سورة الأعراف مكية٢
٢ قال في التبصرة: ٢٠٢، سورة الأعراف مكية... قال قتادة: قوله تعالى: ﴿واسألهم عن القرية﴾[١٦٣]، نزلت بالمدينة. وأورد نفس الكلام في: الكشف ١/٤٦٠، انتهى قوله.
وقيل: إلى قوله: ﴿إذ نتقنا الجبل...﴾[١٧١]. وقيل: إلى قوله: ﴿وإذ أخذ ربك من بني آدم..﴾[١٧٢]. وقيل: مكية كلها. انظر البحر المحيط ٤/٢٦٦، والبرهان ١/٢٠٠، وبصائر ذوي التمييز١/٢٠٣، ومصاعد النظر: ٢/١٢٨، والإتقان ١/٣٩..
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأعراف مكيةقوله: ﴿المص﴾.
قال الكسائي المعنى: هذا كتاب أنزل إليك.
ويلزم الفراء أن يكون بعد هذه الحروف - أبداً - كتاب وليس الأمر كذلك، ويلزمه ألاّ تكرر.
وقال ابن عباس معناه: أنا الله الملك الصادق.
وعنه معناه: أنا الله أفصِلُ.
وعن قتادة: هو اسم من أسماء القرآن.
قوله: ﴿وذكرى﴾.
في موضع رفع على العطف على: ﴿كِتَابٌ﴾ عند الكسائي.
و ﴿كِتَابٌ﴾ مرفوع بإضمار مبتدأ، أي: هذا كتاب.
وقيل: هو في موضع نصب على العطف على المعنى؛ لأن المعنى: كتاب أنزلناه إليك، فعطف على " الهاء " المقدرة، وهو قول الكسائي أيضاً.
وقيل: نصبه على المصدر، وهو قول البصريين أيضاً.
وقيل: هو في موضع خفض على العطف، على معنى ﴿لِتُنذِرَ﴾؛ لأن معناه للإنذار وللذكرى.
و" الهاء " في: ﴿مِّنْهُ﴾، تعود على الكتاب.
وقيل: على التكذيب الذي دلَّ عليه المعنى.
و ﴿لِتُنذِرَ بِهِ﴾، يراد به التقديم؛ أن " اللام " متعلقة بـ: ﴿أُنزِلَ﴾.
ومعنى الآية: هذا يا محمد، كتاب أنزلناه إليك، ﴿لِتُنذِرَ بِهِ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، أي: يذكرون به الآخرة، فلا يكن في صدرك ضيق منه.
وذكر الزجاج، وغيره: أن النبي، ﷺ، قال: " إني أخاف أن يثلغوا رأسي
فالله أعلم نبيه، ﷺ، أنه في أمان منهم، فقال: ﴿والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس﴾ [المائدة: ٦٧].
وكان منه هذا الخوف بمكة.
ومن رفع " الكتاب " بإضمار مبتدأ، أجاز الوقف على ﴿المص﴾.
ومن رفعه بـ: ﴿المص﴾، لم يقف عليها.
قوله: ﴿اتبعوا مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ الآية.
فمعنى الآية: قل، يا محمد، [لهم]: ﴿اتبعوا مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ﴾، وهو القرآن.
﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ﴾، أي: أمر أولياء يأمرونكم بالكفر.
و" الهاء " في ﴿دُونِهِ﴾ للرب.
وقيل: ل ﴿مَّا﴾.
ونصب قوله: ﴿قَلِيلاً﴾، على معنى يذكركم تذكيراً قليلاً، أو وقتاً قليلاً تذكركم.
قوله: ﴿وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا﴾ الآية.
﴿كَم﴾ في موضع رفع بالابتداء. ويجوز أن تكون في موضع نصب، بإضمار فعل يفسره: ﴿أَهْلَكْنَاهَا﴾، ولا يقدر إلا بعدها، وهو بمنزلة: أيّهم ضربته.
ومعنى الآية: أنها تحذير للكافرين، أن ينزل بهم من البأس، ما نزل بمن كان قبلهم بتكذيبهم.
ومعنى الكلام: أنه إخبار عن إهلاك القرى، والمراد أهلها؛ لأن القرى إنّما هي/
وقيل المعنى: وكم من أهل قرية.
وقوله: ﴿أَهْلَكْنَاهَا﴾، ثم قال: ﴿جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ﴾ [الأعراف: ٥]، إنما معناه أردنا إهلاكها، فجاءها البأس.
وقيل: إن الهلاك هو البأس بعينه، ففي كل واحد معنى الآخر، وسواء بدأ بالبأس أو بالهلاك، وهو كقولك: " زرتني فأكرمتني "، إذا كانت " الزيارة " هي " الكرامة "، فسواء عليك ما قدمت أو أخرت.
وقيل: الفاء هنا بمعنى الواو فلا يلزم الترتيب.
و ﴿أَوْ﴾ هنا للإباحة.
وكان يجب أن يقول: أَوْ وهم قائلون، إلا أنه إذا كان في الجملة عائد لم يُحْتَج
وقد قال الفراء: " الواو " محذوفة.
وقال غيره: حذفت " الواو " لئلا تجمع بين حرفي العطف، وهي: " واو الوقت " عند بعض النحويين.
ولو جعل مكان ﴿أَوْ﴾ " الواو " لفسد المعنى؛ لأنه يصير المعنى: أن البأس جاءهم في الليل، وهم قائلون، وهذا لا يمكن؛ لأن القائلة إنما هي نصف النهار، والبيات فعل في الليل.
المعنى: فما كان دعوى أهل القرية التي جاءها البأس إلا اعترافهم على أنفسهم بأنهم كانوا ظالمين.
و" الدَّعْوَى " في كلام العرب، على وجهين.
تكون: " الدُّعَاء "، تقول:
" اللَّهُمَّ أَشْرِكْنَا فِي صَالِحِ دَعْوىَ مَنْ دعاك، قال الله: ﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ﴾، أي: دعاؤهم. وقال: ﴿فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ﴾ [الأنبياء: ١٥]، أي:
والوجه الآخر: الإدعاء للحق.
و ﴿دَعْوَاهُمْ﴾ هنا، إنما قالوه حين عاينوا البأس، لا قبله ولا بعده. وذلك أن الرسل كانت تعدهم بالسطوة من الله وتخبرهم بأمارة ذلك وعلامته ليزدجروا، فلما عاينوا علامات ما أوعدوا به، أقروا بالظلم على أنفسهم.
قوله: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ﴾ الآية.
المعنى: فلنسألن الأمم الذين أرسلت إليهم رسلي: ماذا عملت فيما بلغتها الرسل من أمري ونهيي؟ [﴿وَلَنَسْأَلَنَّ المرسلين﴾، أي]: ولنسألن الرسل: هل
فسؤال الأمم سؤال توبيخ وتقرير، وهو عالم بما عملت، (وسؤال الرسل) سؤال تحقيق على الأمم؛ لأن الأمم قالت: ﴿مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ﴾ [المائدة: ١٩] فأخبرت الرسل عند السؤال أنها قد بلغت، وأن الأمم التي أنكرت كاذبة في قولها.
فسؤال الرسل، إنما هو على وجه الاستشهاد على الأمم. وسؤال [الأُمَمِ] المرسل إليهم على وجه التقرير بما عملوا، لا أنه تعالى يسأل مسترشداً مستثبتاً؛ لأن هذا صفة من لا علم عنده، بل هو لا إله إلا الله، عالم بتبليغ الرسل، وبما أجابتهم به الأمم.
وهذا يدل على أن الكفار يحاسبون ويسألون.
والمعنى: فلنخبرنَّ الرسل والمرسل إليهم بعلم يقين عما عملوا في الدنيا.
قال ابن عباس معنى ﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ﴾: أنه ينطق عليهم كتاب عملهم.
﴿وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ﴾.
أي: عن أعمالكم وأفعالكم.
قوله: ﴿والوزن يَوْمَئِذٍ الحق [فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ]﴾ الآية.
والمعنى: ووزن الأعمال يومئذ الحق.
﴿فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾.
أي: من كثرت حسناته. قاله مجاهد.
قال عبيد بن عمير: يجعل الرجل العظيم الطويل/ في الميزان، فلا يزن جناح بعوضة.
ووزن الأعمال في الميزان، هو نظير إثباتُ الله إياها في أُمِ الكتاب، واستنساخه ذلك في الكتب من غير حاجة إلى ذلك، وهو العالم بكل ذلك، وإنما فعل ذلك تعالى، ليكون
قال تعالى: ﴿هذا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجاثية: ٢٩]، فكذلك وزن أعمال العباد حجة عليهم، ليعلموا التضييع الذي فعلوا، أو يفهموه عن قرب على ما عملوا.
فأما وزن الأعمال وهي أعراض، فإنما يحدث الله خفة في جانب السيئات، وثقلاً في جانب الحسنات، على ما يشاء لمن أراد، كل ذلك احتجاج منه على خلقه، وتقريع لهم بما عملوا، وهذا مثل استنطاق أيديهم وأرجلهم بما عملوا في الدنيا، حجة منه عليهم، وقد تظاهرت الأخبار بذلك عن النبي ﷺ.
أي: من خفت موازين أعماله الصالحة، فلم تثقل بالتوحيد لله، والإيمان برسوله.
﴿فأولئك الذين خسروا أَنْفُسَهُم﴾.
أي: غبنوا أنفسهم حظوظها من الثواب.
﴿بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ﴾.
الظلم هنا: الجحود لآيات الله.
قال سلمان الفارسي: يوضع الميزان يوم القيامة، ولو وضع في كفَّته السموات والأرض لوسعتها، فتقول الملائكة: ربنا ما هذا؟ فيقول تعالى: أَزِنُ به لمن شئت من خلقي، فتقول الملائكة: ربنا ما عبدناك حق عبادتك.
وقيل: " الميزان ": الكتاب الذي فيه أعمال الخلق.
والذي جاءت به الآثار أنه " الميزان " المعروف.
﴿يَوْمَئِذٍ الحق﴾، وقف حسن.
قوله: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرض﴾.
لام ﴿لَقَدْ﴾ لام توكيد.
روى خارجة عن نافع أنه قرأ: ﴿مَعَايِشَ﴾، بالمد والهمز،
ومعنى الآية: ولقد جعلنا لكم في الأرض قراراً ومهاداً، وجعلنا لكم فيها ﴿مَعَايِشَ﴾ أي: ما تعيشون به.
وقيل المعنى: وجعلنا (لكم) فيها ما تتوصلون به إلى المعيشة. شكراً قليلاً تشكرون على هذه النعم.
قوله: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ الآية.
قوله: ﴿ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾.
قال الأخفش، وقطرب: ﴿ثُمَّ﴾ هنا بمعنى " الواو ".
ومنع ذلك سائر البصريين. والمعنى عندهم فيه: ولقد ابتدأنا خلق آدم، ثم
وقيل المعنى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ﴾ أيها الناس في ظهر آدم، ﴿ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾، يعني ذريته، في أرحام النساء في صورة آدم.
قاله ابن عباس وغيره.
وقال السدي المعنى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ﴾، أي: خلقنا آدم، ﴿ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ يعني: ذريته في الأرحام.
وأخبر عن خلق آدم بلفظ الجماعة؛ لأنه الأصل/ للجميع، فكأن (خلقه)
والعرب تجعل مخاطبة الرجل لأبائه المعدومين، ومنه قول الله تعالى تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطور﴾ [البقرة: ٦٣]، فالخطاب لمن كان على عهد النبي ﷺ، والمراد به من تقدم من آبائهم. فكذلك هذا الخطاب للمؤمنين، والمراد به الخبر عن أبيهم آدم، صلوات الله عليه. وكذلك قال قتادة.
وقال عكرمة المعنى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ﴾ أيها الناس نطفاً في أصلاب آبائكم، ﴿ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ في الأرحام.
وقال مجاهد المعنى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ﴾ يعني: آدم، ﴿ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ في ظهر آدم.
وقيل المعنى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ﴾ في بطون أمهاتكم، يعنى: النطفة والعلقة، ﴿ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ بعد ذلك في البطون.
قال: لأن بعده: ﴿ثُمَّ قُلْنَا للملائكة اسجدوا لأَدَمَ﴾، ومعلوم أن الله (تعالى) قد أمر الملائكة بالسجود لآدم (عليه السلام)، قبل أن يصور أحداً من ذريته في بطون أمهاتهم.
و ﴿ثُمَّ﴾ للتراخي فيما بين ما بعدها وما قبلها.
وقال بعض أهل النظر: إن في الكلام تقديماً وتأخيراً؛ وإن ترتيبه: ولقد خلقناكم، ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم، ثم صورناكم.
وهذا بعيد عن النحويين؛ لأن " ثم " لا يجوز أن يراد بها التقديم على ما قبلها من الخبر. فقد أنكر هذا القول النحاس، وغيره.
فعل تعالى ذلك بعد خلق آدم (عليه السلام) ابتلاء منه لهم، واختباراً لِتَتِمَّ مشيئته التي تقدمت في إبليس، فيعلم ذلك طاهراً وظهوراً يجب عليه العقاب (لهم] والثواب، فسجد جميعهم إلا إبليس.
وقال ابن عباس: كان إبليس من أشراف الملائكة، وكان خازناً على الجنان، وكان له سلطان سماء الدنيا، وسلطان الأرض، فعصى، فمسخه الله (سبحانه) شيطاناً رجيماً.
قال ابن جريح: ومن يقل من الملائكة إني إله من دونه، لم يقله إلا إبليس
قال قتادة: ﴿وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إني إله [مِّن دُونِهِ]﴾ [الأنبياء: ٢٩]، هذه الآية خاصة لعدو الله إبليس (اللعين) لما قال ما قال، لعنه الله وجعله رجيماً.
قال ابن عباس: لما قتل إبليس الجن الذين عصوا الله ( تعالى) في الأرض، وشردهم، أعجبته نفسه، فلذلك [امتنع] من السجود واستكبر على ربه [سبحانه].
قوله: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ الآية.
و" لا " زائدة مُؤكَّدة.
والمعنى: ما منعك أن تسجد.
وقيل: إن " لا " غير زائدة وإن في الكلام حذفاً. والمعنى: [ما منعك] من السجود وأحوجك ألا تسجد؟ فحذف " أحوجك " لدلالة الكلام عليه. وهو اختيار الطبري.
وقيل المعنى: (إن) المنع هنا بمعنى " القول " و " لا " غير زائدة،
وقيل: إن المنع لما كان معناه الحول بين المرء وبين ما يريده، فالممنوع مضطر إلى خلاف ما منع منه، فلما كان معنى المنع هذا، كان تقدير الكلام: ما اضطرك إلى أن لا تسجد.
وقوله: ﴿قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾.
هذا خبر من الله ( تعالى) عما قال إبليس، إذ قال له الله: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ﴾، فقال إبليس: أنا أفضل منه؛ لأني من نار، وهو من طين، ففضل عليه كفضل النار على الطين. فجهل عدو الله الحق، وأخطأ طريق النظر، إذ كان معلوماً أن من جوهر النار الخفة والطيش والاضطراب، والارتفاع والذي في جوهرها من ذلك هو الذي حمل الملعون بعد الشقاء الذي سبق له من الله ( تعالى) على الاستكبار. وكان معلوماً أن
وقول إبليس: ﴿أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ﴾ ليس بجواب في الظاهر لمن قال: " ما منعك أن تفعل؟ "؛ وإنما هذا جواب من قال: " أيكما خير؟ "؛ ولكنه جواب محمول على المعنى
قوله: ﴿قَالَ فاهبط [مِنْهَا]﴾ الآية.
المعنى: قال الله ( تعالى) لإبليس عندما صنع: ﴿فاهبط مِنْهَا﴾، أي: من الجنة.
﴿فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا﴾.
أي: ليس لك أن تستكبر في الجنة عن أمري وطاعتي. أي: لا يسكن في الجنة من يتكبر عن أمري. فأما غير الجنة فالمستكبر يسكنها، وغيره.
أي: أخرج من الجنة؛ إنك ممن نالهم الصغار، وهو: الذلة والمهانة.
قوله: ﴿قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾، الآيتان.
المعنى: إن إبليس علم ألا موت بعد قيام الساعة، فسأل النظرة إلى ذلك الوقت؛ ليصح له الخلود، وذلك لا سبيل لأحد إليه، فقال له [الله]: ﴿فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين * إلى يَوْمِ الوقت المعلوم﴾ [الحجر: ٣٧ - ٣٨]، وذلك اليوم هو اليوم الذي كتب الله فيه الفناء على جميع الخلائق، فلا يبقى إلا الحي الذي لا يموت.
ولم يجبه الله إلى ما سأل؛ لأنه لم يقل له: ﴿إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ﴾ إلى ما سألت، أو إلى يوم البعث.
قال السدي: سأل إبليس الإنظار إلى يوم يبعثون، فلم ينظر إلى يوم البعث.
قوله: ﴿قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي [لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ]﴾، الآيتان.
المعنى: إن اللعين أقسم ليقعدن لهم، فجعل الإغواء قسماً له، كأنه قال: فبإغوائك إياي، لأقعدن لهم، ثم لأفعلن كذا.
وقيل المعنى: إنه سأل ربه بأي شيء أغواه، قاله ابن عباس. كأنه قال: فبأي شيء أضللتني.
وقيل المعنى: فبما دعوتني إلى شيء ضللت [به] من أجله.
وقيل المعنى: إنه على معنى المجازاة، أي: كما أغويتني أفعل كذا وكذا، وأضلهم كما أضللتني. قال النبي، ﷺ: " إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لابنِ آدَمَ بِطَرِيقِ الإِسْلاَمِ، فقال له: أَتُسْلِمُ وَتَذَرُ دينك ودين آبائك؟ فعصاه وأسلم. ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال له: أتهاجر أرضك وسماءك، وإنما مثل المهاجر كالفرس في الطول؟ فعصاه وهاجر. ثم قعد له بطريق الجهاد، وهو جهاد النفس والمال، فقال: تقاتل فتقتل، فتنكح المرأة، ويقسم المال؟ فعصاه وجاهد ".
قوله: ﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾، الآية.
المعنى: ﴿مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾، من قبل الآخرة فأخبرهم أنه لا بعث، ولا جنة، ولا نار.
﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾: من قبل الدنيا، فأزينها في أعينهم وأخبرهم أنه لا حساب عليهم فيما يعملون.
﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾: من قبل الحق.
﴿وَعَن شَمَآئِلِهِمْ﴾: من قبل الباطل.
قال ابن عباس: ﴿مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾، أشككهم في الآخرة، ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾: أُرغِّبهم في الدينا، ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾: أشبه عليهم في أمر دينهم، ﴿وَعَن شَمَآئِلِهِمْ﴾: أُشَهِّي لهم
وقال السدي وغيره: ﴿مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾، أدعوهم إلى الدنيا وأرغبهم فيها، ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾: أشككهم في الآخرة، ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾: أشككهم في الحق، ﴿وَعَن شَمَآئِلِهِمْ﴾: أخفف البال عندهم.
وقيل: ﴿مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾: من قبل دنياهم، ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾: من قبل آخرتهم، ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾: من قبل حسناتهم، ﴿وَعَن شَمَآئِلِهِمْ﴾: من قبل سيئاتهم، قاله: ابن جريج، وغيره.
وقال مجاهد المعنى: ﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾، ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾ من حيث يبصرون، ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾، ﴿وَعَن شَمَآئِلِهِمْ﴾ من حيث لا يبصرون.
وقيل: ﴿لآتِيَنَّهُمْ﴾، من كل جهة يعملون فيها.
﴿وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ﴾.
كان ذلك ظناً منه، فكان الأمر على ما ظن، وهو قوله: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ﴾ [سبأ: ٢٠].
وقيل المعنى: ﴿مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾، من قبل الدِّين فألبسه عليهم، ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾: من قبل الشهوات، فأحببها إليهم في الدنيا، ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾، من قبل الحق، فأرده باطلاً، ﴿وَعَن شَمَآئِلِهِمْ﴾، من قبل الباطل، فأرده في أعينهم حقاً.
قوله: ﴿قَالَ اخرج مِنْهَا مَذْءُوماً مَّدْحُوراً﴾، الآية.
وروي عن عاصم أنه قرأ " لِمَنْ تَبِعَك " بكسر اللام، والمعنى على هذا: فعل بك ذلك من أجل من تبعك.
ومعنى الآية: أنها خبر من الله، بما قال لإبليس اللعين.
و ﴿مِنْهَا﴾: من الجنة.
و" الذَّأمُ ": العيب. يقال: " ذَأَمَهُ ": إذا عابه، فهو مذءوم.
و" الذَّأْمُ " أبلغ في العيب من الذم، يقال: ذَمَمتُهُ وذِمْتُهُ/ بمعنى واحد.
قال أبو عبيدة: " ذَأَمْتُ الرجل " أشد مبالغة من: " ذَمَمْتهُ " و " المدحور ": المقصى المبعد.
وعن ابن عباس ﴿مَذْءُوماً﴾: ممقوتا.
وقاله السدي.
وقوله: ﴿لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ﴾.
هذا قسم، أقسم الله أن من اتبع إبليس، أن يملأ جهنم منهم، يعني من كفر فاتبعه وصدق ظنه.
قوله: ﴿وَيَآءَادَمُ اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ [الجنة]﴾، الآية.
هذه الآية مذكور معناها في تفسير سورة البقرة، واختلاف الناس في الشجرة.
قوله: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان﴾، الآية.
ومن فتح " اللام " فمعناه: من الملائكة.
والمعنى: فالقى إليهما قولاً حملهاً على ركوب النهي.
ومعنى ﴿لِيُبْدِيَ لَهُمَا﴾،: ليظهر سوآتهما التي هي مستورة، وحلف لهما أني
ومعنى ﴿[وَ] قَاسَمَهُمَآ﴾، حلف لهما، مثل طارقتُ النَّعْلَ وعاقَبْت اللص.
وقال قتادة: حلف لهما بالله، وقال: أنا خُلقت قبلكما، وأنا أعلم منكما، فاتبعاني أرشدكما.
أي: غرهما باليمين التي حلف لهما، وكان آدم، (صلوات الله [عليه])، يظن أنه لا يحلف أحد بالله كاذباً، فغره ذلك.
قال ابن عباس: كانت الشجرة التي نهيا عن أكلها، السنبلة، فلما أكلا بدت سوآتهما، أي: تقلص النور الذي كان يسترهما، فصار أظفاراً في الأيدي والأرجل، وظهرت سوآتهما لهما، فعمدا يلزقان ورق التين بعضها إلى بعض، فانطلق آدم موليّا في الجنة، فأخذت برأسه شجرة من الجنة، فناداه الله: آي آدم أمني تفر؟
قال ابن جبير: حلف لهما بالله حتى خدعهما، وقد يخدع المؤمن بالله.
ومعنى " وسوس ": زين وألقى، وحسس المعصية حتى أكلا.
وقد تقدم ذكر دخول إبليس الجنة في فم الحية، وكانت إذ ذاك دابة لها أربع قوائم، كأنها البعير كاسية، فأعراها الله، وأزال قوائمها عقوبة لها.
ولما حملها على الأكل تقدمت حواء للأكل، وأبى آدم أن يأكل، فأكلت حواء، وقالت: يا آدم كل فإنه لم يضرني فأكل، ف: {بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا
قال مجاهد: يعنى: يرقعانه كهيئة الثوب.
ومعنى (طَفِقَا): جعلا.
وأتت الأخبار عن النبي، عليه السلام، أن الله تعالى خلق آدم يوم الجمعة، ويوم الجمعة خرج من الجنة، وفيه تيب عليه، وفيه قبضه.
وكان مقدار مكث آدم في الجنة خمس/ ساعات.
وقيل: ثلاث ساعات.
وقال ابن عباس: كان مكث آدم نصف يوم من أيام الآخرة، وخرج بين الصلاتين: الظهر والعصر.
قال علي بن أبي طالب، رضي الله عنهـ،: أطيب أرض بالأرض ريحاً الهند، هبط آدم بها،
وقال ابن زيد: أهبط آدم بالهند، وحواء بجدة، فجاء في طلبها حتى أتى " جمعاً " فازدلفت إليه حواء، فلذلك سميت " المزدلفة "، وتعارفا بعرفات، فلذلك سميت " عرفات "، واجتمعا بِجَمْع، فلذلك سميت " جمعاً ".
وأهبطت الحية بأصبهان، وإبليس بميسان.
وقيل بساحل بحر الأُبُلَّة.
ولما أهبط آدم إلى الأرض، أهبط على جبل يسمى: " بوذ "، وكان أطول
وكان أصل الطيب عند جماعة من أهل التفسير: الورق الذي طفق آدم وحواء يخصفانه على أنفسهما نزلا به إلى الدنيا.
وقيل: إنه خرج ومعه صرة من حنطة.
وقيل: إن جبريل أتاه بها حين استطعم، أتاه بسبع حبات فوضعها في يد آدم، فقال آدم: وما هذا؟، فقال له جبريل: هذا الذي أخرجك من الجنة، فعلمه ما يصنع به.
ومعنى ﴿فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ﴾، (أي): خدعهما.
واللام في (قوله): ﴿لِيُبْدِيَ﴾ هي مثل اللام في: ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً﴾؛ لأن إبليس لم يعلم أنهما إن أَكلا من الشجرة ﴿[بَدَتْ لَهُمَا] سَوْءَاتُهُمَا﴾ إنما حملهما على ركوب المعصية لا غير. فكان عاقبة أمرهما لما أكلا ظهور سوءاتهما، فجاز أن يقول: فوسوس لهما ليبدي لهما لما أل أمرهما إلى ظهور سوءاتهما، كان كأنه فعل ذلك
وقال قتادة : حلف لهما بالله، وقال : أنا خُلقت قبلكما، وأنا أعلم منكما، فاتبعاني٤ أرشدكما٥.
٢ العمدة في غريب القرآن ١٣٣، وغريب اليزيدي ١٤٤، ومعاني القرآن للزجاج ٢/٣٢٧، وتفسير القرطبي ٧/١١٦..
٣ في الأصل: رسمهما الناسخ: طارقة النعل وعاقبة اللص، والتصويب من ج، وتفسير القرطبي ١/١٤، وفيه: "... وتقول العرب: طارقت النعل، وعاقبت اللص، وداويت العليل.
وقال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر ٣/١٤٥، منه الحديث، "تطاول عليهم الرب بفضله" أي: تطوَّل (أي: أشرف، كما قال الهروي)، وهو من باب: طارقت النعل، في إطلاقها على الواحد. وينظر إصلاح المنطق لابن السكيت ١٤٤، ١٤٥، "باب: ما أتى على فعّلت وفاعلت بمعنى واحد".
وإيراد مكي هذا القول إيماء منه –رحمه الله- إلى أن صيغة "فاعل" هنا من واحد. قال ابن كثير في تفسيره ٢/٢٠٥: "... وهذا من باب المفاعلة والمراد أحد الطرفين". وينظر المحرر الوجيز ٢/٣٨٥، فابن عطية يرى أن المفاعلة على بابها..
٤ في الأصل: "فاتبعاني" وهو تحريف..
٥ جامع البيان ١٢/٣٥١، وتفسير ابن أبي حاتم ٥/١٤٥١، وتفسير البغوي ٣/٢١٩، وتفسير الخازن ٢/٧٨، وتفسير ابن كثير ٢/٢٠٥، والدر المنثور ٣/٤٣١، بتصرف..
أي : غرهما ١ باليمين التي حلف لهما، وكان آدم، ( صلوات الله [ ٢عليه ] ) ٣، يظن أنه لا يحلف أحد بالله كاذبا، فغره ذلك ٤.
قال ابن عباس : كانت الشجرة التي نهيا ٥ عن أكلها، السنبلة، فلما أكلا بدت ٦ سوآتهما ٧، أي : تقلص النور الذي كان يسترهما، فصار أظفارا في الأيدي والأرجل، وظهرت سوآتهما لهما ٨، فعمدا يلزقان ٩ ورق ١٠ التين بعضهما ١١ إلى بعض، فانطلق آدم موليا في الجنة، فأخذت برأسه شجرة من الجنة ١٢، فناداه الله : أي آدم أمني تفر ؟ فقال : لا، ولكني ١٣ استحييت منك يا رب ! فقال : أما ١٤ كان لك فيما منحتك من الجنة مندوحة عما حرمت عليك ؟ قال : بلى يا رب، ولكن وعزتك ما حسبت أن أحدا يحلف ١٥ بك كاذبا ١٦.
قال ابن جبير ١٧ : حلف لهما بالله حتى خدعهما، وقد يخدع المؤمن بالله ١٨.
ومعنى " وسوس " : زين وألقى، وحسس المعصية حتى أكلا ١٩.
وقد تقدم ذكر دخول إبليس الجنة في فم الحية، وكانت إذ ذاك دابة لها أربع قوائم، كأنها البعير كاسية، فأعراها الله، وأزال قوائمها عقوبة لها ٢٠.
و " اللام " في ﴿ ليبدي ٢١ ﴾ : لام العاقبة ٢٢، بمنزلة :﴿ فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ﴾ ٢٣.
ولما حملها على الأكل تقدمت حواء للأكل ٢٤، وأبى آدم أن يأكل، فأكلت حواء، وقالت : يا آدم كل فإنه لم يضرني فأكل، ف :﴿ بدت لهما سوءاتهما ٢٥ وطفقا ٢٦ يخصفان عليهما من ورق الجنة ﴾.
قال مجاهد : يعني : يرقعانه ٢٧ كهيئة الثوب ٢٨.
ومعنى ( طفقا ) : جعلا ٢٩.
وأتت الأخبار عن النبي عليه السلام : أن الله تعالى خلق آدم يوم الجمعة، ويوم الجمعة خرج من الجنة، وفيه تيب عليه، وفيه قبضه ٣٠.
وكان مقدار مكث آدم في الجنة خمس / ساعات ٣١.
وقيل : ثلاث ساعات.
وقال ابن عباس : كان مكث آدم نصف يوم من أيام الآخرة، وخرج بين الصلاتين : الظهر والعصر ٣٢.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أطيب أرض بالأرض ريحا ٣٣ الهند، هبط بها آدم، فعلق ٣٤ شجرها من ريح الجنة ٣٥.
وقال ابن زيد ٣٦ : أهبط آدم بالهند، وحواء بجدة ٣٧، فجاء في طلبها حتى أتى " جمعا " ٣٨ فازدلفت ٣٩ إليه حواء، فلذلك سميت " المزدلفة "، وتعارفا بعرفات، فلذلك سميت " عرفات "، واجتمعا بجمع، فلذلك سميت ٤٠ " جمعا ".
وأهبطت الحية بأصبهان ٤١، وإبليس بميسان ٤٢.
وقيل بساحل بحر الأبُلَّة ٤٣.
ولما أهبط آدم إلى الأرض، أهبط على ٤٤ جبل يسمى : " بوذ " وكان ٤٥ أطول جبال الأرض، فكان آدم عليه السلام، رجلاه على الجبل ورأسه في السماء، فكان يسمع تسبيح الملائكة ودعاءهم ٤٦، وكان ( آدم ) ٤٧ يأنس لذلك ٤٨، فهابته الملائكة، فخفضه الله إلى الأرض إلى ستين ذراعا فاستوحش، فشكا إلى الله في دعائه، فوجه إلى مكة فأنزل الله ياقوتة من الجنة، فكانت في موضع البيت فلم يزل يطاف بها ٤٩ حتى نزل الطوفان، فرفعت حتى بعث الله إبراهيم، فبناه.
وكان أصل الطيب ٥٠ عند جماعة من أهل التفسير : الورق ٥١ الذي طفق آدم وحواء يخصفانه على أنفسهما نزلا به إلى الدنيا ٥٢.
وقيل : إنه خرج ومعه صرة من حنطة.
وقيل : إن جبريل أتاه بها حين استطعم، أتاه بسبع حبات فوضعها في يد آدم، فقال آدم : وما هذا ؟ فقال له جبريل : هذا الذي أخرجك من الجنة، فعلمه ما يصنع به ٥٣.
قال سعيد بن جبير : أهبط إلى آدم ثور أحمر، ( فكان ) ٥٤ يحرث عليه، ويمسح العرق ٥٥، وهو قوله :﴿ فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ﴾ ٥٦.
ومعنى ﴿ فدلهما بغرور ﴾، ( أي ) ٥٧ : خدعهما ٥٨.
واللام في ( قوله ) ٥٩ :﴿ ليبدي ﴾ هي مثل اللام ٦٠ في :﴿ ليكون لهم عدوا وحزنا ﴾ ؛ لأن إبليس لم يعلم أنهما إن أكلا من الشجرة ﴿ [ بدت لهما ٦١ ] سوءاتهما ﴾ إنما حملهما على ركوب المعصية لا غير. فكان عاقبة أمرهما ٦٢ لما أكلا ٦٣ ظهور سوءاتهما فجاز أن يقول : فوسوس لهما ليبدي لهما لما ٦٤ آل أمرهما إلى ظهور سواءتهما، كان كأنه فعل ذلك بهما لتظهر سوءاتهما ٦٥.
٢ زيادة يقتضيها السياق..
٣ ما بين الهلالين ساقط من ج..
٤ هذا التفسير منسوب إلى ابن عباس في زاد المسير ٣/١٨٠، وتفسير القرطبي ٧/١١٦، وورد غير منسوب في التسهيل ٢/٣٠..
٥ في الأصل: نهنا، وهو تحريف..
٦ في الأصل: بدات، وهو تحريف..
٧ في الأصل: سووءاتهما. انظر ما سلف قريبا..
٨ في ج، وظهرت لهما سوأتهما..
٩ لزق به، كسمع، لزوقا، والتزق به: لصق. القاموس/لزق..
١٠ في الأصل: وورق، وهو تحريف..
١١ في ج: بعضا..
١٢ في الأصل: من في الجنة، ولا وجه له..
١٣ في ج: ولكن..
١٤ في الأصل: ما كان، وهو تحريف، وصوابه من ج، وجامع البيان ١٢/٣٥٣..
١٥ في الأصل: يخلف، وهو تصحيف..
١٦ انظره بتمامه: في جامع البيان ١٢/٣٥٢، ٣٥٣، وتفسير ابن كثير ٢/٢٠٦..
١٧ في الأصل: "ابن جبين"، وهو تحريف.
وهو سعيد بن جبير الأسدي مولاهم، أبو عبد الله، الكوفي ثقة ثبت فقيه، روى له الستة. استشهد سنة ٩٥هـ. انظر معرفة القراء الكبار ١/٦٨، وتقريب التهذيب ١٧٤، وطبقات الداوودي ١/١٨٨..
١٨ هذا الأثر منسوب إلى قتادة في جامع البيان ١٢/٣٥١، وتفسير ابن حاتم ٥/٤٥١، وتفسير الرازي ٧/٥٢، وتفسير القرطبي ٧/١١٦، وتفسير الخازن ٢/٧٨، والدر المنثور ٣/٤٣١. ولم أقف على من نسبه إلى ابن جبير فيما تيسر لي من مصادر..
١٩ هنا إيجاز يوضح بما في جامع البيان ١٢/٣٤٦..
٢٠ انظر: الأثر بتمامه معزوا إلى وهب بن منبه في تفسير سورتي الفاتحة والبقرة. وهو من الإسرائيليات التي ينبغي أن تصان منها كتب التفسير.
قال الرازي في تفسيره ٧/٤٩: "... والذي يقوله بعض الناس من أن إبليس دخل في جوف الحية، ودخلت الحية في الجنة فتلك القصة الركيكة مشهورة".
وقال ابن كثير ١/٨٠: "..... وقد ذكر المفسرون من السلف كالسدي بأسانيده، وأبي العالية، ووهب بن منبه، وغيرهم، هاهنا أخبارا إسرائيلية عن قصة الحية وإبليس وكيف جرى من دخول إبليس إلى الجنة ووسوسته....". انظر: الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير ١٧٨، ١٧٩..
٢١ في ج: (ليبدي لهما)..
٢٢ قال الرازي في تفسيره ٧/٤٩ "... وذلك لأن الشيطان لم يقصد بالوسوسة ظهور عورتهما، ولم يعلم أنهما إن أكلا من الشجرة بدت عورتهما، وإنما كان قصده أن يحملهما على المعصية فقط".
والكوفيون يسمون هذه اللام: لام الصيرورة، ويسميها البصريون: لام العاقبة، وتسمى: لام المآل أيضا. وهي الدالة على أن ما بعدها نتيجة غير مقصودة لما بعدها. انظر: كتاب اللامات للزجاجي ١١٩، والبيان في غريب القرآن ١/٢٢٨، ومغني اللبيب ٢٨٢، واللامات لعبد الهادي الفضيلي ٩٦.
قال ابن عطية في محرره ٢/٨٤: "ويمكن أن تكون لام كي على بابها بحسب قصد إبليس إلى حط مرتبتها..."..
٢٣ القصص: ٧.
قال أبو القاسم الزجاجي في اللامات ١١٩: "وهم لم يلتقطوه لذلك، إنما التقطوه ليكون لهما فرحا وسرورا، فلما كان عاقبة أمره إلى أن صار لهم عدوا وحزنا، جاز أن يقال ذلك، فدلت اللام على عاقبة الأمر، والعرب قد تسمي الشيء عاقبته.."..
٢٤ للأكل: لحق في ج..
٢٥ انظر: ما مضى في كيفية رسمها في الأصل..
٢٦ في الأصل: فطفقا، وهو تحريف ناسخ..
٢٧ في الأصل: يرفعانه، وهو تصحيف..
٢٨ تفسير مجاهد ٣٣٤، وتفسير هود بن محكم الهواري ٢/١١، وجامع البيان ١٢/٣٥٣، والدر المنثور ٣/٤٣٢، وفتح القدير ٢/٢٢٦..
٢٩ العمدة في غريب القرآن ١٣٣. وانظر: تفسير المشكل ١٧٠، وتفسير غريب ابن قتيبة ١٦٦ جامع البيان ١٢/٣٥٢، المحرر الوجيز ٢/٣٨٦..
٣٠ أخرجه مالك ١/١٠٠ بأطول من هذا، عن أبي هريرة، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته ١/٦٢٩ رقم ٣٣٣٤، وبقية مصادر تخريجه هناك..
٣١ انظر: زاد المسير ١/٦٩، وتفسير ابن كثير ١/٨٠..
٣٢ هذا جزء من أثر طويل أخرجه ابن سعد عن ابن عباس، وتمامه في الدر المنثور ١/١٣٩، ١٤٠. وانظر: تفسير ابن كثير ١/٨٠..
٣٣ في ج: رائحة..
٣٤ علق به، بالكسر، علوقا، أي: تعلق. المختار/علق..
٣٥ الدر المنثور ١/١٣٥..
٣٦ عبد الرحمن بن زيد: مترجم في: تقريب التهذيب، وطبقات الداوودي-انظر: ص٦٤..
٣٧ جدة: بضم أولها، ساحل مكة. معجم ما استعجم ٢/٣٧١..
٣٨ جمع: بفتح أوله، وإسكان ثانيه: اسم للمزدلفة، سميت بذلك للجمع بين صلاتي المغرب والعشاء فيها. معجم ما استعجم ٢/٣٩٢..
٣٩ في ج: فأزلفت. وزلف إليه، وازدلف وتزلف: دنا منه اللسان/زلف..
٤٠ في ج: سمي..
٤١ أصبهان: بفتح الهمزة وكسرها، والفتح أكثر، وهي مدينة مشهورة بفارس. معجم البلدان ٢/٢٠٦..
٤٢ في الأصل: بمسيار، وهو تحريف. وميسان بفتح أوله، وبالسين المهملة، موضع من أرض البصرة، معجم ما استعجم ٤/١٢٨٣..
٤٣ الأبلة: بضم أوله وثانيه وتشديد اللام، وهي بلدة على شاطئ دجلة البصرة. انظر: معجم البلدان ١/٧٦، ٧٧..
٤٤ في ج: إلى..
٤٥ في الأصل: بزد، وهو تحريف، صوابه عند السهيلي في التعريف والإعلام فيما أبهم في القرآن من الأسماء الأعلام ٥٨، والبلنسي في تفسير مبهمات القرآن ١/١٣٣.
وفي ج: بور، فوقها صاد صغيرة، وفي الهامش: بوذ بفتح الواو. وفي معجم البلدان ٥/٣١٠: نوذ، بالفتح ثم السكون، وذال معجمة: جبل بسرنديب عنده مهبط آدم، عليه السلام..."..
٤٦ في الأصل: دعاهم، وهو تحريف..
٤٧ ما بين الهلالين ساقط من ج..
٤٨ في ج: يأنس بذلك. وأنست به، واستأنست به، وأنست إليه واستأنست إليه. أساس البلاغة / أنس. وهو من باب "علم"، وفي لغة من باب "ضرب"، المصباح / أنس..
٤٩ في الأصل: يطاف به، وأثبت ما في ج..
٥٠ في الأصل: للطيب، وهو تحريف..
٥١ في الأصل: الورد، وهو تحريف..
٥٢ انظر: تفسير ابن كثير ١/٨٠..
٥٣ الآثار السالف ذكرها في شأن تحديد أماكن هبوط آدم وحواء والحية وإبليس، بأسانيد تثبت، قال ابن كثير، رحمه الله، في تفسيره ٢/٢٠٦، ٢٠٧: "وقد ذكر المفسرون الأماكن التي هبط فيها كل منهم، ويرجع حاصل تلك الأخبار إلى الإسرائيليات، والله أعلم بصحتها، ولو كان في تعيين تلك البقاع فائدة تعود على المكلفين في أمر دينهم أو دنياهم لذكرها الله تعالى في كتابه، أو رسوله صلى الله عليه وسلم"..
٥٤ ما بين الهلالين ساقط من ج..
٥٥ تفسير البغوي ٥/٢٩٨، وزاد المسير ٥/٣٢٨، وتفسير القرطبي ٦/١٦٨..
٥٦ طه: آية ١١٤..
٥٧ ما بين الهلالين ساقط من ج..
٥٨ جامع البيان ١٢/٥١، وزاد: "يقال منه: "ما زال فلان يدلي فلانا بغرور"، بمعنى: مازال يخدعه بغرور، ويكلمه بزخرف من القول باطل"، وتفسير البغوي ٣/٢٠، وتفسير الخازن ٢/٧٨..
٥٩ ما بين الهلالين ساقط من ج..
٦٠ لام العاقبة، انظر: ما سلف قريبا..
٦١ من ج..
٦٢ في ج: فكان عاقبتهما أنهما..
٦٣ "لما أكلا" غير واضحة في ج..
٦٤ كذا في الأصل. وفي ج: عبثت بها الأرضة. ولم أستطع قراءتها قراءة يسلم بها الكلام من الاضطراب..
٦٥ قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٢/٣٢٧، ٣٢٨: "وفي هذه الآية دليل على أن أمر التكشف، وإظهار السوءة قبيح من لدن آدم، ألا ترى أنه ذكر عظم شأنها في المعصية فقال: ﴿فوسوس لما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما﴾، وأنهما بادرا يستتران لقبح التكشف". وأورد كلام الزجاج أعلاه، بعض المفسرين دون ذكر مصدره، فمنهم من نقله بنصه، ومنهم من تصرف فيه. انظر: الكشاف ٢/٩١، وزاد المسير ٣/١٨٠، وتفسير الرازي ٧/٥٠، وتفسير القرطبي ٧/١١٧..
قوله: ﴿قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا﴾ الآية.
المعنى: قال آدم وحواء: ربنا قد ظلمنا أنفسنا، أي: تعدينا أمرك فأكلنا ما نهيتنا عنه ﴿وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا﴾ خطيئتنا وتسترها علينا، ﴿وَتَرْحَمْنَا﴾ أي: تعطف علينا ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين﴾.
قوله: ﴿قَالَ اهبطوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ الآية.
هذا أمر لآدم، وحواء، وإبليس، والحية.
وقيل: هو لآدم وذريته وإبليس وذريته، قاله مجاهد.
أي: قرار تستقرون به.
قال ابن عباس: هو القبور.
(ومعنى): ﴿وَمَتَاعٌ إلى حِينٍ﴾، أي: متاع تستمتعون به إلى انقطاع آجالكم.
قوله: ﴿قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ﴾ (الآية).
المعنى: إنه تعالى أعلم من أهبط، أن في الأرض يحيون ما بقي من أعمارهم، ﴿وَفِيهَا تَمُوتُونَ﴾، ومنها يخرجون في البعث.
قوله: ﴿يابنيءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً﴾ الآية.
قوله: ﴿قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً﴾، واللباس هو: الثياب، وهي/ غير منزلة، لكن لما كان حدوث الثياب من الكتان والقطن، والكتان والقطن إنما يكونان عن النبات بالماء، فالماء (هو) المنزل، فسمى ما يحدث عنه منزلاً أيضاً؛ لأنه عنه كان، وبه تم، ونما ونبت، وهذا يسمى: " التدريج ": لأن الثياب عن الماء اندرجت.
من نصب " لباساً " عطفه على ما قبله، أي: وأنزلنا لباس التقوى، ويكون الوقف على ﴿التقوى﴾، و: ﴿ذلك﴾: مبتدأ، و: ﴿خَيْرٌ﴾ خبره.
و: ﴿ذلك﴾ إشارة إلى ما تقدم مما أخبر أنه أنزل، فمعناه: ذلك الذي أنزلنا خير من كشف العورة والتجرد في الطواف.
ومن قرأ بالرفع، جعله مبتدأ، و: ﴿ذلك﴾ نعت له، و: ﴿خَيْرٌ﴾ خبر الابتداء.
قال المبرد: من قرأ بالنصب، احتمل أن يكون ﴿ذلك﴾ إشارة إلى اللباس خاصة، وأن يكون إشارة إلى ما تقدم، ويكون في الوجهين في موضوع رفع.
ومعنى الآية: إن العرب كانت تتعرى في الطواف اتباعاً لأمر الشيطان في سلبهم من ستر الله تعالى.
ويعني بقوله: ﴿أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً﴾، أي خلقناه لكم وعلمناكم كيف تعملونه،
﴿يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ﴾.
(أي): يستر عوراتكم.
وسميت العورة " سوأة "؛ لأن صاحبها يسوءه انكشافها من جسده.
وقوله: ﴿وَرِيشاً﴾.
قرأ المفضل عن عاصم، والحسن [وحسين] الجعفي عن أبي عمرو:
قال الفراء: الرياش: جمع ريش، كذِئْب وذِئَاب، وبِئْر وبِئَار.
ويجوز أن يكون [رياش ك:] " ريش " كما يقال: لِبْسٌ ولِبَاس فيكونان مصدرين كاللِّبس واللِّباس.
و: " الريش " و: " الرياش ": ما ظهر من اللباس والشارة.
وقيل: الرياش: الأثاث.
وقيل: الرياش: المعاش.
وقال مجاهد: " الرياش "، المال.
وقال ابن زيد: " الرياش ": الجمال.
وقال الضحاك: " الرياش " المال. وقد (روي) عن ابن عباس ذلك.
فقال قتادة، والسدي، وابن جريج: هو الإيمان.
وقيل: هو الحياء.
وقال ابن عباس: هو العمل الصالح.
وعن ابن عباس أيضاً: هو السَّمت الحسن في الوجه.
وكذلك روي عن عثمان، رضي الله عنهـ، أنه فسرها على المنبر كذلك.
وقال ابن زيد: هو ستر العورة.
وقيل هو: لبس الصوف، والخشن من الثياب، مما يتواضع به لله، ( تعالى).
وقيل: هو استشعار النفوس تقوى الله ( تعالى) في ما أمر به، ونهى
وهو اختيار الطبري.
وقال يحيى بن يحيى: ﴿وَلِبَاسُ التقوى﴾: الخشوع، والوقار، وحسن الَسّمْت، مع العمل بما يشبه ذلك، رواه عنه ابن حبيب.
واختار المبرد، والطبري قراءة النصب؛ لأنه كله توبيخ للمشركين في تعريهم وكشفهم سوآتهم طاعة منهم لإبليس، ليفعل بهم ما فعل بأبيهم آدم
ودل على ذلك ما بعده، من قوله: ﴿يابنيءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان﴾ [الأعراف: ٢٧] الآية، وما بعدها من الآيات.
وقوله: ﴿ذلك مِنْ آيَاتِ الله﴾.
أي: ذلك الذي أنزلته عليكم، من مصالحكم آية، وحجة عليكم لعلكم تذكرون نعمه وآياته.
قوله: ﴿يابنيءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان﴾، الآية.
هذه الآية تحذير من الله ( تعالى) لبني آدم ألا يخدعهم الشيطان كما فعل بآدم وحواء عليهم السلام.
قال ابن عباس: كان لباسهما الظفر فنزع ذلك عنهما، وتركت الأظفار تذكرة وزينة.
وقال مجاهد ﴿يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا﴾، التقوى.
قوله: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ﴾، أي: الشيطان.
﴿وَقَبِيلُهُ﴾، جيله.
وقال ابن زيد: نسله.
روي: أن الله، جل ذكره جعلهم يجرون من بني آدم مجرى الدم، وصدور بني آدم مساكن لهم إلا من عصمه [الله]، ( تعالى).
قوله: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا الشياطين أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾.
أي: نصراء للكافرين على كفرهم، يزيدونهم في غيهم عقوبة لهم على كفرهم، كما قال: ﴿[أَلَمْ تَرَ أَنَّآ] أَرْسَلْنَا الشياطين عَلَى الكافرين تَؤُزُّهُمْ [أَزّاً]﴾ [مريم: ٨٣]، أي: تحملهم على المعاصي حملاً شديداً، وتزعجهم إلى الغي.
قوله: ﴿وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً﴾ الآية.
الفاحشة في هذا الموضع: طوافهم عراة.
وكانت المرأة تطوف ليس عليها غير الرِّهاط، والرِّهاط جمع رَهْط، وهي: خرقة من صوف.
ثم قال تعالى: ﴿قُلْ﴾ يا محمد،: ﴿إِنَّ الله لاَ يَأْمُرُ بالفحشآء﴾، أي: لا يأمر خلقه بقبائح الأمور: ﴿أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾.
﴿بالفحشآء﴾ وقف.
﴿بِهَا﴾ وقف.
قوله: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بالقسط﴾ الآية.
المعنى: قل، يا محمد لهم: ﴿أَمَرَ رَبِّي بالقسط﴾، أي: بالعدل.
﴿وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾.
وقيل معناه: اجعلوا سجودكم لله ( تعالى).
وقيل: المعنى إذا أدركتك الصلاة وأنت عند مسجد، فصل فيه، ولا تقل: أُؤْخر حتى آتي مسجد قومي.
وهذا عطف محمول على المعنى؛ لأن معنى ﴿أَمَرَ رَبِّي بالقسط﴾،: يقول لكم [ربي] أقسطوا وأقيموا وجوهكم، [فعطف أقيموا وجوهكم]، على أقسطوا، الذي في المعنى لا في اللفظ.
أي: الطاعة.
ثم قال تعالى: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾.
هذا احتجاج عليهم إذ أنكروا قوله: ﴿فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ﴾ [الأعراف: ٢٥]، وهو متصل به ومعناه: ليس بعثكم أشد من ابتدائكم.
ومعنى: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾، أي: كما بدأكم أشقياء وسعداء، كذلك تبعثون يوم القيامة، كما قال: ﴿[هُوَ الذي] خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ﴾ [التغابن: ٢]، وقال بعده: ﴿فَرِيقاً هدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة﴾، وهو قول مجاهد،
وعن مجاهد أيضاً أنه قال: كما خلقكم تكونون كفاراً ومؤمنين.
وعن ابن عباس نحوه.
فلا تقف على هذا القول إلا على: ﴿الضلالة﴾، لا تقف على: ﴿تَعُودُونَ﴾؛ لأن ﴿فَرِيقاً﴾، ﴿وَفَرِيقاً﴾ حالان.
ثم قال: ﴿إِنَّهُمُ اتخذوا الشياطين أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الله وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ﴾، أي: على هدى.
وقيل: ﴿تَعُودُونَ﴾ التمام.
ومن قال معنى الآية: كما خلقكم أشقياء وسعداء ﴿تَعُودُونَ﴾، لم يقف إلا على: ﴿الضلالة﴾، وهو قول الكسائي.
قوله: ﴿يابنيءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ﴾ الآية.
هذا خطاب لهؤلاء القوم الذين كانوا يتعرون في الطواف، فأمروا بالكسوة
قال السدي: " الزينة "، ما يواري العورة، قال: وكانوا يحرمون الودك ما أقاموا بالموسم، فقال لهم الله ( تعالى) :﴿ وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تسرفوا﴾، أي: في التحريم.
وقال ابن زيد: ﴿[وَ] لاَ تسرفوا﴾: لا تأكلوا حراماً.
[و] قال علي رضي الله عنهـ: ليس في الطعام سرف.
(والإسراف أن يأكل ما لا يحل أكله مما حرم الله، تعالى، أن يؤكل منه شيء، أو تأكل مما أحل لك فوق القصد ومقدار الحاجة، فأعلم الله، تعالى، أنه لا يحب من أسرف، ومن لم يحببه الله، تعالى، فهو في النار، نعوذ بالله من النار).
وروى قتادة عن أنس أن النبي ﷺ، " قال في قوله [تعالى]: ﴿خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾، قال: صلوا في النعال ".
فستر العورة فرض بهذه الآية على أبصار جميع الناظرين، إلا الأزواج، أو ما ملكت الأيمان.
قوله ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله﴾ الآية.
والمعنى: ﴿قُلْ﴾ يا محمد، لهؤلاء الذين يتعرون في الطواف، ويحرمون ما لم يحرم الله من طيبات رزقه: ﴿مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله﴾، أي: اللباس الذي يزين الإنسان بأن يستر عورته، ومن حرم ﴿وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرزق﴾، المباحة.
وقال ابن عباس كانت الجاهلية تحرم على أنفسها أشياء أحلها الله (سبحانه) من الرزق، وهو قول الله ( تعالى) :﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ الله لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ﴾ [يونس: ٥٩] الآية.
ثم قال تعالى: ﴿قُلْ﴾، (لهم) يا محمد ﴿هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا خَالِصَةً (يَوْمَ القيامة)﴾.
المعنى، قل لهؤلاء: هذه الطيبات للذين آمنوا في الحياة الدنيا، مثل ما هي للكفار خالصة يوم القيامة للمؤمنين، لا يَشْرَكُهم فيها كافر.
ووقع الجواب في هذا على المعنى، / كأنهم قالوا: [هي لنا، ما حرمها أحد، فقل لهم: ﴿هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ﴾ الآية.
وقيل المعنى: [قل]: هي ﴿خَالِصَةً يَوْمَ القيامة﴾ لمن آمن بي في الحياة الدنيا. وذلك
قوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحش﴾ الآية.
المعنى ﴿قُلْ﴾ لهم، يا محمد: إن ربي لم يحرم عليكم ما حرمتم على أنفسكم، إنما حرم عليكم الفواحش، الظاهر منا والباطن، والشرك بالله (سبحانه) ما ليس معكم به حجة، وقولكم على الله ما لا تعملون، وحرم عليكم الإثم والبغَي بغير الحق.
والفواحش: القبائح.
قال مجاهد: ﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾: نكاح الأمهات، ﴿وَمَا بَطَنَ﴾: الزنا.
وقيل: ﴿مَا ظَهَرَ﴾: الطواف عرياناً، ﴿وَمَا بَطَنَ﴾ الزنا.
﴿والبغي﴾: الاستطالة على الناس.
قال السدي: ﴿البغي﴾، أن يبغي على الناس بغير الحق.
وأصل البغي: التجاوز في الظلم.
وقد قيل: إن ﴿الإثم﴾، الخمر، وهو قول غير معروف، لكن هذه الآية تدل
قوله: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ﴾ الآية.
[الأمة]: الجماعة.
قوله: ﴿يابنيءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ﴾ الآية.
آدم مشتق من أَدَمَة الأرض، وهو وجهها.
قال وهب بن مُنَبِّه في التوراة: إني خلقت آدم، ركبت جسده من أربعة أشياء ثم جعلها وارثهُ في ولده، تنمى في أجسادهم، وينمون عليها إلى يوم القيامة، رطب
ومعنى الآية: أنها تعريف من الله، تعالى، ما لمن آمن بالرسل وأطاع، وما لمن كفر وعصى، فقال: ﴿يابنيءَادَمَ/ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ﴾، أي: من أنفسكم، ﴿يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي﴾، أي: يتلون، ﴿فَمَنِ اتقى وَأَصْلَحَ﴾، أي: آمن، وأصلح أعماله، ﴿فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾، يوم القيامة، ولا حزن يلحقهم على ما
قال: ﴿والذين كَذَّبُواْ﴾، أي: بالرسل، وكذبوهم فيما جاؤا به، ﴿أولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون﴾، أي: ماكثون، لا يخرجون منها أبداً.
**************قوله: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً﴾ الآية.
المعنى: فمن أخطأ فعلاً، ﴿مِمَّنِ افترى﴾، [أي]: اختلف على الله الكذب، فقال إذا فعل فاحشة: الله أمرنا بها. ﴿أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾، أي: بعلاماته الدالة على وحدانيته، ونبوة أنبيائه. ﴿أولئك يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الكتاب﴾، أي: حظهم مما كتب لهم من العذاب وغيره في اللوح المحفوظ.
قال السدي: هو ما كتب لهم من العذاب.
وقال ابن جبير: ما هو سبق لهم من الشقوة والسعادة.
وكذلك قال مجاهد، وقال ابن عباس.
[وعن ابن عباس]. أيضاً: إن المعنى ينالهم نصيبهم مما كتب عليهم من أعمالهم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
وقيل المعنى: ﴿يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الكتاب﴾ الذي كتبه الله تعالى، على من افتى عليه.
وعن ابن عباس أنه قال: ﴿يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم﴾، هو ما قد كتب لمن يفترى على الله أن وجهه مسود.
وقال القرظي المعنى إن: ﴿نَصِيبُهُم مِّنَ الكتاب﴾ هو رزقه، وعمله، وعمره.
وكذلك قال ابن زيد.
وقيل: المعنى: ﴿يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الكتاب﴾، هو ما كتب عليهم من سواد الوجوه، وزرقة الأعين، قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ القيامة تَرَى الذين كَذَبُواْ عَلَى الله وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ﴾ [الزمر: ٦٠].
وقيل: (المعنى)، هو ما ينالهم في الدنيا من العذاب، دون عذاب الآخرة، من قوله: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ العذاب الأدنى [دُونَ العذاب الأكبر]﴾ [السجدة: ٢١]، الآية.
وقيل: المعنى، إنه قوله تعالى: ﴿فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تلظى﴾ [الليل: ١٤]، وقوله: ﴿يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً﴾ [الجن: ١٧] هذا ﴿نَصِيبُهُم مِّنَ الكتاب﴾، وهو ينالهم في الآخرة، ومثله: ﴿إِذِ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ والسلاسل﴾ [غافر: ٧١]، ومثله: ﴿فِي الدرك الأسفل مِنَ النار﴾ [النساء: ١٤٥]، هذا وشبهه من: ﴿حتى إِذَا جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ﴾، الذي ينالهم في الآخرة.
وقوله: ﴿نَصِيبُهُم مِّنَ الكتاب﴾.
قال الحسن: هذه وفاة إلى النار.
فيقول لهم الرسل: ﴿أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ الله﴾، هذا/ كله في الآخرة، فيشهدون على أنفسهم بالكفر حينئذ.
وقيل المعنى: إن هؤلاء المفترين ينالهم ما كتب لهم في الدنيا إلى أن يأتيهم
﴿ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا﴾، أي: جاروا، وأخذوا غير طريقنا وتركونا عند حاجتنا إليهم.
ثم قال الله (تعالى): ﴿وَشَهِدُواْ على أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ﴾، أي: عند الموت.
قوله: ﴿قَالَ ادخلوا في أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ﴾ الآية.
قرأ الأعمش: " (حَتَّى) إشَّا تَدَارَكُواْ (فِيهَا) "، على الأصل، على تفاعلوا.
والمعنى: إنها خبر من الله (تعالى)، عما يقول لهؤلاء المفترين المكذبين بالقرآن يقول لهم: ﴿ادخلوا في أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ﴾، أي في الجماعة من أجناسكم، ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ في النار، ﴿مِّن الجن والإنس﴾.
وقيل: معنى ﴿في أُمَمٍ﴾، أي: مع أمم.
وقوله: ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا﴾.
أي: كلما دخلت جماعة النار شتمت الجماعة الأخرى التي من أهل ملتها.
وعني بـ " الأخت " هنا: الأخوة في الدين والملة.
وقوله: ﴿حتى إِذَا اداركوا فِيهَا﴾.
أي: أدرك الآخر الأول في النار، واجتمعوا، ﴿قَالَتْ أُخْرَاهُمْ﴾، أي: الجماعة الآخرة ﴿لأُولاَهُمْ﴾ للجماعة الأولى من أهل دينها، الذين أضلوا من كان بعدهم؛ لأن الأول أضل الآخر ﴿رَبَّنَا هؤلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِّنَ النار﴾.
قال السدي: ﴿قَالَتْ أُخْرَاهُمْ﴾، الذين كانوا في آخر الزمان، ﴿لأُولاَهُمْ﴾، للذين شرعوا لهم الدين.
ثم أخبرنا الله (تعالى)، عما هو قائل لهم، بأن قال: ﴿لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾، أي:
ومن قرأ " بالياء "، فعلى الإخبار عنهم أنهم لا يعلمون قدر العذاب.
[وقيل: إن معنى قراءة " التاء "، ولكن لا تعلمون يا أهل الدنيا مقدار ما هم فيه من العذاب].
وقيل: معنى قراءة " الياء ": ولكن لا يعلم كل فريق منهم مقدار عذاب الآخرة.
ومعنى " التاء ": ولكن لا تعلمون أيها المخاطبون ما لكل فريق منكم من
ثم أخبر الله، عن قول الأولى للآخرة فقال: ﴿وَقَالَتْ أُولاَهُمْ﴾، أي: أولى كل أمة، ﴿لأُخْرَاهُمْ﴾، أي: من بعدهم [وزمان]، آخر فسلكوا سبيلهم ﴿فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ﴾، أي: قد علمتم أنا كفرنا وكفرتم بهما جاءنا وإياكم به الرسل والنذر، فنحن وإياكم سواء، قد أضللناكم وأضللتم.
[وقال مجاهد: ﴿مِن فَضْلٍ﴾، من التخفيف من العذاب، فهو كقوله: ﴿فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ﴾].
ثم قال الله (تعالى) لجميعهم: ﴿فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ﴾ في الدنيا، ﴿تَكْسِبُونَ﴾
﴿فِي النار﴾، تمام.
قوله: ﴿إِنَّ الذين كَذَّبُواْ بآياتنا واستكبروا عَنْهَا﴾، الآية.
المعنى: إن الذين كذبوا بآيات الله وتكبروا عن الإيمان بها، ﴿لاَ تُفَتَّحُ﴾، لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم، ﴿أَبْوَابُ السمآء﴾، ولا يصعد لهم في حياتهم [إلى الله] قول ولا عمل، قاله ابن عباس.
وقال أبو موسى/ الأشعري في قوله: ﴿لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السمآء﴾ إن روح المؤمن تخرج وريحها أطيب من ريح المسك فتصعد بها الملائكة الذين يتوفونها، فتتلقاهم ملائكة آخرون دون سماء الدنيا فيقولون: من هذا؟ فيقولون: هذا فلان كان يعمل كيت كيت، وتذكر محاسن عمله: فيقولون مرحباً بكم وبه فيقبضونه،
وعن ابن عباس نحوه.
وروى البراء بن عازب: " أن النبي، عليه السلام، ذكر عذاب القبر في حديث طويل، فقال فيه: إن الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، أتاه ملك الموت فينزع نفسه، كما ينزع الصوف المبلول من السُّفُود، فتأخذها الملائكة فيصعدون بها، فتستفح لها أبواب السماء فلا تفتح لها، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه (وسلم)،:
وقال السدي: إن الكافر إذا أُخذ روحه، ضربته ملائكة الأرض حتى يرتفع إلى السماء، فإذا بلغ السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء فهبط إلى أسفل الأرضين. وإذا كان مؤمناً رفع روحه، وفتحت له أبواب السماء فلا يمر بملك إلا حياه وسلم عليه، حتى ينتهي إلى الله، فيعطيه حاجته، ثم يقول: ردوا روح عبدي فيه إلى الأرض، فإني قضيت من التراب خلقته، وإلى الترب يعود، ومنه يخرج.
وقال ابن جبير، معناه: لا يرفع لهم عمل ولا دعاء.
وأكثرهم على أن المعنى: ﴿لاَ تُفَتَّحُ﴾ أي: لأرواحهم ولا لأعمالهم.
وقوله: ﴿حتى يَلِجَ الجمل فِي سَمِّ الخياط﴾.
أي: لا يدخل هؤلاء المكذبون الجنة حتى يدخل ﴿الجمل﴾: زوج الناقة، في ثقب الإبرة، وهو لا يدخلها أبداً، وكذلك هؤلاء لا يدخلون الجنة أبداً.
وكل ثقب في عين أو أنف أو أذن أو غير ذلك. فالعرب تسميه " سَمّاً " و " سُمّاً "، بفتح السين وضمها، وجمعه " سُمُوم " وجمع السم القاتل " سِمَامٌ ".
وقرأ ابن سيرين " في سُمِ الْخِيَاطِ " بضم السين.
وقيل: هو الحبل الذي يصعد به في النخل.
[وعن سعيد بن جبير] أنه قرأ " الجُمَل " بضم [الجيم] والتخفيف جعله جمع " جُمْلةٍ " من الحبال، ك " ظُلْمَةٍ " و " ظُلَمٍ ".
ومن شدَّد فهو اسم واحد، وهو الحبل الغليظ.
فالمعنى: لا يدخلون الجنة حتى يدخل هذا الحبل الغليظ في ثقب الإبرة، فكما (أنه) لا يدخل في ثقب الإبرة، (كذلك هؤلاء لا يدخلون الجنة) أبداً.
ثم قال تعالى: ﴿وكذلك نَجْزِي المجرمين﴾، / نثيبهم بما اكتسبوا في الدنيا.
ثم قال: ﴿لَهُمْ مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ﴾... أي: لهم ما يقعد ويضطجع عليه كالفراش والبساط.
﴿وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾.
﴿وكذلك نَجْزِي الظالمين﴾.
أي: نثيب من ظلم نفسه، وأكسبها من عذاب الله ما لا قبل لها به.
﴿فِي سَمِّ الخياط﴾، وفق.
و ﴿غَوَاشٍ﴾، وقف.
قوله: ﴿والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾، الآية.
المعنى: والذين صدقوا بئايت الله ورسله، ﴿لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً﴾، من الأعمال إلا طاقتها، ﴿أولئك أَصْحَابُ الجنة هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾، وفي الكلام تقديم وتأخير مفهوم.
وقوله: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾، الآية.
روي أن النبي، ﷺ، قال: " الغل على أبواب الجنة كمبارك الإبل، قد نزعه
والمعنى: وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين تقدمت صفتهم، ما في صدورهم من حقد وعداوة، كانت من بعضهم لبعض في الدنيا، وأُدخلوا الجنة ﴿إخوانا على سُرُرٍ متقابلين﴾ [الحجر: ٤٧]، لا يحسد بعضهم بعضاً على شيء.
قال قتادة: قال علي: إني لأرجوا أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير، من الذين قال الله [فيهم] ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾.
قال السدي: إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة فبلغوا، وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان، فيشربون من إحداهما، فينزع ما في صدورهم من غل، فهو " الشراب الطهور " الذي ذكره الله في قوله: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً﴾ [الإنسان: ٢١]. واغتسلوا من الأخرى، فجرت عليهم نضرة النعيم فلم يشعثوا ولم يشحبوا بعدها أبداً.
أي: قالوا ذلك حين رأوا ما أكرمهم الله به من جنته، وما صرف عنهم من نقمته.
روى [أبو سعيد] الخدري ع النبي، ﷺ، أنه قال: " كل أهل النار يرى منزله من الجنة، فيقول: " لو هدانا الله " فيكون عليهم حسرة. وكل أهل الجنة يرى منزله من النار، فيقولون: " لولا أن هدانا الله "! [فهذا] شكرهم.
وقوله: ﴿ونودوا أَن تِلْكُمُ الجنة﴾، (الآية).
ويجوز أن يكون معنى: ﴿أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، يعني المنازل في الجنة، فيكون الدخول برحمة الله، كما قال النبي، عليه السلام،: " والمنازل بالأعمال "
وقوله: ﴿أُورِثْتُمُوهَا﴾، وقوله: ﴿ونودوا﴾، فعلان منتظران، ولفظهما لفظ ما قد مضى، وذلك حسن في آخبار الله؛ لأنها كالكائنة لصدق المخبر بها، ونفوذ القضاء، والحتم (بها) من الله.
قال السدي: ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل، فإذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار [ودخلوا منازلهم]، رفعت الجنة لأهل النار، فنظروا إلى منازلهم منها، فقيل لهم: " هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله ".
ثم يقال: يا أهل الجنة ﴿أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، يعني منازل أهل النار وَرِثُوهَا بعملهم فيقتسمونها.
وعن أبي سعيد الخدري قال: ينادي مناد: إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً،
وقيل: معنى: ﴿[و] نودوا﴾: قيل لهم: وذلك حين رأوها قبل أن يدخلوها، قيل: لهم: ﴿تِلْكُمُ الجنة﴾.
وقال علي: رضي لله عنه: يدخلون الجنة فإذا شجرة يخرج من تحت ساقها عينان، فيغتسلون من إحداهما، فتجرى عليهم نضرة النعيم، فلا تشعث أشعارهم، ولا تغير أبشارهم، ويشربون من الأخرى، فيخرج كل أذى وقذر وبأس في بطونهم، ثم يفتح لهم باب الجنة، فيقال لهم: ﴿سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خَالِدِينَ﴾ [الزمر: ٧٣]. قال: فيَستقبلهم الولدان، فيحفون بهم كما يحف الولدان بالحميم إذا جاء من غيبته. ثم
﴿لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق﴾.
أي: جاءتنا في الدنيا بالحق عن الله.
قوله: ﴿ونادى أَصْحَابُ الجنة أَصْحَابَ النار﴾، الآية.
المعنى: ونادى أهل الجنة أهل النار بعد الدخول: يا أهل النار، قد وجدنا ما وعدنا ربنا في الدنيا على ألسنة الرسل (حقاً، من الثواب، والنعيم والكرامة، فهل وجدتم ما وعدكم في الدنيا على ألسنة الرسل) من العقاب والثواب حقاً؟ فأجاب أهل النار: نعم، قد وجدنا ذلك حقاً، ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ [الله] عَلَى الظالمين﴾.
تَمَّ الإخبار عما يكون يوم القيامة.
ثم ابتدأ بصفة من استحق هذه اللعنة، فأخبر بصفتهم في الدنيا، فقال: ﴿الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله﴾، إلى ﴿كَافِرُونَ﴾، فهما قصتان، إحداهما في الآخرة.
﴿الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً.
أي: حاولوا أن يغيروها، ويبدلوها عما جعلها الله (عليه) من استقامتها. {وَهُمْ بالآخرة﴾. أي: بالبعث. ﴿كَافِرُونَ﴾. أي: جاحدون.
والعربتقول للميل في الطريق والدين " عِوَجٌ " بالكسر، وفي ميل الرجل على الشيء وهو العطف عليه: " عَاجَ إليه يَعُوج عِيَاجاً وَعَوَجاً وعِوَجاً "، بكسر العين وفتحه. وما كان خلقه في الإنسان، فإنه يقال فيه: " الَعَوج " بالفتح، يقال: " ما أبين
قوله: ﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ [وَعَلَى الأعراف رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ]﴾ (الآية).
والمعنى: وبين الجنة والنار ﴿حِجَابٌ﴾، أي: حاجز، وهو السور الذي ذكره الله [ تعالى] فقال: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ﴾ [الحديد: ١٣]، وهو: الأعراف.
قال مجاهد: " الأَعْرَافُ، حجاب بين الجنة والنار.
قال السدي: الحجاب، وهو السور وهو: الأعراف.
و" الأَعْرَافُ ": جمع، واحدها: عُرْف، وكل مرتفع من الأرض فهو: عُرْفٌ.
وقيل لعرف الديك: عرف لارتفاعه.
وقال ابن عباس: هو جسر بين الجنة والنار، عليه ناس من أهل الذنوب بين الجنة والنار.
وذكر الشعبي عن حذيفة: أن " أصحاب الأعراف " قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار، [و] قصرت سيئاتهم عن الجنة، ﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَابِ النار/ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ القوم الظالمين﴾، فبيناهم كذلك إذ اطلع عليهم ربك فقال (لهم): اذهبوا فادخلوا الجنة فإني قد غفرت لكم.
وروي عنه أنه قال: يوقفون هنالك على السور حتى يقضي الله بينهم.
وعن ابن عباس: " الأَعْرَاف "، السور الذي بين الجنة والنار، و" الرجال ":
وعنه أنه قال أيضاً: " الأعراف " الشيء المشرف.
وعنه أنه قال: [هو] كعرف الديك.
وعنه أنه قال: هم رجال كانت لهم ذنوب عظام وكان حسم أمورهم لله، فوقفوا على السور.
وقال ابن مسعود: من كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار. ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف " فقفوا على الصراط، ثم عرفوا أهل الجنة وأهل النار، فإذا
وقال مجاهد، عن عبد الله بن الحارث: ﴿أَصْحَابُ الأعراف﴾، يؤمر بهم إلى نهر يقال له: " الحياة " ترابه: الوَرْس والزغفران، وحافتاه: قصب الذهب مكلل باللؤلؤ، وقال: فيغتسلون [فيه اغتساله، وتبدوا في نحورهم شامة بيضاء، ثم يعودون فيغتسلون]،
ومثل هذا روي عن ابن عباس أيضاً.
وقيل: ﴿اأَصْحَابُ الأعراف﴾، قوم قتلوا في سبيل الله ( تعالى) عصاة لآبائهم في الدنيا. قاله: شرحبيل بن سعد، قال: هم قوم خرجوا إلى الغور بغير إذن آبائهم، فيقتلون.
وعن مجاهد، أنه قال: هم قوم صالحون فقهاء علماء.
وقال أبو مجلز: هم ملائكة يعرفون أهل الجنة وأهل النار.
هذا خبر من الله عن أهل الأعراف: أنهم قالوا لأهل الجنة ما قالوا قبل دخول أصحاب الأعراف الجنة، غير أنهم قالوه وهم يطمعون في دخولها.
وقال الحسن: والله ما جعل/ الله ذلك الطمع في قلوبهم، إلا لكرامة يريدها بهم.
وقال ابن مسعود: أما " أصحاب الأعراف "، فإن النور كان في أيديهم، لم ينزع
قال ابن عباس: ﴿وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾، أي: في دخولها.
وقيل: " طَمِعَ " هنا بمعنى " عَلِمَ "، أي: لم يدخلها أصحاب الأعراف، وهم يعلمون أنهم يدخلون.
وقيل المعنى: إن " أصحاب الأعراف " يقولون لأهل الجنة: ﴿سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ﴾، وأهل الجنة يطمعون أن يدخلوها، ولم يدخلوا بعد.
وعلى هذا تأويل قول من جعل أصحاب الأعراف ملائكة، يكون الطمع للمؤمنين الذين يمرون على أصحاب الأعراف.
وقيل: المعنى: ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾، وإنما دخلوها) وهم غير طامعين. فيكن الوقف على هذا على ﴿يَطْمَعُونَ﴾.
ومن جعل " الطمع " لأصحاب الأعراف لم يقف على ﴿يَدْخُلُوهَا﴾.
قوله: ﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ﴾، الآية.
المعنى: وإذا صرفت أبصار أصحاب الأعراف نحو أصحاب النار، فنظروا إلى حالهم ﴿قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ القوم الظالمين﴾.
وقال السدي: إذا مرت زمرة من أهل النار بأصحاب الأعراف، دعو ألا يجعلوا معهم.
وقال ابن عباس: [إن " أصحاب الأعراف "] إذا نظروا إلى أهل النار
قوله: ﴿ونادى أَصْحَابُ الأعراف﴾، الآية.
المعنى: إن " أصحاب الأعراف " نادوا رجالاً يعرفونهم، من أهل النار ﴿بِسِيمَاهُمْ﴾، أي: بسواد وجوههم، وزرقة أعينهم، قالوا لهم: أي شيء أغنى عنكم جمعكم في الدنيان واستكبارهم فيها، عن عبادة الله، تعالى، والإيمان برسوله، ﷺ.
قال السدي: مر بأهل " الأعراف " رجال من الجبارين يعرفونهم، فقالوا لهم ذلك.
وقوله: ﴿أهؤلاء [الذين] أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ الله بِرَحْمَةٍ﴾.
هذا قول الله ( تعالى) [ لأهل النار] توبيخاً لهم على ما كان من قِيلِهِمْ لأهل الأعراف في الدنيا، وذلك حين دخل [أهل] الأعراف
وقد قيل: إنه من قول الملائكة لأهل النار، [ويكون] ﴿[ادخلوا] الجنة﴾ من قول الله ( تعالى)، فتكون الآية [فيها] ثلاثة أقوال:
- قول أهل الأعراف إلى ﴿تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأعراف: ٤٨].
- وقول الملائكة إلى ﴿بِرَحْمَةٍ﴾.
- وقول الله إلى ﴿تَحْزَنُونَ﴾، متصل (كله) بعضه ببعض.
قال ابن عباس: " أصحاب الأعراف "، رجال كانت لهم ذنوب عظام، وكان
وقال حذيفة: ﴿أَصْحَابُ الأعراف﴾، قوم قَصَّرت بهم حسناتهم عن الجنة، وفصرت بهم/ سيئاتهم عن النار، فجعلوا على الأعراف، يعرفون الناس بسيمهم. فلما قضي بين العباد، أذن لهم في طلب الشفاعة [فيأتون الأنبياء كلهم من الشفاعة]، ويدل على الآخر حتى يأتوا محمداً ( ﷺ)، فيشفع لهم، فيذهب بهم إلى " نهر الحيوان " حافتاه قصب من ذهب مكلل باللؤلؤ، ترابه المسك، وحصباؤه الياقوت، فيغتسلون فيه، فتعود إليهم ألوان أهل الجنة وريح أهل الجنة، ويصيرون كأنهم الكواكب الدرِّية، وتبقى في صدورهم شامات بيض يعرفون بها، يقال لهم: " مساكين أهل الجنة ".
قوله: ﴿ادخلوا الجنة﴾، وما بعده من كلام الله (سبحانه)، فالوقف على هذا: ﴿بِرَحْمَةٍ﴾.
ومن قال إنها خبر من الله ( تعالى) عن نفسه (جلت عظمته) وقف على: ﴿تَحْزَنُونَ﴾.
وقرأ يحيى بن يَعْمَر: " أُدْخِلُوا الجَنَّة "، على ما لم يسلم فاعله بكسر الخاء.
قوله: ﴿ونادى أَصْحَابُ النار أَصْحَابَ الجنة﴾، الآية.
ومعنى الآية: أنها خبر من الله ( تعالى) عن استغاثة أهل النار بأهل الجنة، عند نزول شدة العطش والجوع بهم.
ومعنى: ﴿أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله﴾، أي من الطعام، فأجابهم أهل الجنة:
قال ابن عباس: ينادي الرجل أخاه وأباه فيقول: " (قد احترقت)، أفض علي من الماء "، فيقال لهم: أجيبوهم فيقولون: ﴿إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا عَلَى الكافرين﴾.
﴿الذين اتخذوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً﴾.
أي: سخرية ولعباً؛ لأنهم كانوا إذا دعوا إلى الإيمان سخروا ممن دعاهم إليه وهزوأ به.
وقوله: ﴿وَغَرَّتْهُمُ الحياوة الدنيا﴾.
أي: خدعتهم بعاجل ما فيها من العيش والدعة الأخذ بنصيبهم من الآخرة.
﴿فاليوم ننساهم﴾.
أي: نتركهم في العذاب جياعاً عطاشاً.
أي: كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا، وكما كانوا بآياتنا يجحدون، أي: بحجتنا وعلامتنا.
ولا يوقف على ﴿يَوْمِهِمْ هذا﴾؛ لأن ﴿وَمَا﴾ معطوف على ﴿مَا﴾ الأولى.
قوله: ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ﴾، إلى ﴿يَفْتَرُونَ﴾.
لام: " لقد حيث وقعت لام توكيد، متعلق بمعنى القسم، والمعنى: والله أقسم لقد كان هكذا.
و: " الكتاب " [هو]: القرآن.
و: ﴿فَصَّلْنَاهُ﴾: بيناه.
﴿على عِلْمٍ﴾.
أي: على علم منا بالميز بين الحق والباطل والضلال والهدى.
أي: ليُهْتَدَى [وَيُرْحَم] به قوم يصدقون به.
وهذه الآية مردودة على قوله: ﴿كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ٢].
قوله: ﴿أَوْ نُرَدُّ﴾، معطوف على [قوله]: ﴿مِن شُفَعَآءَ﴾، أي: أو هل نرد.
وقرأ ابن إبي إسحاق: " أو نُردَّ "، بالنصب، على معنى: إلا أن نرد، كما قال:
وقوله: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ﴾.
أي: إلا ما وعدوا به في القرآن من العذاب.
قال قتادة: ﴿تَأْوِيلَهُ﴾، عاقبته.
وقال مجاهد: جزاءه.
﴿يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾، أي: جزاؤه، ﴿يَقُولُ الذين نَسُوهُ مِن قَبْلُ﴾، أي: تركوه في الدنيا، ﴿قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق﴾.
وقال ابن زيد: ﴿تَأْوِيلُهُ﴾، حقيقته، أي: حقيقة القرآن فيما أوعدهم من العقاب.
قال السدي: ﴿الذين نَسُوهُ﴾، تركوه في الدنيا، لما رأوا ما أوعدهم أنبياؤهم، استيقنوا بالهلاك، وطلبوا الشفعاء والرجعة إلى الدنيا.
﴿قَدْ خسروا أَنْفُسَهُمْ﴾.
﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾.
أي: أولياؤهم في الدنيا.
وقال بعض أهل اللغة معناه: هل ينظرون إلى ما يؤول إليه أمرهم من البعث، وعلى هذا تأولوا قول الله: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله﴾ [آل عمران: ٧] أي: لا يعلم وقت البعث إلا الله، ثم قال تعالى: ﴿والراسخون فِي العلم يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ﴾.
و" النسيان " في هذا الموضع على معنيين:
- يجوز أن يكون معناه: فلما أعرضوا عنه صاروا بمنزلة من نسي الشيء.
- والثاني: أن يكون بمعنى الترك.
احتج من خفف ﴿يُغْشِي﴾، بقوله: ﴿فَأغْشَيْنَاهُمْ﴾ [يس: ٩].
واحتج من شدد بقوله: ﴿فَغَشَّاهَا مَا غشى﴾ [النجم: ٥٤]، وبأن التشديد يوجب التكرير، وكذلك هو فعل يتكرر ويتردد، وذلك أن كل يوم دخل ليله غير ليل اليوم الآخر، فالتغشية مكررة لمجيئها يوماً بعد يوم، وليلة بعد ليلة.
وقوله: ﴿حَثِيثاً﴾. أي: طلباً حثيثاً.
قال مجاهد: بدأ بخلق العرش والماء والهواء، وخلقت الأرض من الماء، وكان جمع الخلق يوم الجمعة، فلذلك سميت الجمعمة.
وقوله: ﴿يُغْشِي اليل النهار﴾.
أي: يورد الليل على النهار فيلبسه إياه، حتى يذهب بضوئه، يطلبه طلباً ﴿حَثِيثاً﴾، أي: سريعاً حتى يدركه.
﴿أَلاَ لَهُ الخلق والأمر﴾.
﴿الخلق﴾: المخلوق.
﴿والأمر﴾ هو: كلامه الذي به تكون المخلوقات، فهو غير مخلوق، وصفة من صفاته، كعلمه وقدرته، لايشبه كلام المخلوقين، ولا يقدر فيه صوت ولا حروف؛ إنما هو كلام له صفة ذاته، فكما أنه تعالى لا شيء يشبهه، كذلك صفاته لا تشبهها صفة.
وقال كعب: الدنيا ستة آلاف سنة.
[وكذلك] قال وهب.
[و] قال النبي، ﷺ،: " أجلكم في أجل من ك ان قبلكم من صلاة العصر إلى مغرب الشمس ".
وقال صلى الله عليه (وسلم) يوماً عند غروب الشمس: " (إن) مثل ما بقي من دنياكم في ما مضى، كهيئة يومكم هذا في مضى منه ".
وقال: " بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بأصبعيه: السبابة
قال ابن عباس: " سألت اليهود النبي (عليه السلام) عن خلق السموات والأرض فقال: " خلق الله الأرض يوم الأحد والأثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء ومنافعها، / وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب، فهذه أربعة أيام، وهو قوله: ﴿قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ﴾، ثم قال: ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾. قال: وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر إلى ثلاثة ساعات منه. وخلق في أول ساعة من هذه الثلاث ساعات من حَيِي ومن يموت، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس، وفي الثالثة منه خلق آدم (عليه السلام). وأسكنه الجنة، وأمر إبليس بالسجود له، وأخرجه منها آخر ساعة "، ثم قالت اليهود: ثم ماذا يا محمد؟ قال: " ثم استوى على العرش " قالوا: قد أصبت لو أتممت، قالوا: ثم استراح، فغضب
واللغوب: الإعياء.
واليهود، عليهم اللعنة، تتأول في السبت، أنه يوم الراحة، فلذلك جعلوه لأنفسهم راحة لا يتصرفون فيه، تعالى الله عن ذلك.
قال قتادة: أوحى الله في كل سماء أمرها: خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وصلاحها. فَخَلْقُ الشمس والقمر كان بعد [خَلْقِ) السموات والأرض.
قال النبي ( ﷺ) :" أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب فجرى في تلك
قال ابن عباس: ثم رفع بخار الماء فَفَتَقَ منها السموات والأرض.
وقيل: أول شيء خلق الله النور والظلمة، ثم ميز بينهما، فجعل الظلمة ليلاً أسود ومظلماً، وجعل النور نهاراً مبصراً.
فالسموات والأرض تحيط بهما البحار ويحيط بذلك كله الهيكل، ويحيط بالهيكل الكرسي.
قال وهب: الهيكل شيء من أطراف السموات يحدق بالأرضين والبحار كأطناب الفسطاط.
وكان بين خلقه تعالى، القلم وخلقه سائر خلقه ألف عام. ولما أراد تالى أن يخلق السموات خلق أياماً ستة، فخلق واحداً فسماه الأحد، وثانياً فسماه: الاثنين،
وكان ابتداء الخلق يوم السبت خلق فيه التربة.
وقيل: يوم الأحد.
وقد روي أن الله تعالى خلق البيت العتيق على الماء على أربعة أركان قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام، ثم دحيت الأرض من تحته. قاله ابن عباس.
وكذلك روى مجاهد عن عبد الله بن عمرو.
أي: نزرا قليلاً لا فائدة فيه مع قلته، كذلك الكافر لا يقبل الهدى/ فإن قبل شيئاً فهو قليل لا فائدة فيه؛ لأنه على شك وقلة يقين. قال ذلك ابن
وقال السدي: هو مثل ضربه الله، تعالى للقلوب لما نزل عليها القرآن، كنزول المطر على الأرض، فقلب المؤمن كالأرض الطيبة القابلة للماء الذي تنتفع بما تقبل من الماء.
هذا معنى قوله: ﴿كذلك نُصَرِّفُ الآيات لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾ [الأعراف: ٥٨]، أي: كما فعلنا فيما تقدم ذكره، مثله نصرف الآيات في هذا.
قوله: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ﴾ [الأعراف: ٥٩ - ٦١]، الآيات الثلاث.
لام ﴿لَقَدْ﴾ لام توكيد بمعنى القسم.
وقال ابن عباس: الليل خلق قبل النهار.
وقيل: [كان] النهار قبل الليل. دليل ذلك أن الله عالى ذكره، [كان] ولا ليل، ولا نهار، ولا شيء غيره؛ وأن نوره كان يضيء به كل شيء خلقه بعدما خلقه، حتى خلق الليل. فالضياء قبل الظلمة.
المعنى: ادعوا أيها الناس، ربكم مستكينين له، مخلصين متخشعين سراً في أنفسكم، ﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المعتدين﴾.
ثم قال: ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرض﴾. أي: لا تشركوا. والفساد هنا: الشرك.
﴿بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾. أي: بعد إصلاح الله (تعالى) إياها لأهل طاعته، بأن
﴿وادعوه خَوْفاً وَطَمَعاً﴾. أي: خوفاً من عقابه، وطمعاً في رحمته.
﴿إِنَّ رَحْمَتَ الله قَرِيبٌ [مِّنَ المحسنين]﴾. أي: ثواب الله قريب من المحسنين وإنما وصفه (بالقرب)؛ لأنه ليس بينهم وبينه إلا أن يفارقوا الدنيا.
وفي حرف: " الهاء " في ﴿قَرِيبٌ﴾ ستة أقوال:
أحسنها أن " الرحمة " و " الرحم " بمعنى.
وقال الفراء: (إنما أتى ﴿قَرِيبٌ﴾) بغير " هاء " ليفرق بينه وبين قريب من النسب.
وقال الزجاج: حذفت " الهاء "؛ لأنه ثأنيث غير حقيقي.
ومذهب أبي عبيدة: أن تذكير ﴿قَرِيبٌ﴾، على تذكير المكان.
ويلزمه على هذا نصب ﴿قَرِيبٌ﴾.
وقيل: " الرحمة " هنا: المطر، فَذُكِّر حملاً على المعنى.
وقيل: هو مذكر على النسب كما يقال: امرأة طالِقٌ وحائِضٌ.
من قرأ ﴿بُشْراً﴾ فهو جمع " نشور "، كقولك: " صبور " و " صبر ".
والريح النَّشُور: التي تأتي من هنا ومن هنا.
وقيل: ﴿بُشْراً﴾ مصدر. ومن أسكن الشين فعلى هذا المعنى يكون، إلا أنه [أسكن] [الشين] استخفافاً.
وقيل: " النشر ": الريح الطيبة اللينة [التي] تنشىء السحاب.
ومن قرأ (بشرْاً) بالباء، فهو جمع بشير، مخفف، كرغيب ورغف.
﴿سُقْنَاهُ﴾.
" الهاء " تعود على السحاب، وهو يؤنث ويذكر، وكذلك كل شيء بينه وبين واحده " الهاء ".
ومعنى الآية: وربكم الذي خلق السموات والأرض وما ذكر، ﴿هُوَ الذي يُرْسِلُ الرياح بُشْراً﴾.
" والنَّشْرُ " من الرياح: الريح الطيبة اللينة التي تنشر السحاب.
ومن قرأ ﴿بُشْراً﴾، بضمتين، أي: يرسلها تهب من كل ناحية.
ومعنى الكلام: والله الذي يرسل الرياح من كل ناحية ﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾.
والرحمة: المطر.
أي: أقلت الرياح سحاباً، يقال: أقل البعير حمله إذا حمله واستقل به.
﴿سُقْنَاهُ﴾، أي: سقنا السحاب إلى بلد ميت، قد أجدب أهله، وعفَّت مزارعه، ﴿فَأَخْرَجْنَا﴾، بالمطر من الأرض من كل الثمرات.
وقوله: ﴿فَأَنْزَلْنَا بِهِ﴾. " الهاء " للبلد.
﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ﴾. أي: بالماء [أو بالبلد].
﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾. أي: لتكونوا على رجاء من التذكر.
وقوله: ﴿كذلك نُخْرِجُ الموتى﴾. أي: كما نحيي هذا البلد الميت بالماء]، كذلك نحيي الموتى بعد موتهم.
قال ابن مسعود: يرسل الله ماء من تحت العرش كمني الرجال، وليس من بني آدم خلق في الأرض إلا منه شيء (قد بقي في الأرض) فتنبت جسماً له ولحماً لهم من ذلك الماء، كما تنبت الأرض من المطر. ثم قرأ إلى قوله: ﴿كذلك نُخْرِجُ الموتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
ورى أبو سعيد الخدري: " أن النبي ﷺ، قال: يأكل التراب كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه "، فقيل: وما هو يا رسول الله؟ قال: " مثل حبة خردل منه تنشئون ".
هذا مثل ضربه الله لروح المؤمن، وروح الكافر، فالمؤمن يرجع روحه الطيب إلى جسده سهلاً طيباً كما خرجد إذا مات، والكافر لا يرجع روح إلى جسده إلا بالنكد كما خرج.
وقيل: هو مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، فشبه المؤمن بالبلد الطيب إذا أصابه المطر أخرج نباته بإذن ربه، كذلك المؤمن إذا سمع الهدى قَبِلَهُ بإذن ربه، وشبه الكافر بالأرض السَّبِخَةِ المالحة وهي التي خبثت لا تخرج النبات إلا نكداً.
والمعنى: أنه خبر من الله (عزوجل) أنه أرسل نوحاً إلى قومه: منذراً بأسة ومخوفاً من عقاب، فقال لمن كفر منهم: ﴿اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ﴾، تعبدونه إلا الله، فاعبدوه ولا تشركوا به، ﴿إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.
قال عكرمة: إنما سمي نوح نوحاً لأنه كان ينوح على نفسه، أي: يكثر ذلك.
قال الكلبي عنه: بعد آدم بثمان مائة سنة، أرسله الله ( تعالى) بالشريعة، بتحريم البنات والأمهات والأخوات والعمات والخالات، وسائر الفرائض.
قال وهب: نوح أو نبي بعث بعد إدريس (عليه السلام)، فلبث في قومه أربع مائة سنة، قبل أن يبعثه الله ( تعالى) إلى قومه.
وعنه أيضاً أنه قال: بعثه ( تعالى) إلى قومه وهو ابن خمسين سنة، فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، ثلاثة قرون من قومه لا يجيبه أحد إلا قليلاً منهم، فأوحى الله ( تعالى) إليه: " أن اصنع الفلك "، وليكن طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسين
قوله: ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ﴾، إلى ﴿عَمِينَ﴾.
والمعنى: إن الله ( تعالى) أخبرنا أن نوحاً (عليه السلام) قال لقومه: إني ﴿رَسُولٌ مِّن رَّبِّ العالمين﴾، أرسلني إليكم، لأبلغكم رسالاته، ﴿وَأَنصَحُ لَكُمْ﴾ في تحذيري إياكم عقابه، ﴿وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾، / أي: أعلم أن عقابه لا يرّد عن
وقيل المعنى: أعلم من الله أنه مهلككم ومعذبكم إن لم تؤمنوا.
ثم قال ثهم موَبِّخاً: ﴿أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ على رَجُلٍ مِّنْكُمْ﴾، وذلك إذ قالوا (له): ﴿مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا﴾ [هود: ٢٧].
ومعنى: ﴿على رَجُلٍ مِّنْكُمْ﴾.
أي: من رجل.
وقيل: على لسان رجل.
﴿لِيُنذِرَكُمْ﴾ بأسه، والعمل بما لا يرضيه، فيرحمكم إن آمنتم وأطعتموني.
أي: من المؤمنين، من أهله، وغيرهم.
﴿وَأَغْرَقْنَا الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ﴾.
أي: جحدوا بها.
﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ﴾.
أي: عمين عن الحق.
وهو من عمى القلب.
قوله: ﴿وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً﴾ إلى: ﴿تُفْلِحُونَ﴾.
المعنى: وأرسلنا إلى عاد أخاهم هوداً، وهود من ولد نوح (عليه السلام)، بينه وبينه سبعة آباء. وكان أشبه خلق الله (تعالى) بآدم (عليه السلام)، خلا
﴿قَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ﴾].
أي]: قال الأشراف والجماعة من قومه، وهم الملأ من كفار قومه،
﴿وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين﴾، أي: في قوله: إني ﴿رَسُولٌ مِّن رَّبِّ العالمين﴾، كان ذلك ظناً منهم ليس على يقين، فكفروا على الشك منهم. قال (لهم): ﴿ياقوم لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ﴾، أي: ضلالة، أي: جهل، ﴿ولكني رَسُولٌ مِّن رَّبِّ العالمين﴾.
وأصل السفة: رقة الحلم، والطيش. وَذُكِّرَ في قوله: ﴿لَيْسَ﴾؛ لأنه مصدر، وهو بمعنى السفه، وقد فرق، أيضاً، بينه وبين الفعل.
ثم قال لهم: ﴿أُبَلِّغُكُمْ رسالات رَبِّي﴾. أي: أؤدي إليكم أمر رببي ونهيه.
اي: ناصح في ما آمركم به وأنهاكم عنه، أمين على وحي ربي ورسالاته. ثم قال موبخاً لهم: ﴿أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ على رَجُلٍ مِّنكُمْ﴾.
أي: على لسان رجل منكم.
﴿لِيُنذِرَكُمْ﴾، أمر الله. ثم قال: ﴿واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾.
أي: اذكروا نعمة الله عليكم إذ استخفلكم في الأرض، بعد قوم نوح. فاتقوا أ، يصيبكم (مثل) ما أصابهم، واذكروا نعمته إذ ﴿وَزَادَكُمْ فِي الخلق بَصْطَةً﴾، أي: زاد في أجسامكم طولاً وعظماً على أجسام قوم نوح.
وقيل: على أجسام آبائكم الذين ولدوكم.
أي: نعمه عليكم.
﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
أي: لتكونوا على رجاء من الفلاح.
قال السدي: كانت عاد باليمن، بالأْحقَاف. فكانوا قد قهروا أهل الأرض بفضل قوتهم. وكانوا أصحاب أوثان يعبدونها، وهي " صُدَاء "، و " صَمُود " و " اللهنا "، أسماء أصنامهم، فبعث الله ( تعالى) / إليهم هوداً، وهو من أوسطهم
﴿مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ [فصلت: ١٥]، واتبعه منهم ناس يسير مستترون بإيمانهم.
قال السدي: فبعث الله ( تعالى) عليهم الريح العقيم، فلما نظروا إليها: قالوا: ﴿هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا﴾ [الأحقاف: ٢٤]، فلما جنت منهم، نظورا إلى الإبل والرجال تطير بهم الريح بين السماء والأرض، فلما رأوها، تبادروا البيوت، فلما دخلوا البيوت، دخلت عليهم فأهلكتهم فيها، ثم أخرجتمهم من البيوت، فأصابتهم في يوم نحس مستمر عليهم العذاب ﴿سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً﴾ [الحاقة: ٧]، أي: حسمت كل شيء مرت به. فكانوا: كأعجاز نخل منقعر، أي: انقعر من أصوله، وكأعجاز نخل خاوية، أي: خوت فسقطت، فلما أهلكهم الله ( تعالى) أرسل عليهم طيراً سوداً، فنقلتهم إلى البحر
و" الصرصر ": التي لها صوت شديد.
قوله: ﴿قالوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ الله وَحْدَهُ﴾، إلى: ﴿المنتظرين﴾.
والمعنى: قال قومه هود له: أجئتنا متوعداً بالعقاب [لنعبد الله وحده، ونذر ما كان آباؤنا يعبدون فائتنا بالعقاب] الذي توعدنان إن كنت صادقاً.
قال لهم: ﴿قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ﴾. أي: عقاب، من أجل ما تقولون.
و" الرجس " و " الرجز ": العذاب، وقد يكون الرجس: الشيء القذر.
ثم قال لهم: ﴿أتجادلونني في أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ﴾.
أي: أتخاصمونني في الأصنام التي أحدثتموها أنتم وآباءكم لا تضر ولا تنفع.
﴿مَّا نَزَّلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ﴾.
أي: من حجة تحتجون بها، في عبادتكم إياها، ﴿فانتظروا إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين﴾.
أي: انتظروا حكم الله فينا وفيكم، إني منتظر ذلك معكم.
قوله: ﴿[فَأَ] نجَيْنَاهُ والذين مَعَهُ بِرَحْمَةٍ﴾، الآية.
معناها: فأنجينا هوداً والذين معه ﴿بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الذين كَذَّبُواْ﴾، أي: استأصلناكم بالهلاك.
فبما بقي منهم أحد، ﴿وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ﴾، أي: مصدقين.
قوله: ﴿وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً﴾، الآية.
وقيل: سمي أخاهم؛ لأنه من عشيرتهم.
وثمود: قبيلة. أبوهم ثمود بن غائر بن إرم بن سام بن نوح، وكانت مساكنهم: الحجر، بين الحجاز والشام، إلى وادي القرى [وما حوله].
قال لهم: ﴿يَاقَوْمِ اعبدوا (الله)﴾، ما لكم من يجب أن تعبدوه إلا الله، ﴿قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾، أي: حجة وبرهان على صدق ما أقول لكم، ﴿هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً﴾، أي: دليل على صدق ما جئتكم به.
وذلك أنهم سألوه آية، [أي:] حجة على صدق ما جاءهم به، حكى الله عنهم أنهم قالوا: ﴿فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ [الشعراء: ١٥٤].
رُوِيَ أنهم/ سألوا صالحاً ءاية، فقالوا: اخرج لنا من الجبل ناقة عُشَراءَ، وهي الحامل، فتضع فصيلاً، ثم تغدو إلى هذالاماء فتشربه، ثم تغدو علينا بمثله لبناً سائغاً عذباً طيباً، فأجاب الله (تعالى) صالحاً (عليه السلام) فيما سألوه. فقال لهم
قال السدي: كانت تأتيهم يوم شُرْبهَا فتقف لهم حتى يَحْلُبُواْ اللبن فترويهم، إنما تصب صباً وكان معها فصيل لها، فقال لهم صالح (عليه السلام): إنه يولد في شهركم هذا غلام يكون هلاككم على يديه، فولد لتسعة منهم في ذلك الشهر، فذبحوا أبناءهم، ثم ولد للعاشر، وكان لم يولد له قط فتركه، وكان أزرق أحمر فنبت نباتاً سريعاً، فإذا مر بالتسعة قالوا: لو كان أبناؤنا أحياء كانوا مثل هذا! فضغبوا على صالح؛ لأنه أمرهم بذبح أبنائهم ف: ﴿تَقَاسَمُواْ﴾، أي: تحالفوا،
﴿لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ﴾ [النمل: ٤٩]، وذلك أنهم قالوا: نخرج فيرى الناس أنا قد
قال قتادة: قال عاقر الناقة لهم: لا أقتلها حتى ترضوا أجمعين فجعلوا يدخلون على المرأة في خدرها فيقولون: ترضين؟ فتقول: نعم! وكلك الصبي حتى رضوا أجمعين فعقروها.
قال وهب: بعثه الله إلى قومه حين رَاهَقَ الحلم، وارتحل صالح بمن كان معه إلى مكة محرمين فأقاموا بها حتى ماتوا، فقبورهم بين دار الندوة والحِجْر.
روي أنه كان بين موت هود وصالح، صلوات الله عليهما، أكثر من خمس مائة سنة.
قوله: ﴿واذكروا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ﴾، إلى: ﴿جَاثِمِينَ﴾.
قرأ الحسن: " تَنْحَتُونَ "، بالفتح، للمبالغة.
والمعنى: إن صالحاً، عليه السلام، ذكرهم نعم الله ( تعالى) عليهم، وأنه استخلفهم في الأرض بعد عاد.
﴿وَبَوَّأَكُمْ فِي الأرض﴾. أي: جعل لكم فيها مساكن وأزواجاً.
﴿تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً﴾. أي: تبنون في السهل من الأرض قصوراً.
﴿وَتَنْحِتُونَ الجبال بُيُوتاً﴾. قال السدي: كانوا ينقبون في الجبال البيوت، وذلك لطول أعمارهم.
﴿فاذكروا آلآءَ الله﴾.
﴿وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأرض مُفْسِدِينَ﴾. أي: تفسدوا أشد الفساد. والعثو: أشد الفساد.
ف: ﴿قَالَ الملأ الذين استكبروا مِن قَوْمِهِ﴾، أي: الأشراف الذين استكبروا عن الإيمان، ﴿لِلَّذِينَ استضعفوا﴾، وهم: أهل المسكنة من تُبَّاع صالح (عليه السلام)، المؤمنين منهم، ﴿أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً﴾، رسول الله، ﴿قالوا إِنَّا﴾ بالذي أرسله الله به ﴿مُؤْمِنُونَ﴾، أي: مقرون أنه من عند الله ( تعالى)، ﴿ قَالَ الذين استكبروا﴾، عن أمر الله (سبحانه)، ﴿إِنَّا بالذي آمَنتُمْ بِهِ﴾ ما جاء به صالح، ﴿كَافِرُونَ﴾
فعقرت ثمود ناقة الله ( تعالى)، ﴿ وَعَتَوْاْ﴾، أي: تجبروا وتكبروا عن أمر ربهم.
وقال مجاهد: ﴿عَتَوْاْ﴾: علو في الباطل.
وسألوه أن يأتيهم العذاب الذي أوعدهم به، ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة﴾، أي: الصيحة.
قال مجاهد والسدي: ﴿الرجفة﴾: هي الصيحة.
يقال: رجف بفلان: إذا حرك وارتجج.
﴿فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾.
أي: ساقطين على رُكَبِهِمْ. وأصل الجُثُومِ، للأرنب، والطير، وشبهه، وهو البروك على الركب.
ومعنى ﴿دَارِهِمْ﴾: عند مسكنهم، وموضعهم اجتماعهم وهي القرية.
ومعنى ﴿دِيَارِهِمْ﴾ [هود: ٦٧]: منازلهم.
والمعنى: فأدبر عنهم (صالح، عليه السلام،) وخرج من بين أظهرهم حين عقروا الناقة واستعجلوه في العذاب، وأوحى الله ( تعالى، إليه) أنه مهلكهم بعد ثلاثة أيام. ولم يهلك الله ( تعالى) أمة ونبيها بين أظهرها.
وقال لهم عند خروجه: ﴿ياقوم لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن﴾ لستم ﴿تُحِبُّونَ الناصحين﴾، فهلكوا بأجمعهم في ديارهم، إلا رجلاً كان يحرم الله (عز جل)، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه.
نصب ﴿لُوطاً﴾ على " وأرسلنا لوطاً "، أي على معنى: واذكروا لوطاً.
﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الفاحشة﴾. أي: أتأتون الذكران.
﴿مَا سَبَقَكُمْ﴾، لفعل هذا أحد ﴿مِّن العالمين﴾.
﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً﴾ هذا توبيخ لهم وتقريع.
وقوله: ﴿شَهْوَةً﴾: مصدر، أي تشتهون ذلك شهوة.
واللوطي يرجم عند مالك، أحصن أو لم يحصن. وكذلك قال أكثر العلماء.
وروي عنه أنه قال: يرجم إن كان مُحْصَناً، ويُحْبَس ويؤَدَّب إن كان غير محصن، وهو قول عطاء، والنخعي، والحسن، وابن المسيب، وقتادة.
وقال النعمان والحكم: يُعَزَّرُ عقوبة.
وهذا إنما هو في المرأة التي ليست منه بزوجة ولا ملك يمين.
ثم أخبر، تعالى، عن جواب قوم لوط له إذ وبخهم، فقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ﴾ قولهم: ﴿أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾، أي: قال بعضهم لبعض ذلك، أخرجوا آل لوط وابنتيه، ولذلك جمع في ﴿أَخْرِجُوهُمْ﴾.
وقيل المعنى: أخرجوا " لوطاً " ومن كان على دينه.
وقال السدي: معناه: يتحرجون.
وقال مجاهد معناه: يتطهرون من أدبار الرجال [وأدبار] النساء.
وقيل: معنى ﴿يَتَطَهَّرُونَ﴾، أي: يتنزهون عن أعمالكم.
قال الله ( تعالى) :﴿ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ﴾، يريد ابنتيه، ﴿إِلاَّ امرأته﴾، لم تنج؛ لأنها كانت خائنة للوط كافرة، ﴿كَانَتْ مِنَ الغابرين﴾، أي: من الباقين
وقيل المعنى: ﴿مِنَ الغابرين﴾، [أي: من الغائبين] عن النجاة.
قال حذيفة: إنما حق القول على قوم لوط حين استغنى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء.
وقال [أبو] عبيدة: المعنى: ﴿كَانَتْ مِنَ الغابرين﴾، أي: من المُعَمَّرِينَ أي: قد هَرِمَت.
ورُويَ أن جبريل، عليه السلام، اقتلع مدائنهم وهي ست فأهوى بها حتى بلغ بها السماء بجناح واحد، حتى سمع أهل السماء نُهَاق الحمير، ونُبَاح الكلاب، وصُرَاخ الديوك، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها، وتبعت الحجارة من كان خارج المدائن منهم.
والغابر في اللغة: من الأضداد هو الباقي، والذاهب.
وذَكَّرَ هذا الجمع؛ لأنه غَلَّبَ فيه المذكر [على المؤنث].
وقوله: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ﴾.
قوله: ﴿وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً﴾، إلى: ﴿الحاكمين﴾.
المعنى: وأرسلنا إلى مدين أخاهم شعيباً.
وكان شعيب زوج بنت لوط.
ومدين: قبيلة.
وقيل: هو اسم أرض.
وقيل هم أمة بعث إليهم، فقال لهم: ﴿اعبدوا الله﴾، ليس لكم (من يحب) أن تعبدوه إلا هو.
﴿قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الكيل والميزان﴾.
أي: أوفوا الناس حقوقهم.
﴿وَلاَ (تَبْخَسُواْ الناس أَشْيَاءَهُمْ﴾}.
أي: لا تنقصوهم حقوقهم) ولا تظلموهم.
أي: لا تعملوا بالمعاصي في أرض الله، بعد أن أصلح الله (سبحانه) الأرض، بأن بعث فيها نبياً، يدل على الطريق المستقيم.
﴿ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾.
أي: مصدقين، أي: هذا الذي أمرتكم به من إخلاص العبادة لله ( تعالى) وأداء الحقوق، وترك الفساد في الأرض، خير لكم من غيره.
﴿وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ﴾.
أي: في كل صراط، أي: طريق.
﴿تُوعِدُونَ﴾.
﴿وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً﴾.
أي: تبغون لها عوجاً، أي: لا تقعدوا بكل طريق، توعدون المؤمنين بالقتل.
وكانوا يقعدون على طريق من يأتي إلى شعيب ليؤمن، يتوعدونه بالقتل ويخوفونه، ويقولون: هو كذاب، وهو قوله: ﴿وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله مَنْ آمَنَ بِهِ﴾،
وقال السدي: هم العاشرون.
قوله: ﴿واذكروا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ﴾. أي: كان عددكم قليلاً فكثركم.
﴿وانظروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين﴾.
الذين أُهْلِكُوا من قبلكم، بعضهم أُهْلِكَ: بالصيحة، وبعضهم: بالحجارة، وبعضهم: بالغرق.
ثم قال لهم: ﴿وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ﴾، أي: جماعة وفرقة، ﴿وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فاصبروا حتى يَحْكُمَ الله بَيْنَنَا﴾، أي: يقضي، ﴿وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين﴾.
قوله: ﴿قَالَ الملأ الذين استكبروا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ ياشعيب﴾، إلى: ﴿الفاتحين﴾.
وقوله: ﴿قَدِ افترينا عَلَى الله كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ﴾.
أي: قال شعيب لقومه إذْ دعوه إلى ملتهم، وَتَوَعَّدوه بالطرد: ﴿قَدِ افترينا عَلَى الله كَذِباً﴾، أي: أختلقنا على الله كذباً، وتَخَرَّصْنَا ذلك عليه، إن نحن ﴿عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ﴾، أي: دينكم، بعد أن أنقذنا منها. وهذا من قول من آمن به وقد كان كافراً. فأما شعيب فلم يكن على ملتهم قط.
وقيل المعنى: إلا أن يشاء الله أن نعود، وهو لا يشاء ذلك أبداً بمنزلة قوله: ﴿حتى يَلِجَ الجمل فِي سَمِّ الخياط﴾ [الأعراف: ٤٠]. وقيل: هو استثناء من الأول.
﴿وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً﴾. أي: أحاط به، فلا يخفى عليه شيء [كان، ولا شيء هو كائن]، فإن سبق في علمه أنا نعود في شيء منها؛ فلا بد أن يكون.
ثم قال: ﴿عَلَى الله تَوَكَّلْنَا﴾. أي: عليه نعتمد في أمورنا.
﴿رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق﴾. أي: احكم بيننا وبينهم.
قوله: ﴿وَقَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ اتبعتم شُعَيْباً﴾، إلى قوله: ﴿كافرين﴾.
المعنى: قال بعض من كفر بشعيب لبعض: ﴿لَئِنِ اتبعتم شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ﴾، أي لمغبونون في فعلكم.
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة﴾. أي: فأخذت الكفار منهم الزلزلة.
﴿فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾. أي: باركين على ركبهم. وقيل: خامدون.
وكان قوم شعيب أصحاب " لَيكَة "، وهي: الغَيْضَة من الشجر. وكانوا مع
ونجى الله شعيباً والذين آمنا معه، فسكنوا مكة حتى ماتوا (بها).
وقوله: ﴿الذين كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا﴾.
﴿الذين كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ الخاسرين﴾. أي: الهالكين.
﴿فتولى عَنْهُمْ﴾.
وقرأ طلحة بن مُصَرِّف، ويحيى بن وَثَّاب، والأعمش: (إِيسى "، بكسر الهمزة، (وهي لغة تميم).
قوله: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ﴾ إلى: ﴿يَشْعُرُونَ﴾.
هذه الآية تحذير لقريش، ومن كفر بالنبي ( ﷺ)، وإعلام من الله
و ﴿بالبأسآء﴾. البؤس وضيق العيش.
﴿الضرآء﴾، النصر.
﴿لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ﴾، أي: فعل ذلك بهم، ليتضرعوا إلى الله ( تعالى) ويخشعوا، وينيبوا عن الكفر.
قال السدي، ﴿بالبأسآء والضرآء﴾: الفقر والجوع.
وقال ابن مسعود: ﴿بالبأسآء﴾، الفقر، و ﴿والضرآء﴾، المرض.
وقيل: ﴿بالبأسآء﴾، المصائب في المال، و ﴿والضرآء﴾، المصائب في البدن.
سمي [الضرر والفقر سيئة، لأنه يسوء صاحبه.
و ﴿الحسنة﴾: الرخاء والصحة. سمي] ذلك حسنة، لأنها تحسن عند من حلت به، فبدل الله ( تعالى) لهم مكان الضرر والفقر، الرخاء والصحة، ﴿حتى عَفَوْاْ﴾ أي: تضاعف أعدادهم بالتناسل، وهو من الأضداد، يقال: " عفا ": كثر، و " عفا ": درس.
ومن الكثرة قوله عليه السلام: " أَخْفُوا الشَّوَارِبَ واعْفُوا اللِّحَى "، أي: وفروا [اللحى] حتى يكثر شعرها.
قال ابن زيد: معناه، بدلنا مكان ما كَرِهُوا ما أحَبُّوا.
وعن مجاهد: ﴿عَفَوْاْ﴾، كثرت أموالهم وأولادهم.
وقال قتادة: ﴿عَفَوْاْ﴾، سُرُّوا.
أي: سُرُّوا بكثرتهم، وذلك استدراج منه لهم؛ لأنه أخذهم بالشدة ليتعظوا فلم يفعلوا. ثم أخذهم بالرخاء لعلهم يشكرون، استدراجاً لهم، ف: ﴿وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضرآء﴾، وهو الضيق في المعاش، ﴿والسرآء﴾: السرور والسعة، فنحن
وقد كرر الله، تعالى، قصص الأنبياء وأممها، في سور كثيرة بألفاظ مختلفة، ومعان متقاربة. ونحن نذكر علة تكرار ذلك في القرآن، بما حضرنا من أقوال العلماء، إن شاء الله.
في تكرار الأنبياء والقصص
في القرآن
علة ذلك أن القرآن نزل شيئاً بعد شيء نُجُوماً، في ثلاث وعشرين سنة، فكانت العرب ترد على النبي ﷺ، / من كل أُفُق فيقرئهم المسلمون السورة من القرآن، فيذهبون بها إلى قومهم.
وكان يبعث إلى القبائل المتفرقة، بالسور المختلفة، فيبلغ إلى هؤلاء من القصص ما لم يبلغ إلى هؤلاء، فثنى الله القصص وكررها ليكون يبلغ إلى هؤلاء ما يبلغ إلى
ولو نزل القرآن جملة واحدة لسبق حدوث الأسباب التي أنزله الله ( تعالى) بها، ولثقلت جملة الفرائض على المسلمين، وعلى من أراد الدخول في الدين ولفسد معنى النَّسْخ، فإنما نزل فَرْضاً بَعْدَ فَرْضٍ، تدريجياً للعباد وتيسيراً عليهم إلى أن يكمل دين الله ( تعالى).
كل ذلك تثبيتاً لهم على الإسلام، قال الله: ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ [الفرقان: ٣٢]، وهذا جوابهم إذا قالوا: ﴿لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾ [الفرقان: ٣٢]، فإنما نزل متفرقاً ليثبتهم على الإسلام، إذ لو نزلت الفرائض مرة واحدة، لكان ذلك داعية إلى النقار
فإن قيل: هلا كررت الفرائض كما كررت القصص؟
قيل: إن الفرائض كان رسول الله ( ﷺ) يبعث بها إلى كل قوم ليعلمهم بها فرض الله عليهم، من الصلاة والزكاة، فكل المؤمنين يصل إليه ذلك ببعث رسول الله (عليه السلام) إذ ذلك وجب عليه، وهو من تمام التبليغ.
والقصص ليست كذلك، إنما نزلت على طريق الاعتبار، فليس يقتص بها كل من آمن، فكررت لتشتهر عند المؤمنين.
فإن قيل: فلم كرر ﴿فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن: ١٣، ٧٧]، و: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي
فالجواب أن مذهب العرب: التكرار للتوكيد والإفهام، كما أن من مذابهم: الاختصار للتخفيف، فيقولون: " عجل عجل "، و " الزم الزم "، فكررون للتأكيد، ويقولون: " الهلال والله ". [أي: هذا الهلال]، فيختصرون للتخفيف.
وربما استوحشوا من الإعادة فغيروا اللفظة الثانية فيقولون: (هو) " عَطْشان نَطْشان " "، و " حَسَنٌ بَسَنٌ "، و " شَيْطَان [لَيْطان] "، أبدلوا الثاني وغيروه لئلا يعيدوه بلفظه إذ لم يكن (لهم) بد من التأكيد.
ومن العلة في التكرار ﴿فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾، أن الله تبارك وتعالى، عَدَّدَ في " الرحمن " ألاءه ونعمه، ونبههم على ما أعد للمؤمنين من نعمة، فأتبع كل نعمة ذكرها الاستفهام بمعنى: التوبيخ، والسؤال لهم بأي نعمة يكذبون، لتكون فاصلة بين [كل نعمة] ذكرها وبين ما بعدها من نعمة أخرى، ليفهموا كل نعمة على
ومثل: هذا تكراره: ﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾ [القمر: ١٥، ١٧، ٢٢، ٣٢، ٤٠، ٥١] في سورة: " اقترتب "؛ لأنه يذكر/ لهم آياته، وَعِبَر ما يعتبرون به، ثم نبههم على الاعتبار والادكار بذلك، فإذا ذكر آية وعِبَراً نبههم على الاعتبار بها، وكرر ذلك عليهم، ليكون أَفْهَم لهم.
وقد يأتي تكرار المعنى بلفظين مختلفين، وذلك للاتساع في المعنى واللفظ، نحو قولك: " آمرك بالوفاء، وأنهاك عن الغدر "، والأمر بالوفاء هو النهي عن الغدر.
ومثله: " آمرك بالتواصل، وأنهاك عن التقاطع ".
وكقوله: ﴿فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ﴾ [الرحمن: ٦٨]، والنخل والرمان من الفاكهة، فَأُفْرِدَا عن
ومثله قوله: ﴿حَافِظُواْ عَلَى الصلوات والصلاة الوسطى﴾ [البقرة: ٢٣٨]، وهي منها، فأفردها بالذكر ترغيباً فيها، كما تقول العرب: " إيتني كل يوم (ويوم) الجمعة.
ومنه قوله: ﴿لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم﴾ [الزخرف: ٨٠]، والنجوى هو السر.
وقد يكون " السر ": ما أسروا في أنفسهم، و " النجوى ": ما تَسَارَوُا به سِرّاً، وهذا كما قال ذو الرُّمة:
وقريب من هذا: الزيادة للتأكيد، كقوله: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٧]؛ لأن الرجل قد يقول بالمجاز: كتاباً ورسالة، وعلى لسان غيره.
ومنه قوله: ﴿فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ﴾ [البقرة: ٧٩]؛ لأن الرجل قد يضاف إليه الكتاب، والكاتب غيره. يقول الأمي: كتبت إليك، وإنما كُتِبَ له، وكتب الأمير كتاباً، وإنما أمر بِكِتُبَتَهِ، فَبَيَّنَ بقوله: ﴿بِأَيْدِيهِمْ﴾، أنهم بأنفسهم كتبوه على الحقيقة.
وقال تعالى: ﴿فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً باليمين﴾ [الصافات: ٩٣]، فذكر اليمين؛ لأن فيها القوة وشدة البطش، فأخبر بذلك عن شدة الضرب.
ومثله: ﴿وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ [الأنعام: ٣٨]، فأكد بذلك، كما تقول: رَأْيُ عَيْنِي وسَمْعُ أُُذنيِ].
ومثله قوله تعالى: ﴿فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحج وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٦].
قوله: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرىءَامَنُواْ (واتقوا)﴾، إلى قوله: ﴿فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ﴾.
المعنى: ولو أن أهل القرى الذين أرسل إليهم الرسل آمنوا، لنزل مطر السماء عليهم. وأنبتت الأرض، فذلك " البركات ".
فمعنى: ﴿بركات مِّنَ السمآء﴾. أي: ما يتتابع من [خير] السماء والأرض.
﴿ولكن كَذَّبُواْ﴾، بالرسل. ﴿فأخذناهم﴾. أي: عجلناهم العقوبة. ﴿بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾. أي: بعملهم الرديء.
﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ القرى﴾، [أي] المكذبون، ﴿أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا﴾، أي: عقوبتنا، ﴿بياتا﴾، أي: ليلاً، ﴿وَهُمْ نَآئِمُونَ﴾، أو يأتيهم ﴿ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾. يقال لكل من عمل
﴿أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ/ الله﴾.
أي: أستدراج الله إياهم بما أنعم عليهم في دنياهم من الصحة والرخاء، فليس بأمن استدراج الله ﴿إِلاَّ القوم الخاسرون﴾، أي: الهالكون.
وقيل: هو توعد لمن كذب بمحمد، (عليه السلام).
وقيل: ﴿مَكْرَ الله﴾ ( تعالى) : عذابه.
قوله: ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ﴾، المعنى: أو لم يهد الهدى، أي: يبين لهم الهدى.
وقيل معنه: أولم يهد الله، أي: يبين لهم الله، أنه لو شاء أصابهم بذنوبهمه، كما فعل بمن كان قبلهم، الذين ورث هؤلاء الأرض عنهم.
﴿وَنَطْبَعُ على قُلُوبِهِمْ﴾. أي: نختم عليها، فلا ينتفعون بموعظة.
وقال ابن زيد: أو لم يتبين لهم.
وأكثرهم على أن المعنى: أو لم يَبِنْ لهم؛ لأن أصل الهدى: البيان.
قوله: ﴿تِلْكَ القرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا﴾، إلى قوله: ﴿لَفَاسِقِينَ﴾.
والمعنى: تلك القرى، يا محمد، نقص عليك من أخبارها، وهو ما تقدم ذكره: من قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وقوم شعيب، لتعلم أنا ننصر رسلنا.
ثم قال (الله) تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات﴾.
أي: ولقد جاءت أهل القرى رسلهم، بالحجج [البينات].
وقوله: ﴿فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ﴾.
قال مجاهد: المعنى: ليس يؤمنوا، ﴿بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ﴾، أي: من قبل هلاكهم، أي: لو رُدُّوا إلى الدُّنيا بعد هلاكهم لم يؤمنوا بما كذبوا من قبل هلاكهم، مثل: ﴿وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ﴾ [الأنعام: ٢٨].
وقال الربيع بن أنس: كان في علمه ( تعالى) يوم أقروا بالميثاق أنهم لا يؤمنون.
وقوله: ﴿كذلك يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الكافرين﴾.
أي: كما طبعنا على قلوب هؤلاء الذين أهلكوا ولم يؤمنوا، كذلك نطبع على قلوب المعتدين من أمتك يا محمد، أي: نختم عليها فلا يؤمنوا لما تقدم في عمله منهم. وهذا إخبار [من] الله (تعالى) لنبيه (عليه السلام) عن قوم من أمته [أنهم] لا يؤمنون أبداً، كما قال لنوح (عليه السلام): ﴿أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ﴾ [هود: ٣٦]، وكما قال لمحمد ﷺ،: ﴿ إِنَّ الذين كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: ٦].
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ﴾.
أي: ما وجدنا لهؤلاء المهلكين " عهداً "، أي: وفاء بما وصيناهم به، وما
مذهب الفراء: أنَّ ﴿إِنْ﴾ بمعنى: " ما "، و " اللام " بمعنى إلا.
ومذهب سيبويه أنها " إنْ " المخففة [من الثقيلة)، ودخلت " اللام " لئلا تشتبه " إِنْ " التي بمعنى: ما.
وقال بعض البصريين: دخلت " إنْ " و " اللام " على معنى التأكيد واليمين. وتدخل " إِنْ " هذه على الأفعال أيضاً، [تقول]: إِنْ ظَنَنْتُ زيداً لقائماً.
ومعنى ﴿لَفَاسِقِينَ﴾،: خارجين عن طاعة الله.
قوله: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم موسى بآياتنآ إلى فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَظَلَمُواْ بِهَا﴾، إلى قوله: ﴿لِلنَّاظِرِينَ﴾.
والمعنى: ثم بعثنا (من) بعد هؤلاء الذين ذكرنا من الأنبياء. ط
وقيل: من/ بعد الأمم المذكورة، موسى.
﴿بآياتنآ﴾. أي: بحجتنا. ﴿إلى فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَظَلَمُواْ بِهَا﴾. أي: فجحدوا وكفروا بها.
ومات هارون (عليه السلام)، وهو ابن مائة وسبع عشرة سنة، وعاش
وكان في وجه هارون شامة، وفي أَرْنَبَة موسى شامة، وعلى طرف لسانه شامة، وهي العقدة التي حلها الله ( تعالى)، له.
قوله: ﴿فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة المفسدين﴾.
أي: فانظر، يا محمد، بعين قلبك، ﴿كَيْفَ كَانَ عاقبة المفسدين﴾، يعني فرعون وملأه، إذ غرقوا في البحر جميعاً.
وموسى، هو: ابن عمران بن ناهب بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن
وفرعون موسى هو فرعون يوسف، عَمِر أكثر من أربع مائة عام. وامسه: الوليد بن مصعب.
(وقوله): ﴿وَقَالَ موسى يافرعون إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ العالمين * حَقِيقٌ عَلَى﴾.
أي: خليق وجدير قول الحق على الله، ( تعالى).
وقيل المعنى: ﴿حَقِيقٌ عَلَى﴾ ترك القول على الله (سبحانه) إلا بالحق.
فمن أضاف ﴿عَلَى﴾ فمعناه: واجب عليَّ قول الحق على الله (سبحانه).
حريص على قول الحق علىَّ الله (جلت عظمته).
(وقيل) معناه: مَحْقوُقٌ عليَّ أن لا أقول على الله إلا الحق، وهو فعيل بمعنى مفعول، كقتيل. هذا في قراءة من لم يضف.
قوله: ﴿قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾. أي بحجة.
﴿فَأَرْسِلْ مَعِيَ بني إِسْرَائِيلَ﴾.
وكان بنو إسرائيل يؤدون الجزية إلى فرعون وقومه، فسأله موسى (عليه السلام)، أن يتركهم معه قال له فرعون: ﴿قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ﴾، فألفى موسى عصاه فإذا هي حية ظاهرة لمن يراها فَاغِرَة فَاهَا، فاستَغَاثَ فرعون بموسى، حين رآها قصدته، فَكَفَّها موسى (عليه السلام)، عنه.
قال وهب بن مُنَّبِه: أمر فرعون بموسى، فقال: خذوه! فبادره موسى (عليه السلام)، فألقى عصاه، فصارت ثعباناً، فحملت على الناس فانهزموا، فمات منهم خمسة وعشرون ألفاً، قتل بعضهم بعضاً، وقام فرعون منهزماً حتى دخل البيت.
وكان ما بين لَحْيَيْ الحية أربعون ذراعاً.
وقوله: ﴿وَنَزَعَ يَدَهُ﴾.
أي: أخرجها (من جيب قميصه)، (بيضاء تلوح، (تدل) على صدقه فيما يقول، بياضاً من غير/ برص. ثم أعادها إلى موضعها، فرجعت كما كانت، وكان قد أخرجها من جيبه، فأخرجها بيضاء تلوح للناظرين.
قال السدي: وضعت لَحْيَهَا الأسفل في الأرض، والآخر على أعلى سور القصر، ثم توجهت نحو فرعون لتأخذه فَذُعِرَ منها، (ووثب) وأَحْدَثَ، ولم يكن
قوله: ﴿قَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ (عَلِيمٌ)﴾ الآيات الأربع.
من قرأ ﴿أَرْجِهْ﴾، بغير همز، احتمل ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون على البدل للهمز، ثم حذف الياء؛ لأنه أَمْرٌ، كما أجازوا " أقرَ " يا هذا، بغير ألف ولا همز.
والوجه الثاني: أن [يكون] على لغة من قال: " أَرْجَيْتُ "، وهي لغة: أسد،
والوجه الثالث: قاله المبرد، قال: هو من: رجا يرجو، أي: اتركه يرجو وأَطْمِعْهُ.
وقد أنكر جماعة النحويين: الإسكان في الهاء. وقد ثبت ذلك عن الأئمة من القراء.
وفيها علة أخرى، وذلك أن هذه " الهاء " صارت في موضع اللام. وكان من حق اللام لو كان من حروف السلامة أن يسكن. والهاء من حروف السلامة فسكنت، إذ حلت محل اللام، فصارت بمنزلة ميم " أكرم ".
وفيها علة أخرى، وهي أن " الواو " جائز حذفها بعد " الهاء " فصارت بمنزلة
وفيها علة رابعهة، وذلك أنهم قد شبهوا هاء السكت بهاء الإضمار، فأثبتوها في الوقف. وبعضهم وصلها بياء كهاء الإضمار، فلما شبهت بهاء، جاز تشبيه هاء الإضمار بهاء السكت في السكون؛ لأن من حق هاء السكت السكون فشبهت بها، فجاز إسكانها.
ومعنى الآية: قال أشراف قوم فرعون من القبط: ﴿إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ﴾، أي عليهم بالسحر، ﴿يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ﴾، أي: أرض مصر، ﴿فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾، أي: أي شيء تأمرون أن يفعل في أمره؟.
قوله: ﴿وَجَآءَ السحرة فِرْعَوْنَ قالوا إِنَّ لَنَا لأَجْراً﴾ الآيات الثلاث.
في هذا الكلام اختصار وحذف. والمعنى: فأرسل فرعون ﴿فِي المدآئن حَاشِرِينَ﴾، فحشروهم، فجاء السحرة فرعون.
ومعنى الآية: قال ابن عباس: قال فرعون: لا نغالبه، يعني موسى، إلا بمن هو مثله، فأعد غلماناً من بني إسرائيل، فبعث بهم إلى قرية، يقال لها: " الفَرَمَاء "، يعلمونهم السحر، كما يعلم الصبيان في الكتاب، فعلموا سحراً كثيراً.
وواعد موسى فرعون موعداً، فلما كان في ذلك/ الموعد، بعث فرعون فجاء بهم، وجاء بمعلميهم معهم فقال لهم ماذا صنعتم، قالوا قد علمناهم سحراً لا يطيقه سحر أهل الأرض، إلا أن يكون أمر من السماء، فإنهم لا طاقة لهم به، فلما جاء السحرة
رُوِي: أن السحرة كانوا سبعين ألفاً. وقيل: خمسة عشر ألفاً. وقال ابن المُنْكَدِرُ: كانوا ثمانين ألفاً. وقال كعب: أثنى عشر ألفاً.
إذا كان في الكلام مع " إما " معنى الأمر، فلا بد من دخول " أَنْ " بعدها، وتقديره: اختر أن تلقى، كقولك للرجل: " إِمّا أَنْ تمضي وإِمَّا أَنْ تقعد ". فإِنْ كان الكلام خبراً ليس فيه معنى الأمر، لم يجز دخول " أَنْ " البتة، كقوله تعالى:
﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ الله إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ٦]، وكذلك ما كان في معنى الجزاء، وهي مكسورة في كل ذلك.
و" أَنْ " عند الكسائي في موضع نصب.
قوله: ﴿قَالَ أَلْقَوْاْ فَلَمَّآ أَلْقُوْاْ سحروا [أَعْيُنَ الناس]﴾، الآية.
والمعنى: قال لهم موسى: ألقوا فلما ألقوا (سحرهم) سحروا أعين الناس،
ق السدي: كانوا بضعة ومائتي ألف، ليس منهم رجل إلا [معه] حبل وعصا.
قال ابن إسحاق: صَفَّ فرعون خمسة عشر ألف ساحر، مع كل واحد حباله وعصيه. وخرج موسى (عليه السلام)، معه أخوه يتكئ على عصاه، حتى أتى الجمع فألقوا ما في أيديهم فإذا هي حيات كأمثال الجبال، قد ملأت الوادي يركب بعضها
قوله: ﴿وَأَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ﴾، [الآية].
قال ابن عباس: فألقى موسى عصاه فإذا هي حية فجعلت تلقف ما يأفكون لا تمر بشيء من حبالهم وخُشُبِهم إلا التقمته، فعرفت السحرة أن هذا أمر من السماء، وأنه ليس بسحر فَخَرَّوا سُجَّداً، وقالوا: آمنا برب العالمين رب موسى وهارون.
وقيل: إنهم ما رفعوا رؤسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلهما.
ومعنى: ﴿مَا يَأْفِكُونَ﴾، ما يكذبون.
قال الكلبي: فقال السحرة بعضهم لبعض: لو كان هذا سحراً لبقيت حبالنا وعصينا. فَخَرُّوا عند ذلك ساجدين.
المعنى: وظهر الحق لمن شهد. وبطل سحرهم.
﴿وَأُلْقِيَ السحرة سَاجِدِينَ﴾، عند معرفتهم أن (ذلك) الذي أتى به موسى (عليه السلام)، ليس إلا من السماء، ﴿قالوا آمَنَّا بِرَبِّ العالمين﴾، أي صدقنا بما جاء به موسى وبربه وربِّ هارون.
قوله: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ﴾، إلى ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾.
المعنى: قال فرعون لهؤلاء الذين آمنوا: ﴿آمَنتُمْ بِهِ﴾، أي صدقتموه.
قيل: " الهاء " لله. وقيل: لموسى، عليه السلام.
قل ابن عباس، وابن مسعود، وغيرهما، من أصحاب النبي، ﷺ: التقى موسى وأمير السحر، فقال له موسى: أرأيتك إن غلبتك تؤمن بي، وتشهد أن ما جئت به حق؟ قال الساحر: لآتين غاداً بسحر لا يغلبه سحر، فوالله لئن غلبتني لأؤمنن بك، ولأشهدن أنك نبي حق! وفرعون ينظر إليهما، فذلك قول فرعون: ﴿إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي المدينة﴾، إذ التقيتما لتتظاهرا فتخرجا منها أهلها.
قوله: ﴿لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ [مِّنْ خِلاَفٍ]﴾، إلى: ﴿مُنقَلِبُونَ﴾.
وقال ابن عباس: أَوَّلُ من صلب، وأَوَّلُ من قطع من خلاف فرعون.
قالت السحرة لفرعون إذا توعدهم بالقطع والصلب: ﴿إِنَّآ إلى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ﴾ أي: صائرون وراجعون.
قوله: ﴿وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ [إِلاَّ أَنْ آمَنَّا]﴾، إلى: ﴿قَاهِرُونَ﴾.
المعنى: وما تنكر منا إلا إيماننا بربنا، إذ رأينا الآيات والحجج. ثم قالوا: ﴿رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً﴾، أي: أنزل علينا صبراً يشملنا فلا تُخْرِج عن الإيمان إلى الكفر بعذاب فرعون لنا، ﴿وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ﴾، أي: أقبلنا إليك
قال السدي: فقتلهم وقطعهم.
قال ابن عباس: كانوا أول النهار سحرة وآخره شهداء.
وقاله قتادة، وابن جريج.
ثم قال تعالى مخبراً عنهم: ﴿[وَ] قَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ﴾، أي: قال جماعة من أشراف قومه،: ﴿أَتَذَرُ موسى وَقَوْمَهُ﴾، أي: أتدع يا فرعون، موسى وقومه من بني إسرائيل، ﴿لِيُفْسِدُواْ فِي الأرض﴾ أي: كي يفسدوا عليك خدمك وعبيدك في أرضك من مصر، ﴿وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾، أي: ويدع خدمتك موسى وعبادتك وعبادة آلهتك.
وإن جعلت المعنى ﴿لِيُفْسِدُواْ فِي الأرض وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ﴾ على التوبيخ لفرعون عن تركه موسى (عليه السلام)، فنصبه على العطف على ﴿لِيُفْسِدُواْ﴾.
وقرأ ابن عباس، ومجاهد: " وَيَذَرَكَ وإلاَهَتَكَ ". أي عبادتك.
وقوله: ﴿أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى﴾ [النازعات: ٢٤]، يدل على أنهم كانوا يعبدون غيره، ممن هو دونه عندهم، فهذا يدل على صحة قراءة الجماعة: ﴿وَآلِهَتَكَ﴾.
قال ابن عباس حجة لقراءته (" وإِلاَهَتَكَ "): كان يعبد ولا يعبد.
وبذلك قرأ مجاهد على معنى: وعبادتك.
وبه قرأ الضحاك.
وقيل: إن قوم فرعون لهم أصنام يعبدونها، تقربهم إليه فما ترون.
فأجابهم فرعون فقال: ﴿سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ﴾، أي: عالون عليهم بالملك والسلطان.
﴿وَآلِهَتَكَ﴾، وقف.
قوله: ﴿قَالَ موسى لِقَوْمِهِ استعينوا بالله﴾، الآية.
والمعنى: أن موسى (عليه السلام)، قال لقومه لما قال فرعون لقومه: ﴿سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَآءَهُمْ﴾: ﴿استعينوا بالله﴾، على فرعون وقومه، ﴿واصبروا﴾ على ما نالكم من المكاره في أنفسكم وأبنائكم. وكان قد اتبع موسى، (عليه السلام) من بني
ثم/ قال لهم موسى، (عليه السلام): ﴿إِنَّ الأرض للَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ﴾، أي: لعلكم إن صبرتم، ترثون أرضه، فإن الأرض لله، ﴿والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ﴾، أي: العاقبة المحمودة لمن اتقى الله وراقبه.
﴿مِنْ عِبَادِهِ﴾، [وقف].
وهذا يدل على أن ابن أدم غير مستطيع لشيء إلا بعون الله، (تعالى، له). وهو مذهب أهل السنة. ومثله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: ٥]، وله [في] القرآن نظائر كثيرة، تدل على أن الإنسان غير مستطيع لفعل شيء إلا بعون الله (جلت عظمته) له
قوله: ﴿قالوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا﴾. الآية.
المعنى: قال موسى (عليه السلام)، لموسى (صلوات الله عليه)، حين قال لهم: ﴿استعينوا بالله واصبروا﴾: ﴿أُوذِينَا﴾ يقتل أبنائنا، ﴿مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا﴾ (برسالة الله تعالى)، ﴿ وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾، بما توعدنا به من القتل لأبنائنا.
وقيل معنى: ﴿وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾، أي: بدركنا فرعون فيقتلنا، وذلك حين تراءى الجمعان.
قال ابن عباس: أَسْرى موسى (عليه السلام)، يبني إسرائيل حتى هجموا على البحر، فالتفتوا فإذا هم بَرهَجِ دواب فرعون، فقالوا: يا موسى، ﴿أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا﴾، أي: بذبح أبنائنا، وإحياء نسائنا، ﴿وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾، هذا البحر أمامنا، وهذا
و: " الأرض "، أرض الدنيا. وقيل: أرض الجنة. و: " الثانية " أرض الدنيا لا غير.
و ﴿عسى﴾: تَرَجِ، وهي واجبة من الله، ( تعالى).
قوله: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بالسنين﴾، إلى: ﴿لاَ يَعْلَمُونَ﴾.
لام ﴿وَلَقَدْ﴾، لام توكيد تؤكد الكلام بمعنى القسم.
والمعنى: ولقد ابتلينا تُبَّاعَ فرعون: ﴿بالسنين﴾، أي: بالجدوب سنة بعد سنة، ﴿وَنَقْصٍ مِّن الثمرات﴾، اختبرناهم بذلك، ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُون﴾، بتوبة أو رجوع، فيعتبرون.
قيل: إِنَّ ثمارهم نقصت حتى كانت النخلة تحمل تمرة واحدة.
أي: (إذا) جاءهم الخصب والعافية وكثرة الثمار، ﴿قَالُواْ لَنَا هذه﴾، ونحن أولى بها، ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾، أي: قحط ومرض، ﴿يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ﴾، أي: تشاءموا بهم، فقالوا: هذا بشؤم موسى ومن معه.
قرأ طلحة، وعيسى بن عمر: " تَطَيَّروا "، على أنه ماض.
قال الله ( تعالى) :﴿ ألا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ الله﴾.
أي: ألا إنما نصيبهم من الرخاء والجدب، وغير ذلك عند الله، تعالى.
قال ابن عباس، المعنى: ألا إن الأمر من قِبَلِ الله، ( تعالى).
وقال مجاهد، المعنى: ألا إنما الشؤم فيما يلحقهم يوم القيامة مما وُعِدُوا به من الشر.
أي: لا يعلمون أن ما لحقهم من القحط وشدة، أنه من عند الله ( تعالى)، بذنوبهم.
﴿لَنَا هذه﴾، وقف.
﴿وَمَن مَّعَهُ﴾، وقف.
قوله: ﴿وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ﴾، إلى: ﴿مُّجْرِمِينَ﴾.
﴿مَهْمَا﴾ عند الخليل: أصلها " ما " للشرط، زيدت عليها " مَا " للتوكيد، وأبدل من ألف " مَا " الأولى " هاء ".
وحكى الكوفيون: " مهما " بمعنى: " مهما ".
والمعنى: وقال (آل) فرعون لموسى: ما ﴿تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا﴾، فنؤمن (ربك)، وندع دين فرعون، ﴿فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾.
" فالطوفان ": الماء. قاله الضحاك، / وأبو مالك.
قال ابن عباس: هو الغرق.
قال مجاهد: هو الموت.
قال قتادة: سال عليهم [الماء] حتى قاموا [فيه قياماً]، فسألوا موسى، (عليه السلام)، أن
قال الضحاك: جاءهم من المطر شيء كثير، فسألوا موسى (عليه السلام)، أن يدعو الله ( تعالى) ليكشفه عنهم، ويرسلوا معه بني إسرائيل، فدعا الله، فكشف عنهم وأخصبت البلاد، فعادوا، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل، فصب الله على زُرُوعهم الجراد فأكله، فسألوا موسى فدعا، فكشف عنهم. ثم عادوا إلى كفرهم.
وروت عائشة عن النبي، ﷺ، أنه قال " ﴿الطوفان﴾: الموت ".
وعن ابن عباس قال: هو أَمْرٌ من (أمر) الله ( تعالى)، طاف (بهم)، وقرأ: ﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ﴾ [القلم: ١٩].
و: ﴿الطوفان﴾: مصدر كالنقصان، لا يجمع.
وقوله: ﴿والجراد والقمل﴾.
أرسل الله عليهم الجراد والقمل، وهو: الدَّبَى، فأكل زرعهم وثمارهم. ثم أكل الشجر والأبواب وسقوف البيوت. وابتلي الجراد بالجوع، فجعل لا يشبع.
قال ابن وهب: سمعت مالكاً يقول: إن ذلك " الجراد "، كان يأكل المسامير، فَعَجُّوا إلى موسى، (عليه السلام)، وصاحوا وقالوا: يا موسى، هذه المرة!
ف: ﴿ادع لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرجز﴾، وهو العذاب، ﴿لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بني إِسْرَآئِيلَ﴾ [الأعراف: ١٣٤]، فدعا لهم، فكشف عنهم بعدما
وقيل: ﴿والقمل﴾: السوس الذي يخرج من الحِنْطَة. قاله ابن عباس، وابن جبير.
وقال السدي، وعكرمة، وغيرهما: هو الدَّبَى الذي لا جناح له.
وقال ابن زيد: هي البراغيث.
وقال الحسن: هي دَوابٌ صَغَارٌ سُودٌ.
وقال أبو عبيدة: ﴿والقمل﴾: الحَمْنَانُ، وهو ضرب من القِرَاد،
و ﴿والقمل﴾: جمع واحدته: " قَمْلَةٌ ".
قال سعيد بن جبير: لما أتى موسى (عليه السلام)، فرعون، قال له: أرسل معي بني إسرائيل! فأبى عليه فأرسل الله ( تعالى)، عليهم مطراً خافوا أن يكون عقاباً، فقالوا (لموسى): ادع لنا ربك يكشف عنا المطر، فنؤمن بك، ونرسل معك بني إسرائيل! فدعا ربه ( تعالى) ؛ فكشف عنهم، فلم يؤمنوا، ولا أرسلوا معه بني إسرائيل، فأنبت لهم ذلك المطر تلك السنة شيئاً لم ينبت لهم قبل ذلك من الزرع والثمر والكلإ.
فقالوا: هذا ما كانا نتمنى، فأرسل الله عليهم الجِراد فسقط على الكلإ، فلما رأوا أثره في الكلإ عرفوا أنه لا يبقى الزرع. فقالوا: يا موسى، ادع لنا ربك يكشف عنَّا الجراد
قال السدي: وكان الإسرائيليُّ في كل هذا مُعَافىً من هذا كله. كان القبطيُّ
وعلى نحوة هذا الخبر روى أبو قتادة، وكذلك ذكر ابن عباس وغيرهما. حتى أنه رُوِيَ أن فرعون جمع (رجلين)، إسرائيلياً وقبطياً على إِناءٍ واحدٍ، فكان الذي يلي الإسرائيلي ماء، والذي يلي القطبي دماً.
قال السدي: كان أحدهم يبني الأسطوانة، يرفع فقوها الطعام، فإذا صعد ليأكله وجده، (قد) ملئ دماً.
قال ابن جبير: كان فرعون يجمع بين الرجلين على الإناء، القبطي والإسرائيلي، فيكون ما يلي الإسرائيلي ماء، وما يلي القبطي دماً.
وكان الرجل الإسرئيلي يركب السفينة مع القبطي فَيَغْرِفُ الإسرائيلي ماء،
وكانت المرأة القبطية، تأتي المرأة من بني إسرائيل، فتقول لها: اسقني من مائك من العطش، فتغرف لها من جَرَّتِها وتصب لها في قِرْبَتها، فيعود الماء دماً، حتى كانت تقول لها: اجعليه في فيك، ثم مُجِّيه في فِيَّ، فتأخذذ الإسرائيلية في فيها [ماء]، فإذا مُجَّتْهُ بِفِي القبطية، صار دماً، فمكثوا على ذلك سبعة أيام.
قال ابن جبير، والحسن: كان إلى جنبهم كثيب أَعْفَرُ بقرية تدعى: " عَيْن شَمْس ": فمشى موسى، (عليه السلام)، إلى ذلك الكثيب، فيضربه بعصاه ضربة صار قُمَّلاً تدب إليه، وهي دواب سُودٌ صِغَار. فدبت إليهمن فأخذت أَشْعَارهم وأَبْشَارهم وأَشْفَار عيونهم، ولزمت جلودهم كالجُدَري، فاستغاثوا بموسى (عليه السلام). قالا:
أرسل الله عليهم ذلك ﴿آيَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ﴾، شيئاً، (بعد شيء) كان بين الآية والآية ثمانية أيام.
ثم أخبر الله عنهم أنهم بعد هذه الآيات: ﴿فاستكبروا وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ﴾، أي: تَعَظَّموا وتَجَبَّروا وعتوا عن أمر الله، ( تعالى).
قرأ ابن جبير، ومجاهد: " الرُّجْزُ "، بضم الراء.
قال ابن جبير: لما ابتلي قوم فرعون بالآيات الخمس، فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل، قال موسى (عليه السلام) لبني إسرائيل: لِيَذْبَحْ كُلُّ رجل منكم كبشاً، ثم يُخَصِّب كفه من دمه، ثم يضرب به على بابه! ففعلوا، فقالت القبط لبني إسرائيل: لِمَ تجعلونن هذا الدم على أبوابكم؟ فقالوا: إن الله يرسل عليكم عذاباً، فنسلم وتهلكون وهكذا أمرنا نبينا، (عليه السلام)، فأصبحوا وقد طعن من قوم فرعون سبعون ألفاً، فأمسوا وهم لا يتدافنون. فقال فرعون ذلك لموسى (عليه السلام)،:
وقال مجاهد، وقتادة: ﴿الرجز﴾ /: هو العذاب الذي أرسل عليهم من الجراد والقمل وغيره، وهم في كل ذلك يعهدون إليه ثم ينكثون.
ومعنى: ﴿إلى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ﴾.
أي: كشف الله عنهم العذاب في الدنيا إلى أجل هلاكهم وانقضاء أجلهم، فيغرقهم في البحر عند ذلك ويعاودهم العذاب.
قوله: ﴿فانتقمنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ﴾، الآية.
المعنى: فلما نكثوا انتقمنا منهم، ﴿فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي اليم﴾.
ومعنى ﴿وَكَانُواْ﴾ عن آياتنا ﴿غَافِلِينَ﴾، أي: لا يعتبرون صحتها، ويعرضون عنها.
قوله: ﴿وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ [مَشَارِقَ الأرض]﴾، الآية.
قوله: ﴿مَشَارِقَ الأرض وَمَغَارِبَهَا﴾، مفعول " بأورث ".
وقال الفراء، والكسائي: هو ظرف. وتقدير الكلام عندهم:
والمعنى: أورثنا بني إسرائيل، الذين كان فعرون يستخدمهم استضعافاً لهم، ﴿مَشَارِقَ الأرض﴾، أي: أرض الشام، في قول الحسن، وهو ما يلي المشرق، ﴿وَمَغَارِبَهَا﴾ ما يلي المغرب، ﴿التي بَارَكْنَا فِيهَا﴾، أي: التي جعلنا الخير فيها ثابتاً دائماً.
وقال الليث: ﴿الأرض﴾، هنا أرض مصر، وإِنَّ مصر هي التي بارك الله فيها.
قال الليث: مصر مباركة في كتاب الله، جل ذكره، لقوله تعالى: ﴿التي بَارَكْنَا فِيهَا﴾، قال: هي مصر، وهي مباركة. ومصر مشتقة من قولهم: مَصَرَ الشَّاةَ
وروي عن ابن عمر أنه قال. نيل مصرَ سَيّدُ الأنهار، وسخر الله، تعالى له كل نهر بين المشرق والمغرب، وذلَّلَه له، فِإذا أراد الله، جل ذكره، أن يجري نيل مصر، أمر كل نهر أن يمده، فمدته الأنهار بمائها، وفجر الله له الأنهار عيوناً، فإذا انتهى جريه إلى ما أراد الله، سبحانه، أوحى الله، تعالى، إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره.
وقال ابن عمر، وغيره في قوله، تعالى: {كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ *
وقوله: ﴿وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾، يعني المنابر. كان بها ألف منبر.
وقوله: ﴿وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرض وَمَغَارِبَهَا﴾، قل الطبري: لا يجوز أن تكون: ﴿مَشَارِقَ الأرض وَمَغَارِبَهَا﴾ نصباً على الظرف؛ لأن بني إسرائيل لم يكن يستضعفهم (أحداً) يؤمئذ إلا فرعون بمصر، فغير جائر أن يقال: ﴿يُسْتَضْعَفُونَ﴾ في مشارق الأرض وفي مغاربها.
وقد غَلِطَ الطبري على الفراء؛ لأن الفراء لم يرد أنه ظرف: ﴿يُسْتَضْعَفُونَ﴾، إنما
فتقدير الكلام: ﴿وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ﴾ الأرض التي باكرنا (فيها) في مشارق/ الأرض ومغاربها. وهذا أحسن في المعنى، وإن كان النصب بـ: ﴿وَأَوْرَثْنَا﴾ على أنه مفعول به أحسن.
وقوله: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الحسنى على بني إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ﴾.
أي: تَممَّ الله ( تعالى) لهم ما وعدهم به من تمكينهم في الأرض ونصرهم على فرعون عدوهم، بِصَبْرِهم على عذاب فرعون لهم.
وهذا يدل على أن الصبر عند البلاء أحمد من مقابلته بمثله؛ لأن البلاء إذا قوبل بمثله وُكِلَ فاعله إليه، وإذا قوبل بالصبر وانتظار الفرج من الله، جل ذكره، أتاهم الله، ( تعالى)، بالفرج الذي أملوه واننتظروه من الله، (سبحانه).
و" الكلمة " هنا: قول موسى: ﴿عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرض﴾ [الأعراف: ١٢٩].
وقيل: هو قوله: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً﴾ [القصص: ٥]، إلى ﴿يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: ٦].
وقوله: ﴿وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ﴾. أي: أهلكنا ما عَمَّروْا وَزَرَعُوا.
والضم والكسر في " راء ": ﴿يَعْرِشُونَ﴾، لغتان.
والمعنى: وقطعنا ببني إسرائيل البحر بعدما رَأَوا من الآيات والعِبر فلم يَتَّعِظوا بذلك ويزدجروا، حتى قالوا، إذ مَرُّوا بقوم مقيمين على أصنام لهم يعبدونها: ﴿ياموسى اجعل لَّنَآ إلها كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾.
و: ﴿يَعْكُفُونَ﴾. يقيمون ويواظبون ويلازمون. والضم والكسر في " الكاف " لغتان.
أي: تجهلون نعمة الله ( تعالى)، عليكم وحقه، وتجهلون أنه لا تجوز العبادة إلا لله، (سبحانه).
قال ابن جريج ﴿على أَصْنَامٍ لَّهُمْ﴾، تماثيل بقر. ومن أجل ذلك شبه عليهم السامري بالعجل.
يريد أنه من تلك البقر التي ريأتموها تعبد. فعبدوه أربعين يوماً.
وهؤلاء القوم الذين مروا بهم عاكفون على عبادة الأصنام، قيل: هم من لخَمْ. قاله قتادة.
قوله: ﴿إِنَّ هؤلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ (وَبَاطِلٌ)﴾.
هذا خبر من الله ( تعالى)، عن قول موسى (عليه السلام)، لقومه.
و ﴿مُتَبَّرٌ﴾: مُهْلَكٌ، وباطل عملهم.
وقال ابن عباس ﴿مُتَبَّرٌ﴾: خُسْران.
ومعنى ﴿مُتَبَّرٌ﴾، عند أهل اللغة: مُهْلَكٌ ومُدَمَّر.
أي: أسوى أطلب لكم مَعْبُوداً، ﴿وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى العالمين﴾، أي: عالم عصركم.
ثم قال تعالى مخاطباً اليهود الذين بين ظَهْرَانيَ النبي، يقرعهم بما فعل بآبائهم: ﴿وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ﴾، أي: واذكروا مع ما قلتم لموسى، (عليه السلام)، بعدما رأيتم من الآيات والعبر، ﴿وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب﴾، أي: يحملونكم على أقبح العذاب.
وقيل معناه: يولونكم.
ثم بينهما هو، فقال: {يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذلكم بلاء مِّن رَّبِّكُمْ
وقيل: معناه: نعمة عظيمة، يعني: في إنجائه لهم.
ف: " الَبَلاَء " ها هنا يصلح أن يكون النِّعْمَة على إنجائهم. ويصلح أن يكون الاختيار فيما تولى منهم فرعون.
قوله: ﴿وَوَاعَدْنَا موسى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً﴾، الآية.
قال الكلبي: لما قطع موسى (عليه السلام)، البحر ببني إسرائيل وغَرَّق الله (سبحانه)، فرعون، قالت بنو إسرائيل (لموسى) /: يا موسى، ائتنا بكتاب من ربنا كما وعدتنا، وزعمت أنك تأتينا به إلى شهر، فاختار موسى (عليه السلام) قومه سبعين
وقال ابن جريج: لما نَجَّى الله موسى، (عليه السلام)، وأغرق فرعون وقومه، أمره ربه، ( تعالى)، أن يلقاه، فلما أراد أن يلقاه استخلف هارون على قومه، ووعدهم أن يأتيهم إلى ثلاثن ليلة، ميعاداً من قِبَلِهِ، فلما تمت [ثلاثين] ليلة قال إبليس للسامري: ليس يأتيكم موسى؛ وما يصلحكم إلا إله تعبدونه! فناشدهم هارون ألا يفعلوا. وأحدث الله، تعالى، لموسى (عليه السلام) بعد الثلاثين أجلاً آخر إلى عشر ليال.
وقيل: إنه أمره الله أن يصوم ثلاثون يوماً، ويعمل فيها بما يقربه إليه، ثم أنزل عليه التوراة في العشر وكلمه فيها.
يقال: خلف الله عليكم بخير: إذا مات لهم من لا يُعْتَاضُ منه، مثل الوالدين. وأَخْلَفَ الله عليكم بخير: إذا مات من يُعْتَاض منه، كالزوجة وشبهها.
قوله: ﴿وَأَصْلِحْ﴾. أي: لا تدع العجل يعبد.
﴿ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين﴾. أي: لا تسلك طريقهم.
قال مجاهد الثلاثون ليلة: والقعدة، والعشر: عشر من ذي الحجة.
وقوله: ﴿فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾، دل (به) على أن " العشر ": ليال، (وأنها ليست) بساعات.
وقيل: هو بمنزلة قولك إذا جملت الأعداد: فذلك كذا وكذا، أي: ليس بعد ذلك عدد.
وقيل: إنما أعاد ذكر الأربعين لرفع اللَّبس؛ لأن العشر يحتمل أن تكون لغير المواعدة، فلما أعاد ذكر الأربعين مع لفظ المواعدة دل على أنها داخلة مع الثلاثين في المواعدة، وأن زمن المواعدة أربعون ليلة، ولو لم يعد ذكر الأربعين/ مع المواعدة لجاز أن يكون زمن المواعدة ثلاثين ليلة، والعشر لغير المواعدة، فبين ذلك بإعادة الأربعين.
قوله: ﴿وَلَمَّا جَآءَ موسى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾، الآية.
(ومعنى: ﴿وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ﴾)، أي: أفهمه ما شاء من كلامه الذي ليس ككلام المخلوقين الي [هو] حركات اللسان وظهور الأصوات، فكلامه، تعالى، ليس
ومن لم يمد ﴿دَكّاً﴾، جعله مصدر دَكَكْتَهُ: إذا كسَّرته وفتته. ومعناه: جعله مُفَتَتاً كالتراب والمَدَر. وشاهده قوله: ﴿[إِذَا] دُكَّتِ الأرض دَكّاً دَكّاً﴾ [الفجر: ٢١] ٍ،
وقوله: ﴿فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً﴾ [الحاقة: ١٤]، فتقديره: جعله مدكوكاً، ثم أقام المصدر مقام اسم المفعول.
ومن مد ﴿دَكّاً﴾، فمعناه: جعله: " مِثْل دَكَّاء "، ثم حذف مثل، (وأجراه مُجْرى): ﴿وَسْئَلِ القرية﴾ [يوسف: ٨٢]. وهو قول الأخفش.
وقال قطرب المعنى: جعله أرضاً دكاء، ثم أقام الصفة مُقام الموصوف مثل: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ [البقرة: ٨٣].
ومعنى الآية: قال الربيع في قوله، تعالى: ﴿وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً﴾ [مريم: ٥٢]، حدثني بعض من لقي أصحاب رسول الله ﷺ، قال: قُرَّبه الرب، تعالى، إليه حتى سَمِعَ صَرِيفَ القَلَمِ، فقال عند ذلك من الشوق: ﴿رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي﴾.
قال السدي: لما كلمه، أحب أن ينظر إليه، فقال له: ﴿لَن تَرَانِي ولكن انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾، فَحَفَّ الله حول الجبل ملائكته، وحَفَّ حول الملائكة بنار، وحَفَّ حول النار بملائكة، وحَفَّ حول الملائكة بنار، ثم تجلى ربه للجبل.
وقال أبو بكر الهذلي: تخلف موسى بعد الثلاثين حتى سمع كلام الله، سبحانه، اشتاق إلى النظر إليه فقال: ﴿رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي﴾،
قال مجاهد: يعني أنه أكبر منك، وأشد خلقاً، فنظر موسى، (عليه السلام)، إلى الجبل لا يتمالك [و] أقبل يَنْدَكُّ على أوله. فلما رأى موسى (عليه السلام) ما يصنع الجبل، خَرَّ صَعِقاً.
وقال الحسن: لما كلمه ربه دخل قَلْبَ موسى، ﷺ، من السرور من كلام الله ( ﷺ)، ما لم يصل إلى قلبه مثله قط.
فدعت موسى (عليه السلام)، نفسه
ويروي: أن موسى عليه السلام مكث بعد أن كلمه ربه تعالى أربعين ليلة لا يراه [أحد] إلا مات من نور رب العزة.
قال وهب: كلم الله (سبحانه)، موسى في ألف مقام، فكان إذا كلمه الله، (سبحانه) رئي النور على وجهه ثلاثاً، وما قرب موسى، عليه السلام النساء مذ كلمه [الله]، جل وعز.
قوله: ﴿فَلَمَّا تجلى/ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ﴾.
قال ابن عباس: ما تجلى منه إلا قدر الخنصر، ﴿جَعَلَهُ دَكّاً﴾، أي: تراباً.
وقال قتادة: ﴿صَعِقاً﴾، [أي]: ميتاً.
وقال سفيان: ساخ الجبل في الأرض، حتى وقع في البحر.
وقال أبو بكر الهذلي: انقعر الجبل فدخل تحت الأرض، فلا يظهر إلى يوم القيامة.
وقال القُتْبي: ﴿دَكّاً﴾ ألصقه بالأرض.
يقال: " نَاقَةٌ دَكَّاء ": إذا لم يكن لها سَنَامٌ.
وقيل معنى دَكَكْتُ: دَقَقْتُ. أبدل من القافين كافان لقرب مخرجيهما.
وكان الطبري يختار قراءة: (دكاء) بالمد؛ لأنه قد ثبت عن النبي، ﷺ، أنه (قال): " ساخ الجبل "، ولم يقل: " تفتت "، ولا " تحول تراباً ". وإذا ساخ
قوله: ﴿فَلَمَّآ أَفَاقَ﴾.
أي: من غشيته، ﴿قَالَ سُبْحَانَكَ﴾، أي: تنزيهاً لك، يا رب، أن يراك أَحَدٌ في الدنيا، ثم يعيش، ﴿تُبْتُ إِلَيْكَ﴾، عن مسألتي إياك الرؤية في الدنيا، ﴿وَأَنَاْ أَوَّلُ المؤمنين﴾، أي: أولهم أنَّكَ لاَ تُرَى فِي الدُّنْيا.
قال ابن عباس: مرت الملائكة بموسى وقد صعق، فقالت: يا ابن النساء الحُيَّض، لقد سألت ربك شيئاً عظيماً! فقال: ﴿سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ﴾، من سؤالي الرؤية في الدنيا، ﴿وَأَنَاْ أَوَّلُ المؤمنين﴾ أي أول من يؤمن، أي: يصدق بأنه لاَ يَرَاكَ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِكَ فِي الدُّنْيا.
قال ابن عباس: ﴿وَأَنَاْ أَوَّلُ المؤمنين﴾، أي: أول من آمن بك من بني إسرائيل.
وقال مجاهد: وأنا أول قومي إيماناً.
والمعنى: اخترتك على الناس، ﴿بِرِسَالاَتِي﴾ التي أرسلتك بها إليهم ﴿وَبِكَلاَمِي﴾، الذي ناجيتك به دون غيرك من خلقي، ﴿فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ﴾، أي: (خذ) ما أعطيتك من أمري ونهيي وتمسك به، واعمل به، ﴿وَكُنْ مِّنَ الشاكرين﴾، على ما فضلتك به.
قوله: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألواح مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾، إلى قوله: ﴿مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.
المعنى: وكتبنا لموسى في ألواحه ﴿مِن كُلِّ شَيْءٍ﴾، من التذكير والتنبيه على نعم الله، (تعالى)، وعظمته وسلطانه ومن المواعظ لقومه ومن الأمر بالعمل بما فيها، ﴿وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ أي: تبييناً لكل شيء من أمر الله (سبحانه)، في الحلال والحرام.
قال ابن عباس: إن موسى (عليه السلام)، لما كَرَبَهُ المَوْتُ، قال: هذا من أجل آدم! أنزلنا هاهنا! قال الله: يا موسى، أبعث إليك آدم فتخاصمه؟ قال: نعم! فلما بعث الله، جل وعز، آدم عليه السلام، سأله موسى، (عليه السلام)، فقال أبونا آدم (عليه السلام)،: يا موسى، سألت الله أن يبعثني إليك! قال موسى لولا أنت لم تكن ها هنا! قال له آدم (عليه السلام): [أليس] قد أتاك الله من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء أفلست تعلم أن ﴿مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأرض وَلاَ في أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كتاب مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ﴾ [الحديد: ٢٢]، قال موسى: نعم، فخصمه (آدم عليه السلام).
أي: بِجِدَّ.
وقيل: بالطاعة.
ف: " الهاء " في " خُذْها " و " أَحْسَنها "، تعود على ﴿الألواح﴾.
وقيل: على " التوراة ".
﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا﴾.
أي: بأحسن ما يجدون فيها، وذلك أن يعملوا بما أمرهم ولا يعلموا بما نهاهم/ عنه.
فمعنى ﴿بِأَحْسَنِهَا﴾: ليس أنهم يتركون شيئاً من الحسن، إنما يعملون بالمعروف
وقيل: المعنى: ﴿بِأَحْسَنِهَا﴾ لهم، وهو العمل بما أمروا به، والانتهاء عما نُهُوْا.
وقيل: ليس أفعل للتفضيل، إنما هو [بمعنى] اسم الفاعل، كما قيل: " الله أَكْبَرُ " بمعنى: كبير. فالمعنى: يأخذوا بالحسن من ناحيتها وجنسها وما يدخل تحتها (به).
وقيل: إن المعنى: ﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ﴾ يعملون بأحسن ما هو لهم مطلق مثل: ﴿وَلَمَنِ انتصر بَعْدَ ظُلْمِهِ فأولئك مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ﴾ [الشورى: ٤١]. ثم قال: ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور﴾ [الشورى: ٤٣]. فالانتقام جائز، (والعفو جائز)، والعفو أحسن، فكذلك أمروا أن يعملوا بأحسن ما أُبِيحَ لهم فعله.
وقيل المعنى: إن التوراة كلها حسنة لكن فيها: أقاصيص الإحسان، والإساءة والطاعة، والمعصية، والفعو، والنقمة، فأمروا أن يأخذوا بأحسن هذه الأفعال التي نُصَّتْ عليهم. ومنه قوله: ﴿يَسْتَمِعُونَ القول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ﴾ [الزمر: ١٨]. فإن قيل: إن فيها حكاية الكفر، والشرك، " وأفعل " يوجب التفضيل، فهل في هذا حسن دون
وقوله: ﴿سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين﴾.
(هو) تهديد وتوعد لمن لم يأخذ بأحسنها وخالف ما فيها، والكلام، دَلَّ على ذلك.
و ﴿دَارَ الفاسقين﴾: النّار. وهو قول مجاهد، والحسن.
وقال قتادة ﴿دَارَ الفاسقين﴾: منازل الكافرين الذين سكنوا قبلهم من الجبابرة والعمالقة، وهي الشام.
وقيل المعنى: ﴿سَأُوْرِيكُمْ دَارَ [الفاسقين]﴾، فرعون وقومه، وهي مصر.
قال قتادة: ﴿دَارَ الفاسقين﴾، منازلهم التي كانوا يكسنونها تحت يدي فرعون.
وقيل: المعنى: ﴿سَأُوْرِيكُمْ﴾ مصير الفاسقين في الآخرة، وما أعد لهم من أليم العذاب.
وقوله: ﴿سَأَصْرِفُ [عَنْ آيَاتِي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض]﴾، [الآية].
أي: أحرمهم فهم القرآن، أي سأنزع منهم فهم الكتاب.
قاله سفيان بن عُيَيْنَة.
وقيل معناه: سأمنع قلوبهم من الفكرة في أمري.
وقال أبو إسحاق المعنى: سأجعل جزاءهم، في الدنيا على كفرهم، الإضلال عن هدايتي.
وقال الحسن المعنى: سأصرفهم عنها، حتى لا يؤمنوا بها.
ومعنى ﴿يَتَكَبَّرُونَ﴾، أي: يحقرون الناس، ويروا أن لهم فضلاً عليهم،
﴿ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا﴾.
أي: وإن يروا كل حجة لا يصدقوا بها، ويقولون: هي سِحْرٌ وَكَذِبٌ.
﴿وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرشد لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً﴾.
أي: وإن يروا طريق الهدى لا يتخذوه طريقاً لأنفسهم.
و ﴿وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الغي يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً﴾.
أي: وإن (يروا) طريق الهلاك والعطب يتخذوه لأنفسهم.
ثم قال تعالى: ﴿ذلك بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ آية.
أي: فعلنا بهم أن صرفناهم عن آياتنا، من أجل أنهم {كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ
و (الرُّشْدُ) و (الرَّشَدُ): لغتان.
وحُكِيَ عن ابن عمرو [بن العلاء] أنه قال: (الرُّشْدُ): الصلاح، والرَّشَد) في الدّينِ.
ثم قال تعالى/: ﴿والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ الآخرة﴾، الآية.
المعنى: وكل مكذب بالقرآن، والأدلة على توحيد الله، ( تعالى)، وينكر نبوة محمد ( ﷺ)، والبعث، ﴿حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾، أي: بطلت.
أي : أحرمهم فهم القرآن، أي سأنزع منهم فهم الكتاب.
قاله سفيان٣ بن عيينة٤.
وقال ابن جريج٥ : سأصرفهم عن أن يتفكروا في خلق السماوات والأرض وما بينهما من الآيات، وأن يعتبروا بها٦.
وقيل معناه : سأمنع قلوبهم من الفكرة في أمري٧.
وقال أبو٨ إسحاق المعنى : سأجعل جزاءهم، في الدنيا على كفرهم، الإضلال عن هدايتي٩.
وقال الحسن المعنى : سأصرفهم عنها، حتى١٠ لا يؤمنوا بها١١.
ومعنى ﴿ يتكبرون ﴾ أي : يحقرن الناس، ويروا أن لهم فضلا عليهم، ويتكبرون عن الإيمان القرآن والنبي١٢، ( صلى الله عليه وسلم )١٣.
﴿ وإن يروا كل آية لا يومنوا بها ﴾[ ١٤٦ ].
أي : وإن يروا كل حجة بينة لا يصدقوا بها، ويقولون : هي سحر وكذب١٤.
﴿ وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا ﴾[ ١٤٦ ].
أي : وإن يروا طريق الهدى لا يتخذوه طريقا لأنفسهم١٥.
﴿ وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ﴾[ ١٤٦ ].
أي١٦ : وإن١٧ ( يروا ) طريق الهلاك والعطب١٨ يتخذوه لأنفسهم١٩.
ثم قال تعالى :﴿ ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا٢٠ ﴾ آية [ ١٤٦ ].
أي : فعلنا بهم أن٢١ صرفناهم عن آياتنا، من أجل أنهم ﴿ كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ﴾[ ١٤٦ ]، أي : لا يتفكرون فيها، لاهين عنها٢٢.
و( الرُّشْدُ٢٣ ) و( الرَّشْدُ٢٤ ) : لغتان٢٥.
وحكي عن أبي عمرو [ بن العلاء٢٦ ] أنه قال :( الرُّشْدُ ) : الصلاح، و( الرَّشَد ) في الدين٢٧.
٢ ما بين الهلالين ساقط من ج..
٣ هو: سفيان بن عيينة، أبو محمد الكوفي، ثم المكي، ثقة حافظ إمام حجة. روى له الستة. توفي سنة ١٩٨ هـ. انظر: تهذيب التهذيب ٢/٥٩، وما بعدها، وتقريب التهذيب ١٨٤..
٤ جامع البيان ١٣/١١٢، وتفسير ابن أبي حاتم ٥/١٥٦٧، وتفسير الماوردي ٢/٢٦١، وتفسير ابن كثير ٢/٢٥٧، وفيه: "قال ابن جرير: وهذا يدل على أن هذا خطاب لهذه الأمة. قلت: ليس هذا بلازم؛ لأن ابن عيينة إنما أراد أن هذا مطرد في حق كل أمة، ولا فرق بين أحد وأحد في هذا، والله أعلم"، والدر المنثور ٣/٥٦٢، وفتح القدير ٢/٢٨٢..
٥ في الأصل، و"ر": قال ابن جبير، وهو سبق قلم. وصوابه من ج، ومصادر التوثيق أسفله..
٦ التفسير ١٣٧، وجامع البيان ١٣/١١٣، وتفسير البغوي ٣/٢٨٢، والدر المنثور ٣/٥٦٢، وفتح القدير ٢/٢٨٢..
٧ وهو قول الفريابي في تفسير ابن أبي حاتم ٥/١٥٦٧.
والفريابي، بكسر الفاء وسكون الراء، هو: محمد بن يوسف الضبي مولاهم، ثقة فاضل. روى له الستة. توفي سنة ١١٢هـ. انظر تقريب التهذيب ٤٤٨..
٨ في الأصل، و "ر". وقال ابن إسحاق، وهو تحريف. وفي ج، أحسبها: وقال أبو إسحاق، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى؛ لأن النص في معاني القرآن للزجاج..
٩ معاني القرآن للزجاج ٢/٣٧٦، بلفظ: "أي: أجعل جزاءهم الإضلال عن هداية آياتي".
وساقه أبو حيان في البحر ٤/٣٨٨، منسوبا إلى الزجاج.
وفي ج: عن هدايتي لهم..
١٠ حتى، كأنها في ر: فلا..
١١ تفسير هود بن محكم الهواري ٢/٤٥..
١٢ انظر: تفسير الماوردي ٢/٢٦١، وزاد المسير ٣/٢٦١، والبحر المحيط ٤/٣٨٨.
وقال الزجاج في معاني القرآن "وهذه الصفة لا تكون إلا لله، جل ثناؤه، خاصة؛ لأن الله، تبارك وتعالى، هو الذي له القدرة والفضل الذي ليس مثله، وذلك يستحق أن يقال له: المتكبر، وليس لأحد أن يتكبر؛ لأن الناس في الحقوق سواء: فليس لأحد ما ليس لغيره، والله، جل ثناؤه المتكبر"..
١٣ ما بين الهلالين ساقط من ج..
١٤ هنا إيجاز يوضح بما في جامع البيان ١٣/١١٤، الذي نقل عنه مكي..
١٥ المصدر نفسه، بإيجاز..
١٦ من قوله: أي، إلى: يتخذوه، لحق في ج..
١٧ في ج، فإن. ما بين الهلالين ساقط فيها..
١٨ في الأصل: والعظف، وهو تحريف..
١٩ جامع البيان ١٣/١١٤، بتصرف..
٢٠ في ج، زيادة: ﴿وكانوا عنها غافلين﴾. ومن قوله: أي فعلنا، إلى: بآياتنا ساقط منها..
٢١ في الأصل أحسبها أن. وفي ر، طمست بفعل الرطوبة والأرضة..
٢٢ جامع البيان ١٣/١١٥، بإيجاز..
٢٣ بضم الراء، وإسكان الشين، وهي قراءة ابن كثير ونافع، وعاصم وابن عامر، وأبي عمرو. التبصرة ٢٠٧، والكشف عن وجوه القراءات السبع ١/٤٧٦، وكتاب السبعة في القراءات ٢٩٣، وجامع البيان ١٣/١١٥، وإعراب القراءات السبع لابن خالويه ١/٢٠٥، والحجة في القراءات لأبي زرعة ٢٩٥، والتيسير للداني ٩٣، وغيث النفع ٢٢٩..
٢٤ بفتح الراء والشين، وهي قراءة حمزة والكسائي. المصادر السالفة فوقه..
٢٥ قال في الكشف ١/٤٧٧: "وهما لغتان في الصلاح والدين". وكان الكسائي يقول: هما لغتان بمعنى واحد، مثل: "السُّقم" و"السَّقَم"، "والحُزْن و الحَزَن"، وكذلك "الرُّشد" و "الرَّشَد". جامع البيان ١٣/١١٦..
٢٦ زيادة من جامع البيان ١٣/١١٥..
٢٧ قال في الكشف ١/٤٧٧: "وقد قيل: إن من فتح الراء والشين أراد به: الدين؛ لأن قبله ذكر الغي، والدين ضد الغي،... ، ومن ضم الراء أراد: الصلاح. كذا حكى أبو عمرو في الفتح والضم، والمعنيان متقاربان، لأن الدين: الصلاح، والصلاح هو: الدين". انظر: جامع البيان ١٣/١١٥، وإعراب القرآن للنحاس ٢/١٤٩، وإعراب القراءات السبع لابن خالويه ١/٢٠٦..
المعنى : وكل مكذب بالقرآن، والأدلة على توحيد الله، ( عز وجل١ )، وينكر نبوة محمد، ( صلى الله عليه وسلم٢ )، والبعث، ﴿ حبطت أعمالهم ﴾، أي : بطلت.
( أعمالهم٣ ) وذهبت ﴿ هل يجزون٤ إلا ما كانوا يعملون ﴾، [ ١٤٧ ]، أي : إلا ثواب عملهم٥ في الآخرة٦.
٢ انظر: المصدر السابق..
٣ ما بين الهلالين ساقط من (ج) و(ر)..
٤ في "ر": تجزون، بتاء مثناة من فوق، وهو تصحيف..
٥ في "ر": لعملهم، وهو تحريف..
٦ جامع البيان ١٣/١١٦، بإيجاز..
قوله: ﴿واتخذ قَوْمُ موسى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ (عِجْلاً)﴾ إلى قوله: ﴿مِنَ الخاسرين﴾.
قوله: ﴿حُلِيِّهِمْ﴾، واحده: حَلْيٌ، مثل: فَعْلٌ. وباب " فَعْلٌ " أن يجمع في أكثر العدد على: فَعُول، فأصله: حُلُويٌّ، ك " قَلْب وقُلُوب "، ثم أدغمت الواو في الياء لسكونها قبلها، فصارت " حُلُيُّ " فاجتمع ضمان، بعدهما ياء شديدة، فاستثقل ذلك، فكسرت " اللام "، وبقيت " الحاء " على ضمتها لتدل على أنه جمع، [و] على أن الأصل في " اللام " الضم، إذ ليس في الكلام " فِعَيل ".
والمعنى: إن بني إسرائيل اتخذوا العجل الذي صاغ لهم السامريّ إلها، بعدمضي موسى (عليه السلام)، إلى ميقات ربه، ( تعالى)، وقال لهم السامري: هذا إلهكم وإله موسى قد نسيه عندكم، ومضي يطلبه، وكان قد صاغه لهم من حَلْي بني إسرائيل الذي استعاروه من القِبْط، إذ خرجوا مع موسى، (صلى الله لعيه وسلم)، وروي أن موسى أمرهم بذلك.
ومعنى: ﴿جَسَداً﴾، لا رأس له. قيل: كان جثة لا رأس له. وقيل: معنى: ﴿جَسَداً﴾، أي جثة لا يعقل ولا يميز.
أي: صوت البقر، فَضَلَّ هؤلاء بما لا يجوز أن يَضِلَّ به أهل العقول.
﴿أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً﴾.
أي: لا يرشدهم طريقاً ولا بكلمهم، وليس هذا من صفات الرب الذي له العبادة، بل صفته أنه يكلم أنبياءه، ويرشدهم إلى طريق الخير.
ثم قال تعالى: ﴿اتخذوه وَكَانُواْ ظَالِمِينَ﴾.
أي: اتخذوا العجل إلها، ﴿وَكَانُواْ ظَالِمِينَ﴾ في ذلك، أي: واضعين الشيء في غير موضعه.
﴿جَسَداً﴾، وقف عند نافع. والحسن أن يوقف على: ﴿لَّهُ خُوَارٌ﴾؛ لأنه من صفته.
أي: ندموا على عبادته، ﴿وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ﴾، أي: علموا أنهم ضالون في عبادة العجل جائزون عن قصد السبيل، إذ عاينوه وقد حرق بالمِبْرَجِ ونسف في البحر، وهو لا يمنع ولا يدفع، ﴿قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا﴾، أي: يتعطف علينا بالتوبة. ﴿وَيَغْفِرْ لَنَا﴾، أي: ما جنيناه من عبادة العجل، ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الخاسرين﴾، فأبى الله، تعالى، أن يقبل توبتهم إلا أن يقتلوا أنفسهم، على ما ذُكِرَ في سورة البقرة.
وقرئ: "ولما سقط "، بفتح السين: بمعنى: سقط الندم (فى ايديهم).
كان هارون أخا موسى (عليه السلام)، شقيقه، وإنما قال له: ﴿ابن أُمَّ﴾، لى طريق الاستعطاف بالرحم.
فمن قرأ ي ﴿ابن أُمَّ﴾، بالفتح، فالتقدير عند الكسائي، والفراء، وأبي عبيد: يا ابن أماه، ثم حذف.
وهو عند البصريين يبنى ك " خَمْسَةَ عَشَرَ ".
وحكى الأخفش: هذا غُلاَمِ يا هذا، بغير ياء في غُلاَمِي.
وأحسن منه عند أهل النظر: أن يكون بناء الاسمين اسماً واحداً، ثم أضافه بعد ذلك.
وشبه أبو عمرو الفتح بقولهم: هُوَ جَارِي بَيْتَ بَيْتَ، ولقيته كِفَّةَ كِفَّةَ يا فتى.
وقرأ مجاهد ومالك بن دينار: " فَلاَ تَشْمَتْ بِيَ الأَعْدَاءُ "، بفتح " التاء " و " الميم "، ورفع: " الأعداء " بفعلهم، وهو مثل قوله: ﴿فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [البقرة: ١٣٢]، أي: اثبتوا على الإسلام حتى يأتيكم الموت. فالمعنى: فلا تشمت من أجلي
وحكى أبو عبيد عن حُمَيْد " تَشْمِتْ "، بفتح " التاء " وكسر " الميم ". ولا جه له؛ لأنه إنما يقال: " شَمِتَ " فإن سمع " شمت " بالفتح، فهي لغة من العرب، ولَمْ يَرُوْا ذلك.
ومعنى الآية: أن الله (تعالى) أعلم موسى (عليه السلام)، أنه قد فتن قومه، وأن/ السامري قد أضلهم، فرجع موسى غضبان على قومه أسفاً عليهم.
و" الأسف ": شدة الغضب.
وقال السدي: " ﴿أَسِفاً﴾: حزيناً.
وكذلك قال الحسن، وابن عباس.
ومن هذا قولهم للعبد: " أَسيفٌ "؛ لأن مقهور، وحزين مستعبد، وكذلك قيل للأجير: " أسِيفٌ ": لأنه مستخدم، ومخزون على استخدام الناس له.
أي: بئس الفعل فعلتم بعد فراقي إياكم، في عبادتكم العجل.
﴿أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ﴾.
أي: أسبقتم أمره؟ يقال: " عَجِلْتُ الرَّجُلَ ": سبقته، و " أَعْجَلْتُهُ ": استعجلته.
والفرق بين " العَجَلَة " و " السرعة "، أن العجلة: التقدم بالشيء قبل وقته، والسرعة: عمله في أقل أوقاته.
﴿وَأَلْقَى الألواح﴾. أي: ألقاها غَضَباً على قومه.
ثم أخذ برأس أخيه يجره إليه غضباً. قاله ابن عباس.
[قال ابن عباس]: لما رجع موسى (عليه السلام)، إلى قومه، وصار قريباً منهم،
﴿مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضلوا * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي﴾ [طه: ٩٢ - ٩٣].
قال قتادة أخذ الألواح، وقال: رب، إني أجد في الألواح أمة (خير أمة) أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فاجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد قال: إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون السابقون في دخول الجنة، رب اجعلهم أمتي قال: تلك أمة أحمد! قال: رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلُهُمْ في صدورهم يقرأونها، رب فاجعلهم أمتي قال: تلك أمة أحمد! قال: رب إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر، ويقاتلون فُضُول
ويروى أن التوراة كانت سبعة أسباع، فلما ألقى الألواح تكسرت فرفع منها ستعة أسباعها، وبقي السبع، وكان فيما رفع: " تفصيل كل شيء ". وبقي: " الهدى والرحمة " في السبع الباقي.
قال مقاتل: كانت لوحين.
فيكون هذا مما جُمِعَ في مَوْضِعِ التَّثْنِية، كما قال: ﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٨]، يريد:
وقال الربيع بن أنس: كانت التوراة سبعين وسق بعير، يقرأ الجزء منها في سنة، لم يقرأها إلا أربعة نفر: موسى، وعيسى، وعُزَير، ويوشع عليه السلام.
[و] قال ابن جبير: كانت الألواح من ياقوتة.
وقال مجاهد: كانت من زُمَرُّدٍ أخضر.
وقال أبو العالية: كانت من زَبَرْجَدٍ.
وقال ابن جبير: كانت الألواح من زُمُرّدُ، فلما ألقى الألواح ذهب الفصيل، وبقي الهدى/ والرحمة، وهو قوله: ﴿وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ﴾ [الأعراف: ١٥٤].
وقال الفراء: ذكر أنهما كانا لوحين.
وذك النحاس أنه قيل: إنما أخذ برأس (أخيه) هارون على جهة المسارة لا غيره، فكره هارون أن يتوهم من حضر أن الأمر على خلاف ذلك. فقال: ﴿لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي﴾ [طه: ٩٤].
وكان هارون أخاه لأُمِّهِ.
﴿وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ القوم الظالمين﴾.
يعني: أصحاب العجل.
قوله: ﴿قَالَ رَبِّ اغفر لِي وَلأَخِي﴾، إلى قوله: ﴿لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
والمعنى، قال موسى، لما تبين له عُذْرُ أخيه: ﴿رَبِّ اغفر لِي وَلأَخِي﴾، أي: اغفر لي من الغضب الذي من أجله ألقيت الألواح، واغفر لأخي ما كان من مساهلته في بني إسرائيل؛ لأن هارون إنما تركهم بعد أن نهاهم ووعظهم ولم يطيعوه، فتركهم خشية غضب موسى (عليه السلام)، ألا ترى أنه قال له: ﴿إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بني إِسْرَآءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾ [طه: ٩٤].
وقيل: (بل) استغفر موسى من فعله بأخيه، واستغفر لأخيه من سَالِفٍ سَلَفَ بينه وبين الله، جل وعز.
ثم قال تعالى مخبراً عما يؤول إليه أمر الذين اتخذوا العجل إلاهاً: ﴿إِنَّ الذين اتخذوا العجل سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ﴾، أي: اتخذوه إلاهاً.
قال ابن جريج: الغضب لمن مات ممن اتخذ العجل قبل أن يرجع موسى، ولمن فرَّ إذ أمرهم أن يقتل بعضهم بعضاً، [وهي توبتهم].
﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي المفترين﴾.
قال ابن عيينة: كلُّ صاحِبِ بِدْعَةٍ ذَلِيلٌ.
وقيل الذلة: هو ما رأوه من ضلالتهم، وهو قوله: ﴿وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ﴾ [الأعراف: ١٤٩].
ثم قال تعالى: ﴿والذين عَمِلُواْ السيئات ثُمَّ تَابُواْ﴾.
أي: من عمل كبيرة أو صغيرة ثم تاب، تاب الله عليه، كما تاب على متخذي العجل إلاهاً.
وقوله: ﴿مِن بَعْدِهَا﴾، أي من بعد توبتهم، ﴿لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
قوله: ﴿وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى الغضب﴾، إلى قوله: ﴿خَيْرُ الغافرين﴾.
قال المبرد " اللاَّم " متعلقة بمصدر، والمعنى: ﴿والذين﴾ وَهَبَتُهُمْ لِرَبِّهم.
وقال الكوفيون: هي زائدة.
وسمع الكسائي الفرزدق يقول: " نَقَدتُ لَهَا مِائةَ دِرْهِمٍ "، بمعنى " نَقَدْتُهَا ".
وحكى الأخفش: أن المعنى، والذين هم من أجل ربهم يرهبون.
يقال: سَكَتَ سَكْتاً، إذا سَكَنَ، وسَكَتَ سُكُوتاً وسُكْتاً، إِذَا قَطَعَ الكَلاَمَ.
﴿أَخَذَ الألواح﴾.
أي: أخذها بعدما ألقاها، وقد ذهب منها ما ذهب.
وقيل المعنى: ولما سكت موسى، (عليه السلام)، عن الغضب، مثل: أدخلت القلنْسُوَةَ في رأسي.
﴿وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ﴾.
وقيل المعنى: في الذي وجد فيها بعدما تَكَسَّرَتْ هدى ورحمة.
وقال ابن كيسان: جُدِّدَت له في لوحين.
ثم قال تعالى: ﴿واختار موسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا﴾.
قال السدي: أمر ( تعالى) موسى (عليه السلام)، أن يأتيه في ناس [من] بني إسرائيل، يعتذرون من عبادة العجل، فاختار منهم سبعين رجلاً، فلما أتوا ذلك المكان، قالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فإنَّك قد كلمته. فَأَرِنَاه فأخذتهم الصاعقة فماتوا، فقام موسى، (عليه السلام)، يبكي ويدعو ويقول: ربِّ ماذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم، وقد أهلكت خيارهم، ربّ لو شئت أهلكتهم من قبل وإيَّاي!
قال ابن عباس: لما مضوا معه ليدعوا ربهم، تعالى، كان فيما دعوا أن قالوا: اللهم أعطنا ما لم تعطه أحداً قبلنا، ولا تعطه أحداً بعدنا، فكره الله، تعالى، ذلك من
قال/ الكلبي: قال السبعون لموسى (عليه السلام): يا موسى، إن لنا عليك حقاً، كنا أصحابك، ولم نختلف عليك، ولم نصنع الذي صنع قومنا، فأرنا الله جهرة كما رأيته. قال موسى (عليه السلام): لا والله ما رأيته، ولقد أردته على ذلك فأبى، وتجلى للجبل، فكان دكاً، وهو أشد مني، وخررت صعقاً، فلما أفقت سألت الله تعالى، واعترفت بالخطيئة. فقالوا: فإنا لن نؤمنن لك حتى نرى الله جهرة. فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا من آخرهم. فظن موسى (عليه السلام) أنهم إنما احترقوا بخطيئة أصحاب العجل، فقال: ﴿أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السفهآء مِنَّآ﴾، يعني أصحاب العجل، ثم بعثهم الله، ( تعالى)، من بعد موتهم.
وروي عن علي أنه قال: انطلق موسى وهارون إلى صفح جبل فتوفى الله، ( تعالى) هَارُونَ. فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل، قالوا له: أين هارون؟ قال: توفاه
فجعل موسى، (عليه السلام)، يرجع يميناً وشمالاً، ويقول: ﴿رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السفهآء مِنَّآ﴾، قال: فأحياهم الله، ( تعالى)، وجعلهم أنبياء كُلَّهُمْ.
قال ابن عباس: إنما أخذتهم الرجفة، ونزل بهم البلاء؛ لأنهم لم يرضوا بعبادة العجل، ولا نهوا عنه.
والصحيح أن الرجفة إنما أخذتهم حين سألوا موسى، (عليه السلا)، أن يريهم الله جهرة.
وقال ابن عباس: إنما أخذتهم الرجفة لأنهم لم يرضوا ولم ينهوا عن العجل.
قال السدي: كان موسى (عليه السلام)، يظن أن السبعين ممن لم يتخذ العجل، فقال: ﴿أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السفهآء مِنَّآ﴾، أي: بما فعل غيرنا، فأوحى الله، ( تعالى)، إليه، أنّ هؤلاء ممن عبد العجل، فعند ذلك، قال موسى (عليه السلام): ﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ﴾.
وقيل: المعنى: أتهلك من بقي بما فعل هؤلاء السفهاء، إذ سألوا رؤية الله (سبحانه)، [جهرة]، وذلك أنه قال: لئن انصرفت إلى من بقي بغير السبعين
وقال ابن زيد المعنى: أتهلك هؤلاء السبعين بما فعل غيرهم ممن عَبَدَ العجل.
ومعنى ﴿أَهْلَكْتَهُمْ﴾: أمتهم.
قال ابن كيسان: المعنى ﴿لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ﴾، أي: بذنبهم، إذ لم ينهوا عن عبادة العجل.
﴿وَإِيَّايَ﴾.
أي: بذنبي، إذ قتلت القبطي، فرحمتنا، ولم تهلكنا بذنوبنا نحن.
أفتهلكنا بذنوب الذين عبدوا العجل؟ أي: ليست تهلكنا بذلك.
وقوله: ﴿إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ﴾.
أي: [ما] هذه الفعلة التي فعلوا إذ عبدوا العجل، إلا فتنة منك أصابتهم.
و" الفِتْنَةُ ": الابتلاء والاختيار.
وقال ابن عباس: عذابك.
﴿أَنتَ وَلِيُّنَا﴾.
أي: ناصرنا.
﴿فاغفر لَنَا﴾.
أي: استر ذنوبنا.
﴿وارحمنا﴾.
أي: تَعَطَّفْ عَلَيْنَا.
قوله: ﴿واكتب لَنَا فِي هذه الدنيا حَسَنَةً وَفِي الآخرة إِنَّا هُدْنَآ/ إِلَيْكَ﴾، الآية.
[والمعنى: إن الله أعلمنا أن موسى دعاه فقال: ﴿واكتب لَنَا فِي هذه الدنيا حَسَنَةً﴾،
قال ابن جريج: ﴿حَسَنَةً﴾، مغفرة.
﴿إِنَّا هُدْنَآ إِلَيْكَ﴾.
أي: تبنا.
وقال علي: إنما سميت اليهود يهوداً؛ لأنهم قالوا: ﴿هُدْنَآ إِلَيْكَ﴾.
قال الله، ( تعالى) :﴿ عذابي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ﴾.
أي: كما أصبت هؤلاء أصيب من أشاء من خلقي بعذابي.
﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾.
أي: عمت خلقي كلهم.
وقيل المعنى: إنَّه خُصُوصٌ، والمعنى: ورحمتي وسعت المؤمنين من أمة
قال ابن عباس: جعل الله، ( تعالى)، الرحمة لهذه الأمة.
وروى سفيان: أن إبليس لما سمع: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾، قال: أنا من " الشيء " فنزعها الله ( تعالى) من إبليسن قال: ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزكاة والذين هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ﴾، فقالت اليهود: نحن نتقي ونؤتي الزكاة، وتؤمن بآيات ربنا أفنزعها الله من اليهود، فقال: ﴿الذين يَتَّبِعُونَ الرسول النبي الأمي﴾، الآيات كلها. فجعلها في هذه الآمة.
قال الحسن: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾، (وسعت) البَرَّ والفاجر في الدنيا، وهي للمتقين في الآخرة، وكذلك قال قتادة.
وروى أبو هريرة، أن النبي ﷺ، قال: " إن لله، ( تعالى)، مائة رحمة، أنزل منها
وقال عطاء: خلق الله ( تعالى)، مائة رحمة، فجعل رحمة واحدة بين خلقه، بما يتراحم الناس والبهائم والطير على أولادها، حتى إن الطير ليؤخذ على فراخه، وأخر تسعاً وتسعين رحمة لنفسه، فإذا كان يوم القيامة جمع هذه الرحمة إلى التسع والتسعين فوسعت رحمته كل شيء.
وعن كعب أنه قال: ينظر الله، ( تعالى)، إلى عبده يوم القيامة، فيقول: خذوه، فيأخذه مائة ألف ملك حتى يتفتت في أيديهم، فيقول: أما ترحموننا؟ فيقولون: وكيف نرحمك؟ ولم يرحمك أرحم الراحمين. روى جميعه نُعَيْم بن حماد.
قال ابن عباس: ﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾، أي: يتقون الشرك.
وقيل المعنى: يتقون المعاصي.
قال ابن عباس: ﴿وَيُؤْتُونَ الزكاة﴾، أي: يعملون بما يُزَكُّونَ به أنفسهم من صالحات الأعمال.
وروى زيد بن أسلم: أن عيسى، عليه السلام، قال: يا رب، نبئني عن هذه الأمة
وذكر زيد أيضاً: أن موسى، عليه السلام، قال: يا رب، نبئني عن هذه الأمة المرحومة، قال: أمة محمد، (عليه السلام)، قال: نعم، قال: (هم) يا موسى يرضون منّي بالقليل من العطاء إذا أعطيتهم، وأرضى منهم بالقليل من العمل، أدخل أحدهم الجنة، أن يقول: لا إله إلا الله.
قال النحاس في معنى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾، أي: من دخل فيها، لَمْ تعْجِز عنه.
وقال ابن عباس: ومجاهد، وغيرهما: ﴿لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾، يعني أمة محمد، عليه السلام.
قال ابن جبير: لما قال الله، ( تعالى)، لموسى: ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾، قال
قال قتادة: ﴿يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التوراة والإنجيل﴾، أي: يجدون نَعْتَهُ وَصِفَتَهُ.
﴿يَأْمُرُهُم بالمعروف﴾.
أي: يأمر أتباعه بالمعروف.
﴿وَ/يَنْهَاهُمْ عَنِ المنكر وَيُحِلُّ لَهُمُ الطيبات﴾.
وهو ما حرمته العرب من: البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي.
﴿وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبآئث﴾.
﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ﴾.
أي: عهدهم الذي كان أخذ على بني إسرائيل أن يعلموا بما في التوراة، قاله ابن عباس: والحسن، وغيرهما.
وقيل: هو ما أُلْزِمُوه مِن قَطْع ما أصابه البول.
وقوله: ﴿والأغلال التي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾.
هو قول الله، ( تعالى) :﴿ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ﴾ [المائدة: ٦٤]، من آمن بمحمد ( ﷺ)، لم تُغَلَّ يده.
﴿وَعَزَّرُوهُ﴾.
أي: وقَّروه، وحَمَوْه من النَّاس.
﴿واتبعوا النور الذي أُنزِلَ مَعَهُ﴾.
أي: القرآن سمي نوراً؛ لأنه في البيان والاهتداء به، بمنزلة النُّور الذي يُهْتَدَى به.
وروي عن ابي بكر عن عاصم: " وَيَضَعُ عَنْهُمْ أَصْرَهُمْ "، بفتح الهمزة، لغة.
قوله: ﴿قُلْ يا أيها الناس إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعاً﴾، إلى قوله: ﴿يَظْلِمُونَ﴾.
والمعنى: ﴿قُلْ﴾، يا محمد: ﴿يا أيها الناس إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعاً﴾، أي: لست كمن قبلي من الأنبياء الذين يبعثون إلى بعض الناس دون بعض.
أي: وآياته.
وقيل: ﴿وَكَلِمَاتِهِ﴾: عيسى ابن مريم، ( ﷺ ). قاله مجاهد والسدي.
ثم قال: ﴿وَمِن قَوْمِ موسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق﴾.
أي: يدعون الناس إلى الهداية بالحق.
﴿وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾.
أي: في الحكم.
وقيل: وبه يؤمنون.
و" الأُمَّةُ " هنا: الجماعة.
و ﴿وَعْدُ الآخرة﴾: عيسى بن مريم يخرجون معه. قال ابن جريج: قال ابن عباس: ساروا في السَّرَب سنة ونصفاً.
وقيل: هم قوم في منقطع من الأرض، لا يوصل إليهم، آمنوا بمحمد ( ﷺ)، وأقاموا الحنيفية كأنهم بنو أب وأم، ليس لأحد منهم مالٌ دون صاحبه، يُمطرون في كل ليلة، ويصحون في النهار، يزرعون ويحرثون، ليس يدخر أحد منهم دون أخيه شيئاً، مقيمين على عبادة الله ( تعالى)، لا يبكون على ميت.
ثم قال تعالى: ﴿وَقَطَّعْنَاهُمُ اثنتي عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً﴾.
ف " أسباط " بدل من: ﴿اثنتي عَشْرَةَ﴾. و ﴿أُمَماً﴾ نعت ل " الأسباط ".
و" الأسباط ": الفرق.
وقيل: هم القَرْنُ [الذي] يجيء بعد قَرْنٍ.
و" الأسباط " في ولد إسحاق، (عليه السلام)، بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل.
و" الأَسْبَاطُ ": مأخوذ من: السَّبط "، وهو شيء تَعْتَلِفُهُ الإبل، فكأن إسحاق (عليه السلام)، / بمنزلة شجرة، والأولاد بمنزلة أغصانها، فشُبّهَ ذلك
وإنما أنث في ﴿اثنتي﴾؛ لأن " الأسباط " في موضع الفرقة؛ فكأنه: اثْنَتَيْ عشرة فرقة.
وقيل المعنى: وقطعناهم فرقاً اثنتي عشرة أسباطاً.
وقال بعض الكوفيين: إنما أُنِّثَ؛ لأن الكلام ذهب (به) إلى " الأمم "، فغلّبَ التأنيث، كما قال:
لَمْيَاءُ فِي شَفَتَيْهَا حُوَّةٌ لعَسُ | وَفِي اللِّثاتِ وَفِي أَنْيَابِهَا شَنَب |
وَإِنَّ كِلاَباً هَذِهِ عَشْرُ أَبْطُنٍ | وَأَنْتَ بِرِيءٌ مِنْ قَبَائِلِها العَشْرِ |
وقيل: المعنى: وقطعناهم قطعاً اثْنَتَي عَشْرَةَ، فأنث لتأنيث " القطعة "، ودل على ذلك: " قَطَعْنا ".
و" أسباط " ليس بِتَفْسير للعدد؛ لأن حق هذا أن يفسر بواحد؛ وإنما هو بَدَل.
ثم قال: ﴿وَأَوْحَيْنَآ إلى موسى إِذِ استسقاه قَوْمُهُ﴾.
أي: لما فرقناهم اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أسباطاً، أوحينا إليه إذا عطشوا، ﴿أَنِ اضرب بِّعَصَاكَ الحجر﴾، وقد تقدم ذكر ذلك في البقرة.
﴿فانبجست﴾.
﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ﴾.
أي: لا يدخل سبط على سبط في شربه.
﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الغمام﴾.
يعني: من حر الشمس، وذلك في التِّيهِ، وقد تقدم ذكر هذا في البقرة.
قوله: ﴿وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسكنوا هذه القرية﴾، إلى قوله: ﴿يَظْلِمُونَ﴾.
قال الفراء، والكسائي: " خَطَايَا " جمع خَطِيَّة، على ترك الهمز، ك: " مَطِيَّة "، و " وَصِيَّة ".
وقال المازني: هي " فَعائِل "، أصلها همزتهان فأبدل من الثانية ياء، فأشبهت مضيف " الخطايا " إلى نفسه، فأبدل من الكسرة فتحة، ومن الياء ألفا فصارت:
ولسيبويه والخليل قول مشهور قد ذكر في غير هذا الموضع.
والأصل عند الفراء في " مَطِيَّة " و " وَصِيَّة " أن يجمع على: فَعَائِل "، إلا أنه لو جمع على ذلك للزم حذف الياء، فيصير ك: " غَوَاشٍ " فتختل، فنُقل جَمعُهُ إلى " فَعَال "، فردت اللام قبل الياء الزائدة وفتح، ك: " أسير " و " اسارى "، ثم أجرى هذه العلة في " خطية ".
ومعنى الآية: إن الله، جلّ ذكره، يقول لنبيه، (عليه السلام): واذكر، يا محمد، خطأ فعل هؤلاء وخلافَهُم لأمر ربهم، حين قال لهم [الله]: ﴿اسكنوا هذه القرية﴾، وهي قرية بيت المقدس، ﴿وَكُلُواْ مِنْهَا﴾، أي: من ثمارها وحبوبها ونباتها، ﴿حَيْثُ شِئْتُمْ﴾، أي: أين شئتم منها.
وقوله: ﴿حِطَّةٌ﴾.
(قوله): ﴿فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ﴾.
أي: غَيَّروا ما أُمروا أن يقولوا. قيل لهم: قولوا: ﴿حِطَّةٌ﴾، قالوا: " حنطة في شعير "، ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ السمآء﴾، أي عذاباً، فأهلكناهم بفعلهم وتغييرهم وفسقهم.
وقيل: هو طاعون أخذهم، فهلك خَلقٌ مِنْهُمْ. وقد ذكر في البقرة.
قوله: ﴿وَسْئَلْهُمْ عَنِ القرية التي كَانَتْ حَاضِرَةَ البحر﴾، إلى قوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾.
قوله: ﴿إِذْ يَعْدُونَ﴾.
﴿وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ﴾.
أضيف الظرف عند سيبويه لكثرة الاستعمال.
وهو عند المبرد مضاف إلى المصدر محمول على المعنى.
وهو عند الزجاج على الحكاية.
والعامل في الظرف الفعل الذي بعده.
ومعنى الآية: واسأل، يا محمد، هؤلاء اليهود الذين يجاورونك، عن أَمْرِ ﴿القرية التي كَانَتْ حَاضِرَةَ البحر﴾.
أي: بقربه/ وشاطئه.
وسؤاله، ( ﷺ)، إياهم إنما كان على جهة التقرير لهم والتبكيت، ويذكرهم
قال ابن عباس، وعكرمة هي: " أيلة "، وكان ذلك في زمن داود (عليه السلام)، وكذلك قال السدي، وغيره.
وقال قتادة: هي ساحل مَدْيَنَ.
[قال ابن زيد: هي قرية] يقال لها " مَقْنَا "، بين مدين وعَيْنُوناً.
وقال ابن شهاب: هي: طَبَرِيَّة.
وأما قوله: ﴿واضرب لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ القرية﴾ [يس: ١٣]، فأكثرهم على أنها أنطاكية.
ومعنى: ﴿إِذْ يَعْدُونَ [فِي السبت]﴾.
أي: [إذا] يعتدون إلى ما حرم الله، ( تعالى).
[ و " العُدْوَانُ ": التجاوز إلى ما حرم الله].
وكان الله تعالى ذكره، قد حرم عليهم السبت، فكانت الحيتان تقل في سائر الأيام، وتكثر في يوم السبت. ابتلاهم الله، (تعالى)، بذلك فاصطادوا فيه وتركوا
وقال ابن عباس ﴿شُرَّعاً﴾: من كل مكانٍ.
يقال: سَبَتَ يَسْبِتُ: إذا استراح.
وقرأ الحسن: " ويَوْمَ لاَ يُسْبِتُونَ "، بضم الياء، من: " أَسْبَتَ القَوْمُ "، إذا دخلوا في السبت.
ورُوي ذلك عن أبي بكر عن عاصم، كما يقال: " أهلَلْنَا "، دخلنا في الهلال، و " أَجْمَعْنا " مرت بنا جمعة.
﴿كَذَلِكَ نَبْلُوهُم﴾.
قال قتادة: ذُكِرَ لنا أنه دُخِلَ على ابن عباس، وبين يديه المصحف، وهو يبكي، وقد أتى على هذه الآية ﴿فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ﴾ [الأعراف: ١٦٥]، الآية. فقال: قد عَلِمْتُ أن الله تعالى، أهْلَكَ الذين أخذوا الحيتان، ونَجَّى الذين نَهَوْهُمْ، ولا أدري ما الذي صنع بالذين لَمْ يَنْهَوْا، ولم يُواقِعُوا المعصية.
قال الحسن: وأي نهي يكون أبين من أنهم أثبتوا لهم الوعيد، وخوّفوهم العذاب، فقالوا: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الله مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً﴾.
﴿لاَ تَأْتِيهِمْ﴾، وقف، عند نافع، والأخفش.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ﴾.
أي: واذكر، يا محمد، إذ قالت طائفة من أهل [هذه] القرية، إذ ظهر من أكثرهم ما يُنْكَرُ عليهم، فأنكر ذلك طائفة، فقالت هذه الطائفة التي حكى الله عنها، للطائفة التي أنكرت ما يجب أن ينكر: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً﴾ سيلحقهم أحد هذين: العَذَابُ،
فمن رفع: ﴿مَعْذِرَةً﴾ فتقديره: قالوا: مَوْعِظَتُنَا مَعْذِرَةٌ، أي: إنما يجب علينا أن نأمر بالمعروف، [وننهى عن المنكر]، و ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾، وَعَظْنَاهُمْ.
ومن نصب: فعلى المصدر، كأنهم قالوا: اعتذاراً.
وقيل: النصب على تقدير: فَعَلْنَا ذَلِك/ مَعْذِرَةً.
وَرُوِيَ وجها النصب عن الكسائي.
وفرَّق سيبويه بين الرفع والنصب، واختار الرفع، قال: لأنهم لم يريدوا أن يعتذروا من أمر لِيُموا عليه، ولكنّهم قيل لهم: لم وعظتم؟ فقالوا: مَوْعِظَتُنَا مَعْذِرةٌ.
والمعنى: واذكر، يا محمد، ﴿وَإِذَا قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ﴾، أي: جماعمة الجماعة، كانوا ينهون أهل المعصية عن معصيتهم، ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الله مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً﴾، قال الذين كانوا يعظون: عظتنا معذرةٌ إلى ربكم، نؤدي بذلك فرضه عليها، ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ وَعَظْنَاهُم.
قال ابن عباس: كلا الطائفتين كانت تنهى الباقين عن المنكر، فلما طال ذلك، قالت إحدى الطائفتين للأخرى: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الله مُهْلِكُهُمْ﴾، فلما نزل العذاب نجبت الطائفتان: التي قالت: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً﴾ والتي قالت: ﴿مَعْذِرَةً إلى رَبِّكُمْ﴾، وأهلك الله، ( تعالى)، أهل المعصية، فجعلهم قردة وخنازير.
قال السدي: قال الواعظون: بعضهم لبعض: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الله مُهْلِكُهُمْ﴾.
ورُوِيَ عنه أنه قال: نجا الناهون، وهلك الفاعلون، وما أدري ما فعلب بالساكتين.
وقال الكَلْبِي هم فرقتان: فرقة وعظت، وفرقة قالت: ﴿لِمَ تَعِظُونَ﴾، وهي المَوْعُظَةُ.
وذلك أن الخاطئة لما كثر عليها الوعظ، قالت: للواعظين: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً الله مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ﴾ على قولكم. وقد مضى من ذكر هذا في البقرة جملة.
وقال الكلبي: كانوا فرقتين: قالت الصالحة للطالحة: يا قوم، انتهكتم حرمة سبتكم، وعصيتم ربكم، وخالفتم سنة نبيكم، فانتهوا عن هذه العمل قبل أن ينزل بكم العذاب. قالت الطالحة: فلم تعظوننا إذا كنتم علمتم أن الله، ( تعالى)، مهلكنا،
فهم فرقتان على قول الكلبي. وثلاث فرق على قول أكثر المفسرين.
قوله: ﴿فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ﴾، إلى قوله: ﴿وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
والمعنى: فلما تركت الطائفة التي نهيت عن السؤ، ما أمرها الله ( تعالى) به من ترك الاعتداء.
وقيل: نسوا موعظة من وعظهم من المؤمنين، {أَنجَيْنَا الذين يَنْهَوْنَ عَنِ السوء
وقيل: ﴿بَئِيسٍ﴾: رديء.
وقال مجاهد ﴿بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾: أليم شديد.
وقال قتادة ﴿بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾: موجع.
وقال ابن زيد ﴿بَئِيسٍ﴾: شديد.
قوله: ﴿فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ﴾.
أي: تجاوزوا وتمردوا. و " العاتي ": المتمرد المتجاوز في الحق.
قال ابن عباس: صار شباب القوم قردة، وشيوخهم خنازير.
يقال: خَسَأْتُ الكلب: أبعدته وطردته.
جائز أن يكون أُمِرُوْا بذلك، فيكون أبلغ في الآية والقُدرة. وجائز أن يكون من قوله: ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [النحل: ٤٠].
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إلى يَوْمِ القيامة﴾.
روى الأصبهاني عن أصحابه عن ورشٍ: (تأذَّنَ)، بتسهيل الهمزة.
والمعنى: واذكر، يا محمد، إذا أعْلَمَ رَبُّك.
فمعنى ﴿تَأَذَّنَ﴾: أَعْلَمَ والعرب تقول: " تعلم " بمعنى " أعلم ".
وقال مجاهد ﴿تَأَذَّنَ﴾: قال.
ومعنى: ﴿لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ﴾.
أي: ليبعثن على اليهود ﴿مَن يَسُومُهُمْ سواء العذاب﴾، وهو قتلهم إن لم يؤدوا الجزية، وذلتهم إن ودوها.
قال ابن عباس: هي الجزية، والذين يسومونهم: محمد، ﷺ، وأمته، إلى يوم القيامة.
قال ابن المُسَيَّب: يستحب أن يبعث الأنباط في الجزية.
﴿إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ العقاب﴾.
أي: لمن استوجب منهم العقوبة.
﴿وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
أي: لسائر ذنوب من تاب، متعطف عليه.
روى أبو بكر عن عاصم: " وَقَطَعْنَهَمْ "، بالتخفيف.
والمعنى: وفرقنا بني إسرائيل في الأرض ﴿أُمَماً﴾، أي: جماعات شتى. ففي كل أرض قوم من اليهود، ﴿مِّنْهُمُ الصالحون﴾، أي: منهم من يؤمن بالله ورسله، ﴿وَمِنْهُمْ دُونَ ذلك﴾، وصفهم بهذا قَبْلَ كُفْرِهِمْ وارتدادهم عن دينهم، وقَبْلَ أَنْ يَبْعَثَ عِيسَى (عليه السلام).
﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بالحسنات﴾.
أي: بالرخاء، والسعة في الرزق، ﴿والسيئات﴾، بالجدب والمصائب، أي: اختبرناهم بذلك، ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾، إلى طاعة الله (عزو جل).
قوله: ﴿أُمَماً﴾، وقف.
و ﴿دُونَ ذلك﴾، وقف.
ثم قال تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾.
أي: حدث من بعدهم خَلْفُ سُوْءٍ، يعني: أبناءهم.
و" الخَلْف ": الرديء من القول، ومن الأنباء، يقال للواحد والاثنين والجميع، بلفظ واحد.
ويقال في المدح: " هذا خَلَف صِدْقٍ "، بتحريك اللام، ولَزِمَ تسكن اللام فيه، هذا الأشهر.
وقد تحرك في الذم وتسكن في المدح، قال حسان:
والخَلَفُ السُّوْءِ، مأخوذ من قولهم: " خَلَفَ اللَّبَن "، إذ حمض حتى فسد، ومن قولهم: " خَلَفُ فَمِ الصَّائِمِ "، إذا تغير ريحه.
وقال مجاهد: " الخَلْف " في الآية يراد به النصارى بعد اليهود.
﴿يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذا الأدنى﴾.
يعني الرشوة على الحكم في قول الجميع.
﴿وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا﴾.
يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه مغفور، لا نؤاخَذُ به.
والثاني: أنه ذنب، لكن الله قد يغفره لنا، تأميلاً منهم لرحمته.
قال ابن جبير: يعملون بالذنب ثم يستغفرون منه، فإن عرض لهم ذنب رَكِبُوه.
و" العَرَضُ " عنده: الذنوب.
قال السدي: كان بنو إسرائيل لا يَسْتَقْضُونَ قَاضِياً إِلاَّ ارْتَشَىِ في الحُكْمِ، فيقال له في ذلك، فيقول: ﴿سَيُغْفَرُ لَنَا﴾، فيطعن عليه بقية بني إسرائيل. فإذا مات جعل مكانه رجل ممن كان يعطن عليه، فيرتشي، أيضاً، ثم لاَ يَثُوبُونَ.
قال ابن زيد: يأتيهم المحق برشوة، فيخرجون له كتاب الله، ثم يحكمون له بالرشوة/ فإذا جاءهم الظالم بالرِّشوة، أخرجوا له الكتاب الذي كتبوا بأيديهم،
﴿ هذا [مِنْ عِنْدِ الله] لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ [البقرة: ٧٩].
المعنى: ألم يؤخذ عليهم الميثاق، ألا يعملوا إلا بما في التوراة، و ﴿أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الحق﴾.
[قال ابن عباس: ﴿أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الحق﴾، يعني [فيما] يوجبون به من غفران ذنوبهم التي هم عليها مصرون.
وقوله: ﴿وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ﴾.
معناه: ورثوا الكتاب، ودرسوا ما فيه، فَنَبَذُوهُ، وعملوا بخلاف ما فيه.
ثم قال: ﴿والدار الآخرة خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾.
أي: ما فيها من النعيم.
قوله: ﴿يَأْخُذُوهُ﴾، وقف.
وكذا: ﴿إِلاَّ الحق﴾.
وكذا: ﴿وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ﴾.
ثم قال: ﴿والذين يُمَسِّكُونَ بالكتاب﴾.
أي: يعملون بما فيه التوراة، ﴿وَأَقَامُواْ الصلاة إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المصلحين﴾، [ي: أجر المُصلِحِ منهم].
قوله: ﴿وَإِذ نَتَقْنَا الجبل فَوْقَهُمْ﴾ الآية.
وقيل: نَتْقَنَاهُ ": زعزعناه.
﴿كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ﴾.
أي: غَمَامَةٌ.
و" الكاف " من ﴿كَأَنَّهُ﴾، في موضع نصب على الحال، أي: نتقناه مُشْبِهاً الظلة، أي: في هذه الحال.
ويجوز أن يكون في موضع رفع بالابتداء، والخبر محمول على المعنى.
أو يكون خبر ابتداء محذوف، [أي]: هو ﴿كَأَنَّهُ [ظُلَّةٌ]﴾.
﴿وظنوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ﴾.
﴿خُذُواْ مَآ ءاتيناكم بِقُوَّةٍ﴾.
أي: وقيل لهم: خذوا ما في الكتاب من الفرائض بجدٍّ وَعَزْمٍ، ولا تقصروا في أداء فرائض الله ( تعالى)، التي فيه، وإلاَّ خَرَّ عليكم الجبل فأهلككم فقالوا: بل، نأخذه بقوة، أي: بجد وعزم، ثم نَكَثُوا بعد ذلك. هذا قول ابن عباس.
قال ابن عباس: إني لأعلم لأي شيء سجدت اليهود على حَرْفِ وُجوههم: لما رفع الجبل فوقهم سجدوا، وجعلوا ينظرون إلى الجبل بِشقِّ وجوههم، خوفاً ان يقع عليهم. قال: وكانت سجدةً رضيها الله ( تعالى)، فاتخذوها سُنَّة.
قال قتادة: نزع الله ( تعالى)، الجبل من أصله، ثم جعله فوق رؤوسهم، وقال: لتأخُذَنَّ أمري، أو لأرمينّكم به.
وروى حجاج عن أبي بكر بن عبد الله أنه قال: لما قيل لهم: اقبلوا ما في التوراة، قالوا: انشر علينا ما فيها، فإن كانت فرائضها يسيرة وحدودها خفيفة، قبلناها. قال: اقبلوها بما فيها، قالوا: حتى نعلم ما فيها، فراجعوا موسى (عليه السلام)، مراراً فأوحى الله، ( تعالى)، إلى الجبل فانقلع وارتفع في السماء، حتى إذا ان بين رؤوسهم وبين السماْ، قال لهم موسى (عليه السلام): ألا ترون ما يقول ربّي عز جل؟ لئن لم تقبلوا التوراة بما فيها رميتكم بهذا الجبل.
قال الحسن البصري: لما نظروا إلى الجبل خرّ كل رجل منههم ساجداً على حاجبه الأيسر، ونظر بعينه/ اليمنى إلى اجبل، فَرَقاً أن يسقط عليه، فلذلك ليس اليوم في الأرض يهودي يسجد إلا على حاجبه الأيسر، يقولون: هذه السجدة التي رُفعت عنَّا بها العقوبة. قال أبو بكر بن عبد الله: لما نشر موسى (عليه السلام)، الألواح فيها كتاب
وقيل: كان نَتْقُ الجبل أنه قُطِع منه شيء على قدر عَسْكَر موسى (عليه [السلام])، فظلل عليهم، وقال لهم موسى (عليه السلام)، إمَّا أن تقبلوا وإمَّا أن يسقط عليكم.
قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بنيءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾، الآية.
حجة من قرأ " ذُرَّيَّات " بالجمع، أنها الأعقاب المتناسبة الكثيرة.
ومعنى الآية: واذكر، يا محمد، ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بنيءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ﴾، أي: استخرج الأبناء من أصلاب الآباء، فقررهم بتوحيده، وأشهدهم على أنفسهم بإقرارهم، أي: أشهد بعضاً على بعضٍ بالإقرار بالتوحيد.
قال ابن عباس: أخذ الله، ( تعالى)، اليثاق من ظهر آدم (عليه السلام)، بنَعْمَان يعني: عرفة، فأخرج من صلبه كل ذريته، فَنَثَرهُم بين يديه كالذَّرِّ، ثم كلمهم قَبَلاً، فقال: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾، فأشهد بَعْضَهُمْ على بعضٍ
وقال الضحاك: إن الله (سبحانه)، مسح صلب آدم، (عليه السلام)، فاستخرج منه كلّ نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، فأخذ منهم الميثاق: أن يَعْبُدُوهُ ولا يُشْرِكُوا بهِ شيئاً، وتكفَّل لهم بالأَرْزاق، ثم أعادهم في صلبه، فلن تقوم الساعة حتى يولد من أعطي الميثاق يومئذٍ فمن أدرك منهم الميثاق (الآخر) فَوَفَى به، نفعه الميثاق الأول، ومن أدرك (الميثاق) الآخر فلم يفِ به، لم ينفعه الأول، ومن مات صغيراً قبل أن يدرك الميثاق الآخر، مات على الميثاق الأول على الفطرة. رَوَى ذلك عن ابن عباس.
ومنه قول النبي ﷺ: " كُلُّ مَوْلُودٍ يُوْلَدُ عَلَى الفِطْرَةِ حتَّى يكُونَ أَبَوَاهُ اللَّذَانِ يُهوِّدَانِهِ أوْ يُنَصِّرَانِهِ ".
والميثاق الآخر، هو: قبول فرائض الله، (سبحانه)، والإيمان به، وبرسالة النبي عليه السلام، وبما جاءت به الرسل.
وروى ابن عمر عن النبي، ﷺ، أنه قال: " أُخذوا من ظهره، كما يُؤْخذ بالمشط من الرأس، فقال لهم: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى﴾، قالت الملائكة: ﴿شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ القيامة﴾ ".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنهـ، سمعت النبي ﷺ، يقول: " إن الله جلَّ وعزّ، خلق آدم (عليه السلام)، ثم مسح ظهره بيمينه، (سبحانه)، فاستخرج منه ذرية، فقال: " خلَقْتُ هَؤلاَءِ لِلْجَنَّة، وَبِعَمَلِ أَهْلِ الجَّنَةِ يَعْمَلُونَ ". ثم مسح ظهره فاستخرج منه
فقال/ رجل: يا رسول الله، ففيم العمل؟ فقال: إن الله (تعالى)، إِذَا خَلَقَ العَبْدَ لِلْجَنَّةِ اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ، فَيَدْخِلُهُ الجَنَّةَ. وَإِذَا خَلَقَ العَبْدَ لِلْنَّارِ، اسْتَعَمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيُدْخِلُهُ النَّارِ ".
وقيل معنى: ﴿وَأَشْهَدَهُمْ على أَنفُسِهِمْ﴾، دلهم على توحيده؛ لأن كل بالغٍ سالمٍ من العاهات، يَعْلَمُ ضرورةً أنَّ لَهُ رَبّاً واحِداً.
وقيل: إنَّ الآية مَخْصُوصَةٌ؛ لأنه قال: ﴿مِن بنيءَادَمَ﴾، فخرج من هذا من كان من ولد آدم (عليه السلام)، لصلبه وقال (الله) تعالى: ﴿ أَوْ تقولوا إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ﴾، فخرج منها كل من له آباء مشركون.
وقال أُبَيُّ بن كعب: جمعهم جميعاً، فجعلهم أَزوَاجاً، ثم صوَّرهم، ثم استنطقهم، فقال: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى﴾؛ أنَّكَ رَبَّنَأ وإلهَنَا، لا رب لنا غيرك، ثم أخبرهم بما ينزل عليهم من كتاب وما يرسل إليهم من الرسل، وأمرهم أن يؤمنوا بذلك.
﴿أَوْ تقولوا﴾، رده على: ﴿ظُهُورِهِمْ﴾، و: ﴿ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ و ﴿وَأَشْهَدَهُمْ﴾، وبعدها، ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾. فلما جرى الكلام قَبْلُ وَبَعْدُ على لفظ الغَيْبَة، أجرى وسطه على ذلك.
ومعنى الكلام: أنهم لما أقروا، قال الله عزّ وجل، للملائكة: " اشْهَدُوا "،
قالت الملائكة: ﴿شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ القيامة إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غَافِلِينَ * أَوْ تقولوا إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ﴾.
ومن قرأ: بـ: " التاء " ردّه على المخاطبة في قوله: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾، وهي أقرب من لفظ الغَيْبَة إلى: ﴿تَقُولُواْ﴾.
قال ابن جبير: فكانوا يُرَوْنَ أن القلم يومئذٍ جَفَّ بِمَا هَوَ كَائِنٌ.
ومعنى: ﴿شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ﴾، عند السدي: أنه خبر من الله، ( تعالى)، عن نفسه (تعالى)، وملائكته، بالشهادة على بني آدم، كيلا ﴿تَقُولُواْ يَوْمَ القيامة إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غَافِلِينَ﴾.
والوقف على هذا القول ﴿بلى﴾.
وقال ابن عباس: المعنى، إن بضعهم شهد على بعض.
فالمعنى: ﴿قَالُواْ بلى﴾ شهد بعضنا على بعض كيلا {تَقُولُواْ
﴿أَوْ تقولوا إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ﴾: وابتعناهم، ﴿أَفَتُهْلِكُنَا﴾، بإشراك آبائنا واتباعنا منهاجهم على جهل منا؟
فالوقف على قول ابن عباس: ﴿المبطلون﴾.
و ﴿بلى﴾ وقف عند نافع، والأخفش، وأبي حاتم، وغيرهم.
وهذا يدعل على أنَّ الشهادة كانت من الله ( تعالى)، وملائكته على المُقِرِّنَ. وهو قول مجاهد، والضحاك، والسدي. وهذا حسنٌ على قراءة [من قرأ] بـ: " التاء "، فيكون ﴿شَهِدْنَآ﴾، ليس من كلام الذين قالوا: ﴿بلى﴾.
وقال ابن الأنباري والسجستاني ﴿بلى شَهِدْنَآ﴾، التمام، وهو غلط؛ لأنّ ﴿أَن﴾ متعلقة بـ: ﴿أَشْهَدَهُمْ﴾ أو بـ: ﴿شَهِدْنَآ﴾ على قراءة من قرأ بـ: " الياء ".
فأما على تفسير ابن عباس: أن المعنى: [و] شهد بعضهم على بعض، فالتمام: ﴿المبطلون﴾ لأن ﴿شَهِدْنَآ﴾، من قول الذين قالوا: ﴿بلى﴾.
(وقوله): ﴿وكذلك نُفَصِّلُ [الآيات]﴾.
" الكاف ": في موضع نصب. والمعنى: وكما فصلنا، لقومك، يا محمد، آيات هذه السورة، كذلك نفصل الآيات غيرها فنبيِّنها لقومك، ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾، إلى الإيمان.
قوله: ﴿واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ الذيءَاتَيْنَاهُءَايَاتِنَا فانسلخ مِنْهَا﴾، إلى قوله: ﴿يَتَفَكَّرُونَ﴾.
والمعنى: ﴿واتل﴾، يا محمد، عليهم: ﴿نَبَأَ الذيءَاتَيْنَاهُءَايَاتِنَا فانسلخ مِنْهَا﴾، وهو رجل من بني إسرائيل يقال له: بَلْعَم بن باعر، (أعطي: معرفة اسم الله [الأعظم]. وقيل: أُعْطِيَ النبوة.
وقال ابن جبير: كان معه اسم الله، فسألوه أن يدعوَ على موسى وأصحابه ألا يدخل مدينتهم، فأبى، فخوفه الملك بالقتل والصلب والتحريق، فدعا، فاستجاب الله له، فلم يصل موسى، (عليه السلام)، إلى دخولها، ودعا موسى عليه أن ينسيه الله، ( تعالى)، اسمه الذي يدعو به، فأنساه الله، ( تعالى)، إياه، وَنَزَلَ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ.
قال ابن عباس: كان من مدينة الجَبَّارِينَ.
وقيل عنه: كان من اليمن.
وقال عكرمة: هو من كان منافقاً من أهل الكِتَابَيْن.
قال الحسن: هو المنافق.
وقال الأنصار: هو الراهب الذي بني له مسجد الشِّقَاقِ.
قال ابن عباس: أعطي كتباً من كتب الله.
وقال مجاهد: أوتي النبوة، فَرَشَاهُ قومه على أن يَسْكُتَ، ففعل، وتركهم على ما هم عليه.
وكذلك قال المعتمر بن سليمان عن أبيه.
وهو قول مردود؛ لأن النُّبُوَّةَ لاَ يَكُونُ حَامِلُهَا قَابِلاً لِلْرِّشْوَةِ فِيهَا، يُعيذ اللهُ الأَنْبِيَاءَ مِنْ ذَلِكَ. وهذه كبيرة عظيمة، وكل الناس على أن الأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ مِنَ الكَبَائِرِ، فغير جائز هذا القول الذي رُوِيَ عن مجاهد، والمعتمر.
وقال السدي: أعطي اسم الله الأعظم.
وروي ذلك عن ابن عباس.
قال ابن عباس: لما نزل موسى عليه السلام بالجبارين، سأل الجبارون بَلْعَم بن (باعُور) أن يدعو على موسى، فقال لهم: إني إن دعوت عليه ذهبت دنياي وآخرتي، فلم يزالوا به حتى دعا عليه، فسلخه الله مما كان عليه، فذلك قوله:
وعن ابن عباس، ﴿فانسلخ مِنْهَا﴾: نُزعَ منه العلم.
﴿فَأَتْبَعَهُ الشيطان﴾.
أي: أدركه. يقال: " أَتْبَعَه ": إذا أدركه. و: " تَبِعَه ": / إذا سار في إثره. هذا الجَيِّدُ.
وقيل: هما لغتان.
وقيل: معنى: " أَتْبَعَه ": صَيَّره لنفسه تابعاً ينتهي إلى أمره في معصية الله سبحانه.
﴿فَكَانَ مِنَ الغاوين﴾.
أي: من الهالكين.
وقيل: من الخائنين.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا﴾.
وقيل: المعنى: لرفعناه عن الحال التي صار إليها من الكفر.
وقال مجاهد: ﴿لَرَفَعْنَاهُ بِهَا﴾، (أي): لرفعنا عنه. أي: لعصمناه مما فعل.
وقيل: المعنى: لأَمَتْنَاهُ قبل أن يَعْصِيَ فرفعناه إلى الجنة.
﴿بِهَا﴾.
[أي]: بتلك الآيات.
أي: سكن إلى الدنيا وشهواتها، ﴿واتبع هَوَاهُ﴾.
وأصل " الإِخْلاَدِ ": الإقَامَةُ.
قال المعتمر بن سليمان عن أبيه: كان بَلْعَام رجلاً، أوتي النبوة، وكان مُجاب الدعو، وإنَّ موسى (عليه السلام)، أقبل في بني إسرائيل ويريد الأرض التي فيها بَلْعَام فرعب الناس، وأتوا بلعام، وسألوه أن يدعو على موسى، (عليه السلام)، وجنده فقال: حتى أُؤَامِرَ ربي ( تعالى)، فوامر في الدعاء عليهم، فنهي عن ذلك، فقال لقومه: قد أمرت ألا أدعوا، فأهدوا إلأيه هدية فقبلها، ثم راجعوه أن يدعو على موسى (عليه السلام)، فقال: حتى أُؤَمِرَ ربي، فوامر ولَمْ يُؤْمر بشيء، فقال لهم: قَدْ وَامرت، فلم أؤمر بشيء فقالوا: لو كَرِهَ الله ( تعالى) ذلك لنهاك كما نهاك أولاد فأخذ يدعو على
وَرُوي أنه لما دعا موسى (عليه السلام)، تلكم لسانه بالدعاء على قومه، ثم اندلع لسانه فوقع على صدره، فقال لهم: ذَهَبْت الآن مني الدنيا والآخرة، فلم يبق إلا المكر والحيلة، وسأمكر لكم وأحتال: جَمِّلوا النساء، وأعْطُوهنَّ السِّلع، ثم أرسلوهن إلى العسكر، ومُرُهُنَّ ألا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها، فإنَّهم إن زنى رجل واحد منهم كُفِتُمُوهُمْ؛ فوقع رجل من عظماء بني إسرائيل بامرأة، فأرسل الله (عزو جل)، الطاعو فيهم، فهلك منهم سبعون ألفاً.
أي: مثله، إذ لم ينتفع بما أُوتي مثل/ الكلب الذي لا ينتفع بترك الحمل عليه، هو يلهث على كل حال. فكذلك هذا، هو ضال على كل حال، لا ينتفع بما أوتي من الآيات، كما لم ينتفع الكلب بترك الحمل عليه.
وقيل: إن هذا مثل من يتلو كتاب، كالله ( تعالى)، ولا يعمل به، هو مثل الكلب لا ينتفع بترك الحمل عليه، ولا يترك اللهث. كذلك هذا لا ينتفع بقراءة كتاب الله (عز وجل)، فيعمل. هو مثل من لا يقرأه ولا يعمل به.
ومعنى ﴿تَحْمِلْ عَلَيْهِ﴾.
تطرده وتشرده، فهو يلهث طردته [أو تركته].
قال قتادة: هُوْ مَثَلٌ ضَرَبَهُ الله ( تعالى)، لكل من عُرِضَ عليه الهدى فَلَمْ يَقْبَلَهْ.
قال السدي وغيره: كان بَلْعَم، بعد ذلك، يلهث كما يلهث الكلب.
قوله: ﴿واتبع هَوَاهُ﴾، وقف.
﴿أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث﴾، وقف.
ثم قال تعالى: ﴿ذَّلِكَ مَثَلُ القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾.
أي: ذلك المثل الذي ضربتُه لهذا الذي انسلخ من آياتنا ﴿مَثَلُ القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾.
﴿فاقصص القصص﴾.
أي: اقصص عليهم هذا القصص الذي اقتصصته عليك من نبأ آتيناه
قوله: ﴿سَآءَ مَثَلاً القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾، إلى قوله: ﴿هُمُ الغافلون﴾.
قال الأخفش: التقدير: سَاءَ مثلاً مَثَلَ القوم.
وقرأ الجُحْدَرِيُّ: " سَاءَ مَثَلُ القَوْمِ "، برفع " المثل "، وإضافته إلى " القوم ".
أي: من يوفقه الله ( تعالى)، إلى الإسلام ﴿فَهُوَ المهتدي وَمَن يُضْلِلْ فأولئك هُمُ الخاسرون﴾، أي: من يخذله فلا يوفقه إلى الإسلام فهو خاسر، أي: خسر نفسه في الآخرة، وذلك أعظم الخسارة.
روى عبد الله بن عمر أن النبي ﷺ، قال: " ما هلكت أُمَّةٌ قطُّ إلا بالشرك بالله، (سبحانه)، وما أشرَكَتْ أمة قط حَتَّى يَكُونَ بَدءُ شركها التَّكذِيبَ بِالقدَرِ ".
وروى زيد بن ثابت: أن النبي ﷺ، قال: " إن الله ( تعالى)، لَوْ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَوَاتِهِ وأرضه لَعَذَّبَهُمْ غَيْرَ ظَالِمْ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ كانت رَحْمَتُهُ خَيْراً لَهُمْ مِنْ أَعْمَالهِمْ، وَلَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً فِي سَبِيل الله ما قُبِلَ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِن بِالقَدَرِ، وتعلم أنَّ ما أًصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، فَإِنْ مِتّ عَلَى ذَلِكَ دَخَلْتَ النَّارِ ".
ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الجن والإنس﴾.
قال سعيد بن جبير: أولاد الزَّنا مما خلق الله، (سبحاه)، لجهنم. يعني: الكفرة منهم. رواه [ابن عمر] عن النبي ( ﷺ، أنه قال: " لَمَّا ذَرَأَ اللهِ لِجَهَنَّمِ مَا ذَرَأ، كان وَلَدِ الزِّنا ممَّا ذَرَأ ".
﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا﴾.
أي: لهؤلاء الذين ذرأ لجهنم، ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا﴾ الهدى.
أي: لا يفقهون [بها] شيئاً من أمر الآخرة.
﴿وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ﴾، الحق.
وقيل: ﴿لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا﴾، أي: لا يتفكرون في آيات الله، (سبحانه) / وأدلته، (جلت عظمته) على توحيده، وحججه التي أتت بها الرسل، ﴿وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا﴾ آيات الله، (سبحانه، وأدلته جلت عظمته)، ﴿وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ﴾، أي: لا يسمعون آيات الله، (سبحانه) فيعتبرون. يقولون: ﴿لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرآن والغوا فِيهِ﴾ [فصلت: ٢٦]. وهو نظير قوله: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ١٧١].
﴿أولئك كالأنعام﴾.
في جهلهم وقلة تمييزهم للحق.
يعني أن البهائم لا تميْيزَ لها، يلزمها نقص في جهل. وهؤلاء لهم تمييز، فالنقص له لازم في جهلهم. فهم أشَدُّ نَقْصاً في الجهل من البهائم. والبهائم مع عدم تمييزها تطلب لأنْفُسِهَا المنافع، وتفر من المضار، وهؤلاء لا يعقلون ذلك، يتركون ما فيه صلاح دنياهم وآخرتهم، ويلزمون ما فيه مضرتهم، فه أضل من البهائم.
﴿أولئك هُمُ الغافلون﴾.
أي: الذين غَفَلُوا عن مصالحهم ومنافعهم، وَغَفَلُوا عن آيات الله، (سبحانه)، وحججه وأعلامه الدالة على توحيده (سبحانه)، وَصِدْق رُسُلِهِ.
قوله: ﴿وَللَّهِ الأسمآء الحسنى فادعوه﴾، الآية.
" الإلْحَادُ " في اللغة: الجَوْرُ والميل عن القصد.
قال الكسائي: يقال: " أَلْحَدَ ": عدل عن القصد. و " لحَدَ ": رَكَنَ إلى الشيء. وعلى ذلك قرأ ﴿يُلْحِدُونَ﴾ في " النحل "، [يعني]: يَرْكنُونَ.
ومعنى: ﴿وَذَرُواْ الذين يُلْحِدُونَ في أَسْمَآئِهِ﴾.
قال بعض العلماء: هو نهي من الله، ( تعالى)، أنْ يُدْعى بِمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُوْصَفَ بِهِ، وذلك أنهم عدلوا بأسمائه فسموا ببعض اشتقاقها وبعض حروفها آلهتهم. قالوا: " اللات " مشتق من الله " الله ". وسموا بـ: " العزى "، أخذوه من " العزيز ".
قال مجاهد: أخذوا " العُزَّى " من " العِزَّة ".
قال ابن عباس ﴿يُلْحِدُونَ﴾: يكذبون.
وقال قتادة: يشركون.
وقيل: إنَّ هذا مُحْكَمُ، وإنما هو تَهْدِيدٌ وَوَعيدٌ من الله ( تعالى)، لا أنه (تعالى)، أمر نبيه (عليه السلام)، أن يتركهم يلحدون في آيات الله ( تعالى)، وهو مثل: ﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ﴾ [الحجر: ٣].
قوله: ﴿فادعوه بِهَا﴾، وقف.
﴿في أَسْمَآئِهِ﴾، وقف.
قوله: ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق﴾، إلى قوله: ﴿يَعْمَهُونَ﴾.
والمعنى: ومن الذين خلقناهم ﴿أُمَّةٌ﴾، أي: جماعة يقْضُون {بالحق وَبِهِ
قال ابن جريج: ذكر لنا أن نبي الله، (عليه السلام)، قال: " هذه أمتي ".
وقال قتادة: هي هذه الأمة.
وروى سعيد بن جبير [عن قتادة) أن النبي ( ﷺ، كان يقول إذا قرأ هذه الآية: هَذِهِ لَكُمْ، وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها، يعني قوله: ﴿وَمِن قَوْمِ موسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٩].
ثم قال تعالى: ﴿والذين كَذَّبُواْ بآياتنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ﴾.
أي: سَنُمْهِلُهُمْ بغرتهم، ونُزَيِّنُ لهم سوء أعمالهم، حتى يحسب أنه في كفره
وأصل " الاسْتِدْرَاجِ ": اغترار المستدرج بلُطْفٍ حتى يورّطه مكروهاً وَهَلَكَةً.
ثم قال تعالى: ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾.
أي: وأؤخرهم مدة من الدهر.
و" المَلاَوةُ ": القطعة من الدهر، يقال بضم " الميم " وفتحها وكسرها، لغات فيها.
﴿مَتِينٌ﴾، أي: شَديدٌ.
وقيل: " الكَيْدُ " هنا: هو أخذهم من حيث لا يشعرون.
وأصل " الكَيْدُ ": المكر.
وقرأ ابن عباس: " أَنَّ كَيْدِي "، بفتح الهمزة، جعل " أَنَّ ": مفعولاً من أجله، أي: من أجل أنّ الكيد متين وقع الإملاء.
﴿وَأُمْلِي لَهُمْ﴾، وقف.
﴿لاَ يَعْلَمُونَ﴾، وقف.
ثم قالت تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ﴾.
أي: يتفكروا في أَنَّ الرَّسُولَ صَادِقٌ، وأَنَّ الحَقَّ/ ما دعاهم إليه.
ثم قال: ﴿مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ﴾.
قال قتادة: ذكر لنا [أن] النبي (عليه السلام)، كان على الصفا، فدعا قريشاً وجعل يُفَخِّذُهم فَخِذاً [فَخِذاً]: " يا بني فلان، يا بني فلان "، يحُذِّرُهُمْ بأس الله ( تعالى)، ووقائع الله، (تبارك وتعالى)، فقال قائلهم: " إِنَّ صَاحِبَكُمْ هَذَا لَمَجْنُونٌ! بَاتَ يُصَوِّتُ إلَى الصَّبَاحِ "، (فأنزل الله، تعالى)، : ﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾،
﴿مُّبِينٌ﴾.
أي: قد أبانَ لكم إنذارهُ.
و: ﴿مِّن جِنَّةٍ﴾.
أي: من جنون. ومثلهُ في سورة " سبأ ".
﴿مِّن جِنَّةٍ﴾، وقف.
﴿تَتَفَكَّرُواْ﴾، وقف حسن، ومثله: ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ في أَنفُسِهِمْ﴾ [الروم: ٨]، ومثله: ﴿ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ﴾ [سبأ: ٤٦] في " سبأ ". ثم يتبدئ بـ: ﴿مَا﴾، وهي: للنَّفِيْ في الثلاثة المواضع.
والمعنى: أولم ينظر هؤلاء المكذبون، في ملك السموات والأرض وسلطانها، وفيما خلق الله، ( تعالى)، فيتدبروا، فيعلمون أنّ ذلك لا يحدثه إلا رب واحد، والله واحدٌ لا شبيه له، فيؤمنوا ويصدقوا، ويتفركوا في: ﴿وَأَنْ عسى أَن يَكُونَ قَدِ اقترب أَجَلُهُمْ﴾، فيحذروا أن يموتوا على كفرهم فيصيروا إلى عذاب الله، (سبحانه).
وقيل: إنهم كذبوا يُسَوِّفون بالتوبة والإيمان، فقيل لهم: عسى أن يكون أجلكم قد قرب، فتموتوا على كفركم.
قال سفيان: ﴿مَلَكُوتَ السماوات﴾ [الأنعام: ٧٥]: الشمس والقمر.
أي: فبأي تخويف بعد تخويف محمد، ( ﷺ)، الذي أتاهم به من عند الله ( تعالى)، في آي كتابه ﴿يُؤْمِنُونَ﴾، وهو القرآن.
ثم قال تعالى: ﴿مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ﴾.
أي: هؤلاء الذين كفروا ولم يتعظوا، إنما كان لإضلال الله، ( تعالى)، إياهم، ولو هداهم لا عتبروا وأبصروا رشدهم، فلا هادي لهم إذ أضلهم الله.
وقوله: ﴿وَيَذَرُهُمْ﴾.
من قرأ بـ " الياء "، رده على اسم الله، (سبحانه).
ومن قرأ بـ: " الرفع " قَطَعَهُ مما قبله، أو عطفه على مضع ما بعد " الفَاءِ " وهو الرفع؛ لأن " الفَاءَ " ترفع ما بدها من الأفعال.
ومن جَزَمَ، عطف على موضع " الفَاءِ "، لأنه لو وقع موضع " الفَاءِ " فِعْلٌ جُزِمَ على الجَزَاءِ، فالعطف على موضع " الفَاءِ " يُوْجِبُ الجَزْمَ.
ومعنى ﴿وَيَذَرُهُمْ﴾، أي: ندعهم، ﴿فِي طُغْيَانِهِمْ﴾، أي: في تماديهم
قوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مرساها قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي﴾، الآية.
﴿مرساها﴾: مبتدأ، و ﴿أَيَّانَ﴾: الخبر.
والمعنى على قول قتادة: أن قريشاً قالت للنبي (صلى الله عليه السلام)، إنَّ بيننا وبينك قرابة، فأسِرّ إلينا متى الساعة! فنزلت الآية.
وقال ابن عباس: أتى قوم من اليهود إلى النبي ( ﷺ)، فقالوا له: أخبرنا متى الساعة إن كنت نبياً؟ أي: متى قيامها؟
و ﴿مرساها﴾ من: أَرْسَيْتُ، إذ أثبت. يقال: رست: إذا ثبت. وأرسيتها:
قال الله، ( تعالى)، لنبيه (عليه السلام)، ﴿قُلْ﴾ يا محمد: ﴿إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا﴾، أي: [لا] يظهرها ويقيمها لوقتها إلا الله، ( تعالى). / يقال: جَلَّى فلان الأمر، إذَا كَشَفَهُ وَأَوْضَحَهُ وَأَظْهَرَهُ.
﴿ثَقُلَتْ فِي السماوات والأرض﴾.
أي: ثقل على أهل السموات والأرض أن يَعْلَمُوا وَقْتَ قِيَامِهَأ.
قال السدي: المعنى: خفيت في السموات والأرض، فلا يعلم قيامها مَلَكٌ مُقَرَّب وَلاَ نَبيٌّ مُرْسَلٌ.
وقيل المعنى: ثقل علمها عليهم.
قاله الحسن.
وقال ابن جريج: ﴿ثَقُلَتْ﴾، معناه: إذا جاءت انشقت السماء، وانتشرت الكواكب، وكُوِّرت الشمس، وسيِّرت الجبال، وكان ما قال الله، ( تعالى). فذلك ثِقَلُها.
وحكى السدي عن بعض العلماء: ﴿ثَقُلَتْ﴾: عَظُمَتْ.
وقيل المعنى: ﴿ثَقُلَتْ﴾ المسألة عنها.
وقال القُتَيْبِي: ثقل علمها على أهل السموات والأرض، أي: خَفِيَ. وَإِذَا خَفِيَ الشَّيْءُ ثَقُلَ.
أي: فجأة.
قال قتادة: ذُكِرَ لنا أن نبي الله [عليه السلام]، كان يقول: " إِنَّ السَّاعَةَ تَهِيجُ النَّاسَ، والرَّجُلُ يُصْلِحُ حَوْضِهُ، والرَّجُلَ يَسْقِي مَا شِيَتَهُ، والرَّجُل يُقِيمُ سِلْعَتَهُ في السُّوْقِ، وَيَخْفِضُ مِيزَانُهُ وَيَرْفَعُهُ ".
وروى أبو هريرة: أن النبي ﷺ، قال: " تَقُوْمُ السَّاعَةُ والرَّجُلاَنِ قَدْ نَشَرَا ثَوْبَهُمَا يبيعانه فما يطويانه حتى تقوم الساعة، وتقوم الساعة والرجل قد رفع أكلته إلى فِيهِ فما تصل إلى فِيهِ حتى قوم الساعة ".
ثم قال: ﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا﴾.
أي: يسألونك عنها ﴿كَأَنَّكَ حَفِيٌّ﴾ بهم، أي: فرحٌ بسؤالهم.
قال قتادة: قالوا له: نحن أقرباؤك، فأسِرَّ لنا متى (تقوم) الساعة؟ فأنزل الله، تعالى، ﴿يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا﴾، (أي): بههم.
وقيل: إنَّ الكَلاَمَ لاَ تَقْدِيمَ فِيهِ وَلاَ تَأْخِيرَ. والمعنى: يسئلونك ﴿كَأَنَّكَ﴾ استحفيت المسألة فعلمتها. قال مجاهد.
وقال الضحاك: ﴿كَأَنَّكَ﴾ عالم بها.
ف " عن " في مَوضِعِ " الباء ". كما جاز أن تقع " الباءُ " في موضع " عَنْ " في
وقيل المعنى: ﴿كَأَنَّكَ﴾ فَرِحٌ بسؤالهم. يقال: حفيت بفلان في المسألة، إذا سألته عنه سؤالاً أظهرت فيه المحبة. وأحفى فلان بفلان في المسألة، تأويله الكثرة. ويقال: حفى الدابة يحفى حفىً مقصورٌ، إذا أكثرت عليه المشي حتى حفى أسفل رجله. والحَفَاءُ، ممدود: مشي الرَّجُل بغير نعل.
وقدره المبرد: ﴿كَأَنَّكَ حَفِيٌّ﴾ بالمسألة ﴿عَنْهَا﴾، أي: مُلْحّ، ومكثر السؤال عنها.
وقوله ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي﴾.
وقوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي﴾،.
أي: علم كنهها وحقيقتها.
ف " العِلْمَانِ ": مختلفان، وليس ذلك بتكرير.
وقرأ ابن عباس: " حَفيٌّ بِهَا ".
﴿إِلاَّ هُوَ﴾، وقف.
﴿عَنْهَا﴾، وقف، على القولين جميعاً.
قوله: ﴿قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ الله﴾، إلى كقوله: ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.
والمعنى: قل يا محمد، لسائليك عن الساعة: ﴿لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَآءَ الله﴾ أن يملكنيه، بأن يُقوِّيني عليه، ويعينني، ﴿وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب﴾، أي: أعلم ما هو كائن ﴿لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ﴾، أي: من العمل الصالح.
وقال ابن جريج: لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً} أي: هدى ولا ضلالة، {وَلَوْ
وقال مجاهد مثله.
وقال ابن عباس: ﴿وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب﴾، أي: أعلم السَّنَةَ الجَدْبَة من الخصبة، لاستكثرت من الرُّخْصِ.
وقيل: ﴿[وَ] لَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب﴾، أي: مَا كَتَبَ الله.
وقيل: لو كنت أعلم ما تسرونه وما يقع بكم حتى تحذروا مكروهه أن تجيبوني إلى ما أدعوكم ﴿لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير﴾، أي: من إجابتكم إلى ما أدعوكم.
﴿وَمَا مَسَّنِيَ السوء﴾، منكم بتكذيب أو عداوة.
وقال الحسن ﴿مِنَ الخير﴾: من الوحي.
﴿وَمَا مَسَّنِيَ السوء﴾، أي: الضر.
وقيل: ﴿وَمَا [مَسَّنِيَ]﴾ تكذيبكم وقولكم: مجنون.
ثم قال تعالى: ﴿هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾.
يعني: آدم، [عليه السلام].
وجعل ﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾.
يعني: حواء خلقت من ضِلْعٍ من (أَضْلاعِ) آدَمَ.
﴿لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾.
﴿فَلَماَّ تَغَشَّاهَا﴾.
كناية عن الجِمَاعِ.
﴿حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً﴾.
يعني: الماء الذي حملته حواء من آدم، عليهما السلام.
﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾.
أي: استمرت به، قامت وقعدت، وأتممت الحَمْلَ.
وقيل: المعنى: ﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾، وجاءت لم ثقلها الحَمْلَ أولاً.
قال قتادة: ﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾، إستبان حَمْلُها.
وقيل معنى " فَمَرَّتْ بِهِ ": فشكَّت، أحملت أم لا؟ رُوِيَ ذلك عن ابن عباس، وقاله: يحيى بن يعمر.
ورُوي: أن البطن الذي ثقل عليها حمله، كان البطن التاسع، وكانت البطون التي قبله خفيفة عليها، فلما أثقلت بهذا البطن التاسع، مرَّ بِهَا إبليسُ فشكت إليه ثِقْل حملها، فقال لها، عدو الله، سَمِيّه: " عبد الحارث " يخف عليك ففعلت.
قال أبو حاتم المعنى: فاستمر بها الحمل، فَقُلِبَ الكَلاَمُ. يقال: أدْخَلْتُ
﴿فَلَمَّآ أَثْقَلَتْ﴾. أي: صار حَمْلُها الخَفِيفَ ثَقِيلاً. وقال السدي ﴿أَثْقَلَتْ﴾: كبر الولد.
﴿دَّعَوَا الله رَبَّهُمَا﴾: يعني آدم وحواء.
﴿لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين﴾.
وقيل: إنهما أشفقا أن يكون الحمل غَيْرَ إِنْسانٍ، فسألا أن يكون إنساناً.
قال ابن عباس: إنهما أشفقا أن يكون بَهِيمَةً.
﴿فَلَمَّآ آتَاهُمَا صَالِحاً﴾. أي: بشراً.
قال ابن جبير: جاءها إبليس فَخَوَّفَهَا أن يكون حَمْلُهَا بهيمة. وقال: اطيعيني وَسَمِّيهِ: " عبد الحارث " تلدين شبَهكما، فذكرت ذلك لآدم، فقال: هو صاحبنا الذي علمت: فمات الولد، ثم حملت آخرى، فعاد إليها إبليس بمثل ذلك، وكن الملعون اسمه في الملائكة: " الحارث ". وقال لها: أنا قتلت الأول، فكرت ذلك لآدم (عليه السلام)، فأبى. ثم حملت ثالثاً، وعاد إليها إبليس بمثل الأول، فذكر ذلك لآدم، فكأنه لم يكرهه، فسمَه: " عبد الحارث ".
قال ابن جبير: لم يكن إلا أن أصابها آدم فحملت، فليس إلا أن حملت تحرك في بطنها ولدها. وذلك كله بعد أن أُهْبِطَا إلى الأرض.
وقول آدم: هو صاحبنا، يعني: هو الذي أخرجنا من الجنة.
قال السدي: لما حملت أتاها إبليس فخوفها أن يكون بهيمة، فعند ذلك
﴿دَّعَوَا الله رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين﴾.
والقراءة عند غيره جائزة، ومعناها: جَعَلاَ لَهُ ذَا شِرْكٍ، ثم حذف، مثل: ﴿وَسْئَلِ القرية﴾ [يوسف: ٨٢]، فالشرك على هذه لإبليس، وهو المضاف المحذوف.
و" الشرك " مصدر: شَرِكْتُهُ في الأمر.
ومن قرأ ﴿شُرَكَآءَ﴾: جعله جمع شريك. وإنَّما جاءت بالجمع وهو واحد،
وقيل: إنما ذلك؛ لأن العرب تخرج الخبر عن الواحد مخرج الخبر عن الجماعة، إِذَا لَمْ تَقْصِدْ وَاحِداً بِعَيْنِهِ، وَلَمْ تُسَمْهِ، نحو قوله: ﴿الذين قَالَ لَهُمُ الناس﴾ [آل عمران: ١٧٣]، وَإِنَّمَا هُوَ وَاحِدٌ.
روى سمرة بن جندب عن النبي ﷺ، أنه قال: " كانت حواء لا يعيش لها
وقال بكر بن عبد الله: سمى آدم ولده عبد الشيطان.
قال عكرمة: كان لا يعيش لهما ولد، فأتاهما الشيطان وقال لهما: إِنْ سَرَّكُما أن يعيش لكما ولد فسمياه: " عبد الحارث ". ففعلا، فذلك قوله: ﴿جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ﴾.
قال ابن جبير: لما أثقلت حواء في أول ولد ولدته، أتاها إبليس قبل أن تلد فقال: يا حواء، ما هذا الذي في بطنك؟ قالت: ما أدري! قال: من أين يخرج؟ من أنفك، أو من عينك، أو من أذنك؟ قالت: لا أدري قال: أرأيت إن خرج سليماً، أتطيعني أنت فيما آمرك به؟ قالت: نعم! قال: سَمِّيهِ " عبد الحارث "، فأتت آدم فأعلمته، فقال له: ذلك الشيطان فاحذريه، فإنه عدنا الذي أخرجنا من الجنة! ثم
قال السدي: لما ولدت غلاماً أتاها إبليس فقال: سمّيه عبدي وإلا قتلته! قال له آدم: قد أطعتك فأخرجتني من الجنة فأبى أن يطيعه، فسَّماه " عبد الرحمن " فَسُلِّط عليه إبليس فقتله. فحملت بآخر فعاد بمثل ذلك، فلم يفعل (ذلك) آدم، وسماه: " صالحاً " فسلط الله عليه إبليس فقتله. فلما كان الثالثة قال لهما: فإذ غلبتموني فسموه: " عبد الحارث " وكان سامه في الملائكة " الحارث "، فسماه " عبد الحارث ".
ورُويَ عن الحسن أنه قال: هذا كان في بعض الملل ولم يكن بآدم. يعني: " الشِّرْك "، إنما كان في بعض الأمم.
وقيل المعنى: جعل أولادهما لله شركاء، يعني: اليهود والنصارى.
وروى قتادة عن الحسن: أنه قال: هم اليهود والنصارى، رزقهم الله الأولاد
وَرُوِىَ عن عكرمة أنه قال: لم يخص بهذا آدم وحواء؛ وإنما المراد بذلك الجنس.
كأنه قال: خلق كل واحد منكم من نفس واحدة، ﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾، أي: من جنسها، ﴿فَلَماَّ تَغَشَّاهَا﴾، يعني: الجنس لا يخصُّ به واحد دون آخر، ﴿دَّعَوَا الله رَبَّهُمَا﴾، يراد به الجنسان الكافران. ثُمَّ يُحْمَل قوله: ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾، على الجمع؛ لأنهما جنسان.
وقيل: إن قوله: ﴿فِيمَآ آتَاهُمَا﴾، هو تَمَامُ الكَلاَمِ في قصة آدم وحواء، ثم ابتدأ إِخْبَاراً عن المشركين من بني آدم، فقال: ﴿فَتَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾، الآية.
قال محمد بن عرفة نِفْطَوِيْه: لم يشركا بربهما، إنما أطاعا إبليس في بعضما أُمرا بتركه، أَطَاعَاهُ طَاعَةَ مُغْتَرٍ مُكَادٍ، لاَ طَاعَةَ مُلْحِدٍ مُصِرٍّ. قال: فأما قول: ﴿فَتَعَالَى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾، فإنما أريد به: من عبد غير الله من اولاد آدم وحواء، دليله (قوله): ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً﴾، إلى قوله: ﴿صامتون﴾، فلم يعبد آدم وحواء أصناماً
فالمعنى: أيشركون في عبادة الله، فيعدبون ﴿مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً﴾، يعني تسميتهما ولدهما: " عبد الحارث ".
رُوِيَ أنّ النبي، ﷺ، قال: " خَدَعَهُما (إبليس) مرتين، في الجنة وفي الأرض ".
وقال ابن زيد: لما ولد لهما ولد سمياه: " عبد الحارث " فمات، ثم ولد لهما أخرى فسمياه: " عبد الله " فأتاهما إبليس فقال: أتظنان أن الله تارك عبده عندكما؟ لا والله، ليذبهن به كما ذهب/ بالآخر! ولكن أدلكما على اسم يبقى لكما ما بقيتما، فَسَمّيَاهُ: " عبد شمس " فذلك قوله تعالى: ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً﴾، يعني: الشمس.
وإنما أخرج الخبر بلفظ الجميع لأنهم كانوا يعظمون ما يعبدون ويخبرون عنها مث الإخبار عمن يعقل، فخوطبوا بما كانوا يعقلون.
ثم قال: ﴿وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلآ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ﴾.
أي: ما يعبد هؤلاء، لا ينصرون من يعبدهم، ولا ينصرون أنفسهم.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الهدى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ﴾.
والمعنى: إنكم إن دعوتم آلهتكم إلى رشاد لم تفهم، فكيف يُعْبَدُ من إذا دُعِي إلى الرشاد وعُرِّفه لم يعرفه، ولم يفهم رشاداً من ضلال، وكان دعؤه وتركه سواء، فكيف يُعْبَدُ من هذه صفته، وكيف يُشْكِل عظيمُ جهل من اتخذ ما هذه صفته إلاهاً؟
﴿سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامتون﴾.
﴿كَمَثَلِ الذي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ﴾ [البقرة: ١٧١]. وقد مضى بيانه.
ثم قال: ﴿إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ﴾.
يعني: المعبودين.
قرأ ابن جبير: " إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبَاداً أَمْثَالَكُمْ "، بتخفيف ﴿إِنَّ﴾، بجعلها بمعنى: " ما "، وبنصب " العبادَ " و " الأمثال " على النفي،
والاختيار عند سيبويه: الرفع (مع) " إِنْ " إذا كانت بمعنى " ما "؛ لأن " ما " عملها ضعيف، فعمل ما هو في معناها أضعف.
وزعم الكسائي: إن العرب لا تأتي بـ " إنْ " بمعنى " ما " في الكلام، إلا أن يكون بَعْدَهَأ إِيجَابٌ، كقوله: ﴿إِنِ الكافرون إِلاَّ فِي غُرُورٍ﴾ [الملك: ٢٠].
قوله: ﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ﴾، الآية.
كل هذا خطاب للمشركين من عبدة الأوثان و (هو) توبيخ لهم وتقريع على عبادتهم من لا رِجْل له ولا يَدَ ولا عين، ولا يفهم، ولا يضر ولا ينفع.
فالمعنى: ﴿أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ﴾، فيسعون معكم في حوائجكم، {أَمْ
ثم قال الله تعالى، لنبيه عليه السلام: ﴿قُلِ﴾ لهم: ﴿ادعوا شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ﴾، أي: ادعوهم لمعونتكم عَلَيَّ، ﴿ثُمَّ كِيدُونِ﴾ أنتم وهم، " فلا تنظرون "، أي: لا تؤخرون بالكيد، ولكن عَجِّلُوا كلَّ هذا. يُنَبِّئُهُمِ أَنَّ آلِهَتَهُمْ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ.
قوله: ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ الله الذي نَزَّلَ الكتاب﴾، إلى قوله: ﴿عَنِ الجاهلين﴾.
قرأ الجَحْدَري: " إِنَّ وَلِيَّ اللهِ "، بياء مفتوحة شديدة، وخفض الاسم. يعني
ومعنى الآية على قراءة الجماعة: قل، يا محمد، لعبدة الأوثان، ﴿إِنَّ وَلِيِّيَ الله﴾، أي: (إنَّ) نصيري عليكم، ﴿الله الذي نَزَّلَ الكتاب﴾ عَلَيَّ بِالحَقَّ، ﴿وَهُوَ يَتَوَلَّى الصالحين﴾، أي: يَنْصُرُهُمْ عَلَى مَنْ عَادَاهُمْ فِيهِ.
ثم قال: ﴿والذين تَدْعُونَ مِن دُونِهِ/ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ﴾.
[أي: وقل لهم بعد إخبارك أن الله، تعالى، ينصرك: والذين تدعون من دون الله، لا يستطيعون نصركم] كما نصرني الله، ولا يستطيعون نصر أنفسهم. فأي هذين أولى بالعبادة؟ من نَصَرَ نَفْسَهُ، وَنَصَرَ مَنْ عَبَدَهُ، أو من لا يستطيع نصر لنفسه ولا نصر من عبده؟
ثم قال تعالى: ﴿وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الهدى لاَ يَسْمَعُواْ﴾.
أي: وإن تدعوا، أيُّها المشركون، آلهتكم ﴿إِلَى الهدى لاَ يَسْمَعُواْ﴾ دعاءكم.
﴿وتراهم يَنظُرُونَ إِلَيْكَ﴾، يعني: آلهتكم، ﴿وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾، يعني: الآلهة.
وقال السدي: يعني بذلك المشركين، لا يسمعون الهدى،
﴿يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾ ما تدعوهم إليه.
وقيل معنى: ﴿يَنظُرُونَ إِلَيْكَ﴾ هنا: يُوَاجِهُونَك ولا يَرَوْنَكَز
وحكى الكسائي: " الحَائِطُ يَنْظُرَ إِلَيْكَ ". أي: يواجهك، إذا كان قريباً منك.
وحكى: " دَارِي تَنْظُرُ إِلَى دَارِ فُلاَنَ "، أي تواجه وتحاذي وتقابل.
وقيل: هي للآلهة؛ لأنها مثل بني آدم في صورها التي مَثَّلُوها؛ ولأنهم يعظمونها ويخاطبونها بمخاطبة من يعقل، فَخُطِبُوا كَذَلِكَ. فمن جعله للمشركين، كان " ترى " على بابه، من رؤية العين.
ثم قال تعالى: ﴿خُذِ العفو وَأْمُرْ بالعرف وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين﴾.
قال بعض أهل المعاني: في هذه الآية بيان قول النبي، ﷺ: " أُوتيتُ جَوَامِعَ الكَلاَمِ ".
فهذه الآية قد جمعت معاني كثيرة، وفوائد عظيمة، وجمعت كل خُلُقٍ حسن؛ لأن في " أخذ العفو ": صلة القاطعين، والصفح عن الظالمين، وإعطاء المانعين.
وفي " الأمر بالمعروف ": تقوى الله ( تعالى)، وطاعته، (جلت عظمته)، وصلة الرجم، وصون اللسان عن الكذب، وغض الطرف عن الحُرُمات.
وفي الإعراض عن الجاهلين ": الصبر، والحلم، وتنزيه النفس عن مخالطة السفيه، ومنازعة اللَّجُوج، وغير ذلك من الأفعال المَرْضَيَّةِ.
وقال أهل التفسير في قوله ﴿خُذِ العفو﴾، أي: خذ فضل أموالهم، وهو حق في المال نَسَخَتْهُ الزَّكَاةُ.
وهو قول: ابن عباس، والسدي، وغيرهما.
وقيل: هو الزكاة. وهو قول مجاهد.
وقيل: هو أمْرٌ بالاحتمال وترك الغِلْظة، ثم نسخ بالأمر بالغلظة والأمر بالقتال. وهو قول ابن زيد.
وقال عبد الله، وعروة بن الزبير: روى هشام بن عروة عن أبيه ﴿خُذِ العفو﴾، أي: من أخلاق الناس، أي: السَّهْلَ مِنْهَا.
قال عروة، والسدي: " العُرْفُ ": المعروف.
وفي الحديث معنى الآية: " أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، وتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ ".
قال سفيان بن عيينة: بلغني أن جبريل، عليه السلام، نزل على النبي ( ﷺ)، فقال: يا محمد، جئتك بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ في الدنيا والآخرة ﴿خُذِ العفو وَأْمُرْ بالعرف وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين﴾، وهو يا محمد أن تصل من قطعك، وأن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك.
وروى ابن عيينة عن الشعبي أنه قال: " إن جبريل، عليه السلام، (لما) نزل بهذه الآية
وقوله: ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين﴾.
قال ابن زيد: هذا منسُوخٌ بالقتل.
وقيل: هي مُحْكَمةٌ، إنما أُمر بالاحتمال واللِّين. وذكر سفيان بن عيينة أن
قال قتادة: هذه أخلاق أمر الله، ( تعالى)، نبيه، (عليه السلام) (بها) وَدَلَّهُ عليها.
ورُويَ: أن جبريل عليه السلام، نزل على النبي ﷺ، فقال يا محمد، أتيتك بمكارم الأخلاق في الدنيا والآخرة ﴿خُذِ العفو وَأْمُرْ بالعرف وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين﴾، وذلك يا محمد، أن تصل من قطعك، وتعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتَحْلُمَ عمن هو دونك.
ورُوِيَ أن " العُرْفَ "، قول: لا إله إلا الله، أُمِر النبي ﷺ، أن يأمر الناس بقولها.
والمعنى: وإما يغضبَنَّكَ من الشيطان، غَضَبٌ يَصُدُّكَ عن الإعراض عن الجَاهلين، ويحملك على مجازاتهم ﴿فاستعذ بالله﴾، أي: اسْتَجِرْ بِهِ، ﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ لجل الجاهل عليك، ولاستعاذتك به من نزغ الشيطان، ولغير ذلك من أمورك، ﴿عَلِيمٌ﴾، بما يذهب عند نَزْغَ الشَّيْطَانِ، وبغير ذلك.
وقال أبو عبيدة المعنى: وإما يستخفنك منه خفة.
وقيل " نَزْغُهُ ". وسوسته.
وقيل: " نَزْغُهُ ": فساده.
و" الطَّائِفُ " و " الطَّيْفُ " عند جماعة من البصريين، سواء، وهو ما كان كالخيال، والشيء يُلِمُّ بِكَ.
وقيل: إن " طيفاً " مخفف من: " طيّفٍ "، مثل: " مَيْتٌ ومَيِّتٌ.
وقال بعض الكوفيين: " الطَّائِفُ ": ما طاف به من وسوسة الشيطان. و " الطَّيْفُ ": من اللَّمم والمَسِّ.
وقال الكسائي: " الطَّيْفُ: " اللهو، و " الطَّائفُ ": كل ما طاف حول الإنسان.
وقرأ ابن جبير: " طيِّفٌ " مشدوداً.
و" الطَّيْفُ " عند أهل العربية: مصدر طاف.
وقال الكسائي: " طَافَ " من: الواو.
وقال الأَحْمَرُ سمعت: طِفْتُ أطِيفُ ".
وحكى البصريون: " طَاف بطيف " و " طِفْتُ أطِيفُ ".
قال ابن جبير ومجاهد: " الطَّيْفُ ": الغضب.
وقال ابن عباس " طَائِفٌ ": لمَّةٌ من الشيطان.
قال ابن عباس: ﴿فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾، أي: منتهون عن المعصية.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغي﴾.
أي: وإخوان الشياطين تمدهم الشياطين في الغي.
﴿ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ﴾.
أي: لا يقصرون عما أقصر عنه الذين اتقوا ﴿إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشيطان﴾.
وهذا خبر من الله، ( تعالى) عن حال المؤمنين وحال الكفار، أن المؤمن إذا
و" المَدُّ ": الزيادة، ف " الهاء " و " الميم " في: ﴿وَإِخْوَانُهُمْ﴾ تعود على الشياطين. ودَلَّ " الشيطان " في قوله ﴿طَائِفٌ مِّنَ الشيطان﴾، على الشياطين. و " الإخوان " كناية عن الكفار.
والضمير المرفوع في: " يُمِدُّونَ " يعود على " الشياطين ".
و" الهاء " و " الميم " في ﴿يَمُدُّونَهُمْ﴾ تعود على " الكفار "، وهم الإخوان.
وقيل المعنى: ثم لا يقصر الشياطين في مدهم في الغي للكفار. قاله: قتادة.
وقال: ﴿لاَ يُقْصِرُونَ﴾ عنهم ولا يرحمونهم. / فالضمير في ﴿يُقْصِرُونَ﴾ للشياطين. وعلى القول الأول للمشركين، وَهُوَ الأَكْثَرُ.
و" الغَيُّ ": الجهل والوقوع في الهلكة.
ثم قال: ﴿وَإِخْوَانُهُمْ﴾، أي: وإخوانهم يعني: الشياطين، ﴿يَمُدُّونَهُمْ﴾، يعنى: الكفار.
يقال: " قَصَّر " عن الشيء و " أَقْصَرَ ".
وقد أنكر أبو حاتم وأبو عُبَيْد قرأءه نافع، بـ: " ضَمَّ اليَاءِ " في: ﴿يَمُدُّونَهُمْ﴾ وهي مشهورة.
وحكى غير المبرد: " مَدَّهُ " و " أمَدَّهُ " بمعنىً.
وقيل ﴿فِي الغي﴾: متعلق بـ " الإخوان "، التقدير: " وَإِخْوَانُهُمْ فِي الغَيِّ يُمِدُّونَهُمُ، والأول أحسن، كما قال: ﴿وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ﴾ [البقرة: ١٥].
المعنى: إنهم يقولون للنبي (عليه السلام)، إذا سألوه في آية فلم يأت بها: هلا افتلعتها من عند نفسك، فهذا قول كفار قريش للنبي، ﷺ.
وعن ابن عباس: هلا أجتبيتها: تقبلتها من ربك.
﴿قُلْ﴾، يا محمد، ﴿إِنَّمَآ أَتَّبِعُ مَا يوحى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هذا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ﴾.
أي: هذ الذي دللتكم عليه ﴿بَصَآئِرُ﴾، أي: لِيُسْتَبْصَرَ بِهِ، وهذا إشارة إلى القرآن والوحي، فلذلك وُحِّدَ.
و ﴿بَصَآئِرُ﴾: حُجَجٌ وبيان لكم من ربكم.
﴿وَهُدًى﴾، أي: بيان، ﴿وَرَحْمَةً﴾ رحم الله بها عباده المؤمنين.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِىءَ القرآن فاستمعوا لَهُ﴾.
قال المسيب بن رافع عن ابن مسعود: ذَلِكَ في الصَّلاَةِ، وكان بعضنا يُسَلِّمُ على بعض في الصلاة، فجاء القرآن: ﴿وَإِذَا قُرِىءَ القرآن فاستمعوا لَهُ وَأَنصِتُواْ﴾.
وقاله أبو هريرة.
وقال الزهري: نَزَلَتْ فِي الأَنْصَارِ، كانوا يقرأون مع النبي، ﷺ، كلما قرأ، فنهوا عن ذلك، وأُمروا بالإنصات.
وكذلك قال النخعي، وابن شهاب، والحسن: إنه أمر في الصلاة. وهو قول: مجاهد وابن المسيب، وقتادة، والضحاك، والشعبي وعطاء وغيرهم.
والخطبة من الصلاة: فَالإِنْصَاتُ لَهَا وَاجِبٌ.
قوله: ﴿تَضَرُّعاً وَخِيفَةً﴾: مصدران. ﴿والآصال﴾: جمع " أُصُلِ "، ك: " طُنُبٍ " وأطنابٍ ". وقال الفراء: هو جمع " أصِيلٍ "، ك: " يَمِينٍ " و " أَيْمَانٍ ".
وقيل: [الأُصُلُ] جمع " أصيلٍ ".
﴿والآصال﴾: جمع " الأُصُل "، وقد تجعل العرب " الأُصُل " وَاحِداً، فيقولون: " قَدْ
ومعنى ﴿واذكر رَّبَّكَ﴾: الدُّعَاءُ، وهو أمر للمستمع للقرآن بأن يذكر الله في نفسه بالدعاء، ويعتبر بما يسمع ويتعظ.
﴿تَضَرُّعاً﴾، أي: تخشعاً وتواضعاً.
﴿وَخِيفَةً﴾، أي: وخوفاً من الله.
﴿وَدُونَ الجهر﴾، أي: واذكره دون الجهر ذِكْراً خَفِيّاً باللِّسَانِ. قال ذلك ابن زيد وغيره.
قال الحسن: كانوا يتكملون في الصلاة حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿واذكر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً﴾. أي: مخافة منه.
ما بين المغرب إلى العصر.
وقيل: هي العَشِيُّ.
﴿وَلاَ تَكُنْ مِّنَ الغافلين﴾.
أي: من اللاهني.
قال مجاهد: ﴿بالغدو﴾: آخر الفجر، صلاة الصبح، ﴿والآصال﴾: آخر العَشِيِّ، صلاة العصر.
وهذا إنما كما إذا كانت الفريضة ركعتين " غدوة "، وركعتين/ " عشية "، قبل أن تفرض الصلوات الخمس.
قال تعالى: ﴿إِنَّ الذين عِندَ رَبِّكَ﴾.
﴿لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ﴾. أي: لا يستكبرون عن التواضع له والتَخَشُّعِ.
﴿وَيُسَبِّحُونَهُ﴾. أي: يُعَظِّمُونه ويُنَزِّهُونه عن السوء.
﴿وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾. أي: يُصَلُّون.