ﰡ
التفِسير: ﴿المص﴾ تقدم في أول سورة البقرة الكلام عن الحروف المقطّعة وأن الحكمة في ذكرها بيان «إِعجاز القرآن» بالإِشارة إِلى أنه مركب من أمثال هذه الحروف ومع ذلك فقد عجز بلغاؤهم وفصحاؤهم وعباقرتهم عن الإِتيان بمثله وروي عن ابن عباس معناه: أنا الله أعلم وأَفْصِل، وقال أبو العالية: الألف مفتاح اسمه الله واللام مفتاح اسمه لطيف والميم مفتاح اسمه مجيد والصاد مفتاح اسمه صادق ﴿كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ أي هذا كتاب أنزله الله إِليك يا محمد وهو القرآن ﴿فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ﴾ أي لا يضقْ صدرك من تبليغه خوفاً من تكذيب قومك ﴿لِتُنذِرَ بِهِ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي لتنذر بالقرآن من يخاف الرحمن، ولتذكر وتعظ به المؤمنين لأنهم المنتفعون به ﴿اتبعوا مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أي اتبعوا أيها الناس القرآن الذي فيه الهدى والنور والبيان المنزّل إِليكم من ربكم ﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ﴾ أي ولا تتخذوا أولياء من دون الله كالأوثان والرهبان والكُهّان تولونهم أموركم وتطيعونهم فيما يشرعون لكم ﴿قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ أي تتذكّرون تذكراً قليلاً قال الخازن: أي ما تتعظون إِلا قليلاً ﴿وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا﴾ أي وكثير من القرى أهلكناها والمراد بالقرية أهلُها ﴿فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً﴾ أي جاءها عذابنا ليلاً ﴿أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ﴾ أي جاءهم العذاب في وقت القيلولة وهي النوم في وسط النهار قال أبو حيان: وخصّ مجيء البأس بهذين الوقتين لأنهما وقتان للسكون والدعة والاستراحة فمجيء العذاب فيهما أشق وأفظع لأنه يكون على غفلةٍ من المهلكين ﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ﴾ أي ما كان دعاؤهم واستغاثتهم حين شاهدوا العذاب ورأوا أماراته ﴿إِلاَّ أَن قالوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ أي إِلا اعترافهم بظلمهم تحسراً وندامة، وهيهات أن ينفع الندم ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ﴾ أي لنسألن الأمم قاطبة هل بلّغكم الرسل وماذا أجبتم؟ والمقصودُ من هذا السؤال التقريع والتوبيخ للكفار ﴿وَلَنَسْأَلَنَّ المرسلين﴾ أي لنسألنَّ الرسل أيضاً هل بلّغوا الرسالة وأدوا الأمانة؟ قال في البحر: وسؤال الأمم تقريرٌ وتوبيخ يعقب الكفار والعصاة نكالاً وعذاباً، وسؤال الرسل تأنيسٌ يعقب الأنبياء كرامة وثواباً ﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ﴾ أي فلنخبرنهم بما فعلوا عن علمٍ منا قال ابن عباس: يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون ﴿وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ﴾ أي ما كنا غائبين عنهم حتى يخفى علينا شيء من أحوالهم قال ابن كثير: يخبر تعالى عباده يوم القيامة بما قالوا وبما عملوا من قليل وكثير: وجليل وحقير، لأنه تعالى الشهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء بل هو العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور ﴿والوزن يَوْمَئِذٍ الحق﴾ أي والوزن للأعمال يوم القيامة كائن بالعدل ولا يظلم ربك أحداً ﴿فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ أي فمن رجحت موازين أعماله بالإِيمان وكثرة الحسنات ﴿فأولئك هُمُ المفلحون﴾ أي الناجون غداً من العذاب الفائزون
«يؤتى يوم القيامة بالرجل السمين فلا يزن عند الله جناح بعوضة» والكل صحيح فتارةً توزن الأعمال، وتارةً محالها، وتارة يوزن فاعلها والله أعلم أقول: لا غرابة في وزن الأعمال ووزن الحسنات والسيئات بالذات، فإِذا كان العلم الحديث قد كشف لنا عن موازين للحر والبرد، واتجاه الرياح والأمطار، أفيعجز القادر على كل شيء عن وضع موازين لأعمال البشر؟ ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرض﴾ أي جعلنا لكم أيها الناس في الأرض مكاناً وقراراً قال البيضاوي: أي مكناكم من سكناها وزرعها والتصرف فيها ﴿وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ﴾ أي ما تعيشون به وتحيون من المطاعم والمشارب وسائر ما تكون به الحياة ﴿قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ﴾ أي ومع هذا الفضل والإِنعام قليل منكم من يشكر ربه كقوله ﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشكور﴾ [سبأ: ١٣] ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ أي خلقنا أباكم آدم طيناً غير مصوَّر ثم صورناه أبدع تصوير وأحسن تقويم، وإِنما ذكر بلفظ الجمع تعظيماً له لأنه أبو البشر ﴿ثُمَّ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لأَدَمَ﴾ أي ثم أمرنا الملائكة بالسجود لآدم تكريماً له ولذريته ﴿فسجدوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ الساجدين﴾ أي سجد الملائكة كلهم أجمعون إِلا إِبليس امتنع من السجود تكبراص وعناداً، والاستثناء منطقع لأنه استثناء من غير الجنس وقد تقدم قول الحسن البصري: لم يكن إِبليسُ من الملائكة طرفة عين ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ أي قال تعالى لإِبليس أيُّ شيء منعك أن تدع السجود لآدم؟ والاستفهام للتقريع والتوبيخ ﴿قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ﴾ أي قال إِبليس اللعين أنا أفضل من آدم وأشرف منه فكيف يسجد الفاضل للمفضول؟ ثم ذكر العلة في الامتناع فقال ﴿خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ أي أنا أشرف منه لشرف عنصري على عنصره، لأنني مخلوق من نار والنار أشرف من الطين، ولم ينظر المسكين لأمر من أمره بالسجود وهو الله تعالى قال ابن كثير: نظر اللعين إِلى أصل العنصر ولم ينظر إِلى التشريف والتعظيم وهو أن الله خلق آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وقاس قياساً فاسداً فأخطأ قبّحه الله في قياسه في دعواه أن النار أشرف من الطين، فإِن الطين من شأنه الرزانة والحلم، والنار من شأنها الإِحراق والطيش، والطين محل النبات والنمو والزيادة والإِصلاح والنار محل العذاب ولهذا خان إِبليس عنصره فأورثه الهلاك والشقاء والدمار قال ابن سيرين: أول من قاس إِبليس فأخطأ فمن قاس الدين برأيه قرنه الله مع إِبليس ﴿قَالَ فاهبط مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا﴾ أي اهبط من الجنة فما يصح ولا يستقيم ولا ينبغي أن تستكبر عن طاعتي وأمري وتسكن
﴿قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين إلى يَوْمِ الوقت المعلوم﴾ [الحجر: ٣٧ - ٣٨] ﴿قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم﴾ أي فبسبب إِغوائك وإِضلالك لي لأقعدنَّ لآدم وذريته على طريق الحق وسبيل النجاة الموصل للجنة كما يقعد القُطّاع للسابلة ﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ﴾ أي آتي عبادك من كل جهة من الجهات الأربع لأصدّهم عن دينك قال الطبري: معناه لآتينهم من جميع وجوه الحق والباطل، فأصدهم عن الحق وأحسّن لهم الباطل قال ابن عباس: ولا يستطيع أن يأتي من فوقهم لئلا يحول بين العبد وبين رحمة الله تعالى ﴿وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾ أي مؤمنين مطيعين شاكرين لنعمك ﴿قَالَ اخرج مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً﴾ أي اخرج من الجنة مذموماً معيباً مطروداً من رحمتي ﴿لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ اللام موطئة للقسم أي لمن أطاعك من الإِنس والجن لأملأنَّ جهنم من الأتباع الغاوين أجمعين، وهو وعيد بالعذاب لكل من انقاد للشيطان وترك أمر الرحمن ﴿وَيَآءَادَمُ اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ الجنة﴾ أي وقلنا يا آدم اسكن مع زوجك حواء الجنة بعد أن أُهبط منها إبليس وأخرج وطرد ﴿فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا﴾ أي كلا من ثمارها من أي مكان شئتما ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة فَتَكُونَا مِنَ الظالمين﴾ أباح لهما الأكل من جميع ثمارها إِلا شجرة عيّنها لهما ونهاهما عن الأكل منها ابتلاءً وامتحاناً فعند ذلك حسدهما الشيطان وسعى في الوسوسة والمكر والخديعة ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان﴾ أي ألقى لهما بصوتٍ خفي لإِغرائهما بالأكل من الشجرة ﴿لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا﴾ أي ليظهر لهما ما كان مستوراص من العورات التي يقبح كشفها ﴿وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين﴾ وهذا توضيح لوسوسة اللعين أي قال في وسوسته لهما: ما نهاكما ربكما عن الأكل من الشجرة إِلا كراهية أن تكونا مَلكَين أو تصبحا من المخلّدين في الجنة ﴿وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين﴾ أي حلف لهما بالله على ذلك حتى خدعهما وقد يُخْدع المؤمن بالله قال الألوسي: وإِنما عبّر بصيغة المفاعلة للمبالغة لأن من يباري أحداً في فعلٍ يجدُّ فيه ﴿فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ﴾ أي خدعهما بما غرهما به من القسم بالله قال ابن عباس: غرهما باليمين وكان آدم يظن أنه لا يحلف أحدٌ بالله كاذباً فغرهما بوسوسته وقسمه لهما ﴿فَلَمَّا ذَاقَا الشجرة بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا﴾ أي فلما أكلا من الشجرة ظهرت عوراتهما قال الكلبي: تهافت عنهما لباسهما فأبصر كلٌ منهما عورة صاحبه فاستحيا {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن
﴿إِنَّ الشيطان لَكُمْ عَدُوٌّ فاتخذوه عَدُوّاً﴾ [فاطر: ٦] ﴿وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ﴾ أي لكم في الأرض موضع استقرار وتمتع وانتفاع إلى حين انقضاء آجالكم ﴿قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ﴾ أي في الأرض تعيشون وفيها تُقبرون ومنها تُخرجون للجزاء كقوله ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى﴾ [طه: ٥٥] ثم ذكر تعالى ما امتنَّ به على ذرية آدم من اللباس والرياش والمتاع فقال ﴿يابنيءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً﴾ أي أنزلنا عليكم لباسين: لباساً يستر عوراتكم، ولباساً يزينكم وتتجملون به قال الزمخشري: الريش لباس الزينة استعير من ريش الطير لأنه لباسه وزينته ﴿وَلِبَاسُ التقوى ذلك خَيْرٌ﴾ أي ولباس الورع والخشية من الله تعالى خير ما يتزين به المرء فإِن طهارة الباطن أهم من جمال الظاهر قال الشاعر:
وخيرُ لباس المرء طاعةُ ربه | ولا خير فيمن كان الله عاصياً |
البَلاَغَة: ١ - ﴿حَرَجٌ مِّنْهُ﴾ أي ضيق من تبليغه فهو على حذف مضاف مثل ﴿وَسْئَلِ القرية﴾ [يوسف: ٨٢].
٢ - ﴿مِّن رَّبِّكُمْ﴾ التعرض لوصف الربوبية مع الإِضافة لضمير المخاطبين لمزيد اللطف بهم وترغيبهم في امتثال الأوامر.
٣ - ﴿فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ بين ﴿ثَقُلَتْ﴾ و ﴿خَفَّتْ﴾ طباقٌ وكذلك بين ﴿بَيَاتاً﴾ و ﴿قَآئِلُونَ﴾ لأن البيات معناه ليلاً و ﴿قَآئِلُونَ﴾ معناه نهاراً وقت الظهيرة.
٤ - ﴿خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ هو على حذف مضاف أي خلقنا أباكم وصورنا أباكم.
٥ - ﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم﴾ استعار الصراط المستقيم لطريق الهداية الموصلإلى جنان النعيم.
٦ - ﴿وَيَآءَادَمُ﴾ فيه إيجاز بالحذف أي وقلنا يا آدم.
٧ - ﴿وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة﴾ عبَّر عن الأكل بالقرب مبالغة في النهي عن الأكل منها.
٩ - ﴿فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ﴾ بين الجملتين طباقٌ وهو من المحسنات البديعية.
تنبيه: سميت العورة سوأة لأن كشفها يسوء صاحبها قال العلماء: في الآية دليل على أن كشف العورة من عظائم الأمور وأنه مستهجنٌ في الطباع ولذلك سميت سوأة أقول: إن الآية قد أوضحت هدف إبليس اللعين ﴿يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ﴾ فمن دعا إلى تعري المرأة وشجَّع على ذلك كما هو حال من يزعم التقدمية ويدعو المرأة إلى نزع الحجاب بدعوة الحرية والمساواة فإنما هو عدوٌ للمرأة ومن أنصار وأعوان إبليس لأن الهدف واحد، وهي دعوة مكشوفة غايتها التفسخُ والانحلال الخلقي، وليست التقدمية بالتكشف والتعري وإنما هي بصيانة الشرف والعفاف ولله در القائل:
يا ابنتي إن أردتِ آيةَ حسنٍ | وجمالاً يزينُ جسماً وعقلاً |
فانبذي عادة التبرج نبذاً | فجمالُ النفوسِ أسمى وأَعْلى |
يصنع الصَّانعون ورداً ولكنْ | رودةُ الروضِ لا تُضارع شكلاً |
اليوم يبدو بعضُه أو كلّه | فما بدا منه فلا أُحلّه |
التفِسير: ﴿يابنيءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ أي البسوا أفخر ثيابكم وأطهرها عند كل
﴿وَتِلْكَ القرى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً﴾ [الكهف: ٥٩] والساعة مثلٌ في غاية القلة من الزمان ﴿يابنيءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي﴾ المراد ببني آدم جميع الأمم والمعنى إن يجئْكمُ رسلي الذين أرسلتهم إليكم يبينون لكم الأحكام والشرائع ﴿فَمَنِ اتقى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ أي فمن اتقى منكم ربه بفعل الطاعات وترك المحرمات فلا خوف عليهم في الآخرة ولا هم يحزنون ﴿والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا واستكبروا عَنْهَآ أولئك أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ أي وأما من كذب واستكبر عن الإِيمان بما جاء به الرسل فأولئك في نار جهنم ماكثون لا يخرجون منها أبداً ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾ الاستفهام للإِنكار أي من أقبح وأشنع ممن تعمّد الكذب على الله أو كذّب بآياته المنزلة؟ ﴿أولئك يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الكتاب﴾ أي يصيبهم حظهم في الدنيا مما كُتب لهم وقُدر من الأرزاق والآجال قال مجاهد: ما وُعدوا به من خير أو شر ﴿حتى إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ﴾ أي جاءت ملائكة الموت تقبض أرواحهم ﴿قالوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ الله﴾ أي أين الآلهة التي كنتم تعبدونها من دون الله أدعوهم ليخلصوكم من العذاب، والسؤال للتبكيت والتوبيخ ﴿قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا﴾ أي قال الأشقياء المكذبون لقد غابوا عنا فلا نرجوا نفعهم ولا
﴿رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السبيلا رَبَّنَآ آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العذاب والعنهم لَعْناً كَبِيراً﴾ [الأحزاب: ٦٧ - ٦٨] ﴿قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾ أي لكلٍ من القادة والأتباع عذاب مضاعف أما القادة فلضلالهم وإضلالهم، وأما الأتباع فلكفرهم وتقليدهم ﴿ولكن لاَّ تَعْلَمُونَ﴾ أي لا تعلمون هوله ولهذا تسألون لهم مضاعفة العذاب ﴿وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ﴾ أي قال القادة للأتباع: لا فضل لكم علينا في تخفيف العذاب فنحن متساوون في الضلال وفي استحقاق العذاب الأليم ﴿فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ أي فذوقوا عذاب جهنم بسبب إجرامكم، قالوه لهم على سبيل التشفي لأنهم دعوا عليهم بمضاعفة العذاب ﴿إِنَّ الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا واستكبروا عَنْهَا﴾ أي كذبوا بإياتنا مع وضوحها واستكبروا عن الإِيمان بها والعلم بمقتضاها ﴿لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السمآء﴾ أي لا يصعد لهم عمل صالح كقوله تعالى ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب﴾ [فاطر: ١٠] قال ابن عباس: لا يرفع لهم منها عمل صالح ولا دعاء، وقيل: لا تُفتَّح لأرواحهم أبواب السماء إذا قبضت أرواحهم ويؤيده حديث «إن العبد الكافر إذا كان في انقطاعٍ من الدنيا يجيئه ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة أخرجي إلى سخطٍ من الله وغضب، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة فلا يمر على ملأٍ من الملائكة إلا قالوا ما هذه الروح الخبيثة؟ حتى ينتهي بها إلى السماء الدنيا فيستفتح فلا يفتح له..» الحديث ﴿وَلاَ يَدْخُلُونَ الجنة حتى يَلِجَ الجمل فِي سَمِّ الخياط﴾ أي لا يدخلون يوم القيامة الجنة حتى يدخل الجمل في ثقب الإِبرة، وهذا تمثيل لاستحالة دخول الكفار الجنة كاستحالة دخول الجمل على ضخامته في ثقب الإِبرة على دقته مبالغة في التصوير ﴿وكذلك نَجْزِي المجرمين﴾ أي ومثل ذلك الجزاء الفظيع نجزي أهل العصيان والإِجرام ﴿لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ﴾ أي لهم فراش من النار من تحتهم ﴿وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ أي ومن فوقهم أغطية من النار ﴿وكذلك نَجْزِي الظالمين﴾ أي ومثل ذلك
«يدخلون الجنة وليس في قلوب بعضهم على بعض غلٌ» وصيغة الماضي تفيد التحقق والتثبت ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنهار﴾ أي تجري أنهار الجنة من تحت قصورهم زيادة في نعيمهم ﴿وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي هَدَانَا لهذا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لولا أَنْ هَدَانَا الله﴾ أي وفقنا لتحصيل هذا النعيم العظيم ولولا هداية الله تعالى وتوفيقه لما وصلنا إلى هذه السعادة ﴿لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق﴾ أي والله لقد صدقنا الرسل فيما أخبرونا به عن الله عَزَّ وَجَلَّ ﴿ونودوا أَن تِلْكُمُ الجنة أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي وتناديهم الملائكة أن هذه هي الجنة التي أعطيتموها بسبب أعمالكم الصالحة في الدنيا قال القرطبي: ورثتم منازلها بعملكم، ودخولكم إِياها برحمة الله وفضله وفي الحديث «لن يُدخل أحداً منكم عملهُ الجنة..» ﴿ونادى أَصْحَابُ الجنة أَصْحَابَ النار أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ﴾ هذا النداء إنما يكون بعد استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، وعبَّر بالماضي عن المستقبل لتحقق وقوعه أي ينادي أهلُ الجنة أهلَ النار يقولون: إنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا على ألسنة رسله من النعيم والكرامة حقاً، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم من الخزي والهوان والعذاب حقاً؟ قال أهل النار مجيبين: نعم وجدناه حقاً قال الزمخشري: وإِنما قالوا لهم ذلك اغتباطاً بحالهم، وشماتةً بأهل النار، وزيادة في غمهم لمجرد الإِخبار والاستخبار ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين﴾ أي أعلن معلنٌ ونادى منادٍ بين الفريقين بأن لعنة الله على كل ظالم بالله ثم وصفه بقوله ﴿الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً﴾ أي الذين كانوا في الدنيا يمنعون الناس عن اتباع دين الله ويبغون أن تكون السبيل معوجة غير مستقيمة حتى لا يتبعها أحد ﴿وَهُمْ بالآخرة كَافِرُونَ﴾ أي وهم بلقاء الله في الدار الآخرة مكذبون جاحدون ﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأعراف رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ﴾ أي بين الفريقين حجاب وهو السور الذي ذكره بقوله ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ﴾ [الحديد: ١٣] يمنع من وصول أهل النار للجنة، وعلى هذا السور رجال يعرفون كلاً من أهل الجنة وأهل النار بسيماهم أي بعلامتهم التي ميّزهم الله بها قال قتادة: يعرفون أهل النار بسواد وجوههم وأهل الجنة ببياض وجوههم ﴿وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الجنة أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ﴾ أي ونادى أصحاب الأعراف أهل الجنة حين
٢ - ﴿لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السمآء﴾ كناةي عن عدم قبول العمل، فلا يقبل لهم دعاء أو عمل.
٣ - ﴿حتى يَلِجَ الجمل فِي سَمِّ الخياط﴾ فيه تشبيه ضمني أي لا يدخلون الجنة بحالٍ من الأحوال إلا إِذا أمكن دخول الجمل في ثقب الإِبرة، وهو تمثيلٌ للاستحالة.
٤ - ﴿لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ قال صاحب البحر: هذه استعارة لما يحيط بهم من النار من كل جانب كقوله ﴿لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النار وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ﴾ [الزمر: ١٦].
٥ - ﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ بين «ظهر» و «بطن» طباقٌ وهو من المحسنات البديعية.
فَائِدَة: يروى أن الرشيد كان له طبيبٌ نصراني حاذق فقال ذلك الطبيبُ لأحد العلماء: ليس في كتابكم من علم الطب شيء والعلمُ علمان: علم الأبدان وعلم الأديان فقال له العالم: قد جمع الله تعالى الطبَّ كله في نصف آية من كتابه قال وما هي؟ قال قوله تعالى ﴿وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تسرفوا﴾ فقال النصراني: ولا يُؤثر عن رسولكم شيء في الطب فقال العالم: قد جمع رسولنا الطب في ألفاظ يسيرة قال وما هي؟ قال قوله «ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يُقمن صلبه» الحديث فقال النصراني: ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طباً.
اللغة: ﴿تَأْوِيلَهُ﴾ عاقبة أمره وما يئول إليه من آل يئول إذا صار إليه ﴿استوى﴾ الاستواء: العلوّ والاستقرار قال الجوهري: استوى على ظهر الدابة استقرّ: واستوى إلى السماء قصد، واستوى الشيءُ إذا اعتدل ﴿يُغْشِي﴾ يغطيّ ﴿حَثِيثاً﴾ سريعاً والحثُّ: الإِعجال والسرعة ﴿تَبَارَكَ﴾ تفاعل من البركة وهي الكثرة والاتساع قال الأزهري: تبارك أي تعالى وتعاظم وارتفع ﴿تَضَرُّعاً﴾ تذللاً واستكانة وهو إظهار الذل الذي في النفس مع الخشوع ﴿وَخُفْيَةً﴾ سراً ﴿بُشْراً﴾ مبشرة بالمطر ﴿أَقَلَّتْ﴾ حملت ﴿نَكِداً﴾ العِسر القليل ﴿آلاء﴾ [النجم: ٥٥] الآلاء النِّعَم واحدها «لَى» كمِعَى.
التفِسير: ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ﴾ أي ولقد جئنا أهل مكة بكتاب هو القرآن العظيم ﴿فَصَّلْنَاهُ على عِلْمٍ﴾ أي هداية معانيه ووضحنا أحكامه على علم منا حتى جاء قيّماً غير ذي عوج ﴿هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أي هداية ورحمة وسعادة لمن آمن به ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ﴾ أي ما ينتظر أهل مكة إلا عاقبة ما وُعدوا به من العذاب والنكال قال قتادة: تأويله عاقبتُه ﴿يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾ هو يوم القيامة ﴿يَقُولُ الذين نَسُوهُ مِن قَبْلُ﴾ أي يقول الذين ضيّعوا وتركوا العمل به في الدنيا ﴿قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق﴾ أي جاءتنا الرسل بالأخبار الصادقة وتحقق لنا صدقهم فلم نؤمن بهم ولم نتبعهم قال الطبري: أقسم المساكين حين حل بهم العقاب أن رسل الله قد بلّغتهم الرسالة ونصحتْ لهم
«إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً» ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾ أي لا تفسدوا في الأرض بالشرك والمعاصي بعد أن أصلحها الله ببعثة المرسلين ﴿وادعوه خَوْفاً وَطَمَعاً﴾ أي خوفاً من عذابه وطمعاً في رحمته ﴿إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ مِّنَ المحسنين﴾ أي رحمته تعالى قريبة من المطيعين الذين يمتثلون أوامره ويتركون زواجره ﴿وَهُوَ الذي يُرْسِلُ الرياح بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ أي يرسل الرياح مبشرة بالمطر قال في البحر: ومعنى بين يدي رحمته أي أمام نعمته وهو المطر الذي هو من أجلّ النعم وأحسنها أثراً على الإِنسان ﴿حتى إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً﴾ أي حتى إذا حملت الرياح سحاباً مثقلاً بالماء ﴿سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ﴾ أي سقنا السحاب إلى أرض ميتة مجدبة لا نبات فيها ﴿فَأَنْزَلْنَا بِهِ المآء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثمرات﴾ أي أنزلنا في ذلك البلد الميت الماء فأخرجنا بذلك الماء من كل أنواع الثمرات ﴿كذلك نُخْرِجُ الموتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ أي مثل هذا الإِخراج نُخرج الموتى من
٢ - ﴿سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ﴾ وصفُ البلد بالموت استعارةٌ لجدبه وعدم نباته كأنه كالجسد الذي لا روح فيه من حيث عدم الانتفاع به.
٣ - ﴿كذلك نُخْرِجُ الموتى﴾ أي مثل إخراج النبات من الأرض نخرج من الموتى من قبورهم فهو تشبيه «مرسل مجمل» ذكرت الأداة ولم يذكر وجه الشبه.
٤ - ﴿وَقَطَعْنَا دَابِرَ﴾ قطع الدابر كنايةٌ لطيفةٌ عن استئصالهم جميعاً بالهلاك.
تنبيه: ذكر العلامة الألوسي عند قوله تعالى ﴿ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً﴾ عن الحسن البصري أنه قال: لقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم وذلك أنه تعالى يقول ﴿ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً﴾ وأنه سبحانه ذكر عبداً صالحاً فقال ﴿إِذْ نادى رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً﴾ [مريم: ٣] ثم قال: وذكروا للدعاء آداباً كثيرة منها: أن يكون على طهارة، وأن يستقبل القبلة، وتخلية القلب من الشواغل، وافتتاحه واختتامه بالصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ورفع اليدين نحو السماء، وإشراك المؤمنين فيه، وتحري ساعات الإِجابة كثلث الليل الأخير، ووقت إفطار الصائم، ويوم الجمعة وغير ذلك.
اللغَة: ﴿نَاقَةُ﴾ الناقة: الأنثى من الجمال، وعقر الناقة ضرب قوائمها بالسيف ﴿عَتَوْاْ﴾ استكبروا عتا عتواً أي استكبر والليلُ العاتي: الشديد الظلمة ﴿جَاثِمِينَ﴾ لاصقين بالأرض على ركبهم ووجوههم كما يجثم الطائر ﴿الرجفة﴾ الطامة التي يرجف لها الإِنسان أي يتزعزع ويضطرب وأصل الرجف الاضطراب رجفت الأرض اضطربت ﴿الغابرين﴾ الباقين في عذاب الله، والغابر بمعنى الباقي ويجيء بمعنى الماضي والذاهب ومنه قول الأعشى: في الزمن الغابر فهو من الأضداد كما في الصحاح ﴿يَغْنَوْاْ﴾ يقيموا يقال غَنَى بالمكان إذا أقام به دهراً طويلاً ﴿عِفُواْ﴾ كثروا ونموا من عفا النبات إذا كثر.
التِفسير: ﴿وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ﴾ أي وحّدوا الله ولا تشركوا به ﴿قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أي معجزة ظاهرة جلية تدل على صحة نبوتي ﴿هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً﴾ هذا بيانٌ للمعجزة أي هذه الناقة معجزتي إليكم وإضافتها إلى الله للتشريف
﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾ [النساء: ٢٢] فأتى به منكراً، والجملة المنفية ﴿مَا سَبَقَكُمْ﴾ تدل على أنهم أول من فعل هذه الفعلة القبيحة وأنهم مبتكروها، والمبالغة في ﴿مِنْ أَحَدٍ﴾ حيث زيدت مِنْ لتأكيد نفي الجنس، وفي الإِتيان بعموم ﴿العالمين﴾ جمعاً قال عمرو بن دينار: ما رؤي ذكرٌ على ما ذكر قبل قوم لوط ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً مِّن دُونِ النسآء﴾ هذا بيانٌ للفاحشة وهو توبيخٌ آخر أشنع مما سبق لتأكيده بإنَّ وباللام أي إنكم أيها القوم لتأتون الرجال في أدبارهم شهوة منكم لذلك الفعل الخبيث المكروه دون ما أحله الله لكم من النساء ثم أضرب عن الإِنكار إلى الإِخبار عنهم بالجال التي توجب ارتكاب القبائح واتباع الشهوات فقال ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ﴾ أي لا عذر لكم بل أنتم عادتكم الإِسراف وتجاوز الحدود في كل شيء قال أبو السعود: وفي التقييد بقوله ﴿شَهْوَةً﴾ وصفٌ لهم بالبهيمية الصِّرفة وتنبيهٌ على أن العاقل ينبغي أن يكون الداعي له إلى المباشرة طلب الولد وبقاء النسال لاقضاء الشهوة ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قالوا أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ أي ما كان جوابهم للوطٍ إذ وبخهم على فعلهم القبيح إلا أن قال بعضهم لبعض: أخرجوا لوطاً وأتباعه المؤمنين من بلدتكم لأنهم أناس يتنزهون عما نفعله نحن من إتيان الرجال في الأدبار، قال ابن عباس ومجاهد: ﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ أي يتقذرون عن إتيان أدبار الرجال والنساء، قالوا ذلك سخرية واستهزاءً بلوط وقومه وعابوهم بما يمدح به الإِنسان ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين﴾ أي أنجيناه من العذاب الذي حلّ بقومه وأهله المؤمنين إلا امرأته فلم تنج وكانت من الباقين وبالله كافرة فهلكت مع من هلك من قوم لوط حين جاءهم العذاب ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً﴾ أي أرسلنا عليه نوعاً من المطر عجيباً هو حجارة من سجيل كما في الآية الأخرى
﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ﴾ [الحجر: ٧٤] وشبه العذاب بالمطر المدرار لكثرته حيث أرسل إرسال المطر ﴿فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المجرمين﴾ أي انظر أيها السامع إلى عاقبة هؤلاء المجرمين كيف كانت؟ وإلى أي شيءٍ صارت؟ هل كانت إلا البوار والهلاك؟! ﴿وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ﴾ أي وأرسلنا إلى أهل مدين شعيباً داعياً لهم إلى توحيد الله وعبادته قال ابن كثير: ومدين تطلق على القبيلة وعلى المدينة وهي التي بقرب «معان» من طريق الحجاز وهم أصحاب الأيكة كما سنذكره ﴿قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أي معجزة تدل على صدقي ﴿فَأَوْفُواْ الكيل والميزان﴾ أي أتموا للناس حقوقهم بالكليل الذي تكيلون به والوزن الذي تزنون به ﴿وَلاَ تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَاءَهُمْ﴾ أي لا تظلموا الناس حقوقهم ولا تُنْقصوهم إياها ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾ أي لا تعملوا بالمعاصي بعد إصلاحها ببعثة الرسل ﴿ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾ أي ما أمرتكم به من إخلاص العبادة لله
البَلاَغَة: ١ - ﴿نَاقَةُ الله﴾ الإضافة للتشريف والتكريم.
٢ - ﴿وَلاَ تَمَسُّوهَا بسواء﴾ التنكير للتقليل والتحقير أي لا تمسوها بأدنى سوء.
٣ - ﴿أَتَأْتُونَ الفاحشة﴾ الاستفهام للإِنكار والتوبيخ والتشنيع.
٤ - ﴿إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ يسمى هذا النوع في علم البديع التعريض بما يوهم الذم ولذلك قال ابن عباس: عابوهم بما يُمدح به.
٥ - ﴿عَلَى الله تَوَكَّلْنَا﴾ إظهار الاسم الجليل للمبالغة في التضرع وتقديم الجار والمجرور لإِفادة الحصر.
٦ - بين لفظ ﴿مُؤْمِنُونَ﴾ و ﴿كَافِرُونَ﴾ طباقٌ.
فَائِدَة: الذي عقر الناقة هو «قُدار بن سالف» وإنما نسب الفعل إليهم جميعاً في قوله تعالى ﴿فَعَقَرُواْ الناقة﴾ لأنه كان برضاهم وأمرهم، والراضي بالعمل القبيح شريك في الجريمة.
اللغَة: ﴿البأسآء﴾ شدة الفقر ﴿الضرآء﴾ الضرُّ والمرض ﴿عَفَوْاْ﴾ كثروا ونموا ﴿بَغْتَةً﴾ فجأة ﴿َمَلَئِهِ﴾ أشراف قومه ﴿أَرْجِهْ﴾ أخّرْ ﴿صَاغِرِينَ﴾ أذلاء ﴿تَلْقَفُ﴾ تبتلع وتلتقم ﴿يَأْفِكُونَ﴾ الإِفك: الكذب ﴿أَفْرِغْ﴾ الإِفراغ: الصبُّ أي اصببه علينا.
التفِسير: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ﴾ في الكلام حذف أي وما أرسلنا في قرية من نبي فكذبه أهلها ﴿إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بالبأسآء والضرآء﴾ أي عاقبتاهم بالبؤس والفقر، والمرض وسوء الحال ﴿لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾ أي كي يتضرعوا ويخضعوا ويتوبوا من ذنوبهم ﴿ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السيئة الحسنة﴾ أي ثم أبدلناهم بالفقر والمرض، الغنى والصحة ﴿حتى عَفَوْاْ﴾ أي حتى كثروا ونموا ﴿وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضرآء والسرآء﴾ أي أبطرتهم النعمة وأشروا فقالوا كفراناً لها: هذه عادة الدهر وقد مسّ آباءنا مثل ذلك من المصائب ومن الرخاء وليست بعقوبة من الله فلنبق على ديننا، والغرضُ أن الله ابتلاهم بالسيئة لينيبوا إليه فما فعلوا، ثم بالحسنة ليشكروا فما فعلوا، فلم يبق إلا أن يأخذهم بالعذاب ولهذا
﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى﴾ [طه: ٦٦] ﴿واسترهبوهم وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾ أي أفزعوهم وأرهبوهم إرهاباً شديداً حيث خيلوها حياتٍ تسعى وجاءوا بسحر عظيم يهابه من رآه قال ابن اسحاق: صُفَّ خمسة عشر ألف ساحر مع كل ساحرٍ حبالُه وعصيُّه وفرعون في مجلسه مع أشراف مملكته فكان أول ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى وبصر فرعون، ثم أبصار الناس بعد ثم ألقى رجل منهم ما في يده من العصيّ والحبال فإذا هي حيات كأمثال الجبال قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضاً ﴿وَأَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ أي أوحينا إليه بأن ألق عصاك فألقاها فإذا هي تبتلع بسرعة ما يزوّرونه من الكذب قال ابن عباس ﴿تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ لا تمر بشيء من حبالهم وخشبهم التي ألقوها إلا التقمته ﴿فَوَقَعَ الحق وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي ثبت وظهر الحق لمن شهده وحضره، وبطل إفك السحر وكذبه ومخايله ﴿فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وانقلبوا صَاغِرِينَ﴾ أي غُلب فرعونُ وقومهُ في ذلك المجمع العظيم وصاروا ذليلين ﴿وَأُلْقِيَ السحرة سَاجِدِينَ قالوا آمَنَّا بِرَبِّ العالمين رَبِّ موسى وَهَارُونَ﴾ أي خرّوا ساجدين معلنين إيمانهم بربّ العالمين لأن الحق بهرهم قال قتادة: كانوا أول النهار كفاراً سحرة وفي آخره شهداء بررة ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ﴾ أي قال فرعون الجبار للسحرة آمنتم بموسى قبل أن تستأذنوني؟ والمقصود بالجملة التوبيخ ﴿إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي المدينة لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا﴾ أي صنيعكم هذا حيلةٌ احتلتموها أنتم وموسى في مصر قبل أن تخرجوا إلى الميعاد لتخرجوا منها القبط وتسكنوا بني إسرائيل، قال هذا تمويهاً على الناس لئلا يتبعوا السحرة في الإِيمان ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ أي فسوف تعلمون ما يحلُّ بكم، وهذا وعيد وتهديد ساقه بطريق الإِجمال للتهويل ثم عقّبه بالتفصيل فقال ﴿لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ﴾ أي لأقطعنَّ من كل واحد منكم يده ورجله من خلاف قال الطبري: ومعنى ﴿مِّنْ خِلاَفٍ﴾ هو أن يقطع من أحدهم يده اليمنى ورجله اليسرى، أو يقطع يده اليسرى ورجله اليمنى فيخالف بين العضوين في القطع ﴿ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أي ثم أصلبكم جميعاً تنكيلاً لكم ولأمثالكم، والصلب التعليق على الخشب حتى الموت ﴿قالوا إِنَّآ إلى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ﴾ إنّا راجعون إلى الله بالموت لا محالة فلا نخاف مما تتوعدنا به ولا نبالي بالموت وحبذا الموت في سبيل الله ﴿وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا﴾ أي ما تكره منا ولا تعيب علينا إلا إيماننا بالله وآياته!!
﴿وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بالله العزيز الحميد﴾ [البروج: ٨] قال الزمخشري: أرادوا وما تعيب منا إلا ما هو أصل المناقب والمفاخر كلها وهو الإِيمان ﴿رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾ أي أفضْ علينا صبراً يغمرنا عند تعذيب فرعون إيانا وتوفنا على ملة الإِسلام غير مفتونين ﴿وَقَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ موسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأرض وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ أي قال الأشراف لفرعون: أتترك موسى وجماعته ليفسدوا في الأرض بالخروج عن دينك وترك عبادة آلهتك!! وفي هذا إغراءٌ لفرعون بموسى وقومه وتحريضٌ له على قتلهم وتعذيبهم ﴿قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾ أي قال فرعون مجيباً لهم: سنقتل أبناءهم الذكور ونستبقي نساءهم للاستخدام كما كنا نفعل بهم ذلك وإنّا عالون فوقهم بالقهر والسلطان ﴿قَالَ موسى لِقَوْمِهِ استعينوا بالله واصبروا﴾ أي قال موسى لقومه تسليةً لهم حين تضجروا مما سمعوا: استعينوا بالله على فرعون وقومه فيما ينالكم من أذاهم واصبروا على حكم الله ﴿إِنَّ الأرض للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ أي الأرض كلها الله يعطيها من أراد من عباده، أطمعهم في أن يورثهم الله أرض مصر ﴿والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ﴾ أي النتيجة المحمودة لمن اتقى الله ﴿قالوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾ أي أوذينا من قبل أن تأتينا بالرسالة ومن بعدما جئتنا بها يعنون أن المحنة لم تفارقهم فهم في العذاب والبلاء قبل بعثة موسى وبعد بعثته ﴿قَالَ عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرض فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ أي لعل ربكم أن يهلك فرعون وقومه ويجعلكم تخلفونهم في أرضهم بعد هلاكهم وينظر كيف تعملون بعد استخلافكم من الإِصلاح والإِفساد، والغرضُ تحريضهم على طاعة الله، وقد حقق الله رجاء موسى فأغرق فرعون وملّك بن إسرائيل أرض مصر قال في البحر: سلك موسى طريق الأدب مع الله وساق الكلام مساق الرجاء.
البَلاَغَة: ١ - ﴿بَدَّلْنَا مَكَانَ السيئة الحسنة﴾ بين لفظ الحسنة والسيئة طباقٌ وكذلك بين لفظ ﴿الضرآء والسرآء﴾.
٢ - ﴿لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء﴾ شبّه تيسير البركات عليهم بفتح الأبواب في سهولة التناول فهو من باب الاستعارة أي وسعنا عليهم الخير من جميع الأطراف.
٣ - ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ القرى﴾ تكررت الجملة والغرض منها الإِنذار ويسمى هذا في علم البلاغة الإطناب ومثلها ﴿أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ الله فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ الله﴾ قال أبو السعود: تكريرٌ للنكير لزيادة التقرير، ومكرُ الله استعارة لاستدراجه العبد وأخذه من حيث لا يحتسب.
٤ - ﴿وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين﴾ أكد الجملة بإن واللام لإِزالة الشك من نفوس السحرة ويسمى هذا النوع من أضرب الخبر إنكارياً.
٥ - ﴿فَوَقَعَ الحق﴾ فيه استعارة استعير الوقع للثبوت والحصول والله أعلم.
اللغَة: ﴿السنين﴾ جمع سَنَة وهي الجدبُ والقحطُ ﴿يَطَّيَّرُواْ﴾ يتشاءموا والأصل يتطيّروا مأخوذٌ من الطِّيرة وهي زجر الطير ثم استعمل في التشاؤم ﴿الطوفان﴾ السيل المتلف المدمِّر ﴿القمل﴾ السوس وهي حشرات صغيرة تكون في الحنطة وغيرها تفسد الحبوب ﴿الرجز﴾ العذاب، والرجس بالسين: النجس وقد يستعمل بمعنى العذاب ﴿اليم﴾ البحر ﴿يَعْكُفُونَ﴾ عكف على الشيء أقام عليه ولزمه ﴿مُتَبَّرٌ﴾ مهلكٌ والتبار: الهلاك ﴿صَعِقاً﴾ مغشياً عليه يقال: صَعِق الرجل إِذا أُغمي عليه.
التفِسير: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بالسنين﴾ اللام موطئة لقسم محذوف أي والله لقد ابتلينا واختبرنا فرعون وأتباعه بالجدب والقحط ﴿وَنَقْصٍ مِّن الثمرات﴾ أي وابتليناهم بإِذهاب الثمار من كثرة الآفات قال المفسرون: كانت النخلة لا تحمل إلا ثمرة واحدة ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ أي لعلهم يتعظون وترقُّ قلوبهم فإن الشدة تجلب الإِنابة والخشية ورقة القلب، ثم بيّن تعالى أنهم مع تلك المحن والشدائد لم يزدادوا إِلا تمرداً وكفراً فقال ﴿فَإِذَا جَآءَتْهُمُ الحسنة قَالُواْ لَنَا هذه﴾ أي إذا جاءهم الخِصْب والرّخاء قالوا هذه لنا وبسعدنا ونحن مستحقون لذلك ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ﴾ أي وإِذا جاءهم الجدب والشدة تشاءموا بموسى ومن معه من المؤمنين أي قالوا: هذا بشؤمهم قال تعالى رداً عليهم ﴿ألا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ الله﴾ أي إِن ما يصيبهم من خير أو شر بتقدير الله وليس بشؤم موسى قال ابن عباس: الأمر من قِيَل الله ليس شؤمهم إلاّ من قِيَله وحكمه ﴿ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي لا يعلمون أن ما لحقهم من القحط والشدائد من عند الله بسبب معاصيهم لا من عند موسى ﴿وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ أي قال قوم فرعون لموسى: أي شيء تأتينا به يا موسى من المعجزات لتصرفنا عما نحن عليه فلن نؤمن لك قال الزمخشري: فإن قلت كيف سموها آية ثم قالوا ﴿لِّتَسْحَرَنَا بِهَا﴾ قلت: ما سموها آية لاعتقادهم أنها آية وإِنما قصدوا بذلك الاستهزاء والتلهي قال تعالى ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان﴾ أي أرسلنا عليهم المطر الشديد حتى عاموا فيه وكادوا يهلكون قال ابن عباس: الطوفان كثرة الأمطار المغرقة المتلفة
﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً﴾ [القصص: ٥] الآية ﴿بِمَا صَبَرُواْ﴾ أي بسبب صبرهم على الأذى ﴿وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ﴾ أي خرّبنا ودمّرنا القصور والعمارات التي كان يشيدها فرعون وجماعته وما كانوا يعرشون من الجنّات والمزارع، وإلى هنا تنتهي قصة فرعون وقومه ويبتدئ الحديث عن بني إِسرائيل وما أغدق الله عليهم من النعم الجسام، وأراهم من الآيات العظام، تسليةً لرسوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ مما رآه منهم قال تعالى ﴿وَجَاوَزْنَا ببني إِسْرَآئِيلَ البحر﴾ أي عبرنا ببني إِسرائيل البحر وهو بحر القُلْزم عند خليج السويس الآن ﴿فَأَتَوْاْ على قَوْمٍ يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ﴾ أي مروا على قوم يلازمون على عبادة أصنام لهم ﴿قَالُواْ ياموسى اجعل لَّنَآ إلها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ أي اجعل لنا صنماً نعبده كما لهم أصنام يعبدونها قال ابن عطية: الظاهر أنهم استحسنوا ما رأوا فأرادوا أن يكون ذلك في شرع موسى وفي جملة ما يُتقرب به إلى الله وإلا فبعيدٌ أن يقولوا لموسى اجعل لنا إلهاً نُفرده بالعبادة ﴿قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ أي إِنكم قوم تجهلون عظمة الله وما يجب أن ينزّه عنه من
﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور﴾ [الشورى: ٤٣] قال ابن عباس: أُمر موسى أن يأخذها بأشدّ مما أُمر به قومه ﴿سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين﴾ أي سترون منازل الفاسقين - فرعون وقومه - كيف أقفرت منهم ودُمِّر لفسقهم لتعتبروا فلا تكونوا مثلهم، فإِن رؤيتها وهي خالية عن أهلها موجبة للاعتبار والانزجار ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق﴾ أي سأمنع المتكبرين عن فهم آياتي فلا يتفكرون) ولا يتدبرون بما فيها، وأطمس على قلوبهم عقوبةً لهم على تكبرهم قال الزمخشري: وفيه إِنذار للمخاطبين من عاقبة الذين يُصرفون عن آيات الله لتكبرهم وكفرهم بها لئلا يكونوا مثلهم فيسلك بهم سبيلهم ﴿وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا﴾ أي وإِن يشاهدوا كل آية قرآنية من الآيات المنزلة عليهم أو يرَوْا كل معجزة ربانية لا يصدقوا بها ﴿وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرشد لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً﴾ أي وإِن يروا طريق الهدى والفلاح لا يسلكوه ﴿وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الغي يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً﴾ أي وإِن يروا طريق الضلال والفساد سلكوه كقوله
﴿فَهَدَيْنَاهُمْ فاستحبوا العمى عَلَى الهدى﴾ [فصلت: ١٧] ﴿ذلك بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ أي ذلك الانحراف عن هَدْي الله وشرعه بسبب تكذيبهم بآيات الله ﴿وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ﴾ أي وغفلتهم عن الآيات التي بها سعادتهم حيث لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون ﴿والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ أي جحدوا بما أنزل الله ﴿وَلِقَآءِ الآخرة﴾ أي وكذبوا بلقاء الله في الآخرة أي لم يؤمنوا بالبعث بعد الموت ﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ أي بطلت أعمالهم الخيرية التي عملوها في الدنيا من إِحسانٍ وصلة رحم وصدقة وأمثالها وذهب ثوابها لعدم الإِيمان ﴿هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي هل يُثابون أو يعاقبون إِلما بما عملوا في الدنيا؟ ﴿واتخذ قَوْمُ موسى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ﴾ قال الحافظ ابن كثير: يخبر تعالى عن ضلال من ضلَّ من بني إِسرائيل في عبادتهم العجل الذي اتخذه لهم السامريُّ من الحليّ، فشكّل لهم منه عجلاً جداً لا روح فيه وقد احتال بإِدخال الريح فيه حتى صار يسمع له خُوار أي صوتٌ كصوت البقر ومعنى ﴿مِن بَعْدِهِ﴾ أي من بعد ذهاب موسى إِلى الطور لمناجاة ربه ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً﴾ الاستفهام للتقريع والتوبيخ أي كيف عبدوا العجل واتخذوه إِلهاً مع أنه ليس فيه شيء
البَلاَغَة: ١ - ﴿فَإِذَا جَآءَتْهُمُ الحسنة﴾ بين لفظ الحسنة والسيئة طباقً كما أن بين لفظ ﴿طَائِرُهُمْ﴾ و ﴿يَطَّيَّرُواْ﴾ جناس الاشتقاق وكلاهما من المحسنات البديعية.
٢ - ﴿وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ﴾ عدل عن الماضي إِلى المضارع لاستحضار الصورة في ذهن المخاطب ومثله ﴿وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ﴾ والأصل ما صنعوا وما عرشوا.
٣ - ﴿إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ أتى بلفظ تجهلون ولم يقل: جهلتم إِشعاراً بأن ذلك منهم كالطبع والغريزة لا ينتقلون عنه في ماضٍ ولا مستقبل.
٤ - ﴿سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين﴾ فيه التفات من الغيبة إِلى الخطاب للمبالغة في الحض على نهج سبيل الصالحين، والأصل أن يقال: سأريهم.
٥ - ﴿وَلَمَّا سُقِطَ في أَيْدِيهِمْ﴾ هذا من باب الكناية فهو كناية عن شدة الندم لأن النادم يعض على يده غماً.
٦ - بين لفظ ﴿مَشَارِقَ﴾ و ﴿مَغَارِبَ﴾ طباقٌ.
تنبيه: مذهب أهل السنة قاطبة على أن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة وأنكرت المعتزلة ذلك واستدلوا بالآية الكريمة ﴿لَن تَرَانِي﴾ وليس لهم في هذه الآية متمسك بل هي دليلٌ لأهل السنة والجماعة على إمكان الرؤية، لأنها لو كانت مُحالاً لم يسألها موسى فإِن الأنبياء عليهم السلام يعلمون ما يجوز على الله وما يستحيل، ولو كانت الرؤية مستحيلة لكان في الجواب زجرٌ وإِغلاظ كما قال تعالى لنوح ﴿فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إني أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجاهلين﴾ [هود: ٤٦] فهذا المنع من رؤية الله إِنما هو في الدنيا لضعف البنية البشرية عن ذلك قال مجاهد: إِن الله قال لموسى: لن تراني، لأنك لا تطيق ذلك ولكن سأتجلى للجبل الذي هو أقوى منك وأشد، فإِن استقرو أطاق الصبر لهيبتي أمكن أن تراني أنت، وإِن لم يُطق الجبل فأحرى ألاّ تطيق أنت فعلى هذا جعل الله الجبل مثالاً لموسى ولم يجعل الرؤية مستحيلة على الإِطلاق، وقد صرح بوقوع الرؤية في الآخرة كتابُ الله ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [القيامة: ٢٢ - ٢٣] فلا ينكرها إلا مبتدع.
َفَائِدَة: لما سمع الكليم موسى كلام الله اشتاق إِلى رؤيته، لأن التلذذ بسماع كلام الحبيب يزيد
وأفرحُ ما يكونُ الشوقُ يوماً | إِذا دنتِ الدّيارُ من الديار |
إِذا المرءُ لم يُخْلَقْ سعيداً من الأزَل | فقدْ خابَ من ربَّى وخابَ المُؤمَّلُ |
فموسى الّذي ربّاهُ جبريلُ كافرٌ | وموسًى الذي ربّاه فِرْعونُ مُرْسَل |
يا ربِّ إنْ عَظُمتْ ذنوبي كثرةً | فلقد علمتُ بأنَّ عفوكَ أعظمُ |
إن كانَ لا يَرْجوكَ إلا محسنٌ | فبمنْ يلوذُ ويستجيرُ المجرمُ |
«لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود..» الحديث أخرجه مسلم ثم بيّن تعالى أنهم ليسوا جميعاً فجاراً بل فيهم الأخيار وفيهم الأشرار فقال ﴿مِّنْهُمُ الصالحون وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك﴾ أي منهم من آمن وهم قلة قليلة ومنهم من انحطّ عن درجة الصلاح بالكفر والفسوق وهم الكثرة الغالبة ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بالحسنات والسيئات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي اختبرناهم بالنعم والنقم والشدة والرخاء لعلهم يرجعون عن الكفر والمعاصي ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الكتاب﴾ قال ابن كثير: أي خلف من بعد ذلك الجيل الذي فيهم الصالح والطالح خلْفٌ آخر لا خير فيهم ورثوا الكتاب
البَلاَغَة: ١ - ﴿وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى الغضب﴾ شبّه الغضب بإِنسان يرعد ويزبد ويزمجر بصوته آمراً بالانتقام ثم اختفى هذا الصوت وسكت، ففي الكلام «استعارة مكنية» ويا له من تصوير لطيف يستشعر جماله كل ذي طبع سليم وذوقٍ صحيح.
٢ - بين لفظ «تضل» و «تهدي» طباقٌ وكذلك بين لفظ «يحيي» و «يميت».
٣ - ﴿يَأْمُرُهُم بالمعروف وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المنكر وَيُحِلُّ لَهُمُ الطيبات وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبآئث﴾ فيه من المحسنات البديعية ما يسمى بالمقابلة، وهي أن يؤتى بمعنيين أو أكثر ثم يؤتى بما يقابلها على الترتيب.
٤ - ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ والأغلال﴾ استعار الإِصر والأغلال للأحكام والتكاليف الشاقة.
٥ - ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ التفات من الغيبة إلى الخطاب زيادة في التوبيخ والتأنيب.
فَائِدَة: الخَلَف بفتح اللام من يخلف غيره بالخير، والخَلْف بسكون اللام من يخلف غيره في الشر ومنه قوله تعالى ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ الصلاة واتبعوا الشهوات فَسَوْفَ يَلْقَونَ غَيّاً﴾ [مريم: ٥٩] وهذه الآية ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الكتاب﴾ والله أعلم.
اللغَة: ﴿نَتَقْنَا﴾ النتق: الجذب بقوة قال أبو عبيدة: أصل النتق قلعُ الشيء من موضعه والرمي به ﴿ظُلَّةٌ﴾ الظلةُ: كل ما أظلّك من سقفٍ أو سحابةٍ أو جناح حائط والجمع ظُلُلً وظِلاَل ﴿وظنوا﴾ علموا أو أيقنوا ﴿انسلخ﴾ الانسلاخُ: الخروجُ يقال لكل من فارق شيئاً بالكلية انسلخ منه وانسلخت الحية من جلدها أي خرجت منه ﴿أَخْلَدَ﴾ مال إلى الشيء وركن إليه وأصله اللزوم يقال أخلد فلان بالمكان إذا لزم الإِقامة به ومنه الخلود في الجنة ﴿يَلْهَث﴾ قال الجوهري: لهثَ الكلبُ يَلْهَثُ إذا أخرج لسانه من التعب أو العطشِ ﴿ذَرَأْنَا﴾ خلقنا ﴿يُلْحِدُونَ﴾ الإِلحاد: الميلُ عن القصد والاستقامة يقال ألحد في الدين ولحد فهو ملحد لانحرافه عن تعاليم الدين.
التفسِير ﴿وَإِذ نَتَقْنَا الجبل فَوْقَهُمْ﴾ أي اذكر حين اقتلعنا جبل الطور ورفعناه فوق رءوس بني إسرائيل ﴿كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ﴾ أي كأنه سقيفة أو ظلة غمام ﴿وظنوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ﴾ أي أيقنوا أنه ساقط عليهم إن
«لا تزالُ طائفةٌ من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خَذَلَهم ولا من خَالفَهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك» وهذه الطائفة لا تختص بزمان دون زمان بل هم في كل زمان وفي كل مكان، فالإِسلام دائماً يعلو ولا يُعلى عليه وإن كثر الفُسَّاق وأهل الشر فلا عبرة فيهم ولا صَوْلة لهم، وفي الحديث بشارة عظيمة لهذه الأمة المحمدية بأن الإِسلام في علوّ شرف وأهله كذلك إلى قرب الساعة ﴿والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي والذين كذبوا بالقرآن من أهل مكة وغيرهم سنأخذهم قليلاً وندنيهم من الهلاك نم حيث لا يشعرون قال البيضاوي: وذلك بأن تتواتر عليهم النعم، فيظنوا أنها لطف من الله تعالى بهم فيزدادوا بطراً وانهماكاً في الغيِّ حتى تحق عليهم كلمة العذاب ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ أي وأمهلهم ثم آخذهم أخذ عزيز مقتدر كما في الحديث الشريف «إن الله ليُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته» ﴿إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ أي أخذي وعقابي قوي شديد وإنما سمّاه كيداً لأن ظاهره إحسانٌ وباطنه خذلان ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ﴾ أي أولم يتفكر هؤلاء المكذبون
البَلاَغَة: ١ - ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ﴾ فيه التفات من المتكلم إلى المخاطب والأصلُ وإذْ أخذنا والنكتة في ذلك تعظيم شأن الرسول بتوجيه الخطاب له، ولا يخفى أيضاً ما في الإِضافة إلى ضميره عليه السلام ﴿رَبُّكَ﴾ من التكريم والتشريف، وفي الآية البيانُ بعد الإِبهام والتفصيل بعد الإِجمال ﴿فانسلخ مِنْهَا﴾ أي خرج منها بالكلية انسلاخ الجلد من الشاة قال أبو السعود: التعبير عن الخروج منها بالانسلاخ للإيذان بكمال مباينته للآيات بعد أن كان بينهما كمال الاتصال ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكلب إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث﴾ فيه تشبيه تمثيلي أي حاله التي هي مثلٌ في السوء كحال أخسّ الحيوانات وأسفلها وهي حالة الكلب في دوام لهثه في حالتي التعب والراحة فالصورة منتزعة من متعدد ولهذا يسمى التشبيه التمثيلي ﴿أولئك كالأنعام﴾ التشبيه هنا مرسل مجمل.
فَائِدَة: روي عن ابن عباس في قوله تعالى ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى﴾ أنه قال: لو قالوا نعم لكفروا، ووجهه أن «نَعَمْ» تصديقٌ للمخبر بنفيٍ أو إيجاب فكأنهم أقروا أنه ليس ربهم بخلاف «بلى» فإنها حرف جواب وتختص بالنفي وتفيد إبطاله بلى أنت ربنا ولو قالوا نعم لصار المعنى نعم لستَ ربنا فهذا وجه قول ابن عباس فتنبه له فإنه دقيق.
تنبيه: في الحديث الشريف «إنّ لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة» رواه الترمذي قال العلماء: معناه من حفظها وتفكر في مدلولها دخل الجنة وليس المراد حصر أسمائه تعالى في هذه التسعة والتسعين بدليل ما جاء في الحديث الآخر «اسألك بكل اسم سميت به نفسك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك» وقد ذكر ابن العربي عن بعضهم أن لله تعالى ألف اسم.
اللغَة: ﴿مُرْسَاهَا﴾ استقرارها وحصولها من أرساه إذا أثبته وأقره ومنه رست السفينة إذا ثبتت ووقفت ﴿يُجَلِّيهَا﴾ يظهرها: والتجلية: الكشفُ والإِظهار ﴿حَفِيٌّ﴾ الحفيُّ: المستقصي للشيء المعتني بأمره قال الأعشى:
فإن تسألي عنّي فيا ربَّ سائلٍ | حفيٍّ عن الأعشى به حيث أصْعَدا |
سَبَبُ النّزول: روي أن المشركين قالوا للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: إن كنتَ نبياً فأخبرنا عن الساعة متى تقوم؟ فأنزل الله ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾.
التفسِير: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة﴾ أي يسألونك يا محمد عن القيامة ﴿أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾ أي متى وقوعها وحدوثها؟ وسميت القيامة ساعة لسرعة ما فيها من الحساب كقوله ﴿وَمَآ أَمْرُ الساعة إِلاَّ كَلَمْحِ البصر أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾ [النحل: ٧٧] ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي﴾ أي قل لهم يا محمد لا يعلم الوقت الذي يحصل قيام القيامة فيه إلا الله سبحانه ثم أكَّد ذلك بقوله ﴿لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ﴾ أي لا يكشف أمرها ولا يظهرها للناس إلا الرب سبحانه بالذات هو العالم بوقتها ﴿ثَقُلَتْ فِي السماوات والأرض﴾ أي عظًمت على أهل السماوات والأرض حيث يشفقون منها ويخافون شدائدها وأهوالها ﴿لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا﴾ أي يسألونك يا محمد عن وقتها كأنك كثير السؤال عنها شديد الطلب لمعرفتها ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله﴾ أي لا يعلم وقتها إلا الله لأنها من الأمور الغيبية التي استأثر بها علاّم الغيوب ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي لا يعلمون السبب الذي لأجله أُخفْيتْ قال الإِمام الفخر: والحكمة في إخفاء الساعة عن العباد أنهم إذا لم يعلموا متى تكون كانوا على حذرٍ منها فيكون ذلك أدعى إلى الطاعة وأزجر عن المعصية ﴿قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ الله﴾ أي لا أملك أن أجلب إلى نفسي خيراً ولا أدفع عنها شراً إلا بمشيئته تعالى فكيف أملك علم الساعة؟ ﴿وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير﴾ أي لو كنت أعرف أمور الغيب لحصّلت كثيراً من منافع الدنيا وخيراتها ودفعت عني آفاتها ومضراتها ﴿وَمَا مَسَّنِيَ السواء﴾ أي لو كنت أعلم الغيب لاحترست من السوء ولكنْ لا أعلمه فلهذا يصيبني ما قُدَّر لي من الخير والشر ﴿إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾ أي ما أنا إلا عبد مرسل للإنذار والبشارة ﴿لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أي لقوم يصدقون بما جئتهم به من عند الله ﴿هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ أي هو سبحانه ذلك العظيم الشأن الذي خلقكم جميعاً وحده من غير معين من نفسٍ واحدة هي آدم عليه السلام ﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ أي وخلق منها حواء ﴿لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾ أي ليطمئن إليها ويستأنس بها ﴿فَلَماَّ تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً﴾ أي فلما جامعها حملت بالجنين حملاً خفيفاً دون إزعاج لكونه نطفةً في بادئ الأمر قال أبو السعود: فإنه عند كونه نطفة أو علقة أخف عليها بالنسبة إلى ما بعد ذلك من المراتب، والتعرضُ لذكر خفته للإِشارة إلى
﴿ياأبت لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً﴾ [مريم: ٤٢] ﴿إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ أي إن الذين تعبدونهم من دونه تعالى من الأصنام وتسمونهم آلهة مخلوقون مثلكم بل الأناس أكمل منها لأنها تسمع وتبصر وتبطش وتلك لا تفعل شيئاص من ذلك فلهذا قال ﴿فادعوهم فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أمرٌ على جهة التعجيز والتبكيت أي أدعوهم في جلب نفع أو دفع ضرٍّ إن كنتم صادقين في دعوى أنها آلهة {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ
«إن الله يأمركَ أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك» ﴿وَأْمُرْ بالعرف﴾ أي بالمعروف والجميل المستحسن من الأقوال والأفعال ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين﴾ أي لا تقابل السفهاء بمثل سفههم بل احلم عليهم قال القرطبي: وهذا وإن كان خطاباً لنبيه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ فهو تأديبٌ لجميع خلقه ﴿وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ﴾ أي وإِمّا يصيبنَّك يا محمد طائف من الشيطان بالوسوسة والتشكيك في الحق ﴿فاستعذ بالله﴾ أي فاستجر بالله والجأ إليه في دفعه عنك ﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أي سميعٌ لما تقول عليهمٌ بما تفعل ﴿إِنَّ الذين اتقوا﴾ أي الذين اتصفوا بتقوى الله ﴿إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشيطان﴾ أي إذا أصابهم الشيطان بوسوسته وحام حولهم بهواجسه ﴿تَذَكَّرُواْ﴾ أي تذكروا عقاب الله وثوابه ﴿فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾ أي يبصرون الحق بنور البصيرة ويتخلصون من وساوس الشيطان ﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغي﴾ أي إخوان الشياطين الذين لم يتقوا الله وهم الكفرة الفجرة فإن
البَلاَغَة: ١ - ﴿كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا﴾ التشبيه مرسل مجمل لذكر أداة التشبيه وحذف وجه الشبه.
٢ - ﴿فَلَماَّ تَغَشَّاهَا﴾ التغشي هنا كناية عن الجماع وهو من الكنايات اللطيفة.
٣ - ﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ | ﴾ الخ هذا الأسلوب يسمى «الإِطناب» وفائدته زيادة التقريع والتوبيخ. |
٥ - ﴿هذا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ﴾ فيه تشبيه وأصله هذا كالبصائر، حُذفت أداة التشبيه ووجه الشبه فهو بليغ ويرى بعض العلماء أنه من قبيل المجاز المرسل حيث أطلق المسبّب على السبب لأن القرآن لما كان سبباً لتنوير العقول أطلق عليه لفظ البصيرة.
لطيفَة: حكي عن بعض السلف أنه قال لتلميذه: ما تصنع بالشيطان إذا سوَّل لك الخطايا؟ قال: أجاهده قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده، قال إن هذا يطول، أرأيت لو مررت بغنم فنبحك كلبها ومنعك من العبور ماذا تصنع؟ قال: أكابده وأرده جهدي قال: هذا يطول عليك ولكن استغث بصاحب الغنم يكفه عنك، فهذه فائدة الإستعاذة.
سورة الأعراف
افتُتِحت هذه السُّورة بالتنويه بعظمةِ هذا الكتاب، موضِّحةً مهمةَ القرآن ووجوبَ اتِّباعه، محذِّرةً من الشَّيطان وفتنتِه، كما وصَفتْ هذه السُّورةُ العظيمة أهوالَ يومِ القيامةِ، وخطابَ أهل النَّار لأهل الجنَّة، وحالَ الأعراف، واصفةً ما يَتبَع تلك الأحداثَ، وكذلك اشتملت على كثيرٍ من قصص الأنبياء؛ للدَّلالة على عظمةِ الله وقوَّته، وقهرِه وقُدْرته، وبيَّنتْ حُكْمَ من أطاع واتَّبَع، وحُكْمَ من عصى وابتدع؛ داعيةً للرجوع إلى الله؛ للفوز بالجنَّة، والنَّجاة من النار، وقد أُثِر عن النبيِّ ﷺ قراءتُه لها في صلاة المغرب.
ترتيبها المصحفي
7نوعها
مكيةألفاظها
3343ترتيب نزولها
39العد المدني الأول
206العد المدني الأخير
206العد البصري
205العد الكوفي
206العد الشامي
205* قوله تعالى: ﴿خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٖ وَكُلُواْ وَاْشْرَبُواْ﴾ [الأعراف: 31]:
عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كانت المرأةُ تطُوفُ بالبيتِ وهي عُرْيانةٌ، فتقولُ: مَن يُعِيرُني تِطْوافًا؟ تَجعَلُهُ على فَرْجِها، وتقولُ:
اليَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ***فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ
فنزَلتْ هذه الآيةُ: ﴿خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٖ﴾ [الأعراف: 31]». أخرجه مسلم (٣٠٢٨).
* (الأعراف):
سُمِّيتْ بذلك؛ لأنَّ فيها ذِكْرَ (الأعراف).
* (طُولَى الطُّولَيَينِ):
لِما جاء عن مَرْوانَ بن الحكَمِ، قال: قال لي زيدُ بن ثابتٍ: «ما لك تَقرَأُ في المغربِ بقِصَارٍ وقد سَمِعْتُ النبيَّ ﷺ يَقرَأُ بطُولَى الطُّولَيَيْنِ؟!». أخرجه البخاري (764).
ولعلَّ الإطلاقَ الوارد في السورة من بابِ الوصف، لا من باب التسمية؛ وهذا أقرب.
انظر: "أسماء سور القرآن الكريم وفضائلها" لمنيرة الدوسري (ص196).
* مَن أخَذها عُدَّ حَبْرًا:
فعن عائشةَ رضي الله عنها، عن رسولِ الله ﷺ، قال: «مَن أخَذَ السَّبْعَ الأُوَلَ مِن القرآنِ، فهو حَبْرٌ». أخرجه أحمد (24575).
* ومِن عظيم فضلها أنها تقابِلُ التَّوْراةَ مع بقيةِ السُّوَر الطِّوال:
فعن واثلةَ بن الأسقَعِ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «أُعطِيتُ مكانَ التَّوْراةِ السَّبْعَ الطِّوالَ». أخرجه أحمد (17023).
أُثِر عن النبيِّ ﷺ قراءتُه لسورة (الأعراف) في صلاةِ المغرب:
فعن مَرْوانَ بن الحكَمِ: أنَّ زيدَ بنَ ثابتٍ قال: «ما لي أراكَ تَقرأُ في المغربِ بقِصارِ السُّوَرِ وقد رأيتُ رسولَ اللهِ يَقرأُ فيها بأطوَلِ الطُّوليَينِ؟! قلتُ: يا أبا عبدِ اللهِ، ما أطوَلُ الطُّوليَينِ؟ قالَ: الأعرافُ». أخرجه النسائي (٩٨٩).
اشتمَلتْ سورةُ (الأعراف) على عِدَّة موضوعاتٍ؛ وهي على الترتيب:
مهمَّة القرآن ووجوبُ اتباعه (١-٩).
خَلْقُ آدم وعداوةُ الشيطان له (١٠-٢٥).
تحذير الناس من فتنة الشيطان (٢٦-٣٠).
إباحةُ الطيِّبات، وتحريم الفواحش (٣١-٣٤).
إرسال الرسول، وعاقبة التكذيب (٣٥-٤١).
بين أصحاب الجنَّة وأصحاب النار (٤٢-٤٥).
أصحاب الأعراف (٤٦-٥٣).
مظاهر قدرة الله تعالى (٥٤-٥٨).
قصة نوح عليه السلام (٥٩-٦٤).
قصة هود عليه السلام (٦٥-٧٢).
قصة صالح عليه السلام (٧٣-٧٩).
قصة لوط عليه السلام (٨٠-٨٤).
قصة شُعَيب عليه السلام (٨٥-٩٣).
أقوام الأنبياء وموقفُهم من الدعوة (٥٩-٩٣).
سُنَّة الله في المكذِّبين (٩٤-١٠٢).
قصة موسى عليه السلام (١٠٣-١٧١).
موقف فِرْعونَ من دعوة موسى (١٠٣-١٢٦).
البِطانة الفاسدة (١٢٧-١٢٩).
عاقبة الكفار، وحُسْنُ عاقبة المؤمنين (١٣٠-١٣٧).
بنو إسرائيل وعبادة الأصنام (١٣٨-١٤١).
مجيء موسى للميقات (١٤٢-١٤٧).
بنو إسرائيل وعبادة العِجل (١٤٨-١٥٩).
مخالفات بني إسرائيل وانحرافاتهم (١٦٠-١٧١).
أخذُ الميثاق على بني آدم (١٧٢-١٧٨).
أهل النار أضَلُّ من الأنعام (١٧٩-١٨٦).
السؤال عن الساعة (١٨٧-١٨٨).
الناس مخلوقون من نفسٍ واحدة (١٨٩-١٩٥).
أولياء الرحمن (١٩٦-٢٠٦).
ينظر: "التفسير الموضوعي" لمجموعة من العلماء (3 /9).
اشتملت السُّورةُ على جملةٍ من المقاصدِ العظيمة، ذكَرها ابنُ عاشور رحمه الله؛ وهي:
«التنويهُ بالقرآن، والوعد بتيسيره على النبي ﷺ ليُبلِّغَه.
النهيُ عن اتخاذ الشركاء من دون الله، وإنذارُ المشركين عن سُوءِ عاقبة الشرك في الدنيا والآخرة، ووصفُ حال المشركين وما حَلَّ بهم.
تذكيرُ الناس بنعمة خَلْق الأرض، وتحذيرُهم من التلبُّس ببقايا مكرِ الشيطان.
وصفُ أهوالِ يوم الجزاء للمجرمين، وكراماتِه للمتَّقين.
التذكير بالبعث، وتقريبُ دليله.
النهيُ عن الفساد في الأرض التي أصلَحها اللهُ لفائدة الإنسان.
التذكير ببديعِ ما أوجَده الله لإصلاحِها وإحيائها.
التذكير بما أودَع اللهُ في فطرة الإنسان من وقتِ تكوين أصله أن يَقبَلوا دعوةَ رُسُلِ الله إلى التقوى والإصلاح».
"التحرير والتنوير" لابن عاشور (8/8).