تفسير سورة النساء

تفسير ابن خويز منداد

تفسير سورة سورة النساء من كتاب تفسير ابن خويز منداد
لمؤلفه ابن خويزمنداد . المتوفي سنة 390 هـ

٣٥- قوله تعالى :﴿ وَإِنْ خِفْتُمُ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي اِلْيَتَمى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ اَلنِّسَاءَ مَثْنى وَثُلَثَ وَرُبَعَ فَإِنْ خِفْتُمُ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً اَوْ مَا مَلَكَتَ اَيْمَنُكُمْ ذَلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُواْ ﴾ ( ٣ ).
٤٠- قوله تعالى :﴿ وَإِنْ خِفْتُمُ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَمى ﴾ :( روى الأئمة واللفظ لمسلم عن عروة بن الزبير عن عائشة في قول الله تعالى :﴿ وَإِنْ خِفْتُمُ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَمى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ اَلنِّسَاءِ مَثْنى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ﴾ قالت : يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها تشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها من غير أن يقسط في صداقها فيُعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن١ وذكر الحديث.
وقال ابن خويز منداد : ولهذا قلنا إنه يجوز أن يشتري الوصي من مال اليتيم لنفسه، ويبيع من نفسه من غير محاباة وللموكل النظر فيما اشترى وكيلُه لنفسه أو باع منها : وللسلطان النظر فيما يفعله الوصي من ذلك. فأما الأب فليس لأحد عليه نظر ما لم تظهر عليه المحاباة فيعترض عليه السلطان حينئذ )٢.
١ - أخرجه البخاري في كتاب الشركة باب قول الله تعالى: ﴿وَءَاتُوا الْيَتَمى أَمْوَلَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَ لاَ تَاكُلُواْ أَمْوَلَهُمُ إِلَى أَمْوَلِكُمُ إِنَّهُ كَاَن حُوبًا كَبِيرًا وَإِنْ خِفْتُمُ أََ لاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَمى فَانْكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ اَلنِّسَاءِ﴾: ٣/١٣٥. ومسلم في كتاب التفسير: ٤٠/٢٣١٣-٢٣١٤. وأبو داود في كتاب النكاح، باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء: ٢/٢٢٥. والدارقطني في سننه باب المهر: ٣/٢٦٥. وانظر تفسير ابن كثير: ١/٥٥٥..
٢ - الجامع لأحكام القرآن: ٥/١١ - ١٢..
٣٦- قوله تعالى :﴿ وَلاَ تُوتُواْ السُّفَهَاءَ امْوَلَكُمُ التِي جَعَلَ اَللَّهُ لَكُمْ قِيَمًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا ﴾ ( ٥ ).
٤١- قوله تعالى :﴿ وَلاَ تُوتُواْ السُّفَهَاءَ امْوَلَكُمْ ﴾ :( قال ابن خويز منداد ؛ وأما الحجر على السفيه فالسفيه له أحوال : حال يحجر عليه لصغره، وحالة لعدم عقله بجنون أو غيره، وحالة لسوء نظره لنفسه في ماله. فأما المغمى عليه فاستحسن مالك ألا يحجر عليه لسرعة زوال ما به. والحجر يكون مرة في حق الإنسان ومرة في حق غيره ؛ فأما المحجور عليه في حق نفسه من ذكرنا والمحجور عليه في حق غيره العبد والمديان١ والمريض في الثلثين، والمفلس وذات الزوج لحق الزوج، والبكر في حق نفسها. فأما الصغير والمجنون فلا خلاف في الحجر عليهما. وأما الكبير فلأنه لا يحسن النظر لنفسه في ماله ولا يؤمن منه إتلاف ما له في غير وجه فأشبه الصبيّ، - وفيه خلاف يأتي - والفرق بين أن يُتلف ماله في المعاصي أو في القرُب والمباحات. واختلف أصحابنا إذا أتلف ماله في القرب ؛ فمنهم من حجر عليه، ومنهم من لم يحجر. والعبد لا خلاف فيه. والمديان ينزع ما بيده لغرمائه ؛ لإجماع الصحابة، وفعل عمر ذلك بأُسَيْفع جهينة٢ ؛ ذكره مالك في الموطأ. والبكر مادامت في الخِدْر محجور عليها ؛ لأنها لا تحسن النظر لنفسها. حتى إذا تزوجت ودخل إليها الناس، وخرجت وبرز وجهها عرفت المضار من المنافع. وأما ذات الزوج فلان رسول صلى الله عليه وسلم قال :( لا يجوز لامرأة ملك زوجُها عصمتها قضاء في مالها إلا في ثلثها٣ )٤.
١ - هو هنا بمعنى الكثير الدين (اللسان/دين)..
٢ - قال الزبيدي:» الأُسَيْفع: أسيفع جهينة، مشهور: "ومنه قول عمر" رضي الله عنه ألا إن الأُسَيْفِع: أسيفع جهينة رضي الله من دينه وأمانته بأن يقال: سابق الحاج. فادان معرضا، فأصبح قَدْرِينَ به فمن كان له عليه دين فليعد بالغداة فلنقسم ماله بينهم بالحصص« انظر تاج العروس: ٢١/٢٠٥ - ٢٠٦، والقاموس: ٣/٣٩/ سفع. ولم أقف على ترجمته في كتب التراجم..
٣ -أخرجه ابن ماجة في كتاب الهبات باب عطية المرأة بغير إذن زوجها ٢/٧٩٨ وأحمد في مسنده: ٢/٦٨٥. والنسائي في كتاب العمرة، باب عطية المرأة بغير إذن زوجها. والحاكم في مستدركه، كتاب البيوع: ٢/٤٧. كلهم بطرق مختلفة وبألفاظ متقاربة..
٤ - الجامع لأحكام القرآن: ٥/٢٨ - ٢٩..
٣٧- قوله تعالى :﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ أُمَّهَتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّتُكُمْ وَخَلَتُكُمْ وَبَنَاتُ الاَخِ وَبَنَاتُ الاُخْتِ وَأُمَّهَتُكُمُ التِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ اَلرَّضَعَةِ وَأُمَّهَتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَئِبُكُمُ التِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ التِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الذِينَ مِنَ اَصْلَبِكُمْ وَأَن تَجِمَعُواْ بَيْنَ اَلاُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اَللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ ( ٢٣ ).
٤٢- قوله تعالى :﴿ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الذِينَ مِنَ اَصْلاَبِكُمْ ﴾ :( قال عليه السلام : " لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها " ١ ولم يفصل بين الحلال والحرام وقال عليه السلام : " لا ينظر الله " إلى من كشف قناع امرأة وابنتها " ٢.
قال ابن خويز منداد : ولهذا قلنا إن القبلة وسائر وجوه الاستمتاع ينشر الحرمة )٣.
١ - أخرجه الدار قطني في السنن باب المهر، ٣/٢٦٩ قال الدار قطني: "موقوف ليث وحماد ضعيفان" وقد اختلق فيهما انظر: التعليق المغني على الدارقطني بذيل سنن الدارقطني: ٣/٢٦٩..
٢ - لم أقف على هذا الحديث..
٣ - الجامع لأحكام القرآن: ٥/١١٥ وقد أورده القرطبي بعد قوله: »روى الدارقطني من حديث الزهري عن عروة عن عائشة قالت: سئل رسول صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم عن رجل زنى بامرأة فأراد أن يتزوجها أو ابنتها فقال: "لا يحرم الحرام الحلال إنما يحرم ما كان بنكاح". ومن الحجة للقول الآخر إخبارُ النبي صلى الله عليه وسلم عن جُريج وقوله: "يا غلام من أبوك"؟ قال : فلان الراعي. فهذا يدل على أن الزنى يحرم كما يحرم الوطء الحلال؛ فلا تحل أم الزاني بها ولا بناتها لآباء الزاني ولا لأولاده، وهي رواية ابن القاسم في المدونة ويستدل به أيضا على أن المخلوقة من ماء الزاني لا تحل للزاني بأمها، وهو المشهور، قال عليه السلام: »لا ينظر الله إلى رجل... «.
٣٨- قوله تعالى :﴿ وَالْمُحْصَنَتُ مِنَ اَلنِّسَاءِ اِلاَّ مَا مَلَكَتَ اَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اَللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأَحَلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمُ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اَسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَجُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ اِلْفَرِيضَةَ إِنَّ اَللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ ( ٢٤ ).
٤٣- ( قال ابن خويز منداد : ولا يجوز أن تحمل الآية على جواز المتْعَة ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح المتعة وحرمه، ولأن الله تعالى قال :﴿ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ﴾ ومعلوم أن النكاح بإذن الأهلين هو النكاح الشرعي بولي وشاهدين، ونكاح المتعة ليس كذلك )١.
١ - الجامع لأحكام القرآن: ٥/١٢٩، ١٣٠..
٣٩- قوله تعالى :﴿ اَلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى اَلنِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اَللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أََنفَقُواْ مِنَ اَمْوَالِهِمْ فَالصَّلِحَاتُ قَنِتَتٌ حَفِظَتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اَللَّهُ وَالتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي اِلْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنَ اَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اَللَّهَ كَانَ عَلِيًا كَبِيرًا ﴾ ( ٣٤ ).
٤٤- ( قال ابن خويز منداد : والنشوز يسقط النفقة وجميع الحقوق الزوجية، ويجوز معه أن يضربها الزوج ضرب الأدب غير المبرح، والوعظ والهجر حتى ترجع عن نشوزها، فإذا رجعت عادت حقوقها، وكذلك كل ما اقتضى الأدب فجائز للزوج تأديبها. ويختلف الحال في أدب الرفيعة والدنيئة، فأدب الرفيعة العَذْل١ وأدب الدنيئة السوط. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " رحم الله امرأ علق سوطه وأدب أهله " ٢ وقال : " إن أبا جهم لا يضع عصاه عن عاتقه " ٣ )٤.
١ - العذل: اللوم. انظر: اللسان/عذل..
٢ - أخرجه ابن عدي في الكامل في الضعفاء: ٣/٣٣٦، بنحوه وانظر، كنز العمال ١٦/٣١٧..
٣ - هذا بعض من حديث أخرجه الإمام مسلم في كتاب الطلاق، باب المطلقة ثلاثا لا نفقة لها، ٢/١١١٤حديث رقم: ١٤٨٠، والحديث بكامله، عن فاطمة بنت قيس، أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة، وهو غائب، فأرسل إليها وكيلة بشعير فسخطته، فقال: والله مالك علينا من شيء فجاءت رسول صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: »ليس لك عليه نفقة« فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم قال: »تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعيف ثيابك فإذا حللت فآذنيني« قالت: فلما حللت ذكرت له؛ أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني. فقال رسول صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم :»أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له انكحي أسامة بن زيد« فكرهته ثم قال: »انكحي أسامة« فنكحته فجعل الله فيه خيرا. واغتبطت..
٤ - الجامع لأحكام القرآن: ٥/١٧٤..
٤٠- قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا اَلذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا اِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُمْ مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ اَوْ جَاءَ احَدُكُمْ مِّنكُمْ مِّنَ اَلْغَائِطِ أَوْ لَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمُ إِنَّ اَللَّهَ كَانَ عَفُوًا غَفُورًا ﴾ ( ٤٣ ).
٤٥- قوله تعالى :﴿ صَعِيدًا طَيِّبًا ﴾ :( قال ابن خويز منداد : ويجوز عند مالك التيمم على الحشيش إذا كان دون الأرض، واختلف عنه في التيمم على الثلج ففي المدونة والمبسوط جوازه، وفي غيرهما منعه )١.
١ - الجامع لأحكام القرآن: ٥/٢٣٧ - ٢٣٨ وفيه بعد هذا الكلام: »واختلف المذهب في التيمم على العود فالجمهور على المنع وفي مختصر الوقار أنه جائز وقيل: بالفرق بين أن يكون منفصلا أو متصلا فأجيز على المتصل ومنع في المنفصل«. ولم استطع الترجيح بين أن تكون هذه الزيادة من كلام ابن خويز منداد أو من كلام غيره. وانظر التمهيد: ١٩/٢٨٩..
٤١- قوله تعالى :﴿ يَأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي اِلاَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اَللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُومِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ اِلاَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَاوِيلاً ﴾ ( ٥٩ ).
٤٦- ( قال ابن خويز منداد : وأما طاعة السلطان فتجب فيما كان لله فيه طاعة، ولا تجب فيما كان لله فيه معصية ؛ ولذلك قلنا : إن ولاة زماننا لا تجوز طاعتهم ولا معاونتهم ولا تعظيمهم، ويجب الغزو معهم متى غزوا، والحُكْم من قِبَلهم، وتولية الإمامة والحِسبة ؛ وإقامة ذلك على وجه الشريعة. وإن صَلَّواْ بنا وكانوا فسقة من جهة المعاصي جازت الصلاة١ معهم، وإن كانوا مُبْتَدِعة لم تجز الصلاة معهم إلا أن يخافوا فيصلّى معهم تقية وتعاد الصلاة )٢.
١ - في النسخة المطبوعة من الجامع لأحكام القرآن "الصلات" وهو خطأ..
٢ - الجامع لأحكام القرآن: ٥/٢٥٩ وقد أورده القرطبي بعد قوله: »قال سهل بن عبد الله التستري: أطيعوا السلطان في سبعة: ضرب الدراهم والدنانير والمكاييل والأوزان والأحكام والحج والجمعة والعيدين والجهاد. قال سهل: وإذا نهى السلطان العالِمَ أن يفتي فليس له أن يفتي؛ فإن أفتى فهو عاص وإن كان أميرا جائرا وقال ابن خويز منداد: وأما طاعة السلطان... «..
٤٢- قوله تعالى :﴿ يَأَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ اَوِ ِانفِرُواْ جَمِيعًا ﴾ ( ٧١ ).
٤٧- ( ذكر ابن خويز منداد : وقيل إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى :﴿ اِنفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً ﴾١ وبقوله :﴿ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ ﴾٢ ؛ ولأن يكون ﴿ اِنفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً ﴾٣ منسوخا بقوله :﴿ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ اَوِ اِنفِرُواْ جَمِيعًا ﴾٤ وبقوله :﴿ وَمَا كَانَ اَلْمُؤمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً ﴾٥ أولى لأن فرض الجهاد تقرر على الكفاية، فمتى سَدَّ الثغور بعضُ المسلمين أسقط الفرض عن الباقين )٦.
١ - التوبة: ٤١..
٢ - التوبة: ٣٩..
٣ - التوبة: ٤١..
٤ - النساء: ٧٠..
٥ - التوبة: ١٢٣..
٦ - الجامع لأحكام القرآن: ٥/٢٧٥. وإثره قال القرطبي معقبا: »والصحيح أن الآيتين جميعا محكمتان، إحداهما في الوقت الذي يحتاج فيه إلى تعيين الجميع، والأخرى عند الاكفتاء بطائفة دون غيرها«..
٤٣- قوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ لِمُومِنٍ اَنْ يَّقْتُلَ مُومِنًا إِلاَّ خَطَئًا وَمَن قَتَلَ مُومِنًا خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّومِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ اِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَّصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُومِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّومِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُومِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اَللَّهِ وَكَانَ اَللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ ( ٩٢ ).
٤٨- قوله تعالى :﴿ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ اِلَى أَهْلِهِ ﴾ : قال القرطبي :( قال مالك والأوزاعي١ والحسن بن حيّ٢ وأبو حينفة وأصحابه في الفارسين يصطدمان فيموتان : على كل واحد منهما دية الآخر على عاقلته. قال ابن خويز منداد. وكذلك عندنا السفينتان يصطدمان إذا لم يكن النوتيّ٣ صرف السفينة ولا الفارس صرف الفرس. وروي عن مالك في السفينتين والفارِسَيْن على كل واحد منهما الضمان لقيمة ما أتلف لصاحبه كاملا )٤.
١ - هو أبو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي إمام أهل الشام: لم يكن بالشام أعلم منه، سمع من الزهري وعطاء، وروى عنه الثوري، وأخذ عنه عبد الله بن المبارك وجماعة كبيرة (ت ١٥٧هـ). انظر عنه: وفيات الأعيان: ٣/١٢٧، وسير أعلام والنبلاء ٧/١٠٧، وشذرات الذهب: ١/٢٤١..
٢ - هو أبو عبد الله الهمداني: الحسن بن صالح الثوري الكوفي، الفقيه العابد، روى عن أبيه وسلمة بن كهيل وعبد الله بن دينار، وسماك بن حرب وعنه ابن المبارك، وأبو نعيم كان ثقة (ت ١٦٩هـ). انظر عنه: ميزان الاعتدال: ١/٤٩٦ – ٤٩٩، وسير أعلام النبلاء: ٧/٣٦١ – ٣٧١، وشذرات الذهب: ١/٢٦٢ – ٢٦٣. .
٣ - قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة/نوت: "النون والتاء ليس عندي أصلا. على أنهم يقولون نات ينوت وينيت: إذا تمايل من ضعف، فإن صح هذا فلعل النوتيَّ وهو الملاح منه"..
٤ - الجامع لأحكام القرآن: ٥/٣٢٦..
٤٤- قوله تعالى :﴿ وَإِنِ اِمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا اَوِ اِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَّصَّلَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ اِلاَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اَللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ ( ١٢٨ ).
٤٩- قوله تعالى :﴿ وَإِنِ اِمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا اَوِ اِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَّصَّلَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ﴾ : قال القرطبي :( وقد يجوز أن تصالح إحداهن صاحبتها عن يومها بشيء تعطيها كما فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن رسول صلى الله عليه وسلم كان غضب على صفية، فقالت لعائشة : أصلحي بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وهبت يومي لك. ذكره ابن خويز منداد في أحكامه عن عائشة قالت : وجد رسول صلى الله عليه وسلم على صفية في شيء فقالت لي صفية : هل لك أن ترضي رسول صلى الله عليه وسلم عني ولك يومي ؟ قالت : فلبست خمارا كان عندي مصبوغا بزعفران ونضحته ثم جئت فجلست إلى جنب رسول صلى الله عليه وسلم فقال : " إليك عني فإنه ليس بيومك " فقلت : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وأخبرته الخبر، فرضي عنها١ ) ٢.
١ - أخرجه ابن ماجة في كتاب النكاح باب المرأة تهب يومها لصاحبتها: ١/٦٣٤ حديث رقم: ١٩٧٣..
٢ - الجامع لأحكام القرآن: ٥/٤٠٥. وفيه بعد هذا الكلام: "وفيه أن ترك التسوية بين النساء وتفضيل بعضهن على بعض لا يجوز إلا بإذن المفضولة ورضاها" ولم أستطع الترجيح بين أن تكون هذه الزيادة من كلام ابن خويز منداد أو من كلام القرطبي..
سورة النساء
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

تُعَدُّ سورةُ (النِّساء) إحدى السُّوَر الطِّوال التي مَن أخذها عدَّه الصحابةُ حَبْرًا، وقد دلَّ اسمُ السورة على مقصدِها الأعظم؛ وهو إيضاحُ كثير من الأحكام التي تتعلَّقُ بالمرأة، وقد أعْلَتْ هذه السورةُ من شأنِ المرأة في الإسلام وكرَّمتها، وأوضَحتْ ما لها وما عليها؛ لذلك كانت تُسمَّى بسورة (النِّساء الكبرى). وقد اشتمَلتْ أيضًا على آياتٍ أصَّلتْ لعلم الفرائض، الذي به يُعلَم تقسيمُ الميراث، وجاءت ببيانِ تشريع معاملات الأقرباء وحقوقِهم، وأوضَحتْ علاقةَ المسلمين بالكفار، متعرِّضةً لصفةِ صلاة الخوف، وما يَتبَع ذلك من أحكامٍ؛ فمَن أخَذها فقد أخذ علمًا وافرًا.

ترتيبها المصحفي
4
نوعها
مدنية
ألفاظها
3763
ترتيب نزولها
92
العد المدني الأول
175
العد المدني الأخير
175
العد البصري
175
العد الكوفي
176
العد الشامي
177

* قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُواْ فِي اْلْيَتَٰمَىٰ فَاْنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ اْلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ﴾ [النساء: 3]:

صحَّ عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ رجُلًا كانت له يتيمةٌ، فنكَحَها، وكان لها عَذْقٌ، وكان يُمسِكُها عليه، ولم يكُنْ لها مِن نفسِهِ شيءٌ؛ فنزَلتْ فيه: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُواْ فِي اْلْيَتَٰمَىٰ﴾، أحسَبُه قال: كانت شريكتَه في ذلك العَذْقِ، وفي مالِه». أخرجه البخاري (٤٥٧٣).

* قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اْللَّهُ فِيٓ أَوْلَٰدِكُمْۖ﴾ [النساء: 11]:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «عادَني النبيُّ ﷺ وأبو بكرٍ في بني سَلِمةَ ماشيَينِ، فوجَدَني النبيُّ ﷺ لا أعقِلُ شيئًا، فدعَا بماءٍ، فتوضَّأَ منه، ثم رَشَّ عليَّ، فأفَقْتُ، فقلتُ: ما تأمُرُني أن أصنَعَ في مالي يا رسولَ اللهِ؟ فنزَلتْ: ﴿يُوصِيكُمُ اْللَّهُ فِيٓ أَوْلَٰدِكُمْۖ﴾». أخرجه البخاري (٤٥٧٧).

* قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ اْلنِّسَآءَ كَرْهٗاۖ﴾ [النساء: 19]:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كانوا إذا ماتَ الرَّجُلُ كان أولياؤُه أحَقَّ بامرأتِه: إن شاءَ بعضُهم تزوَّجَها، وإن شاؤوا زوَّجوها، وإن شاؤوا لم يُزوِّجوها؛ فهم أحَقُّ بها مِن أهلِها؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ في ذلك». أخرجه البخاري (٦٩٤٨).

* قوله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ اْللَّهَ وَأَطِيعُواْ اْلرَّسُولَ وَأُوْلِي اْلْأَمْرِ مِنكُمْۖ﴾ [النساء: 59]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «نزَلتْ في عبدِ اللهِ بنِ حُذَافةَ بنِ قيسِ بنِ عَدِيٍّ إذ بعَثَه النبيُّ ﷺ في سَرِيَّةٍ». أخرجه البخاري (٤٥٨٤).

* قوله تعالى: ﴿فَلَا ‌وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: 65]:

عن عُرْوةَ بن الزُّبَيرِ، قال: «خاصَمَ الزُّبَيرُ رجُلًا مِن الأنصارِ في شَرِيجٍ مِن الحَرَّةِ، فقال النبيُّ ﷺ: «اسقِ يا زُبَيرُ، ثم أرسِلِ الماءَ إلى جارِك»، فقال الأنصاريُّ: يا رسولَ اللهِ، أَنْ كان ابنَ عَمَّتِكَ؟! فتلوَّنَ وجهُ رسولِ اللهِ ﷺ، ثم قال: «اسقِ يا زُبَيرُ، ثم احبِسِ الماءَ حتى يَرجِعَ إلى الجَدْرِ، ثم أرسِلِ الماءَ إلى جارِك»، واستوعى النبيُّ ﷺ للزُّبَيرِ حقَّه في صريحِ الحُكْمِ حين أحفَظَه الأنصاريُّ، كان أشارَ عليهما بأمرٍ لهما فيه سَعةٌ، قال الزُّبَيرُ: فما أحسَبُ هذه الآياتِ إلا نزَلتْ في ذلك: ﴿فَلَا ‌وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾». أخرجه البخاري (٤٥٨٥).

* قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى اْلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوٓاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ اْلصَّلَوٰةَ﴾ [النساء: 77]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ عبدَ الرحمنِ بنَ عوفٍ وأصحابًا له أتَوُا النبيَّ ﷺ بمكَّةَ، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّا كنَّا في عِزٍّ ونحن مشركون، فلمَّا آمَنَّا صِرْنا أذلَّةً، فقال: «إنِّي أُمِرْتُ بالعفوِ؛ فلا تُقاتِلوا»، فلمَّا حوَّلَنا اللهُ إلى المدينةِ، أمَرَنا بالقتالِ، فكَفُّوا؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى اْلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوٓاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ اْلصَّلَوٰةَ﴾». أخرجه النسائي (٣٠٨٦).

* قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىٰٓ إِلَيْكُمُ اْلسَّلَٰمَ لَسْتَ مُؤْمِنٗا﴾ [النساء: 94]:

عن عطاءٍ، عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رجُلٌ في غُنَيمةٍ له، فلَحِقَه المسلمون، فقال: السَّلامُ عليكم، فقتَلوه، وأخَذوا غُنَيمتَه؛ فأنزَلَ اللهُ في ذلك إلى قولِه: ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَا﴾ [النساء: 94]؛ تلك الغُنَيمةُ»، قال: «قرَأ ابنُ عباسٍ: السَّلَامَ». أخرجه البخاري (٤٥٩١).

* قوله تعالى: ﴿لَّا يَسْتَوِي اْلْقَٰعِدُونَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي اْلضَّرَرِ وَاْلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ﴾ [النساء: 95]:

عن البراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا نزَلتْ: ﴿لَّا يَسْتَوِي اْلْقَٰعِدُونَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وَاْلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ﴾، قال النبيُّ ﷺ: «ادعُ لي زيدًا، وَلْيَجِئْ باللَّوْحِ والدَّواةِ والكَتِفِ - أو الكَتِفِ والدَّواةِ -، ثم قال: «اكتُبْ ﴿لَّا يَسْتَوِي اْلْقَٰعِدُونَ﴾»، وخَلْفَ ظَهْرِ النبيِّ ﷺ عمرُو بنُ أمِّ مكتومٍ الأعمى، قال: يا رسولَ اللهِ، فما تأمُرُني؛ فإنِّي رجُلٌ ضريرُ البصَرِ؟ فنزَلتْ مكانَها: ﴿لَّا يَسْتَوِي اْلْقَٰعِدُونَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي اْلضَّرَرِ وَاْلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ﴾». أخرجه البخاري (٤٩٩٠).

* قوله تعالى: ﴿إِنَّ اْلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ اْلْمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمْ﴾ [النساء: 97]:

عن محمَّدِ بن عبدِ الرحمنِ أبي الأسوَدِ، قال: «قُطِعَ على أهلِ المدينةِ بَعْثٌ، فاكتُتِبْتُ فيه، فلَقِيتُ عِكْرمةَ مولَى ابنِ عباسٍ، فأخبَرْتُه، فنهاني عن ذلك أشَدَّ النَّهْيِ، ثم قال: أخبَرَني ابنُ عباسٍ: أنَّ ناسًا مِن المسلمين كانوا مع المشركين يُكثِّرون سوادَ المشركين على عهدِ رسولِ اللهِ ﷺ، يأتي السَّهْمُ فيُرمَى به فيُصِيبُ أحدَهم فيقتُلُه، أو يُضرَبُ فيُقتَلُ؛ فأنزَلَ اللهُ: {إِنَّ اْلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ اْلْمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمْ} الآيةَ». أخرجه البخاري (4596).

سُمِّيتْ سورةُ (النِّساء) أيضًا بسورة (النِّساء الكُبْرى)، أو (الطُّولى):

للحديثِ الوارد عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ سُورةُ النِّساءِ القُصْرى بعد الطُّولى». أخرجه البخاري (٤٥٣٢).

وسورةُ (النِّساء الصُّغْرى أو القُصْرى) هي سورةُ (الطَّلاق).

وإنما سُمِّيتْ سورة (النِّساء) بسورة (النِّساء الكُبْرى)؛ لكثرةِ ما فيها من أحكامٍ تتعلق بالنِّساء.

* أنَّ رسولَ الله ﷺ بكى لسماعها:

فقد صحَّ عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه أنَّه قال: «قالَ لي النبيُّ ﷺ: «اقرَأْ عَلَيَّ»، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، آقرَأُ عليك وعليك أُنزِلَ؟! قال: «نَعم»، فقرَأْتُ سورةَ النِّساءِ حتى أتَيْتُ إلى هذه الآيةِ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٖ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا﴾ [النساء: 41]، قال: «حَسْبُك الآنَ»، فالتفَتُّ إليه فإذا عَيْناهُ تَذرِفانِ». أخرجه البخاري (5055).

* مَن أخَذ سورةَ (النِّساءِ) عُدَّ حَبْرًا:

فعن عائشةَ رضي الله عنها، عن رسولِ اللهِ ﷺ، قال: «مَن أخَذَ السَّبْعَ الأُولَ مِن القرآنِ، فهو حَبْرٌ». أخرجه أحمد (24575).

ثبَتتْ قراءتُه ﷺ لسورةِ (النِّساء) في قيامِه بالليل:

جاء عن حُذَيفةَ بن اليمانِ رضي الله عنهما أنه قال: «صلَّيْتُ مع النبيِّ ﷺ ذاتَ ليلةٍ، فافتتَحَ البقرةَ، فقلتُ: يَركَعُ عند المائةِ، ثم مضى، فقلتُ: يُصلِّي بها في ركعةٍ، فمضى، فقلتُ: يَركَعُ بها، ثم افتتَحَ النِّساءَ فقرَأها، ثم افتتَحَ آلَ عِمْرانَ فقرَأها، يَقرأُ مُترسِّلًا». أخرجه مسلم (772).

اشتَملتِ السُّورةُ على عِدَّةِ موضوعات، جاءت على الترتيبِ الآتي:

أصل البشرية، وخالقها واحد؛ فلا عدوانَ على المال والنسل (١-١٨).

تكريم المرأة وحقها كزوجة (١٩-٢٨).

استقلال المرأة بنفسها ومالها (١٩-٢١).

المُحرَّمات من النساء (٢٢-٢٤).

نكاح الإماء (٢٥).

تعقيب وموعظة (٢٦-٢٨).

حُرْمة الأموال، والقوامة المالية في الأسرة (٢٩-٤٣).

دور اليهود التخريبي، أمر الله يقوم على العدل (٤٤-٥٨).

أساس الدِّين، وطاعة الله والرسول (٥٩-٧٠).

قتال أعداء الحقِّ ضروريٌّ لتحرير المستضعَفِين وحماية الحق (٧١-٩٤).

علاقة الهجرة بالتحرير والقتال (٩٥-١٠٤).

حُكْمُ الله عدلٌ مطلق، وجزاؤه حقٌّ وعدل (١٠٥-١٣٥).

وَلاية الكافرين نفاق (١٣٦-١٤٩).

انحرافات أهل الكتاب الاعتقادية والسلوكية (١٥٠-١٦٢).

الوحيُ لتحرير الناس لم ينقطع من بداية البشرية إلى البعثة (١٦٣-١٧٠).

الغلوُّ عند أهل الكتاب أخرَجهم من الإيمان (١٧١-١٧٣).

القرآن دليلٌ قاطع، وحُجَّةٌ واضحة (١٧٤-١٧٦).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (2 /40).

يدور محورُ هذه السُّورةِ حول بيانِ تشريع معاملات الأقرباء وحقوقهم، وأحكام المعاملات بين جماعة المسلمين في الأموال والدِّماء، وأحكامِ القتل عمدًا وخطأً، وتأصيلِ الحُكْمِ الشرعي بين المسلمين في الحقوق، والدفاعِ عن المعتدَى عليه، والتحذيرِ من اتِّباع الهوى، والأمرِ بالبِرِّ، والمواساة، وأداء الأمانات، والتمهيدِ لتحريم شُرْبِ الخمر. ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (4 /213).