تفسير سورة العلق

تفسير ابن أبي حاتم

تفسير سورة سورة العلق من كتاب تفسير ابن أبي حاتم المعروف بـتفسير ابن أبي حاتم.
لمؤلفه ابن أبي حاتم الرازي . المتوفي سنة 327 هـ

سُورَةُ الْعلق
٩٦
قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ
١٩٤١٦ - عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ قَالَ: الْقَلَمُ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَظِيمَةٌ، لَوْلا الْقَلَمُ لَمْ يَقُمْ دِينٌ، وَلَمْ يَصْلُحْ عَيْشٌ وَفِي قَوْلِهِ: عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ قَالَ الْخَطُّ «١».
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى
١٩٤١٧ - عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ: صَاحِبُ عِلْمٍ وَصَاحِبُ دُنْيَا، وَلا يَسْتَوِيَانِ، فَأَمَّا صَاحِبُ الْعِلْمِ فَيَزْدَادُ رِضَا الرَّحْمَنِ ثُمَّ قَرَأَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ وَأَمَّا صَاحِبُ الدُّنْيَا فَيَتَمَادَى فِي الطُّغْيَانِ ثُمَّ قَرَأَ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ «٢».
١٩٤١٨ - وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَقَالَ: وَاللاتِ وَالْعُزَّى، لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه في التراب، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُصَلِّي لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ، قَالَ: فَمَا فَجَأَهُمْ مِنْهُ إِلا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ بِيَدَيْهِ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَالَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ خَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ دَنَا مِنِّي لاخْتَطَفَتْهُ الْمَلائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا» قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ لَا أَدْرِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَمْ لَا كَلا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى... إِلَى آخِرِ السُّورَةِ «٣».
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى
١٩٤١٩ - عَنْ مُجَاهِدٍ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى قَالَ: أَبُو جَهْلٍ نَهَى مُحَمَّدًا إِذَا صَلَّى فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ قال: عشيرته سندع الزبانية قال: الملائكة «٤».
(١) الدر ٨/ ٥٦٦.
(٢) الدر ٨/ ٥٦٦.
(٣) ابن كثير ٨/ ٤٥٩
(٤) الدر ٨/ ٥٦٦.
وفي قوله :﴿ علم الإنسان ما لم يعلم ﴾ قال : الخط.
قوله تعالى :﴿ إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ﴾
عن ابن مسعود قال : منهومان لا يشبعان : صاحب علم وصاحب دنيا، ولا يستويان، فأما صاحب العلم فيزداد رضا الرحمن، ثم قرأ ﴿ إنما يخشى الله من عباده العلماء ﴾، وأما صاحب الدنيا فيتمادى في الطغيان، ثم قرأ ﴿ إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ﴾ والله أعلم.
وقال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا المعتمر عن أبيه، حدثنا نعيم بن أبي هند، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال : قال أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قالوا : نعم. قال : فقال : واللات والعزى، لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن على رقبته، ولأعفرن وجهه في التراب، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي ليطأ على رقبته، قال : فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه بيديه، قال : فقيل له : مالك ؟ فقال : إن بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة. قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا " قال : وأنزل الله لا أدري في حديث أبي هريرة أم لا ﴿ كلا إن الإنسان ليطغى ﴾. . . إلى آخر السورة.
حدثنا زيد بن إسماعيل الصائغ، حدثنا جعفر بن عون، حدثنا أبو عميس، عن عون قال : قال عبد الله : منهومان لا يشبعان، صاحب العلم وصاحب الدنيا، ولا يستويان، فأما صاحب العلم فيزداد رضى الرحمن، وأما صاحب الدنيا فيتمادى في الطغيان. قال : ثم قرأ عبد الله ﴿ إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى ﴾، وقال للآخر ﴿ إنما يخشى الله من عباده العلماء ﴾.
قوله تعالى :﴿ أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ﴾
عن مجاهد ﴿ أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى ﴾ قال : أبو جهل نهى محمدا إذا صلى.
قوله تعالى :﴿ لنسفعن ﴾
عن ابن عباس في قوله :﴿ لنسعفن ﴾ قال : لنأخذن مثله.
عن مجاهد ﴿ فليدع ناديه ﴾ قال : عشيرته.
١٩٤٢٠ - حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَيْسٍ، عَنْ عَوْنٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ، صَاحِبُ الْعِلْمِ وَصَاحِبُ الدُّنْيَا، وَلا يَسْتَوِيَانِ، فَأَمَّا صاحب العلم فيزداد رضى الرَّحْمَنِ، وَأَمَّا صَاحِبُ الدُّنْيَا فَيَتَمَادَى فِي الطُّغْيَانِ. قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى، أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى، وَقَالَ لِلْآخَرِ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ «١».
قَوْلُهُ تَعَالَى: سندع الزبانية
١٩٤٢١ - عن عبد الله بن الحرث قال: الزبانية أرجلهم في الأرض ورؤوسهم في السماء «٢».
قوله تعالى: لنسفعا
١٩٤٢٢ - عن ابن عباس في قوله: لنسفعا قَالَ: لَنَأْخُذَنَّ مِثْلَهُ «٣».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ
١٩٤٢٣ - عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: وَاسْجُدْ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ وَاقْتَرِبْ أَنْتَ يَا أَبَا جَهْلٍ يتوعده.
(١) ابن كثير ٨/ ٤٦١
(٢) الدر ٨/ ٥٦
(٣) الدر ٨/ ٥٦
قوله تعالى :﴿ واسجد واقترب ﴾
عن زيد بن أسلم قال :﴿ واسجد ﴾ أنت يا محمد ﴿ واقترب ﴾ أنت يا أبا جهل يتوعده.
سورة العلق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (العَلَق) من السُّوَر المكية، وهي أولُ سورةٍ نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بدأت بأمرِ النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة؛ ليُعلِّمَه اللهُ عز وجل هذا الكتابَ، وقد جاءت على ذِكْرِ عظمة الله، وتذكيرِ الإنسان بخَلْقِ الله له من عدمٍ، وخُتمت بتأييد الله للنبي صلى الله عليه وسلم، ونصرِه له، وكفايتِه أعداءَه.

ترتيبها المصحفي
96
نوعها
مكية
ألفاظها
72
ترتيب نزولها
1
العد المدني الأول
20
العد المدني الأخير
20
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
18

* قوله تعالى: {كَلَّآ إِنَّ اْلْإِنسَٰنَ لَيَطْغَىٰٓ ٦ أَن رَّءَاهُ اْسْتَغْنَىٰٓ ٧ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ اْلرُّجْعَىٰٓ ٨ أَرَءَيْتَ اْلَّذِي يَنْهَىٰ ٩ عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰٓ ١٠ أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَى اْلْهُدَىٰٓ ١١ أَوْ أَمَرَ بِاْلتَّقْوَىٰٓ ١٢ أَرَءَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰٓ ١٣ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اْللَّهَ يَرَىٰ ١٤ كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعَۢا بِاْلنَّاصِيَةِ ١٥ نَاصِيَةٖ كَٰذِبَةٍ خَاطِئَةٖ ١٦ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُۥ ١٧ سَنَدْعُ اْلزَّبَانِيَةَ ١٨ كَلَّا لَا تُطِعْهُ} [العلق: 13-19]:

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: «قال أبو جهلٍ: هل يُعفِّرُ مُحمَّدٌ وجهَه بَيْنَ أظهُرِكم؟ قال: فقيل: نَعم، فقال: واللَّاتِ والعُزَّى، لَئِنْ رأَيْتُه يَفعَلُ ذلك، لَأَطأنَّ على رقَبتِه، أو لَأُعفِّرَنَّ وجهَه في التُّرابِ، قال: فأتى رسولَ اللهِ ﷺ وهو يُصلِّي، زعَمَ لِيطأَ على رقَبتِه، قال: فما فَجِئَهم منه إلا وهو يَنكِصُ على عَقِبَيهِ، ويَتَّقي بيدَيهِ، قال: فقيل له: ما لكَ؟ فقال: إنَّ بَيْني وبَيْنَه لَخَنْدقًا مِن نارٍ، وهَوْلًا، وأجنحةً، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «لو دنَا منِّي، لَاختطَفَتْهُ الملائكةُ عضوًا عضوًا»، قال: فأنزَلَ اللهُ عز وجل - لا ندري في حديثِ أبي هُرَيرةَ، أو شيءٌ بلَغَه -: {كَلَّآ إِنَّ اْلْإِنسَٰنَ لَيَطْغَىٰٓ ٦ أَن رَّءَاهُ اْسْتَغْنَىٰٓ ٧ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ اْلرُّجْعَىٰٓ ٨}؛ يَعني: أبا جهلٍ، {أَرَءَيْتَ اْلَّذِي يَنْهَىٰ ٩ عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰٓ ١٠ أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَى اْلْهُدَىٰٓ ١١ أَوْ أَمَرَ بِاْلتَّقْوَىٰٓ ١٢ أَرَءَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰٓ ١٣ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اْللَّهَ يَرَىٰ ١٤ كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعَۢا بِاْلنَّاصِيَةِ ١٥ نَاصِيَةٖ كَٰذِبَةٍ خَاطِئَةٖ ١٦ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُۥ ١٧ سَنَدْعُ اْلزَّبَانِيَةَ ١٨ كَلَّا لَا تُطِعْهُ} [العلق: 13-19]». زاد عُبَيدُ اللهِ في حديثِه قال: «وأمَرَه بما أمَرَه به». وزادَ ابنُ عبدِ الأعلى: «{فَلْيَدْعُ نَادِيَهُۥ}؛ يَعني: قومَهُ». أخرجه مسلم (٢٧٩٧).

* سورة (العَلَق):

سُمِّيت سورة (العَلَق) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (العَلَق) في أولها؛ قال تعالى: {اْقْرَأْ بِاْسْمِ رَبِّكَ اْلَّذِي خَلَقَ ١ خَلَقَ اْلْإِنسَٰنَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق: 1-2].

* وكذلك تُسمَّى بسورة {اْقْرَأْ}، و{اْقْرَأْ بِاْسْمِ رَبِّكَ}؛ للسبب نفسه.

1. الخَلْقُ والتعليم مُوجِب للشكر (١-٥).

2. انحرافُ صِنْفٍ من البشر عن الشكر (٦-٨).

3. صورة من صُوَر طغيان البشر (٩-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /253).

يقول ابنُ عاشور عن مقاصدها: «تلقينُ مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الكلامَ القرآني وتلاوتَه؛ إذ كان لا يَعرِف التلاوةَ من قبل.
والإيماء إلى أنَّ عِلْمَه بذلك مُيسَّر؛ لأن اللهَ الذي ألهم البشرَ العلمَ بالكتابة قادرٌ على تعليم من يشاءُ ابتداءً.
وإيماء إلى أن أمَّتَه ستَصِير إلى معرفة القراءة والكتابة والعلم.
وتوجيهه إلى النظر في خلقِ الله الموجودات، وخاصةً خَلْقَه الإنسانَ خَلْقًا عجيبًا مستخرَجًا من علَقةٍ، فذلك مبدأ النظر.
وتهديد مَن كذَّب النبيَّ صلى الله عليه وسلم وتعرَّضَ ليصُدَّه عن الصلاة والدعوة إلى الهدى والتقوى.
وإعلام النبي صلى الله عليه وسلم أن اللهَ عالمٌ بأمرِ مَن يناوُونه، وأنه قامِعُهم، وناصرُ رسولِه.
وتثبيت الرسول على ما جاءه من الحقِّ، والصلاة، والتقرب إلى الله.
وألا يعبأ بقوةِ أعدائه؛ لأن قوَّةَ الله تقهرهم». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /434).