تفسير سورة النساء

مجاز القرآن

تفسير سورة سورة النساء من كتاب مجاز القرآن
لمؤلفه أبو عبيدة . المتوفي سنة 210 هـ

﴿ وَاتَّقَوا اللهَ الَّذِي ﴾ تَسَاءَلُونَ بِهِ وَاْلأَرْحَامَ } : اتّقوا الله والأرحامَ نصب، ومن جرها فإنما يجرها بالباء.
﴿ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ : حافظاً، وقال أبو دُؤاد الإيادِيّ :
كمَقاعِد الرُّقباءِ للضُّرباء أيديهم نَواهِدْ
الضريب الذي يضرب بالقِدَاح ؛ نهدت أيديهم أي مدّوها.
﴿ إنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً ﴾ أي إثماً، قال أُميَّة بن الأسْكر اللَّيْثيّ :
وإنَّ مُهاجرَينِ تكنَّفاه غداةَ إذٍ لقد خَطئا وحابا
وقال الهذليّ :
ولا تُخْنوا عليّ ولا تَشطُّوا بقول الفَخْر إنَّ الفخر حُوبُ
﴿ وإنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا ﴾ وَإنْ أيقنتم ألاَّ تَعْدِلوا.
﴿ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى ﴾ أي ثنتين، ولا تنوين فيها، قال ابن عَنَمة الضَّبي :
يباعون بالبُعْرَان مَثْنَى ومَوْحِدا ***
وقال الشاعر :
ولكنما أهلي بوادٍ أَنيسُه ***ذِئابٌ تَبَغَّي الناس مَثْنَى ومَوْحِدا
قال النحويون : لا ينوّن ﴿ مَثْنَى ﴾ لأنه مصروف عن حدّه، والحدّ أن يقولوا : اثنين ؛ وكذلك ثُلاثُ ورُباعُ لا تنوين فيهما، لأنه ثَلاثٌ وأربعٌ في قول النحويين، قال صَخْر بن عمرو بن الشّرِيد السُلَمِيّ :
ولقد قتلتكم ثُناءَ ومَوْحداً وتركتُ مُرّةَ مثلَ أَمسِ المُدْيرِ
فأخرج اثنين على مخرج ثُلاث، قال صَخْر الغَيّ الهذلي :
منَتْ لَك أن تُلاقيَني المَنَايا أُحادَ أحادَ في شهْرٍ حلالِ
منَتْ لك، تقول : قدّرت لك، والمنايا : الأقدار، يقال : منت تَمْنِى له مَنْياً ؛ فأخرج الواحد مخرج ثُناء وثُلاث، ولا تجاوز العرب رُباع، غير أن الكمُيْتَ بن زيد الأسَديّ قال :
فلم يَسترِيثوكَ حتى رَمي تَ فوقَ الرِّجال خِصالاً عُشارا
فجعل عشار على مخرج ثلاث ورُباع.
﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ ألاَّ تَعْدِلُوا ﴾ : مجازه : أيقنتم، قالت ليلَى بنت الحِماس :
قلتُ لكم خافوا بألف فارسِ مُقَنَّعِينَ في الحديد اليابسِ
أي أيقنوا. قال : لم أسمع هذا من أبي عبيدة.
﴿ ذَلِكَ أدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا ﴾ أي أقرب ألا تجوروا، تقول : عُلتَ عليّ أي جُرت عليّ.
﴿ وَءَاتُوا النِّسَاءَ صَدُقاتِهنَّ نِحْلَةً ﴾ أي مهورهن عن طيب نفس بالفريضة بذلك.
﴿ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً ﴾ : مصدرُ يقيمكم، ويجئ في الكلام في معنى قوام فيكسر، وإنما هو مِن الذي يقيمك، وإنما أذهبوا الواو لكسرة القاف، وتَرَكها بعضهم كما قالوا : ضِياءً للناس وضِواءً للناس.
﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى ﴾ أي اختبِرُوهم. ﴿ إِسْرَافاً ﴾ الإسراف : الإفراط.
﴿ وبِدَاراً ﴾ أي مبادرة قبل أن يُدْرَك فيؤنَس منه الرُّشد فيأخذ منك.
﴿ فَلْيأكُلْ بِالْمَعْرُوف ﴾ أي لا يتأثَّلْ مالاً، التأثل : اتخاذ أصل مالٍ، والأَثلة : الأصل، قال الأعشى :
ألستَ مُنْتهياً عن نَحْت أثْلَتِنَا ولستَ ضائِرَها ما أطَّتِ الإِبلُ
مجد مؤثَّل : قديم له أصل.
﴿ نَصِيباً مَفْرُوضاً ﴾ : نصب على الخروج من الوصف
﴿ قَوْلاً سَدِيداً ﴾ أي قصداً.
﴿ فَإنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ ﴾ أي أخوان فصاعداً، لأن العرب تجعل لفظ الجميع على معنى الإثنين، قال الراعى :
أخُلَيْد إنَّ أباكِ ضافَ وِسادَهُ هَمَّانِ باتا جَنْبةً ودَخيلا
طَرَقا فتلك هَما هِمى أقريهما قُلُصاً لوَاقح كالقِسيِّ وَحُولا
فجعل الإثنين في لفظ الجميع وجعل الجميع في لفظ الاثنين.
﴿ أقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً ﴾ أدْنَى نفعاً لكم.
﴿ فَلَهُنَّ الثُّمنُ ﴾، ﴿ والرُّبعُ ﴾ والمعنى واحد.
﴿ كَلاَلَةً ﴾ : كل من لم يرثه أب أو ابن أو أخ فهو عند العرب كلالة.
﴿ يُورَثُ كلالةً ﴾ : مصدرٌ مِنَ تَكلَّلَهُ النسبُ، أي تعطّف النسب عليه، ومن قال :﴿ يُورثُ كلالة ﴾ فهم الرجال الورثة، أي يعطف النسب عليه.
﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ ﴾ : فرائض الله.
﴿ وَاللاِتى يَأتِينَ الفَاحِشَةَ ﴾ : واحدها التي، وبعض العرب يقول : اللواتي وبعضهم يقول : اللاتي، قال الراجز :
مِن اللّوَاتي والّتِي واللاَّتي زعمن أني كبرتْ لِدَاتي
أي أسناني وقال الأخطل :
مِن اللّواتي إذا لانت عَرِيكتُها يَبقَى لها بعدَه آلٌ ومَجْلودُ
آلها : شخصها، ومجلودها جلدها، وقال عمر بن أبي ربيعة :
﴿ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ : أفعلنا مِن العَتاد، ومعناها : أعددنا لهم ؛ و﴿ أَلِيماً ﴾ مؤلمِاً.
وَعَاشِرُوهُنّ بِالْمَعْرُوفِ } أي خالقوهنَّ.
﴿ بُهْتَاناً ﴾ أي : ظُلْماً.
﴿ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إلَى بَعْضٍ ﴾ : المُجَامعة.
﴿ مِيثَاقاً ﴾ : المِيثاق، مِفْعال من الوثيقة بيمين، أو عهد، أو غير ذلك، إذا استوثقت.
﴿ وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ : نهاهم أن ينكحوا نساء آبائهم، ولم يُحِلَّ لهم ما سلف، أي ما مضى، ولكنه يقول : إلاَّ ما فعلتم.
﴿ إنَّه كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾ أي بئس طريقةً ومَسْلَكا، ومن كان يتزوج امرأة أبيه فوُلد له منها، يقال له : مَقْتِيّ، ومقْتَوِىٌ من قَتَوْتُ، وهذا من مَقَت ؛ " كان الأشْعَث بن قيس منهم، تزوج قيس بن مَعْدِي كَرِب امرأة أبيه، فولدت له الأشْعَثَ، وكان أبو عمرو بن أمَيَّة خلف على العامرية امرأةِ أبيه فولدت له أبا مُعيط ".
﴿ وَرَبَائِبُكُُ الَّلاتيِ فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُم ﴾ بنات المرأة من غيره. ربيبة الرجل : بنت امرأته، ويقال لها : المربوبة، وهي بمنزلة قتيلة ومقتولة.
﴿ فِي حُجُورِكُمْ ﴾ في بيوتكم، ويقال : إن عائشة كتبت إلى حَفْصة : إن ابن أبي طالب بعث ربِيبَه ربيبَ السَّوء، تعنى محمد بن أبي بكرٍ، وكانت أمه أسماء بنت عُمَيْس، عند علي بن أبي طالب ؛ ويقال للزوج أيضاً : هو ربيب ابن امرأته، وهو رابٌّ له، فخرجت مخرج عليم في موضع عالم.
﴿ وَحَلاَئِلُ أبْنَائِكُمْ ﴾ حليلة الرجل : امرأتُهُ.
﴿ وَالْمُحْصَنَاتُ ﴾ : ذوات الأزواج، والحاصن : العفيفة، قال العجاج :
مِنَ اللاتي لم يَحْجُجنَ يَبِغين حِسْبةً ولكن لِيَقْتُلْنَ البَرِئَ المغَفَّلاَ
وحاصنٍ مِنْ حَاصناتٍ مُلْسِ من الأذَى ومن قِرَافِ الوَقْسِ
أي الجَرَب.
﴿ كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ ﴾ أي : كتَبَ اللهُ ذاك عليكم، والعرب تفعل مثل هذا إذا كان في موضع " فعَل " أو " يفعل "، نصبوه.
عن أبي عمرو بن العلاء، قال كَعْب بن زهير :
تَسْعَى الوُشَاةُ جَنَابَيْهَا وَقِيَلهُمُ إنّك يَا بْنَ أَبي سُلْمَي لَمَقْتُولُ
قال : سمعت أَبا عمرو بن العَلاء يقول : معناها : ويقولون، وكذا كل شيء من هذا المنصوب كان في موضع " فعل " أو " يفعل "، كقولك : صَبراً ومهلاً وحِلاًّ، أي : اصبرْ، وامهلْ، وتحلَّلْ.
﴿ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ﴾ : ما سوى ذلك.
﴿ مُسَافِحِينَ ﴾ : المُسَافح، الزاني، ومصدره : السِّفاح.
﴿ ولاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ﴾ : لا إثم عليكم، ولا تَبِعة.
﴿ طَوْلاً ﴾، الطول : السَّعَة والفضل، تقول للرجل : ما لك علي فضلٌ ولا طَوْلٌ.
﴿ فَتَيَاتكُم ﴾ إماءِكم، وكذلك العبيد، يقال للعبد : فتى فلانٍ.
﴿ وَاءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾، أي : مهورهنَّ.
﴿ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ﴾ من عقوبة الحدّ.
﴿ العَنَتَ ﴾ كل ضررٍ، تقول : أَعنتنِى.
﴿ سُنَنُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ أي سبل الذين من قبلكم.
﴿ يُرِيدُ اللهَ أَنْ يُخَفِّفَ عنْكُمْ ﴾ إيجاب.
﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ أي لا تُهِلكوها.
﴿ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِىَ ﴾ أي أولياء ورثة، المولى ابن العم، والمولى الحليف وهو العقيد والمنعم عليه، والمولى الأسفل، والمولى الوليّ ؛ " اللّهمّ مَنْ كنتُ مَوْلاَه " ؛ والمولى، المُنعم على المُعتق، وقال الشاعر :
ومَوْلىً كداءِ البطن لو كان قادراً على المَوْت أَفنى الموتُ أهلي وماليا
يعني ابن العم، وقال الفَضْل بن عبّاس :
مَهْلاً بنى عمّنا مَهْلاً موالينا لا تُظهرُنَّ لنا ما كان مَدْفونا
وقال ابن الَّطيْفان من بني عبد الله بن دارم والطَّيْفان أمُّه :
ومَوْلىً كَمَولى الزِّبِرْقَان أدّملتهُ كما اندملتْ ساقٌ يُهَاضُ بها كَسْرُ
ادّملته : أصلحته واحتملت ما جاء منه.
﴿ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ عاقده، حالفه.
﴿ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ ﴾ أي لا تُعلِّلوا عليهن بالذنوب.
﴿ نُشُوزَهُنَّ ﴾ النشوز : بعض الزوج.
﴿ وَإنْ خِفْتُمْ ﴾ : أيقنتم.
﴿ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا ﴾ أي تباعد.
﴿ وَبِالْوَالِديْنِ إحْسَاناً ﴾ : مختصر، تفعل العرب ذلك، فكان في التمثيل : واستوصُوا بالوالدين إحساناً.
﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبىَ ﴾ القريب، ﴿ وَالْجَارِ الْجُنُبِ ﴾ الغريب، يقال : ما تأتينا إلا عن جنابة، أي من بعيد، قال عَلْقَمة بن عَبْدة :
فلا تَحرِمني نائلاً عن جنابَةٍ فإني امرُؤٌ وَسْطَ القِبابِ غَرِيبُ
وإنما هي من الاجتناب، وقال الأعشى :
أتَيْتُ حُرَيثاً زائراً عن جنابةٍ فكان حُرَيثٌ عن عَطائِيَ جامدا
﴿ والصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ ﴾ أي : يصاحبك في سفرك، ويلزَمُك، فينزل إلى جنبك :﴿ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾ : الغريب.
﴿ مُخْتَالاً ﴾ : المختال، ذو الْخُيَلاء والخال، وهما واحد، ويجىء مصدراً، قال العجَّاج :
والخالُ ثوبٌ مِنْ ثِيَابِ الْجُهَّالْ ***
وقال العَبدِيّ :
فَإنْ كنتَ سَيِّدَنَا سُدْتَنَا وإن كنتَ لِلخالِ فاذهبْ فخَلْ
أي : اختل.
﴿ فَسَاءَ قَرِيناً ﴾ أي : فساء الشيطان قريناً، على هذا نصبهُ.
﴿ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُم اللهُ ﴾ أي أعطَوا في وجوه الخير.
﴿ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾ أي زِنَةَ ذرة.
﴿ يُضاعِفْها ﴾ أضعافاً، ويضعِّفها ضعيفَين.
﴿ لَوْ تُسَوَّى بِهِمْ اْلأَرْضُ ﴾ : لو يُدخَلون فيها حتى تَعْلوهم.
﴿ وَلاَ جُنُباً إلاَّ عَابِرِي سَبيلٍ ﴾ معناه في هذا الموضع : لا تقربوا المُصلّى جنباً إلاّ عابر سبيلٍ يقطعه، ولا يقعد فيه ﴿ والمصلّى ﴾ مختصر.
﴿ أوْ عَلَى سَفَرٍ ﴾ : أو في سفر، وتقول : أنا على سفر، في معنى آخر : تقول : أنا متهىّءٌ له.
﴿ أوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنُكُمْ مِنَ الغَائِطِ ﴾ : كناية عن حاجة ذي البطن، والغائط : الفَيْح من الأرض المتصوِّبُ وهو أعظم من الوادي.
﴿ أوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ ﴾ : اللماس النكاح : لمستم، ولامستم أكثر.
﴿ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ﴾ أي فتعمدوا ذاك، والصعيدُ : وجه الأرض.
﴿ نَصِيباً مِنَ الكِتَابِ ﴾ : طرفاً وحظاً.
﴿ مِنَ الذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِه ﴾ هادوا في هذا الموضع : اليهود، والكلم : جماعة كلمة، يحرّفون : يُقلِّبُون ويغيّرون.
﴿ مِنْ قَبْلِ أنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً ﴾ أي نسوّيها حتى تعود كأقفائهم، ويقال : الريح طمَست آثارنا أي محتها، وطَمَس الكتاب : محاه، ويقال : طُمِست عينُه.
﴿ افْتَرَى إثْماً عَظِيما ﴾ أي تخلَّقه.
﴿ ألَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ ﴾ ليس هذا رأى عين، هذا تنبيه في معنى : ألم تعرف.
﴿ فتِيلا ﴾، الفتيل الذي في شقِّ النَّواة.
﴿ انْظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ ﴾ : مِثل ﴿ ألم تر إلى الذين ﴾.
﴿ بالجبْتِ وَالطَّاغُوتِ ﴾ كلُّ معبود من حَجر أو مَدَرٍ أو صورة أو شيطان فهو جِبْت وطاغوت.
﴿ أهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا ﴾ : أقوم طريقةً.
﴿ نَقِيراً ﴾ النُّقرة في ظهر النواة.
﴿ أمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ ﴾ معناها : أيحسدون الناس.
﴿ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً ﴾ أي وقوداً.
﴿ نُصْلِيهِم نَاراً ﴾ : نَشْوِيهم بالنار ونُنضِجهم بها، يقال : أتانا بحمَل مَصْلىّ مَشْوِيّ، وذكروا أن يهودية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاةً مَصْلِيةً، أي مشوية.
﴿ وَأُوِلي الأمْر مِنْكُمْ ﴾ أي ذوي الأمر، والدليل على ذلك أن واحدها " ذو ".
﴿ فَإنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شيْءِ ﴾ أي اختلفتم.
﴿ فَرُدُّوهُ إِلى اللهِ ﴾ أي حُكمُه إلى الله فالله أعلم.
﴿ شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾ أي اختلط.
﴿ لاَ يَجِدُوا فِي أنْفُسِهِمْ حَرَجاً ﴾ أي ضيقاً.
﴿ وَلَو أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ ﴾ معناه : قضينا عليهم.
﴿ مَا فَعَلُوهُ إلا قَلِيلٌ مَنْهُمْ ﴾ ما فعلوه : استثناء قليل من كثير، فكأنه قال : ما فعلوه، فاستثنى الكلام، ثم قال : إلا أنه يفعل قليل منهم. ومنهم من زعم : أن ﴿ ما فعلوه ﴾ في موضع : ما فعله إلاَّ قليل منهم، وقال عمرو بن مَعْدي كَربِ :
وكل أخٍ مُفارِقهُ أخوه لعَمر أبيك إلاَّ الفَرْقَدانِ
فشُبّه رفع هذا برفع الأول، وقال بعضهم : لا يشبهه لأن الفعل منهما جميعاً.
﴿ مَا يُوعَظونَ بِهِ ﴾ : ما يُؤمَرون به.
﴿ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً ﴾ : من الإثبات، منها : اللَّهم ثبِّتنا على مِلّة رسولك.
﴿ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ﴾ أي رفقاء، والعرب تلفظ بلفظ الواحد والمعنى يقع على الجميع، قال العباس بن مِرْداسٍ :
فقُلنا أَسلمِوا إنَّا أخوكم فقد بَرِئَتْ مِن الإحَنِ الصدورٌ
وفي القرآن :﴿ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ﴾ والمعنى أطفالا.
﴿ فانْفِرُوا ثُبَاتٍ ﴾ : واحدتها ثُبَة، ومعناها : جماعات في تفرقة ؛ وقال زُهَيْر بن أبي سُلْمَى :
وقد أغدو على ثُبَةٍ كرام نَشَاوى واجدين لمِا نشاء
وتصديق ذلك ﴿ أو انْفِرُوا جَمِيعاً ﴾، وقد تجمع ثُبَة : ثُبِينَ، قال عمرو بن كلْثُوم :
فأمَّا يَوْم خَشيتِنا عليهم فتُصِبح خيلُنا عُقَبَا ثِبينَا
﴿ لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا القِتَالَ ﴾ معناها : لِمَ فرضته علينا.
﴿ لَوْلاَ أَخَّرْتَنَا إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ﴾ معناها : هلاّ أخرتنا.
﴿ بُرُوج ﴾ : البُرْج : الحِصْن.
﴿ مُشيَّدَةٍ ﴾ : مطوّلة والمشيد المزّيَّن، الشِّيد : الجِصّ والصَّاروج، والبروج : القصور.
﴿ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهم حَفِيظاً ﴾ أي مُحاسِبا.
﴿ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الّذِي تَقُولُ ﴾ أي قدروا ذلك ليلاً، قال عُبَيدة بن هَمَّام أحد بني العَدَوية :
أتَوْني فلم أرضَ ما بيّتوا وكانوا أتَوْني بشيءٍ نُكُرْ
لأُنكِحَ أَيِّمَهُم مُنِذراً وهل يُنكِحُ العبد حُرٌّ لِحُرْ
بيّتوا أي قدّروا بليل، وقال النَّمِر بن تَوْلَب :
هبَّتْ لتعذُلَني من الليل أسمعي سَفَهاً تَبَيّتُكِ المَلاَمةَ فَاهْجَعي
كل شيء قُدّر بليل فهو تبيّتٌ.
﴿ أَذَاعُوا بِهِ ﴾ : أَفشَوه، معناها : أذاعوه، وقال أبو الأَسْوَد :
أَذَاعَ بهِ في النَّاس حتى كأنه بعَلْياءَ نارٌ أوقدتْ بِثُقُوبِ
يقال : أثقِبْ نارك، أي أوقدِها حتى تُضئ.
﴿ الّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ ﴾ : يستخرجونه، يقال للرَّكية إذا استُخرجتْ هي نَبَطٌ إذا أَمهاها يعنى استخرج ماءها.
﴿ وحَرِّض المُؤْمِنِينَ ﴾ أي حَضّض.
﴿ عَسَى اللهُ ﴾ هي إيجاب من الله، وهي في القرآن كلَّها واجبة، فجاءت على إحدى لغتى العرب، لأن عسى في كلامهم رجاءٌ ويقين، قال ابن مُقْبِل :
ظَنّي بهم كعَسَى وهم بتَنُوفَةٍ يتنازعون جَوائزَ الأمثالِ
أي ظني بهم يقينٌ.
﴿ يَكنْ لهُ كِفْلٌ مِنْهَا ﴾ أي نصيب، ويقال : جاءنا فلان متكفلا حماراً، أي متخذا عليه كساءً يُديره يُشبِّهه بالسَّرج يقعد عليه.
﴿ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً ﴾ أي حافظاً محيطاً، قال اليهوديّ في غير هذا المعنى :
ليت شِعْرِي وأَشعرنَّ إذا ما قَرّبوها مَطويةً ودُعَيتُ
أَليّ الفضلُ أم عليّ إذا حوسب ت إني على الحِساب مُقِيتُ
أي هو موقوف عليه.
﴿ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً ﴾ أي كافياً مقتدِراً، يقال : أَحسَبني هذا أي كفاني.
﴿ واللهُ أَرْكَسَهُمُ ﴾ أي نكَّسهم وردّهم فيه.
﴿ إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إلَى قَوْم بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ ﴾، يقول : فإذا كانوا من أولئك القوم الذين بينكم وبينهم ميثاق فلا تقتلوهم.
﴿ أَوْ جَاءوكُمْ حَصْرِتْ صُدُورُهُمْ ﴾ من الضيق، وهي من الحصور، وقد قال الأعْشى :
إذا اتصلتْ قالت أَبكْرَ بن وائلٍ وَبكرٌ سَبَتْها والأنُوفُ رَواغِمُ
أخذه من وَصَل، أي انتسب.
﴿ وَأَلْقَوْا إلَيْكُمْ السَّلَمَ ﴾ أي المقادة، يقول : استسلموا.
﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إلاَّ خَطئاً ﴾، هذا كلام تستثنى العربُ الشيء من الشيء وليس منه على اختصار وضمير، وليس لمؤمن أن يقتل مؤمناً على حالٍ إلاَّ أن يقتله مُخطئاً، فإن قتله خطئا فعليه ما قال الله في القرآن، وفي القرآن :﴿ الّذيِنَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ اْلإِثْم وَالْفَوَاحِشَ إلاَّ اللَّمَمَ ﴾ : واللَّمَم ليس من الكبائر، وهو في التمثيل : إلا أن يُلِمُّوا من غير الكبائر والفواحش، قال جرير :
من البِيض لم تَظْعَن بعيداً ولم تطأ على الأرض إلا ذَيل مِرْطٍ مُرَحَّلِ
المُرَحَّل : بُرْد في حاشيته خطوط، فكأنه قال : لم تطأ على الأرض إلا أن تطأ ذيلَ البُرْد، وليس هو من الأرض، ومثله في قول بعضهم :
وَبَلْدةٍ لَيْسَ بها أَنيسُ إلاَّ اليَعافيرُ وإلاَّ العِيسُ
يقول : إلاَّ أن يكون بها. وقال أبو خِراش الهذليّ :
أَمْسَى سُقامُ خلاءً لا أَنيسَ به إلا السِّباع ومَرّ الريح بالغَرَف
سقام : وادٍ لهذيل ؛ الغَرفُ : شجرٌ تُعمَل منه الغرابيل، وكان أبو عمرو الهذلي يرفع ذلك.
﴿ غَيْرُ أُولِى الضَّرَرِ ﴾ : مصدر، ويقال ضرير بين الضرر.
﴿ وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي اْلأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وسَعَة ﴾ : المُراغَم والمُهاجَر واحد، تقول : راغمتُ وهاجرتُ قومي، وهي المذاهب، قال النابغة الجعْديّ :
كطَوْدٍ يُلاذُ بِأَرْكَانِهِ عَزيز المرُاغَم والمَهْرَبِ
﴿ فَقَدْ وَقَعَ أجْرُه عَلَى اللهِ ﴾ : ثوابه وجب.
﴿ أنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ ﴾ أي تَنقُصُوا منها.
﴿ فإِذَا اطْمَئْنَنْتُمْ ﴾ من السفر أو الخوف.
﴿ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ ﴾ أي أَتمّوها.
﴿ كِتَاباً مَوْقُوتاً ﴾ أي مُوَقّتاً وقَّته الله عليهم.
﴿ تَأْلَمُونَ ﴾ توجعون، قال أبو قَيس بن الأسْلَتْ :
﴿ وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أوْ إثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً ﴾ : وقع اللفظ على الإثم فذكَّره، هذا في لغة من خبّر عن آخر الكلمتين.
﴿ لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُم إلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ ﴾ فالنجوى فعل والأمر بالصدقة ليس مِن نجواهم التي لا خير فيها. إلا أن يكونوا يأمرون بصدقة أو معروف، والنَّجوَى : فِعل، ومَن : اسمٌ، قال النابغة :
لا نَأْلَم الْحَرب ونَجزِى بها الْ أعْداءَ كَيْلَ الصّاعِ بالصّاعِ
وقد خِفْتُ حتى ما تزيدُ مخَافتي على وَعَلٍ فِي ذِي القِفارة عاقِلِ
والمخافة : فعل، والوَعل اسم ؛ وفي آية أخرى :﴿ ليس البِرّ أنْ تُولوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ وَلكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ ﴾ فالبرّ ها هنا مصدر، و " مَن " في هذا الموضع اسم.
﴿ إنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إلاَّ إنَاثاً ﴾ إلا المَوَاتَ ؛ حجراً أو مَدَراً أو ما أشبه ذلك.
﴿ شَيْطَاناً مَريداً ﴾ أي متمرداً.
﴿ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ اْلأَنْعَام ﴾ بَتكهُ : قطَعه.
﴿ مَحِيصاً ﴾، حاص عنه : عدَل عنه.
﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً ﴾ أو ﴿ قولا ﴾ واحد.
﴿ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ المَيْل ﴾ أي لا تجوروا.
﴿ وَإنْ تَلْوُوا أو تُعْرِضُوا ﴾ : كلَّ شيء لويته مِن حق أو غيره.
﴿ مَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْم الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلا بَعِيداً ﴾ والكفر بملائكته : انهم جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً.
﴿ فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعاً ﴾ أي العزة جميعاً لله.
﴿ حَتَّى ﴾ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيرِهِ } يأخذوا في حديث غيره.
﴿ أَلَمْ نَسْتَحْوِذُ عَلَيْكُمْ ﴾ : نغلب عليكم ﴿ اسْتحْوَذَ عَلِيْهم الشَّيْطَانُ ﴾ : غلب عليهم، قال العجاج :
يُحُوذُهُنَّ ولهُ حُوذِىّ كما يحُوذ الفِئةَ الكَمِىُّ
أي يغلب عليها، يحوذهن : مثل يحوزهن، أي يجمعهن.
﴿ فِي الدَّرَكِ الأسْفَلِ ﴾ : جهنم أدراكُ أي منَازل وأطباق، ويقال للحبل الذي قد عجز عن ﴿ بلوغ ﴾ الركية : أعطنى دَرَكَا أصل به.
﴿ لاَ يُحِبُّ اللهُ الجَهْرَ بالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إلاَّ مَنْ ظُلِم ﴾ :﴿ مَنْ ﴾ في هذا الموضع اسم مَن فَعَل.
﴿ أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً ﴾ : علانية.
﴿ الُّطورَ ﴾ : الجبل.
﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ ﴾ : فبنقضهم.
﴿ طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ أي ختم
﴿ لَكِن الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم مِنْهُمْ وَالُمؤْمنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالمُقِيميِنَ الصَّلاَةَ وَالمؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالمُؤْمِنُونَ بِاللهِ ﴾ : العرب تخرج من الرفع إلى النصب إذا كثُرَ الكلام، ثم تعود بعدُ إلى الرفع. قالت خِرْنق :
﴿ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ ﴾ : نصبٌ على ضمير جواب ﴿ يكن خيراً لكم ﴾، وكذلك كل أمر ونهى، وإذا كانت آية قبلها وأنْ تفعلوا، ألف ﴿ أن ﴾ مفتوحة فما بعدها رفع لأنه خبر ﴿ أن ﴾، ﴿ وأنْ تَصَدَّقوا خَيْرٌ لَكُمْ ﴾.
وما مرَّ بك من أسماء الأنبياء لم تحسن فيه الألف واللام فإنه لا ينصرف، وما كان في آخره ﴿ ى ﴾ فإنه لا ينون نحو عِيسَى ومُوسَى.
﴿ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ﴾ من الغلوّ والاعتداء، كل شيء زاد حتى يجاوز الحدّ من نبات أو عظم أو شباب، يقال في غُلَوَائها وغُلَواء الشباب، قال الحارث بن خالد المخْزُومي :
لا يَبْعَدَنْ قَوْمِي الذين هُمُ سمُّ العُداةِ وآفة الجُزْرُ
النازلين بكل مُعْتَرِكٍ والطيّبون معَاقِدَ الأزْرِ
خُمْصانةٌ قَلِقٌ موشَّحُها رُؤْدُ الشبابِ غَلاَبها عَظْمُ
﴿ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ﴾ قوله كُنْ، فكان.
﴿ وَرُوح مِنْهُ ﴾ أحياه الله فجعله روحاً.
﴿ وَلاَ تَقُولوُا ثَلاَثَةٌ ﴾ أي لا تقولوا : هم ثلاثة.
﴿ لَنْ يَسْتَنْكِفَ المَسِيحُ ﴾ لن يأنف ويستكبر ويتعظم.
﴿ فَأَمَّا الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلوا الصَّالَحِاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ﴾ الألف مفتوحة وكذلك كل شيء في القرآن إذا كان تمامُ كلامه بالفاء، وإذا كان تخييراً فألف ﴿ إما ﴾ مكسورة كقوله :﴿ إمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإمَّا أنْ تَتَّخِذَ ﴾، وإذا كان في موضع ﴿ إن ﴾ فكذلك الألف مكسورة ؛ من ذلك ﴿ فَإِمَّا تَرَيَنَّ مِنَ البَشَر أحَداً ﴾.
﴿ بُرْهَانٌ ﴾ : بيان وحجة سواء.
سورة النساء
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

تُعَدُّ سورةُ (النِّساء) إحدى السُّوَر الطِّوال التي مَن أخذها عدَّه الصحابةُ حَبْرًا، وقد دلَّ اسمُ السورة على مقصدِها الأعظم؛ وهو إيضاحُ كثير من الأحكام التي تتعلَّقُ بالمرأة، وقد أعْلَتْ هذه السورةُ من شأنِ المرأة في الإسلام وكرَّمتها، وأوضَحتْ ما لها وما عليها؛ لذلك كانت تُسمَّى بسورة (النِّساء الكبرى). وقد اشتمَلتْ أيضًا على آياتٍ أصَّلتْ لعلم الفرائض، الذي به يُعلَم تقسيمُ الميراث، وجاءت ببيانِ تشريع معاملات الأقرباء وحقوقِهم، وأوضَحتْ علاقةَ المسلمين بالكفار، متعرِّضةً لصفةِ صلاة الخوف، وما يَتبَع ذلك من أحكامٍ؛ فمَن أخَذها فقد أخذ علمًا وافرًا.

ترتيبها المصحفي
4
نوعها
مدنية
ألفاظها
3763
ترتيب نزولها
92
العد المدني الأول
175
العد المدني الأخير
175
العد البصري
175
العد الكوفي
176
العد الشامي
177

* قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُواْ فِي اْلْيَتَٰمَىٰ فَاْنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ اْلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ﴾ [النساء: 3]:

صحَّ عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ رجُلًا كانت له يتيمةٌ، فنكَحَها، وكان لها عَذْقٌ، وكان يُمسِكُها عليه، ولم يكُنْ لها مِن نفسِهِ شيءٌ؛ فنزَلتْ فيه: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُواْ فِي اْلْيَتَٰمَىٰ﴾، أحسَبُه قال: كانت شريكتَه في ذلك العَذْقِ، وفي مالِه». أخرجه البخاري (٤٥٧٣).

* قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اْللَّهُ فِيٓ أَوْلَٰدِكُمْۖ﴾ [النساء: 11]:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «عادَني النبيُّ ﷺ وأبو بكرٍ في بني سَلِمةَ ماشيَينِ، فوجَدَني النبيُّ ﷺ لا أعقِلُ شيئًا، فدعَا بماءٍ، فتوضَّأَ منه، ثم رَشَّ عليَّ، فأفَقْتُ، فقلتُ: ما تأمُرُني أن أصنَعَ في مالي يا رسولَ اللهِ؟ فنزَلتْ: ﴿يُوصِيكُمُ اْللَّهُ فِيٓ أَوْلَٰدِكُمْۖ﴾». أخرجه البخاري (٤٥٧٧).

* قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ اْلنِّسَآءَ كَرْهٗاۖ﴾ [النساء: 19]:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كانوا إذا ماتَ الرَّجُلُ كان أولياؤُه أحَقَّ بامرأتِه: إن شاءَ بعضُهم تزوَّجَها، وإن شاؤوا زوَّجوها، وإن شاؤوا لم يُزوِّجوها؛ فهم أحَقُّ بها مِن أهلِها؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ في ذلك». أخرجه البخاري (٦٩٤٨).

* قوله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ اْللَّهَ وَأَطِيعُواْ اْلرَّسُولَ وَأُوْلِي اْلْأَمْرِ مِنكُمْۖ﴾ [النساء: 59]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «نزَلتْ في عبدِ اللهِ بنِ حُذَافةَ بنِ قيسِ بنِ عَدِيٍّ إذ بعَثَه النبيُّ ﷺ في سَرِيَّةٍ». أخرجه البخاري (٤٥٨٤).

* قوله تعالى: ﴿فَلَا ‌وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: 65]:

عن عُرْوةَ بن الزُّبَيرِ، قال: «خاصَمَ الزُّبَيرُ رجُلًا مِن الأنصارِ في شَرِيجٍ مِن الحَرَّةِ، فقال النبيُّ ﷺ: «اسقِ يا زُبَيرُ، ثم أرسِلِ الماءَ إلى جارِك»، فقال الأنصاريُّ: يا رسولَ اللهِ، أَنْ كان ابنَ عَمَّتِكَ؟! فتلوَّنَ وجهُ رسولِ اللهِ ﷺ، ثم قال: «اسقِ يا زُبَيرُ، ثم احبِسِ الماءَ حتى يَرجِعَ إلى الجَدْرِ، ثم أرسِلِ الماءَ إلى جارِك»، واستوعى النبيُّ ﷺ للزُّبَيرِ حقَّه في صريحِ الحُكْمِ حين أحفَظَه الأنصاريُّ، كان أشارَ عليهما بأمرٍ لهما فيه سَعةٌ، قال الزُّبَيرُ: فما أحسَبُ هذه الآياتِ إلا نزَلتْ في ذلك: ﴿فَلَا ‌وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾». أخرجه البخاري (٤٥٨٥).

* قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى اْلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوٓاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ اْلصَّلَوٰةَ﴾ [النساء: 77]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ عبدَ الرحمنِ بنَ عوفٍ وأصحابًا له أتَوُا النبيَّ ﷺ بمكَّةَ، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّا كنَّا في عِزٍّ ونحن مشركون، فلمَّا آمَنَّا صِرْنا أذلَّةً، فقال: «إنِّي أُمِرْتُ بالعفوِ؛ فلا تُقاتِلوا»، فلمَّا حوَّلَنا اللهُ إلى المدينةِ، أمَرَنا بالقتالِ، فكَفُّوا؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى اْلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوٓاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ اْلصَّلَوٰةَ﴾». أخرجه النسائي (٣٠٨٦).

* قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىٰٓ إِلَيْكُمُ اْلسَّلَٰمَ لَسْتَ مُؤْمِنٗا﴾ [النساء: 94]:

عن عطاءٍ، عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رجُلٌ في غُنَيمةٍ له، فلَحِقَه المسلمون، فقال: السَّلامُ عليكم، فقتَلوه، وأخَذوا غُنَيمتَه؛ فأنزَلَ اللهُ في ذلك إلى قولِه: ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَا﴾ [النساء: 94]؛ تلك الغُنَيمةُ»، قال: «قرَأ ابنُ عباسٍ: السَّلَامَ». أخرجه البخاري (٤٥٩١).

* قوله تعالى: ﴿لَّا يَسْتَوِي اْلْقَٰعِدُونَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي اْلضَّرَرِ وَاْلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ﴾ [النساء: 95]:

عن البراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا نزَلتْ: ﴿لَّا يَسْتَوِي اْلْقَٰعِدُونَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وَاْلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ﴾، قال النبيُّ ﷺ: «ادعُ لي زيدًا، وَلْيَجِئْ باللَّوْحِ والدَّواةِ والكَتِفِ - أو الكَتِفِ والدَّواةِ -، ثم قال: «اكتُبْ ﴿لَّا يَسْتَوِي اْلْقَٰعِدُونَ﴾»، وخَلْفَ ظَهْرِ النبيِّ ﷺ عمرُو بنُ أمِّ مكتومٍ الأعمى، قال: يا رسولَ اللهِ، فما تأمُرُني؛ فإنِّي رجُلٌ ضريرُ البصَرِ؟ فنزَلتْ مكانَها: ﴿لَّا يَسْتَوِي اْلْقَٰعِدُونَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي اْلضَّرَرِ وَاْلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ﴾». أخرجه البخاري (٤٩٩٠).

* قوله تعالى: ﴿إِنَّ اْلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ اْلْمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمْ﴾ [النساء: 97]:

عن محمَّدِ بن عبدِ الرحمنِ أبي الأسوَدِ، قال: «قُطِعَ على أهلِ المدينةِ بَعْثٌ، فاكتُتِبْتُ فيه، فلَقِيتُ عِكْرمةَ مولَى ابنِ عباسٍ، فأخبَرْتُه، فنهاني عن ذلك أشَدَّ النَّهْيِ، ثم قال: أخبَرَني ابنُ عباسٍ: أنَّ ناسًا مِن المسلمين كانوا مع المشركين يُكثِّرون سوادَ المشركين على عهدِ رسولِ اللهِ ﷺ، يأتي السَّهْمُ فيُرمَى به فيُصِيبُ أحدَهم فيقتُلُه، أو يُضرَبُ فيُقتَلُ؛ فأنزَلَ اللهُ: {إِنَّ اْلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ اْلْمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمْ} الآيةَ». أخرجه البخاري (4596).

سُمِّيتْ سورةُ (النِّساء) أيضًا بسورة (النِّساء الكُبْرى)، أو (الطُّولى):

للحديثِ الوارد عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ سُورةُ النِّساءِ القُصْرى بعد الطُّولى». أخرجه البخاري (٤٥٣٢).

وسورةُ (النِّساء الصُّغْرى أو القُصْرى) هي سورةُ (الطَّلاق).

وإنما سُمِّيتْ سورة (النِّساء) بسورة (النِّساء الكُبْرى)؛ لكثرةِ ما فيها من أحكامٍ تتعلق بالنِّساء.

* أنَّ رسولَ الله ﷺ بكى لسماعها:

فقد صحَّ عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه أنَّه قال: «قالَ لي النبيُّ ﷺ: «اقرَأْ عَلَيَّ»، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، آقرَأُ عليك وعليك أُنزِلَ؟! قال: «نَعم»، فقرَأْتُ سورةَ النِّساءِ حتى أتَيْتُ إلى هذه الآيةِ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٖ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا﴾ [النساء: 41]، قال: «حَسْبُك الآنَ»، فالتفَتُّ إليه فإذا عَيْناهُ تَذرِفانِ». أخرجه البخاري (5055).

* مَن أخَذ سورةَ (النِّساءِ) عُدَّ حَبْرًا:

فعن عائشةَ رضي الله عنها، عن رسولِ اللهِ ﷺ، قال: «مَن أخَذَ السَّبْعَ الأُولَ مِن القرآنِ، فهو حَبْرٌ». أخرجه أحمد (24575).

ثبَتتْ قراءتُه ﷺ لسورةِ (النِّساء) في قيامِه بالليل:

جاء عن حُذَيفةَ بن اليمانِ رضي الله عنهما أنه قال: «صلَّيْتُ مع النبيِّ ﷺ ذاتَ ليلةٍ، فافتتَحَ البقرةَ، فقلتُ: يَركَعُ عند المائةِ، ثم مضى، فقلتُ: يُصلِّي بها في ركعةٍ، فمضى، فقلتُ: يَركَعُ بها، ثم افتتَحَ النِّساءَ فقرَأها، ثم افتتَحَ آلَ عِمْرانَ فقرَأها، يَقرأُ مُترسِّلًا». أخرجه مسلم (772).

اشتَملتِ السُّورةُ على عِدَّةِ موضوعات، جاءت على الترتيبِ الآتي:

أصل البشرية، وخالقها واحد؛ فلا عدوانَ على المال والنسل (١-١٨).

تكريم المرأة وحقها كزوجة (١٩-٢٨).

استقلال المرأة بنفسها ومالها (١٩-٢١).

المُحرَّمات من النساء (٢٢-٢٤).

نكاح الإماء (٢٥).

تعقيب وموعظة (٢٦-٢٨).

حُرْمة الأموال، والقوامة المالية في الأسرة (٢٩-٤٣).

دور اليهود التخريبي، أمر الله يقوم على العدل (٤٤-٥٨).

أساس الدِّين، وطاعة الله والرسول (٥٩-٧٠).

قتال أعداء الحقِّ ضروريٌّ لتحرير المستضعَفِين وحماية الحق (٧١-٩٤).

علاقة الهجرة بالتحرير والقتال (٩٥-١٠٤).

حُكْمُ الله عدلٌ مطلق، وجزاؤه حقٌّ وعدل (١٠٥-١٣٥).

وَلاية الكافرين نفاق (١٣٦-١٤٩).

انحرافات أهل الكتاب الاعتقادية والسلوكية (١٥٠-١٦٢).

الوحيُ لتحرير الناس لم ينقطع من بداية البشرية إلى البعثة (١٦٣-١٧٠).

الغلوُّ عند أهل الكتاب أخرَجهم من الإيمان (١٧١-١٧٣).

القرآن دليلٌ قاطع، وحُجَّةٌ واضحة (١٧٤-١٧٦).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (2 /40).

يدور محورُ هذه السُّورةِ حول بيانِ تشريع معاملات الأقرباء وحقوقهم، وأحكام المعاملات بين جماعة المسلمين في الأموال والدِّماء، وأحكامِ القتل عمدًا وخطأً، وتأصيلِ الحُكْمِ الشرعي بين المسلمين في الحقوق، والدفاعِ عن المعتدَى عليه، والتحذيرِ من اتِّباع الهوى، والأمرِ بالبِرِّ، والمواساة، وأداء الأمانات، والتمهيدِ لتحريم شُرْبِ الخمر. ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (4 /213).