تفسير سورة العلق

المحرر في أسباب نزول القرآن

تفسير سورة سورة العلق من كتاب المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة المعروف بـالمحرر في أسباب نزول القرآن.
لمؤلفه خالد بن سليمان المزيني .

سورة العلق
١٩٦ - قال الله تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (٧) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (١٠) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (١٤) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (١٥) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج مسلم وأحمد والنَّسَائِي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قال أبو جهل: هل يعفِّر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم فقال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنَّ على رقبته أو لأعفرن وجهه في التراب. قال: فأتى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو يصلي: زعم لِيطأ على رقبته قال: فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه. قال: فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولاً وأجنحة.
فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً) قال: فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: لا ندري في حديث أبي هريرة، أو شيء بلغه: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (٧) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (١٠) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ
1083
وَتَوَلَّى) (يعني أبا جهل) (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (١٤) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (١٥) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨) كَلَّا لَا تُطِعْهُ).
وأخرج أحمد والترمذي والنَّسَائِي نحوه عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
1084
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآيات الكريمة. وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسيرها كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري: (ذُكر أن هذه الآية وما بعدها نزلت في أبي جهل بن هشام وذلك أنه قال فيما بلغنا: لئن رأيت محمداً يصلي لأطأن رقبته، وكان فيما ذُكر قد نهى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يصلي، فقال اللَّه لنبيه محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرأيت يا محمد أبا جهل الذي ينهاك أن تصلي عند المقام، وهو معرض عن الحق، مكذب به، يُعجِّب جلَّ ثناؤه نبيه والمؤمنين من جهل أبي جهل وجرأته على ربه في نهيه محمداً عن الصلاة لربه، وهو مع أياديه عنده مكذب به) اهـ.
وقال البغوي: (نزلت في أبي جهل نهى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة) اهـ.
وقال ابن عطية: (وقوله تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى) نزلت في شأن أبي جهل ابن هشام وذلك أنه طغى لغناه، ولكثرة من يغشى ناديه من الناس فناصب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العداوة، ونهاه عن الصلاة في المسجد.
فهذه السورة من قوله: (كلا) إلى آخرها نزلت في أبي جهل).
ثم صرح بذكر الناهي لمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: (ولم يختلف أحد من المفسرين في أن الناهي أبو جهل، وأن العبد المصلي محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) اهـ. بتصرف.
وقال ابن كثير: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (٩) عَبْدًا إِذَا صَلَّى)، نزلت في أبي جهل - لعنه اللَّه - توعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على الصلاة عند البيت فوعظه تعالى بالتي
1085
هي أحسن أولاً فقال: (أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى) ثم ذكر كلامًا حتى قال: ثم قال تعالى متوعداً ومتهدداً: (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) أي لئن لم يرجع عما هو فيه من الشقاق والعناد (لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ). اهـ.
وقال السعدي بعد أن ذكر تفسيرها: (وهذا عام لكل ناهٍ عن الخير، ولكل منهي عنه وإن كانت نازلةً في شأن أبي جهل حين نهى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة، وعذبه وآذاه) اهـ.
وقال ابن عاشور: (الذي ينهى اتفقوا على أنه أُريد به أبو جهل إذ قال قولاً يريد به نهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يصلي في المسجد الحرام فقال في ناديه: لئن رأيت محمداً يصلي في الكعبة لأطأن على عنقه). اهـ.
هذه أقوال المفسرين قد أطبقت واجتمعت على أن المراد بهذه الآيات أبو جهل حيث لم يحتمل رؤية رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ساجدا لربه، منكسراً بين يديه فحمله الحقد والغيظ على النيل من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأراد أن يطأ على العنق الكريم. فصان ربُّ العالمين رسولَه الأمين من كيد هذا الفاجر اللعين وأراه من القدرة الإلهية ما لم ير أو يعرفْ مثله عند أصنامه المنسية.
أما قول الراوي: فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: لا ندري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه.
فإن هذا لا يقدح في السببية لأن نزول هذه الآيات بسبب تلك القصة أجلى وأبين من أن يحتاج إلى التصريح بالنزول، فإن كان التصريح بالنزول محفوظاً فهذا أكمل، وإن لم يكن كذلك فما بين سياق القرآن وسياق الحديث من الموافقة والانسجام يغني عن ذلك ويشفي واللَّه أعلم.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور سبب نزول هذه الآيات الكريمة لصحة سنده، وموافقته سياق القرآن، وإجماع المفسرين عليه والله أعلم.
* * * * *
1086
سورة القدر
1087
سورة العلق
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (العَلَق) من السُّوَر المكية، وهي أولُ سورةٍ نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بدأت بأمرِ النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة؛ ليُعلِّمَه اللهُ عز وجل هذا الكتابَ، وقد جاءت على ذِكْرِ عظمة الله، وتذكيرِ الإنسان بخَلْقِ الله له من عدمٍ، وخُتمت بتأييد الله للنبي صلى الله عليه وسلم، ونصرِه له، وكفايتِه أعداءَه.

ترتيبها المصحفي
96
نوعها
مكية
ألفاظها
72
ترتيب نزولها
1
العد المدني الأول
20
العد المدني الأخير
20
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
18

* قوله تعالى: {كَلَّآ إِنَّ اْلْإِنسَٰنَ لَيَطْغَىٰٓ ٦ أَن رَّءَاهُ اْسْتَغْنَىٰٓ ٧ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ اْلرُّجْعَىٰٓ ٨ أَرَءَيْتَ اْلَّذِي يَنْهَىٰ ٩ عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰٓ ١٠ أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَى اْلْهُدَىٰٓ ١١ أَوْ أَمَرَ بِاْلتَّقْوَىٰٓ ١٢ أَرَءَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰٓ ١٣ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اْللَّهَ يَرَىٰ ١٤ كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعَۢا بِاْلنَّاصِيَةِ ١٥ نَاصِيَةٖ كَٰذِبَةٍ خَاطِئَةٖ ١٦ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُۥ ١٧ سَنَدْعُ اْلزَّبَانِيَةَ ١٨ كَلَّا لَا تُطِعْهُ} [العلق: 13-19]:

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: «قال أبو جهلٍ: هل يُعفِّرُ مُحمَّدٌ وجهَه بَيْنَ أظهُرِكم؟ قال: فقيل: نَعم، فقال: واللَّاتِ والعُزَّى، لَئِنْ رأَيْتُه يَفعَلُ ذلك، لَأَطأنَّ على رقَبتِه، أو لَأُعفِّرَنَّ وجهَه في التُّرابِ، قال: فأتى رسولَ اللهِ ﷺ وهو يُصلِّي، زعَمَ لِيطأَ على رقَبتِه، قال: فما فَجِئَهم منه إلا وهو يَنكِصُ على عَقِبَيهِ، ويَتَّقي بيدَيهِ، قال: فقيل له: ما لكَ؟ فقال: إنَّ بَيْني وبَيْنَه لَخَنْدقًا مِن نارٍ، وهَوْلًا، وأجنحةً، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «لو دنَا منِّي، لَاختطَفَتْهُ الملائكةُ عضوًا عضوًا»، قال: فأنزَلَ اللهُ عز وجل - لا ندري في حديثِ أبي هُرَيرةَ، أو شيءٌ بلَغَه -: {كَلَّآ إِنَّ اْلْإِنسَٰنَ لَيَطْغَىٰٓ ٦ أَن رَّءَاهُ اْسْتَغْنَىٰٓ ٧ إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ اْلرُّجْعَىٰٓ ٨}؛ يَعني: أبا جهلٍ، {أَرَءَيْتَ اْلَّذِي يَنْهَىٰ ٩ عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰٓ ١٠ أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَى اْلْهُدَىٰٓ ١١ أَوْ أَمَرَ بِاْلتَّقْوَىٰٓ ١٢ أَرَءَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰٓ ١٣ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اْللَّهَ يَرَىٰ ١٤ كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعَۢا بِاْلنَّاصِيَةِ ١٥ نَاصِيَةٖ كَٰذِبَةٍ خَاطِئَةٖ ١٦ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُۥ ١٧ سَنَدْعُ اْلزَّبَانِيَةَ ١٨ كَلَّا لَا تُطِعْهُ} [العلق: 13-19]». زاد عُبَيدُ اللهِ في حديثِه قال: «وأمَرَه بما أمَرَه به». وزادَ ابنُ عبدِ الأعلى: «{فَلْيَدْعُ نَادِيَهُۥ}؛ يَعني: قومَهُ». أخرجه مسلم (٢٧٩٧).

* سورة (العَلَق):

سُمِّيت سورة (العَلَق) بهذا الاسم؛ لوقوع لفظ (العَلَق) في أولها؛ قال تعالى: {اْقْرَأْ بِاْسْمِ رَبِّكَ اْلَّذِي خَلَقَ ١ خَلَقَ اْلْإِنسَٰنَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق: 1-2].

* وكذلك تُسمَّى بسورة {اْقْرَأْ}، و{اْقْرَأْ بِاْسْمِ رَبِّكَ}؛ للسبب نفسه.

1. الخَلْقُ والتعليم مُوجِب للشكر (١-٥).

2. انحرافُ صِنْفٍ من البشر عن الشكر (٦-٨).

3. صورة من صُوَر طغيان البشر (٩-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /253).

يقول ابنُ عاشور عن مقاصدها: «تلقينُ مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الكلامَ القرآني وتلاوتَه؛ إذ كان لا يَعرِف التلاوةَ من قبل.
والإيماء إلى أنَّ عِلْمَه بذلك مُيسَّر؛ لأن اللهَ الذي ألهم البشرَ العلمَ بالكتابة قادرٌ على تعليم من يشاءُ ابتداءً.
وإيماء إلى أن أمَّتَه ستَصِير إلى معرفة القراءة والكتابة والعلم.
وتوجيهه إلى النظر في خلقِ الله الموجودات، وخاصةً خَلْقَه الإنسانَ خَلْقًا عجيبًا مستخرَجًا من علَقةٍ، فذلك مبدأ النظر.
وتهديد مَن كذَّب النبيَّ صلى الله عليه وسلم وتعرَّضَ ليصُدَّه عن الصلاة والدعوة إلى الهدى والتقوى.
وإعلام النبي صلى الله عليه وسلم أن اللهَ عالمٌ بأمرِ مَن يناوُونه، وأنه قامِعُهم، وناصرُ رسولِه.
وتثبيت الرسول على ما جاءه من الحقِّ، والصلاة، والتقرب إلى الله.
وألا يعبأ بقوةِ أعدائه؛ لأن قوَّةَ الله تقهرهم». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /434).