تفسير سورة الأنفال

جهود الإمام الغزالي في التفسير

تفسير سورة سورة الأنفال من كتاب جهود الإمام الغزالي في التفسير
لمؤلفه أبو حامد الغزالي . المتوفي سنة 505 هـ

٤٧٠- قوله عز وجل :﴿ لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ﴾ فذا الكلام غير متصل، وإنما هو عائد إلى قوله السابق :﴿ قل الأنفال لله والرسول ﴾١ ﴿ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ﴾ أي فصارت أنفال الغنائم لك إذ أنت راض بخروجك وهم كارهون، فاعترض بين الكلام الآمر بالتقوى وغيره. [ الإحياء : ١/٣٤٤-٣٤٥ ].
١ - الأنفال : ١..
﴿ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ﴾.
٤٧١- رمى الجيش بقبضة من تراب فعميت عيونهم ونزل بذلك القرآن في قوله تعالى :﴿ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ﴾. [ نفسه : ٢/٤١٦ ].
٤٧٢- وهو نفي للرمي وإثبات، ولكن ليست جهة النفي جهة الإثبات، فلم يتناقضا. [ معيار العلم في المنطق : ٩٩ ].
٤٧٣- لو كذبت المتناقضات إذا اختلفت وجوه الاعتبارات لما صدق قوله تعالى :﴿ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ﴾ ولكنه صادق، لأن الرامي باعتبارين : هو منسوب إلى العبد بأحدهما، ومنسوب إلى الرب بالثاني فلا تناقض فيه. [ المقصد الأسني في شرح أسماء الله الحسنى : ٥٥ ].
٤٧٤- هو جمع بين النفي والإثبات ظاهرا، ولكن معناه : وما رميت بالمعنى الذي يكون الرب راميا إذ رميت بالمعنى الذي يكون العبد به راميا، إذ هما معنيان مختلفان. [ الإحياء : ٤/٢٧٣ ].
٤٧٥- يدرك الفرق بين حقائق المعاني وظاهر التفسير بمثال : وهو أن الله عز وجل قال :﴿ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ﴾ فظاهره تفسير واضح، وحقيقة معناه غامض، فإنه إثبات للرمي ونفي له، وهما متضادان في الظاهر ما لم يفهم أنه رمى من وجه١ ولم يرم من وجه، ومن الوجه الذي لم يرم رماه الله عز وجل. [ نفسه : ١/٣٤٦ ].
١ -في الأصل المطبوع وجهه والصواب ما أثبته..
﴿ إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ﴾.
٤٧٦- الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وأبصارهم [ المعارف العقلية : ٩٧ ].
﴿ يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ﴾.
٤٧٧- قيل : نورا يفرق به بين الحق والباطل، ويخرج به من الشبهات، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يكثر من سؤال النور، فقال عليه الصلاة والسلام :( اللهم أعطني نورا وزدني نورا واجعل لي في قلبي نورا وفي قبري نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا ) حتى قال :( وفي شعري وفي بشري وفي لحمي ودمي وعظامي )١ [ الإحياء : ٣/٢٦ ].
١ - متفق عليه. ن صحيح البخاري باب الدعاء إذا انتبه من الليل حديث رقم ٦٣١٦ وصحيح مسلم باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه ١/٥٢٥-٥٢٦ حديث رقم ١٨١..
﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾.
٤٧٨- قرن الله الاستغفار ببقاء الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى :﴿ وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ﴾ فكان بعض الصحابة يقولون : " كان لنا أمانان : ذهب أحدهما- وهو كون الرسول فينا- وبقي الاستغفار معنا فإن ذهب هلكنا " ١ [ نفسه : ٤/٤٩ ].
١ - عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [[أنزل الله على أمانيين لأمتي: ﴿وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون﴾ فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة]]. قال الترمذي هذا حديث غريب، وفيه إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر يضعف في الحديث.
ن. أبواب تفسير القرآن ٤/٣٣٤ حديث رقم ٥٠٧٧.

﴿ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ﴾ الآية.
٤٧٩- وإنما أراد بذي القربى : بني هاشم وبني المطلب دون بني أمية، وكل من عدا بني هاشم [ المستصفى : ١/٣٧١ ].
٤٨٠- فمقتضى الآية صرف بعض إلى ذوي القربى من غير اعتبار حاجة، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : لا بد من اعتبار الحاجة منهم. وهذت منه بزعمه زيادة على النص، وهو نسخ.
وهو باطل بمسلك مقطوع به ؛ وهو أن الرب تعالى أضاف المال إلى الجهات بلام التمليك وعرف كل فريق، وجعل القرابة مستند تعريف إحدى الفرق، ولم يتعرض للحاجة، وأبو حنيفة رضي الله عنه تعرض للحاجة التي تعرض لها، وألغى اعتبار القرابة وهو مصرح بها إذ قال : لا يتعين صرف شيء إليهم، بل يجوز حرمانهم.
وفي هذا المذهب إبطال النص بالكلية.
قال القاضي في نصرة تأويلهم : فائدة ذوي القربى تمييز الغنيمة في حقهم عن الصدقات، إذ كانت محرمة عليهم، وكان هذا منحة في مقابلة ذلك المنع، وفقراؤهم ممنوعون عن الصدقات، فكانت المنحة لهم. ثم قال : وهذا الوجه أيضا فاسد. فإنه أضاف المال إليهم بلام التمليك، فاقتضى اللفظ كما ذكرناه قسمة المال عليهم، وأبو حنيفة رضي الله عنه جوز حرمانهم فلم يغادر للقسمة فائدة.
نعم لو كان يرى المنع من حرمانهم لكان يقرب ذلك، وأما اليتيم فلا تعتبر معه الحاجة على قول، فإن سلم فلفظ اليتيم مشعر بها دون لفظ القرابة. [ المنخول من تعليقات الأصول : ١٩٥-١٩٦ ]
٤٨١- قال أبو حنيفة : تعتبر الحاجة مع القرابة، ثم جوز حرمان ذوي القربى. فقال أصحاب الشافعي رحمه الله : هذا تخصيص باطل لا يحتمله اللفظ لأنه أضاف المال إليهم بلام التمليك وعرف كل جهة بصفة وعرف هذه الجهة في الاستحقاق بالقرابة، وأبو حنيفة ألغى القرابة المذكورة، واعتبر الحاجة المشروكة، وهو مناقضة للفظ لا تأويل، وهذا عندنا في مجال الاجتهاد وليس فيه إلا تخصيص عموم لفظ ذوي القربى بالمحتاجين منهم كما فعله الشافعي على أحد القولين في اعتبار الحاجة مع اليتم في سياق هذه الآية، فإن قيل لفظ اليتيم ينبئ عن الحاجة، قيل : فلم لا يحمل عليه قوله : لا تنكح اليتيمة حتى تستأمر ؟ فإن قيل : قرينة إعطاء المال هي التي تنبه على اعتبار الحاجة مع اليتم، فله هو أن يقول : واقتران ذوي القربى باليتامى والمساكين قرينة أيضا، وإنما دعا إلى ذكر القرابة كونهم محرومين عن الزكاة حتى يعلموا أنهم ليسوا محرومين من هذا المال، وهذا تخصيص لو دل عليه دليل فلا بد من قوله فليس ينبو عنه اللفظ نبوة حديث النكاح بلا ولي عن الكتابة. [ المستصفى : ١/٤٠٧-٤٠٩ ].
﴿ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين ﴾ ( ٤٧ ).
٤٨٢- ﴿ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ﴾ أراد به التخاذل عن نصرة الدين. [ نفسه : ٢/٢٦٢ ].
٤٨٣- وعد الصابرين بأنه معهم فقال :﴿ واصبروا إن الله مع الصابرين ﴾ [ الإحياء : ٤/٦٤ ].
﴿ ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم ﴾ ( ٥٠ ).
٤٨٤- أي عزيز لا يذل من استجار به، ولا يضيع من لاذ بجنابه والتجأ إلى ذمامه١ وحماه، وحكيم لا يقصر عن تدبير من توكل على تدبيره. [ نفسه : ٤/٢٦٠ ]
١ - الذمام : الذمامة: الحرمة. ن اللسان: (ذمم)..
﴿ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ﴾.
٤٨٥- لا يناقض امتثال التوكل [ نفسه : ٣/٣٣٣ ]
﴿ ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم ﴾ ( ٦٨ ).
٤٨٦- قال : صلى الله عليه وسلم في قصة أسارى بدر حيث نزلت الآية على وفق رأي عمر : " لو نزل بلاء من السماء ما نجا منه إلا عمر " ١ [ المستصفى : ١/٢٦٩ ].
١ - رواه الترمذي في صحيحه، أبواب التفسير ٤/٣٣٥ حديث رقم: ٥٠٨٠..
سورة الأنفال
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

اعتنَتْ سورةُ (الأنفال) ببيانِ أحكامِ الحرب والغنائمِ والأَسْرى؛ ولذا سُمِّيتْ بهذا الاسمِ، وقد نزَلتْ هذه السورةُ في المدينةِ بعد غزوة (بَدْرٍ)؛ لذا تعلَّقتْ أسبابُ نزولها بهذه الغزوة، وقد أبانت السورةُ عن قوانين النَّصر المادية: كتجهيز العَتاد، والمعنوية: كوَحْدة الصَّف، وأوضَحتْ حُكْمَ الفِرار من المعركة، وقتالِ الكفار، وما يَتبَع ذلك من أحكامٍ ربانيَّة، كما أصَّلتْ - بشكل رئيسٍ - لقواعدِ عَلاقة المجتمع المسلم بغيره.

ترتيبها المصحفي
8
نوعها
مدنية
ألفاظها
1243
ترتيب نزولها
88
العد المدني الأول
76
العد المدني الأخير
67
العد البصري
76
العد الكوفي
75
العد الشامي
77

تعلَّقتْ سورةُ (الأنفال) بوقائعَ كثيرةٍ؛ لذا صحَّ في أسبابِ نزولها الكثيرُ؛ من ذلك:

* ما جاء عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قلتُ لابنِ عباسٍ: سورةُ التَّوبة؟ قال: التَّوبةُ هي الفاضحةُ، ما زالت تَنزِلُ: ﴿وَمِنْهُمْ﴾ ﴿وَمِنْهُمْ﴾ حتى ظَنُّوا أنَّها لن تُبقِيَ أحدًا منهم إلا ذُكِرَ فيها، قال: قلتُ: سورةُ الأنفالِ؟ قال: نزَلتْ في بَدْرٍ، قال: قلتُ: سورةُ الحشرِ؟ قال: نزَلتْ في بني النَّضِيرِ». أخرجه مسلم (٣٠٣١).

* قوله تعالى: ﴿يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلْأَنفَالِۖ قُلِ اْلْأَنفَالُ لِلَّهِ وَاْلرَّسُولِۖ فَاْتَّقُواْ اْللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْۖ وَأَطِيعُواْ اْللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: 1]:

عن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا كان يومُ بدرٍ جئتُ بسيفٍ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ اللهَ قد شَفَى صدري مِن المشركين - أو نحوَ هذا -، هَبْ لي هذا السيفَ، فقال: «هذا ليس لي، ولا لك»، فقلتُ: عسى أن يُعطَى هذا مَن لا يُبلِي بلائي، فجاءني الرسولُ، فقال: «إنَّك سألْتَني وليس لي، وإنَّه قد صار لي، وهو لك»، قال: فنزَلتْ: ﴿يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلْأَنفَالِۖ﴾ الآيةَ». أخرجه الترمذي (٣٠٧٩).

وعن عُبَادةَ بن الصامتِ رضي الله عنه، قال: «خرَجْنا مع النبيِّ ﷺ، فشَهِدتُّ معه بدرًا، فالتقى الناسُ، فهزَمَ اللهُ العدوَّ، فانطلَقتْ طائفةٌ في آثارِهم يَهزِمون ويقتُلون، وأكَبَّتْ طائفةٌ على العسكرِ يَحْوُونه ويَجمَعونه، وأحدَقتْ طائفةٌ برسولِ الله ﷺ؛ لا يُصِيبُ العدوُّ منه غِرَّةً، حتى إذا كان الليلُ وفاءَ الناسُ بعضُهم إلى بعضٍ، قال الذين جمَعوا الغنائمَ: نحن حوَيْناها وجمَعْناها؛ فليس لأحدٍ فيها نصيبٌ! وقال الذين خرَجوا في طلبِ العدوِّ: لستم بأحَقَّ بها منَّا؛ نحن نفَيْنا عنها العدوَّ وهزَمْناهم! وقال الذين أحدَقوا برسولِ اللهِ ﷺ: لستم بأحَقَّ بها منَّا؛ نحن أحدَقْنا برسولِ اللهِ ﷺ، وخِفْنا أن يُصِيبَ العدوُّ منه غِرَّةً، واشتغَلْنا به! فنزَلتْ: ﴿يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلْأَنفَالِۖ قُلِ اْلْأَنفَالُ لِلَّهِ وَاْلرَّسُولِۖ فَاْتَّقُواْ اْللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْۖ﴾ [الأنفال: 1]، فقسَمَها رسولُ اللهِ ﷺ على فُوَاقٍ بين المسلمين، قال: وكان رسولُ اللهِ ﷺ إذا أغارَ في أرضِ العدوِّ نفَّلَ الرُّبُعَ، وإذا أقبَلَ راجعًا وكَلَّ الناسُ نفَّلَ الثُّلُثَ، وكان يَكرَهُ الأنفالَ، ويقولُ: «لِيَرُدَّ قويُّ المؤمنين على ضعيفِهم»». أخرجه أحمد (٢٢٧٦٢).

* قوله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاْسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٖ مِّنَ اْلْمَلَٰٓئِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: 9]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «حدَّثني عُمَرُ بن الخطَّابِ، قال: لمَّا كان يومُ بَدْرٍ نظَرَ رسولُ اللهِ ﷺ إلى المشركين وهم ألفٌ، وأصحابُه ثلاثُمائةٍ وتسعةَ عشَرَ رجُلًا، فاستقبَلَ نبيُّ اللهِ ﷺ القِبْلةَ، ثم مَدَّ يدَيهِ، فجعَلَ يَهتِفُ برَبِّهِ: اللهمَّ أنجِزْ لي ما وعَدتَّني، اللهمَّ آتِ ما وعَدتَّني، اللهمَّ إن تَهلِكْ هذه العصابةُ مِن أهلِ الإسلامِ لا تُعبَدْ في الأرضِ، فما زالَ يَهتِفُ برَبِّهِ، مادًّا يدَيهِ، مستقبِلَ القِبْلةِ، حتى سقَطَ رداؤُهُ عن مَنكِبَيهِ، فأتاه أبو بكرٍ، فأخَذَ رداءَهُ، فألقاه على مَنكِبَيهِ، ثم التزَمَه مِن ورائِه، وقال: يا نبيَّ اللهِ، كفَاك مُناشَدتُك ربَّك؛ فإنَّه سيُنجِزُ لك ما وعَدَك؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاْسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٖ مِّنَ اْلْمَلَٰٓئِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: 9]، فأمَدَّه اللهُ بالملائكةِ». أخرجه مسلم (١٧٦٣).

* قوله تعالى: ﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٖ دُبُرَهُۥٓ﴾ [الأنفال: 16]:

عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ في يومِ بدرٍ: ﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٖ دُبُرَهُۥٓ﴾ [الأنفال: 16]». أخرجه أبو داود (٢٦٤٨).

* قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اْللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْۚ وَمَا كَانَ اْللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ٣٣ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اْللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ اْلْمَسْجِدِ اْلْحَرَامِ} [الأنفال: 33، 34]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «قال أبو جهلٍ: اللهمَّ إن كان هذا هو الحقَّ مِن عندِك، فأمطِرْ علينا حجارةً مِن السماءِ، أو ائتِنا بعذابٍ أليمٍ؛ فنزَلتْ: {وَمَا كَانَ اْللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْۚ وَمَا كَانَ اْللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ٣٣ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اْللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ اْلْمَسْجِدِ اْلْحَرَامِ} الآيةَ». أخرجه البخاري (٤٦٤٩).

سُمِّيتْ سورةُ (الأنفال) بذلك؛ لأنها بدأت بالحديثِ عن (الأنفال).

كما سُمِّيتْ أيضًا بسورة (بَدْرٍ): لِما صحَّ عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قلتُ لابنِ عباسٍ: سورةُ الأنفالِ؟ قال: تلك سورةُ بَدْرٍ». أخرجه مسلم (٣٠٣١).

ووجهُ التسمية بذلك ظاهرٌ؛ لأنها نزَلتْ بعد غزوةِ (بَدْرٍ)، وتحدَّثتْ بشكلٍ رئيس عن هذه الغزوةِ.

* أنَّ من أخَذها عُدَّ حَبْرًا:

فعن عائشةَ رضي الله عنها، عن رسولِ الله ﷺ، قال: «مَن أخَذَ السَّبْعَ الأُوَلَ مِن القرآنِ، فهو حَبْرٌ». أخرجه أحمد (24575).

* أنها تقابِلُ التَّوْراةَ مع بقيَّةِ السُّوَر الطِّوال:

فعن واثلةَ بن الأسقَعِ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «أُعطِيتُ مكانَ التَّوْراةِ السَّبْعَ الطِّوالَ». أخرجه أحمد (17023).

جاءت موضوعاتُ سورةِ (الأنفال) كما يلي:

* قوانينُ ربَّانية {وَمَا ‌اْلنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اْللَّهِۚ}:

1. الأنفالُ وصفاتُ المؤمنين الصادقين (١ -٤).

2. غزوة (بدر) (٥-١٤).

3. حرمةُ الفرار من المعركة، ومِنَّة الله بالنصر والتأييد (١٥-١٩).

4. طاعة الله ورسوله، والنهيُ عن خيانة الأمانة (٢٠-٢٩).

5. نماذجُ من عداوة المشركين للمؤمنين (٣٠-٤٠).

6. توزيعُ غنائمِ (بدر) مع التذكير بما دار في المعركة (٤١-٤٤).

* قوانينُ مادية {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اْسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٖ}:

7. من شروط النصر، وأسباب الهزيمة (٤٥-٤٩).

8. نماذجُ من تعذيب الله للكافرين (٥٠-٥٤).

9. قواعد السلم والحرب والمعاهَدات الدولية (٥٥-٦٣).

10. وَحْدة الصف، والتخفيف في القتال (٦٤-٦٦).

11. العتاب في أُسارى (بدر) (٦٧- ٧١).

12. قواعدُ في علاقة المجتمع الإسلامي بغيره (٧٢-٧٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (3 /131).

افتُتِحت السُّورةُ بمقصدٍ عظيم؛ وهو بيانُ أحكامِ (الأنفال)، والأمرُ بتقوى الله وطاعتِه وطاعة رسوله، في ذلك وغيره، وأمرُ المسلمين بإصلاح ذاتِ بينهم، وأن ذلك من مقوِّمات معنى الإيمان الكامل، واشتمَلتْ على تذكيرِ النبي ﷺ بنعمةِ الله عليه إذ أنجاه من مكرِ المشركين به بمكَّةَ، وخلَّصه من عنادِهم. ثمَّ قصَدتْ دعوةَ المشركين للانتهاء عن مناوأةِ الإسلام، وإيذانِهم بالقتال، والتحذيرِ من المنافقين، وضربِ المَثَل بالأُمم الماضية التي عانَدتْ رُسُلَ الله ولم يشكروا نعمةَ الله، كما قصَدتْ بيانَ أحكام العهد بين المسلمين والكفار، وما يَترتَّب على نقضِهم العهدَ، ومتى يحسُنُ السلمُ.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (9 /248).