تفسير سورة الأنفال

مجاز القرآن

تفسير سورة سورة الأنفال من كتاب مجاز القرآن
لمؤلفه أبو عبيدة . المتوفي سنة 210 هـ

﴿ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الأنْفَالِ ﴾ وَمَجازُهَا الغنائم التي نَفلها الله النبيَّ صلى الله عليه وأصحابه، واحدها نَفَلٌ، متحرك بالفتحة، قال لبيد :
إِنَّ تَقْوَى ربِّنا خَيْرُ نَفَلْ ***
﴿ وَجِلتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ أي خافت وفزعت، وقال مَعْن بن أَوْس :
لَعَمركَ ما أَدرِي وإِنّي لأوجلُ عَلَى أيّنا تَعْدو المنِيَّة أَوْلُ
﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ ﴾ مجازها مجاز القَسَم، كقولك : والذي أخرجك ربك لأن ما في موضع الذي وفي آية أخرى ﴿ والسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ﴾ أي والَّذِي بَنَاهَا، وقال :
دَعِيني إنما خَطَأي وصَوْبي علىَّ وإن ما اهلكتُ مال
أي وإنّ الذي أهلكت مالٌ. وفي آية أخرى ﴿ إِنَّ مَا صِّنَعُوا كَيْدُ سَاحرٍ ﴾ : إنّ الذي فعلوه كيد ساحر فلذلك رفعوه.
﴿ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ ﴾ مجاز الشوكة : الحدُّ، يقال : ما أشدَّ شوكةَ بني فلان أي حدَّهم.
﴿ بِأَلْفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ مجازه : مجاز فاعلين، مِن أَردَفوا أي جاءوا بعد قوم قبلهم وبعضهم يقول : ردَفني أي جاء بعدي وهما لغتان، ومن قرأها بفتح الدال وضعها في موضع مفعولين من أرْدَفهم الله مِن بعد مَن قبلَهم وقدامهم.
﴿ النُّعَاسَ أمَنَةً مِنْهُ ﴾ وهي مصدر بمنزلة أمنت أمَنَةً وأماناً وأمنا، كلهن سواء.
﴿ رجْزَ الشَّيْطَانِ ﴾ أي لَطْخ الشيطان، وما يدعو إليه من الكفر.
﴿ وَيُثَبِّت بِهِ الأَقْدَامَ ﴾ مجازه : يُفرِغ عليهم الصبر وينزله عليهم فيثبتون لعدوهم.
﴿ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ ﴾ مجازه : على الأعناق، يقال ضربته فوق الرأس وضربته على الرأس.
﴿ واضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ وهي أطراف الأصابع واحدتها بنانى، قال عباس بن مِرْداس :
ألا ليتنِي قطَّعتُ مني بنانةً ولاقيتُه في البيت يقَظانَ حاذِرا
يعني أبا ضَبٍّ رجلاً من هذيل قتل هُرَيمَ بن مِرْداس وهو نائم وكان جاورهم بالربيع.
﴿ شَاقُّوا اللهَ ﴾ مجازه : خانوا الله وجانبوا أمره ودينه وطاعته.
﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ ﴾ والعرب إذا جازت ب من يفعل كذا فإنهم يجعلون خبر الجزاء لمن وبعضهم يترك الخبر الذي يُجاز به لمن ويخبرُ عما بعده فيجعل الجزاءَ له كقول شَدَّاد بن معاوية العَبْسيِّ وهو أبو عنترة :
فَمن يك سائلاً عني فإني وجَرْوَة لا تَرود ولا تُعارُ
لا أدعها تجئ وتذهب تعار. ترك الخبر عن نفسه وجعل الخبر لفرسه، والعرب أيضاً إذا خبروا عن اثنين أظهروا الخبر عن أحدهما وكفوا عن خبر الآخر ولم يقولوا : ومن يحارب الصلت وزيداً فإن الصلت وزيداً شجاعان كما فعل ذلك قائل :
فمَن يك سائلاً عني فإني وجَرْوة لا ترود ولا تعار
ولم يقل لا نرود ولا نعار فيدخل نفسه معها في الخبر، وكذلك قول الأعشى :
وإِنّ إمراءً أهدى إليكِ ودونه من الأرْض مَوْماةٌ ويهماءُ خَيْفَقُ
لمحقوقة أن تستجيبي لِصَوته وأن تعلمي أن المُعان مُوفَّقُ
قال أبو عبيدة : كان المحلق اهدى إليه طلباً لمديحه وكانت العرب تحب المدح فقال لناقته يخاطبها :
وإن امراءً أهدى إليكِ ودونَه ***
ترك الخبر عن امرئ وأخبر عن الناقة فخاطبها. وفي آية أخرى :﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾.
﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ اللهَ رَمى ﴾ مجازه : ما ظفرت ولا أصبت ولكن الله أيّدك واظفرك وأصاب بك ونصرك ويقال : رمى الله لك، أي نصرك الله وصنع لك.
﴿ إنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الفَتْحُ ﴾ مجازه : إن تستنصروا فقد جاءكم النصر.
﴿ فِئَتِكُمْ شَيْئاً ﴾ مجازهَا : جماعتكم، قال العَجّاج :
كما يحُوز الفِئةَ الكمِىُّ ***
﴿ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وأنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴾ مجازه : ولا تدبروا عنه ولا تُعرِضوا عنه فتدعوا أمره.
﴿ اسْتَجِيبُوا لله ﴾ مجازه : أجيبوا الله ؛ ويقال استجبت له واستجبته، وقال كعبُ بن سَعْد الغَنَوِيّ :
وداعٍ دَعا يا مَن يُجيب إلى النَّدَى فلم يتجبع عند ذاك مُجيبُ
﴿ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيَكُمْ ﴾ مجازه : للذي يهديكم ويُصلحكم ويُنجيكم من الكفر والعذاب.
﴿ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ ﴾ مجازه أن كل شئ من العذاب فهو أمطرت بالألف وإن كان من الرحمة فهو مَطِرت.
مُكَاءً وتَصْدِيَةً } المُكاء الصفير قال رجل يعني امرأته :
ومَكابها فكأنما يمكو بأعْصم عاقلِ
﴿ وَتَصْدِيَهً ﴾ أي تصفيق بالأكف، قال : تصدية بالكف أي تصفيق، التصفيق والتصفيح والتصدية شئ واحد.
﴿ فَذُوقُوا ﴾ مجازه : فجرّبوا وليس من ذوق الفم.
﴿ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً ﴾ مجازه : فيجمعه بعضه فوق بعض أجمع.
﴿ بِالعِدْوَةِ الدُّنْيَا ﴾ مكسورة، وبعضهم يضمها، ومجازه من : عَدَى الوادِي أي مِلطاط شفيره والمِلطاط والعَدَى حافتا الوادي من جانبيه، بمنزلة رَجا البئر من أسفَل، ويقال : أَلزمْ هذا المِلطاطَ.
﴿ إذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ في مَنَامِكَ ﴾ مجازه : في نومك ويدلّ على ذلك قوله في آيةٍ أخرى :﴿ إذّ يُغَشِيكُمْ النُّعَاسَ ﴾ وللمنام موضع آخر في عينك التي تنام بها ويدل على ذلك قوله ﴿ وَنُقَلِّلكُمْ في أَعْيُنِهِمْ ﴾.
﴿ وَتذْهَبَ ريحُكُمْ ﴾ مجازه : وتنقطع دولتكم.
﴿ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾ مجازه : رجع من حيث جاء.
﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الذِينَ كَفَرُوا المَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأْدبَارَهُمْ وَذُوقُوا عذَابَ الحَرْيقِ ﴾ مجازه مجاز المختصر المضمر فيه وهو بمعنى ويقولون ذوقوا عذاب الحريق، والعرب تفعل ذلك، قال النَّابغة :
كأنّك مِن جِمال بني أقَيْشِ يُقَعْقَع خَلْفَ رجليه بِشَنِّ
معناه : كأنك جملٌ والعرب نقدِّم المفعول قبل الفاعل.
﴿ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ﴾ مجازه : كعادة آل فرعون وحالهم وسنتهم والدَّأب والدَّيْدن والدِّين واحد، قال المُثقِّب العَبديُّ :
تقول إذا درأتُ لها وَضِينِي أهذا دِينُه أبدا ودِينِي
أكلّ الدهرِ حَلٌّ وارتحالٌ أما يُبقِى عَلَىَّ ولا يَتِينِي
وقوله : درأت أي بَسطت ويقال يا فلانة ادرئ لفلان الوِسادة، وقال خِداش بن زُهَير العامريّ في يوم الفِجار، كانت النصرة فيه لكنانة وقُرَيش على قَيْس :
وما زال ذاك الدَّأب حتى تخاذلت هَوازِنُ وارفضّت سُلَيْم وعامرُ
﴿ إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الّذِينَ كَفَرُوا ﴾ مجاز الدواب انه يقع على الناس وعلى البهائم، وفي آية أخرى :﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ في الأَرْضِ إلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا ﴾.
﴿ فَإمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الحَرْبِ ﴾ مجازه مجازُ فإن تثقفنّهم.
﴿ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ ﴾ مجازه فأخِف واطرُدْ بهؤلاء الذين تثقفنهم الذين بعدهم، وفرّقْ بينهم.
﴿ وإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَومٍ خِيانَةً فانْبِذ إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءِ ﴾ مجاز وإما وإن، ومعناها وإما توقننَّ منهم خيانة أي غدراً، وخلافاً وغشّاً، ونحو ذلك.
﴿ فَانْبِذْ إلَيْهِمْ ﴾ مجازه : فأَلقِ إليهم وأظهر لهم أَنهم حَربٌ وعدوٌ وأنك ناصب لهم حتى يعلموا ذلك فتصيروا على سواء وقد أعلمتَهم ما علمت منهم، يقال : نابذتُك على سواءٍ.
﴿ وَلا يَحْسَبَنَّ الذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا ﴾ مجازه : فاتوا.
﴿ إنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ ﴾ لا يفوتون.
﴿ تُرْهِبُونَ بِه عَدُوَّ اللهِ ﴾ أي تُخِيفون وتُرعِبون أَرَهبته ورَهَبته سواء، والرَّهَب والرُّهْب واحد. قال طُفَيل بن عَوْف الغَنَوِيّ.
ويْلُ أمَّ حَيٍّ دَفعتم في نحورِهمِ بَنِي كِلابٍ غداةَ الرُّعب والرَّهَبِ
﴿ وَإِن جَنَحُوا لِلسِّلْمِ ﴾ أي رجعوا إلى المسالمة، وطلبوا الصلح وهو السلم مكسورة ومفتوحة ومتحركة الحروف بالفتحة واحد، قال رجل من أهل اليَمنَ جاهلي :
أناثلُ إنني سلمٌ *** لأهلِك فاقبلِي سلمِي
فيها ثلاث لغات، وكذلك السلام أيضاً، وقد فرغنا منه في موضع قبل هذا ويقال للدلو سلم مفتوحة ساكنة اللام، ويقال : أخذته سلماً أي أسرته ولم أقتله ولكن استسلم لي، متحرك الحروف بالفتحة وكذلك السلم الذي تسلم فيه وهو السلف الذي تسلف فيه وهو متحرك الحروف والسلم شجر واحدته سلمة متحركة بالفتحة.
﴿ حَتّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ ﴾ مجازه : حتى يغلب ويغالب ويبالغ.
﴿ عَرَضَ الدُّنْيَا ﴾ طمعها ومتاعها والعرض في موضع آخر من أعراض البلايا.
﴿ وَهَاجَرُوا ﴾ مجازه : هاجروا قومهم وبلادهم وأخرجوا منها.
﴿ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ ﴾ إذا فتحتها فهي مصدر المولى وإذا كسرتها فهي مصدر الوالي الذي يلي الأمر والمَوْلَى والمُوْلَى واحد.
﴿ وَأُولُوا الأَرْحَامِ ﴾ ذووا، ألا ترى أن واحدها ذو.
سورة الأنفال
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

اعتنَتْ سورةُ (الأنفال) ببيانِ أحكامِ الحرب والغنائمِ والأَسْرى؛ ولذا سُمِّيتْ بهذا الاسمِ، وقد نزَلتْ هذه السورةُ في المدينةِ بعد غزوة (بَدْرٍ)؛ لذا تعلَّقتْ أسبابُ نزولها بهذه الغزوة، وقد أبانت السورةُ عن قوانين النَّصر المادية: كتجهيز العَتاد، والمعنوية: كوَحْدة الصَّف، وأوضَحتْ حُكْمَ الفِرار من المعركة، وقتالِ الكفار، وما يَتبَع ذلك من أحكامٍ ربانيَّة، كما أصَّلتْ - بشكل رئيسٍ - لقواعدِ عَلاقة المجتمع المسلم بغيره.

ترتيبها المصحفي
8
نوعها
مدنية
ألفاظها
1243
ترتيب نزولها
88
العد المدني الأول
76
العد المدني الأخير
67
العد البصري
76
العد الكوفي
75
العد الشامي
77

تعلَّقتْ سورةُ (الأنفال) بوقائعَ كثيرةٍ؛ لذا صحَّ في أسبابِ نزولها الكثيرُ؛ من ذلك:

* ما جاء عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قلتُ لابنِ عباسٍ: سورةُ التَّوبة؟ قال: التَّوبةُ هي الفاضحةُ، ما زالت تَنزِلُ: ﴿وَمِنْهُمْ﴾ ﴿وَمِنْهُمْ﴾ حتى ظَنُّوا أنَّها لن تُبقِيَ أحدًا منهم إلا ذُكِرَ فيها، قال: قلتُ: سورةُ الأنفالِ؟ قال: نزَلتْ في بَدْرٍ، قال: قلتُ: سورةُ الحشرِ؟ قال: نزَلتْ في بني النَّضِيرِ». أخرجه مسلم (٣٠٣١).

* قوله تعالى: ﴿يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلْأَنفَالِۖ قُلِ اْلْأَنفَالُ لِلَّهِ وَاْلرَّسُولِۖ فَاْتَّقُواْ اْللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْۖ وَأَطِيعُواْ اْللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: 1]:

عن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا كان يومُ بدرٍ جئتُ بسيفٍ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ اللهَ قد شَفَى صدري مِن المشركين - أو نحوَ هذا -، هَبْ لي هذا السيفَ، فقال: «هذا ليس لي، ولا لك»، فقلتُ: عسى أن يُعطَى هذا مَن لا يُبلِي بلائي، فجاءني الرسولُ، فقال: «إنَّك سألْتَني وليس لي، وإنَّه قد صار لي، وهو لك»، قال: فنزَلتْ: ﴿يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلْأَنفَالِۖ﴾ الآيةَ». أخرجه الترمذي (٣٠٧٩).

وعن عُبَادةَ بن الصامتِ رضي الله عنه، قال: «خرَجْنا مع النبيِّ ﷺ، فشَهِدتُّ معه بدرًا، فالتقى الناسُ، فهزَمَ اللهُ العدوَّ، فانطلَقتْ طائفةٌ في آثارِهم يَهزِمون ويقتُلون، وأكَبَّتْ طائفةٌ على العسكرِ يَحْوُونه ويَجمَعونه، وأحدَقتْ طائفةٌ برسولِ الله ﷺ؛ لا يُصِيبُ العدوُّ منه غِرَّةً، حتى إذا كان الليلُ وفاءَ الناسُ بعضُهم إلى بعضٍ، قال الذين جمَعوا الغنائمَ: نحن حوَيْناها وجمَعْناها؛ فليس لأحدٍ فيها نصيبٌ! وقال الذين خرَجوا في طلبِ العدوِّ: لستم بأحَقَّ بها منَّا؛ نحن نفَيْنا عنها العدوَّ وهزَمْناهم! وقال الذين أحدَقوا برسولِ اللهِ ﷺ: لستم بأحَقَّ بها منَّا؛ نحن أحدَقْنا برسولِ اللهِ ﷺ، وخِفْنا أن يُصِيبَ العدوُّ منه غِرَّةً، واشتغَلْنا به! فنزَلتْ: ﴿يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلْأَنفَالِۖ قُلِ اْلْأَنفَالُ لِلَّهِ وَاْلرَّسُولِۖ فَاْتَّقُواْ اْللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْۖ﴾ [الأنفال: 1]، فقسَمَها رسولُ اللهِ ﷺ على فُوَاقٍ بين المسلمين، قال: وكان رسولُ اللهِ ﷺ إذا أغارَ في أرضِ العدوِّ نفَّلَ الرُّبُعَ، وإذا أقبَلَ راجعًا وكَلَّ الناسُ نفَّلَ الثُّلُثَ، وكان يَكرَهُ الأنفالَ، ويقولُ: «لِيَرُدَّ قويُّ المؤمنين على ضعيفِهم»». أخرجه أحمد (٢٢٧٦٢).

* قوله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاْسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٖ مِّنَ اْلْمَلَٰٓئِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: 9]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «حدَّثني عُمَرُ بن الخطَّابِ، قال: لمَّا كان يومُ بَدْرٍ نظَرَ رسولُ اللهِ ﷺ إلى المشركين وهم ألفٌ، وأصحابُه ثلاثُمائةٍ وتسعةَ عشَرَ رجُلًا، فاستقبَلَ نبيُّ اللهِ ﷺ القِبْلةَ، ثم مَدَّ يدَيهِ، فجعَلَ يَهتِفُ برَبِّهِ: اللهمَّ أنجِزْ لي ما وعَدتَّني، اللهمَّ آتِ ما وعَدتَّني، اللهمَّ إن تَهلِكْ هذه العصابةُ مِن أهلِ الإسلامِ لا تُعبَدْ في الأرضِ، فما زالَ يَهتِفُ برَبِّهِ، مادًّا يدَيهِ، مستقبِلَ القِبْلةِ، حتى سقَطَ رداؤُهُ عن مَنكِبَيهِ، فأتاه أبو بكرٍ، فأخَذَ رداءَهُ، فألقاه على مَنكِبَيهِ، ثم التزَمَه مِن ورائِه، وقال: يا نبيَّ اللهِ، كفَاك مُناشَدتُك ربَّك؛ فإنَّه سيُنجِزُ لك ما وعَدَك؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاْسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٖ مِّنَ اْلْمَلَٰٓئِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: 9]، فأمَدَّه اللهُ بالملائكةِ». أخرجه مسلم (١٧٦٣).

* قوله تعالى: ﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٖ دُبُرَهُۥٓ﴾ [الأنفال: 16]:

عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ في يومِ بدرٍ: ﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٖ دُبُرَهُۥٓ﴾ [الأنفال: 16]». أخرجه أبو داود (٢٦٤٨).

* قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اْللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْۚ وَمَا كَانَ اْللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ٣٣ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اْللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ اْلْمَسْجِدِ اْلْحَرَامِ} [الأنفال: 33، 34]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «قال أبو جهلٍ: اللهمَّ إن كان هذا هو الحقَّ مِن عندِك، فأمطِرْ علينا حجارةً مِن السماءِ، أو ائتِنا بعذابٍ أليمٍ؛ فنزَلتْ: {وَمَا كَانَ اْللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْۚ وَمَا كَانَ اْللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ٣٣ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اْللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ اْلْمَسْجِدِ اْلْحَرَامِ} الآيةَ». أخرجه البخاري (٤٦٤٩).

سُمِّيتْ سورةُ (الأنفال) بذلك؛ لأنها بدأت بالحديثِ عن (الأنفال).

كما سُمِّيتْ أيضًا بسورة (بَدْرٍ): لِما صحَّ عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قلتُ لابنِ عباسٍ: سورةُ الأنفالِ؟ قال: تلك سورةُ بَدْرٍ». أخرجه مسلم (٣٠٣١).

ووجهُ التسمية بذلك ظاهرٌ؛ لأنها نزَلتْ بعد غزوةِ (بَدْرٍ)، وتحدَّثتْ بشكلٍ رئيس عن هذه الغزوةِ.

* أنَّ من أخَذها عُدَّ حَبْرًا:

فعن عائشةَ رضي الله عنها، عن رسولِ الله ﷺ، قال: «مَن أخَذَ السَّبْعَ الأُوَلَ مِن القرآنِ، فهو حَبْرٌ». أخرجه أحمد (24575).

* أنها تقابِلُ التَّوْراةَ مع بقيَّةِ السُّوَر الطِّوال:

فعن واثلةَ بن الأسقَعِ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «أُعطِيتُ مكانَ التَّوْراةِ السَّبْعَ الطِّوالَ». أخرجه أحمد (17023).

جاءت موضوعاتُ سورةِ (الأنفال) كما يلي:

* قوانينُ ربَّانية {وَمَا ‌اْلنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اْللَّهِۚ}:

1. الأنفالُ وصفاتُ المؤمنين الصادقين (١ -٤).

2. غزوة (بدر) (٥-١٤).

3. حرمةُ الفرار من المعركة، ومِنَّة الله بالنصر والتأييد (١٥-١٩).

4. طاعة الله ورسوله، والنهيُ عن خيانة الأمانة (٢٠-٢٩).

5. نماذجُ من عداوة المشركين للمؤمنين (٣٠-٤٠).

6. توزيعُ غنائمِ (بدر) مع التذكير بما دار في المعركة (٤١-٤٤).

* قوانينُ مادية {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اْسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٖ}:

7. من شروط النصر، وأسباب الهزيمة (٤٥-٤٩).

8. نماذجُ من تعذيب الله للكافرين (٥٠-٥٤).

9. قواعد السلم والحرب والمعاهَدات الدولية (٥٥-٦٣).

10. وَحْدة الصف، والتخفيف في القتال (٦٤-٦٦).

11. العتاب في أُسارى (بدر) (٦٧- ٧١).

12. قواعدُ في علاقة المجتمع الإسلامي بغيره (٧٢-٧٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (3 /131).

افتُتِحت السُّورةُ بمقصدٍ عظيم؛ وهو بيانُ أحكامِ (الأنفال)، والأمرُ بتقوى الله وطاعتِه وطاعة رسوله، في ذلك وغيره، وأمرُ المسلمين بإصلاح ذاتِ بينهم، وأن ذلك من مقوِّمات معنى الإيمان الكامل، واشتمَلتْ على تذكيرِ النبي ﷺ بنعمةِ الله عليه إذ أنجاه من مكرِ المشركين به بمكَّةَ، وخلَّصه من عنادِهم. ثمَّ قصَدتْ دعوةَ المشركين للانتهاء عن مناوأةِ الإسلام، وإيذانِهم بالقتال، والتحذيرِ من المنافقين، وضربِ المَثَل بالأُمم الماضية التي عانَدتْ رُسُلَ الله ولم يشكروا نعمةَ الله، كما قصَدتْ بيانَ أحكام العهد بين المسلمين والكفار، وما يَترتَّب على نقضِهم العهدَ، ومتى يحسُنُ السلمُ.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (9 /248).