تفسير سورة العلق

كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل

تفسير سورة سورة العلق من كتاب كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
لمؤلفه أبو بكر الحدادي اليمني .

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ ؛ قالت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا :" أوَّلُ مَا بُدِئَ به رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، كَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ. ثُمَّ حُببَ إلَيْهِ الْخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بغَار حِرَاءَ فَيَتَعَبَّدُ فِيْهِ حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَار حِرَاءَ.
فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ : اقْرَأ، فَقَالَ :" مَا أنَا بَقَارئٍ " قَالَ :" فَأَخَذنِي فَغَطَّنِي حَتَّى أخَذ مِنِّي الْجُهْدَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فَقَالَ لِي : اقْرَأ، فَقُلْتُ : مَا أنَا بقَارئٍ، فَأَخَذنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ كَذلِكَ ثُمَّ أرْسَلَنِي، فَقَالَ لِي : اقْرَأ، فَقُلْتُ : مَا أنَا بقَارئٍ، فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أرْسَلَنِي فَقَالَ لِي :﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾. فَرَجَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يرْجِفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ :" زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي "، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَأَخْبَرَ خَدِيجَةَ بالْخَبَرِ وَقَالَ :" خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي ".
فَانْطَلَقَتْ بهِ خَدِيجَةُ إلى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلَ وَهُوَ ابْنُ عَمِّهَا، وَكَانَ امْرِءاً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ مِنَ الإنْجِيلِ بالْعَبْرَانِيَّةِ، وَكَانَ شَيْخاً كَبيراً قَدْ ضَعُفَ بَصَرُهُ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ : يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلَ : يَا ابْنَ أخِي مَاذا رَأيْتَ ؟ فَأَخْبَرَهُ بَمَا رَأى، فَقَالَ وَرَقَةُ : هَذا هُوَ النَّامُوسُ الَّذِي نَزَلَ عَلَى مُوسَى، فَيَا لَيْتَنِي أكُونُ حَيّاً حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فقال ﷺ :" أوَمُخْرِجِيَّ هُمْ؟! " قَالَ : لَمْ يَأْتِ أحَدٌ بمِثْلِ مَا جِئْتَ بهِ إلاَّ عُودِيَ وَأُوذِيَ، وَإنْ يُدْركْنِي يَوْمُكَ أنْصُرْكَ نَصْراً مُؤزَّراً. ثُمَّ إنَّ وَرَقَةَ لَمْ يُدْركْ وَقْتَ الدَّعْوَةِ أنْ تُوُفِّي ".
واختلَفُوا في الباءِ في قوله ﴿ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾ قال بعضُهم : هي زائدةٌ ؛ وتقديرهُ : اقرَأ اسمَ ربكَ، كما يقالُ : قرأتُ بسُورةِ كذا. وقال بعضُهم : افتحِ القراءةَ بسمِ الله. وَقِيْلَ : معناهُ : اقرأ القرآنَ بعَونِ اللهِ وتوفيقه. وقولهُ تعالى ﴿ الَّذِي خَلَقَ ﴾ أي خلقَكَ. وَقِيْلَ : خلَقَ الأشياء كلَّها.
قوْلُهُ تَعَالَى :﴿ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾ ؛ قال بعضُهم : أرادَ به آدمَ، خلقَهُ من طينٍ يعلَقُ باليدِ. وقال بعضُهم : الإنسانُ هذا اسم جنسٍ، والعلَقُ جمعُ العلقَةِ، وهي الدمُ الخاثر المنعقدُ الذي يضرِبُ إلى السوادِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ ﴾ ؛ أي اقرأ القرآنَ في صَلاتِكَ وتبليغِكَ إلى الناسِ وربُّكَ الأعظمُ الذي يعطِي من النِّعَمِ ما لا يقدرُ على مثلهِ غيرهُ. ويجوزُ أنْ يكون الإكرامُ ههنا أنه تعالى يُعِينهُ على حفظِ القرآن وتبليغهِ، ويُثِيبهُ على ذلك جزيلَ الثواب. وَقِيْلَ : الأكرمُ الحليمُ على جهلِ العباد، فلا يعجِّلُ عليهم بالعقوبةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ ؛ أي الذي علَّمَ الملائكةَ ما في اللوحِ المحفوظ، وأُضيفَ إلى القلمِ ؛ لأنَّهُ هو الذي كَتَبَ ما في اللوحِ. وَقِيْلَ : معناهُ : الذي علَّمَ الناسَ علمَ الكتابةَ بالقلمِ، وهو نعمةٌ عظيمة، ولولاَ القلمُ لضاعتِ الحقوقُ ودُرسَت العلومُ واختلَّتْ أمُورُ المعايشِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ ؛ أي علَّمَ آدمَ الأسماء كلَّها. وَقِيْلَ : علَّمَ جميعَ الناسِ بالقلمِ من أمر دينهم ما لم يعلَمُوا من قبل. وَقِيْلَ : الإنسانُ ههنا مُحَمَّدٌ ﷺ، بَيانُهُ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ﴾[النساء : ١١٣].
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى ﴾ ؛ أي حقّاً إن الإنسانَ الذي خلقَهُ اللهُ من علَقٍ وتَمَّمَ نعمتَهُ عليه ليَطغَى بأنعُم اللهِ، ويتكبَّرُ على توحيدهِ، ومعنى ﴿ لَيَطْغَى ﴾ لَيتجَاوَزَ حدَّهُ، فيستكبر على ربهِ، ﴿ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى ﴾، أنْ رأى نفسَهُ مُستغنياً بكثرةِ ماله. رُوي :" أنَّ هذه الآيةَ نزَلت في أبي جهلٍ، وكان ﷺ يقولُ :" أعُوذ بكَ مِنْ فَقْرٍ يُنْسِي، وَمِنْ غِنًى يُطْغِي " ".
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ﴾ ؛ فيه تخويفٌ بالرَّجعة إلى الآخرةِ للحساب ؛ أي إنَّ إلى ربكَ المرجعَ في الآخرةِ.
وقولهُ تعالى :﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى ﴾ ؛ نزَلت في أبي جهلٍ نَهى النبيَّ ﷺ حين فُرضت عليهِ، وكان يؤذيهِ، ويعبَثُ به حتى يشغله عن الصَّلاة، وكان يهدِّدُ النبيَّ ﷺ وكان يقولُ : إذا رأيتُ مُحَمَّداً يصلِّي توطَّأْتُ عُنقَهُ، وهذه الآيةُ متروكة الجواب، معناهُ : أرأيتَ يا مُحَمَّدُ الذي ينَهى عن الصَّلاةِ لاَ تراهُ يُفْلِحُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى ﴾ ؛ معناهُ : أرأيتَ أيُّها الناهِي إنْ كان المنهيُّ عن الصلاةِ على الهدى، ﴿ أَوْ أَمَرَ ﴾، الخلقَ، ﴿ بِالتَّقْوَى ﴾، أكُنتَ تنهاهُ وتعاديه على ذلك. وَقِيْلَ : معناهُ : أرأيتَ - يا مُحَمَّدُ - إنْ كان الناهِي على الهدى، أو أمرَ بالتقوى، أليسَ كان خَيراً له.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾ ؛ معناهُ : أخبرني يا مُحَمَّدُ إن كذبَ أبو جهلٍ بالقرآن، وتولَّى عن الإيمانِ ؛ أي أعرضَ عنه، ﴿ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾ ؛ ألَمْ يعلم أبو جهلٍ أنَّ الله يرَى صُنعَهُ.
وقولهُ تعالى :﴿ كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ﴾ ؛ قسَمٌ من اللهِ تعالى : لئِنْ لم يمتنِعْ أبو جهلٍ عن مقالتهِ وصُنعهِ لنأخُذنَّ بمقدَمِ شعرِ رأسه، ولنأمُرَنَّ بجذبهِ إلى النار، والسَّفْعُ في اللغة : هو الجذبُ الشديد، والعربُ لا تأنَفُ من شيءٍ أنفَها من ذكرِ النَّاصية. وَقِيْلَ : معنى السَّفْعِ الإحراقُ، واللَّفْحُ نظيرهُ، والمعنى : لنُحِرقَن موضعَ ناصيتهِ، وقال الحسنُ :((مَعْنَاهُ : لَنَجْمَعَنَّ نَاصِيَتَهُ وَقَدَمَيْهِ)) كما قال تعالى﴿ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ ﴾[الرحمن : ٤١].
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴾ ؛ إبدالُ الاقدام النكرةِ من المعرفة، والمراد بالناصيةِ هاهنا صاحبَ الناصيةِ كاذبٌ خاطئ، يأكلُ رزقَ الله، ويعبدُ غيرَهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ﴾ ؛ قال ابنُ عبَّاس :" لَمَّا قَالَ أبُو جَهْلٍ للنَّبيِّ ﷺ : ألَمْ أنْهَكَ عَنِ الصَّلاَةِ، انْتَهَرَهُ النَّبيُّ ﷺ وَأغْلَظَ لَهُ وَتَهَدَّدَهُ، فَقَالَ أبُو جَهْلٍ : أتُهَدِّدُنِي وَأنَا أكْبَرُ أهْلِ الْوَادِي، وَاللهِ لأَمْلأَنَّ عَلَيْكَ الْوَادِي خَيْلاً جُرْداً وَرجَالاً مُرْداً "، فأنزلَ اللهُ تعالى ﴿ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ﴾ أي فيلدعُ قومَهُ وعشائرَهُ ليعاونوهُ، سندْعُ الزبانيةَ ليأخذوهُ.
والنَّادي في اللغة : المجلسُ، والمراد بالمجلسِ هاهنا أهلُ المجلسِ. والزبانيةُ : هم الملائكةُ الموكَّلون بتعذيب أهل النار، واحدُهم زَبْنٌ، والزَّبْنُ الدفعُ، يقالُ : زَبَنْتِ الناقةَ الحالبَة إذا ركضَتْهُ برجلِها، قال ﷺ :" لَوْ نَادَى نَادِيَهُ لأَخَذتْهُ الزَّّبَانِيَةُ عَيَاناً ".
وقولهُ تعالى :﴿ كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب ﴾ ؛ هذا قسَمٌ من اللهِ، ويجوزُ أن يكون معناهُ : ليسَ كما يقولُ أبو جهلٍ، لا تُطِعْهُ فيما يأمُركَ به من تركِ الصَّلاة، وصلِّ لله واقترِبْ إلى رحمتهِ بالسُّجود على رغمِ مَن ينهاكَ عنه.
رُوي :" أنَّ النبيَّ ﷺ كانَ يُصلي بعدَ هذه السُّورة، فأتاهُ أبو جهلٍ ليُؤذيَهُ على عادتهِ، فوجدَهُ يقرأُ هذه السُّورة، فخافَ وانصرفَ. فقيل له : أخِفْتَهُ؟! وما الذي منعَكَ أن تفعلَ به ما هَمَمتَ به ؟ قال : وجدتُ عنده حارساً يحرسهُ، وسَمعتهُ يهدِّدُنِي بالزَّبانية، أما الحارسُ فهو فحلٌ أهوَى إلَيَّ أرادَ أن يَأكُلَني، واللهِ ما أدري ما زَبانِيَتهُ فهربتُ ".
سورة العلق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (العَلَق) من السُّوَر المكية، وهي أولُ سورةٍ نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بدأت بأمرِ النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة؛ ليُعلِّمَه اللهُ عز وجل هذا الكتابَ، وقد جاءت على ذِكْرِ عظمة الله، وتذكيرِ الإنسان بخَلْقِ الله له من عدمٍ، وخُتمت بتأييد الله للنبي صلى الله عليه وسلم، ونصرِه له، وكفايتِه أعداءَه.

ترتيبها المصحفي
96
نوعها
مكية
ألفاظها
72
ترتيب نزولها
1
العد المدني الأول
20
العد المدني الأخير
20
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
18

* قوله تعالى: {كَلَّآ إِنَّ اْلْإِنسَٰنَ لَيَطْغَىٰٓ ٦ أَن رَّءَاهُ اْسْتَغْنَىٰٓ ٧ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ اْلرُّجْعَىٰٓ ٨ أَرَءَيْتَ اْلَّذِي يَنْهَىٰ ٩ عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰٓ ١٠ أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَى اْلْهُدَىٰٓ ١١ أَوْ أَمَرَ بِاْلتَّقْوَىٰٓ ١٢ أَرَءَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰٓ ١٣ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اْللَّهَ يَرَىٰ ١٤ كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعَۢا بِاْلنَّاصِيَةِ ١٥ نَاصِيَةٖ كَٰذِبَةٍ خَاطِئَةٖ ١٦ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُۥ ١٧ سَنَدْعُ اْلزَّبَانِيَةَ ١٨ كَلَّا لَا تُطِعْهُ} [العلق: 13-19]:

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: «قال أبو جهلٍ: هل يُعفِّرُ مُحمَّدٌ وجهَه بَيْنَ أظهُرِكم؟ قال: فقيل: نَعم، فقال: واللَّاتِ والعُزَّى، لَئِنْ رأَيْتُه يَفعَلُ ذلك، لَأَطأنَّ على رقَبتِه، أو لَأُعفِّرَنَّ وجهَه في التُّرابِ، قال: فأتى رسولَ اللهِ ﷺ وهو يُصلِّي، زعَمَ لِيطأَ على رقَبتِه، قال: فما فَجِئَهم منه إلا وهو يَنكِصُ على عَقِبَيهِ، ويَتَّقي بيدَيهِ، قال: فقيل له: ما لكَ؟ فقال: إنَّ بَيْني وبَيْنَه لَخَنْدقًا مِن نارٍ، وهَوْلًا، وأجنحةً، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «لو دنَا منِّي، لَاختطَفَتْهُ الملائكةُ عضوًا عضوًا»، قال: فأنزَلَ اللهُ عز وجل - لا ندري في حديثِ أبي هُرَيرةَ، أو شيءٌ بلَغَه -: {كَلَّآ إِنَّ اْلْإِنسَٰنَ لَيَطْغَىٰٓ ٦ أَن رَّءَاهُ اْسْتَغْنَىٰٓ ٧ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ اْلرُّجْعَىٰٓ ٨}؛ يَعني: أبا جهلٍ، {أَرَءَيْتَ اْلَّذِي يَنْهَىٰ ٩ عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰٓ ١٠ أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَى اْلْهُدَىٰٓ ١١ أَوْ أَمَرَ بِاْلتَّقْوَىٰٓ ١٢ أَرَءَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰٓ ١٣ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اْللَّهَ يَرَىٰ ١٤ كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعَۢا بِاْلنَّاصِيَةِ ١٥ نَاصِيَةٖ كَٰذِبَةٍ خَاطِئَةٖ ١٦ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُۥ ١٧ سَنَدْعُ اْلزَّبَانِيَةَ ١٨ كَلَّا لَا تُطِعْهُ} [العلق: 13-19]». زاد عُبَيدُ اللهِ في حديثِه قال: «وأمَرَه بما أمَرَه به». وزادَ ابنُ عبدِ الأعلى: «{فَلْيَدْعُ نَادِيَهُۥ}؛ يَعني: قومَهُ». أخرجه مسلم (٢٧٩٧).

* سورة (العَلَق):

سُمِّيت سورة (العَلَق) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (العَلَق) في أولها؛ قال تعالى: {اْقْرَأْ بِاْسْمِ رَبِّكَ اْلَّذِي خَلَقَ ١ خَلَقَ اْلْإِنسَٰنَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق: 1-2].

* وكذلك تُسمَّى بسورة {اْقْرَأْ}، و{اْقْرَأْ بِاْسْمِ رَبِّكَ}؛ للسبب نفسه.

1. الخَلْقُ والتعليم مُوجِب للشكر (١-٥).

2. انحرافُ صِنْفٍ من البشر عن الشكر (٦-٨).

3. صورة من صُوَر طغيان البشر (٩-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /253).

يقول ابنُ عاشور عن مقاصدها: «تلقينُ مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الكلامَ القرآني وتلاوتَه؛ إذ كان لا يَعرِف التلاوةَ من قبل.
والإيماء إلى أنَّ عِلْمَه بذلك مُيسَّر؛ لأن اللهَ الذي ألهم البشرَ العلمَ بالكتابة قادرٌ على تعليم من يشاءُ ابتداءً.
وإيماء إلى أن أمَّتَه ستَصِير إلى معرفة القراءة والكتابة والعلم.
وتوجيهه إلى النظر في خلقِ الله الموجودات، وخاصةً خَلْقَه الإنسانَ خَلْقًا عجيبًا مستخرَجًا من علَقةٍ، فذلك مبدأ النظر.
وتهديد مَن كذَّب النبيَّ صلى الله عليه وسلم وتعرَّضَ ليصُدَّه عن الصلاة والدعوة إلى الهدى والتقوى.
وإعلام النبي صلى الله عليه وسلم أن اللهَ عالمٌ بأمرِ مَن يناوُونه، وأنه قامِعُهم، وناصرُ رسولِه.
وتثبيت الرسول على ما جاءه من الحقِّ، والصلاة، والتقرب إلى الله.
وألا يعبأ بقوةِ أعدائه؛ لأن قوَّةَ الله تقهرهم». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /434).