لو ءامنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليماً (٣٩) ﴾
323
٣٧ - ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾ بالإنفاق في الطاعة ﴿وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ﴾ بمثل ذلك، أو نزلت في اليهود بخلوا بما في التوراة من صفة محمد ﷺ وكتموها، وأمروا الناس بذلك، والبخل: أن يبخل بما في يده، والشح: أن يشح بما في يد غيره يحب أن يكون له.
٣٨ - ﴿وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ﴾ اليهود، أو المنافقون. ﴿قَرِينًا﴾ والمراد به الشيطان يقرن به في النار، أو يصاحبه في فعله، والقرين: الصاحب المؤالف من الاقتران، القِرن: المثل لاقترانه في الصفة، والقَرن: أهل العصر، لاقترانهم في الزمان، وقرن البهيم لاقترانه بمثله. ﴿إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيما (٤٠) ﴾.
323
فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلآء شهيداً (٤١) يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً (٤٢) }
324
٤٠ - ﴿مِثْقَالَ﴾ الشيء: مقداره في الثقل، والذرة: دودة حمراء قاله ابن عباس - رضي الله عنهما -: ويقال: إن هذه الدودة لا وزن لها.
٤١ - ﴿بِشَهِيدٍ﴾ يشهد أنه بلغها ما تقوم به الحجة عليها، أو يشهد بعملها.
٤٢ - ﴿تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ﴾ يُجعلون مثلها، كقوله تعالى ﴿ليتني كُنتُ تُرَاباً﴾ [النبأ: ٤٠] أو تمنوا أن يدخلوا فيها حتى تعلوهم. ﴿يآ أيها الذين ءامنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جآء أحد منكم من الغآئط أو لامستم النسآء فلم تجدوا مآء فتيمموا صعيداً طيباً فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفواً غفوراً (٤٣) ﴾
٤٣ - ﴿سُكَارَى﴾ من النوم، أو من الخمر، " ثمل جماعة عند عبد الرحمن بن عوف - رضي الله تعالى عنه - فقدموا من صلى بهم المغرب فقرأ قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون، وأنتم عابدون ما أعبد، وأنا عابد ما عبدتم لكم دينكم ولي دين فنزلت " والسَّكر يسد مجرى الماء فأخذ منه السكر
324
لسده طرق المعرفة، وخطابه للسكران نهي عن التعرض للسُّكر، لأن السكران لا يفهم، أو قد يقع السكر بحيث لا يخرج عن الفهم. ﴿عَابِرِى سَبِيلٍ﴾ أراد المسافر الجنب لا يصلي حتى يتيمم، أو أراد مواضع الصلاة لا يقربها إلا ماراً. ﴿مَّرْضَى﴾ بما ينطلق عليه اسم مرض وإن لم يضر معه استعمال الماء، أو بشرط أن يَضُر به استعمال الماء، أو ما خيف فيه من استعمال الماء التلف. ﴿سَفَرٍ﴾ ما وقع عليه الاسم، أو يوم وليلة، أو ثلاثة أيام، ﴿الْغَآئِطِ﴾ الموضع المطمئن كُني به عن الفضلة، لأنهم كانوا يأتونه لأجلها. الملامسة: الجماع، أو باليد والإفضاء بالجسد، ولامستم أبلغ من لمستم، أو لامستم يوجب الوضوء على اللامس والملموس ولمستم يوجبه على اللامس وحده. ﴿فَتَيَمَّمَوُاْ﴾ تعمدوا وتحروا، أو اقصدوا، وقرأ ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - فأتوا صعيداً. ﴿صَعِيداً﴾ أرض ملساء لا نبات بها / ولا غرس، أو أرض مستوية، أو التراب، أو وجه الأرض ذات التراب والغبار. ﴿طّيِّبًا﴾ حلالاً، أو طاهراً، أو تراب الحرث، أو مكان جَرْد غير بَطِح. ﴿وَأَيْدِيكُمْ﴾ إلى الزندين، أو المرفقين، أو الإبطين: ويجوز التيمم للجنابة عند الجمهور ومنعه عمر وابن مسعود والنخعي. وسبب نزولها قوم من الصحابة أصابتهم جراح، أو نزلت في إعواز الماء في
325
السفر. ﴿ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا﴾
326
السبيل (٤٤) والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا (٤٥) من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا (٤٦) }
327
٤٤ - ﴿يشترون الضلالة﴾ كأنهم بكتمان صفة محمد ﷺ اشتروا الضلالة بالهدى، أو أعطوا أحبارهم [أموالهم] على ما صنعوا من التكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو كانوا يأخذون الرشا.
٤٦ - ﴿غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾ غير مقبول منك، أو اسمع لا سمعت. ﴿وَرَاعِنَا﴾ كانت سبّاً في لغتهم، أو أجروها مجرى الهزء. أو مجرى الكبر. ﴿يا أيها الذين أوتو الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا (٤٧) إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما (٤٨) ﴾
٤٧ - ﴿أُوتُواْ الْكِتَابَ) {اليهود والنصارى﴾ (نَّطْمِسَ وُجُوهًا) نمحو آثارها فتصير كالأقفاء ونجعل أعينها في أقفائها فتمشي القهقرى، أو نطمسها عن الهدى فنردها في الضلالة فلا تفلح أبداً ﴿نَلْعَنَهُمْ﴾ نمسخهم قردة. {ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا (٤٩) انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا (٥٠) ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من
327
﴿الكتب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا، أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً﴾
328
٤٩ - ﴿يُزَكُّونَ أَنفُسَهُم﴾ اليهود قالوا: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: ١٨]، أو قدموا أطفالهم
لإمامتهم زعماً أنه لا ذنوب لهم، أو قالوا: آباؤنا يستغفرون لنا ويزكوننا، أو زكى بعضهم بعضاً، لينالوا شيئاً من الدنيا. ﴿فَتِيلاً﴾ ما انفتل بين الأصابع من الوسخ، أو الفتيل الذي في شق النواة، والنقير ما في ظهرها، والقطمير قشرها.
لإمامتهم زعماً أنه لا ذنوب لهم، أو قالوا: آباؤنا يستغفرون لنا ويزكوننا، أو زكى بعضهم بعضاً، لينالوا شيئاً من الدنيا. ﴿فَتِيلاً﴾ ما انفتل بين الأصابع من الوسخ، أو الفتيل الذي في شق النواة، والنقير ما في ظهرها، والقطمير قشرها.
٥١ - ﴿بِالْجِبْتِ وَالْطَّاغُوتِ﴾ صنمان كان المشركون يعبدونهما، أو الجبت: الأصنام والطاغوت ((تراجمة)) الأصنام، أو الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان، أو الجبت: الساحر، والطاغوت: الكاهن، أو الجبت: حيي بن أخطب والطاغوت: كعب بن الأشرف. {أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا (٥٣) أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا ءال إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما (٥٤) فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا (٥٥)
٥٣ - ﴿نَقِيراً﴾ الذي في ظهر النواة، أو الخيط الذي يكون في وسط النواة، أو نَقْرُك الشيء بطرف إبهامك.
٥٤ - ﴿يَحْسُدُونَ النَّاسَ﴾ اليهود حسدت العرب، أو محمداً ﷺ عبر عنه بالناس، أو محمدا ﷺ وأصحابه - رضوان الله تعالى عليهم - أجمعين. ﴿فَضْلِهِ﴾ النبوة كيف جعلت في العرب، أو ما أبيح للرسول ﷺ من النكاح بغير حصر ولا عد قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -. ﴿مًّلْكاً عظيما﴾ ملك سليمان عليه الصلاة والسلام، أو النبوة، أو ما أيدو به الملائكة. أو ما أبيح لداود وسليمان عليهما الصلاة والسلام من النكاح، فنكح سليمان مائة، وداود تسعاً وتسعين. ﴿إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما (٥٦) والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا (٥٧) ﴾
﴿ كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ﴾، لأن المقصود إيلام الأرواح بواسطة الجلود واللحم فتحرق الجلود لإيلام الأرواح واللحم والجلد لا يألمان فإذا احترق الجلد فسواء أُعيد بعينه أو أُعيد غيره، أو تعاد تلك الجلود الأول جديدة غير محترقة، أو الجلود المعادة هي سرابيل القطران سميت جلودا لكونها لباسا لهم، لأنها لو فنيت ثم أعيدت لكان ذلك تخفيفا للعذاب فيما بين فنائها وإعادتها، وقد قال [ تعالى ] :﴿ لا يخفف عنهم العذاب ﴾ [ البقرة : ١٦٢ وآل عمران : ٨٨ ].
٥٨ - ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ﴾ في ولاة أمور المسلمين، أو السطان أن يعظ النساء أو للرسول ﷺ أن يرد مفاتيح الكعبة إلى عثمان بن طلحة، أو لكل مؤتمن على شيء. ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا (٥٩) ﴾
٥٩ - ﴿أَطِيعُواْ اللَّهَ﴾ في أمره ونهيه. ﴿وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ﴾ في حياته، أو
330
باتباع سنته. ﴿وَأُوْلِى الأَمْرِ﴾ نزلت في الأمراء بسبب عبد الله بن حذافة بعثه الرسول ﷺ في سرية أو في عمار بن ياسر بعثه الرسول ﷺ في سرية، أو نزلت في العلماء والفقهاء، أو في الصحابة، أو في أبي بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما - وإنما طاعة الولاة في المعروف. ﴿إِلَى اللَّهِ﴾ كتاب الله - تعالى - وسنة رسوله ﷺ ﴿تَأْوِيلاً﴾ أحمد عاقبة، أو أبيّن صواباً، وأظهر حقاً، أو أحسن من تأويلكم الذي لا يرجع إلى أصل، ولا يفضي إلى حق. {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلال بعيدا (٦٠)، إذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا (٦١) فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقا (٦٢) أولائك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في
331
أنفسهم قولا بليغا}
332
٢٦٠ - ﴿الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ﴾ نزلت في يهودي وأنصاري منافق اختصما فطلب اليهودي المحاكمة إلى أهل الإسلام، لعلمه أنهم لا يرتشون وطلب المنافق المحاكمة إلى اليهود لعلمه أنهم يرتشون، فاصطلحا أن يتحاكما إلى كاهن من جهينة ﴿يَزْعُمُونَ أنهم آمنوا بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ أي المنافق، ﴿وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ﴾ اليهودي. أو نزلت في اليهود، تحاكموا إلى أبي بردة الأسلمي الكاهن. ﴿آمنوا بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ في الحال ﴿وَمَآ أُنزِلَ من قبلك﴾ حين كانوا يهودا ﴿والطاغوت﴾ الكاهن.
٦٢ - ﴿مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ لما قتل عمر - رضي الله تعالى عنه - منافقاً لم يرض بحكم الرسول ﷺ جاء إخوانه المنافقون يطلبون دمه، يقولون ما أردنا بطلب دمه إلا أحساناً إلينا، وما يوافق الحق في أمرنا، فنزلت، أو
332
اعتذروا في عدولهم عن الرسول ﷺ بأنهم أرادوا التوفيق بين الخصوم بتقريب في الحكم دون الحمل على مُر الحق. فنزلت...
٦٣ - = ﴿يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ﴾ من النفاق ﴿فأعرض عنهم﴾ بالعداوة ﴿وعظم﴾ فيما أبدوه، أو ﴿أعرض﴾ عن عقابهم ﴿وعظهم﴾ أو ﴿أعرض﴾ عن قبول عذرهم ﴿وَعِظْهُمْ﴾. ﴿قَوْلاً بَلِيغاً﴾ أزجرهم أبلغ زجر، أو قل إن أظهرتم ما في قلوبهم قتلتكم، فإنه يبلغ من نفوسهم كل مبلغ. ﴿وما أرسلنا من رسول إلى ليطاع بإذن الله لو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما (٦٤) فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدون في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً﴾
٦٣ - = ﴿يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ﴾ من النفاق ﴿فأعرض عنهم﴾ بالعداوة ﴿وعظم﴾ فيما أبدوه، أو ﴿أعرض﴾ عن عقابهم ﴿وعظهم﴾ أو ﴿أعرض﴾ عن قبول عذرهم ﴿وَعِظْهُمْ﴾. ﴿قَوْلاً بَلِيغاً﴾ أزجرهم أبلغ زجر، أو قل إن أظهرتم ما في قلوبهم قتلتكم، فإنه يبلغ من نفوسهم كل مبلغ. ﴿وما أرسلنا من رسول إلى ليطاع بإذن الله لو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما (٦٤) فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدون في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً﴾
333
﴿ يعلم الله ما في قلوبهم ﴾ من النفاق ﴿ فأعرض عنهم ﴾ بالعداوة ﴿ فأعرض ﴾ فيما أبدوه، أو ﴿ فأعرض ﴾ عن عقابهم ﴿ وعظهم ﴾ أو ﴿ فأعرض ﴾ عن قبول عذرهم ﴿ وعظهم ﴾. ﴿ قولا بليغا ﴾ ازجرهم أبلغ زجر، أو قل إن أظهرتم ما في قلوبكم قتلتكم، فإنه يبلغ من نفوسهم كل مبلغ.
٦٥ - ﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا)، لان المقصود إيلام الأرواح بواسطة الجلود واللحم فتحرق / الجلود لإيلام الأرواح واللحم والجلد لا يألمان فإذا احترق الجلد فسواء أُعيد بعينه أو أُعيد غيره، أو تعاد تلك الجلود الأول جديدة غير محترقة، أو الجلود المعادة هي سرابيل القطران سميت جلوداً لكونها لباساً لهم، لأنها لو فنيت ثم أُعيدت لكان ذلك تخفيفاً للعذاب فيما بين فنائها وإعادتها، وقد قال [تعالى] :{لا يخفف عنهم العذاب﴾ [البقرة:
329
١٦٢ - وآل عمران: ٨٨] ﴿إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا (٥٨) ﴾
330
٦٥ - ﴿شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ المشاجرة: المنازعة، والاختلاف لتداخل الكلام بعضه في بعض كتداخل الشجر بالتفافها. ﴿حَرَجًا﴾ شكاً، أو إثماً. نزلت في المنافق واليهودي / اللذين
إحتكما إلى الطاغوت، أو في الزبير والأنصاري لما اختصما في شراج الحرة. ﴿ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليلا منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا (٦٦) وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما (٦٧) ولهديناهم صراطا مستقيما (٦٨) ومن يطع الله والرسول فأولائك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا (٦٩) ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما (٧) ﴾
إحتكما إلى الطاغوت، أو في الزبير والأنصاري لما اختصما في شراج الحرة. ﴿ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليلا منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا (٦٦) وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما (٦٧) ولهديناهم صراطا مستقيما (٦٨) ومن يطع الله والرسول فأولائك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا (٦٩) ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما (٧) ﴾
334
٦٩ - ﴿الصديقين﴾ أتباع الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم وسلامه، [والصديق] ((فعيل)) من الصدق، أو من الصدقة، والشهيد لقيامه بشهادة الحق حتى قُتل أو لأنه من شهيد الآخرة، والصالح: من صلح عمله، أو من صلحته سريرته وعلانيته، والرفيق: من الرفق في العمل أو من الرفق في السير. توهم قوم أنهم لا يرون الأنبياء في الجنة، لأنهم في أعلى عليين فحزنوا وسألوا الرسول ﷺ فنزلت. {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا (٧١) وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أن أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا (٧٢) ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما (٧٣) فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرا عظيما (٧٤)
٧١ - ﴿حِذْرَكُمْ﴾ احذروا عدوكم، أو خذوا سلاحكم، سماه حذراً لأنه يُتقى به الحذر ﴿ثُبَاتٍ﴾ جمع ثُبَة، وهي العصبة، قال:
335
(لقد أغدو على ثُبَةٍ كرام | نشاوى واجدين لما نشاء) |
336
٧٥ - ﴿القرية الظالم أهلها﴾ مكة إجماعاً. ﴿ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوآ أيديكم وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولآ أخرتنآ إلى أجل قريب قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا (٧٧) أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلآء القوم لا يكادون يفقهون حديثا (٧٨) مآ أصابك من حسنة فمن الله ومآ أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولاً وكفى بالله شهيداً (٧٩) ﴾
٧٧ - ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ﴾ نزلت في قوم من الصحابة، سألوا الرسول ﷺ بمكة أن يأذن لهم في القتال فيقاتلون فلما فرض القتال بالمدينة
336
قالوا ما ذكر الله في هذه الآية، أو في اليهود أو المنافقين، أو هي صفة المؤمنين لما طبع عليه البشر من الخوف.
337
٧٨ - ﴿بُرُوجٍ﴾ قصور في السماء معينة، أو القصور [أو] البيوت التي في الحصون، أخذ البروج من الظهور، تبرجت المرأة: أظهرت نفسها.
﴿مًّشَيَّدَةٍ﴾ مجصصة، والشيد: الجص، أو مطولة، شاد بناءه وأشاده رفعه، أشدت بذكر الرجل: رفعت منه، أو المشيد " بالتشديد " المطول، ((وبالتخفيف)) المجصص. ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنةٌ﴾ أراد اليهود، أو المنافقين، والحسنة والسيئة: البؤس، والرخاء، أو الخصب والجدب، أو النصر والهزيمة. ﴿مِنْ عِندِكَ﴾ بسوء تدبيرك، أو قالوه على جهة التطير به، كقوله [تعالى] ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ﴾ [الأعراف: ١٣٢].
﴿مًّشَيَّدَةٍ﴾ مجصصة، والشيد: الجص، أو مطولة، شاد بناءه وأشاده رفعه، أشدت بذكر الرجل: رفعت منه، أو المشيد " بالتشديد " المطول، ((وبالتخفيف)) المجصص. ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنةٌ﴾ أراد اليهود، أو المنافقين، والحسنة والسيئة: البؤس، والرخاء، أو الخصب والجدب، أو النصر والهزيمة. ﴿مِنْ عِندِكَ﴾ بسوء تدبيرك، أو قالوه على جهة التطير به، كقوله [تعالى] ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ﴾ [الأعراف: ١٣٢].
٧٩ - ﴿مَّآ أَصَابَكَ﴾ أيها الإنسان، أو أيها النبي، أو خوطب به الرسول ﷺ والمراد غيره. الحسنة النعمة في الدين والدنيا. والسيئة المصيبة فيهما، أو الحسنة ما أصابه يوم بدر والسيئة ما أصابه بأُحد من شج وجهه، وكسر رباعيته، أو الحسنة: الطاعة والسيئة: المعصية قاله أبو العالية ز ﴿فمن نفسك﴾ فبذنبك، أو بفعلك. {من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا (٨٠) ويقولون
337
طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طآئفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا (٨١) }
338
٨٠ - ﴿حَفِيظًا﴾ حافظاً لهم من المعاصي، أو حافظاً لأعمالهم التي يجازون بها.
٨١ - ﴿طَاعَةٌ﴾ أَمْرنا لَطَاعة. ﴿بَيَّتَ﴾ التبييت: كل عمل دبر بليل لأن الليل وقت المبيت، أو وقت البيوت وتبييتهم إضمارهم مخالفة الرسول ﷺ في أمره ونهيه، أو تقديرهم غير ما قال على جهة التكذيب. ﴿يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ﴾ في اللوح المحفوظ ليجازيهم عليه، أو يكتبه بأن ينزله عليك / في الكتاب. ﴿أفلا يتدبرون القرءان ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً (٨٢) وإذا جآءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا (٨٣) ﴾
٨٢ - ﴿يَتَدَبَّرُونَ﴾ من الدبور لأنه النظر في عواقب الأمور. ﴿اخْتِلافًا﴾ تناقضاً من جهة حق وباطل، أو من جهة بليغ ومرذول. أو اختلافاً في تخبر الأخبار عما يسرون.
٨٣ - ﴿وَإِذاَ جَآءَهُمْ﴾ أراد المنافقين، أو ضعفة المسلمين. ﴿أُوْلِى الأَمْرِ﴾ العلماء، أو الأمراء، أو أمراء السرايا. ﴿الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ أولو الأمر، أو المنافقون، أو ضعفة المسلمين. ﴿يَسْتَنبِطُونَهُ﴾ يستخرجونه من استنباط الماء،
338
والنبط، لاستنباطهم العيون. ﴿فضل الله﴾ الرسول صلى الله عليه وسلم، أو القرآن العزيز، أو اللطف. ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾ من الأتباع، أو لعلمه الذين يستنبطونه إلا قليلاً، أو أذاعوا به إلا قليلاً قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -، {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأساً وأشد تنكيلا (٨٤) من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا (٨٥) وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا (٨٦) الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا (٨٧)
339
٨٥ - ﴿شَفاعَةً حَسَنَةً﴾ الدعاء للمؤمنين والسيئة: الدعاء عليهم كانت اليهود تفعله فتوعدهم الله - تعالى - عليه، أو هو سؤال الرجل لأخيه أن ينال خيراً أو شراً بمسألته. ﴿كِفْلٌ﴾ وزر وإثم، أو نصيب ﴿يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] ﴿مُّقِيتاً﴾ مقتدراً، أو حفيظاً، أو شهيداً، أو حسيباً، أو مجازياً أخذ المقيت من القوت فسمي به المقتدر لقدرته على إعطاء القوت وصار لكل قادر على قوت أو غيره. وقال:
(وذي ضغن كففت النفس عنه | وكنت على مساءته مقيتاً) |