تفسير سورة العلق

تفسير ابن كثير ط العلمية

تفسير سورة سورة العلق من كتاب تفسير القرآن العظيم المعروف بـتفسير ابن كثير ط العلمية.
لمؤلفه ابن كثير . المتوفي سنة 774 هـ

تفسير
سورة العلق

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة العلق (٩٦) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤)
عَلَّمَ الْإِنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءَ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ- وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِي ذَوَاتِ الْعَدَدِ وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فيتزود لمثلها حتى فاجأه الوحي وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءَ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فِيهِ فَقَالَ اقْرَأْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ- قَالَ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فغطني مِنِّي الْجُهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ- حَتَّى بَلَغَ- مَا لَمْ يَعْلَمْ قَالَ: فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ فَقَالَ: «يَا خَدِيجَةُ ما لي؟» وأخبرها الخبر وقال: «قد خشيت على نفسي».
فقالت له: كلا أبشر فو الله لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتُقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبَ الْحَقِّ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ وهو ابن عم خديجة أخي أبيها، وكان امرأ قد تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ، وَكَتَبَ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنَ الْإِنْجِيلِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُكْتَبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: أَيِ ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ وَرَقَةُ: ابْنَ أَخِي مَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا رَأَى فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ على موسى، ليتني فيها جذعا ليتني أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أو مخرجي هُمْ؟» فَقَالَ وَرَقَةُ:
نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا.
ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ وَفَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا، حُزْنًا غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كي يتردى من رؤوس شَوَاهِقِ الْجِبَالِ، فَكُلَّمَا أَوْفَى بِذُرْوَةِ جَبَلٍ لِكَيْ يُلْقِيَ نَفْسَهُ مِنْهُ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًا، فَيَسْكُنُ بِذَلِكَ جَأْشُهُ وَتَقَرُّ نَفْسُهُ فَيَرْجِعُ، فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ غَدَا لِمِثْلِ ذَلِكَ فَإِذَا أَوْفَى بِذُرْوَةِ الْجَبَلِ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ له مثل
(١) المسند ٦/ ٢٣٢، ٢٣٣.
ذَلِكَ «١» وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ.
وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ جِهَةِ سَنَدِهِ وَمَتْنِهِ وَمَعَانِيهِ فِي أَوَّلِ شَرْحِنَا لِلْبُخَارِيِّ مُسْتَقْصًى، فَمَنْ أَرَادَهُ فَهُوَ هُنَاكَ مُحَرَّرٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
فَأَوَّلُ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ هَذِهِ الْآيَاتُ الْكَرِيمَاتُ الْمُبَارَكَاتُ، وَهُنَّ أَوَّلُ رَحْمَةٍ رَحِمَ اللَّهُ بِهَا الْعِبَادَ وَأَوَّلُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِمْ، وَفِيهَا التَّنْبِيهُ عَلَى ابْتِدَاءِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ مِنْ عَلَقَةٍ، وَأَنَّ مِنْ كَرَمِهِ تَعَالَى أَنْ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، فَشَرَّفَهُ وَكَرَّمَهُ بِالْعِلْمِ وَهُوَ الْقَدْرُ الذي امتاز به أبو البشرية آدَمُ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، وَالْعِلْمُ تَارَةً يَكُونُ فِي الْأَذْهَانِ، وَتَارَةً يَكُونُ فِي اللِّسَانِ، وَتَارَةً يَكُونُ فِي الْكِتَابَةِ بِالْبَنَانِ ذِهْنِيٌّ وَلَفْظِيٌّ وَرَسْمِيٌّ وَالرَّسْمِيُّ يَسْتَلْزِمُهُمَا مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، فَلِهَذَا قَالَ: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ وَفِي الْأَثَرِ: «قَيِّدُوا الْعِلْمَ بِالْكِتَابَةِ» «٢»، وَفِيهِ أَيْضًا: «مَنْ عَمِلِ بِمَا عَلِمَ ورثه الله علم ما لم يكن يعلم».
[سورة العلق (٩٦) : الآيات ٦ الى ١٩]
كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠)
أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (١٤) كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥)
ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨) كَلاَّ لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩)
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الْإِنْسَانِ أَنَّهُ ذُو فَرَحٍ وَأَشَرٍ وَبَطَرٍ وَطُغْيَانٍ إِذَا رَأَى نَفْسَهُ قَدِ اسْتَغْنَى وَكَثُرَ مَالُهُ، ثُمَّ تَهَدَّدَهُ وَتَوَعَّدَهُ وَوَعَظَهُ فَقَالَ: إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى
أَيْ إِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ وَالْمَرْجِعُ وَسَيُحَاسِبُكَ عَلَى مَالِكِ مِنْ أَيْنَ جَمَعْتَهُ وَفِيمَ صَرَفْتَهُ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَيْسٍ عَنْ عَوْنٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ صَاحِبُ الْعِلْمِ وَصَاحِبُ الدُّنْيَا وَلَا يَسْتَوِيَانِ، فَأَمَّا صَاحِبُ الْعِلْمِ فَيَزْدَادُ رضى الرَّحْمَنِ وَأَمَّا صَاحِبُ الدُّنْيَا فَيَتَمَادَى فِي الطُّغْيَانِ قَالَ ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى وَقَالَ لِلْآخَرِ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ طَالِبُ عِلْمٍ وَطَالِبُ دُنْيَا» «٣».
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ، تَوَعَّدَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّلَاةِ عِنْدَ البيت فوعظه تَعَالَى بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أَوَّلًا فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى أَيْ فَمَا ظَنُّكَ إِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي تَنْهَاهُ عَلَى الطَّرِيقِ المستقيمة في فعله أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى
(١) أخرجه البخاري في بدء الوحي باب ٣، وتفسير سورة ٩٦، باب ١، والتعبير باب ١، ومسلم في الإيمان حديث ٢٥٢.
(٢) أخرجه الدارمي في المقدمة باب ٤٣.
(٣) أخرجه الدارمي في المقدمة باب ٣٢.
422
وَأَنْتَ تَزْجُرُهُ وَتَتَوَعَّدُهُ عَلَى صِلَاتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى أَيْ أَمَا عَلِمَ هَذَا النَّاهِي لِهَذَا الْمُهْتَدِي أَنَّ اللَّهَ يَرَاهُ وَيَسْمَعُ كَلَامَهُ. وَسَيُجَازِيهِ عَلَى فِعْلِهِ أَتَمَّ الْجَزَاءِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُتَوَعِّدًا وَمُتَهَدِّدًا: كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ أَيْ لَئِنْ لَمْ يَرْجِعْ عما هو فيه من الشقاق والعناد لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ أَيْ لَنَسِمَنَّهَا سَوَادًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ قَالَ: ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ يَعْنِي نَاصِيَةَ أَبِي جهل كاذبة في مقالها خاطئة في أفعالها فَلْيَدْعُ نادِيَهُ أَيْ قَوْمَهُ وَعَشِيرَتَهُ أَيْ لِيَدَعُهُمْ يَسْتَنْصِرُ بِهِمْ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ وَهُمْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ حَتَّى يَعْلَمَ مَنْ يَغْلِبُ أَحِزْبُنَا أَوْ حِزْبُهُ؟.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ لَئِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ لَأَطَأَنَّ عَلَى عُنُقِهِ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لئن فعل لَأَخَذَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» ثُمَّ قَالَ تَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ «١». وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي تَفْسِيرِهِمَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِهِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ عَدِيٍّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عمرو به.
وروى أحمد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ وَهَذَا لَفْظُهُ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بن أبي هند عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ الْمَقَامِ فَمَرَّ بِهِ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَلَمْ أَنْهَكَ عَنْ هَذَا؟ وَتَوَعَّدَهُ فَأَغْلَظَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتَهَرَهُ، فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ بِأَيِّ شَيْءٍ تُهَدِّدُنِي؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَكْثَرُ هَذَا الْوَادِي نَادِيًا فَأَنْزَلَ الله فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ «٣» وقال ابْنُ عَبَّاسٍ: لَوْ دَعَا نَادِيَهُ لَأَخَذَتْهُ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ مِنْ سَاعَتِهِ (٤). وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «٤» أَيْضًا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ يزيد أَبُو يَزِيدَ، حَدَّثَنَا فُرَاتٌ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ لَئِنْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ لَآتِيَنَّهُ حَتَّى أَطَأَ عَلَى عُنُقِهِ قَالَ: فَقَالَ: «لَوْ فَعَلَ لَأَخَذَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عِيَانًا، وَلَوْ أَنَّ الْيَهُودَ تَمَنَّوُا الْمَوْتَ لَمَاتُوا وَرَأَوْا مَقَاعِدَهُمْ مِنَ النَّارِ، وَلَوْ خَرَجَ الَّذِينَ يُبَاهِلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَرَجَعُوا لَا يَجِدُونَ مَالًا وَلَا أَهْلًا».
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٥» أَيْضًا: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيْزَارِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ لَئِنْ عَادَ مُحَمَّدٌ يصلي عند المقام
(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٩٦، باب ٤، ومسلم في المنافقين حديث ٣٨، والترمذي في تفسير سورة ٩٦، باب ١، وأحمد في المسند ١/ ٣٨٦، ٢/ ٣٧٠.
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ٦٤٩.
(٣) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٩٦، باب ٢، وأحمد في المسند ١/ ٢٥٦.
(٤) المسند ١/ ٢٤٨. [.....]
(٥) تفسير الطبري ١٢/ ٦٤٩.
423
سورة العلق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (العَلَق) من السُّوَر المكية، وهي أولُ سورةٍ نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بدأت بأمرِ النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة؛ ليُعلِّمَه اللهُ عز وجل هذا الكتابَ، وقد جاءت على ذِكْرِ عظمة الله، وتذكيرِ الإنسان بخَلْقِ الله له من عدمٍ، وخُتمت بتأييد الله للنبي صلى الله عليه وسلم، ونصرِه له، وكفايتِه أعداءَه.

ترتيبها المصحفي
96
نوعها
مكية
ألفاظها
72
ترتيب نزولها
1
العد المدني الأول
20
العد المدني الأخير
20
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
18

* قوله تعالى: {كَلَّآ إِنَّ اْلْإِنسَٰنَ لَيَطْغَىٰٓ ٦ أَن رَّءَاهُ اْسْتَغْنَىٰٓ ٧ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ اْلرُّجْعَىٰٓ ٨ أَرَءَيْتَ اْلَّذِي يَنْهَىٰ ٩ عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰٓ ١٠ أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَى اْلْهُدَىٰٓ ١١ أَوْ أَمَرَ بِاْلتَّقْوَىٰٓ ١٢ أَرَءَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰٓ ١٣ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اْللَّهَ يَرَىٰ ١٤ كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعَۢا بِاْلنَّاصِيَةِ ١٥ نَاصِيَةٖ كَٰذِبَةٍ خَاطِئَةٖ ١٦ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُۥ ١٧ سَنَدْعُ اْلزَّبَانِيَةَ ١٨ كَلَّا لَا تُطِعْهُ} [العلق: 13-19]:

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: «قال أبو جهلٍ: هل يُعفِّرُ مُحمَّدٌ وجهَه بَيْنَ أظهُرِكم؟ قال: فقيل: نَعم، فقال: واللَّاتِ والعُزَّى، لَئِنْ رأَيْتُه يَفعَلُ ذلك، لَأَطأنَّ على رقَبتِه، أو لَأُعفِّرَنَّ وجهَه في التُّرابِ، قال: فأتى رسولَ اللهِ ﷺ وهو يُصلِّي، زعَمَ لِيطأَ على رقَبتِه، قال: فما فَجِئَهم منه إلا وهو يَنكِصُ على عَقِبَيهِ، ويَتَّقي بيدَيهِ، قال: فقيل له: ما لكَ؟ فقال: إنَّ بَيْني وبَيْنَه لَخَنْدقًا مِن نارٍ، وهَوْلًا، وأجنحةً، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «لو دنَا منِّي، لَاختطَفَتْهُ الملائكةُ عضوًا عضوًا»، قال: فأنزَلَ اللهُ عز وجل - لا ندري في حديثِ أبي هُرَيرةَ، أو شيءٌ بلَغَه -: {كَلَّآ إِنَّ اْلْإِنسَٰنَ لَيَطْغَىٰٓ ٦ أَن رَّءَاهُ اْسْتَغْنَىٰٓ ٧ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ اْلرُّجْعَىٰٓ ٨}؛ يَعني: أبا جهلٍ، {أَرَءَيْتَ اْلَّذِي يَنْهَىٰ ٩ عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰٓ ١٠ أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَى اْلْهُدَىٰٓ ١١ أَوْ أَمَرَ بِاْلتَّقْوَىٰٓ ١٢ أَرَءَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰٓ ١٣ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اْللَّهَ يَرَىٰ ١٤ كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعَۢا بِاْلنَّاصِيَةِ ١٥ نَاصِيَةٖ كَٰذِبَةٍ خَاطِئَةٖ ١٦ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُۥ ١٧ سَنَدْعُ اْلزَّبَانِيَةَ ١٨ كَلَّا لَا تُطِعْهُ} [العلق: 13-19]». زاد عُبَيدُ اللهِ في حديثِه قال: «وأمَرَه بما أمَرَه به». وزادَ ابنُ عبدِ الأعلى: «{فَلْيَدْعُ نَادِيَهُۥ}؛ يَعني: قومَهُ». أخرجه مسلم (٢٧٩٧).

* سورة (العَلَق):

سُمِّيت سورة (العَلَق) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (العَلَق) في أولها؛ قال تعالى: {اْقْرَأْ بِاْسْمِ رَبِّكَ اْلَّذِي خَلَقَ ١ خَلَقَ اْلْإِنسَٰنَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق: 1-2].

* وكذلك تُسمَّى بسورة {اْقْرَأْ}، و{اْقْرَأْ بِاْسْمِ رَبِّكَ}؛ للسبب نفسه.

1. الخَلْقُ والتعليم مُوجِب للشكر (١-٥).

2. انحرافُ صِنْفٍ من البشر عن الشكر (٦-٨).

3. صورة من صُوَر طغيان البشر (٩-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /253).

يقول ابنُ عاشور عن مقاصدها: «تلقينُ مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الكلامَ القرآني وتلاوتَه؛ إذ كان لا يَعرِف التلاوةَ من قبل.
والإيماء إلى أنَّ عِلْمَه بذلك مُيسَّر؛ لأن اللهَ الذي ألهم البشرَ العلمَ بالكتابة قادرٌ على تعليم من يشاءُ ابتداءً.
وإيماء إلى أن أمَّتَه ستَصِير إلى معرفة القراءة والكتابة والعلم.
وتوجيهه إلى النظر في خلقِ الله الموجودات، وخاصةً خَلْقَه الإنسانَ خَلْقًا عجيبًا مستخرَجًا من علَقةٍ، فذلك مبدأ النظر.
وتهديد مَن كذَّب النبيَّ صلى الله عليه وسلم وتعرَّضَ ليصُدَّه عن الصلاة والدعوة إلى الهدى والتقوى.
وإعلام النبي صلى الله عليه وسلم أن اللهَ عالمٌ بأمرِ مَن يناوُونه، وأنه قامِعُهم، وناصرُ رسولِه.
وتثبيت الرسول على ما جاءه من الحقِّ، والصلاة، والتقرب إلى الله.
وألا يعبأ بقوةِ أعدائه؛ لأن قوَّةَ الله تقهرهم». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /434).