تفسير سورة الفيل

تفسير البيضاوي

تفسير سورة سورة الفيل من كتاب أنوار التنزيل وأسرار التأويل المعروف بـتفسير البيضاوي.
لمؤلفه البيضاوي . المتوفي سنة 685 هـ
سورة الفيل مكية، وهي خمس آيات.

(١٠٥) سورة الفيل
مكية، وهي خمس آيات
[سورة الفيل (١٠٥) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (١) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢)
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ الخطاب للرسول صلّى الله عليه وسلم، وهو وإن لم يشهد تلك الوقعة لكن شاهد آثارها وسمع بالتواتر أخبارها فكأنه رآها، وإنما قال كَيْفَ ولم يقل ما لأن المراد تذكير ما فيها من وجوه الدلالة على كمال علم الله تعالى وقدرته وعزة بيته وشرف رسوله عليه الصلاة والسلام فإنها من الإِرهاصات. إذ
روي أنها وقعت في السنة التي ولد فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
قصتها أن أبرهة بن الصباح الأشرم ملك اليمن من قبل أصحمة النجاشي- بنى كنيسة بصنعاء وسماها القليس، وأراد أن يصرف الحاج إليها، فخرج رجل من كنانة فقعد فيها ليلاً فأغضبه ذلك، فحلف ليهدمن الكعبة فخرج بجيشه ومعه فيل قوي اسمه محمود، وفيلة أخرى فلما تهيأ للدخول وعبى جيشه قدم الفيل، وكان كلما وجهوه إلى الحرم برك ولم يبرح، وإذا وجهوه إلى اليمن أو إلى جهة أخرى هرول، فأرسل الله تعالى طيرا، كل واحد في منقاره حجر وفي رجليه حجران، أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة، فترميهم فيقع الحجر في رأس الرجل فيخرج من دبره فهلكوا جميعا. وقرئ «أَلَمْ تَرَ» جداً في إظهار أثر الجازم، وكيف نصب بفعل لا بتر لما فيه من معنى الاستفهام.
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ في تعطيل الكعبة وتخريبها. فِي تَضْلِيلٍ في تضييع وإبطال بأن دمرهم وعظم شأنها.
[سورة الفيل (١٠٥) : الآيات ٣ الى ٥]
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥)
وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ جماعات جمع إبالة وهي الحزمة الكبيرة، شبهت بها الجماعة من الطير في تضامها. وقيل لا واحد لها كعباديد وشماطيط.
تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ وقرئ بالياء على تذكير الطير لأنه اسم جمع، أو إسناده إلى ضمير ربك. مِنْ سِجِّيلٍ من طين متحجر معرب سنك كل وقيل من السجل وهو الدلو الكبير، أو الاسجال وهو الارسال، أو من السجل ومعناه من جملة العذاب المكتوب المدون.
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ كورق زرع وقع فيه الآكال وهو أن يأكله الدود أو أكل حبه فبقي صفرا منه، أو كتبن أكلته الدواب وراثته.
عن النبي صلّى الله عليه وسلم «من قرأ سورة الفيل أعفاه الله أيام حياته من الخسف والمسخ».
سورة الفيل
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الفيل) من السُّوَر المكية، وفيها تذكيرُ قُرَيش بقدرة الله عز وجل؛ إذ حمَى بيته ممن يَكِيد له، وانفرَد بحمايته دُونَ الأصنام العاجزة عن ذلك، وفيها تثبيتُ النبي صلى الله عليه وسلم بأن الذي دفَع كيدَ من يَكِيد لبيته لَأحقُّ بأن يدفعَ كيدَ من يَكِيد لرسوله صلى الله عليه وسلم ودِينِه.

ترتيبها المصحفي
105
نوعها
مكية
ألفاظها
23
ترتيب نزولها
19
العد المدني الأول
5
العد المدني الأخير
5
العد البصري
5
العد الكوفي
5
العد الشامي
5

* سورة (الفيل):

سُمِّيت سورة (الفيل) بهذا الاسم؛ لذِكْرِ قصة (الفيل) فيها، ولم يَرِدْ في غيرها.

قدرة الله في تعذيبِ مَن انتهَك حُرْمةَ بيته (١-٥).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /353).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقاصدها: «قد تضمَّنتِ التذكيرَ بأن الكعبة حرَمُ الله، وأن اللهَ حماه ممن أرادوا به سوءًا، أو أظهَرَ غضبَه عليهم فعذَّبهم؛ لأنهم ظلموا بطمعِهم في هدمِ مسجد إبراهيم وهو عندهم في كتابهم، وذلك ما سماه الله كيدًا، وليكونَ ما حَلَّ بهم تذكرةً لقريش بأن فاعل ذلك هو ربُّ ذلك البيت، وأنْ لا حظَّ فيه للأصنام التي نصَبوها حوله.
وتنبيهَ قُرَيش أو تذكيرهم بما ظهر من كرامة النبيِّ صلى الله عليه وسلم عند الله؛ إذ أهلَك أصحابَ الفيل في عام ولادته.
ومِن وراء ذلك تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم بأن اللهَ يدفع عنه كيدَ المشركين؛ فإن الذي دفَع كيدَ من يَكِيد لبيته لَأحقُّ بأن يدفع كيدَ من يَكِيد لرسوله صلى الله عليه وسلم ودِينِه، ويُشعِر بهذا قولُه: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٖ} [الفيل: 2].
ومن وراء ذلك كلِّه التذكير بأن اللهَ غالبٌ على أمره، وألا تغُرَّ المشركين قوَّتُهم ووفرةُ عددهم، ولا يُوهِنَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تألُّبُ قبائلهم عليه؛ فقد أهلك اللهُ من هو أشدُّ منهم قوةً، وأكثَرُ جمعًا». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /543-544).