تفسير سورة العلق

تفسير مقاتل بن سليمان

تفسير سورة سورة العلق من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة العلق
مكية، عددها تسع عشرة آية كوفي.

قوله: ﴿ ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ﴾ يعني بالواحد ﴿ ٱلَّذِي خَلَقَ ﴾ [آية: ١] يعني الإنسان، وكان أول شىء نزل من القرآن خمس آيات من أول هذه السورة ﴿ خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾ [آية: ٢] وهى النطفة التي تكون عشرين ليلة، ثم تصير ماء ودماً، فذلك العلق، قوله: ﴿ ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ ﴾ [آية: ٣] ﴿ ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ ﴾ [آية: ٤] وذلك" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دخل المسجد الحرام، فإذا أبو جهل يقلد إلهه الذى يعبده طوقاً من ذهب، وقد طيبه بالمسك، وهو يقول: يا هبل لكل شىء سكن، ولك خير جزاء، أما وعزتك لأسرنك القابل، وذلك أنه كان ولد له في تلك السنة ألف من الإبل، وجاءه عير من الشام فربح عشرة آلاف مثقال من الذهب، فجعل ذلك الشكر لهبل، وهو صنم كان في جوف الكعبة طوله ثمانية عشر ذراعاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ويحك، أعطاك إلهك وشكرت غيره، أما والله لله فيك نقمة، فانظر متى تكون؟ ويحك، يا عم، أدعوك إلى الله وحده، فإنه ربك ورب آبائك الأولين، وهو خلقك ورزقك، فإن اتبعتني أصبت الدنيا والآخرة "، قال له: واللات والعزى رب هذه البنية لئن لم تنته عن مقالتك هذه، فإن وجدتك هاهنا، وأنت تعبد غير آلهتنا لأسفعنك على ناصيتك يقول: لأخرجنك على وجهك، أليس هؤلاء بناته، قال: وأنى يكون له ولد؟. فأنزل الله عز وجل ﴿ عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [آية: ٥] والنبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بالأراك ضحى، ثم بين، فقال: ﴿ خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾ يعني من دم حتى تحولت النطفة دماً، اقرأ يا محمد، ثم استأنف، فقال: ﴿ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ ٱلَّذِى عَلَّمَ ﴾ الكتابة ﴿ بِٱلْقَلَمِ عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ ﴾ من القرآن ﴿ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾.
ثم قال: ﴿ كَلاَّ ﴾ لا يعلم إن علمته، ثم استأنف، فقال: ﴿ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ ﴾ [آية: ٦] في نعم الله عز وجل، يعني أبا جهل بن هشام، وكان إذا أصاب مالاً أشر يعني بطر في ثيابه، وفى مراكبه، وفى طعامه وشرابه، فذلك طغيانه، إذا رأى نفسه استغنى، وكان موسراً طغى، فخوفه الله الرجعة إليه، فقال: ﴿ أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ ﴾ [آية: ٨] خوفه في القيامة في التقديم بعد أن قال: ﴿ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ ﴾، ثم هدده فيما بعد بقوله: ﴿ كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ ﴾ [العلق: ١٥]، ثم ذكر الناصية، فقال: ﴿ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴾ [العلق: ١٦].
ثم قال: ﴿ أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ ﴾ [آية: ١٠] وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم فرضت عليه الصلاة بمكة، فقال أبو جهل: لئن رأيت محمداً يصلى لأضربن عنقه، فقال الله، عز وجل: ﴿ أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ ﴾ يعني النبي صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ إِن كَانَ ﴾، يعني محمداً ﴿ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ ﴾ [آية: ١١] ﴿ أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ ﴾ [آية: ١٢] يعني الإخلاص ﴿ أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ ﴾ أبو جهل بالقرآن ﴿ وَتَوَلَّىٰ ﴾ [آية: ١٣]، يعني وأعرض ﴿ أَلَمْ يَعْلَم ﴾ أبو جهل ﴿ بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ ﴾ [آية: ١٤] النبي صلى الله عليه وسلم وحده، ويرى جمع أبي جهل. ثم قال: ﴿ كَلاَّ ﴾ لا يعلم أن الله عز وجل يرى ذلك كله، ثم خوفه، فقال: ﴿ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ ﴾ يعني أبا جهل عن محمد، بالتكذيب والتولى ﴿ لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ ﴾ [آية: ١٥] يقول: لنأخذن بالناصية أخذاًَ شديداً، ثم أخبر عنه أنه فاجر، فقال: ﴿ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴾ [آية: ١٦] يقول: إنما يجره الملك على وجهه في النار من خطيئته، ثم قال: ﴿ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ ﴾ [آية: ١٧] يعني بني مخزوم، يعني ناصره ﴿ سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ ﴾ [آية: ١٨] فهم أشد غضباً عليه من بني مخزوم على محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن لم تنته ورأيتك هاهنا لأجرنك على وجهك. فأراد بذلك أن يذل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل فيه يذله، فقال: لئن لم ينته عنك، وعن مقالته الشرك ﴿ لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ ﴾، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" رأيت أبا جهل في طمطام من نار يجر على وجهه في نار جهنم على جبال من جمر فيطرح في أوديتها، فيقول: بأبي محمد وأمي لقد كان ناصحاً لي، وأراد بي خيراً، ولكني كنت مسيئاً إلى نفسي، وأردت به شراً، رب ردني إلى قومي، فأؤمن به، وآمر بني مخزوم أن يؤمنوا به ". قال: ﴿ كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب ﴾ [آية: ١٩] لأنهم كانوا يبدؤون بالسجود، ثم بعد السجود بالركوع، ثم بعد الركوع بالقيام، فكانوا يقومون، ويطلبون المسألة من آلهتهم فأمر الله تعالى أن يسجدوا ويقتربوا، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد، ثم يركع، ثم يقوم، فيدعو الله تعالى ويحمد فخالف الله تعالى على المشركين بعد ذلك، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبدأ بالقيام، ثم بالركوع، ثم السجود. قال: ﴿ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ ﴾ يعني ناصره ﴿ سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ ﴾ يعني خزنة جهنم أرجلهم في الأرضين السفلى ورءوسهم في السماء ﴿ كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ ﴾ يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تطع أبا جهل في أن تترك الصلاة.
﴿ وَٱسْجُدْ ﴾ يقول: وصل لله عز وجل ﴿ وَٱقْتَرِب ﴾ إليه باطاعة، فلما سمع أبو جهل ذكر الزبانية، قال: قد جاء وعد الله وانصرف عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان هم به، فلما رجع قالوا له: يا أبا الحكم خفته؟ قال: لا، ولكني خفت الزبانية.
سورة العلق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (العَلَق) من السُّوَر المكية، وهي أولُ سورةٍ نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بدأت بأمرِ النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة؛ ليُعلِّمَه اللهُ عز وجل هذا الكتابَ، وقد جاءت على ذِكْرِ عظمة الله، وتذكيرِ الإنسان بخَلْقِ الله له من عدمٍ، وخُتمت بتأييد الله للنبي صلى الله عليه وسلم، ونصرِه له، وكفايتِه أعداءَه.

ترتيبها المصحفي
96
نوعها
مكية
ألفاظها
72
ترتيب نزولها
1
العد المدني الأول
20
العد المدني الأخير
20
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
18

* قوله تعالى: {كَلَّآ إِنَّ اْلْإِنسَٰنَ لَيَطْغَىٰٓ ٦ أَن رَّءَاهُ اْسْتَغْنَىٰٓ ٧ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ اْلرُّجْعَىٰٓ ٨ أَرَءَيْتَ اْلَّذِي يَنْهَىٰ ٩ عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰٓ ١٠ أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَى اْلْهُدَىٰٓ ١١ أَوْ أَمَرَ بِاْلتَّقْوَىٰٓ ١٢ أَرَءَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰٓ ١٣ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اْللَّهَ يَرَىٰ ١٤ كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعَۢا بِاْلنَّاصِيَةِ ١٥ نَاصِيَةٖ كَٰذِبَةٍ خَاطِئَةٖ ١٦ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُۥ ١٧ سَنَدْعُ اْلزَّبَانِيَةَ ١٨ كَلَّا لَا تُطِعْهُ} [العلق: 13-19]:

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: «قال أبو جهلٍ: هل يُعفِّرُ مُحمَّدٌ وجهَه بَيْنَ أظهُرِكم؟ قال: فقيل: نَعم، فقال: واللَّاتِ والعُزَّى، لَئِنْ رأَيْتُه يَفعَلُ ذلك، لَأَطأنَّ على رقَبتِه، أو لَأُعفِّرَنَّ وجهَه في التُّرابِ، قال: فأتى رسولَ اللهِ ﷺ وهو يُصلِّي، زعَمَ لِيطأَ على رقَبتِه، قال: فما فَجِئَهم منه إلا وهو يَنكِصُ على عَقِبَيهِ، ويَتَّقي بيدَيهِ، قال: فقيل له: ما لكَ؟ فقال: إنَّ بَيْني وبَيْنَه لَخَنْدقًا مِن نارٍ، وهَوْلًا، وأجنحةً، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «لو دنَا منِّي، لَاختطَفَتْهُ الملائكةُ عضوًا عضوًا»، قال: فأنزَلَ اللهُ عز وجل - لا ندري في حديثِ أبي هُرَيرةَ، أو شيءٌ بلَغَه -: {كَلَّآ إِنَّ اْلْإِنسَٰنَ لَيَطْغَىٰٓ ٦ أَن رَّءَاهُ اْسْتَغْنَىٰٓ ٧ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ اْلرُّجْعَىٰٓ ٨}؛ يَعني: أبا جهلٍ، {أَرَءَيْتَ اْلَّذِي يَنْهَىٰ ٩ عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰٓ ١٠ أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَى اْلْهُدَىٰٓ ١١ أَوْ أَمَرَ بِاْلتَّقْوَىٰٓ ١٢ أَرَءَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰٓ ١٣ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اْللَّهَ يَرَىٰ ١٤ كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعَۢا بِاْلنَّاصِيَةِ ١٥ نَاصِيَةٖ كَٰذِبَةٍ خَاطِئَةٖ ١٦ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُۥ ١٧ سَنَدْعُ اْلزَّبَانِيَةَ ١٨ كَلَّا لَا تُطِعْهُ} [العلق: 13-19]». زاد عُبَيدُ اللهِ في حديثِه قال: «وأمَرَه بما أمَرَه به». وزادَ ابنُ عبدِ الأعلى: «{فَلْيَدْعُ نَادِيَهُۥ}؛ يَعني: قومَهُ». أخرجه مسلم (٢٧٩٧).

* سورة (العَلَق):

سُمِّيت سورة (العَلَق) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (العَلَق) في أولها؛ قال تعالى: {اْقْرَأْ بِاْسْمِ رَبِّكَ اْلَّذِي خَلَقَ ١ خَلَقَ اْلْإِنسَٰنَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق: 1-2].

* وكذلك تُسمَّى بسورة {اْقْرَأْ}، و{اْقْرَأْ بِاْسْمِ رَبِّكَ}؛ للسبب نفسه.

1. الخَلْقُ والتعليم مُوجِب للشكر (١-٥).

2. انحرافُ صِنْفٍ من البشر عن الشكر (٦-٨).

3. صورة من صُوَر طغيان البشر (٩-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /253).

يقول ابنُ عاشور عن مقاصدها: «تلقينُ مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الكلامَ القرآني وتلاوتَه؛ إذ كان لا يَعرِف التلاوةَ من قبل.
والإيماء إلى أنَّ عِلْمَه بذلك مُيسَّر؛ لأن اللهَ الذي ألهم البشرَ العلمَ بالكتابة قادرٌ على تعليم من يشاءُ ابتداءً.
وإيماء إلى أن أمَّتَه ستَصِير إلى معرفة القراءة والكتابة والعلم.
وتوجيهه إلى النظر في خلقِ الله الموجودات، وخاصةً خَلْقَه الإنسانَ خَلْقًا عجيبًا مستخرَجًا من علَقةٍ، فذلك مبدأ النظر.
وتهديد مَن كذَّب النبيَّ صلى الله عليه وسلم وتعرَّضَ ليصُدَّه عن الصلاة والدعوة إلى الهدى والتقوى.
وإعلام النبي صلى الله عليه وسلم أن اللهَ عالمٌ بأمرِ مَن يناوُونه، وأنه قامِعُهم، وناصرُ رسولِه.
وتثبيت الرسول على ما جاءه من الحقِّ، والصلاة، والتقرب إلى الله.
وألا يعبأ بقوةِ أعدائه؛ لأن قوَّةَ الله تقهرهم». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /434).