تفسير سورة النساء

كتاب نزهة القلوب

تفسير سورة سورة النساء من كتاب كتاب نزهة القلوب
لمؤلفه أبى بكر السجستاني .

﴿ وَٱلأَرْحَامَ ﴾ القرابات واحدتها رحم، والرحم في غير هذا ما يشتمل على ماء الرجل من المرأة ويكون منه الحمل.
﴿ حُوباً كَبِيراً ﴾: أي إثما كبيرا، ومعناه إثما عظيما. الحوب بالضم: الإسم، وبالفتح: المصدر.
﴿ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ ﴾: ثنتين ثنتين، وثلاثا ثلاثا، وأربعا أربعا.﴿ تَعُولُواْ ﴾ تجوروا وتميلوا، وأما قول من قال: ﴿ أَلاَّ تَعُولُواْ ﴾ أن لا يكثر عيالكم، فغير معروف في اللغة. وقال بعض العلماء: إنما أراد أن لا يكثر عيالكم، أي أن لا تنفقوا على عيال، وليس ينفق على عيال حتى يكون ذا عيال، فكأنه أراد: ذلك أدنى ألا تكونوا ممن يعول قوما: قال أبو عمر: وأخبرنا ثعلب عن علي بن صالح صاحب المصلى عن الكسائي قال: من العرب من يقول: عال يعول إذا كثر عياله: وأخبرنا أبو عمرو بن الطوسي عن اللحياني مثله.
﴿ صَدُقَٰتِهِنَّ ﴾ أي مهورهن، واحدتها صدقة ﴿ نِحْلَةً ﴾ أي هبة، يعني أن المهور هبة من الله تعالى للنساء وفريضة عليك. ويقال نحلة: أي ديانة، يقال: ما نحلتك أي ما دينك.
﴿ وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ﴾ يعني النساء والصبيان. انظر ١٤٢ من البقرة.﴿ قِيَٰماً ﴾ أي قواما. انظر ١٩١ من آل عمران.
﴿ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً ﴾ أي علمتم ووجدتم. آنست نارا: أبصرتها. والإيناس: الرؤية والعلم والإحساس بالشيء.﴿ بِدَاراً ﴾: أي مبادرة.
﴿ سَدِيداً ﴾: أي قصدا.
﴿ سَعِيراً ﴾: أي إيقادا. وسعيرا أيضا: اسم من أسماء جهنم.
﴿ كَلَٰلَةً ﴾: هو أن يموت الرجل ولا ولد له ولا والد. وقيل: هي مصدر من تكلله النسب أي أحاط به، ومنه سمي الإكليل لإحاطته بالرأس. والأب والإبن طرفان للرجل، فإذا مات ولم يخلفهما فقد مات عن ذهاب طرفيه، فسمي ذهاب الطرفين كلالة، وكأنها اسم للمصيبة في تكلل النسب، مأخوذ منه، يجري مجرى الشجاعة والسماحة. واختصاره أن الكلالة من تكلله النسب: أي أطاف به، والولد والوالد خارجان من ذلك لأنهما طرفان للرجل.
﴿ تَعْضُلُوهُنَّ ﴾ أي تمنعوهن من التزوج، وأصله من عضلت المرأة إذا نشب ولدها في بطنها وعسر ولادته، ويقال عضل فلان أيمه إذا منعها من التزوج.﴿ عَاشِرُوهُنَّ ﴾ أي صاحبوهن.
﴿ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ﴾ أنهى إليه فلم يكن بينهما حاجز، وهو كناية عن الجماع.
﴿ سَلَفَ ﴾: مضى.﴿ مَقْتاً ﴾: بغضا، وقوله عن اسمه ﴿ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً ﴾ أي كان فاحشة عند الله ومقتا في تسميتكم، كانت العرب إذا تزوج الرجل امرأة أبيه فأولدها يقولون للولد مَقتى.
﴿ رَبَائِبُكُمُ ﴾: بنات نسائكم من غيركم، الواحدة ربيبة ﴿ حَلَٰئِلُ ﴾: جمع حليلة، وحليلة الرجل امرأته، وإنما قيل لامرأة الرجل حليلته، وللرجل حليلها، لأنه يحل معها وتحل معه، ويقال حليلة بمعنى محلة، لأنها تحل له ويحل لها، قال أبو عمر: ومنه قول عنترة: وحليل غانية تركتُ مجدَّلا   
﴿ أُجُورَهُنَّ ﴾: أي مهورهن.
(محصنات): ذوات الأزواج، والمحصَنات والمحصنات جميعا: الحرائر وإن لم يكن متزوجات، والمحصنات والمحصنات أيضا العفائف ﴿ طَوْلاً ﴾ أي سعة وفضلا ﴿ فَتَيَٰتِكُمُ ﴾ أي إمائكم ﴿ مُسَٰفِحَٰتٍ ﴾ أي زوانٍ ﴿ أَخْدَانٍ ﴾ أصدقاء واحدهم خدن وخدين ﴿ أُحْصِنَّ ﴾: تزوجن، أحصن: زوجن ﴿ ٱلْعَنَتَ ﴾ أي الهلاك، وأصله المشقة والصعوبة، من قولهم أكمة عنوت، إذا كانت صعبة المسلك. حدثني أبو عبدالله قال حدثني أبو عمر عن الهدهد عن المبرد أنه قال: العنت عند العرب: تكليف غير الطاقة. وقوله عز وجل﴿ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ ﴾[البقرة: ٢٢٠] أي لأهلككم. ويجوز أن يكون المعنى: لشدد عليكم وتعبدكم بما يصعب عليكم أداؤه كما فعل بمن كان قبلكم. وقوله:﴿ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ﴾[التوبة: ١٢٨] أي ما هلكتم: أي وعزيز: تشديد يغلب صبره يقال: عزه يعزه عزا، إذا غلبه. ومنه قولهم: من عزيز، أي من غلب سلب.
(نشوز): بغض المرأة للزوج أو الزوج للمرأة، يقال: نشزت عليه: أي ارتفعت عليه، ونشز فلان أي قعد على نشز ونشَز من الأرض: أي مكان مرتفع، وقوله تعالى: ﴿ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ﴾ أي معصيتهن وتعاليهن عما أوجب الله عليهن من مطاوعة الأزواج.
﴿ ٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ ﴾: أي ذي القرابة، والجار الجنب: أي الغريب. والصاحب بالجنب: أي الرفيق في السفر، وابن السبيل: الضيف.(جنب): غريب. وجنب: بعيد، وجنب الذي أصابته جنابة، يقال جنب الرجل واجتنب وتجنب، من الجنابة.(مختال) أي ذو خيلاء.
﴿ مِثْقَالَ ﴾ أي زنة نملة صغيرة.
﴿ ٱلْغَآئِطِ ﴾ المطمئن من الأرض، وكانوا إذا أرادوا قضاء الحاجة أتوا غائطا، فكنى عن الحدث بالغائط (لمستم) ولامستم النساء: كناية عن الجماع.﴿ صَعِيداً طَيِّباً ﴾ أي ترابا نظيفا، والصعيد وجه الأرض.﴿ غَفُوراً ﴾ أي ساترا على عباده ذنوبهم، ومنه المغفر، لأنه يغطي الرأس؛ وغفرت المتاع في الوعاء، إذا جعلته فيه لأنه يغطيه ويستره.
﴿ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ ﴾ يقلبونه ويغيرونه.
﴿ نَّطْمِسَ وُجُوهاً ﴾ أي نمحو ما فيها من عين وأنف ﴿ فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَآ ﴾ أي نصيرها كأقفائها، والقفا: هو دبر الوجه.
﴿ فَتِيلاً ﴾: يعني القشرة التي في بطن النواة.
(جبت) كل معبود سوى الله، قال أبو عمر: سمعت المبرد يقول: الجبت: التاء فيه مبدلة من السين، وهو الكافر المعاند، ويقال: الجبت: السحر.
﴿ نُصْلِيهِمْ نَاراً ﴾ أي نشويهم بالنار.
﴿ شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾ أي اختلط بينهم.
﴿ ثُبَاتٍ ﴾: أي جماعات في تفرقة، أي حلقة حلقة، كل جماعة منها ثبة.
﴿ بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ﴾: حصون مطولة، واحدها برج، وبروج السماء: منازل الشمس والقمر، وهي اثنا عشر برجا.﴿ يَفْقَهُونَ ﴾: يفهمون، يقال: فقهت الكلام إذا فهمته حق فهمه، وبهذا سمي الفقيه فقيها.
﴿ مَّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ﴾: أي ما أصابك من نعمة فمن الله فضلا منه عليك ورحمة، وما أصابك من سيئة أي من أمر يسوءك، فمن نفسك، أي من ذنب أذنبته فعوقبت.
﴿ بَيَّتَ ﴾: قدر بليل، يقال: بيّت فلان رأيه إذا فكر فيه ليلا، ومنه قوله:﴿ فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً ﴾[الأعراف: ٤] أي: ليلا، وكذلك بيتهم العدو.
﴿ أَذَاعُواْ بِهِ ﴾ أفشوه ﴿ يَسْتَنْبِطُونَهُ ﴾ أي يستخرجونه.
﴿ كِفْلٌ مِّنْهَا ﴾ أي نصيب منها، و (كفلين) أي نصيبين من رحمته ﴿ مُّقِيتاً ﴾ أي مقتدرا، قال الشاعر: وذي ضغن كففت النفس عنه   وكنت على مساءته مقيتاأي مقتدرا. وقيل: مقيتا أي مقدرا لأقوات العباد. والمقيت: الشاهد الحافظ للشيء. والمقيت: الموقوف على الشيء قال الشاعر:_@_ليت شعري وأشعرن إذا ما _@_ قربوه منشورة ودعيت_@_ ألى الفضل أم على إذا حو _@_ سبت إني على الحساب مقيت_@_أي إني على الحساب موقوف.
﴿ حَسِيباً ﴾ فيه أربعة أقوال: كافيا. وعالما، ومقتدرا، ومحاسبا.
﴿ أَرْكَسَهُمْ ﴾ نكسهم وردهم في كفرهم.
﴿ ثَقِفْتُمُوهُمْ ﴾ أي ظفرتم بهم.(سلم) بفتح اللام: استلام وانقياد. والسلم: السلف أيضا. والسلم: شجر أيضا، واحدتها سلمة. والسلم والسلم بتسكين اللام وفتح السين وكسرها: الإسلام والصلح أيضا. والسلم أيضا الذلو العظيمة.
﴿ مَغَانِمُ ﴾: جمع مغنم، والمغنم والغنيمة والغنم: ما أصبت من أموال المحاربين.
(ضرر): أي زمانة ومرض.
﴿ غَفُوراً ﴾ أي ساترا على عباده ذنوبهم.
﴿ مُرَٰغَماً ﴾ أي مهاجَرا.
﴿ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾: أي سرتم فيها.
﴿ مَّوْقُوتاً ﴾ أي موقتا.
﴿ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ ﴾ أي يجدون ألم الجراح ووجعها مثل ما تجدون.
﴿ إِنَٰثاً ﴾ في قوله: ﴿ إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَٰثاً ﴾ أي مواتا، مثل اللات والعزى ومناة وأشباهها من الآلهة المؤنثة، ويقرأ: أُثنا: جمع وثن، فقلبت الواو همزة كما قيل في أقتت: وقتت. ويقرأ: أُنثا جمع إناث.﴿ مَّرِيداً ﴾: ماردا: أي عاتيا، ومعناه أنه قد عري من الخير وظهر شره، من قولهم: شجرة مرداء إذا سقط ورقها فظهرت عيدانها، ومنه غلام أمرد، إذا لم يكن في وجهه شعر.
﴿ مَحِيصاً ﴾ أي معدلا: أي ملجأ.
﴿ قِيلاً ﴾ وقولا: واحد.
﴿ نَقِيراً ﴾ النقير: النقرة التي في ظهر النواة.
(خليل): أي صديق، وهو فعيل من الخلة، وهي الصداقة والمودة.
(واسع) أي جواد يسع لما يسأل. ويقال الواسع: المحيط بعلم كل شيء، كما قال:﴿ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾[طه: ٩٨].
﴿ ثَوَابَ ﴾: أجر على العمل.
(منافق): مأخوذ من النفق وهو السرب: أي يستتر بالإسلام كما يستتر الرجل في السرب. ويقال هو من قولهم: نافق اليربوع ونفق، إذا دخل نافقاءه، فإذا طلب من النافقاء خرج من القاصعاء، وإذا طلب من القاصعاء خرج من النافقاء. والنافقاء والقاصعاء والراهطاء والدامياء: أسماء جحر اليربوع.
﴿ ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ ﴾: النار دركات أي طبقات بعضها فوق بعض. وقال ابن مسعود: الدرك الأسفل: توابيت من حديد مبهمة عليهم، يعني أنها لا أبواب لها.
﴿ جَهْرَةً ﴾ أي علانية.
﴿ طَبَعَ ﴾: ختم.
﴿ ٱلْمَسِيحَ ﴾ فيه ستة أقوال: قيل سمي عيسى عليه السلام المسيح لسياحته في الأرض، وأصله مسيح: مفعل، فأسكنت الياء وحولت كسرتها إلى السين. وقيل: مسيح: فيعل من مسح الأرض، لأنه كان يمسحها أي يقطعها. وقيل سمي مسيحا لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن. وقيل سمي مسيحا لأنه كان أمسح الرجل: ليس لرجله إخمص، والاخمص: ما تجافى عن الأرض من باطن الرجل. وقيل سمي مسيحا لأنه كان لا يمسح عاهة إلا برئ. وقيل المسيح: الصديق.
﴿ زَبُوراً ﴾: بمعنى مفعول من زبرت الكتاب: أي كتبته.
﴿ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ ﴾: أي تجاوزوا الحد وترتفعوا عن الحق.﴿ رُوحٌ مِّنْهُ ﴾: يعني عيسى عليه السلام روح من الله، أحياه الله فجعل روحا. والروح الأمين: جبريل عليه السلام. وقوله تعالى:﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ﴾[الإسراء: ٨٥].
أي من علم ربي وأنتم لا تعلمونه. والروح فيما قال المفسرون: ملك عظيم من ملائكة الله عز وجل يقوم وحده فيكون صفا وتقوم الملائكة صفا، فذلك قوله عز وجل:﴿ يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً ﴾[النبأ: ٣٨].
﴿ يَسْتَنكِفَ ﴾ المعنى: يأنف.
سورة النساء
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

تُعَدُّ سورةُ (النِّساء) إحدى السُّوَر الطِّوال التي مَن أخذها عدَّه الصحابةُ حَبْرًا، وقد دلَّ اسمُ السورة على مقصدِها الأعظم؛ وهو إيضاحُ كثير من الأحكام التي تتعلَّقُ بالمرأة، وقد أعْلَتْ هذه السورةُ من شأنِ المرأة في الإسلام وكرَّمتها، وأوضَحتْ ما لها وما عليها؛ لذلك كانت تُسمَّى بسورة (النِّساء الكبرى). وقد اشتمَلتْ أيضًا على آياتٍ أصَّلتْ لعلم الفرائض، الذي به يُعلَم تقسيمُ الميراث، وجاءت ببيانِ تشريع معاملات الأقرباء وحقوقِهم، وأوضَحتْ علاقةَ المسلمين بالكفار، متعرِّضةً لصفةِ صلاة الخوف، وما يَتبَع ذلك من أحكامٍ؛ فمَن أخَذها فقد أخذ علمًا وافرًا.

ترتيبها المصحفي
4
نوعها
مدنية
ألفاظها
3763
ترتيب نزولها
92
العد المدني الأول
175
العد المدني الأخير
175
العد البصري
175
العد الكوفي
176
العد الشامي
177

* قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُواْ فِي اْلْيَتَٰمَىٰ فَاْنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ اْلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ﴾ [النساء: 3]:

صحَّ عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ رجُلًا كانت له يتيمةٌ، فنكَحَها، وكان لها عَذْقٌ، وكان يُمسِكُها عليه، ولم يكُنْ لها مِن نفسِهِ شيءٌ؛ فنزَلتْ فيه: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُواْ فِي اْلْيَتَٰمَىٰ﴾، أحسَبُه قال: كانت شريكتَه في ذلك العَذْقِ، وفي مالِه». أخرجه البخاري (٤٥٧٣).

* قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اْللَّهُ فِيٓ أَوْلَٰدِكُمْۖ﴾ [النساء: 11]:

عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «عادَني النبيُّ ﷺ وأبو بكرٍ في بني سَلِمةَ ماشيَينِ، فوجَدَني النبيُّ ﷺ لا أعقِلُ شيئًا، فدعَا بماءٍ، فتوضَّأَ منه، ثم رَشَّ عليَّ، فأفَقْتُ، فقلتُ: ما تأمُرُني أن أصنَعَ في مالي يا رسولَ اللهِ؟ فنزَلتْ: ﴿يُوصِيكُمُ اْللَّهُ فِيٓ أَوْلَٰدِكُمْۖ﴾». أخرجه البخاري (٤٥٧٧).

* قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ اْلنِّسَآءَ كَرْهٗاۖ﴾ [النساء: 19]:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كانوا إذا ماتَ الرَّجُلُ كان أولياؤُه أحَقَّ بامرأتِه: إن شاءَ بعضُهم تزوَّجَها، وإن شاؤوا زوَّجوها، وإن شاؤوا لم يُزوِّجوها؛ فهم أحَقُّ بها مِن أهلِها؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ في ذلك». أخرجه البخاري (٦٩٤٨).

* قوله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ اْللَّهَ وَأَطِيعُواْ اْلرَّسُولَ وَأُوْلِي اْلْأَمْرِ مِنكُمْۖ﴾ [النساء: 59]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «نزَلتْ في عبدِ اللهِ بنِ حُذَافةَ بنِ قيسِ بنِ عَدِيٍّ إذ بعَثَه النبيُّ ﷺ في سَرِيَّةٍ». أخرجه البخاري (٤٥٨٤).

* قوله تعالى: ﴿فَلَا ‌وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: 65]:

عن عُرْوةَ بن الزُّبَيرِ، قال: «خاصَمَ الزُّبَيرُ رجُلًا مِن الأنصارِ في شَرِيجٍ مِن الحَرَّةِ، فقال النبيُّ ﷺ: «اسقِ يا زُبَيرُ، ثم أرسِلِ الماءَ إلى جارِك»، فقال الأنصاريُّ: يا رسولَ اللهِ، أَنْ كان ابنَ عَمَّتِكَ؟! فتلوَّنَ وجهُ رسولِ اللهِ ﷺ، ثم قال: «اسقِ يا زُبَيرُ، ثم احبِسِ الماءَ حتى يَرجِعَ إلى الجَدْرِ، ثم أرسِلِ الماءَ إلى جارِك»، واستوعى النبيُّ ﷺ للزُّبَيرِ حقَّه في صريحِ الحُكْمِ حين أحفَظَه الأنصاريُّ، كان أشارَ عليهما بأمرٍ لهما فيه سَعةٌ، قال الزُّبَيرُ: فما أحسَبُ هذه الآياتِ إلا نزَلتْ في ذلك: ﴿فَلَا ‌وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾». أخرجه البخاري (٤٥٨٥).

* قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى اْلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوٓاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ اْلصَّلَوٰةَ﴾ [النساء: 77]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ عبدَ الرحمنِ بنَ عوفٍ وأصحابًا له أتَوُا النبيَّ ﷺ بمكَّةَ، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّا كنَّا في عِزٍّ ونحن مشركون، فلمَّا آمَنَّا صِرْنا أذلَّةً، فقال: «إنِّي أُمِرْتُ بالعفوِ؛ فلا تُقاتِلوا»، فلمَّا حوَّلَنا اللهُ إلى المدينةِ، أمَرَنا بالقتالِ، فكَفُّوا؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى اْلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوٓاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ اْلصَّلَوٰةَ﴾». أخرجه النسائي (٣٠٨٦).

* قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىٰٓ إِلَيْكُمُ اْلسَّلَٰمَ لَسْتَ مُؤْمِنٗا﴾ [النساء: 94]:

عن عطاءٍ، عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رجُلٌ في غُنَيمةٍ له، فلَحِقَه المسلمون، فقال: السَّلامُ عليكم، فقتَلوه، وأخَذوا غُنَيمتَه؛ فأنزَلَ اللهُ في ذلك إلى قولِه: ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَا﴾ [النساء: 94]؛ تلك الغُنَيمةُ»، قال: «قرَأ ابنُ عباسٍ: السَّلَامَ». أخرجه البخاري (٤٥٩١).

* قوله تعالى: ﴿لَّا يَسْتَوِي اْلْقَٰعِدُونَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي اْلضَّرَرِ وَاْلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ﴾ [النساء: 95]:

عن البراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا نزَلتْ: ﴿لَّا يَسْتَوِي اْلْقَٰعِدُونَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وَاْلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ﴾، قال النبيُّ ﷺ: «ادعُ لي زيدًا، وَلْيَجِئْ باللَّوْحِ والدَّواةِ والكَتِفِ - أو الكَتِفِ والدَّواةِ -، ثم قال: «اكتُبْ ﴿لَّا يَسْتَوِي اْلْقَٰعِدُونَ﴾»، وخَلْفَ ظَهْرِ النبيِّ ﷺ عمرُو بنُ أمِّ مكتومٍ الأعمى، قال: يا رسولَ اللهِ، فما تأمُرُني؛ فإنِّي رجُلٌ ضريرُ البصَرِ؟ فنزَلتْ مكانَها: ﴿لَّا يَسْتَوِي اْلْقَٰعِدُونَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي اْلضَّرَرِ وَاْلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ﴾». أخرجه البخاري (٤٩٩٠).

* قوله تعالى: ﴿إِنَّ اْلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ اْلْمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمْ﴾ [النساء: 97]:

عن محمَّدِ بن عبدِ الرحمنِ أبي الأسوَدِ، قال: «قُطِعَ على أهلِ المدينةِ بَعْثٌ، فاكتُتِبْتُ فيه، فلَقِيتُ عِكْرمةَ مولَى ابنِ عباسٍ، فأخبَرْتُه، فنهاني عن ذلك أشَدَّ النَّهْيِ، ثم قال: أخبَرَني ابنُ عباسٍ: أنَّ ناسًا مِن المسلمين كانوا مع المشركين يُكثِّرون سوادَ المشركين على عهدِ رسولِ اللهِ ﷺ، يأتي السَّهْمُ فيُرمَى به فيُصِيبُ أحدَهم فيقتُلُه، أو يُضرَبُ فيُقتَلُ؛ فأنزَلَ اللهُ: {إِنَّ اْلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ اْلْمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمْ} الآيةَ». أخرجه البخاري (4596).

سُمِّيتْ سورةُ (النِّساء) أيضًا بسورة (النِّساء الكُبْرى)، أو (الطُّولى):

للحديثِ الوارد عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ سُورةُ النِّساءِ القُصْرى بعد الطُّولى». أخرجه البخاري (٤٥٣٢).

وسورةُ (النِّساء الصُّغْرى أو القُصْرى) هي سورةُ (الطَّلاق).

وإنما سُمِّيتْ سورة (النِّساء) بسورة (النِّساء الكُبْرى)؛ لكثرةِ ما فيها من أحكامٍ تتعلق بالنِّساء.

* أنَّ رسولَ الله ﷺ بكى لسماعها:

فقد صحَّ عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه أنَّه قال: «قالَ لي النبيُّ ﷺ: «اقرَأْ عَلَيَّ»، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، آقرَأُ عليك وعليك أُنزِلَ؟! قال: «نَعم»، فقرَأْتُ سورةَ النِّساءِ حتى أتَيْتُ إلى هذه الآيةِ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٖ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا﴾ [النساء: 41]، قال: «حَسْبُك الآنَ»، فالتفَتُّ إليه فإذا عَيْناهُ تَذرِفانِ». أخرجه البخاري (5055).

* مَن أخَذ سورةَ (النِّساءِ) عُدَّ حَبْرًا:

فعن عائشةَ رضي الله عنها، عن رسولِ اللهِ ﷺ، قال: «مَن أخَذَ السَّبْعَ الأُولَ مِن القرآنِ، فهو حَبْرٌ». أخرجه أحمد (24575).

ثبَتتْ قراءتُه ﷺ لسورةِ (النِّساء) في قيامِه بالليل:

جاء عن حُذَيفةَ بن اليمانِ رضي الله عنهما أنه قال: «صلَّيْتُ مع النبيِّ ﷺ ذاتَ ليلةٍ، فافتتَحَ البقرةَ، فقلتُ: يَركَعُ عند المائةِ، ثم مضى، فقلتُ: يُصلِّي بها في ركعةٍ، فمضى، فقلتُ: يَركَعُ بها، ثم افتتَحَ النِّساءَ فقرَأها، ثم افتتَحَ آلَ عِمْرانَ فقرَأها، يَقرأُ مُترسِّلًا». أخرجه مسلم (772).

اشتَملتِ السُّورةُ على عِدَّةِ موضوعات، جاءت على الترتيبِ الآتي:

أصل البشرية، وخالقها واحد؛ فلا عدوانَ على المال والنسل (١-١٨).

تكريم المرأة وحقها كزوجة (١٩-٢٨).

استقلال المرأة بنفسها ومالها (١٩-٢١).

المُحرَّمات من النساء (٢٢-٢٤).

نكاح الإماء (٢٥).

تعقيب وموعظة (٢٦-٢٨).

حُرْمة الأموال، والقوامة المالية في الأسرة (٢٩-٤٣).

دور اليهود التخريبي، أمر الله يقوم على العدل (٤٤-٥٨).

أساس الدِّين، وطاعة الله والرسول (٥٩-٧٠).

قتال أعداء الحقِّ ضروريٌّ لتحرير المستضعَفِين وحماية الحق (٧١-٩٤).

علاقة الهجرة بالتحرير والقتال (٩٥-١٠٤).

حُكْمُ الله عدلٌ مطلق، وجزاؤه حقٌّ وعدل (١٠٥-١٣٥).

وَلاية الكافرين نفاق (١٣٦-١٤٩).

انحرافات أهل الكتاب الاعتقادية والسلوكية (١٥٠-١٦٢).

الوحيُ لتحرير الناس لم ينقطع من بداية البشرية إلى البعثة (١٦٣-١٧٠).

الغلوُّ عند أهل الكتاب أخرَجهم من الإيمان (١٧١-١٧٣).

القرآن دليلٌ قاطع، وحُجَّةٌ واضحة (١٧٤-١٧٦).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (2 /40).

يدور محورُ هذه السُّورةِ حول بيانِ تشريع معاملات الأقرباء وحقوقهم، وأحكام المعاملات بين جماعة المسلمين في الأموال والدِّماء، وأحكامِ القتل عمدًا وخطأً، وتأصيلِ الحُكْمِ الشرعي بين المسلمين في الحقوق، والدفاعِ عن المعتدَى عليه، والتحذيرِ من اتِّباع الهوى، والأمرِ بالبِرِّ، والمواساة، وأداء الأمانات، والتمهيدِ لتحريم شُرْبِ الخمر. ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (4 /213).