بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأنفال، مدنية١ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأنفال مدنيةقوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال﴾ إلى قوله: ﴿مُّؤْمِنِينَ﴾.
قال أبو حاتم: الوقف على ﴿ذَاتَ﴾ بـ: " الهاء "، وكل العلماء قال: بـ: " التاء "؛ لأَنَّها مُضَافَةٌ، ولا يحسن الوقف عليها البتة إلا عن ضرورة.
وقرأ سعد بن أبي وقاص: " يسئلونك الأنفال "، بغير ﴿عَنِ﴾.
و ﴿الأنفال﴾: الغنائم. بذلك قال عكرمة، ومجاهد، وابن عباس، وقتادة، وابن زيد، وعطاء.
فأكثر العلماء الذين جعلوها: الغنائم، على أنها منسوخة بقوله: ﴿واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ﴾ [الأنفال: ٤١]، الآية.
وقيل: ﴿الأنفال﴾: ما شذَّ من العدو، من عبد أو دابة، للإمام أن يُنْفِلَ ذلك من شاء إذا كان ذلك صلاحاً. قاله الحسن.
﴿الأنفال﴾: جمع " نَفَلٍ "، و " النَّفَلُ ": الغنيمة، سميت بذلك، لأنها تَفَضُّلٌ من الله، تعالى، على هذه الأمة، لم تحل لأحد قبلها.
وقوله: ﴿فاتقوا الله وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ﴾، يَدُلُّ على أن سؤالهم كان بعد تَنَازُعٍ فيها.
وقيل: ﴿الأنفال﴾: السَّرايا. قاله علي بن صالح.
وقال مجاهد ﴿الأنفال﴾: الخُمُسُ.
وهذه الآية نزلت في غنائم بدر، وذلك أن النبي ﷺ، زَادَ قَوْماً لِبَلاَءٍ أَبْلَوْا، فاختلفوا فيها، بعد تَقَضِّي الحرب، فنزلت الآية تعلمهم أنَّ ما فعل النبي ﷺ، ماضٍ جائز.
وروى ابن عباس (Bهما)، أن النبي، ﷺ، قال: " من أتى مكان كذا، وفعل كذا، فله كذا "، فتسارع الشبان، وبقي الشيوخ، فلما فتح الله عليهم، طلب الشبان ما
وقيل: إن النبي ﷺ، سُئِلَ شيئاً من الغنائم قبل أن تقسم فامتنع من ذلك فنزلت: ﴿قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول﴾، فرخّص الله، تعالى، له أن يعطي مَنْ أَرَادَ.
و [قيل]: إنهم سألوه الغنيمة يوم بدر، فَأُعْلِمُوا أن ذلك لله والرسول.
و ﴿عَنِ﴾ في موضع: " مِنْ ".
وقرأ ابن مسعود على هذا التأويل: " يسئلونك الانفال ".
، / من دفع السيف إليه، ثم نُسِخَ ذلك بقوله: ﴿واعلموا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ﴾ الآية.
وَرُوِيَ أن الرجلين اللذين اختصما في السيف إلى النبي ﷺ،: سعد بن مالك بن وُهَيْب الزُّهري، ورجل من الأنصار، فَأُمِرا في الآية أن يسلماه إلى النبي، ﷺ، وأن يصلحا ذات بينهما، وأن يعطيا الله ورسوله فيما يأمرانهما من تسليم السيف إلى النبي ﷺ، وغير ذلك.
وقيل: إن أَهْلَ القُوَّة يوم بدر غنموا أكثر مم اغنم أهْلُ الضُّعْفِ، فذكروا ذلك لرسول الله، ﷺ، فَنَزَلَتْ: ﴿فاتقوا الله وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ﴾.
" والبَيْنُ " هنا: " الوَصْلُ ".
أُمِروا بصلاح وصلهم، وألا يتقاطعوا في الاختلاف على الغنائم، كأنه قال: كونوا مُجْتَمِعي القُلُوب.
وأُنِثَتْ ﴿ذَاتَ﴾؛ لأنه يراد بها الحال التي هم عليها.
وذكر إسماعيل القاضي: أنهم اختلفوا ثلاث فرق، فقالت فرقة اتبعت العدو: نحن أولى بالغنائم، وقالت فرقة حَفَّت بالنبي ﷺ، نحن أولى، وقالت فرقة أحاطت بالغنائم، نحن أولى، فأنزل الله، تعالى، الآيات في ذلك.
قوله: ﴿إِنَّمَا المؤمنون الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾، الآية.
والمعنى: ليس المؤمن من الذي يخالف الله ورسوله، ويترك أمرهما، وإنما المؤمن الذي إذا سمع ذكر الله، تعالى، وَجِلَ قَلْبُهُ، وَخَضَعَ، وانْقَادَ لأمْرِهِ، تبارك وتعالى، وإذا قرئت عليه آيات كتاب الله، سبحانه، صدق بها وأيقن أنها من عند الله، جلت عظمته، فازداد إيماناً إلى إيمانه.
قال ابن عباس: المنافق لا يدخل قَلْبَهُ شَيْءٌ من ذلك، ولا يؤمن بشيء من كتاب الله، أي: من آيات الله سبحانه، ولا يتوكل على الله، تعالى، ولا يصلي إ ذا غاب عن عيون الناس، ولا يؤتي الزكاة فليس هذا بمؤمن، وإنما المؤمن من الذي وصفه الله تعالى، بالخشية وازدياد الإيمان عند سماع آيات الله، تعالى، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة.
قال مجاهد ﴿وَجِلَتْ﴾: فَرِقت.
وقال السدي: هو الرجل يريد أن يظلم أو يهم بمعصية، فيذكر الله، تعالى، فَيْنَزعُ عنها خَوْفاً من الله، سبحانه.
﴿أولائك هُمُ المؤمنون حَقّاً﴾ الآية، المعنى: أولئك الذين هذه صفتهم هم المؤمنون حقاً.
قال ابن عباس: ﴿المؤمنون حَقّاً﴾، أي: بَرِئُوْا من الكفر.
وَهَذَا بَابٌ تُذْكَرُ فَيهَ حَقِيقَةُ الإِيمَانِ وَتَفْسِيرُهُ، وَمَا رُوِيَ فِيهِ، إِنْ شَاءَ اللهُ، تعالى.
وحقيقة الإيمان عند أَهْلِ السُّنَّة: أنه المعرفة بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالجوارح، وكذلك رواه علي بن أبي طالب عن النبي ﷺ.
وقالت المُرجئة الإيمان: قول ومعرفة بالقلب بلا عمل.
وأهل السنة والطريقة القويمة على أنه: المَعْرِفَةُ وَالقَوْلُ وَالعَمَلُ، كما رواه علي عن النبي ﷺ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ إِجْمَاعِ الأُمَّةِ.
قد أَجْمَعَ المُسْلِمُونَ على أنه من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم أخبر أن قلبه غَيْرُ مُصَدِّقٍ بشيء من ذلك، أنَّهُ كَافِرٌ، فدل على أَنَّ الاعتقاد لا بد منه.
ثم أَجْمَعُوا على أَنَّ الكافل إذا قال: قد اعتقدت/ في قلبي الإيمان ولم يقله ويسمع منه، [أن حكمه الكافر] حتى يقوله ويسمع منه، فَإنَّ دمه لو قتل لا تلزم منه دية، فدل على أن القول مع الاعتقاد لا بد منه.
ثم أَجْمَعُوا على أن شهد الشهادتين، وقال: اعتقادي مثل قولي، ولكني لا أصوم ولا أصلي ولا أعمل شيئاً من الفروض أنه يستتاب، فإن تاب وعمل وإلا قتل كما يقتل
فصح من هذا الإجماع، أن الإيمان هو الاعتقاد والقول والعمل، وتمامه: موافقة السنة، وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَآ أمروا إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله﴾، ثم قال: ﴿وَيُقِيمُواْ الصلاة وَيُؤْتُواْ الزكاة وَذَلِكَ دِينُ القيمة﴾ [البينة: ٥]، أي: دين الملة القيمة. ومن لم يقل: إن الله تعالى، أراد الإقرار والعمل من العباد فهو كافر. فإن قيل: لو أن رجلاً أسلم فأقر بجميع ما جاء به محمد ﷺ، أيكون مؤمناً بهذا الإقرار أم لا؟ قيل: له لا يطلق عليه اسم مؤمن إلا ونيته أنه لم يطلق عليه اسم مؤمن، ولو أنه أقرّ في الوقت وقال: لا أعمل إذا جاء وقت العمل، لم يطلق عليه اسم مؤمن.
والأعمال لا يقبل منها إلا ما أريد به وجه الله، (سبحانه)، فأما من أراد بعمله مَحْمَدَةَ الناس وَرَايَا به فليس مما يقبله الله، تعالى، وصاحبه في مشيئة الله سبحانه.
روى أبو هريرة أن النبي ي ﷺ قال: " أَوَّلُ مَا يُقْضَى فيه يوم القيامة ثلاثة: رجل
وروى أبو هريرة أيضاً، أن النبي ﷺ، ق ل: " قال الله جلّ ذكره من قائل،: أَنَا خَيْرُ الشُّرَكَاءِ، فمن عَمِلَ عَمَلاً أشرك فيه غيري، فهو للذي أشركه، وَأَنَا بَرِيءٌ منه ".
وروى ابن عمر أن النبي ﷺ، قال: " أَشَدُّ النَّاسِ يوم القيامة عَذَاباً، من يرى النَّاس أَنَّ فِيهِ خَيْراً وَلاَ خَيْرَ فِيهِ ".
وعنه، ﷺ،: " مَنْ رَاءَا بأمر يريد به سُمْعَةً فإنه في مَقْتٍ من اللهِ تعالى، حتى يجلس ".
وقال النبي ﷺ: " لا تخادعوا الله فإنه من خادع الله بخدعة فنفسه يخدع لو يشعر ". قالوا: يا رسول الله، وكيف يُخادع الله، قال: " تعمل ما أمرك به تطلب غيره، فاتقوا الرياء، فإنه الشرك، فإن المرائي يدعى يوم القيامة على/ رؤوس الأشهاد بأربعة أسماء، ينسب إليها: يا كافر، يا خاسر، يا فاجر، يا غادر، ضل أجرك، وبطل عملك، فلا خلاق لك اليوم، فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له يا خادع ".
وعنه، ﷺ: " إن أدنى الرِّياء شِرْكٌ ".
فإنَّ عَمِلَ عاملٌ عَمَلاً مُخْلِصاً لله ﷺ، في السر، فَسُرّ به، وأُعْجِبَ به إذ وفقه الله تعالى، لذلك فهو حسن، وليس ذلك برياء، وهو ممدوح إنْ سلم من الإعجاب بنفسه؛ فَإنَّ الإعجاب ضَرْبٌ من التكبر، والتكبر يُحْبِطُ الأَعْمَالَ.
فإن ظَهَرَ عَمَلُهُ الذي أَسَرَّه للناس من غير أن يُشْهِّره هو على طريق الافتخار به، فأثنوا عليه بفعله فَسَرَّه ذلك فليس برياء، بل له أجر على ذلك؛ لأن الأصل كان لله تعالى، والناس يَتَأَسَّونَ به في فعله.
وقد روى أبو هريرة:
" أن رجلاً قال لرسول الله ﷺ: يا رسول الله، دخل علي رجل وأنا أصل فأعجبني الحال التي رآني عليها، فقال له النبي ﷺ: " فلك أجران: أَجْرُ السَّرِ، وأَجْرُ العَلاَنِيَّة ".
وروى حبيب بن ثابت عن أبي صالح قال: " أتى النبي ﷺ، [ رجل]، فسأله
وروى حبيب: " أن ناساً من أصحاب النبي ﷺ، قالوا: يا رسول الله، إنَّا نعمل أعمالاً في السر، فنسمع الناس يذكرونها فيعجبنا أن تُذْكَرِ بِخَيْرٍ، فقال: " لكم أجر السر وأجر العلانية ".
وقد روىأنس " أن النبي ﷺ، وجد ذات ليلة شيئاً، فلما أصبح قيل: يا رسول الله إن أثر الوجع عليك لبيّن، فقال: " أما إني على ما ترون بحمد الله، قد قرأت البارحة السبع الطُّوَلُ ".
وهذا من رسول الله ﷺ، استدعاءٌ بأن يعمل الناس على مثل عمله، ويرغبوا في الخير، ويجتهدوا، ولو وقع مثل هذا لمن صح قصده ونيته، وأراد به مثل ما أراد النبي ﷺ، ولم يرد المَحْمَدَةَ والافتخار، لكان حسناً، وصاحِبُهُ مَأْجُورٌ؛ لأَنَّهُ يَفْعَلُهُ لِيَقْتَدَى بِهِ، وَيَعْمَلَ مِثْلُ عَمَلِهِ، وهذا طريق من الدعاء إلى الخير، إذا صحت النية، فهو طريق شريف غير مستنكر.
فحسب أَهْلِ الخَيْرِ أن لا تأتي عليهم حال إلا وهم للشيطان مرغمون، ولطمعه في أنفسهم حاسمون. فإن عجزوا عن ذلك في كل الأوقات فيلفعوه في حال اشتغالهم بأعمال الطاعة حتى تخلص أعمالهم لله تعالى، وتسلم من الشيطان من أولها إلى آخرها فإن عجزوا عن ذلك فلا يعجزوا عن أن يكون ذلك منهم في أول أعمالهم، وفي آخرها، فإن عجزوا عن/ ذلك، فلا بد من إخلاصها في أولها ليكون الابتداء بالنية لله تعالى، والإخلاص له، سبحانه؛ فإنه إذا كان [ذلك] كذلك، ثم عرض في أضعاف العمل عوارض الشيطان وساوسه، رجي له ألا يضره ذلك، فإن عجز عن ذلك وغلبه الشيطان حتى ابتدأ بغير إخلاص. ثم حدث له في بعض العمل إخلاص وإنابة عما فعل رجي له، لقوله: ﴿إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً﴾ [الكهف: ٣٠].
والله تعالى، حسن العفو كريم. روينا في بعض الأخبار عن النبي ﷺ: " أَنَّ الرجل إذا ابتدأ العمل بنية لله، تعالى، ثم عرض له الشيطان في آخر عمله فَغَيّر نيته، أن الله سبحانه، يعفو له عما عرض له، ويكتب له عمله على ما ابتدأه به، وأَنَّ الرجل ليبتدئ بالعمل بغير نية، فتحدث له نية لله تعالى، في آخره أن الله، يعفو له عن أوله، ويكتب له عمله على ما حدث له في آخره " هذا معنى الحديث الذي رؤينا، وهو حديث مشهور بنحو هذا اللفظ وبمثله في المعنى.
فقال ابن حازم: انظر إلى العمل الي تُحِبُّ أن يأتيك الموت وأنت عليه، فخذه الساعة، وإذا قال لك الشيطان: أنت مُراءٍ فلست مرائياً، وإذا خرجت من بيتك، وأنت صادق النية، فلا يضرك ما جاء به الشيطان.
وكان رجل حَسَنُ الصَّوْتِ بالقرآن يأتي الحسن، فربما قال له الحسن: اقرأ، فقال: يا أبا سعيد، إني أقوم من الليل فيأتيني الشيطان إن رفعت صوتي، فيقول: إنما تريد الناس، فقال له الحسن: لك نيتك إذا قمت من فراشك.
فالشيطان، عليه لعنة الله، عدو الله، سبحانه، لطيف المدخل لابن آدم، كثير
وروى معقل بن يسار عن أبي بكر الصديق، (Bهـ)، أَنَّ النبي ﷺ، قال: " الشِّرْكُ فِيكُمْ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ ". قال أبو بكر: يا رسول الله، وهل الشرك إلا أن يُدعى مع الله إله آخر، فقال: " الشِّرْكُ أَخْفَى فِيكُمْ مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ " ثم قال: " يا أبا بكر، ألا أدلك على ما يذهب صغير ذلك وكبيره؟ قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِي أَعُوذَ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ أَأَنَا أَعْلَمُ وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ أَعْلَمُ ".
قوله: ﴿وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [الأنفال: ٢].
أي: يَكِلُونَ أمرهم إلى الله (سبحانه).
روى ابن عباس، أن النبي ﷺ قال: " مَنْ سَرَّهُ أن يكون أكرم الناس فليتق الله، ومن سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يديه ".
روى عمر رضي الله عنهـ، أنّ النبي ﷺ قال:
" لو أنك تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ، تَغْدُو خِمَاصاً، وتَرُوحُ بِطَاناً ".
وعن عمران بن حصين قال: قال رسول الله ﷺ: " من انقطع إلى الله كفاه كُلَّ مُونَتِهِ ورزقه/ من حيث لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدنيا وَكَلَهُ الله إليهاً ".
وروى أبو سعيد الخدري أنَّ النبي ﷺ قال: " لَوْ فَرَّ أَحَدَكُمْ مِنْ رِزْقِهِ لأَدْرَكَهُ كَمَا
وعن أبي ذر مثله.
وقد قال الله: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ الله بَالِغُ أَمْرِهِ﴾ [الطلاق: ٣]. وقال: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا﴾ [التوبة: ٥١].
وروى أبو هريرة أن النبي ﷺ: " يقول الله، جلّ ذكره: يَابْنَ آدم تَفَرَّغْ لِعَبَادَتِي أَمْلأُ صدرك غِنىً، وأَسُدَّ فقرك، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ مَلأَتْ صَدْرَكَ شُغْلاً وَلَمْ أَسُدَّ فُُقْرَكَ ".
وعن أبي [بن] كعب قال: قال رسول الله ﷺ: " مَنْ كَانَتْ نِيّتَهُ الآخِرَةَ جعل الله غناه في قلبه، وَكفَّ عنه ضَيْعَتَهُ، وأَتَتْهُ الدُّنْيا [وهي] رَاغِمَةٌ، ومن كانت نيته الدنيا شتت الله، تعالى، عليه ضَيْعَتَه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتِبَ له ".
وفي هذه الآية دلالة على زيادة الإيمان ونقصه؛ لأن قوله: ﴿زَادَتْهُمْ إيمانا﴾ [الأنفال: ٢]، يَدُلُّ على نقصٍ كان قبل الزيادة.
وعن أبي الدرداء، قال رسول الله ﷺ: " تَفَرَّغُوا مِنْ هُمُومِ الدُّنْيا ما استطعتم، فإنه من كانت الدنيا أكْبَر همَّهِ، أقضى الله عليه ضَيْعَةَ، وجعل فقره بين عَيْنَيْه، ومن كانت الآخرة أكبر همه جمع الله أمره وجعل غناه في قلبه، وما أَقْبَلَ عَبْدٌ بِقَلْبِهِ إِلَى الله تعالى إلا جعل الله قلوب المؤمنين تفد إليه بالود والرحمة، وكان الله إليه بكل
والتوكل على الله، تعالى عند أهل النظر والمعرفة بالأصول، هو: الثقة بالله، سبحانه، في جميع الأمور، والاستسلام له، ( تعالى)، والمعرفة بأَنَّ قضاءه ماضٍ، واتباع أمره، وليس هو أن يطرح العبد بنفسه فلا يخاف شيئاً ولا يحذر أمراً، ويلقى بنفسه في التهلكة؛ لأن الله، سبحانه، يقول لأصحاب نبيه، عليه السلام: ﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزاد التقوى﴾ [البقرة: ١٩٧]، فأمرهم أن يتزودوا في أسفارهم: لأنهم كانوا ربما خرجوا بلا زاد، فلي يجوز لأحدٍ أن يلقى عَدُوَّه بغير سلاح ولا عُدَّةٍ ويجعل هذا تَوَكُلاً. فقد لَبِسَ النبي ﷺ، السلاح، وقال الله، تعالى،: ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا استطعتم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الخيل﴾ [الأنفال: ٦٠]. وقد دخل النبي ﷺ، وأبو بكر الغار.
ودخل مكة وعلى رأسه المِغْفَرُ، وخرج يوم أُحد وعليه درعان. وفرّ
وقد حكى الله تعالى، عن موسى، عليه السلام، الخَوْفَ فقال: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: ٢١]، وقال: ﴿فَأَصْبَحَ فِي المدينة خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ﴾ [القصص: ١٨]، وقال: ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً موسى * قُلْنَا لاَ تَخَفْ﴾ [طه: ٦٧ - ٦٨].
فالملقي بيده إلى التهلكة من عدو أو سبع، ولا علم عنده أن الله تعالى، لا يسلطه عليه آثم في نفسه، مُعِينٌ على قتل نفسه، مُجَرِّبٌ لقدرة ربه، جلت عظمته، مُعْجَبٌ بنفسه، دَالٌ على ربه، سبحانه، / وليس هذا من صفات الصالحين، بل أنفسهم عندهم أَنْقَصُ وَأَذَلُّ، هم وَجِلُون ألا تقبل منهم أعمالهم! فكيف يدلون بأعمالهم! قال الله تعالى: ﴿ والذين يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ المؤمنون: ٦١]، أي: يعلمون ما عملوا من الخير وهم خائفون
فهذا يدفع قول من يدعي في توكله نزول الطعام الكَوْنِي، ووجود الرُّجَب في غير وقته، وشبه ذلك من المعجزات التي لا تكون إلاَّ للنبي، تدل على صدقه في ما أتى به.
فأما كرامات الله، سبحانه لأوليائه وإجابة دعائهم، فليس ينكر ذلك أحدٌ مِنْ أهْلِ السُّنَّة، وإنما ينكرون على ما أجاز حدوث المعجزات على يدي غير الأنبياء؛
وقوله: ﴿لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾.
الدَّرجات: منازل ومراتب رفيعة في الجنة بقدر أعمالهم.
قال مجاهد [الدَّرَجَات]: أعمال رفيعة.
وقال ابن مُحَيْرِيز الدَّرَجَاتُ: سبعون درجة، كل درجة خطو الفرس الجواد المُضَمَّر ستين سنة.
قال الضحاك: أهل الجنة بعضهم فوق بعض، فيرى الذي فوق، فضله على الذي أسفل منه، ولا يرى الأسفل أنه فضل عليه أحد.
قوله: ﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق﴾، الآية.
قال الكسائي: " الكاف ": نعت لمصدر: ﴿يُجَادِلُونَكَ﴾، والتقدير: يجادلونك في الحق مُجَادَلَةً ﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ﴾.
وقال الأخفش: " الكاف " نعت ل: " حق "، والتقدير: هم المؤمنون حقاً
وقيل: " الكاف " في موضع رفع، والتقدير: ﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق﴾ ﴿فاتقوا الله﴾، كأنه ابتداء وخبر.
وقال أبو عبيدة: هو قَسَمٌ، أي: لهم درجات ومغفرة ورزق كريم، والذي أخرجك من بيتك بالحق، ف: " الكاف " بمعنى: " الواو ".
وقال الزجاج: " الكاف " في موضع نصب، والتقدير: الأنفال ثابتة لك ثباتاً ﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ﴾، والمعنى: ﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق﴾ وهم كارهون، كذلك
وقال الفراء التقدير: أمض لأمرك في الغنائم، ونَفِّلْ من شئت وإن كرهوا ﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق﴾.
وقيل: " الكاف " في موضع رفع، والتقدير:
﴿إِنَّمَا المؤمنون الذين إِذَا ذُكِرَ الله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾، إلى: ﴿لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾، هذا وعد وحق ﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق﴾.
وقيل: المعنى: ﴿وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ﴾ ذلك خير لكم ﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ﴾، ف: " الكاف ": نعت لخبر ابتداء محذوف هو الابتداء.
وقيل التقدير: ﴿قُلِ الأنفال للَّهِ والرسول﴾ ﴿كَمَآ أَخْرَجَكَ﴾.
وقوله: ﴿وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المؤمنين لَكَارِهُونَ﴾.
قال ابن عباس: " لما سمع رسول الله ﷺ، بأبي سفيان أنه مقبل من الشام، ندب إليه من المسلمين، وقال: هذه عِيرُ قريش فيها/ أموالهم، فاخرجوا إليها، لَعَلَّ الله أن يُنْفِلَكُمُوهَا! فانتدب الناس، فَخَفّ بعضهم وَثَقُلَ بَعضهم، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله ﷺ يلقى حرباً. فَنَزَلَتْ: ﴿وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المؤمنين لَكَارِهُونَ﴾ ".
قال السدي ﴿لَكَارِهُونَ﴾: لطلب المشركين.
﴿للَّهِ والرسول﴾، وقف.
و ﴿مُّؤْمِنِينَ﴾، وقف.
فإن جعلت التقدير: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال﴾ كما جادلوك يوم بدر، فقالوا: لم تخرجنا للقتال فنستعد له، إنما أخرجتنا للغنيمة، فلا يحسن الوقف على ما قبل " الكاف " على هذا.
وقوله: ﴿يُجَادِلُونَكَ فِي الحق﴾، الآية.
قال ابن عباس: لما شاور النبي ﷺ، في لقاء القوم، قال له سعد بن عبادة ما قال، وذلك يوم بدر، أمر الناس فتعبّوا للقتال، وأمرهم بالشوكة، فكره ذلك أهل الإيمان، فأَنْزَلَ الله، تعالى، ﴿ كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق﴾، إلى ﴿وَهُمْ يَنظُرُونَ﴾.
قال ابن إسحاق: خرجوا مع النبي ﷺ، يريدون العِيَر طمعاً بالغنيمة، فلما عرفوا أن قريشاً قد سارت إليهم، كرهوا ذلك، وكأنهم يساقون إلى الموت؛ لأنهم لم يخرجوا للقتال. فالذي عُني بهذا هم المؤمنون، فَأَنْزَلَ الله تعالى، ﴿ كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بالحق﴾، إلى: ﴿وَهُمْ يَنظُرُونَ﴾.
قال الطبري: المراد بذلك المؤمنون. ودَلَّ عليه قوله: ﴿وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المؤمنين لَكَارِهُونَ﴾، لما كرهوا القتال جادلوا فقالوا: لم تعلمنا أنَّا نلقى العدو فنستعد لقتالهم، إِنَّمَا خرجنا لِلْعِير. وَيَدُلُّ على ذلك قوله: ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ الله إِحْدَى الطائفتين أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشوكة تَكُونُ لَكُمْ﴾، ففي هذا دليل أنّ القوم كانوا للشوكة كارهين، وأن جدالهم في القتال، [كما] قال مجاهد، كراهية منهم له.
وروي عن ابن عباس: ﴿يُجَادِلُونَكَ فِي الحق﴾، أي: في القتال، ﴿بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ﴾، أي: بعد ما أمرت به.
والمعنى: واذكروا، أيها المؤمنون ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ الله إِحْدَى الطائفتين أَنَّهَا لَكُمْ﴾، والطائفتان: إحداهما فرقة أبي سفيان والعير، والطائفة الأخرى: فرقة المشركين الذين خرجوا من مكة لمنع العير.
وقوله: ﴿أَنَّهَا لَكُمْ﴾.
أي: أن ما معهم غنيمة لكم.
وقوله: ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشوكة تَكُونُ لَكُمْ﴾.
أي: تحبون أن تكون لكم العير التي لا قتال فيها ولا سلاح دون/ فرقة المشركين المقاتلة المسلحين.
وكان أصحاب النبي ﷺ، أحبوا أن يَظْفَروا بالعير، فأراد الله تعالى، غير ذلك، أراد أن يَظْفَروا بالمقاتلة، فيكون ذلك أذل لهم وأخزى وهيب في قلوب المشركين؛ لأن المسلمين لو ظَفِروا بالعير ولا مقاتلة معها ما كان في ذلك هيبة ولا ردعة عند المشركين، وإذا ظَفِروا بالمقاتبلة وأهل الحرب والبأس كان ذلك أهيب وأروع لمن بقي منهم.
وقال أبو عبيدة: غير ذات الحد.
يقال: فلان شَائِكٌ في السلاح وشَاكٌ، من الشِّكَةِ.
وقال ابن عباس: " لما خُبِّر رسول الله ﷺ، بأبي سفيان مُقْبلاً من الشَّأْم، ندب المسلمين إليهم، فقال: هذه غير قريش، فيها أموالٌ، أخرجوا إليها لعلّ الله أن يملككموها! فانتدب الناس، فخف بعضهم، وثقل بعضهم؛ لأنهم لم يظنوا أن رسول الله ﷺ، يلقى حرباً، وكان أبو سفيان حين دنا من الحجاز يتحسس الأخبار، ويسأل من لقي من الركبان، تخوفاً على أموال النس، حتى أصاب خبراً من بعض
وروى عكرمة عن أبن عباس قال: " قيل للنبي ﷺ، حين فرغ من بدر، عليك العير ليس دونها شيء، قال: فناداه العباس: لا يصلح، فقال له النبي ﷺ: " لِمَ "؟
قوله: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فاستجاب لَكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.
قرأ عيسى بن عمر: " إنِّي مُمِدُّكُم "، أي: قال: إني ممدكم.
ومن قرأ: ﴿مُمِدُّكُمْ﴾، بفتح الدال، يجوز أن يكون نصباً على الحال من الضمير في: ﴿مُرْدِفِينَ﴾.
وقيل: هو في موضع خفض نعت ل: " ألف ".
وأنكر أبو عبيد أن يكون/ المعنى: يُرْدِف بعضهم بعضاً، أي: يحمله خَلْفَهُ، ودفع قراءة الكسر على هذا التأويل.
فمعنى الكسر: أَنَّ الملائكة يُرْدِفُ بعضها بعضاً، أي: يتبع.
ومعنى الفتح: أن الله أَرْدَفَ بهم المؤمنون.
حكى سيبويه " مُرَدِّفينَ ": بفتح الراء، وتشديد الدال وكسرها.
وأصله: " مُرْتدِفِينَ "، ثم أدَغم " التاء " في " الدال " بعد أن ألقى حركتها
وحكى أيضاً: " مُرِدِفِّينَ " بكسر الراء، على أنه " مُرْتَدِفِينَ " أيضاً، لكن أدغم وكسر الراء لالتقاء الساكنين، ولم يلق عليها حركة " التاء ".
ومعنى الآية: ﴿لِيُحِقَّ الحق وَيُبْطِلَ الباطل﴾ [الأنفال: ٨]، ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾، أي: حين ذلك، أي تستجيرون به من عدوكم، ﴿فاستجاب﴾ ربكم ﴿لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ﴾، أي: بأني ﴿مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ الملائكة﴾ يردف بعضهم بعضاً، أي: يتلوا. وَرُوِيَ عن
قال ابن عباس: لمَّا اصطفَّ القوم، قال أبو جهل: اللهم أولانا بالحق فانصره! ورفع النبي ﷺ، يده وقال: يا رب، إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبداً.
قال السدي: فاستجاب الله، تعالى، له ونصره بالملائكة، وذلك يوم بدر.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنهـ، لما نظر النبي ﷺ، إلى المشركين وَهم ألفٌ، وأصحابه ثلاث مائة وبضعة عشر، استقبل القبلة، ثم مدَّ يدَهُ، وجعل يهتف بربه: " اللهم أنجز ما وعدتني "، فما زال يهتف حتى سقط رداؤه ﷺ، عن منكبيه، فرده أبو بكر على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، فقال: يا نبي الله كَذَلك مناشدتك
وقوله: ﴿وَمَا جَعَلَهُ الله﴾.
" الهاء " تعود على " الإمْدَادِ ".
وقيل: على " الإِرْدَافِ ".
وقيل: على " الأَلْفِ ".
وقيل: على قبول الدعاء.
و" الهاء "، في ﴿بِهِ﴾ تحتمل ما جاز في " الهاء " في: ﴿جَعَلَهُ﴾.
ويجوز رجوعها على " البشرى "؛ لأنها تعني الاستبشار.
قوله: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النعاس﴾، الآية.
من قرا: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ﴾، احتج بإجماعهم على: ﴿يغشى طَآئِفَةً مِّنْكُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٤].
وقوله: ﴿أَمَنَةً﴾: مفعول من أجله.
وقوله ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ﴾: العامل في ﴿إِذْ﴾ قوله: ﴿إِلاَّ بشرى﴾ [الأنفال: ١٠]، ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ﴾، أي: حين يغشيكم.
ومعنى ﴿يُغَشِّيكُمُ﴾: يلقى عليكم، و ﴿أَمَنَةً﴾: أماناً من الله لكم من عدوكم أن يغلبكم، وذلك يوم أحد أنزل الله، تعالى، عليكم النعاس أمنة من الخوف الذي أصابهم يوم أُحد.
وقوله: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السمآء مَآءً﴾.
كان هذا يوم بدر، أصبح المسلمون مُجْنِبِين على غير مَاءٍ، فأنزل الله تعالى،
قيل: كانت سَبْخَةً لا تثبت عليها الأقدام.
وكانت آية عظيمة في ثبات أقدامهم في المطر على سَبِخَةٍ.
وقول من قال: كانت الأرض رَمِلَةً أَوْلَى، لقوله: ﴿وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقدام﴾.
قال قتادة: ذكر لنا أنهم مُطِروا يومئذ حتى سال الوادي ماءً، وكانوا قد التقوا على كثيب أعفر فَلَبَّده الله تعالى بالماء، وشرب المسلمون واستقوا، [و] أذهب الله تعالى، عنهم وساوس الشيطان وأحزانه.
وكان المشركون سبقوا إلى الماء وإلى الأرض الشديدة، ونزل المسلمون على غير ماء وعلى رمل، فأراهم الله، تعالى، بنزول المطر قدرته، وأثبت في قلوبهم أمارة النصر والغلبة فتقَّوت نفوسهم وتشجعوا، وذهب عنهم وسوسة الشيطان.
وقوله: ﴿وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقدام﴾.
أي: بالمطر، وذلك أنهم التقوا مع عدوهم على رَمْلة فَلَبَّدَهَا المطر حتى تثبت الأقدام عليها، وكان هذا كله ليلة اليوم الذي ألتقوا فيه في بدر.
أي: وساوسه.
وقال القُتَيْبِي: كيده.
والعامل في ﴿إِذْ يُوحِي﴾، ﴿وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقدام﴾.
وقيل المعنى: واذكر ﴿إِذْ يُوحِي﴾.
وقيل: أوحى الله، تعالى، ﴿ إِلَى الملائكة أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الذين آمَنُواْ﴾، فكان المَلَكُ يظهر للرجل من أصحاب النبي ﷺ في صورة رجلفيقول: سمعت أبا سفيان وأصحابه يقولون: لئن حَمَلَ علينا هؤلاء لَنُهْزَمَنَّ! فتقوى بذلك قلوب المؤمنين.
وقوله: ﴿فاضربوا فَوْقَ الأعناق﴾.
وقال الأخفِ: ﴿فَوْقَ﴾ زائدة.
وقيل المعنى: اضربوا الرؤوس؛ لأنها فوق الأعناق.
وقال أبو عبيدة: ﴿فَوْقَ﴾ بمعنى: " على "، والمعنى " فاضربوا على الأعناق.
وقوله: ﴿واضربوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾.
أي: اضربوا الأطراف من الأيدي والأرجل.
و" البَنَانُ ": [أطراف] أصابع اليدين والرجلين.
وقال عطية، والضحاك: " البَنَانُ ": كل مَفْصلٍ.
وقوله: ﴿فَثَبِّتُواْ الذين آمَنُواْ﴾.
هذا أمر من الله، تعالى للملائكة.
وقيل: إِنَّ الملَكَ كان يأتي أصحاب النبي ﷺ، فيقول: سمعت هؤلاء القوم يعني المشركين، يقولون: والله لئن حملوا علينا لننكشفن! فيتحدث بذلك المسلمون، وتقوى نفوسهم.
وقيل معنى ثَبِتُّوهم أي: بالمدد.
قوله: ﴿ذلك بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ الله وَرَسُولَهُ﴾، إلى قوله: ﴿سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.
والمعنى: هذا الفعل الذي فُعل بهم من ضرب الأعناق وغير ذلك، ﴿ذلك بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ الله وَرَسُولَهُ﴾، أي: خالفوه، كأنهم صاروا فِي شِقٍّ آخر بمخالفتهم له.
أي: يخالفه.
أَجْمَعَ القراء على الإظهار، إذ هو في الخَطِّ بقافين.
والإظهَارُ لغة أهل الحجاز، وغيرهم يُدْغِمُ، وعليه أُجْمِعَ في: " الحشر ".
ويحسن " الرَّوْمُ "، في الوقف في: " الحشر " /؛ لأن الساكن الذي حرك من أجله الثاني لازم في الوقت، وهو " القاف " الأولى المُدْغَمة في الثانية، ولا يحسن " الرّوْمُ " في الوقوف [في الأفعال؛ لأن الساكن الذي حرك من أجله " القاف " الثانية غير لازم
وقوله: ﴿ذلكم فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ﴾.
﴿وَأَنَّ﴾: في موضع رفع عطف على: ﴿ذلك﴾.
وقيل المعنى: وذلك وأن للكافرين، و ﴿ذلكم﴾: في موضع رفع على معنى: الأمر ذلكم، أو: ذلك الأمر.
وقيل: ﴿وَأَنَّ﴾ في موضع نصب على معنى: واعلموا أن للكافرين، كما قال.
يَالَيْتَ زَوْجَكَ قَدْ غَدَا | مُتَقَلِّداً سَيْفاً وَرُمْحاً |
بِأَيْدِي رِجَالٍ لَمْ يَشْيمُوا سُُيُوفَهُمْ | وَلَمْ تَكْثُرِ الْقَتْلَى بِهَا حِينَ سُلَّتِ |