تفسير سورة العلق

لطائف الإشارات

تفسير سورة سورة العلق من كتاب تفسير القشيري المعروف بـلطائف الإشارات.
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ

سورة العلق
قوله جل ذكره: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» «بِسْمِ اللَّهِ» كلمة سماعها يوجب أحد أمرين: «إمّا صحوا وإمّا محوا صحوا لمن سمعها بشاهد العلم فيستبصر بواضح برهانه، أو محوا لمن سمعها بشاهد المعرفة لأنه يتحيّر في جلال سلطانه.
قوله جل ذكره:
[سورة العلق (٩٦) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤)
عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥)
هذه السورة من أوّل ما نزل على المصطفى ﷺ لما تعرّض له جبريل فى الهواء، ونزل عليه فقال: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ»
. فالناس كلّهم مريدون وهو ﷺ كان مرادا. فاستقبل الأمر بقوله: «ما أنا بقارئ، فقال له: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، فقال له: اقرأ كما أقول لك اقرأ باسم ربك الذي خلق. أي خلقهم على ما هم به.
«خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ» العلق جمع علقة كشجر وشجرة (والعلقة الدم الجامد فاذا جرى فهو المسفوح).
«اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ» «الْأَكْرَمُ» : أي الكريم.
ويقال: الأكرم من كلّ كريم.
«الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ» علّمهم ما لم يعلموا: الضروريّ، والكسبيّ.

[سورة العلق (٩٦) : الآيات ٦ الى ١٦]

كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠)
أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (١٤) كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥)
ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (١٦)
«١»
أي: يتجاوز جدّه إذا رأى في نفسه أنه استغنى لأنه يعمى عن مواضع افتقاره.
ولم يقل: إن استغنى بل قال: «أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى» فإذا لم يكن معجبا بنفسه، وكان مشاهدا لمحلّ افتقاره- لم يكن طاغيا «٢».
قوله جل ذكره: «إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى»
أي: الرجوع يوم القيامة.
قوله جل ذكره: «أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى» أليس لو لم يفعل هذا كان خيرا له؟ ففى الآية هذا الإضمار.
«أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى» لكان خيرا له؟
«أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى» كذّب بالدّين، وتولّى عن الهداية.
قوله جل ذكره: «أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى» ؟
أي: ما الذي يستحقّه من هذه صفته؟
والتخويف برؤية الله تنبيه على المراقبة- ومن لم يبلغ حال المراقبة لم يرتق منه إلى حال المشاهدة.
قوله جل ذكره: «كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ»
(١) قيل نزلت في أبى جهل حين نهى النبي «ص» عن الصلاة، فأمر الله نبيه أن يصلى في المسجد ويقرأ باسم الرب...
والذين يرون ذلك يرون أن السورة ليست من أوائل ما نزل من القرآن. أو يجوزون أن تكون أوائل السورة كذلك وأن بقيّتها في شأن أبى جهل- أي متأخرة.
روى البخاري عن ابن عباس: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلى عند الكعبة لأطأن على عنقه، فبلغ النبي ذلك فقال: لو فعل لأخذته الملائكة. (البخاري ح ٣ ص ١٤٦). [.....]
(٢) من أشد آفات الطريق خطرا ملاحظة النفس، وناهيك بدعاواها.
لنأخذنّ بناصيته (وهي شعر مقدّم الرأس) أخذ إذلال. ومعناه لنسوّدنّ وجهه.
وقوله: «ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ» بدل من قوله: «لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ» «١»
[سورة العلق (٩٦) : الآيات ١٧ الى ١٩]
فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨) كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩)
فليدع أهل ناديه وأهل مجلسه، وسندعو الزبانية ونأمرهم بإهلاكه.
قوله جل ذكره: أي: اقترب من شهود الربوبية بقلبك، وقف على بساط العبودية بنفسك.
ويقال: فاسجد بنفسك، واقترب بسرّك «٢».
(١) نسبة الكذب والخطيئة إلى الناصية يقصد بها صاحب الناصية كقولهم: نهاره صائم وليله قائم، أي هو صائم في نهاره وقائم في ليله.
(٢) السجود عبادة الظواهر، ولهذا ربطها القشيري بالنفس، فكل ما يتصل بالظاهر يرتبط- عنده- بالنفس، وأمّا الاقتراب «فهو عبادة الباطن المرتبطة بالسرّ.
سورة العلق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (العَلَق) من السُّوَر المكية، وهي أولُ سورةٍ نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بدأت بأمرِ النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة؛ ليُعلِّمَه اللهُ عز وجل هذا الكتابَ، وقد جاءت على ذِكْرِ عظمة الله، وتذكيرِ الإنسان بخَلْقِ الله له من عدمٍ، وخُتمت بتأييد الله للنبي صلى الله عليه وسلم، ونصرِه له، وكفايتِه أعداءَه.

ترتيبها المصحفي
96
نوعها
مكية
ألفاظها
72
ترتيب نزولها
1
العد المدني الأول
20
العد المدني الأخير
20
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
18

* قوله تعالى: {كَلَّآ إِنَّ اْلْإِنسَٰنَ لَيَطْغَىٰٓ ٦ أَن رَّءَاهُ اْسْتَغْنَىٰٓ ٧ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ اْلرُّجْعَىٰٓ ٨ أَرَءَيْتَ اْلَّذِي يَنْهَىٰ ٩ عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰٓ ١٠ أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَى اْلْهُدَىٰٓ ١١ أَوْ أَمَرَ بِاْلتَّقْوَىٰٓ ١٢ أَرَءَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰٓ ١٣ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اْللَّهَ يَرَىٰ ١٤ كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعَۢا بِاْلنَّاصِيَةِ ١٥ نَاصِيَةٖ كَٰذِبَةٍ خَاطِئَةٖ ١٦ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُۥ ١٧ سَنَدْعُ اْلزَّبَانِيَةَ ١٨ كَلَّا لَا تُطِعْهُ} [العلق: 13-19]:

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: «قال أبو جهلٍ: هل يُعفِّرُ مُحمَّدٌ وجهَه بَيْنَ أظهُرِكم؟ قال: فقيل: نَعم، فقال: واللَّاتِ والعُزَّى، لَئِنْ رأَيْتُه يَفعَلُ ذلك، لَأَطأنَّ على رقَبتِه، أو لَأُعفِّرَنَّ وجهَه في التُّرابِ، قال: فأتى رسولَ اللهِ ﷺ وهو يُصلِّي، زعَمَ لِيطأَ على رقَبتِه، قال: فما فَجِئَهم منه إلا وهو يَنكِصُ على عَقِبَيهِ، ويَتَّقي بيدَيهِ، قال: فقيل له: ما لكَ؟ فقال: إنَّ بَيْني وبَيْنَه لَخَنْدقًا مِن نارٍ، وهَوْلًا، وأجنحةً، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «لو دنَا منِّي، لَاختطَفَتْهُ الملائكةُ عضوًا عضوًا»، قال: فأنزَلَ اللهُ عز وجل - لا ندري في حديثِ أبي هُرَيرةَ، أو شيءٌ بلَغَه -: {كَلَّآ إِنَّ اْلْإِنسَٰنَ لَيَطْغَىٰٓ ٦ أَن رَّءَاهُ اْسْتَغْنَىٰٓ ٧ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ اْلرُّجْعَىٰٓ ٨}؛ يَعني: أبا جهلٍ، {أَرَءَيْتَ اْلَّذِي يَنْهَىٰ ٩ عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰٓ ١٠ أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَى اْلْهُدَىٰٓ ١١ أَوْ أَمَرَ بِاْلتَّقْوَىٰٓ ١٢ أَرَءَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰٓ ١٣ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اْللَّهَ يَرَىٰ ١٤ كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعَۢا بِاْلنَّاصِيَةِ ١٥ نَاصِيَةٖ كَٰذِبَةٍ خَاطِئَةٖ ١٦ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُۥ ١٧ سَنَدْعُ اْلزَّبَانِيَةَ ١٨ كَلَّا لَا تُطِعْهُ} [العلق: 13-19]». زاد عُبَيدُ اللهِ في حديثِه قال: «وأمَرَه بما أمَرَه به». وزادَ ابنُ عبدِ الأعلى: «{فَلْيَدْعُ نَادِيَهُۥ}؛ يَعني: قومَهُ». أخرجه مسلم (٢٧٩٧).

* سورة (العَلَق):

سُمِّيت سورة (العَلَق) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (العَلَق) في أولها؛ قال تعالى: {اْقْرَأْ بِاْسْمِ رَبِّكَ اْلَّذِي خَلَقَ ١ خَلَقَ اْلْإِنسَٰنَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق: 1-2].

* وكذلك تُسمَّى بسورة {اْقْرَأْ}، و{اْقْرَأْ بِاْسْمِ رَبِّكَ}؛ للسبب نفسه.

1. الخَلْقُ والتعليم مُوجِب للشكر (١-٥).

2. انحرافُ صِنْفٍ من البشر عن الشكر (٦-٨).

3. صورة من صُوَر طغيان البشر (٩-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /253).

يقول ابنُ عاشور عن مقاصدها: «تلقينُ مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الكلامَ القرآني وتلاوتَه؛ إذ كان لا يَعرِف التلاوةَ من قبل.
والإيماء إلى أنَّ عِلْمَه بذلك مُيسَّر؛ لأن اللهَ الذي ألهم البشرَ العلمَ بالكتابة قادرٌ على تعليم من يشاءُ ابتداءً.
وإيماء إلى أن أمَّتَه ستَصِير إلى معرفة القراءة والكتابة والعلم.
وتوجيهه إلى النظر في خلقِ الله الموجودات، وخاصةً خَلْقَه الإنسانَ خَلْقًا عجيبًا مستخرَجًا من علَقةٍ، فذلك مبدأ النظر.
وتهديد مَن كذَّب النبيَّ صلى الله عليه وسلم وتعرَّضَ ليصُدَّه عن الصلاة والدعوة إلى الهدى والتقوى.
وإعلام النبي صلى الله عليه وسلم أن اللهَ عالمٌ بأمرِ مَن يناوُونه، وأنه قامِعُهم، وناصرُ رسولِه.
وتثبيت الرسول على ما جاءه من الحقِّ، والصلاة، والتقرب إلى الله.
وألا يعبأ بقوةِ أعدائه؛ لأن قوَّةَ الله تقهرهم». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /434).