ﰡ
(فإن مهاجرين تكنفاهُ | غداة إذٍ لقد خطئنا وحَابَا) |
(ترى العثرات الزُّرْق تحت لَبَانِه | أُحاد ومثْنى أضعفتها كواهِله) |
(قتلنا به من بين مَثْنى وموحد | بأربعة منكم وآخر خامس) |
(فلم يَسْتَرِيَثُوكَ حتى رَمِدْ | ت فوق الرجال خِصالاً عشاراً) |
(ضربت خماس ضربة عبشمي | أدار سداس ألاَّ يستقيما) |
(بميزان قسط لا يَخيسُ شعيرةً | ووازن صِدْقٍ وزنهُ غير عائل) |
(متبدلاً تَبْدُو مَحاسنه | يَضَعُ الهناءَ مَواضِعَ النُّقبِ) |
ترى العثرات الزُّرْق تحت لَبَانِه | أُحاد ومثْنى أضعفتها كواهِله |
قتلنا به من بين مَثْنى وموحد | بأربعة منكم وآخر خامس |
فلم يَسْتَرِ يَثُوكَ حتى رَمِدْ | ت فوق الرجال خِصالاً عشاراً |
ضربت خماس ضربة عبشمى | أدار سداس ألاَّ يستقيما |
﴿ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ يعني في الإماء.
﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أَلاَّ يكثر مَنْ تعولون، وهو قول الشافعي.
والثاني : معناه ألاّ تضلوا، وهو قول ابن إسحاق، ورواه عن مجاهد.
والثالث : ألا تميلوا عن الحق وتجوروا وهو قول ابن عباس، وقتادة، وعكرمة.
وأصل العول الخروج عن الحد، ومنه عول الفرائض لخروجها عن حد السهام المسمّاة، وأنشد عكرمة بيتاً لأبي طالب :
بميزان قسط لا يَخيسُ شعيرةً | ووازن صِدْقٍ وزنهُ غير عائل |
وكتب عثمان بن عفان إلى أهل الكوفة في شيء عاتبوه فيه : إني لست بميزان قسطٍ لا أعول.
أحدهما : أنه متوجه إلى الأزواج، وهو قول الأكثرين.
والثاني : أنه متوجه إلى الأولياء، لأنهم كانوا يتملكون في الجاهلية صداق١ المرأة، فأمر الله بدفع صدقاتهن إليهن، وهو قول أبي صالح.
وأما النَّحلة فهي العطية من غير بدل، وسمي الدين نِحْلَةَ، لنه عطية من الله، وفي تسميه النّحْل بذلك قولان :
أحدهما : أنه سمي نحلاً لما يعطي من العسل.
والثاني : لأن الله تعالى نَحَلهُ عباده.
وفي المراد بالنَّحلة في الصداق أربعة تأويلات :
أحدها : يعني فريضة مُسَمَّاة، وهو قول قتادة، وابن جريج.
والثاني : أنه نحلة من الله عز وجل لهن بعد أن كان ملكاً للأولياء، وهو قول أبي صالحٍ.
والثالث : أنه نهى لِما كانوا عليه من خِطْبة الشغار، والنكاح بغير صداق، وهو قول سليمان بن جعفر بن أبي المعتمر.
والرابع : أنه أراد أن يطيبوا نفساً بدفعه، كما يطيبون نفساً بالنحل والهبة، وهو قول بعض المتأخرين.
﴿ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً ﴾ يعني الزوجات إن طبن نفساً عن شيء من صداقهن لأزواجهن في قول من جعله خطاباً للأزواج، ولأوليائهن في قول من جعله خطاباً للأولياء.
﴿ فَكُلُوهُ هُنِيئاً مَّرِيئاً ﴾ الهنيء ما أعقب نفعاً وشفاء، ومنه هنأ البعير للشفاء، قال الشاعر :
متبدلاً تَبْدُو مَحاسنه | يَضَعُ الهناءَ مَواضِعَ النُّقبِ٢ |
٢ - الشاعر هو دريد بن الصمة كما في اللسان مادة نقب، ومعنى النقب القطع المتفرقة من الجرب الواحدة نقبة..
﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ ﴾ يعني الحُلُم٢ في قول الجميع.
﴿ فَإِنْ ءَانَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً ﴾ فيه أربع تأويلات :
أحدها : أن الرشد العقل، وهو قول مجاهد، والشعبي.
والثاني : أنه العقل والصلاح في الدين، وهو قول السدي.
والثالث : أنه صلاح في٣ الدين وإصلاح في المال، وهو قول ابن عباس، والحسن، والشافعي.
والرابع : أنه الصلاح والعلم بما يصلحه، وهو قول ابن جريج.
﴿ فَادْفَعُواْ إِلَيْهِم أَمْوَالَهُمْ ﴾ يعني التي تحت أيديكم أيها الأولياء عليهم.
﴿ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وبِدَاراً أَن يَكْبَرُوا ﴾ يعني لا تأخذوها إسرافاً على غير ما أباح الله لكم، وأصل الإسراف تجاوز الحد المباح إلى ما ليس بمباح، فربما كان في الإفراط، وربما كان في التقصير، غير أنه إذا كان في الإفراط فاللغة المستعملة فيه أن يقال أسرف إسرافاً، وإذا كان في التقصير قيل سرف يسرف.
قوله تعالى :﴿ وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُوا ﴾ قال ابن عباس : وهو أن تأكل مال اليتيم تبادر أن يكبر، فيحول بينك وبين ماله.
﴿ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِف ﴾ يعني بماله عن مال اليتيم.
﴿ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه القرض يستقرض إذا احتاج ثم يرده إذا وجد، وهو قول عمر، وابن عباس، وجمهور التابعين.
والثاني : أنه يأكل ما يسد الجوعة، ويلبس ما يواري العورة، ولا قضاء، وهو قول الحسن، وإبراهيم، ومكحول، وقتادة.
روى شعبة عن قتادة أن عم ثابت بن رفاعة_ وثابت يومئذ يتيم في حجره، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله إن ابن أخي يتيم في حجري، فما يحل لي من ماله ؟ قال :" أَنْ تَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ غَيرِ أن تقِيَ مَالَكَ بِمَالِهِ وَلاَ تَتَّخِذْ مِنْ مَالِهِ وَقْراً " ٤.
والثالث : أن يأكل من ثمره، ويشرب من رِسْلِ ماشيته من غير تعرض لِمَا سوى ذلك من فضة أو ذهب، وهو قول أبي العالية، والشعبي.
روى القاسم بن محمد قال : جاء أعرابي إلى ابن عباس فقال : إن في حجري أيتاماً، وإن لهم إبلاً، فماذا يحل لي منها ؟ فقال : إن كنت تبغي ضالتها٥، وتهنأ جرباءَها، وتلوط حوضها، وتفرط عليها يوم وِرْدِهَا، فاشرب من ألبانها غير مُضِرِّ بنسل، ولا بأهل في الحلب.
والرابع : أن يأخذ إذا كان محتاجاً أجرةً معلومة على قدر خدمته، وهو قول عطاء.
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ليس لي مال ولي يتيم، فقال :" كُلْ مِنْ مَالِ يَتيمِكَ غَيرَ مُسْرِفٍ وَلاَ وَاقٍ مَالَكَ بِمَالِهِ " ٦.
﴿ فَإِذَا دَفَعْتُم إِلَيْهِم أَمْوَالَهُم فَأَشْهِدُوا عَلَيهِم ﴾ ليكون بيِّنةَ في دفع أموالهم إليهم.
﴿ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيباً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يعني شهيداً.
والثاني : كافياً من الشهود.
٢ - في ك: الحكم وهو تحريف..
٣ - في ق: في الدنيا..
٤ - ابن ماجة ومسند أحمد ٢/ ٢١٦..
٥ - إذا كنت تعني بهذه الإبل فتبحث عما يضل منها وتطلي الأجرب منها بالقطران وتصلح حوض الماء تشرب منه. وتفرط عليها: أي تسبق بها وتسرع إلى الماء كي توردها قبل غيرها، ومنه قوله عليه السلام: "أنا فرطكم على الحوض" أي سابقكم إليه..
٦ - أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد في المسند ٢/ ١٨٢، ٢١٥..
أحدها : أنها ثابتة الحكم. قال سعيد بن جبير : هما وليان، أحدهما يرث وهو الذي أمر أن يرزقهم أي يعطيهم، والآخر لا يرث وهو الذي أُمر أن يقول لهم قولاً معروفاً، وبإثبات حكمها قال ابن عباس ومجاهد والشعبي والحسن والزهري.
ورُوي عن عبيدة أنه وَليَ وصية فأمر بشاة فذبحت، وصنع طعاماً لأجل هذه الآية وقال : لولا هذه الآية لكان هذا من مالي.
والقول الثاني : أنها منسوخة بآية المواريث، وهذا قول قتادة، وسعيد بن المسيب، وأبي مالك، والفقهاء.
والثالث : أن المراد بها وصية الميت التي وصَّى بها أن تفرق فِيْمَنْ ذُكِرَ وفِيمَنْ حَضَرَ، وهو قول عائشة.
فيكون ثبوت حكمها على غير الوجه الأول.
واختلف مَنْ قال : بثبوت حكمها على الوجه الأول في الوارث إذا كان صغيراً هل يجب على وليه إخراجها من سهمه على قولين :
أحدهما : لا يجب، وهو قول ابن عباس، وسعيد، ويقول الولي لهم قولاً معروفاً.
والثاني : أنه حق واجب في أموال الصغار على الأولياء، وهو قول عبيدة، والحسن.
وفي قوله تعالى :﴿ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه خطاب١ للورثة وأوليائهم أن يقولوا لمن حضر من أولي القربى، واليتامى، والمساكين قولاً معروفاً عند إعطائهم المال، وهذا قول ابن عباس، وسعيد بن جبير.
والثاني : خطاب للآخرين أن يقولوا للدافعين من الورثة قولاً معروفاً، وهو الدعاء لهم بالرزق والغنى.
أحدها : أن معناه وليحذر الذين يحضرون مَّيتاً يوصي في ماله أن يأمروه بتفريق ماله وصية فيمن لا يرثه ولكن ليأمروه أن يبقى ماله لولده، كما لو كان١ هو الموصي لآثر أن يبقى ماله لولده، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، والسدي.
والثاني : أن معناه وليحذر الذين يحضرون الميت وهو يوصي أن ينهوه عن الوصية لأقربائه، وأن يأمره بإمساك ماله والتحفظ به لولده، وهم لو كانوا من أقرباء الموصى لآثروا أن يوصي لهم، وهو قول مقسم، وسليمان بن المعتمر.
والثالث : أن ذلك أمر من الله تعالى لِوُلاَةِ الأيتام، أن يلوهم بالإحسان إليهم في أنفسهم وأموالهم، كما يحبون أن يكون ولاة أولادهم الصغار من بعدهم في الإحسان إليهم لو ماتوا وتركوا أولادهم يتامى صغاراً، وهو مروي عن ابن عباس.
والرابع : أن من خشي على ذريته من بعده، وأحب أن يكف الله عنهم الأذى بعد موته، فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً، وهو قول أبي بشر بن الديلمي٢.
٢ - من أهل العلم، كان في عسكر مسلمة بن عبد الملك حول القسطنطينية..
﴿ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِم نَاراً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يعني أنهم يصيرون به إلى النار.
والثاني : أنه تمتلئ بها بطونهم عقاباً يوجب النار.
﴿ وَسَيَصْلَونَ سَعِيراً ﴾ الصلاء لزوم النار، والسعير إسعار النار، ومنه قوله تعالى :
﴿ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ﴾
[ التكوير : ١٢ ].
أحدهما : أنها نزلت في الأبكار خاصة، وهذا قول السدي، وابن زيد.
والثاني : أنها عامة في الأبكار والثيِّب، وهو قول الحسن، وعطاء. واختلف في المعنى بقوله تعالى :﴿ وَاللَّذَانِ يِأْتِيَانِهَا مِنكُم ﴾ على قولين :
أحدهما : الرجل والمرأة، وهو قول الحسن، وعطاء.
والثاني : البكران من الرجال والنساء، وهو قول السدي، وابن زيد.
وفي الأذى المأمور به ثلاثة أقاويل :
أحدها : التعيير والتوبيخ باللسان، وهو قول قتادة، والسدي، ومجاهد.
١والثاني : أنه التعيير باللسان، والضرب بالنعال.
والثالث : أنه مجمل أخذ تفسيره في البكر من آية النور، وفي الثيِّب من السُّنّة.
فإن قيل كيف جاء ترتيب الأذى بعد الحبس ؟ ففيه جوابان :
أحدهما : أن هذه الآية نزلت قبل الأولى، ثم أمر أن توضع في التلاوة بعدها، فكان الأذى أولاً، ثم الحبس، ثم الجلد أو الرجم، وهذا قول الحسن.
والثاني : أن الأذى في البكرين خاصة، والحبس في الثَّيِّبين، وهذا قول السدي.
ثم اختلف في نسخها على حسب الاختلاف في إجمالها٢ وتفسيرها.
﴿ فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا ﴾ يعني تابا من الفاحشة وأصلحا دينهما، فأعرضوا عنهما بالصفح والكف عن الأذى.
٢ - سقط من ك..
أحدهما : وهو قول الجمهور أنها نزلت في عُصَاةِ المسلمين.
والثاني : أنها نزلت في المنافقين، وهو قول الربيع.
فَسَوّى بين مَن لَمْ يتب حتى مات، وبين من تاب عند حضور الموت وهي [ حالة ] يعرفها مَنْ حَضَرها.
ويحتمل أن يكون عند المعاينة في حال يعلم بها وإن منع من الإِخبار بها.
﴿ أَتَأْخُذُونُه بُهْتَاناً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : ظلماً بالبهتان.
والثاني : أن يبهتها أن جعل ذلك ليسترجعه منها.
وإنما منع من ذلك مع الاستبدال بهن وإن كان ممنوعاً منه وإن لم يستبدل بهن أيضاً لِئَلا يتوهم متوهم أنه يجور مع استبدال غيرها بها أن يأخذ ما دفعه إليها ليدفعه إلى من استبدل بها منه وإن كان ذلك عموماً.
أحدهما : أن ( الإفضاء ) الجماع، وهو قول ابن عباس، ومجاهد، والسدي.
والثاني : أنه الخلوة، وهو قول أبي حنيفة.
﴿ وَأَخَذْنَ مِنكم مِّيثَاقاً غَلِيظاً ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه عقد النكاح الذي استحل به الفرج، وهو قول مجاهد.
والثاني : أنه إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وهو قول الضحاك، والسدي، والحسن، وابن سيرين، وقتادة.
والثالث : أنه ما رواه موسى بن عبيدة، صعدة بن يسار عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ النِّسَاءَ عِندَكُم عَوانٌ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ وَاسْتَحْلَلْتُم فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ فَلَكُم عَلَيهِنَّ حَقٌ وَلَهُنَّ عَلَيكُم حَقٌ، وَمِنْ حَقِّكُم عَلَيهِنَّ أَلاَّ يُوطِئْنَ فَرشَكُم أَحدَاً وَلاَ يَعْصِينَكُمْ فِي مَعْرُوفٍ، فَإنْ فَعَلْنَ فَلَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " ١.
واختلف في ثبوت حكمها أو نسخه على قولين :
أحدهما : أنها محكمة، لا يجوز له أن يأخذ منها شيئاً مما أعطاها سواء كانت هي المريدة للطلاق أو هو، وهو قول بكر بن عبد الله المزني.
والثاني : أنها منسوخة بقوله تعالى :﴿ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ ﴾، وهذا قول ابن زيد.
وقال أبو جعفر الطبري وغيره : حكمها ثابت إلا عند عن خوف النشوز فيجوز أن يفاديها.
أحدها : أنها نزلت في قوم كانوا يخلفون الآباء على نسائهم، فجاء الإسلام بتحريم ذلك وعفا عما كان منهم في الجاهلية أن يؤاخذوا به إذا اجتنبوه في الإسلام، وهذا قول ابن عباس، وقتادة وعطاء، وعكرمة.
والثاني : يعني لا تنكحواْ كنكاح آبائكم في الجاهلية على الوجه الفاسد، إلا ما سلف منكم في جاهليتكم فإنه معفو عنه إذا كان مما يجوز الإقرار عليه، وهذا قول بعض التابعين.
والثالث : معناه : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء بالنكاح الجائز، إلا ما قد سلف منهم بالزنى والسفاح، فإن نكاحهن حلال لكم، لأنهن لم يَكُنَّ حلالاً، وإنما كان نكاحهن فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً، وهذا قول ابن زيد١.
والرابع : إلا ما قد سلف فدعوه فإنكم تؤاخذون به، قالوه وهذا من الاستثناء المنقطع، ومنهم من جعله بمعنى لكن.
﴿ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً ﴾ والمقت شدة البغض لقبح مرتكبه، ومنه قولهم قد مقته الناس إذا أبغضوه، ورجل مقيت، وكان يقال لولد الرجل من امرأة أبيه المقتى.
﴿ وَسَاءَ سَبِيلاً ﴾ يعني طريقاً.
أحدها : والمحصنات من النساء يعني ذوات الأزواج إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي، وهذا قول علي، وابن عباس، وأبي قلابة، والزهري، ومكحول، وابن زيد.
وقد روى عثمان البَتّي عن أبي خليل عن أبي سعيد الخدري قال : لما سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل أوطاس، قلنا : يا نبي الله كيف نقع على نساء قد عرفنا أنسابهن وأزواجهن ؟ قال : فنزلت هذه الآية ﴿ وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾١.
والثاني : أن المحصنات ذوات الأزواج حرام على غير أزواجهن إلا ما ملكت أيمانكم من الإِماء، إذا اشتراها مشترٍ بطل نكاحها وحلت لمشتريها ويكون بيعها طلاقها، وهذا قول ابن مسعود، وأُبي بن كعب، وجابر بن عبد الله، وأنسٍ ابن مالك، وابن عباس في رواية عكرمة عنه وسعيد بن المسيب، والحسن، قال الحسن : طلاق الأَمة يثبت نسبها، وبيعها، وعتقها، وهبتها، وميراثها، وطلاق زوجها.
الثالث : أن المحصنات من النساء العفائف إلا ما ملكت أيمانكم بعقد النكاح، أو ملك اليمين، وهذا قول عمر، وسعيد بن جبير، وأبي العالية، وعبيدة السلماني، وعطاء، والسدي.
والرابع : أن هذه الآية نزلت في نساءكُنَّ هَاجَرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهن أزواج، فتزوجهن المسلمون، ثم قدم أزواجهن مهاجرين، فنهى المسلمون عن نكاحهن، وهذا قول أبي سعيد الخدري.
وأصل الإِحصان المنع، ومنه حصن البلد، لأنه يمنع من العدو، ودرع حصينة أي منيعة، وفرس حَصان، لأن صاحبه يمتنع به من الهلكة، وامرأة حصان، وهي العفيفة لأنها تمتنع من الفاحشة، ومنه
﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ﴾٢.
﴿ كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن معناه : حرم ذلك عليكم كتاباً من الله.
والثاني : معناه ألزموا كتاب الله.
والثالث : أن كتاب الله قيم عليكم فيما تستحلِّونه وتحرمونه.
﴿ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَلِكُمْ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن معناه ما دون الخمس، وهو قول السدي.
والثاني : ما وراء ذوات المحارم من أقاربكم، وهو قول عطاء.
والثالث : ما وراء ذلكم مما ملكت أيمانكم، وهو قول قتادة.
﴿ أن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم ﴾ يعني أن تلتمسوا بأموالكم إما شراء بثمن، أو نكاحاً بصداق.
﴿ مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ﴾ يعني متناكحين غير زانين، وأصل السفاح صب الماء، ومنه سَفَح الدمع إذا صبَّه، وسَفْح الجبل أسفله لأنه مصب الماء فيه، وسِفَاح الزني لصب مائه حراماً.
﴿ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾ أي آتوهن صدقاتهن معلومة، وهذا قول مجاهد، والحسن، وأحد قولي ابن عباس.
والقول الثاني : أنها المتعة إلى أجل مسمى من غير نكاح، قال ابن عباس كان في قراءة أُبيّ :﴿ فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ﴾، وكان ابن عباس كذلك يقرأ، وسعيد بن جبير، وهذا قول السدي، وقال الحكم : قال عليّ : لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي، وهذا لا يثبت، والمحكي عن ابن عباس خلافه، وأنه تاب من المتعة وربا٣ النقد.
﴿ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الفَرِيضَةِ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : معناه لا حرج عليكم أيها الأزواج إن أعسرتم بعد أن فرضتم لِنِسَائكم مهراً عن تراض أن ينقصنكم منه ويتركنكم٤، وهذا قول سليمان ابن المعتمر.
والثاني : لا جناح عليكم أيها الناس فيما تراضيتم أنتم والنساء اللواتي استمتعتم بهن إلى أجل مسمى، إذا انقضى الأجل بينكم أن يزدنكم في الأجل وتزيدوهن في الأجر قبل أن يستبرئن أرحامهن، وهذا قول السدي.
والثالث : لا جناح عليكم فيما تراضيتم به ودفعتموه أن يعود إليكم عن تراض، وهذا قول ابن عباس.
﴿ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ﴾ فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : كان عليماً بالأشياء قبل خلقها، حكيماً في تقديره وتدبيره لها، وهذا قول الحسن.
والثاني : أن القوم شاهدوا عِلماً وحكمة فقيل لهم إن كان كذلك لم يزل، وهذا قول سيبويه.
والثالث : أن الخبر عن الماضي يقوم مقام الخبر عن المستقبل وهذا مذهب الكوفيين.
٢ - الآية ١٢ من التحريم..
٣ - وربا النقد: سقط من ك..
٤ - في ق: ويبرئنكم..
أحدها : أنهم الزناة، وهو قول الضحاك.
والثاني : أنهم اليهود والنصارى، وهو قول السدي.
والثالث : كل متبع شهوة غير مباحة، وهو قول ابن زيد.
أحدها : أنه أكل المال بالباطل، وقتل النفس بغير حق.
والثاني : أنه متوجه إلى كل ما نهى عنه من أول سورة النساء١.
والثالث : أنه متوجه إلى قوله تعالى :
﴿ لاَ َيحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاءَ كَرْهاً ﴾
[ النساء : ١٩ ].
وفي قوله تعالى :﴿ عُدْوَاناً وَظُلْماً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يعني تعدياً واستحلالاً.
والثاني : أنهما لفظتان متقاربتا المعنى فحسن الجمع بينهما مع اختلاف اللفظ تأكيداً.
أحدها : أنها كل ما نهى الله عنه من أول سورة النساء إلى رأس الثلاثين منها، وهذا قول ابن مسعود في رواية مسروق، وعلقمة، وإبراهيم.
والثاني : أن الكبائر سبع : الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والفرار من الزحف، والتغرب بعد الهجرة، وهذا قول عليّ، وعمرو بن عبيد.
والثالث : أنها تسع : الإشراك بالله، وقذف المحصنة، وقتل النفس المؤمنة، والفرار من الزحف، والسحر، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين المسلمين، وأكل الربا، وإلحاد بالبيت الحرام، وهذا قول ابن عمر.
والرابع : أنها أربع : الإشراك بالله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من رَوْح الله، والأمن من مكر الله، وهذا قول ابن مسعود في رواية أبي الطفيل عنه.
والخامس : أنها كل ما أوعد الله عليه النار، وهذا قول سعيد بن جبير، والحسن، ومجاهد، والضحاك.
والسادس : السبعة المذكورة في المقالة الثانية وزادوا عليها الزنى، والعقوق، والسرقة، وسب أبي بكر وعمر.
والسابع : أنها كل ما لا تصح معه الأعمال، وهذا قول زيد بن أسلم.
﴿ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾ يعني من الصغائر إذا اجتنبتم الكبائر، فأما مع ارتكاب الكبائر، فإنه يعاقب على الكبائر والصغائر.
(مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا | لا تنشبواْ بيننا ما كان مَدْفوناً) |
(ولا تدفنيني بالفلاة فإنني | أخافُ إذا ما مِتُّ أن لا اذُوقَها) |
(أتاني عن نصر كلام يقوله | وما خفت يا سلامُ أنك عائبي) |
(أتيت حُريثاً زائراً عن جنابةٍ | فكان حريث في عطائي جامداً) |
(وردت اعتسافاً والثريا كأنها | على قمة الرأس ابن ماءٍ مُلحقُ) |
(والخال ثوب من ثياب الجهال
(والدهْرُ فيه غَفْلةٌ للغفال))
والفخور: المفتخر على عباد الله بما أنعم الله عليه من آلائه وبسط عليه من رزقه.
(عن المرءِ لا تسأل وأبصر قرينه | فإن القرين بالمقارن مُقتدي) |
أحدهما : أنهم اليهود، وهو قول مجاهد.
والثاني : هم المنافقون، وهو قول الزجاج.
﴿ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قَرِيناً ﴾ القرين هو الصاحب الموافق، كما قال عدي بن زيد :
عن المرءِ لا تسأل وأبصر قرينه | فإن القرين بالمقارن مُقتدى١ |
وفي المراد بكونه قريناً للشيطان قولان :
أحدهما : أنه مصاحبِهُ في أفعاله.
والثاني : أن الشيطان يقترن به في النار.
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدى
وقد روى البيت لطرفة بن العبد في معلقته أيضا..
أحدهما : أن يشهد على كل أمّته بأنه بلغها ما تقوم به الحجة عليها، وهو قول ابن مسعود وابن جريج، والسدي.
والثاني : أن يشهد عليها بعملها، وهو قول بعض البصريين.
﴿ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاءِ شَهِيداً ﴾ يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشهادة على أُمته، روى ابن مسعود أنه قرأ على رسول الله :﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هَؤُلاءِ شَهِيداً ﴾ ففاضت١ عيناه صلى الله عليه وسلم.
أحدهما : أن الذين تمنوه من تسوية الأرض بهم، أن يجعلهم مثلها، كما قال تعالى في موضع آخر :
﴿ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً ﴾
[ النبأ : ٤٠ ].
والثاني : أنهم تمنوا لو انفتحت لهم الأرض فصاروا في بطنها.
(أما أتاك عني الحديث | إذ أنا بالغائط أستغيث) |
﴿أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَآءَ﴾ فيه قراءتان: إحداهما: ﴿لَمَسْتُمُ﴾ بغير ألف، قرأ بها حمزة والكسائي.
(كأنه بالضحى ترمي الصعيدَ به | دَبّابةٌ في عظام الرأس خُرْطوم) |
أحداهما : معناه : اسمع لا سمعت، وهو قول ابن عباس، وابن زيد.
والثاني : أنه غير مقبول منك، وهو قول الحسن، ومجاهد.
﴿ وَرَاعِنَا١ لَيَّاً بِأَلْسِنَتِهِم ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن هذه الكلمة كانت سَبّاً في لغتهم، فأطلع الله نبيّه عليها فنهاهم عنها.
والثاني : أنها كانت تجري مجرى الهُزءِ.
والثالث : إنها كانت تخرج مخرج الكِبر.
أحدها : أنهما صنمان كان المشركون يعبدونهما، وهذا قول عكرمة.
والثاني : أن الجبت : الأصنام، والطاغوت : تراجمة الأصنام، وهذا قول ابن عباس.
والثالث : أن الجبت السحر، والطاغوت : الشيطان، وهذا قول عمر، ومجاهد.
والرابع : أن الجبت الساحر، والطاغوت الكاهن، وهذا قول سعيد بن جبير.
والخامس : أن الجبت حُيي بن أخطب، والطاغوت كعب بن الأشرف، وهو قول الضحاك.
وفي الناس الذين عناهم ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم العرب، وهو قول قتادة.
والثاني : أنه محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، وهو قول ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، والسدي، وعكرمة.
والثالث : أنهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو قول بعض المتأخرين. وفي الفضل المحسود عليه قولان :
أحدهما : النبوة، حسدوا العرب على أن كانت فيهم، وهو قول الحسن، وقتادة.
والثاني : أنه إباحته للنبي صلى الله عليه وسلم نكاح من شاء من النساء من غير عدد١، وهو قول ابن عباس، والضحاك، والسدي.
﴿ فَقَدْ ءَاتَيْنَا ءَالَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً ﴾ في الملك العظيم أربعة أقاويل :
أحدها : أنه ملك سليمان بن داود، وهو قول ابن عباس.
والثاني : النبوة، وهو قول مجاهد.
والثالث : ما أُيِّدُوا به من الملائكة والجنود، وهو قول همام بن الحارث.
والرابع : من أباحه الله لداود وسليمان من النساء من غير عدد، حتى نكح داود تسعاً وتسعين امرأة، ونكح سليمان مائة امرأة، وهذا قول السدي.
أحدهما : أن عمر قتل منافقاً لم يرض بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء إخوانه من المنافقين يطالبون بدمه، وحلفوا بالله أننا ما أردنا في المطالبة بدمه إلا إحساناً إلى النساء، وما يوافق الحق في أمرنا.
والثاني : أن المنافقين بعد القودِ من صاحبهم اعتذروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في محاكمتهم إلى غيره بأن قالوا ما أردنا في عدولنا عنك إلا توفيقاً بين الخصوم وإحساناً بالتقريب في الحكم دون الحمل على مُرّ الحق، فنزلت هذه الآية.
﴿ فَأَعْرِضْ عَنهُم وَعِظْهُم ﴾ وفي الجمع بين الإعراض والوعظ مع تنافي١ اجتماعهما في الظاهر - ثلاثة أوجه :
أحدها : أعرض عنهم بالعداوة لهم وعِظهم فيما بدا منهم.
والثاني : أعرض عن عقابهم وعظهم.
والثالث : أعرض عن قبول الأعذار منهم وعظهم.
﴿ وَقُل لَّهُم فِي أَنْفُسِهِم قَوْلاً بَلِيغاً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن يقول لهم : إن أظهرتم ما في قلوبكم قتلكم، فإنه يبلغ٢ من نفوسهم كل مبلغ، وهذا قول الحسن.
والثاني : أن يزجرهم عما هم عليه بأبلغ الزواجر.
٢ - يبلغ: سقطت من ق. نفوسهم: نفوسكم في ق.
﴿ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيتَ ﴾ وفي الحرج تأويلان :
أحدهما : يعني شكّاً وهو قول مجاهد.
والثاني : يعني إثماً، وهو قول الضحاك.
واختلف في سبب نزولها على قولين.
أحدهما : أنها نزلت في المنافق واليهودي اللَّذين احتكما إلى الطاغوت، وهذا قول مجاهد، والشعبي.
والثاني : أنها نزلت في الزبير ورجل من الأنصار قد شهد بدراً، تخاصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج١ من الحرّة كانا يسقيان به نخلاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اسْقِ يا زُبَيرُ ثُمَّ أَرسِل المَاءَ إلَى جَارِكَ " فغضب الأنصاري وقال : يا رسول الله آن كان ابن عمتك، فَتَلَونَ وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عرف أن قد ساءه، ثم قال يا زبير :" احْبسِ المَاءَ إلَى الجدر أو الكَعْبَينِ ثم خلِّ سَبِيلَ المَاءِ ٢ " فنزلت هذه الآية، وهذا قول عبد الله بن الزبير، وعروة، وأم سلمة.
وشراج بشين معجمة قراء وآخره جيم: جمع شرجة بفتح فسكون وهي مسايل الماء بالحرة (بفتح فتشديد) وهي أرض ذات حجارة سود.
٢ - روى هذا الحديث البخاري عن ابن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن عبد الله بن الزبير مع بعض اختلاف في اللفظ.
وشراج بشين معجمة قراء وآخره جيم: جمع شرجة بفتح فسكون وهي مسايل الماء بالحرة (بفتح فتشديد) وهي أرض ذات حجارة سود.
وفي تسمية الصديق قولان :
أحدهما : أنه فِعِّيل من الصِّدْقِ.
والثاني : أنه فِعّيل من الصَدَقَة. وأما الشهداء فجمع شهيد، وهو المقتول في سبيل اللَّه تعالى.
وفي تسمية الشهيد قولان :
أحدهما : لقيامه بشهادة الحق، حتى قتل في سبيل الله.
والثاني : لأنه يشهد كرامة الله تعالى. في الآخرة. ويشهد على العباد بأعمالهم يوم القيامة إذا ختم له بالقتل في سبيل الله.
وأما الصالحون فجمع صالح وفيه قولان :
أحدهما : أنه كل من صلح عمله.
والثاني : هو كل من صلحت سريرته وعلانيته.
وأما الرفيق ففيه قولان :
أحدهما : أنه مأخوذ من الرفق في العمل.
والثاني : أنه مأخوذ من الرفق في السير.
وسبب نزول هذه الآية على ما حكاه الحسن وسعيد بن جبير وقتادة والربيع والسدي أنَّ ناساً توهموا أنهم لا يرون الأنبياء في الجنة لأنهم في أعلى عليين، وحزنوا وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية.
(لقد أغدو على ثُبةٍ كرام | نشاوَى واجدين لما نشاء) |
(أتوني فلم أرض ما بيّتوا | وكانواْ أتوْني بأمرٍ نُكُر) |
(لأُنْكِحَ أَيِّمَهُمْ منذراً | وهل يُنْكِحُ الْعَبْدُ حُرٌّ لحُرْ؟) |
أتوني فلم أرض ما بيّتوا | وكانوا أتوْني بأمرٍ نُكُر |
لأُنْكِحَ أَيِّمَهُمْ منذراً | وهل يُنْكِحُ الْعَبْدُ حُرٌّ لحُرْ ؟ |
أحدهما : لأن الليل وقت المبيت.
والثاني : لأنه وقت البيوت٢.
وفي المراد بقوله تعالى :﴿ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ ﴾ قولان :
أحدهما : أنها غيّرت ما أضمرت من الخلاف فيما أمرتهم به أو نهتهم عنه، وهذا قول ابن عباس، وقتادة، والسدي.
والثاني : معناه فدبَّرت٣ غير الذي تقول على جهة التكذيب، وهذا قول الحسن.
﴿ وَاللهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يكتبه في اللوح المحفوظ ليجازيهم٤ عليه.
والثاني : يكتبه بأن ينزله إليك في الكتاب، وهذا قول الزجاج.
٢ - أي الوقت الذي يقيم الناس فيه في بيوتهم..
٣ - في ق قدرت..
٤ - في ق ليجازوا به..
أحدهما : المنافقون، وهو قول ابن زيد والضحاك.
والثاني : أنهم ضعفة المسلمين، وهو قول الحسن، والزجاج.
﴿ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ ﴾ وفيهم ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم الأمراء، وهذا قول ابن زيد، والسدي.
والثاني : هم أمراء السرايا.
والثالث : هم أهل العلم والفقه، وهذا قول الحسن، وقتادة، وابن جريج، وابن نجيح، والزجاج.
﴿ لعلمه الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ فيهم قولان :
أحدهما : أنهم أولو الأمر.
والثاني : أنهم المنافقون أو ضعفة المسلمين المقصودون بأول الآية، ومعنى يستنبطونه : أي يستخرجونه، مأخوذ من استنباط الماء، ومنه سُمِّي النبط لاستنباطهم العيون.
﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ في فضل الله ها هنا ثلاثة أقاويل :
أحدها : يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
والثاني : القرآن.
والثالث : اللطف والتوفيق.
وفي قوله تعالى :﴿ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ أربعة أقاويل :
أحدها : يعني لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً منكم فإنه لم يكن يتبع الشيطان.
والثاني : لعلمه الذين يستنبطونه إلا قليلاً، وهذا قول الحسن وقتادة.
والثالث : أذاعوا به إلا قليلاً، وهذا قول ابن عباس، وابن زيد.
<والرابع : لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً مع الاتباع>١.
(وذي ضَغَنٍ كَففْتُ النَّفْسَ عنه | وكنتُ على مَسَاءَتِهِ مُقِيتاً) |
أحدهما : أنه مسألة الإنسان في صاحبه أن يناله خير بمسألته أو شر بمسألته، وهذا قول الحسن، ومجاهد، وابن زيد.
والثاني : أن الشفاعة الحسنة الدعاء للمؤمنين، والشفاعة السيئة الدعاء عليهم، لأن اليهود كانت تفعل ذلك فتوعدهُم الله عليه. وفي الكِفْلِ تأويلان :
أحدهما : أنه الوِزر والإثم، وهو قول الحسن، وقتادة.
والثاني : أنه النصيب، كما قال تعالى :
﴿ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ ﴾١ وهو قول السدي، والربيع، وابن زيد.
﴿ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : يعني مقتدراً، وهو قول السدي، وابن زيد.
والثاني : حفيظاً، وهو قول ابن عباس، والزجاج.
والثالث : شهيداً، وهو قول مجاهد.
والرابع : حسيباً، وهو قول ابن الحجاج، ويحكى عن مجاهد أيضاً.
والخامس : مجازياً، وأصل المقيت القوت، فَسُمِّي به المقتدر لأنه قادر على إعطاء القوت، ثم صار اسماً في كل مقتدر على كل شيءٍ من قوت غيره، كما قال الزبير ابن عبد المطلب :
وذي ضَغَنٍ كَففْتُ النَّفْسَ عنه | وكنتُ على مَسَاءَتِهِ مُقِيتاً |
أحدهما : أنه الدعاء بطول الحياة.
والثاني : السلام تطوع مستحب، ورده فرض، وفيه قولان :
أحدهما : أن فرض رده عام في المسلم والكافر، وهذا قول ابن عباس، وقتادة، وابن زيد.
والثاني : أنه خاص في المسلمين دون الكافر، وهذا قول عطاء.
وقوله تعالى :﴿ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ ﴾ يعني الزيادة في الدعاء.
﴿ أَوْ رُدُّوهَا ﴾ يعني بمثلها، وروى الحسن أن رجلاً سلَّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" وَعَلَيْكُمُ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ " ثم جاء آخر فقال : السلام عليكم ورحمة الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" وَعَلَيْكُمُ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وًبَرَكاَتُهُ " ثم جاء آخر فقال :" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" وَعَلَيْكُم " فقيل : يا رسول الله رددت على الأول والثاني وقلت للثالث وعليكم، فقال :" إِنَّ الأَوَّلَ سَلّمَ وَأَبْقَى مِنَ التَّحِيَّةِ شَيئاً، فَرَدَدْت عَلَيهِ بِأَحْسَنَ مِما جَاءَ بِهِ، وكَذَلِكَ الثَّانِي، وإنَّ الثَّالِثَ جَاءَ بِالتَّحِيَّةِ كلها، فَرَدَدْتُ عَلَيهِ مِثْلَ ذَلِكَ " ١.
وقد قال ابن عباس : ترد بأحسن منها على أهل الإِسلام، أو مثلها على أهل الكفر، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" لا تَبْدَؤوا اليَهُودُ بِالسَّلاَمِ فَإِنْ بَدَأُوكُم فَقُولُوا : عَلَيكُم ".
﴿ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني حفيظاً، وهو قول مجاهد.
والثاني : محاسباً على العمل للجزاء عليه، وهو قول بعض المتكلمين.
والثالث : كافياً، وهو قول البلخي.
أحدهما : لأن الناس يقومون فيه من قبورهم.
والثاني : لأنهم يقومون فيه للحساب.
قال عكرمة : نزلت في الهلال بن عويمر الأسلمي، وسراقة بن مالك بن٢ جُعْثَم٣، وخزيمة بن عامر بن عبد مناف.
قال الحسن : هؤلاء بنو مُدْلِج كان بينهم وبين قريش عهد، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم [ وقريش ]٤ عهد، فحرم الله من بني مُدْلِجِ ما حرّم من قريش.
﴿ أَوْ جَآؤُكُمْ حَصِرتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ ﴾ معنى حصرت أي ضاقت، ومنه حُصِرَ العدو وهو الضيق، ومنه حصر العداة لأنهم قد ضاقت عليهم مذاهبهم.
ثم فيه قولان :
أحدهما : أنه إخبارٌ من الله عنهم بأن صدورهم حَصِرت.
والثاني : أنه دعاء٥ من الله عليهم بأن تُحصَرَ صدورهم، وهذا قول أبي العباس.
﴿ وَلَوْ شَآءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ ﴾٦ وفي تسليطهم قولان :
أحدهما : بتقوية قلوبهم.
والثاني : بالإذن في القتال ليدافعوا عن أنفسهم.
﴿ فَإِن اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : الصلح، وهو قول الربيع.
والثاني : الإِسلام، وهو قول الحسن.
﴿ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً ﴾ قال الحسن، وقتادة، وعكرمة : هي منسوخة بقوله تعالى :
﴿ فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾٧.
.
٢ - سقطت من ق..
٣ - في ق خزامة..
٤ - زيادة للإيضاح من تفسير القرطبي..
٥ - في آية حكم الله والصواب ما أثبتناه من ق ومن تفسير القرطبي. وهذا الدعاء كما تقول: لعن الله الكافر، وأبو العباس هو المبرد..
٦ - ق فقاتلوكم..
٧ - سورة التوبة: ٥.
(من البيض لم تظعن بعيداً ولم تطأ | على الأرض إلاّ ريْط بُردٍ مرحّلِ) |
(قتلت به فِهراً وحملت عقله | سراة بني النجار أرباب فارع) |
قتلت به فِهراً وحملت عقله | سراة بني النجار أرباب٣ فارع |
وروى سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :" وَمَن يَقْتُلْ مَؤْمِناً مُّتَعمِدّاً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ… " الآية، فقيل له : وإن تاب وآمن وعمل صالحاً. قال وأنَّى له التوبة. قال زيد بن ثابت. فنزلت الشديدة بعد الهدنة بستة أشهر، يعني قوله تعالى :﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا ﴾ بعد قوله :
﴿ وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً ءَاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهَ إِلاَّ بِالْحَقِّ ﴾
[ الفرقان : ٦٨ ].
٢ - الأيد: القوى..
٣ - في ك أربع فارع، والبيت الذي بعده:
حللت به وترى وأدركت ثورتي وكنت إلى الأوثان أول راجع
أي أنه ارتد، ورجع إلى مكة. وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتله وهو متعلق بالكعبة..
٤ - أبو داود، في الجهاد من سنته، باب ١١٧..
(كطْودٍ يُلاذ بأركانه...... عزيز المراغم والمطلب)
والثاني: مطلب المعيشة، وهو قول السدي، ومنه قول الشاعر:
(إلى بلدٍ غير داني المحل...... بَعيد المُراغم والمطلب)
والثالث: أن المراغم المهاجر، وهو قول ابن زيد: والرابع: يعني بالمراغم مندوحة عما يكره. والخامس: أن يجد ما يرغمهم به، لأن كل من شخص عن قومه رغبة عنهم فقد أرغمهم، وهذا قول بعض البصريين. وأصل ذلك الرغم وهو الذل. والرّغام: التراب لأنه ذليل، والرُّغام بضم الراء ما يسيل من الأنف. وفي قوله تعالى: ﴿وَسَعَةً﴾ ثلاث تأويلات: أحدها: سعة في الرزق وهو قول ابن عباس. والثاني: يعني من الضلالة إلى الهدى ومن العيلة إلى الغنى، وهو قول قتادة. والثالث: سعة في إظهار الدين.
في المراغم خمسة تأويلات :
أحدها : أنه المتحوَّل من أرض إلى أرض، وهذا قول ابن عباس والضحاك. ومنه قول نابغة بني جعدة :
كطود يُلاذ بأركانه. . . | عزيز المراغم والمطلب١ |
إلى بلدٍ غير داني المحل. . . | بَعيد المُراغم والمطلب |
والرابع : يعني بالمراغم مندوحة٢ عما يكره.
والخامس : أن يجد ما يرغمهم به، لأن كل من شخص عن قومه رغبة عنهم فقد أرغمهم، وهذا قول بعض البصريين.
وأصل ذلك الرغم وهو الذل. والرّغام : التراب لأنه ذليل، والرُّغام بضم الراء ما يسيل من الأنف.
وفي قوله تعالى :﴿ وَسَعَةً ﴾ ثلاث تأويلات :
أحدها : سعة في الرزق وهو قول ابن عباس.
والثاني : يعني من الضلالة إلى الهدى ومن العيلة إلى الغنى، وهو قول قتادة.
والثالث : سعة في إظهار الدين.
٢ - هكذا بالأصول، وفي تفسير ابن عطية المتزحزح عما يكره. وفي تفسير القرطبي المتزحزح..
(لا ترتجي حين تلاقي الذائدا | أسبعةً لاقت معاً أم واحداً) |
لا ترتجي حين تلاقي الذائدا | أسبعةً لاقت معاً أم واحداً |
وقيل : إنه كان رجلاً من اليهود يقال له يزيد بن السمق.
وقيل : بل كان رجلاً من الأنصار يُقال له لبيد بن سهل.
وقيل : طعمة بن أبيرق فارتد فنزلت فيه هذه الآية.
ولحق بمشركي أهل مكة فأنزل الله تعالى فيه :
﴿ وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ﴾
الآية [ النساء : ١١٥ ].
أحدها : أن الإناث اللات والعزى ومَناة، وهو قول السدي وابن زيد وأبي مالك.
والثاني : أنها الأوثان، وكان في مصحف عائشة :﴿ إِن تَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً ﴾.
والثالث : الملائكة، لأنهم كانوا يزعمون أنهم بنات الله، وهذا قول الضحاك.
والرابع : الموات الذي لا روح فيه، لأن إناث كل شيء أرذله، وهو قول ابن عباس، وقتادة.
﴿ ولأُمَنِّيَنَّهُمْ ﴾ يعني بطول الأمل في الدنيا ليؤثروها على الآخرة.
﴿ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ الأَنْعَامِ ﴾ أي لَيُقَطِّعُنَّهَا نُسكاً لأوثانهم كالبحيرة والسائبة.
﴿ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ ﴾ فيه ثلاث تأويلات.
أحدها : يعني دين الله، وهذا قول الحسن، وقتادة، ومجاهد، وإبراهيم.
والثاني : أنه أراد به خصاء البهائم، وهذا قول ابن عباس، وأنس، وعكرمة.
والثالث : أنه الوشم، وهو قول ابن مسعود، والحسن.
قال ابن مسعود :" لَعَنَ اللَّهُ الوَاشِمَاتِ والمُسْتَوشِمَاتِ وَالنَّامِصَاتِ والمتنمِّصَاتِ والمُتَفَلِّجَاتِ للحسُنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ١ ".
﴿ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : ولو حرصتم أن تعدلوا في المحبة، وهو قول مجاهد.
والثاني : ولو حرصتم في الجماع، وهو قول ابن عباس.
﴿ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ ﴾ أي فلا تميلوا بأفعالكم فتُتْبِعُوهَا أهواءَكم.
﴿ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ﴾١ يعني لا أيِّماً ولا ذات زوْج.
﴿ يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ ﴾ يحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : يغني الله كل واحد منهما بالقناعة والصبر عن٢ صاحبه، ومعنى قوله :﴿ من سعته ﴾ أي من رحمته، لأنه واسع الرحمة.
والثاني : يغني الله كل واحد منهما عن صاحبه بمن هو خير منه، ومعنى قوله :﴿ من سعته ﴾ أي من قدرته لأنه واسع القدرة.
والثالث : يغني الله كل واحد منهما بمال يكون أنفع له من صاحبه. ومعنى قوله :﴿ من سعته ﴾ أي من غناه لأنه واسع الغنى.
٢ - سقط من ك..
(يلوونني ديني النهار وأقتضى | ديني إذا وقذ النعاس الرُّقدا) |
أحدها : يعني إلا أن يكون مظلوماً فيدعو على من ظلمه، وهذا قول ابن عباس.
والثاني : إلا أن يكون مظلوماً فيجهر١ بظلم من ظلمه، وهذا قول مجاهد.
والثالث : إلا من ظلم فانتصر من ظالمه٢، وهذا قول الحسن، والسدي.
والرابع : إلا أن يكون ضيفاً٣، فينزل على رجل فلا يحسن ضيافته، فلا بأس أن يجهر بذمه، وهذه٤ رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد.
٢ - في ق: من ظلمه له..
٣ - في ك: ضيافته على رجل..
٤ - في ق: وهذا رواه..
﴿ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا البَابَ سُجَّداً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه باب الموضع الذي عبدوا فيه العجل، وهو من أبواب بيت المقدس، وهذا قول قتادة.
والثاني : باب حِطَّة فأمروا بدخوله ساجدين لله عز وجل.
﴿ وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُوا فِي السَّبْتِ ﴾ قرأ ورش عن نافع ﴿ تَعَدوا ﴾ بفتح العين وتشديد الدال، من الاعتداء، وقرأ الباقون بالتخفيف من عَدَوت. وعدوهم فيه تجاوزهم حقوقه، فيكون تعديهم فيه - على تأويل القراءة الثانية- ترك واجباته.
﴿ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً ﴾ وهو ميثاق آخر بعد رفع الطور عليهم، غير الميثاق الأول.
وفي قوله تعالى :﴿ غَلِيظاً ﴾ قولان :
أحدهما : أنه العهد بعد اليمين.
والثاني : أن بعض اليمين ميثاق غليظ.
أما ﴿ رَسُولَ اللهِ ﴾ ففيه قولان :
أحدهما : أنه من قول اليهود بمعنى رسول الله في زعمه.
والثاني : أنه من قول الله تعالى لا على وجه الإخبار٢ عنهم، وتقديره : الذي هو رسولي.
﴿ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : أنهم كانوا يعرفونه فألقى شبهه على غيره، فظنوه المسيح فقتلوه، وهذا قول الحسن، وقتادة، ومجاهد، ووهب، والسدي.
والثاني : أنهم ما كانوا يعرفونه بعينه، وإن كان مشهوراً فيهم بالذكر، فارتشى منهم يهودي ثلاثين درهماً، ودلهم على غيره مُوهِماً لهم أنه المسيح، فشُبِّهَ عليهم.
والثالث : أنهم كانوا٣ يعرفونه، فخاف رؤساؤهم فتنة عوامهم، فإن الله منعهم عنه، فعمدوا إلى غيره، فقتلوه وصلبوه، ومَوَّهُوا على العامة أنه المسيح، ليزول افتتانهم به.
﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ منْهُ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنهم اختلفوا فيه قبل قتله، فقال بعضهم : هو إله، وقال بعضهم : هو ولد٤، وقال بعضهم : هو ساحر، فشكوا ﴿ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاع الظَّنِّ ﴾ الشك الذي حدث فيهم بالاختلاف٥.
والثاني : ما لهم بحاله٦ من علم - هل كان رسولاً أو غير رسول ؟ - إلا اتباع الظن.
﴿ وَمَا قَتَلُوهُ يَقْيناً ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : وما قتلوا٧ ظنَّهم يقيناً كقول القائل : ما قتلته علماً٨، وهذا قول ابن عباس، وجويبر.
والثاني : وما قتلوا أمره يقيناً أن الرجل هو المسيح أو غيره، وهذا قول السدي.
والثالث : وما قتلوه حقاً، وهو قول الحسن.
٢ - في ق: الحكاية..
٣ - كانوا: سقطت من ك..
٤ - أي ولد الله..
٥ - في ك: الاختلاف..
٦ - في ك: حالة..
٧ - في ك: قتلوه..
٨ -وذلك عندما تعلم الشيء علما تاما، فالهاء في قتلوه عائدة على الظن..
أحدهما : أنه رفعه إلى١ موضع لا يجري عليه حكم أحد من العباد، فصار٢ رفعه إلى حيث لا يجري عليه حكم العباد رفعاً إليه، وهذا قول بعض البصريين.
والثاني : أنه رفعه إلى السماء، وهو قول الحسن.
قوله تعالى :﴿ وَإِن منْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : إلا ليؤمنن بالمسيح قبل موت المسيح، إذا نزل من السماء، وهذا قول ابن عباس، وأبي مالك، وقتادة، وابن زيد.
والثاني : إلا ليؤمنن بالمسيح قبل موت الكتابي عند المعاينة، فيؤمن بما أنزل الله من الحق وبالمسيح عيسى ابن مريم، وهذا قول الحسن، ومجاهد، والضحاك، وابن سيرين، وجويبر.
والثالث : إلا ليؤمنن بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل موت الكتابي، وهذا قول عكرمة.
﴿ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ﴾ يعني المسيح، وفيه قولان :
أحدهما : أنه يكون شهيداً بتكذيب من كذبه وتصديق من صدقه من أهل عصره.
والثاني : يكون شهيداً أنه بلَّغ رسالة ربه، وأقر بالعبودية على نفسه، وهذا قول قتادة، وابن جريج.
٢ - سقطت من ك..
أحدهما : أنه خطاب للنصارى خاصة.
والثاني : أنه١ خطاب لليهود والنصارى، لأن الفريقين غلوا في المسيح، فقالت النصارى : هو الرب، وقالت٢ اليهود : هو لغير رشدة، وهذا٣ قول الحسن.
والغلو : مجاوزة الحد، ومنه غلاء السعر، إذا جاوز الحد في الزيادة، وغلا في الدين، إذا فرط في مجاوزة الحق.
﴿ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الحَقَّ ﴾ يعني في غلوهم في المسيح.
﴿ إِنَّمَا المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ ﴾ رداً على مَن جعله إلهاً، أو لغير رشدة [ أو ] ساحراً.
﴿ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَآ إِلَى مَرْيَمَ ﴾ في كلمته ثلاثة أقاويل :
أحدها : لأن الله كَلَّمَه حين قال له كن، وهذا قول الحسن، وقتادة.
الثاني : لأنه بشارة الله التي بشر بها، فصار بذلك كلمة الله.
والثالث : لأنه يهتدى به كما يُهْتَدَى بكلام الله.
﴿ وَرُوحٌ منْهُ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : سُمِّي بذلك لأنه رُوح من الأرواح، وأضافه الله إلى نفسه تشريفاً٤ له.
والثاني : أنه سُمِّي روحاً ؛ لأنه يحيا به الناس كما يُحْيَون بالأرواح.
والثالث : أنه سُمِّي بذلك لنفخ جبريل عليه السلام، لأنه كان ينفخ فيه الروح بإذن الله، والنفخ يُسَمَّى في اللغة روحاً< فكان عن النفخ فسمي به>٥
﴿ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُوا : ثَلاَثَةٌ، انتَهُوا خَيْراً لَّكُمْ ﴾ في الثلاثة قولان :
أحدهما : هو قول النصارى أب وابن وروح القدس، وهذا قول بعض البصريين.
والثاني : هو قول من قال : آلهتنا ثلاثة، وهو قول الزجاج.
٢ - وقالت: سقطت من ك..
٣ - لغير رشدة: أي ابن زنى كما زعموا زورا وبهتانا..
٤ - سقط من ك..
٥ - سقط من ق..
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً ﴾ يعني القرآن سُمِّي نوراً لأنه يظهر به الحق، كما تظهر المرئيات١ بالنور.
أحدهما : اعتصموا بالقرآن، وهذا قول ابن جريج.
والثاني : اعتصموا بالله من زيغ الشيطان وهوى١ الإنسان.
﴿ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ منْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مسْتَقِيماً ﴾ في الهداية قولان :
أحدهما : أن يعطيهم في الدنيا ما يؤديهم إلى نعيم الآخرة، وهذا قول الحسن.
والثاني : هو الأخذ بهم في الآخرة إلى طريق الجنة، وهو قول بعض المفسرين٢ البصريين.
٢ - المفسرين: سقطت من ق..
وقال جابر١ بن عبد الله : نزلت هذه الآية فيَّ، وقد سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين عادني في مرضي، ولِيَ تسع أخوات، كيف أصنع بمالي ؟ فلم يجبني بشيء، حتى نزلت ﴿ يَسْتَفْتُونَكَ ﴾ إلى آخر السورة.
وقال ابن سيرين : نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مسيرة، وإلى جنبه حذيفة بن اليمان، فبلغها رسولُ٢ الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان، وبلَّغَها حذيفةُ عمرَ بن الخطاب، وهو يسير خلفه.
٢ - سقط من ك..
سورة النساء
تُعَدُّ سورةُ (النِّساء) إحدى السُّوَر الطِّوال التي مَن أخذها عدَّه الصحابةُ حَبْرًا، وقد دلَّ اسمُ السورة على مقصدِها الأعظم؛ وهو إيضاحُ كثير من الأحكام التي تتعلَّقُ بالمرأة، وقد أعْلَتْ هذه السورةُ من شأنِ المرأة في الإسلام وكرَّمتها، وأوضَحتْ ما لها وما عليها؛ لذلك كانت تُسمَّى بسورة (النِّساء الكبرى). وقد اشتمَلتْ أيضًا على آياتٍ أصَّلتْ لعلم الفرائض، الذي به يُعلَم تقسيمُ الميراث، وجاءت ببيانِ تشريع معاملات الأقرباء وحقوقِهم، وأوضَحتْ علاقةَ المسلمين بالكفار، متعرِّضةً لصفةِ صلاة الخوف، وما يَتبَع ذلك من أحكامٍ؛ فمَن أخَذها فقد أخذ علمًا وافرًا.
ترتيبها المصحفي
4نوعها
مدنيةألفاظها
3763ترتيب نزولها
92العد المدني الأول
175العد المدني الأخير
175العد البصري
175العد الكوفي
176العد الشامي
177* قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُواْ فِي اْلْيَتَٰمَىٰ فَاْنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ اْلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ﴾ [النساء: 3]:
صحَّ عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها: «أنَّ رجُلًا كانت له يتيمةٌ، فنكَحَها، وكان لها عَذْقٌ، وكان يُمسِكُها عليه، ولم يكُنْ لها مِن نفسِهِ شيءٌ؛ فنزَلتْ فيه: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُواْ فِي اْلْيَتَٰمَىٰ﴾، أحسَبُه قال: كانت شريكتَه في ذلك العَذْقِ، وفي مالِه». أخرجه البخاري (٤٥٧٣).
* قوله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اْللَّهُ فِيٓ أَوْلَٰدِكُمْۖ﴾ [النساء: 11]:
عن جابرِ بن عبدِ اللهِ رضي الله عنهما، قال: «عادَني النبيُّ ﷺ وأبو بكرٍ في بني سَلِمةَ ماشيَينِ، فوجَدَني النبيُّ ﷺ لا أعقِلُ شيئًا، فدعَا بماءٍ، فتوضَّأَ منه، ثم رَشَّ عليَّ، فأفَقْتُ، فقلتُ: ما تأمُرُني أن أصنَعَ في مالي يا رسولَ اللهِ؟ فنزَلتْ: ﴿يُوصِيكُمُ اْللَّهُ فِيٓ أَوْلَٰدِكُمْۖ﴾». أخرجه البخاري (٤٥٧٧).
* قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ اْلنِّسَآءَ كَرْهٗاۖ﴾ [النساء: 19]:
عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كانوا إذا ماتَ الرَّجُلُ كان أولياؤُه أحَقَّ بامرأتِه: إن شاءَ بعضُهم تزوَّجَها، وإن شاؤوا زوَّجوها، وإن شاؤوا لم يُزوِّجوها؛ فهم أحَقُّ بها مِن أهلِها؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ في ذلك». أخرجه البخاري (٦٩٤٨).
* قوله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ اْللَّهَ وَأَطِيعُواْ اْلرَّسُولَ وَأُوْلِي اْلْأَمْرِ مِنكُمْۖ﴾ [النساء: 59]:
عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «نزَلتْ في عبدِ اللهِ بنِ حُذَافةَ بنِ قيسِ بنِ عَدِيٍّ إذ بعَثَه النبيُّ ﷺ في سَرِيَّةٍ». أخرجه البخاري (٤٥٨٤).
* قوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: 65]:
عن عُرْوةَ بن الزُّبَيرِ، قال: «خاصَمَ الزُّبَيرُ رجُلًا مِن الأنصارِ في شَرِيجٍ مِن الحَرَّةِ، فقال النبيُّ ﷺ: «اسقِ يا زُبَيرُ، ثم أرسِلِ الماءَ إلى جارِك»، فقال الأنصاريُّ: يا رسولَ اللهِ، أَنْ كان ابنَ عَمَّتِكَ؟! فتلوَّنَ وجهُ رسولِ اللهِ ﷺ، ثم قال: «اسقِ يا زُبَيرُ، ثم احبِسِ الماءَ حتى يَرجِعَ إلى الجَدْرِ، ثم أرسِلِ الماءَ إلى جارِك»، واستوعى النبيُّ ﷺ للزُّبَيرِ حقَّه في صريحِ الحُكْمِ حين أحفَظَه الأنصاريُّ، كان أشارَ عليهما بأمرٍ لهما فيه سَعةٌ، قال الزُّبَيرُ: فما أحسَبُ هذه الآياتِ إلا نزَلتْ في ذلك: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾». أخرجه البخاري (٤٥٨٥).
* قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى اْلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوٓاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ اْلصَّلَوٰةَ﴾ [النساء: 77]:
عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما: «أنَّ عبدَ الرحمنِ بنَ عوفٍ وأصحابًا له أتَوُا النبيَّ ﷺ بمكَّةَ، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّا كنَّا في عِزٍّ ونحن مشركون، فلمَّا آمَنَّا صِرْنا أذلَّةً، فقال: «إنِّي أُمِرْتُ بالعفوِ؛ فلا تُقاتِلوا»، فلمَّا حوَّلَنا اللهُ إلى المدينةِ، أمَرَنا بالقتالِ، فكَفُّوا؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى اْلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوٓاْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ اْلصَّلَوٰةَ﴾». أخرجه النسائي (٣٠٨٦).
* قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىٰٓ إِلَيْكُمُ اْلسَّلَٰمَ لَسْتَ مُؤْمِنٗا﴾ [النساء: 94]:
عن عطاءٍ، عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رجُلٌ في غُنَيمةٍ له، فلَحِقَه المسلمون، فقال: السَّلامُ عليكم، فقتَلوه، وأخَذوا غُنَيمتَه؛ فأنزَلَ اللهُ في ذلك إلى قولِه: ﴿تَبْتَغُونَ عَرَضَ اْلْحَيَوٰةِ اْلدُّنْيَا﴾ [النساء: 94]؛ تلك الغُنَيمةُ»، قال: «قرَأ ابنُ عباسٍ: السَّلَامَ». أخرجه البخاري (٤٥٩١).
* قوله تعالى: ﴿لَّا يَسْتَوِي اْلْقَٰعِدُونَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي اْلضَّرَرِ وَاْلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ﴾ [النساء: 95]:
عن البراءِ بن عازبٍ رضي الله عنهما، قال: «لمَّا نزَلتْ: ﴿لَّا يَسْتَوِي اْلْقَٰعِدُونَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ﴾ ﴿وَاْلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ﴾، قال النبيُّ ﷺ: «ادعُ لي زيدًا، وَلْيَجِئْ باللَّوْحِ والدَّواةِ والكَتِفِ - أو الكَتِفِ والدَّواةِ -، ثم قال: «اكتُبْ ﴿لَّا يَسْتَوِي اْلْقَٰعِدُونَ﴾»، وخَلْفَ ظَهْرِ النبيِّ ﷺ عمرُو بنُ أمِّ مكتومٍ الأعمى، قال: يا رسولَ اللهِ، فما تأمُرُني؛ فإنِّي رجُلٌ ضريرُ البصَرِ؟ فنزَلتْ مكانَها: ﴿لَّا يَسْتَوِي اْلْقَٰعِدُونَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي اْلضَّرَرِ وَاْلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ اْللَّهِ﴾». أخرجه البخاري (٤٩٩٠).
* قوله تعالى: ﴿إِنَّ اْلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ اْلْمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمْ﴾ [النساء: 97]:
عن محمَّدِ بن عبدِ الرحمنِ أبي الأسوَدِ، قال: «قُطِعَ على أهلِ المدينةِ بَعْثٌ، فاكتُتِبْتُ فيه، فلَقِيتُ عِكْرمةَ مولَى ابنِ عباسٍ، فأخبَرْتُه، فنهاني عن ذلك أشَدَّ النَّهْيِ، ثم قال: أخبَرَني ابنُ عباسٍ: أنَّ ناسًا مِن المسلمين كانوا مع المشركين يُكثِّرون سوادَ المشركين على عهدِ رسولِ اللهِ ﷺ، يأتي السَّهْمُ فيُرمَى به فيُصِيبُ أحدَهم فيقتُلُه، أو يُضرَبُ فيُقتَلُ؛ فأنزَلَ اللهُ: {إِنَّ اْلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ اْلْمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمْ} الآيةَ». أخرجه البخاري (4596).
سُمِّيتْ سورةُ (النِّساء) أيضًا بسورة (النِّساء الكُبْرى)، أو (الطُّولى):
للحديثِ الوارد عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ سُورةُ النِّساءِ القُصْرى بعد الطُّولى». أخرجه البخاري (٤٥٣٢).
وسورةُ (النِّساء الصُّغْرى أو القُصْرى) هي سورةُ (الطَّلاق).
وإنما سُمِّيتْ سورة (النِّساء) بسورة (النِّساء الكُبْرى)؛ لكثرةِ ما فيها من أحكامٍ تتعلق بالنِّساء.
* أنَّ رسولَ الله ﷺ بكى لسماعها:
فقد صحَّ عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه أنَّه قال: «قالَ لي النبيُّ ﷺ: «اقرَأْ عَلَيَّ»، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، آقرَأُ عليك وعليك أُنزِلَ؟! قال: «نَعم»، فقرَأْتُ سورةَ النِّساءِ حتى أتَيْتُ إلى هذه الآيةِ: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةِۭ بِشَهِيدٖ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰٓؤُلَآءِ شَهِيدٗا﴾ [النساء: 41]، قال: «حَسْبُك الآنَ»، فالتفَتُّ إليه فإذا عَيْناهُ تَذرِفانِ». أخرجه البخاري (5055).
* مَن أخَذ سورةَ (النِّساءِ) عُدَّ حَبْرًا:
فعن عائشةَ رضي الله عنها، عن رسولِ اللهِ ﷺ، قال: «مَن أخَذَ السَّبْعَ الأُولَ مِن القرآنِ، فهو حَبْرٌ». أخرجه أحمد (24575).
ثبَتتْ قراءتُه ﷺ لسورةِ (النِّساء) في قيامِه بالليل:
جاء عن حُذَيفةَ بن اليمانِ رضي الله عنهما أنه قال: «صلَّيْتُ مع النبيِّ ﷺ ذاتَ ليلةٍ، فافتتَحَ البقرةَ، فقلتُ: يَركَعُ عند المائةِ، ثم مضى، فقلتُ: يُصلِّي بها في ركعةٍ، فمضى، فقلتُ: يَركَعُ بها، ثم افتتَحَ النِّساءَ فقرَأها، ثم افتتَحَ آلَ عِمْرانَ فقرَأها، يَقرأُ مُترسِّلًا». أخرجه مسلم (772).
اشتَملتِ السُّورةُ على عِدَّةِ موضوعات، جاءت على الترتيبِ الآتي:
أصل البشرية، وخالقها واحد؛ فلا عدوانَ على المال والنسل (١-١٨).
تكريم المرأة وحقها كزوجة (١٩-٢٨).
استقلال المرأة بنفسها ومالها (١٩-٢١).
المُحرَّمات من النساء (٢٢-٢٤).
نكاح الإماء (٢٥).
تعقيب وموعظة (٢٦-٢٨).
حُرْمة الأموال، والقوامة المالية في الأسرة (٢٩-٤٣).
دور اليهود التخريبي، أمر الله يقوم على العدل (٤٤-٥٨).
أساس الدِّين، وطاعة الله والرسول (٥٩-٧٠).
قتال أعداء الحقِّ ضروريٌّ لتحرير المستضعَفِين وحماية الحق (٧١-٩٤).
علاقة الهجرة بالتحرير والقتال (٩٥-١٠٤).
حُكْمُ الله عدلٌ مطلق، وجزاؤه حقٌّ وعدل (١٠٥-١٣٥).
وَلاية الكافرين نفاق (١٣٦-١٤٩).
انحرافات أهل الكتاب الاعتقادية والسلوكية (١٥٠-١٦٢).
الوحيُ لتحرير الناس لم ينقطع من بداية البشرية إلى البعثة (١٦٣-١٧٠).
الغلوُّ عند أهل الكتاب أخرَجهم من الإيمان (١٧١-١٧٣).
القرآن دليلٌ قاطع، وحُجَّةٌ واضحة (١٧٤-١٧٦).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (2 /40).
يدور محورُ هذه السُّورةِ حول بيانِ تشريع معاملات الأقرباء وحقوقهم، وأحكام المعاملات بين جماعة المسلمين في الأموال والدِّماء، وأحكامِ القتل عمدًا وخطأً، وتأصيلِ الحُكْمِ الشرعي بين المسلمين في الحقوق، والدفاعِ عن المعتدَى عليه، والتحذيرِ من اتِّباع الهوى، والأمرِ بالبِرِّ، والمواساة، وأداء الأمانات، والتمهيدِ لتحريم شُرْبِ الخمر. ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (4 /213).