تفسير سورة الأنفال

غريب القرآن لابن قتيبة

تفسير سورة سورة الأنفال من كتاب غريب القرآن المعروف بـغريب القرآن لابن قتيبة.
لمؤلفه ابن قتيبة الدِّينَوري . المتوفي سنة 276 هـ

سورة الأنفال
مدنية كلها «١»
١- الْأَنْفالِ: الغنائم. واحدها نفل. قال لبيد:
إن تقوى ربنا خير نفل وبإذن الله ريثي وعجل
٧- ذاتِ الشَّوْكَةِ ذات السلاح. ومنه قيل: فلان شاكّ السلاح.
٩- مُرْدِفِينَ رادفين يقال: ردفته وأردفته: إذا جئت بعده.
(الأمنة) : الأمن.
١١- رِجْزَ الشَّيْطانِ: كيده. والرّجز والرّجس يتصرفان على معان قد ذكرتها في كتاب «المشاكل».
١٢- فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ أي الأعناق.
و (البنان) : أطراف الأصابع.
١٣-اقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ
: نابذوه وباينوه.
١٦- أَوْ مُتَحَيِّزاً يقال: تحوّزت وتحيّزت. بالياء والواو. وهما من انحزت.
(١) أخرج البخاري عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما سورة الأنفال؟ قال: نزلت في بدر.
و (الفئة) : الجماعة.
فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ أي رجع بغضب.
١٩- إِنْ تَسْتَفْتِحُوا أي تسألوا الفتح، وهو النصر.
فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وذلك أن أبا جهل قال: اللهم انصر أحبّ الدينين إليك. فنصر الله رسوله «١».
٢٢- إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ يعني شر الناس عند الله الصُّمُّ عما بعث رسوله صلّى الله عليه وسلم من الدين الْبُكْمُ يعني الذين لا يتكلمون بخير ولا يفعلونه. والبكم: الخرس.
٢٤- يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ بين المؤمن والمعصية، وبين الكافر والطاعة. ويكون: يحول بين الرجل وهواه.
٢٥- وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً يقول: لا تصيبن الظالمين خاصة، ولكنها تعم فتصيب الظالم وغيره.
٢٩- يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً أي مخرجا.
٣٠- وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ «٢» أي يحبسوك. ومنه
(١) روى الحاكم عن عبد بن ثعلبة بن صغير قال: كان المستفتح أبا جهل بأنه قال حين التقى القوم: اللهم أينا كان أقطع للرحم وأتى بما لا يعرف فأحنه الغداة وكان ذلك استنتاجا فأنزل الله: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ إلى قوله: وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية قال: قال أبو جهل: اللهم انصر أعز الفئتين وأكرم الفرقتين فنزلت.
(٢)
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أن نفرا من قريش ومن أشراف كل قبيلة اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل فلما رأوه قالوا: من أنت، قال: شيخ من أهل نجد سمعت بما اجتمعتم له فأمرت أن أحضركم ولن يعدمكم مني رأي ونصح، قالوا: أجل فادخل، فدخل معهم فقال: انظروا في شأن هذا الرجل فقال قائل: إحبسوه في وثاق ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء زهير والنابغة فإني هو كأحدهم، فقال عدو الله الشيخ النجدي:
[.....]
154
يقال: فلان مثبت وجعا: إذا لم يقدر على الحركة وكانوا أرادوا أن يحبسوه في بيت ويسدوا عليه بابه، ويجعلوا له خرقا يدخل عليه منه طعامه وشرابه. أو يقتلوه بأجمعهم قتلة رجل واحد. أو ينفوه.
و (المكاء) : الصّفير. يقال: مكا يمكو. ومنه قيل للطائر: مكاء لأنه يمكو. أي يصفر.
و (التّصدية) «١» : التصفيق. يقال: صدي إذا صفق بيده، قال الراجز:
ضنّت بخدّ وثنت بخدّ وإنّي من غرو والهوى أصدّي الغرو: العجب. يقال: لا غرو ممن كذا وكذا: أي لا عجب منه.
لا والله ما هذا لكم برأي والله ليخرجن رائد من محبسه إلى أصحابه فليوشكن أن يثبوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم ثم يمنعوه منكم فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم فانظروا غير هذا الرأي، فقال قائل: أخرجوه من بين أظهركم واستريحوا منه فإنه إذا خرج لن يضركم ما صنع، فقال الشيخ النجدي: والله ما هذا لكم برأي، ألم تروا حلاوة قوله وطلاقة لسانه وأخذه للقلوب بما يستمع من حديثه، والله لئن فعلتم ثم استعرض العرب ليجتمعن عليه ثم ليسيرن إليكم حتى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم، قالوا: صدق والله، فانظروا رأيا غير هذا، فقال أبو جهل: والله لأشيرن عليكم برأي ما أراكم أبصرتموه بعد ما أرى غيره، قالوا: وما هذا قال: تأخذوا من كل قبيلة وسيطا شابا جلدا، ثم يعطى كل غلام منهم سيفا صارما ثم يضربونه ضربة رجل واحد فإذا قتلتموه تفرق دمه في القبائل كلها فلا أظن هذا الحي من بني هاشم يقدرون على حرب قريش كلهم وأنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل واسترحنا وقطعنا عنا أذاه، فقال الشيخ النجدي هذا والله هو الرأي، القول ما قاله الفتى، فتفرقوا على ذلك وهم مجمعون له، فأتى جبريل النبي صلّى الله عليه وسلم فأمره بأن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت وأخبره بمكر القوم فلم يبت رسول الله صلّى الله عليه وسلم في بيته تلك الليلة وأذن الله له عند ذلك بالخروج، وأنزل عليه بعد قدومه المدينة يذكره نعمته عليه.
(١)
أخرج الواحدي عن ابن عمر قال: كانوا يطوفون بالبيت يصفقون ويصفرون فنزلت هذه الآية وأخرج ابن جرير عن سعيد قال: كانت قريش يعارضون النبي صلّى الله عليه وسلم في الطواف يستهزؤن به ويصفرون ويصفقون فنزلت الآية.
155
ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ
٣٧- فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً أي يجعله ركاما بعضه فوق بعض.
٤٢- بِالْعُدْوَةِ: شفير الوادي. يقال: عدوة الوادي وعدوته.
٤٣- إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ أي في نومك، ويكون: في عينك، لأن العين موضع النوم.
٤٦- وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ أي دولتكم. يقال: هبت له ريح النصر.
إذا كانت له الدّولة. ويقال: الريح له اليوم. يراد له الدّولة.
٤٨- نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ أي رجع القهقري.
٥٧- فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ أي تظفر بهم.
فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ أي افعل بهم فعلا من العقوبة والتّنكيل يتفرق بهم من وراءهم من أعدائك. ويقال: شرّد بهم، سمّع بهم، بلغة قريش. قال الشاعر:
أطوّف في الأباطح كلّ يوم... مخافة أن يشرّد بي حكيم
ويقال: شرّد بهم، أي نكلّ بهم. أي اجعلهم عظة لمن وراءهم وعبرة.
٥٨- فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ «١» : ألق إليهم نقضك العهد، لتكون أنت وهم في العلم بالنقض سواء.
٥٩- وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا أي فاتوا. ثم ابتدأ فقال:
إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ.
٦٠- وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ أي من سلاح.
(١)
روى أبو الشيخ عن ابن شهاب قال: دخل جبريل على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: قد وضعت السلاح وما زلت في طلب القوم فاخرج فإن الله أذن لك في قريظة وأنزل فيهم: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً... الآية.
٦١- وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ أي مالوا للصلح.
٦٨- لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ أي قضاء سبق بأنه سيحل لكم المغانم.
٧٣- وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ- إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ «١» يريد هذه الموالاة أن يكون المؤمنون أولياء المؤمنين. والمهاجرون أولياء الأنصار. وبعضهم من بعض- والكافرون أولياء الكافرين. أي وإن لم يكن هذا كذا، كانت فتنة في الأرض وفساد كبير.
٧٥- وَأُولُوا الْأَرْحامِ الواحد منه «ذو» من غير لفظه وهو و «ذو» واحد.
(١) أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن السدي عن أبي مالك قال: قال رجل: نورت أرحامنا المشركين فنزلت: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ.
سورة الأنفال
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

اعتنَتْ سورةُ (الأنفال) ببيانِ أحكامِ الحرب والغنائمِ والأَسْرى؛ ولذا سُمِّيتْ بهذا الاسمِ، وقد نزَلتْ هذه السورةُ في المدينةِ بعد غزوة (بَدْرٍ)؛ لذا تعلَّقتْ أسبابُ نزولها بهذه الغزوة، وقد أبانت السورةُ عن قوانين النَّصر المادية: كتجهيز العَتاد، والمعنوية: كوَحْدة الصَّف، وأوضَحتْ حُكْمَ الفِرار من المعركة، وقتالِ الكفار، وما يَتبَع ذلك من أحكامٍ ربانيَّة، كما أصَّلتْ - بشكل رئيسٍ - لقواعدِ عَلاقة المجتمع المسلم بغيره.

ترتيبها المصحفي
8
نوعها
مدنية
ألفاظها
1243
ترتيب نزولها
88
العد المدني الأول
76
العد المدني الأخير
67
العد البصري
76
العد الكوفي
75
العد الشامي
77

تعلَّقتْ سورةُ (الأنفال) بوقائعَ كثيرةٍ؛ لذا صحَّ في أسبابِ نزولها الكثيرُ؛ من ذلك:

* ما جاء عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قلتُ لابنِ عباسٍ: سورةُ التَّوبة؟ قال: التَّوبةُ هي الفاضحةُ، ما زالت تَنزِلُ: ﴿وَمِنْهُمْ﴾ ﴿وَمِنْهُمْ﴾ حتى ظَنُّوا أنَّها لن تُبقِيَ أحدًا منهم إلا ذُكِرَ فيها، قال: قلتُ: سورةُ الأنفالِ؟ قال: نزَلتْ في بَدْرٍ، قال: قلتُ: سورةُ الحشرِ؟ قال: نزَلتْ في بني النَّضِيرِ». أخرجه مسلم (٣٠٣١).

* قوله تعالى: ﴿يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلْأَنفَالِۖ قُلِ اْلْأَنفَالُ لِلَّهِ وَاْلرَّسُولِۖ فَاْتَّقُواْ اْللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْۖ وَأَطِيعُواْ اْللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: 1]:

عن سعدِ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا كان يومُ بدرٍ جئتُ بسيفٍ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ اللهَ قد شَفَى صدري مِن المشركين - أو نحوَ هذا -، هَبْ لي هذا السيفَ، فقال: «هذا ليس لي، ولا لك»، فقلتُ: عسى أن يُعطَى هذا مَن لا يُبلِي بلائي، فجاءني الرسولُ، فقال: «إنَّك سألْتَني وليس لي، وإنَّه قد صار لي، وهو لك»، قال: فنزَلتْ: ﴿يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلْأَنفَالِۖ﴾ الآيةَ». أخرجه الترمذي (٣٠٧٩).

وعن عُبَادةَ بن الصامتِ رضي الله عنه، قال: «خرَجْنا مع النبيِّ ﷺ، فشَهِدتُّ معه بدرًا، فالتقى الناسُ، فهزَمَ اللهُ العدوَّ، فانطلَقتْ طائفةٌ في آثارِهم يَهزِمون ويقتُلون، وأكَبَّتْ طائفةٌ على العسكرِ يَحْوُونه ويَجمَعونه، وأحدَقتْ طائفةٌ برسولِ الله ﷺ؛ لا يُصِيبُ العدوُّ منه غِرَّةً، حتى إذا كان الليلُ وفاءَ الناسُ بعضُهم إلى بعضٍ، قال الذين جمَعوا الغنائمَ: نحن حوَيْناها وجمَعْناها؛ فليس لأحدٍ فيها نصيبٌ! وقال الذين خرَجوا في طلبِ العدوِّ: لستم بأحَقَّ بها منَّا؛ نحن نفَيْنا عنها العدوَّ وهزَمْناهم! وقال الذين أحدَقوا برسولِ اللهِ ﷺ: لستم بأحَقَّ بها منَّا؛ نحن أحدَقْنا برسولِ اللهِ ﷺ، وخِفْنا أن يُصِيبَ العدوُّ منه غِرَّةً، واشتغَلْنا به! فنزَلتْ: ﴿يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ اْلْأَنفَالِۖ قُلِ اْلْأَنفَالُ لِلَّهِ وَاْلرَّسُولِۖ فَاْتَّقُواْ اْللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْۖ﴾ [الأنفال: 1]، فقسَمَها رسولُ اللهِ ﷺ على فُوَاقٍ بين المسلمين، قال: وكان رسولُ اللهِ ﷺ إذا أغارَ في أرضِ العدوِّ نفَّلَ الرُّبُعَ، وإذا أقبَلَ راجعًا وكَلَّ الناسُ نفَّلَ الثُّلُثَ، وكان يَكرَهُ الأنفالَ، ويقولُ: «لِيَرُدَّ قويُّ المؤمنين على ضعيفِهم»». أخرجه أحمد (٢٢٧٦٢).

* قوله تعالى: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاْسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٖ مِّنَ اْلْمَلَٰٓئِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: 9]:

عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «حدَّثني عُمَرُ بن الخطَّابِ، قال: لمَّا كان يومُ بَدْرٍ نظَرَ رسولُ اللهِ ﷺ إلى المشركين وهم ألفٌ، وأصحابُه ثلاثُمائةٍ وتسعةَ عشَرَ رجُلًا، فاستقبَلَ نبيُّ اللهِ ﷺ القِبْلةَ، ثم مَدَّ يدَيهِ، فجعَلَ يَهتِفُ برَبِّهِ: اللهمَّ أنجِزْ لي ما وعَدتَّني، اللهمَّ آتِ ما وعَدتَّني، اللهمَّ إن تَهلِكْ هذه العصابةُ مِن أهلِ الإسلامِ لا تُعبَدْ في الأرضِ، فما زالَ يَهتِفُ برَبِّهِ، مادًّا يدَيهِ، مستقبِلَ القِبْلةِ، حتى سقَطَ رداؤُهُ عن مَنكِبَيهِ، فأتاه أبو بكرٍ، فأخَذَ رداءَهُ، فألقاه على مَنكِبَيهِ، ثم التزَمَه مِن ورائِه، وقال: يا نبيَّ اللهِ، كفَاك مُناشَدتُك ربَّك؛ فإنَّه سيُنجِزُ لك ما وعَدَك؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاْسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٖ مِّنَ اْلْمَلَٰٓئِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: 9]، فأمَدَّه اللهُ بالملائكةِ». أخرجه مسلم (١٧٦٣).

* قوله تعالى: ﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٖ دُبُرَهُۥٓ﴾ [الأنفال: 16]:

عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه، قال: «نزَلتْ في يومِ بدرٍ: ﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٖ دُبُرَهُۥٓ﴾ [الأنفال: 16]». أخرجه أبو داود (٢٦٤٨).

* قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اْللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْۚ وَمَا كَانَ اْللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ٣٣ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اْللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ اْلْمَسْجِدِ اْلْحَرَامِ} [الأنفال: 33، 34]:

عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «قال أبو جهلٍ: اللهمَّ إن كان هذا هو الحقَّ مِن عندِك، فأمطِرْ علينا حجارةً مِن السماءِ، أو ائتِنا بعذابٍ أليمٍ؛ فنزَلتْ: {وَمَا كَانَ اْللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْۚ وَمَا كَانَ اْللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ٣٣ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اْللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ اْلْمَسْجِدِ اْلْحَرَامِ} الآيةَ». أخرجه البخاري (٤٦٤٩).

سُمِّيتْ سورةُ (الأنفال) بذلك؛ لأنها بدأت بالحديثِ عن (الأنفال).

كما سُمِّيتْ أيضًا بسورة (بَدْرٍ): لِما صحَّ عن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قلتُ لابنِ عباسٍ: سورةُ الأنفالِ؟ قال: تلك سورةُ بَدْرٍ». أخرجه مسلم (٣٠٣١).

ووجهُ التسمية بذلك ظاهرٌ؛ لأنها نزَلتْ بعد غزوةِ (بَدْرٍ)، وتحدَّثتْ بشكلٍ رئيس عن هذه الغزوةِ.

* أنَّ من أخَذها عُدَّ حَبْرًا:

فعن عائشةَ رضي الله عنها، عن رسولِ الله ﷺ، قال: «مَن أخَذَ السَّبْعَ الأُوَلَ مِن القرآنِ، فهو حَبْرٌ». أخرجه أحمد (24575).

* أنها تقابِلُ التَّوْراةَ مع بقيَّةِ السُّوَر الطِّوال:

فعن واثلةَ بن الأسقَعِ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «أُعطِيتُ مكانَ التَّوْراةِ السَّبْعَ الطِّوالَ». أخرجه أحمد (17023).

جاءت موضوعاتُ سورةِ (الأنفال) كما يلي:

* قوانينُ ربَّانية {وَمَا ‌اْلنَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اْللَّهِۚ}:

1. الأنفالُ وصفاتُ المؤمنين الصادقين (١ -٤).

2. غزوة (بدر) (٥-١٤).

3. حرمةُ الفرار من المعركة، ومِنَّة الله بالنصر والتأييد (١٥-١٩).

4. طاعة الله ورسوله، والنهيُ عن خيانة الأمانة (٢٠-٢٩).

5. نماذجُ من عداوة المشركين للمؤمنين (٣٠-٤٠).

6. توزيعُ غنائمِ (بدر) مع التذكير بما دار في المعركة (٤١-٤٤).

* قوانينُ مادية {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اْسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٖ}:

7. من شروط النصر، وأسباب الهزيمة (٤٥-٤٩).

8. نماذجُ من تعذيب الله للكافرين (٥٠-٥٤).

9. قواعد السلم والحرب والمعاهَدات الدولية (٥٥-٦٣).

10. وَحْدة الصف، والتخفيف في القتال (٦٤-٦٦).

11. العتاب في أُسارى (بدر) (٦٧- ٧١).

12. قواعدُ في علاقة المجتمع الإسلامي بغيره (٧٢-٧٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (3 /131).

افتُتِحت السُّورةُ بمقصدٍ عظيم؛ وهو بيانُ أحكامِ (الأنفال)، والأمرُ بتقوى الله وطاعتِه وطاعة رسوله، في ذلك وغيره، وأمرُ المسلمين بإصلاح ذاتِ بينهم، وأن ذلك من مقوِّمات معنى الإيمان الكامل، واشتمَلتْ على تذكيرِ النبي ﷺ بنعمةِ الله عليه إذ أنجاه من مكرِ المشركين به بمكَّةَ، وخلَّصه من عنادِهم. ثمَّ قصَدتْ دعوةَ المشركين للانتهاء عن مناوأةِ الإسلام، وإيذانِهم بالقتال، والتحذيرِ من المنافقين، وضربِ المَثَل بالأُمم الماضية التي عانَدتْ رُسُلَ الله ولم يشكروا نعمةَ الله، كما قصَدتْ بيانَ أحكام العهد بين المسلمين والكفار، وما يَترتَّب على نقضِهم العهدَ، ومتى يحسُنُ السلمُ.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (9 /248).