ﰡ
قلت: «١» أرأيت ما يأتي بعد حروف الهجاء مرفوعًا مثل قوله: المص كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ ومثل قوله: الم «٢» تَنْزِيلُ الْكِتابِ، وقوله: الر «٣» كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ وأشباه ذَلِكَ بم رفعت الكتاب فِي هَؤُلاءِ الأحرف؟
قلت: رفعته بِحروف الهجاء التي قبله كأنك قلت: الألف واللام والميم والصاد من حروف المقطع كتابٌ أنزل إليك مجموعًا. فإن قلت: كأنك قد جعلت الألف واللام والميم والصاد يؤدّين عَن جَميع حروف المعجم، وهو ثلاثة أحرف أو أربعة؟ قلت: نعم، كما أنك تقول: اب ت ث ثَمانية وعشرون حرفًا، فتكتفي بأربعة أحرف من ثَمانية وعشرين. فإن قلت: إن ألف ب ت ث قد صارت كالاسم لحروف الهجاء كما تقول: قرأت الحمد، فصارت اسمًا لفاتِحة الكتاب. قلت: إن الَّذِي تَقُولُ ليقع فِي الوَهْم، ولكنك قد تَقُولُ: ابني فى اب ت ث، ولو قلت فِي حاط لجاز ولعلمت بأنه يريد: ابني فِي الحروف المقطعة.
فلما اكتفي بغير أوّلها علمنا أن أوّلها لَيْسَ لَهَا باسم وإن كان أوّلها آثر فِي الذكر من سائرها. فإن قلت: فكيف جاءت حروف (المص) (وكهيعص) مختلفة ثُمَّ أنزلا «٤» منزل با تا ثا وهنّ متواليات؟ قلت: إِذَا ذكرن متواليات دللن على أب ت ث
(٢) أوّل سورة السجدة.
(٣) أوّل سورة هود.
(٤) أي مجموعنا (المص) و (كهيعص). والأنسب بالسياق: «أنزلن».
أنشدني الحارثىّ:
تعلمت باجاد وآل مزامر | وسوَّدتُ أثوابي ولست بكاتب «١» |
لَمَّا رأيت أمرها فِي حُطِّي | وَفَنَكت فِي كذب ولط «٢» |
أخذتُ منها بقرونٍ شُمطِ | ولم يزل ضربي لَهَا ومَعْطي |
وقد قال الكسائىّ: رفعت كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وأشباهه من المرفوع بعد الهجاء بإضمار (هَذَا) أو (ذَلِكَ) وهو وجه. وكأنه إِذَا أضمرَ (هَذَا) أو (ذَلِكَ) أضمر لحروف الهجاء ما يرفعها قبلها لأنها لا تكون إلا وَلَهَا موضع.
قَالَ: أفرأيت ما جاء منها لَيْسَ بعده «٣» ما يرافعه مثل قوله: حم. عسق، ويس، وق، وص، مما يقل أو يكثر، ما موضعه إذ لم يكن بعده مرافع؟ قلت:
ويريد بآله حروف الهجاء لأنه اشتهر بتعليمها، أو لأنه سمى أولاده الثمانية بأسماء جملها، فسمى أحدهم أبجد وهكذا الباقي. وانظر اللسان فى مرر. [.....]
(٢) كأنه يتحدّث عن امرأة لا يرضى خلقها، حاول إصلاحها فلم تنقد له ولم تتقدّم، كأنها تستمر فى أوّل وسائل تعلمها، كالصبى لا يعدو فى تعلمه حروف الهجاء. وفنكت فى الكذب: لجت فيه وتمادت.
واللط: ستر الخبر وكتمه. والمعط: الشدّ والجذب. والقرون الشمط: يريد خصل شعر رأسها المختلط فيه السواد والبياض، يريد أنها جاوزت عهد الشباب. وقوله: على الرأس، فعلى جارة. ويضح أن يقرأ: علا الرأس، فيكون (علا) فعلا و (الرأس) مفعول.
(٣) فى ش، ج: «قبله». وظاهر أنه سهو من الناسخ.
سَيَقُولُونَ «٥» ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ المعنى والله أعلم: سيقولونَ هم ثلاثة.
وقد قيل فى (كهيعص) : إنه مفسّر لأسماء الله. فقيل: الكاف من كريم، وَالْهَاء من هاد، والعين والياء من عليم، والصاد من صدوق. فإن يك كذلك (فالذكر) مرفوع بضمير لا ب (كهيعص). وقد قيل فى (طه) إنه: يا رجل، فإن يك كذلك فليس يَحتاج إلى مرافع لأن المنادي يرفع بالنداء وكذلك (يس) جاء فيها يا إنسان، وبعضهم: يا رجل، والتفسير فيها كالتفسير فِي طه.
وقوله: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ (٢) يقول: لا يضيق صدرك بالقرآن بأن يكذبوك، وكما قَالَ الله تبارك وتعالى:
فَلَعَلَّكَ «٦» باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا. وقد قيل: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ: شك.
لِتُنْذِرَ بِهِ مؤخر، ومعناه: المص كتاب أنزل إليك لِتُنْذِرَ بِهِ فلا يكن فِي صدرك حرج منه.
وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ فِي موضع نصب ورفع. إن شئت رفعتها على الردّ على الكتاب كأنك قلت: كتاب حقّ وذكرى للمؤمنين والنصبُ يُرَاد به: لتنذر وتذكّر به المؤمنين.
(٢) آية ١ سورة التوبة.
(٣) آية ١ سورة النور.
(٤) آية ١٧١ سورة النساء.
(٥) آية ٢٢ سورة الكهف.
(٦) آية ٦ سورة الكهف.
ومثله: يا أَيُّهَا «٤» النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ. ثم قال: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ «٥» فجمع.
وقوله: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها (٤) يُقال: إِنَّما أتاها البأس من قَبْل الإهلاك، فكيف تقدم الهلاك؟ قلت:
لأن الهلاك والبأس يقعان معًا كَمَا تَقُولُ: أعطيتني فأحسنت، فلم يكن الإحسان بعد الإعطاء ولا قبله: إنّما وقَعا معًا، فاستجيزَ ذَلِكَ. وإن شئت كَانَ المعنى:
وكم من قريةٍ أهلكناها فكان مجيء البأس قبل الإهلاك، فأضمرت كَانَ.
وإنَّما جازَ ذَلِكَ عَلَى شبيه بِهذا المعنى، ولا يكون فِي الشروط التي خَلَفْتها «٦» بِمقدّم معروف أن يقدم المؤخر أو يؤخر المقدم مثل قولك: ضربته فبكى، وأعطيته
كتاب أنزل إليك، وكان وجه الخطاب على هذا: اتبع ما أنزل إليك من ربك، ويذكر المؤلف أنه ذهب بالخطاب إلى الرسول وأمّته.
(٢) أول سورة الطلاق.
(٣) آية ١١ سورة النساء.
(٤) أول سورة التحريم.
(٥) آية ٢ سورة التحريم.
(٦) أي وقعت مكانها. ولو كان «خالفتها» كان المعنى أظهر. [.....]
وقوله: أَوْ هُمْ قائِلُونَ (٤) ردّ الفعل إلى أهل القرية وقد قَالَ فى أولها (أهلكناها) ولم يقل: أهلكناهم فجاءهم، ولو قيل، كَانَ صوابًا. ولم يقل: قائلة، ولو قيل لكان صوابا.
وقوله: أَوْ هُمْ قائِلُونَ واو «١» مضمرة. المعنى أهلكناها فجاءها بأسنا بياتًا أو وهم قائلون، فاستثقلوا نسقًا عَلَى نسق، ولو قيل لكان جائزًا كما تَقُولُ فِي الكلام:
أتيتني واليًا، أو وأنا معزول، وإن قلت: أو أنا معزول، فأنت مضمو للواو.
وقوله: فَما كانَ دَعْواهُمْ (٥) الدعوى فِي موضع نصب لكان. ومرفوع كَانَ قوله: إِلَّا أَنْ قالُوا فأن فِي موضع رفع. وهو الوجه فِي أكثر القرآن: أن تكون أن إِذَا كَانَ معها فعل، أن تَجعل مرفوعة والفعل منصوبًا مثل قوله: فَكانَ «٢» عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ وما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا «٣» أَنْ قالُوا. ولو جعلت الدعوى مرفوعة (وأن) فِي موضع نصب كَانَ صوابًا كما قَالَ الله تبارك وتعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا «٤» وهي فِي إحدى «٥» القراءتين: لَيْسَ البر بأن تولوا.
(٢) آية ١٧ سورة الحشر.
(٣) آية ٢٥ سورة الجاثية.
(٤) آية ٧٧ سورة البقرة.
(٥) نسبها فى البحر ٢/ ٢ إلى مصحف أبى وابن مسعود.
والثانية بأقول.
وقوله: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ ولم يقل (فذلك) فيوحِّد لتوحيد من، ولو وحّد لكان صوابا. و (من) تذهب بِهَا إلى الواحد وإلى الجمع.
وهو كثير.
وقوله: وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ (١٠) لا تهمز لأنها- يعني الواحدة- مفعِلة، الياء من الفعل، فلذلك لَمْ تهمز، إنّما يهمز من هَذَا ما كانت الياء فِيهِ زائدة مثل مدينة ومدائن، وقبيلة وقبائل لِمَا كانت الياء لا يعرف لَهَا أصل ثُمَّ قارفتها «٥» ألف مجهولة أيضًا همزت، ومثل معايش من الواو مِمّا لا يُهمز لو جمعت، معونة قلت: (معاون) أو منارة قلت مناور. وَذَلِكَ أن الواو ترجع إلى أصلها لسكون الألف قبلها. وربما همزت العرب هَذَا وشبهه، يتوهمونَ أنها فعيلة لشبهها بوزنها فِي اللفظ وعدّة الحروف
(٢) آية ٨٤ سورة ص.
(٣) أي فى غير قراءة عاصم وحمزة وخلف. أما هؤلاء فقراءتهم بالرفع.
(٤) أي على أنه توكيد للجملة، كما تقول أنت أخى حقا. ويقول أبو حيان فى رده فى البحر ٧/ ٤١١: «وهذا المصدر الجائى توكيدا لمضمون الجملة لا يجوز تقديمه عند جمهور النحاة. وذلك مخصوص بالجملة التي جزءاها معرفتان جامدتان جمودا محضا».
(٥) فى ش، ط: «فارقتها» وقد رأينا أنه مصحف عما أثبتنا. والقراف المخالطة.
وقوله: قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ (١٢) المعنى- والله أعلم- ما منعكَ أن تسجد. و (أن) فِي هَذَا الموضع تصحبها لا، وتكون (لا) صلة. كذلك تفعل بِما كَانَ فى أوّله جحد. و «١» ربما أعادوا عَلَى خبره جحدًا للاستيثاق من الجحد والتوكيد لَهُ كما قالوا:
ما إن رأينا مثلهن لمعشر | سود الرءوس فوالج وفيول «٢» |
لِئَلَّا «٥» يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ إِلا أن معنى الجحد الساقط فِي لئلا من أوّلها لا من آخرها المعنى: ليعلم أهل الكتاب ألا يقدرون. وقوله: مَا مَنَعَكَ (ما) فِي موضع رفع. ولو وضع لمثلها من الكلام جواب مصحح كَانَ رفعًا، وقلت:
منعني منك أنك بَخيل. وهو مما ذكر جوابه عَلَى غير بناء أوله، فقال: (أَنَا خَيْرٌ منه) ولم يقل: منعني من السجود أني خيرٌ منه كما تَقُولُ فِي الكلام: كيف بتّ البارحة؟ فيقول: صالِح، فيرفع أو تقول: أنا بِخير، فتستدلّ بِهِ عَلَى معنى الجواب، ولو صحح الجواب لقالَ صالِحًا، أي بتُّ صالِحًا.
(٢) الفوالج جمع الفالج بكسر اللام، وهو البعير ذو السنامين، والفيول جمع الفيل للحيوان المعروف.
(٣) آية ١٠٩ سورة الأنعام.
(٤) آية ٩٥ سورة الأنبياء. [.....]
(٥) آية ٢٩ سورة الحديد.
وقوله: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً (٢٦) «ورياشا» «٢». فإن شئت جعلت رياش جَميعًا واحده الريش، وإن شئت جعلت الرياش مصدرًا فِي معنى الريش كما يُقال لِبْس ولباس قَالَ الشاعر «٣» :
فلمّا كشفن اللِّبْسَ عَنْهُ مَسَحْنَهُ | بأطرافِ طَفْلٍ زانَ غَيْلا مُوَشَّما |
(٢) هذه القراءة نسبها أبو عبيد إلى الحسن. وفى القرطبي نسبتها إلى عاصم من رواية المفضل الضبي وإلى أبى عمرو من رواية الحسين الجعفي.
(٣) هو حميد بن ثور الهلالي. والبيت من ميمبته الطويلة. وهو يصف فرسا خدمته جوارى الحي.
فقوله: كشفن أي الجواري. وقوله: عنه أي عن الفرس. ولبسه: ما عليه من الجل والسرج. وقوله بأطراف طفل أي بأطراف بنان ناعم. وقوله: غيلا يريد ساعدا أو معصما ممتلئا، موشما أي مزينا بالوشم، يريد بنان الجواري.
(٤) أي بالنصب. وهو قراءة نافع وابن عامر والكسائي. والضم قراءة الباقين.
(٥) كذا فى ش. وفى ج: «الرياش».
وقوله: فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ (٣٠) ونصب الفريق بتعودونَ، وهي فِي قراءة أُبَيّ: تعودونَ فريقين فريقًا هدى وفريقًا حقَّ عليهم الضلالة. ولو كانا رفعا كَانَ صوابًا كما قال تبارك وتعالى:
كَانَ «١» لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تقاتل فى سبيل الله وأخرى كافرةو «فئة» «٢» ومثله: وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ «٣». وقد يكون الفريق منصوبًا بوقوع «هَدَى» عَلَيْهِ ويكون الثاني منصوبًا بِمَا «٤» وقع عَلَى عائد ذكره من الفعل كقوله: يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً «٥».
وقوله: وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ (٢٩) يقول: إِذَا أدركتك الصلاة وأنت عند مسجد فصلّ فِيهِ، ولا تقولن: آتي مسجد قومي. فإن كان فِي غير وقت الصلاة صليت حَيْثُ شئت.
وقوله: قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ (٣٢)
(٢) يريد رفع فئة فى الآية ونصبها. ويجوز فى الآية أيضا خفض فئة بدلا من «فئتين». وانظر ص ١٩٢ من هذا الجزء.
(٣) آية ٧ سورة الشورى.
(٤) يريد النصب على الاشتغال. والعامل هنا يقدر فى معنى المذكور أي أضل.
(٥) آية ٣١ سورة الإنسان.
ولو رفعتها كَانَ صوابًا، تردّها «٣» عَلَى موضع الصفة التي رفعت لأن تِلْكَ فِي موضع رفع.
ومثله فِي الكلام قوله: إنا بِخير كَثِير «٤» صيدنا. ومثله قَوْل الله عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ «٥» الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً. إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً. وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً.. المعنى: خلق هلوعًا، ثُمَّ فسر حال الهلوع بلا نصب لأنه نصب فِي أول الكلام. ولو رفع لجازَ إِلا أن رفعه عَلَى الاستئناف لأنه لَيْسَ معه صفة ترفعه. وإنّما نزلت هَذِه الآية أن قبائل من العرب فِي الجاهلية كانوا لا يأكلونَ أيام حجهم إلا القوت، ولا يأكلون اللحم والدسم، فكانوا يطوفون بالبيت عراةً، الرجالُ نَهارًا والنساء ليلا، وكانت المرأة تلبس شيئًا شبيهًا بالحَوْف «٦» ليواريها بعض المواراة ولذلك قالت العامرية:
اليوم يبدو بعضه أو كله | وما بدا منه فلا أُحله |
(٢) يريد أنها ليست حالا من الجار والمجرور فى «للذين آمنوا فى الحياة الدنيا» بل يقدر جار ومجرور آخر هو خبر بعد خبر أي لهم خالصة يوم القيامة، إذ كان هذا حكما لهم فى حال غير الحال الأولى.
(٣) يريد أن تكون خبرا ثانيا. [.....]
(٤) كذا فى ش. وفى ج: «وكثير». وعلى النسخة الأخيرة يحتمل أن يكون شطر رجز.
(٥) آيات ١٩، ٢٠، ٢١ سورة المعارج.
(٦) هو جلد يشقق كهيئة الإزار يلبسه الصبيان والحائض.
وقوله: أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ (٣٧) يُقال: ينالهم ما قضى الله عليهم فِي الكتاب من سواد الوجوه وزرقة الأعين.
وهو قوله: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ «١» ويُقال هُوَ ما ينالهم فِي الدُّنْيَا من العذاب دون عذاب الآخرة، فيكون من قوله:
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ «٢» مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ.
وقوله: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها (٣٨) يقول: التي سبقتها، وهي أختها فِي دينها لا فِي النسب. وما كَانَ من قوله:
وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً «٣» فليس بأخيهم فِي دينهم ولكنه منهم.
وقوله: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ (٤٠) ولا يَفَتَّح وتُفَتَّح. وإِنَّما يَجوز التذكير والتأنيث فِي الجمع لأنه يقع عَلَيْهِ التأنيث فيجوز فِيهِ الوجهان كما قَالَ: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ «٤» و «يشهد» فمن ذكَّر قَالَ: واحد الألسنة ذكر فأبنى عَلَى الواحد إذ كَانَ الفعل يتوحد إِذَا تقدّم الاسماء المجموعة، كما تَقُولُ ذهب القوم.
(٢) آية ٢١ سورة السجدة.
(٣) آية ٨٥ سورة الأعراف.
(٤) آية ٢٤ سورة النور. وقد قرأ بالياء حمزة والكسائي وخلف، وقرأ الباقون بالتاء.
ومعنى قوله: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ: لا تصعد أعمالهم. ويُقال:
إن أعمال الفجار لا تصعد ولكنها مكتوبة فى صخرة تحبت الأرض، وهي التي قَالَ الله تبارك وتعالى: كَلَّا «٤» إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ.
وقوله: حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ الجمل هُوَ زوج الناقة. وقد ذكر عَن ابن عباس الْجُمَّلُ يعني الحبال «٥» المجموعة. ويُقال الخياط والْمَخِيط ويُراد الإبرة. وَفِي قراءة عبد الله (الْمِخْيَط) ومثله يأتي عَلَى هذين المثالين يُقال: إزار ومِئزر، ولِحاف ومِلحف، وقِناع ومِقنع، وقِرام «٦» ومِقرم.
وقوله: وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ (٤٨) وَذَلِكَ أنَّهم عَلَى سُور بين الجنة والنار يُقال لَهُ الأعراف، يرون أهل الجنة فيعرفونَهم ببياض وجوههم، ويعرفونَ أهل النار بسواد وجوههم، فذلك قوله:
(٢) آية ٣٧ سورة الحج.
(٣) آية ٧١ سورة الزمر.
(٤) آية ٧ سورة المطففين.
(٥) فى القرطبي: «وهو حبل السفينة الذي يقال له الفلس. وهو حبال مجموعة».
(٦) هو ثوب من صوف ملوّن يتخذ سترا.
وقوله: وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً (٥٢) تنصب الهدى والرحمة عَلَى القطع من الْهَاء فِي فصّلناه. وقد تنصبهما عَلَى الفعل «١». ولو خفضته عَلَى الاتباع للكتاب كَانَ صوابًا كما قَالَ الله تبارك وتعالى:
وَهذا «٢» كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فجعله رفعًا بإتباعه للكتاب.
وقوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ (٥٣) الْهَاء فِي تأويله للكتاب. يريد عاقبته وما وعد الله فِيهِ.
وقوله: فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ لَيْسَ بِمعطوفٍ عَلَى (فيشفعوا)، إِنَّما المعنى- والله أعلم-: أو هَلْ نُردّ فنعمل غير الَّذِي كنا نعمل.
ولو نصبت (نردّ) على أن تجعل (أو) بِمنزلة حَتَّى، كأنه قَالَ: فيشفعوا لنا أبدًا حَتَّى نرد فنعمل «٣»، ولا نعلم قارئًا «٤» قرأ بِهِ.
وقوله: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) ذكرت قريبًا لأنه لَيْسَ بقرابة فِي النسب. قَالَ: ورأيتُ العرب تؤنث القريبة فِي النسب لا يَختلفونَ فيها، فإذا قالوا: دارك منّا قريب، أو فلانة منك قريب
(٢) آية ٩٢ سورة الأنعام.
(٣) جواب لو محذوف، أي لجاز.
(٤) قرأ به ابن أبى إسحق، كما فى مختصر البديع ٤٤.
عِشَّيَة لا عفراءُ مِنْكَ قريبة | فتدنو ولا عفراء مِنك بعيد |
وقوله: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ نَشْرًا (٥٧) والنَشْر من الرياح: الطيبة اللينة التي تنشئ السحاب. فقرأ بذلك أصحاب عبد الله. وقرأ غيرهم (بُشْراً) حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَسَدِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ «٥» الْهَمْدَانِيِّ عَنْ أَبِي «٦» عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَرَأَ (بُشْرًا) يُرِيدُ بَشِيرَةً، وَ (بَشْرًا) كَقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وتعالى: (يُرْسِلَ الرِّياحَ «٧» مُبَشِّراتٍ).
(٢) آية ٦٣ سورة الأحزاب.
(٣) هو عروة بن حزام العذرى. والبيت ورد فى اللآلى ٤٠١ مع بيت آخر هكذا:
عشية لا عفراء منك بعيدة | فتسلو ولا عفراء منك قريب |
وإنى لتغشانى لذكراك فترة | لها بين جلدى والعظام دبيب |
(٤) سقط ما بين القوسين فى ش، ج. والسياق يقتضيه.
(٥) هو عمرو بن عبد الله السبيعىّ أحد أعلام النابعين، توفى سنة ١٢٧
(٦) هو عبد الله بن حبيب المقري الكوفىّ، من ثقات التابعين، مات سنة ٨٥.
(٧) آية ٤٦ سورة الروم.
كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى كما أخرجنا الثمار من الأرض الميتة.
وقوله: وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً (٥٨) قراءة «٢» العامة وقرأ بعضُ «٣» أهل المدينة: نَكَدا يريد: لا يخرج إلا فِي نَكَد.
والنِكد والنكَد مثل الدنِف والدَنف. قَالَ: وما أُبعد أن يكون فيها نكُد، ولم أسمعها، ولكني سمعتُ حذِر وحذُر وأشِر وأشُر وعجِل وعجُل.
وقوله: ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ (٥٩) تجعل «٤» (غَيْرِ) نعتًا للإلَه. وقد يرفع: يجعل تابعًا للتأويل فِي إله ألا ترى أن الاله لو نزعت منه (مِنْ) كَانَ رفعًا. وقد قرى بالوجهين جَميعًا.
وبعضُ بني أَسَد وقُضَاعة إِذَا كانت (غير) فِي معنى (إِلا) نصبوها، تَمَّ الكلام قبلها أو لَمْ يتم. فيقولون: ما جاءني غيرَك، وما أتاني أحد غيرَك. قَالَ:
وأنشدنى المفضّل:
(٢) يريد: بكسر الكاف.
(٣) هو أبو جعفر.
(٤) هذا على كسر «غير» وهى قراءة الكسائي وأبى جعفر. [.....]
لَمْ يمنع الشربَ منها غير أن هتفت | حمامة من سحوق ذات أوقال «١» |
لا عيبَ فيها غيرَ شُهْلةِ عينِها | كذاكَ عِتَاق الطير شُهْلا عيونُها «٢» |
وقوله: أَوَعَجِبْتُمْ (٦٣) هَذِه واو نَسَق أدخلت عَلَيْهِ ألف الاستفهام كما تدخلها عَلَى الفاء، فتقول:
أفعجبتم، وليست بأو، ولو أريد بِهَا أو لسكّنت الواو.
وقوله: أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُقال فِي التفسير: مع رجلٍ.
وهو فِي الكلام كقولك: جاءنا الخير عَلَى وجهك، وهُدِينا الخير عَلَى لسانِكَ، ومع وجهك، يَجوزان جَميعًا.
وقوله: قالَ الْمَلَأُ (٦٦) هم الرجال لا يكون فيهم امرأة. وكذلك القوم، والنَفَر والرّهْط.
وقوله: وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً (٦٥) وقوله: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً (٧٣) منصوب بضمير أرسلنا. ولو رفع إذ فقد الفعل كَانَ صوابًا كما قَالَ: فَبَشَّرْناها «٣» بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ وقال أيضًا: فَأَخْرَجْنا «٤» بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها
وقوله: من سحوق، كذا فى ش، ج، يريد أن سماعها الحمامة من قبل الشجرة وجهتها. والمعروف: فى غصون.
(٢) الشهلة فى العين أن يشوب سوادها زرقة. وقوله: شهلا فى اللسان (شهل) :«شهل».
(٣) آية ٧١ سورة هود وقد قرأ «يعقوب» بالنصب وحفص وابن عامر وحمزة، وقرأ الباقون بالرفع
(٤) آية ٢٧ سورة فاطر.
ألوانهم، ولا ألوانها. وَذَلِكَ لِمكان (مِنْ) والعرب تُضمر من فتكتفي بِمن مِن مَنْ، فيقولون: مِنا مَنْ يقول ذَلِكَ ومِنّا لا يقوله. ولو جمع عَلَى التأويل كَانَ صوابًا مثل قول ذي الرّمة:
فظلُّوا ومنهم دمعه سابق له | وآخر يثنى دمعة العين بالمهل «٤» |
وقوله: وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٨) يقول: قد كنت فيكم أمينًا قبل أن أُبعث. ويُقال: أمين عَلَى الرسالة.
وقوله: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ (٧٨) والرجفة هي الزلزلة. والصاعقة هي النار. يُقال: أحرقتهم.
وقوله: فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ يقول: رمادا جاثما.
(٢) آية ٢٣ سورة الجاثية.
(٣) آية ٢٨ سورة فاطر.
(٤) المهل: التؤدة والسكينة. وفى الديوان ٤٨٥: «بالهمل». وكأنها الصحيحة لقوله بعد:
وهل هملان العين راجع ما مضى | من الوجد أو مدنيك يا ميّ من أهلى |
الشاتِمَيْ عِرْضي ولم أشتِمْهُمَا | والناذرَيْنِ إِذَا لقيتهما دمي «٣» |
(٢) ثبت ما بين القوسين فى ش، وسقط فى ج.
(٣) البيت من معلقته. وكان قتل ضمضما المري أبا الحصين وهرم، فكانا ينالانه بالسب، ويتوعدانه بالقتل. وقبل البيت:
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر | للحرب دائرة على ابني ضمضم |
إن يفعلا فلقد تركت أباهما | جزر السباع وكل نسر قشعم |
أنحي عَليّ الدهر رجلا ويدا | يُقسم لا يُصلح إلا أفسدا |
وكذلك بِهاء التأنيث فيقولون: هَذِه طلحة قد أقبلت، جزم أنشدني بعضهم:
لَمَّا رأى أن لادَعهْ ولا شِبَعْ | مال إلى أرطاة حِقْف فاضطجع «٢» |
لستُ إذًا لزَعْبَلَهُ إنْ لَم أُغَيِّرْ بِكْلَتِي إن لَمْ أُساوَ بالطُوَل «٣» بِكْلَتِي: طريقتي. كأنه «٤» قَالَ: إن لَمْ أغيِّر بكلتي حَتَّى أساوي. فهذه لامرأة: امرأة طولى و [نساء «٥» ] طول.
(٢) هذا من رجز. وقبله:
يا رب أبّاز من العفر صدع | تقبض الذئب إليه فاجتمع |
(٣) زعبلة: اسم أبيها. وقد فسر البكلة بالطريقة. ويقول ابن برى- كما فى اللسان: بكل-:
«هذا البيت من مسدس الرجز جاء على التمام».
(٤) الأولى: «كأنها»، لجان الشعر لامرأة، كما يذكر.
(٥) زيادة يقتضيها السياق.
فإن قلت: إن (أو) فِي المعنى بِمنزلة (إمّا وإمّا) فهل يَجوز أن يقول يا زيد أن تقوم أو تقعد؟ قلت: لا يَجوز ذَلِكَ لأن أول الاسمين فِي (أو) يكون خبرًا يَجوز السكوت عَلَيْهِ، ثُمَّ تستدرك الشك فِي الاسم الآخر، فتُمضي الكلام عَلَى الخبر ألا ترى أنك تقبول: قام أخوكَ، وتسكت، وإن بدا لك قلت: أو أبوك، فأدخلت الشك، والاسم الأول مكتفٍ يصلح السكوت عَلَيْهِ. وليس يَجوز أن تَقُولُ: ضربت إمّا عبد الله وتسكت. فلمّا آذنت (إمّا) بالتخيير من أول الكلام أحدثْتَ لَهَا أن.
ولو وقعت إِمّا وإمّا مع فعلين قد وُصِلا باسم معرفة أو نكرة ولم يصلح الأمر بالتمييز فِي موقع إمّا لَمْ يحدث فيها أن كقول الله تبارك وتعالى: وَآخَرُونَ «١» مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ أَلا ترى أن الأمرَ لا يصلح هاهنا، فلذلك لَمْ يكن فِيهِ أن. ولو جعلت (أن) فِي مذهب (كي) وصيّرتها صلة ل (مرجون) يريد أُرجئوا أن يعذبوا أو يتاب عليهم، صلح ذَلِكَ فِي كل فعل تامّ، ولا يصلح فِي كَانَ وأخواتها ولا فِي ظننت وأخواتها. من ذَلِكَ أن تَقُولُ آتيكَ إما أن تعطي وإما أن تمنع.
وخطأ أن تَقُولُ: أظنكَ إمّا أن تُعطي وإمّا أن تمنع، ولا أصبحت إما أن تعطي وإما أن تمنع. ولا تُدخلنّ «٢» (أو) عَلَى (إما) ولا (إما) عَلَى (أو). وربما فعلت العرب ذَلِكَ لتآخيهما فِي المعنى عَلَى التوهّم فيقولون: عبد الله إما جالس أو ناهض،
(٢) يريد: لا تجعل أحد الحرفين فى الموضع الذي يصلح له الآخر.
فقلت لَهن امشين إِمّا نلاقهِ | كما قَالَ أو نشف النفوس فنعذرا «٢» |
فكيفَ بنفس كلما قلت أشرفت | عَلَى البرء من دهماء هِيض اندمالها |
تُهاضُ بدارٍ قد تقادم عهدُها | وإمّا بأمواتٍ ألمَّ خيالها |
وقوله: تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (١١٧) وتَلْقَفُ «٦». يقال لقفت»
الشيء فأنا ألقفه لقفا، يجعلون مصدره لقفانا. وهى فى التفسير: تبتلع.
(٢) «نلاقه» مجزوم فى جواب الأمر، وكذا المعطوف عليه «نشف». وترى فى البيت أن:
«أو» خلفت «إما». [.....]
(٣) هو الفرزدق. والشعر مطلع قصيدة طويلة يمدح فيها سليمان بن عبد الملك ويهجو الحجاج. وقوله:
من دهماء أي من حب هذه المرأة. ويقال: هاض العظم: كسره بعد الجبر.
(٤) آية ٨٦ سورة الكهف.
(٥) آية ٦٥ سورة طه.
(٦) والأولى- أي سكون اللام وتخفيف القاف- قراءة حفص عن عاصم. والثانية قراءة الباقين.
(٧) كذا فى ج. وفى ش «تلقفت».
وقوله: آمَنْتُمْ بِهِ (١٢٣) يقول: صدّقتموهُ. ومن قَالَ: آمنتم لَهُ يقول: جعلتم لَهُ الَّذِي أراد.
وقوله: ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ (١٢٤) مشددة، وَ (لأصْلِبَنَّكم) بالتخفيف قرأها بعضُ «١» أهل مكة. وهو مثل قولك:
قتلت القوم وقتَّلتهم إِذَا فشا القتل جاز التشديد.
وقوله: وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ (١٢٧) لك فى (ويذرك) النصبُ عَلَى الصرف لانّها فِي قراءة أُبَيّ (أتذرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأرض وَقَدْ تركوك أن يعبدوك) فهذا معنى الصرف. والرفع لِمن أتبع آخر الكلام أوّله كما قَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ مَنْ «٢» ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ بالرفع «٣». وقرأ ابن عباس (وإلا هتك) وفسّرها: ويذرك وعبادتك وقال: كَانَ فرعون يُعبد ولا يَعبد.
وقوله: أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا (١٢٩) قَالَ: فأمَّا الأذى الأول فقتله الأبناء واستحياؤه النساء. ثُمَّ لَمّا قالوا لَهُ:
أتَذَرُ موسى وقومه ليفسدوا فِي الأرض قَالَ: أُعِيد عَلَى أبنائهم القتل وأستحيى النساء كما كَانَ فعل. وهو أذى بعد مجىء موسى.
(٢) آية ٢٤٥ سورة البقرة.
(٣) هو قراءة غير ابن عامر وعاصم ويعقوب. أما هؤلاء فقراءتهم النصب.
وقوله: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ (١٣١) والحسنة هاهنا الخفض «١».
وقوله: لَنا هذِهِ يقولون: نستحقّها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يعنى الجدوبة يَطَّيَّرُوا يتشاءموا بِمُوسى كما تشاءمت اليهود بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالمدينة، فقالوا: غلت أسعارنا وقلّت أمطارنا مذ أتانا.
وقوله: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ (١٣٣) أرسل الله عليهم السماء سَبْتًا «٢» فلم تقلع ليلا ونهارا، فضاقت بهم الأرض من تهدّم بيوتِهم وشُغُلهم عَن ضياعِهم، فسألوهُ أن يرفع عنهم، فرفع فلم يتوبوا، فأرسلَ الله عليهم (الجراد) فأكل ما أنبتت «٣» الأرض فِي تِلْكَ السنة. وذاك أنهم رأوا من غِبّ ذَلِكَ المطر خصبًا لَمْ يروا مثله قطُّ، فقالوا: إنّما كَانَ هَذَا رحمةً لنا ولم يكن عذابًا. وضاقوا بالجراد فكان قدر ذراع فِي الأرض، فسألوهُ أن يكشف عنهم ويؤمنوا، فكشف «٤» الله عنهم وبقي لَهُم ما يأكلونَ، فطغوا بِهِ وقالوا (لن نؤمن لك) فأرسل الله عليهم (القمل) وهو الدّبَى «٥» الَّذِي لا أجنحة لَهُ، فأكل كلّ ما كَانَ أبقى الجراد، فلم يؤمنوا فأرسل الله (الضفادع) فكان أحدهم يصبح وهو عَلَى فراشه متراكب، فضاقوا بذلك، فلمّا كُشِفَ عنهم لَمْ يؤمنوا، فأرسل الله عليهم
(٢) أي أسبوعا من السبت إلى السبت.
(٣) كذا فى ج. وفى ش: «أنبت».
(٤) كذا فى ش. وفى ج: «فكشفه».
(٥) الدبى: الجراد قبل أن يطير، واحدة دباة.
وقوله: عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ (١٤٨) كان جسدا مجوّفًا. وجاء فِي التفسير أَنَّهُ خار مرة واحدة.
وقوله: وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ (١٤٩) من الندامة. ويُقال: أسقِط لغة. و (سُقِطَ فى أيديهم) أكثر وأجود. قالوا لئن لم ترحمنا ربّنا نصب «٢» بالدعاء (لئن لَمْ ترحمنا ربنا) ويقرأ (لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا) والنصبُ أحبّ إليّ لأنها فِي مصحف عبد الله (قالوا ربنا لئن لَمْ ترحمنا).
وقوله: أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ (١٥٠) تقول: عجلت الشيء: سبقته، وأعجلته استحثثته «٣».
(٢) وهى قراءة حمزة والكسائىّ وخلف.
(٣) فى ش، ج: «استحيته» وهو مصحف عما أثبتنا.
وقوله تبارك وتعالى: قالَ ابْنَ أُمَّ يقرأ (ابن أمَّ، وَأُمِّ) بالنصب والْخفض «٣»، وَذَلِكَ أنه كثر فِي الكلام فحذفت العرب منه الياء. ولا يكادونَ يحذفونَ الياء إِلا من الاسم المنادى يضيفه المنادِي إلى نفسه، إلا قولهم: يا ابن عمّ ويا ابن أمّ. وذلك أنه يكثر استعمالهما فِي كلامهم. فإذا جاء ما لا يستعمل أثبتوا الياء فقالوا: يا ابن أبى، ويا ابن أخى، ويا ابن خالتى، فأثبتوا الياء. ولذلك قالوا: يا ابن أمّ، ويا ابن عمَّ فنصبوا كما تنصب المفرد فِي بعض الحالات، فيُقال: حسرتا، ويا ويلتا، فكأنّهم قالوا: يا أمّاه، ويا عمّاه. ولم يقولوا ذَلِكَ فِي أخ، ولو قيل كَانَ صوابًا. وَكَانَ هارون أخاهُ لابيه وأمّه. وإنّما قَالَ لَهُ (يا ابن أم) ليستعطفه عَلَيْهِ.
وقوله: فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ مِنْ أشمت، حَدَّثَنَا مُحَمَّد قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنَا سفيان بن عبينة عَن رجل- أظنه الأعرج «٤» - عَن مجاهد أَنَّهُ قرأ (فلا تَشْمِت بيَ) ولم يسمعها من العرب، فقال الْكِسَائي: ما أدري لعلهم أرادوا (فلا تَشْمَت بِيَ الاعداءُ) فإن تكن صحيحة فلها نظائِر، العرب تَقُولُ فرغت: وفرِغْت. فمن قَالَ فرَغت قَالَ: أنا أفرغُ، ومن قَالَ فرِغت قَالَ أنَا أَفْرَغ، ورَكَنت وركِنْت وشمِلِهم شر، وشمَلهم، فِي كَثِير من الكلام. و (الأَعْدَاءَ) رفع لأن الفعل لَهُم، لمن قَالَ: تَشْمَت أو تشمت.
(٢) آية ٤ سورة التحريم.
(٣) الخفض أي كسر الميم قراءة ابن عامر وأبى بكر عن عاصم وحمزة والكسائىّ وخلف. والنصب قراءة الباقين.
(٤) هو حميد بن قيس المكىّ القارئ توفى سنة ١٣٠ هـ.
وقد قَالَ الشاعر «١» :
فقلت لَهُ اخترها قَلُوصا سَمِينة | ونابًا علينا مثل نابك فِي الْحَيَا |
فقام إليها حبتر بسلاحه | فلله عينا حَبْتَرٍ أيّما فتى |
تحت الَّذِي اختار لَهُ الله الشجر
وقوله: أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا وَذَلِكَ أن الله تبارك وتعالى أرسلَ عَلَى الَّذِينَ معه- وهم سبعون- الرجفة، فاحترقوا، فظنّ موسى أنّهم أهلكوا باتِّخَاذ أصحابِهم العجل، فقال: أتهلكنا بِما فعلَ السفهاء منا، وإِنّما أهلكوا بمسألتهم موسى (أرنا الله جهرة).
(٢) هو العجاج. والرجز من أرجوزته الطويلة فى مدح عمر بن عبيد الله بن معمر.
وأمّا قول الله عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَكُمْ «٢» مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها فإن فِيهِ هَذَا الوجه لئلا يقول القائل: كيف قَالَ: خلقكم ثُمَّ جعل منها زوجها والزوج مخلوق «٣» قبل الولد؟ فهذا الوجه المفسّر يدخل فِيهِ هَذَا المعنى. وإن شئت جعلت (ثم) مردودة عَلَى الواحدة أراد- والله أعلم- خلقكم من نفسٍ وحدها ثُمَّ جعل منها زوجها، فيكون (ثم) بعد خلقه آدم وَحده. فهذا ما فِي ثُمَّ. وخِلْقةُ ثُمَّ أن يكون آخِر. وكذلك الفاء. فأما الواو فإنك إنّ شئت جعلت الآخر هو الأوّل والأوّل الآخر. فإذا قلت: زرت عبد الله وزيدًا، فأيّهما شئت كان هو المبتدأ بالزيادة، وَإِذَا قلت: زرت عبد الله ثُمَّ زيدًا، أو زرت عبد الله فزيدًا كَانَ الأوّل قبل الآخِر، إلا أن تريد بالآخر أن يكون مردودًا عَلَى خبر المخبر فتجعله أوّلا.
(٢) آية ٦ سورة الزمر.
(٣) الأولى: مخلوقة فإن المراد بالزوج حوّاء.
ولو كَانَ (اثني عشر) لتذكير السبط كَانَ جائزًا.
وقوله: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا (١٣٧) فتنصب مشارق ومغارب تريد: فِي مشارق الأرض وفى مغاربها، وتوقع «٢» (وأورشا) على قوله الَّتِي بارَكْنا «٣» فِيها. ولو جعلت (وأورثنا) واقعة عَلَى المشارق والمغارب لانهم قد أورثوها وتجعل (التي) من نعت المشارق والمغارب فيكون نصبًا «٤»، وإن شئت جعلت (التي) نعتًا للارض فيكون خفضًا.
وقوله: وَما ظَلَمُونا يقول: وما نقصونا شيئًا بِما فعلوا، ولكن نقصوا أنفسهم.
والعربُ تَقُولُ: ظلمت سِقاءك إِذَا سقيته «٥» قبل أن يُمَخض ويَخرج زُبْده. ويُقال ظلم الوادي إِذَا بلغ الماء منه موضعًا لَمْ يكن ناله فيما خلا أنشدني بعضهم:
يكاد يطلع ظلمًا ثُمَّ يمنعه | عَن الشواهِقِ فالوادِي بِهِ شِرق «٦» |
ما ظلمك أن تفعل، يريدونَ: ما منعك أن تفعل، والأرض المظلومة: التي لَمْ ينلها
(٢) كذا فى ا. وفى ش، ج: «ترفع» وهو تصحيف.
(٣) أي الأرض التي باركنا فيها. [.....]
(٤) جواب لو محذوف، أي لجاز.
(٥) أي سقيت ما فيه من اللين ضيفا ونحوه.
(٦) فى اللسان أن هذا فى وصف سيل. فقوله: يكاد يطلع أي السيل، أي يكاد السيل يبلغ الشواهق أي الجبال المرتفعة، ولكن الوادي يمنعه عنها فهو شرق بهذا السيل أي ضيق به كمن يغص بالماء.
وقوله: وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ (١٦٣) والعربُ تَقُولُ: يُسْبِتونَ ويَسْبِتونَ وسَبَت وأَسبت. ومعنى أسبتوا: دخلوا فِي السبت، ومعنى يَسْبِتون: يفعلونَ سبتهم. ومثله فِي الكلام: قد أجمعنا، أي مرَّت بنا جُمعة، وجَمّعنا: شهدنا الجمعة. قَالَ وقال لي بعضُ العرب: أترانا «٣» أشهرنا مذ لم نلتق؟ أراد: مرّ بنا شهر.
وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ منصوب بقوله: لا تَأْتِيهِمْ.
وقوله: قالُوا مَعْذِرَةً (١٦٤) إعذارًا فعلنا ذَلِكَ. وأكثر كلام العرب أن ينصبوا المعذرة. وقد آثرت القراء رفعها. ونصبها جائز «٤». فمن رفع قَالَ: هي معذرة كما قال: إِلَّا ساعَةً «٥» مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ.
وقوله: مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ (١٦٧) : الجزية إلى يوم القيامة.
(٢) الرهص أن يصيب الحجر حافرا أو منسما فيذوى باطنه.
(٣) ثبت فى ش، ج. وسقط فى ا.
(٤) بل قرأ به حفص عن عاصم وزيد بن على وعيسى بن عمر وطلحة بن مصرف.
(٥) آية ٣٥ سورة الأحقاف.
أَضاعُوا الصَّلاةَ أي قرن، بِجزم اللام. والخلف: ما استخلفته، تقول: أعطاك الله خَلَفًا مما ذهب لك، وأنت خَلَف سَوْء، سمعته من العرب.
وقوله: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ (١٧٠) ويُقرأ يُمَسِّكُونَ «٢» بِالْكِتابِ ومعناهُ: يأخذونَ بِما فِيهِ.
وقوله: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ (١٧١) رفع الجبل عَلَى عسكرهم فرسخًا فِي فرسخ. نَتَقْنَا: رفعنا. ويُقال: امرأة مِنتاق إِذَا كانت كثيرة الولد.
وقوله: وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ (١٧٦) : ركن إليها وسكن. ولغة يُقال: خلد إلى الأرض بغير ألف، وهي قليلة.
ويُقال للرجل إِذَا بقي سواد رأسه ولحيته: إِنّه مُخْلِد، وَإِذَا لَمْ تسقط أسنانه قيل:
إنه لَمخلد.
وقوله: أَيَّانَ مُرْساها (١٨٧) المرسى فى موضع رفع.
ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثقل عَلَى أهل الأرض والسماء أن يعلموه «٣».
وقوله: كَأَنَّكَ حَفِيٌّ كأنّك حفيّ عنها مقدّم ومؤخر ومعناهُ يسألونَكَ عنها كأنك حفِيّ بِهَا. ويُقال فِي التفسير كأنك حَفِيّ أي كأنك عالم بها.
(٢) وهى قراءة أبى بكر عن عاصم.
(٣) كذا فى الأصول. والأولى: «يعلموها».
وقوله: حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً (١٨٩) الماء خفيف عَلَى المرأة إِذَا حملت.
فَمَرَّتْ بِهِ فاستمرت بِهِ: قامت بِهِ وقعدت.
فَلَمَّا أَثْقَلَتْ: دنت ولادتها، أتاها إبليس فقال: ماذا فِي بطنك؟ فقالت:
لا أدري. قَالَ: فلعله بَهيمة، فما تصنعين لي إن دعوت الله لك حتى يجعله إنسانا؟ قالت: قل، قَالَ: تسمينه باسمي. قالت: وما اسمك؟ قَالَ: الحرث.
فسمَّته عبد الحارث، ولم تعرفه أَنَّهُ إبليس.
وقوله: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ (١٩٠) إِذْ قالت: عبد الحارث، ولا ينبغي أن يكون عبدًا إلا لله. ويقرأ «١» :
«شِرْكًا».
وقوله: أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً (١٩١) أراد الألهة ب (ما)، ولم يقل: من، ثُمَّ جعل فعلهم كفعل الرجال.
وقال: وَهُمْ يُخْلَقُونَ ولا يملكون.
وقوله: وَلا يَسْتَطِيعُونَ (١٩٢) فجعل الفعل للرجال.
وقوله: سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ ولم يقل: أم صمتُّم.
وَعَلَى هَذَا أكثر كلام العرب: أن يقولوا: سواء عليّ أقمت أم قعدت. ويَجوز:
سواء عليّ أقمت أم أنت قاعد قَالَ الشاعر:
سواء إِذَا ما أصلح الله أمرهم | علينا أدثر ما لهم أم أَصارِم «١» |
سواء عليك النفْرُ أم بِتَّ ليلة | بأَهل القِباب مِن نُمَيْرِ بنِ عامِرِ «٢» |
وقوله: وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ (١٩٨) يريد الآلهة: أنّها صُوَر لا تُبصر. ولم يقل: وتراها لأن لَهَا أجسامًا وعيونًا.
والعرب تَقُولُ للرجل القريب من الشيء: هُوَ ينظر، وهو لا يراهُ، والمنازل تتناظر إِذَا كَانَ بعضها بحذاء بعض.
والأصرام واحده الصرم. والصرم كالصرمة الفريق القليل العدد. يريد القطعة من الإبل القليلة.
(٢) (النفر) يريد النفر من منى. ويوم النفر هو اليوم الثاني من أيام التشريق، وهو النفر الأوّل.
والنفر الآخر فى اليوم الثالث. [.....]
وقوله: وَإِخْوانُهُمْ (٢٠٢) إخوان المشركين يَمُدُّونَهُمْ فِي الغيّ، فلا يتذكرون ولا ينتهونَ. فذلك قوله: ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ يعني المشركين وشياطينَهم. والعربُ تَقُولُ: قد قَصُر عَن الشيء وأقصر عَنْهُ. فلو قرئت (يُقْصِرُونَ «٢» ) لكان صوابًا.
وقوله: وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَها (٢٠٣) يقول: هلا افتعلتها. وهو من «٣» كلام العرب جائز أن يُقال: اختار الشيء، وهذا اختياره.
وقوله: وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا (٢٠٤) قَالَ: كَانَ الناس يتكلمون فِي الصلاة المكتوبة، فيأتي الرجل القوم فيقول:
كم صليتم؟ فيقول: كذا وكذا. فنهوا عَن ذَلِكَ، فحرم الكلام فى الصلاة لما أنزلت هذه الآية.
(٢) وهى قراءة عيسى بن عمر كما فى القرطبي.
(٣) يريد أن الاجتباء فى الأصل الاختيار، وأريد به هنا الاختلاق والافتعال. وأراد أن يذكر أن هذا معروف فى كلام العرب أن يقال: اختار فلان الشيء إذا اختلقه واستحدثه. ومن هذا يعرف أن هنا سقطا فى الكلام من النساخ. والأصل: «جائز أن يُقال: اختار الشيء وهذا اختياره: إذا اختلقه» كما يؤخذ من الطبري. وفيه: «وحكى عن الفرّاء أنه كان يقول: اجتبيت الكلام واختلقته وارتجلته: إذا افتعلته من قبل نفسك».
سورة الأعراف
افتُتِحت هذه السُّورة بالتنويه بعظمةِ هذا الكتاب، موضِّحةً مهمةَ القرآن ووجوبَ اتِّباعه، محذِّرةً من الشَّيطان وفتنتِه، كما وصَفتْ هذه السُّورةُ العظيمة أهوالَ يومِ القيامةِ، وخطابَ أهل النَّار لأهل الجنَّة، وحالَ الأعراف، واصفةً ما يَتبَع تلك الأحداثَ، وكذلك اشتملت على كثيرٍ من قصص الأنبياء؛ للدَّلالة على عظمةِ الله وقوَّته، وقهرِه وقُدْرته، وبيَّنتْ حُكْمَ من أطاع واتَّبَع، وحُكْمَ من عصى وابتدع؛ داعيةً للرجوع إلى الله؛ للفوز بالجنَّة، والنَّجاة من النار، وقد أُثِر عن النبيِّ ﷺ قراءتُه لها في صلاة المغرب.
ترتيبها المصحفي
7نوعها
مكيةألفاظها
3343ترتيب نزولها
39العد المدني الأول
206العد المدني الأخير
206العد البصري
205العد الكوفي
206العد الشامي
205* قوله تعالى: ﴿خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٖ وَكُلُواْ وَاْشْرَبُواْ﴾ [الأعراف: 31]:
عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كانت المرأةُ تطُوفُ بالبيتِ وهي عُرْيانةٌ، فتقولُ: مَن يُعِيرُني تِطْوافًا؟ تَجعَلُهُ على فَرْجِها، وتقولُ:
اليَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ***فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ
فنزَلتْ هذه الآيةُ: ﴿خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٖ﴾ [الأعراف: 31]». أخرجه مسلم (٣٠٢٨).
* (الأعراف):
سُمِّيتْ بذلك؛ لأنَّ فيها ذِكْرَ (الأعراف).
* (طُولَى الطُّولَيَينِ):
لِما جاء عن مَرْوانَ بن الحكَمِ، قال: قال لي زيدُ بن ثابتٍ: «ما لك تَقرَأُ في المغربِ بقِصَارٍ وقد سَمِعْتُ النبيَّ ﷺ يَقرَأُ بطُولَى الطُّولَيَيْنِ؟!». أخرجه البخاري (764).
ولعلَّ الإطلاقَ الوارد في السورة من بابِ الوصف، لا من باب التسمية؛ وهذا أقرب.
انظر: "أسماء سور القرآن الكريم وفضائلها" لمنيرة الدوسري (ص196).
* مَن أخَذها عُدَّ حَبْرًا:
فعن عائشةَ رضي الله عنها، عن رسولِ الله ﷺ، قال: «مَن أخَذَ السَّبْعَ الأُوَلَ مِن القرآنِ، فهو حَبْرٌ». أخرجه أحمد (24575).
* ومِن عظيم فضلها أنها تقابِلُ التَّوْراةَ مع بقيةِ السُّوَر الطِّوال:
فعن واثلةَ بن الأسقَعِ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «أُعطِيتُ مكانَ التَّوْراةِ السَّبْعَ الطِّوالَ». أخرجه أحمد (17023).
أُثِر عن النبيِّ ﷺ قراءتُه لسورة (الأعراف) في صلاةِ المغرب:
فعن مَرْوانَ بن الحكَمِ: أنَّ زيدَ بنَ ثابتٍ قال: «ما لي أراكَ تَقرأُ في المغربِ بقِصارِ السُّوَرِ وقد رأيتُ رسولَ اللهِ يَقرأُ فيها بأطوَلِ الطُّوليَينِ؟! قلتُ: يا أبا عبدِ اللهِ، ما أطوَلُ الطُّوليَينِ؟ قالَ: الأعرافُ». أخرجه النسائي (٩٨٩).
اشتمَلتْ سورةُ (الأعراف) على عِدَّة موضوعاتٍ؛ وهي على الترتيب:
مهمَّة القرآن ووجوبُ اتباعه (١-٩).
خَلْقُ آدم وعداوةُ الشيطان له (١٠-٢٥).
تحذير الناس من فتنة الشيطان (٢٦-٣٠).
إباحةُ الطيِّبات، وتحريم الفواحش (٣١-٣٤).
إرسال الرسول، وعاقبة التكذيب (٣٥-٤١).
بين أصحاب الجنَّة وأصحاب النار (٤٢-٤٥).
أصحاب الأعراف (٤٦-٥٣).
مظاهر قدرة الله تعالى (٥٤-٥٨).
قصة نوح عليه السلام (٥٩-٦٤).
قصة هود عليه السلام (٦٥-٧٢).
قصة صالح عليه السلام (٧٣-٧٩).
قصة لوط عليه السلام (٨٠-٨٤).
قصة شُعَيب عليه السلام (٨٥-٩٣).
أقوام الأنبياء وموقفُهم من الدعوة (٥٩-٩٣).
سُنَّة الله في المكذِّبين (٩٤-١٠٢).
قصة موسى عليه السلام (١٠٣-١٧١).
موقف فِرْعونَ من دعوة موسى (١٠٣-١٢٦).
البِطانة الفاسدة (١٢٧-١٢٩).
عاقبة الكفار، وحُسْنُ عاقبة المؤمنين (١٣٠-١٣٧).
بنو إسرائيل وعبادة الأصنام (١٣٨-١٤١).
مجيء موسى للميقات (١٤٢-١٤٧).
بنو إسرائيل وعبادة العِجل (١٤٨-١٥٩).
مخالفات بني إسرائيل وانحرافاتهم (١٦٠-١٧١).
أخذُ الميثاق على بني آدم (١٧٢-١٧٨).
أهل النار أضَلُّ من الأنعام (١٧٩-١٨٦).
السؤال عن الساعة (١٨٧-١٨٨).
الناس مخلوقون من نفسٍ واحدة (١٨٩-١٩٥).
أولياء الرحمن (١٩٦-٢٠٦).
ينظر: "التفسير الموضوعي" لمجموعة من العلماء (3 /9).
اشتملت السُّورةُ على جملةٍ من المقاصدِ العظيمة، ذكَرها ابنُ عاشور رحمه الله؛ وهي:
«التنويهُ بالقرآن، والوعد بتيسيره على النبي ﷺ ليُبلِّغَه.
النهيُ عن اتخاذ الشركاء من دون الله، وإنذارُ المشركين عن سُوءِ عاقبة الشرك في الدنيا والآخرة، ووصفُ حال المشركين وما حَلَّ بهم.
تذكيرُ الناس بنعمة خَلْق الأرض، وتحذيرُهم من التلبُّس ببقايا مكرِ الشيطان.
وصفُ أهوالِ يوم الجزاء للمجرمين، وكراماتِه للمتَّقين.
التذكير بالبعث، وتقريبُ دليله.
النهيُ عن الفساد في الأرض التي أصلَحها اللهُ لفائدة الإنسان.
التذكير ببديعِ ما أوجَده الله لإصلاحِها وإحيائها.
التذكير بما أودَع اللهُ في فطرة الإنسان من وقتِ تكوين أصله أن يَقبَلوا دعوةَ رُسُلِ الله إلى التقوى والإصلاح».
"التحرير والتنوير" لابن عاشور (8/8).