تفسير سورة الأنفال

جهود ابن عبد البر في التفسير

تفسير سورة سورة الأنفال من كتاب جهود ابن عبد البر في التفسير
لمؤلفه ابن عبد البر . المتوفي سنة 463 هـ

٢٣٠- قال أبو عمر روي عن عبادة بن الصامت قال : خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى بدر، فلقوا العدو. فلما هزمهم الله اتبعتهم طائفة من المسلمين يقتلونهم، وأحدقت طائفة برسول الله- صلى الله عليه وسلم- واستلوت١ طائفة على العسكر والنهب. فلما نفى الله العدو ورجع الذين طلبوهم قالوا : لنا النقل٢، نحن طلبنا العدو، وبنا نفاهم الله وهزمهم وقال الذين أحدقوا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- : ما أنتم أحق به منا، بل هو لنا، نحن أحدقنا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- لئلا ينال العدو منه غرة، وقال الذين استلووا على العسكر والنهب : ما أنتم أحق به منا، هو لنا، نحن حويناه واستلوينا عليه، فأنزل الله- عز وجل- :﴿ يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين ﴾، فقسمه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن فواق٣ بينهم. ( الدرر في اختصار المغازي والسير : ١١٦. وانظر ت : ١٤/٦١-٦٢ )
٢٣١- ذكر محمد بن إسحاق، قال : حدثني عبد الرحمان بن الحارث وغيره من أصحابنا، عن سليمان بن موسى أبي الأشدق، عن مكحول، عن أبي أمامة الباهلي، قال : سالت عبادة بن الصامت عن الأنفال، فقال : فينا معشر أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا، فنزعه الله من أيدينا وجعله إلى الرسول، فقسمه رسول الله-صلى الله عليه وسلم- عن بواء، يقول : على السواء، فكان في ذلك تقوى الله وطاعة رسوله، وإصلاح ذات البين٤. ( المصدر السابق : ١١٦-١١٧. وانظر س : ١٤/١٥١-١٥٢ )
٢٣٢- قال أبو عمر : النفل : الغنيمة، والأنفال : الغنائم، هذا ما لا خلاف فيه عند العلماء، ولا أهل اللغة.
قال صاحب " العين " : النفل : المغنم، والجميع الأنفال، والإمام ينفل الجيش إذا جعل لهم ما غنموا٥. وقال مجاهد : الأنفال : الغنائم، وقالته الجماعة.
وقد يكون النفل في اللغة أيضا العطية، والأنفال : العطايا من الله عز وجل- ومن العباد بعضهم لبعض.
وأجمع العلماء على أن قول الله- عز وجل- :﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ﴾٦، نزلت عند قوله :﴿ يسألونك عن الأنفال ﴾، نزلت في حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر.
وروي عن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، والشعبي، وإسماعيل السدي في قوله-عز وجل- :﴿ يسألونك عن الأنفال ﴾. قال٧ : الأنفال لله وللرسول نسختها :﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه ﴾٨. ( س : ١٤/١٥٠-١٥١ )
١ - قال ابن عبد البر: قال أهل العلم بلسان العرب: استلووا، أطافوا وأحاطوا، يقال: الموت مستلو على العباد، الدرر: ١١٦..
٢ - سيأتي بيانه من قبل ابن عبد البر نفسه في النص رقم: ٢٣٢..
٣ - قال ابن عبد البر: يعني عن سرعة، قالوا: أي أهل العلم بلسان العرب: والفواق: ما بين حلبتي الناقة، يقال: انتظر فواق ناقة أي هذا المقدار. ويقولونها بالفتح والضم: فواق، فواق، الدرر: ١١٦..
٤ - أخرجه ابن جرير بسنده إلى عبادة بن الصامت، انظر جامع البيان: ٩/١٧٢-١٧٣..
٥ - الذي في معجمه المطبوع مادة "نفل" ٨/٣٢٥. النفل الغنم. والجميع: الأنفال، ونفلت فلانا: أعطيته نفلا وغنما، والإمام ينفل الجند. إذا جعل لهم ما غنموا..
٦ - سورة الأنفال: ٤١..
٧ -المفروض أن يكون "قالوا" لأن الضمير فيه يعود على كل المذكورين..
٨ - انظر جامع البيان: ٩/١٧٥-١٧٦..
٢٣٣- الإيمان مراتب بعضها فوق بعض، فليس الناقص فيها كالكامل، قال الله – عز وجل- :﴿ إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ﴾، أي إنما المؤمن حق الإيمان، من كانت هذه صفته، ولذلك قال :﴿ أولئك هم المؤمنون حقا ﴾. ( ت : ٩/٢٤٤ )
٢٣٤- ذكر سنيد قال : حدثني مع سمع سفيان بن عيينة يحدث عن إسماعيل ابن أبي خالد، قال : سمعت عبد الله بن أبي أوفى، قال في قوله-عز وجل- :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم ﴾، نزلت في أبي لبابة بن المنذر١.
وذكر بقي بن مخلد، قال : حدثنا هناد بن السري، قال : حدثنا يونس قال : حدثنا عنبسة بن الأزهر، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، قال : نزلت :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ﴾، في أبي لبابة، أشار إلى بني قريظة حيث قالوا ننزل على حكم سعد ؛ قال : لا تفعلوا، فإنه الذبح، وأمر يده على حلقه.
قال بقي : وحدثنا إبراهيم بن محمد الشافعي، قال : حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي خالد، قال : سمعت عبد الله بن أبي قتادة، قال : نزلت في أبي لبابة :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم ﴾، قال سفيان : هكذا قرأ.
قال أبو عمر : قد قرأ : " أماناتكم " على التوحيد جماعة. والصواب عندي – والله أعلم- في حديث سفيان بن عيينة هذا، عبد الله بن أبي قتادة٢، لا عبد الله بن أبي أوفى، وإن كان إسماعيل بن أبي خالد سمع من ابن أبي أوفى. ( ت : ٢٠/٨٥-٨٦. وانظر الدرر : ١٩٠ )
٢٣٥- ذكر علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله :﴿ وتخونوا أماناتكم ﴾، قال : ما افترض عليكم من الفرائض، وكذلك قال الضحاك بن مزاحم.
وقال يزيد بن أبي حبيب وغيره : وهو الإغلال بالسلاح في المغازي والبعوث. ( ت : ٢٠/٨٦ )
١ - انظر قصته في الدرر: ١٩٠..
٢ - وهو كذلك عند ابن جرير، انظر جامع البيان: ٩/٢٢٢..
٢٣٦- قال أبو عمر : الآية قول الله – عز وجل- :﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ﴾-الآية، الغنيمة : ما أخذه عنوة وأوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب، وأجلوه من ديارهم، وتركوه بالرعب لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم- :( ونصرت بالرعب )١. ( ت : ط ٢٠/٤٦ )
٢٣٧- في قول الله –عز وجل- :﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ﴾ دليل على أن أربعة أخماس الغنائم لأهلها الغانمين لها والموجفين عليها الخيل والركاب والرجل ؛ لأن الله –عز وجل- لما أضاف الغنيمة إليهم بقوله :﴿ غنمتم ﴾، وأخبر أن الخمس خارج عنهم لمن سمى في الآية، علم العلماء استدلالا ونظرا صحيحا أن الأربعة الأخماس المسكوت عنها لهم مقسومة بينهم، وهذا ما لا خلاف فيه ؛ ألا ترى إلى قول الله – عز وجل- :﴿ وورثه أبواه فلأمه الثلث ﴾٢، فلما جعل الأبوين الوارثين وأخبر أن للأم الثلث، استغنى عن أن يقول وللأب الثلثان. ( ت : ١٤/٤٩ )
١ - أخرجه الإمام البخاري في الاعتصام، باب قول النبي-صلى الله عليه وسلم- :(بعثت بجوامع الكلم): ٨/١٣٨. والإمام مسلم في المساجد ومواضع الصلاة: ١/٣٧١-٣٧٢. والترمذي في السير، باب ما جاء في الغنيمة: ٣/٥٥-٥٦. والنسائي في الغسل والتيمم، باب التيمم بالصعيد: ١/٢٠٩-٢١٠. وكذا في الجهاد باب وجوب الجهاد: ٦/٣. والإمام أحمد: ١/٩٨ و ٣٠١. و٢/٢٢٢. و ٢٦٨و ٤١٢ و ٤٥٥ و٥٠١. ٣/٣٠٤. ٤/٤١٦. ٥/١٤٥. و ١٤٨ و ١٦٢ و٢٤٨ و٢٥٦..
٢ - سورة النساء: ١١..
سورة الأنفال
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

اعتنَتْ سورةُ (الأنفال) ببيانِ أحكامِ الحرب والغنائمِ والأَسْرى؛ ولذا سُمِّيتْ بهذا الاسمِ، وقد نزَلتْ هذه السورةُ في المدينةِ بعد غزوة (بَدْرٍ)؛ لذا تعلَّقتْ أسبابُ نزولها بهذه الغزوة، وقد أبانت السورةُ عن قوانين النَّصر المادية: كتجهيز العَتاد، والمعنوية: كوَحْدة الصَّف، وأوضَحتْ حُكْمَ الفِرار من المعركة، وقتالِ الكفار، وما يَتبَع ذلك من أحكامٍ ربانيَّة، كما أصَّلتْ - بشكل رئيسٍ - لقواعدِ عَلاقة المجتمع المسلم بغيره.

ترتيبها المصحفي
8
نوعها
مدنية
ألفاظها
1243
ترتيب نزولها
88
العد المدني الأول
76
العد المدني الأخير
67
العد البصري
76
العد الكوفي
75
العد الشامي
77

تعلَّقتْ سورةُ (الأنفال) بوقائعَ كثيرةٍ؛ لذا صحَّ في أسبابِ نزولها الكثيرُ؛ من ذلك:

* ما جاء عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قلتُ لابنِ عباسٍ: سورةُ التَّوبة؟ قال: التَّوبةُ هي الفاضحةُ، ما زالت تَنزِلُ: ﴿وَمِنْهُمْ﴾ ﴿وَمِنْهُمْ﴾ حتى ظَنُّوا أنَّها لن تُبقِيَ أحدًا منهم إلا ذُكِرَ فيها، قال: قلتُ: سورةُ الأنفالِ؟ قال: نزَلتْ في بَدْرٍ، قال: قلتُ: سورةُ الحشرِ؟ قال: نزَلتْ في بني النَّضِيرِ». أخرجه مسلم (٣٠٣١).

* قوله تعالى: ﴿يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلْأَنفَالِۖ قُلِ اْلْأَنفَالُ لِلَّهِ وَاْلرَّسُولِۖ فَاْتَّقُواْ اْللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْۖ وَأَطِيعُواْ اْللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: 1]:

عن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا كان يومُ بدرٍ جئتُ بسيفٍ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ اللهَ قد شَفَى صدري مِن المشركين - أو نحوَ هذا -، هَبْ لي هذا السيفَ، فقال: «هذا ليس لي، ولا لك»، فقلتُ: عسى أن يُعطَى هذا مَن لا يُبلِي بلائي، فجاءني الرسولُ، فقال: «إنَّك سألْتَني وليس لي، وإنَّه قد صار لي، وهو لك»، قال: فنزَلتْ: ﴿يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلْأَنفَالِۖ﴾ الآيةَ». أخرجه الترمذي (٣٠٧٩).

وعن عُبَادةَ بن الصامتِ رضي الله عنه، قال: «خرَجْنا مع النبيِّ ﷺ، فشَهِدتُّ معه بدرًا، فالتقى الناسُ، فهزَمَ اللهُ العدوَّ، فانطلَقتْ طائفةٌ في آثارِهم يَهزِمون ويقتُلون، وأكَبَّتْ طائفةٌ على العسكرِ يَحْوُونه ويَجمَعونه، وأحدَقتْ طائفةٌ برسولِ الله ﷺ؛ لا يُصِيبُ العدوُّ منه غِرَّةً، حتى إذا كان الليلُ وفاءَ الناسُ بعضُهم إلى بعضٍ، قال الذين جمَعوا الغنائمَ: نحن حوَيْناها وجمَعْناها؛ فليس لأحدٍ فيها نصيبٌ! وقال الذين خرَجوا في طلبِ العدوِّ: لستم بأحَقَّ بها منَّا؛ نحن نفَيْنا عنها العدوَّ وهزَمْناهم! وقال الذين أحدَقوا برسولِ اللهِ ﷺ: لستم بأحَقَّ بها منَّا؛ نحن أحدَقْنا برسولِ اللهِ ﷺ، وخِفْنا أن يُصِيبَ العدوُّ منه غِرَّةً، واشتغَلْنا به! فنزَلتْ: ﴿يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلْأَنفَالِۖ قُلِ اْلْأَنفَالُ لِلَّهِ وَاْلرَّسُولِۖ فَاْتَّقُواْ اْللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْۖ﴾ [الأنفال: 1]، فقسَمَها رسولُ اللهِ ﷺ على فُوَاقٍ بين المسلمين، قال: وكان رسولُ اللهِ ﷺ إذا أغارَ في أرضِ العدوِّ نفَّلَ الرُّبُعَ، وإذا أقبَلَ راجعًا وكَلَّ الناسُ نفَّلَ الثُّلُثَ، وكان يَكرَهُ الأنفالَ، ويقولُ: «لِيَرُدَّ قويُّ المؤمنين على ضعيفِهم»». أخرجه أحمد (٢٢٧٦٢).

* قوله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاْسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٖ مِّنَ اْلْمَلَٰٓئِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: 9]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «حدَّثني عُمَرُ بن الخطَّابِ، قال: لمَّا كان يومُ بَدْرٍ نظَرَ رسولُ اللهِ ﷺ إلى المشركين وهم ألفٌ، وأصحابُه ثلاثُمائةٍ وتسعةَ عشَرَ رجُلًا، فاستقبَلَ نبيُّ اللهِ ﷺ القِبْلةَ، ثم مَدَّ يدَيهِ، فجعَلَ يَهتِفُ برَبِّهِ: اللهمَّ أنجِزْ لي ما وعَدتَّني، اللهمَّ آتِ ما وعَدتَّني، اللهمَّ إن تَهلِكْ هذه العصابةُ مِن أهلِ الإسلامِ لا تُعبَدْ في الأرضِ، فما زالَ يَهتِفُ برَبِّهِ، مادًّا يدَيهِ، مستقبِلَ القِبْلةِ، حتى سقَطَ رداؤُهُ عن مَنكِبَيهِ، فأتاه أبو بكرٍ، فأخَذَ رداءَهُ، فألقاه على مَنكِبَيهِ، ثم التزَمَه مِن ورائِه، وقال: يا نبيَّ اللهِ، كفَاك مُناشَدتُك ربَّك؛ فإنَّه سيُنجِزُ لك ما وعَدَك؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاْسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٖ مِّنَ اْلْمَلَٰٓئِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: 9]، فأمَدَّه اللهُ بالملائكةِ». أخرجه مسلم (١٧٦٣).

* قوله تعالى: ﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٖ دُبُرَهُۥٓ﴾ [الأنفال: 16]:

عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ في يومِ بدرٍ: ﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٖ دُبُرَهُۥٓ﴾ [الأنفال: 16]». أخرجه أبو داود (٢٦٤٨).

* قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اْللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْۚ وَمَا كَانَ اْللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ٣٣ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اْللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ اْلْمَسْجِدِ اْلْحَرَامِ} [الأنفال: 33، 34]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «قال أبو جهلٍ: اللهمَّ إن كان هذا هو الحقَّ مِن عندِك، فأمطِرْ علينا حجارةً مِن السماءِ، أو ائتِنا بعذابٍ أليمٍ؛ فنزَلتْ: {وَمَا كَانَ اْللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْۚ وَمَا كَانَ اْللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ٣٣ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اْللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ اْلْمَسْجِدِ اْلْحَرَامِ} الآيةَ». أخرجه البخاري (٤٦٤٩).

سُمِّيتْ سورةُ (الأنفال) بذلك؛ لأنها بدأت بالحديثِ عن (الأنفال).

كما سُمِّيتْ أيضًا بسورة (بَدْرٍ): لِما صحَّ عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قلتُ لابنِ عباسٍ: سورةُ الأنفالِ؟ قال: تلك سورةُ بَدْرٍ». أخرجه مسلم (٣٠٣١).

ووجهُ التسمية بذلك ظاهرٌ؛ لأنها نزَلتْ بعد غزوةِ (بَدْرٍ)، وتحدَّثتْ بشكلٍ رئيس عن هذه الغزوةِ.

* أنَّ من أخَذها عُدَّ حَبْرًا:

فعن عائشةَ رضي الله عنها، عن رسولِ الله ﷺ، قال: «مَن أخَذَ السَّبْعَ الأُوَلَ مِن القرآنِ، فهو حَبْرٌ». أخرجه أحمد (24575).

* أنها تقابِلُ التَّوْراةَ مع بقيَّةِ السُّوَر الطِّوال:

فعن واثلةَ بن الأسقَعِ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «أُعطِيتُ مكانَ التَّوْراةِ السَّبْعَ الطِّوالَ». أخرجه أحمد (17023).

جاءت موضوعاتُ سورةِ (الأنفال) كما يلي:

* قوانينُ ربَّانية {وَمَا ‌اْلنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اْللَّهِۚ}:

1. الأنفالُ وصفاتُ المؤمنين الصادقين (١ -٤).

2. غزوة (بدر) (٥-١٤).

3. حرمةُ الفرار من المعركة، ومِنَّة الله بالنصر والتأييد (١٥-١٩).

4. طاعة الله ورسوله، والنهيُ عن خيانة الأمانة (٢٠-٢٩).

5. نماذجُ من عداوة المشركين للمؤمنين (٣٠-٤٠).

6. توزيعُ غنائمِ (بدر) مع التذكير بما دار في المعركة (٤١-٤٤).

* قوانينُ مادية {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اْسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٖ}:

7. من شروط النصر، وأسباب الهزيمة (٤٥-٤٩).

8. نماذجُ من تعذيب الله للكافرين (٥٠-٥٤).

9. قواعد السلم والحرب والمعاهَدات الدولية (٥٥-٦٣).

10. وَحْدة الصف، والتخفيف في القتال (٦٤-٦٦).

11. العتاب في أُسارى (بدر) (٦٧- ٧١).

12. قواعدُ في علاقة المجتمع الإسلامي بغيره (٧٢-٧٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (3 /131).

افتُتِحت السُّورةُ بمقصدٍ عظيم؛ وهو بيانُ أحكامِ (الأنفال)، والأمرُ بتقوى الله وطاعتِه وطاعة رسوله، في ذلك وغيره، وأمرُ المسلمين بإصلاح ذاتِ بينهم، وأن ذلك من مقوِّمات معنى الإيمان الكامل، واشتمَلتْ على تذكيرِ النبي ﷺ بنعمةِ الله عليه إذ أنجاه من مكرِ المشركين به بمكَّةَ، وخلَّصه من عنادِهم. ثمَّ قصَدتْ دعوةَ المشركين للانتهاء عن مناوأةِ الإسلام، وإيذانِهم بالقتال، والتحذيرِ من المنافقين، وضربِ المَثَل بالأُمم الماضية التي عانَدتْ رُسُلَ الله ولم يشكروا نعمةَ الله، كما قصَدتْ بيانَ أحكام العهد بين المسلمين والكفار، وما يَترتَّب على نقضِهم العهدَ، ومتى يحسُنُ السلمُ.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (9 /248).